ذكريات غانم قدوري الحمد.. (الحلقة الخامسة)

إنضم
29/04/2005
المشاركات
158
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق
بسم الله الرحمن الرحيم

[align=center]وفاة عَمْ رمضان
الخميس 28 آذار 1974 = 4 ربيع الأول 1394هـ[/align]

حضرت إلى الكلية لأشهد محاضرة الدكتور محمد سالم الجرح ، ليس هناك من طلاب المجموعة سواي وطالب ليبي[ لعله : عبد الله أسود] ، وباقي الطلاب يدرسون اللغة الفارسية , حضرت واتجهت إلى غرفة ضابط الوقت (!) لأسأل عن الأستاذ هل حضر ، بحثت عن المسؤول عن توقيع حضور الأساتذة ( عم رمضان) ، رجل طيب طويل ضعيف أسمر ، قد زَيَّنَ الشيب وجهه المتجعد وعينيه الغائرتين ، وسألت عن عم رمضان وكنت بالأمس القريب قد رأيته معافى ، قالوا : ( مات ) لا حول ولا قوة إلا بالله ، تذكرت قول الشاعر :
[align=center]كُلُّ امرئ مُصَبِّحٌ في أهلهِ * والموتُ أدنى من شِرَاكِ نَعْلِهِ[/align]
كان بالأمس قد أنهى الدوام وعاد إلى أهله ، وحلت ساعة الموت ، وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، وتوفي إلى رحمة الله , كانت هناك لوحة في وسط ساحة الكلية يُدَوَّنُ عليها بالطباشير الإعلانات والوفيات , وكان المسؤول عنها ( العم رمضان ) ، وحدث أن كان قريب لأحد الأساتذة قد توفي قبل أيام ، ونُعِيَ إلى هيئة الكلية على اللوحة ، وجاء العم رمضان ليمحو النعي بعد أن مضى على ذلك وقت طويل وأبقى كلمة ( انتقل إلى رحمة الله ) لم يمحها من السبورة ، وسُئِلَ عن سبب إبقائها ، فقال : لعل أحداً يموت فلا يضطر لإعادة كتابتها ، واليوم دُوِّنَ على السبورة اسم الراحل فإذا هو العم رمضان الذي نعى نفسه منذ الأمس إلى الناس ، رحمه الله .

[align=center]محاضرة
الخميس 4 نيسان 1974 = 11 ربيع الأول 1394هـ[/align]

كانت لدينا اليوم محاضرة في اللغة العبرية ، ولكن الأستاذ اعتذر عن الحضور ، وهو كثيرا ما يعتذر ، ومع ذلك فإني ذهبت إلى الكلية ، كانت هناك محاضرة خاصة , حول الفكرة الجديدة التي تحدث عنها الباحث المصري المستغرب ولسون بَشَّاي , كان هذا مصرياً قبطياً قد غادر مصر قبل عدة سنوات إلى أمريكا وتخصص بدراسة اللغة العربية ، وحصل على درجات عليا ، وصار أستاذاً في جامعة هارفود ، وجاء في إجازة سنوية له إلى بلده مصر ، وهو يحمل معه دعوة جديدة لدراسة النحو العربي أو اللغة العربية ، كان قد ألقى محاضرة قبل أسبوعين تقريباً في كلية الآداب في جامعة القاهرة ، ونُوقِشَتْ هذه المحاضرة وأفكارها بعد ذلك , يُرْوَى أن عباس حسن قال له ما معناه : إنه مدفوع من قبل دوائر استعمارية , المهم أني حضرت اليوم محاضرة دارت في مكتب عميد كلية دار العلوم ، وحضرها بعض أساتذة اللغة في الكلية , ولكني حضرت متأخراً ولم أفهم كثيراً مما قيل , كما لم يفهمه الكثيرون ، وكان أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين يلح في القول إن هذا مدسوس من قبل الدوائر الأمريكية الاستعماريـة وإنه خليفـة لويـس عوض وسلامة موسى و ...

[align=center]الشيخ حافظ سلامة
السبت 6 نيسان 1974 = 13 ربيع الأول 1394هـ[/align]

عند الغروب ذهبت أنا والأخ خليل لأداء صلاة المغرب في مسجد في العباسية في الفلاة في ميدان مكشوف ( مسجد النور غير المشيد) , ومن المؤمل أن يُبْنَى في المستقبل ، وهو الآن أرض فلاة تغطيه شجيرات ، والأرض مفروشة بالحصران وازدحم المصلون ، هناك حفل صغير بمناسبة المولد النبوي ، والذي دعانا لحضور هذا الحفل هو أن بعض العلماء الذين يحسن الاستماع إلى كلامهم سيحضر ، وكان من ضمن الحاضرين الذين تكلموا الشيخ حافظ سلامة الذي رَوَّجَ له الإعلام المصري في الداخل ، فعلاً يبدو أنه رجل صالح ذو لحية ووجه وضاء ، وهو أحد الذين قادوا المقاومة الشعبية في حرب السويس يوم 22 أكتوبر وما بعدها حين حاولت قوات اليهود اقتحام المدينة , كان حافظ سلامة في صفوف المقاتلين أو هو الذي كان ينظم تلك المقاومة ، وتكلم وكلامه ليس فيه ضجة كالتي نسمعها من الراديو ونقرأها في الصحف ، قال إننا لو عدنا عودة صادقة إلى الإسلام لما تخلى الله عنا سبحانه ولجعل النصر حليفاً لنا دائما . كان ضمن المتكلمين بل على رأسهم الشيخ أبو زهرة ، لأول مرة أبصره , وقد استفز الحاضرين بحدته وصراحته ، سأله أحدهم عن الاشتراكية الإسلامية ، فقال: لَعَنَ الله الاشتراكية وكُلَّ من دعا إليها !
[align=center]
64b75559a90eec.jpg
[/align]
[align=center]صورة حديثة للشيخ حافظ سلامة من الإنترنت[/align]

[align=center]دعوة الاحتياط
الأحد 7 نيسان 1974 = 14 ربيع الأول 1394هـ[/align]

أثار في نفسي مشاعر القلق على المستقبل البيان الذي سمعت أنه أعلن في العراق باستدعاء كافة قوات الاحتياط ، أولاً لأن ذلك يعني أن شيئاً ما سيحدث ، ولا شك أنه حدث عظيم أي أنه فظيع ودموي يحتاج إلى مزيد من الدماء لا تكفيه دماء هذه الأعداد من القوات النظامية الموجودة فعلاً في الخدمة ، بل لا بد من استعداد قوات إضافية ، وهي قوات الاحتياط كافة, وثانياً يعني أن بعض أحبتي سيشملهم هذا البيان ، أو ربما يشملهم , الأخ سفر ضابط احتياط ، وهو إذا عاد إلى الجيش فإن المكان الذي ربما يذهب إليه هو بنجوين في أقصى الشمال الشرقي من العراق على حدود إيران ، المكان الذي قضى فيه شتاء 67/1968 عندما كان ضابط احتياط , الأخ سالم ربما يشمله هذا ، وأخي صالح كان جندياً ، ربما يشمله هذا الاحتياط ، وأنا أيضاً هنا من بعيد ربما يشملني ، ولكني على ما يبدو بعيد ، ماذا لو تم ذلك وخلا البيت من رجاله ، لا يقلقني إلا حال الوالدة التي قد تفجع ببنيها الأربع وهم ينأون عنها , إن الموت لا يخيف المسلم ، ولكن الموت في سبيل الباطل خسارة ربما في الدنيا والآخرة ، وعلى كل فأنا أدعو الله تعالى أن يجنبنا شر هذه الفتنة ويجنب كل مسلم شرها ، وأن يجعل بؤسها على من سعى في إيقاد جذوتها .

[align=center]مشكلة في المطبخ
الأحد 28 نيسان 1974 = 6 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

كان من المتوقع ألا تجيء اليوم الشغالة , وعلى هذا فقد اتفقنا على أن نشتري دجاجة مشوية للغداء من الجمعية , كانت لدي اليوم محاضرة في الساعة الرابعة عصراً , على هذا مكثت في الصباح في البيت لمراجعة بعض الموضوعات , وخرجت وقت صلاة الظهر إلى الجامع القريب ، ومن هناك ذهبت إلى الجمعية الاستهلاكية لشراء دجاجة مشوية ، ولكن وجدتهم قد فككوا الفرن الخاص بِشَيِّ الدجاج ، وقالوا إنه ليس هناك دجاج إلا بعد الظهر , رجعت إلى البيت , وفكرت في عمل غداء , وقلت في نفسي لو انتظرت الأخ خليل حتى نعمل شيئاً يمكن أن نسد به الرمق , وضعت البطاطا على النار ، وأخرجت اللحم من الثلاجة , وقد عاد الأخ خليل في الساعة الواحدة والنصف , وحين فهم الأمر وعلم أني لم أفعل شيئاً للغداء , كرر نفس المشهد الذي رأيته منه عدة مرات في العهود السابقة , عَبَسَ وأخذ يتكلم بكلام لا يخلو من غلظة ، ورَدَّدَ أكثر من مرة " كم مرة غديتك وكم مرة عشيتك" ، فكانت هذه الكلمات مُدًى تخترق صدري , ماذا لو أنه عشاني فعلاً أو غداني فعلا من جيبه ؟ مجرد أنه كان يقف بالطبخ ، وأنا واقف إلى جانبه في المطبخ ، وأنا أنظف المواعين غالباً ، وأنا أقوم بالأعمال الصغيرة ، وأنا أجلب هذا وذاك ، ولا أرى في ترديد مثل هذه الأمور إلا جهالة وقصوراً ، وأخيرا بدأت تستقر في نفسي حقيقة أرجو إلا تكون هي الحقيقة, وهي أن علاقتي بخليل عادية ، وأنني وإياه إنما نسكن سوية ليخفف بعضنا عن بعض المصاريف ، ويا لها من خيبة أمل ، ولكن ربما كنت واهماً .

[align=center]هزة أرضية
الاثنين 29 نيسان 1974 = 7 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

زارنا الأخ هاشم ، صديق الأخ خليل ، وهو من بغداد ولديه دورة هنا للتدريب ، وهو يوشك أن يسافر عائداً إلى العراق بعد إكمال الدورة ، ووعدنا أن يزورنا قبل سفره , وقد حضر الليلة ، وبعد أن جلس عندنا ساعة أو أكثر أخذ ما كتبنا من رسائل ليوصلها هو في بغداد إلى من أرسلت لهم , وعندما قام من مجلسه وفتحنا له الباب ، كان هو واقفاً أمام المصعد والأخ خليل قريب منه ، وأنا واقف بباب الشقة , وما شعرنا إلا والأرض تظلم في أعيننا ، وشعرت بأن قلبي قد انخلع ، البناء يهتز هزات عنيفة ، وكأني كنت أنتظر في تلك اللحظات تداعى الجدران على رؤوسنا ، ولم أملك إلا أن أردد يا ستار يا ستار ما شاء لي الموقف, وبعد لحظات انجلى الموقف وتبين أنه زلزال ضرب القاهرة ، وكان قوياً بحيث يوشك الواقف على الأرض أن يسقط ، وظهرت أخبار هذا الزلزال الذي ضرب الوجه البحري مما فوق القاهرة إلى الإسكندرية على صفحات الجرائد . وقد ذُكِرَ أنه لم يُحْدِثْ أضراراً تُذْكَرُ سوى تصدع جدران ثلاث منازل , ولكن كم كان هلع الناس عظيماً ، خرجت أنا والأخ خليل إلى الحديقة أمام العمارة لفترة ثم عدنا ، وقد ترك هذا الحادث في نفسي إدراكاً قوياً لصور الآيات القرآنية في عذاب الكفار حين أتى العذاب بنيانهم من القواعد فَخَرَّ عليهم السقف ، وكأن هذا البلد يوشك أن يصيبه ما أصاب الأوائل لِمَا ظهر فيه من الشرور .

[align=center]احتقان الغدة اللعابية
الثلاثاء 30 نيسان 1974 = 8 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

في الصباح ذهبت إلى الكلية إذ كانت لدينا محاضرة في اللغة الانكليزية , في الساعة الحادية عشرة ، الأستاذ الذي بدأ يحاضر لنا في أول السنة انقطع عنا منذ فترة ، وحضر بدله الدكتور أمين العسلي , وهو أكثر شباباً من سلفه د. عبد العظيم درويش الذي يقال إنه مَرِضَ على شيخوخة فأقعده المرض , والعسلي يبدو أنه متدين في أعماقه حين تحدث عن المعاني الإسلامية ، خاصة نحن ندرس سيرة النبي -  - باللغة الإنكليزية , واختتم المنهج اليوم تقريبا ، وهو حوالي 7 صفحات ترجمة وعشر صفحات أو أقل دراسة لغوية , بعدها خرجتُ من المحاضرة مسرعا وركبت في تكسي إلى مستشفى طلبة جامعة القاهرة في الجيزة حيث كنت قد أخذت أشعة يوم الثلاثاء الماضي ، وقالوا إنها ستظهر اليوم ، وبعد وقوف هنا وإسراع هناك حصلت على الأشعة من غير أن يكتبوا عليها التقرير , وعرضتها على الطبيب الذي كان يهم بالخروج , ولكنه تفحصها وطلب إلي الحضور يوم السبت القادم حتى يتم التشخيص النهائي، وقد تأكد لي من قوله أن الغدة اللعابية تحت الفك ملتهبة , وقصة هذه الغدة طويلة معي منذ سنة 1969 إلى الآن ، وقد فحصت قبل أيام عند دكتور مختص في عيادته الخارجية وأخبرني أن الغدة تحتاج إلى استئصال لأنها كما وصفها ( بارزة ) ، ولكن العملية في المستشفى الأهلي تحتاج إلى 100 جنيه على الأقل ، واتجهت أخيراً إلى مستشفى الجامعة حيث أراجع منذ أيام .

[align=center]عيد العمال
الأربعاء 1 مايس 1974 = 9 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

في الصباح دفعنا عقارب الساعة إلى الأمام ساعة كاملة ، إذ يبدأ اليوم توقيت القاهرة الصيفي وأصبح توقيتنا هو نفس توقيت العراق لكن الشمس تشرق في العراق قبل ساعة عن مصر ، المهم كان ذلك مبعثاً لبعض المشاعر حول الوقت , اليوم كان عيد العمال العالمي ، في العراق هذا اليوم عطلة أما هنا فإنه عطلة للعمال فحسب على ما يبدو دون الطلبة وبقية الموظفين ، ذهبت في الصباح إلى مكتبة معهد البحوث والدراسات العربية لمحاولة جمع المادة المتبقية حول الأبجدية .
كان الرئيس السادات بعد الظهر يلقي خطاباً طويلاً في حفل أُقِيمَ في حلوان لمناسبة عيد العمال , وفي الإسكندرية يجلس كيسنجر الذي وصل أمس إلى مصر لإجراء محادثات مع السادات ووزير خارجيته إسماعيل فهمي ، قبل أن يطير إلى إسرائيل وسوريا في جولته الخامسة في الشرق الأوسط في محاولة لفك الارتباط بين القوات كخطوة لتحقيق الحل السلمي ، وفي هذه الأيام تتصاعد الحملات الإعلامية بين بعض الدول العربية والبعض الآخر ، فليبيا تشدد من تصريحاتها ضد مصر ، ومصر ضد العراق... ومنذ حوالي شهرين والمعارك مستمرة على الجبهة السورية بعد تجددها ، وهي تأخذ شكل صراع دائم على قمم جبل الشيخ للسيطرة على نقاطه الإستراتيجية .

[align=center]بطاقات البحث
الأحد 5 مايس 1974 = 13 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

بدأت اليوم أعمل في كتابة بحث ( الكتابة العربية ) أو الأبجدية فقد كنت أجمع المادة منذ زمن بعيد وجمعت مادة لا بأس بها ، ولو أن هناك مقالات لم أطلع عليها , بلغ عدد المصادر أكثر من خمسين , وحاولت أن أترجم بعض الفقرات من اللغة الانجليزية ، ولو أن تلك الترجمة جاءت سقيمة ولكن لتطعيم البحث بما يهواه الأساتذة , كنت قد اتبعت طريقة الأوراق في جمع المادة ، أفكك الدفتر العادي ورقة ورقة وأحاول أن أكتب فكرة في كل ورقة ، ولكن بعض الأوراق حوت أفكاراً عديدة , طريقة مشوهة لطريقة (الدوسيه أو الملف ) ولكن يبدو أني سأستفيد من هذا البحث فائدة مناسبة , فقد ترك عندي قناعة أن الورقة التي تحوي أكثر من فكرة لا يمكن الاستفادة منها عند الكتابة لا في هذه الفكرة ولا في تلك , فالطريقة الفضلى هي أن تكتب كل فكرة حتى ولو كانت سطراً واحداً في ورقة واحدة , حتى يمكن جمعها بسهولة إلى الأوراق الأخرى التي تحمل نفس الفكرة ، وكذلك فاني أوشكت أن أقتنع أن طريقة البطاقات ، مع أني سمعت من يذمها ، هي الوسيلة الناجحة في البحوث العلمية التي تبعث في البحث الدقة وحصر الأفكار وترتيبها بحيث لا تضيع فكرة من البحث , اليوم لم أكتب شيئاً وإنما حاولت أن أقرأ كل الأوراق المجموعة التي تزيد عن ( 300 ) ورقة على ما أقدر، ودونت ملاحظات لمحاولة التبويب , كنت قد وضعت خطة البحث وحاولت تقسيم الأوراق على الخطة بعد إعطاء رقم لكل فصل .

[align=center]حادثة سرقة
الاثنين 6 مايس 1974 = 14 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

بعد أن نمت قليلاً وقت الظهر جلست إلى الأوراق أحاول أن أكتب شيئاً في البحث , قبل صلاة العصر طُرِقَ الباب فإذا بالحاج توفيق رشيد التكريتي واقفٌ بالباب : تفضل أبو سعد , كان يبدو عليه الإرهاق والتعب , قلت: ( إشلونكم ) فأجاب ببرود ، كررت عليه السؤال فإذا هو يتحدث عن حادثة قد وقعت له ، خرج في الصباح من الشقة ، وفي الشارع قريباً من شقتهم في شارع كامل محمد مرسي (13) في حي المهندسين حدث أن تعرض له بعض المحترفين بالنشل ونصبوا له كميناً أو حيلة استطاعوا بها أن يسلمهم مئة وخمسة جنيهات ثم هربوا , وذهب هو على أثر ذلك إلى مركز الأمن في الدقي والأمن العامة ، وتَعَرَّفَ على أشكال الجناة ووعدوه بالسعي في القبض عليهم ، المهم عاد إلى البيت وهو يسكن مع أخيه مجيد ( أو عبد المجيد) الذي يحضر رسالة ماجستير في الاقتصاد ، أما هو فعنده دورة تدريبية في أعمال الفنون , عاد إلى البيت وحين أخبره بالأمر ثار عليه مجيد وهو الأخ الأصغر الذي تربى في بيت أخيه واتهمه بتهم وقحة ، وبعد أن استيقظ الأخ خليل عرض على أبي سعد أن نذهب إلى مجيد حتى يرضيه ، لأنه جاء قد ربط أمتعته ، وطلب منا أن نسكنه معنا وإلا ذهب إلى الفندق ، ذهب الأخ خليل فلم يجد مجيد، وذهبت أنا أبحث عن مجيد ووجدته وجئت معه بسيارة ( أبو هادي ) ولم يكن لجلب مجيد أي معنى سوى اللغو الفارغ ، المهم ذهب مجيد وذهب الحاج توفيق، بعد أن تعشينا سوية ، إلى البيت راضياً ، ولكن القلوب مملوءة .

[align=center]كتابة بحث
الثلاثاء 7 مايس 1974 = 15 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

لا أزال منكباً على أكوام الأوراق المتناثرة أحاول أن أخرج منها بشيء , ولا أزال أكتب في بحث الكتابة العربية ولَمَّا أتجاوز أول الشوط , بعد أن نظمت الأوراق حسب الفصول وعزلتها أخذت كل مجموعة على حدة , أقرأ كل أوراق الفصل ثم أحاول أن أصنف الأفكار , وهنا تظهر أهمية طريقة الكتابة بالبطاقات ، المهم يبدو أني جمعت مادة كثيرة إن لم تكن كل ما كُتِبَ عن الموضوع بالعربية فهي تضم أغلب ما كُتِبَ , وظهرت مشكلة غزارة المادة ولكني حاولت أن أعزل بعضها وأختصر البعض الآخر , وبدأ العمل رغم إرهاق الكتابة يسيراً , وخاصة بعد توزيع الأوراق على الفصول , ومع أني قضيت فترة طويلة في جمع المادة ومراجعتها والآن وأنا أكتب البحث فإني لا أتوقع أن يكون بحثا رفيعاً ، لأنني من الآن أعرف كثيراً من مواطن الضعف فيه ، وأنا الآن حريص على إكمال بحث مناسب كي أقدمه إلى الأستاذ محمد سالم الجرح حتى يمكن أن يضع على ضوئه الدرجة التي أستحقها ، ومع هذا فإنه سيبدو أكثر تناسقاً من بحث الأصوات العربية , الذي سلمته للدكتور بشر منذ زمن , لا شك أن في كتابة مثل هذه البحوث فائدة جيدة حيث ستضعنا في بداية المرحلة إلى بحث الماجستير إن يسر الله وكَتَبَ لي النجاح في السنة التمهيدية , بالنسبة لهذا البحث أرجو بعون الله أن أنتهي منه يوم الخميس مسودة فقط ، حتى أعرضه على الدكتور الجرح كي يوافق على كتابة المبيضة .

[align=center]الانتهاء من كتابة البحوث
الخميس 9 مايس 1974 = 17 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

كأني كنت أحمل ثُقْلاً على ظهري منذ زمن طويل حتى أتعبني وارتحت اليوم برميه عن كاهلي , إنه البحث الخاص بالأبجدية العربية , لقد أنهيت اليوم كتابة مسودته , وقد بلغ أكثر من سبعين صفحة , ولم يبق إلا أن ينظر فيه الأستاذ وأستنسخ نسخة مبيضة له حتى يتم على ضوئها تقدير الدرجة , وفعلا التقيت اليوم بالدكتور محمد سالم الجرح في الكلية كانت لدينا محاضرة كالعادة , لكنه ومنذ ثلاثة أسابيع يعتذر كل مرة , لا أدري ما يشغله , وقد وعدني أن نلتقي في مكتبة المركز البريطاني القريبة من سكننا حتى أقرأ عليه البحث , الحق أني شعرت براحة بدنية وراحة نفسية إلى حد ما بعد أن خط القلم آخر كلمات البحث , لقد تعبت من هذا البحث وكنت أصرف له كل جهدي حتى أن المحاضرات والدروس كنت أهملها أحياناً , كي أتمه لأتفرغ بعد ذلك إلى دراسة المحاضرات , وقد قاربتُ والحمد لله الهدف , لقد رسمتُ خطة لمواجهة البحوث قلت أركز العمل على كل بحث لفترة حتى أنهيه ثم أتفرغ للآخر , أول بحث تفرغت له كان البحث الخاص بقراءة جزء من لسان العرب واستخراج الظواهر اللهجية وأنهيت ذلك البحث منذ الشهر الثاني ، في حين لم يتقدم أحد من الطلبة إلى الأستاذ ببحثه إلى الآن ، كذلك بحث الأصوات أنهيته فـي آخر الشهـر الثالث , واليوم يكتمل والحمد لله آخر البحوث .

[align=center]كابوس الكابسة
السبت 11 مايس 1974 = 19 ربيع الثاني 1394
[/align]
الوقت بعد صلاة المغرب ، كنت في الشقة منهمكاً في الكتابة أحاول أن أنقل بحث ( الأصوات عند ابن يعيش ) للاحتفاظ بنسخة منه عندي وتقديم نسخة للأستاذ ، بعد أن أكملته منذ مدة , كان الأخ خليل يعمل أيضاً في أوراقه , ورفعت رأسي عن الورق لأنظر نظرة فارغة(برئية) تجاهه لا تحمل أي معنى سوى محاولة الاستراحة لأعود من جديد , كان في تلك اللحظة يحاول تدبيس بعض الأوراق , بآلة التدبيس (الكابسة) العائدة لي ، كنت قد وضعتها حيث يمكن أن نستعملها جميعاً , لا بل هو أكثر مني استعمالاً لها , واستعمالها لا يكلفني شيئاً لأن الألف (مسمار) بستين فلسا ، وحتى لو كانت بثمن أغلى فهي لا تساوي شيئاً بجانب العلاقة الطيبة والحفاظ عليها , ولكنه يبدو حين نظرت إليه فكر أني أعاتبه أو أني استكثرت استعماله لها , فقال " لا دِّير بال أبو , أنا راح أشتري وحدة " وربما بضع كلمات أخرى ، وأنا حين سمعت هذا الكلام أسقط في يدي ، وبدأت الفكرة السابقة تلح علي وتنادي أني على حق , لم يكن مني إلا أن أعتذر إليه بأن لا مجال لقول مثل هذا الكلام وقلت" هبني احتجت استعمال بعض حاجاتك هل ستمنعني " المهم عدت إلى الكتابة ولكن القلم كان يرتجف في يدي , وتذكرت قصة الأمس حين قال لي: " والله حق تدفع ثمن اللحم هذا الأسبوع أنت " ، وملخص القصة أننا الأسبوع الماضي لم نتمكن من شراء لحمة جيدة ، فذهبت أنا واشتريت لحمة من غير نظر إلى ماهيتها ، ولكن مع ذلك لم تكن رديئة جداً ، وتذكرت قصصاً أخرى .

[align=center]هموم
الأحد 12 مايس 1974 = 20 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

كان هذا اليوم يوم عمل , فقد أمضيت كل هذا اليوم في البيت أحاول أن أكمل استنساخ بحث الأصوات الذي بدأت به يوم أمس , وقد كنت أحاول أن أغرق في هذا العمل حتى أنسى كل شيء مما يحيط بي من مشاكل , ولم أقف حتى أنهيت البحث في الليل , وإذا بيدي لا تكاد تقوى على مسك القلم , ومع هذا التعب الجسمي هناك تعب بل أتعاب نفسية قديمة وجديدة منذ يوم أمس وما حدث مع الأخ خليل فقد انطوى اليوم كل على نفسه لا بل انطويت أنا على نفسي أما هو فقد كان يتحدث إلى الشغالة , لا أدري متى يتم وضع حد لهذه الأتعاب التي يكاد يخلقها الأخ خليل خلقاً , فأنا إذا ما أخطأت خطأ صغيراً أو عملت عملاً لا يعجبه فهو يثور ، وبدأ الحقائق المخيبة للآمال تنكشف لي ، والحقيقة الأولى التي أدعو الله أن أكون مخطئاً في تصورها , حقيقة العلاقة بنا أنها بدت لي مادية مئة في المئة ، أنا أسكن مع خليل وهو يسكن معي لأننا نحاول أن نخفف من الأتعاب المالية على كل منا , وليس بعد ذلك من رابطة إلا هذه الرابطة , كان هناك صديق لخليل اسمه هاشم كان في دورة في القاهرة كان يسكن مع مسيحي يعمل معه ، وأنا أقدر أن علاقتي بخليل – وأستغفر الله – لا تختلف كثيراً عن علاقة هاشم بصاحبه ، بل ربما كانوا أكثر تسامحاً , وتمنيت لو أن الأمور توقفت عند هذا الحد , أخشى أنها تتدهور إلى أبعد وتطغى على الأهداف التي جئت من أجلها إلى القاهرة .

[align=center]مناقشة بحوث
الاثنين 13 مايس 1974 = 21 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

في الصباح مكثت في البيت حتى ما بعد العاشرة والنصف ، ثم ذهبت إلى مكتبة المركز البريطاني القريبة منا ، فقد كان الدكتور محمد سالم الجرح قد وعدني أن نلتقي هناك وأجلب معي البحث الخاص بالأبجدية حتى ينظر فيه , ويبدي ملاحظاته , وبعد أن سلمته البحث خرجنا من المكتبة أنا عدت إلى البيت وهو ذهب إلى بيتهم القريب أيضاً في 15 شارع المنتصر، المتفرع من الشارع الموازي لشارع النيل , ومكثت مرة أخرى برهة وجيزة في البيت ثم ذهبت إلى الكلية على أساس أن لدينا محاضرة عند الدكتور بشر ، كنت رأيته يوم السبت الماضي وقال إن المحاضرة صارت يوم الاثنين , وجئت إلى الكلية اليوم , وكعادته كان مشغولاً , وأخيراً دخلت إلى مكتب سيادته ! لم يكن أحد من الزملاء قد حضر , فاستغل الفرصة حتى يناقش بحثي ، كان قد قرأه وسَلَّمَنِيه , وقال إنه بحث جيد لولا أن أكثر النصوص منقولة من غير تصرف , وقال إنه أحسن بحث قُدِّم إليه من الطلاب هذه السنة ، فحمدت الله كثيراً , ولكنه قال لا يستحق أكثر من سبعة من عشرة , وبدأ يبدي ملاحظاته , وقلت : لو أعطيتني تلك الملاحظات قبل الكتابة , قال : هذه هي الطريقة أن ندع الطالب يخطئ ويصلح خطأه ، فقلت له : إن هذه مسألة مهمة من حيث الدرجة ، فقال أنا أقدر الدرجة على البحث والحضور والمناقشة , والإجابة التحريرية , المهم أني الآن أوشكت على إنهاء أعمال البحوث ومناقشتها، بل أنهيتها فعلاً ، ولم يبق إلا بحث الأبجدية أستنسخه أو أصلح به بعض الشيء قبل ذلك .

[align=center]
64b75559a4b48f.jpg
[/align]
[align=center]صورة مع الدكتور محمد سالم الجرح أمام مبنى رئاسة جامعة القاهرة
مايس 1974[/align]


[align=center]السلام عليكم فقط
الثلاثاء 14 مايس 1974 = 22 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

لا تزال السحب القاتمة نسبياً تغلف سماء البيت رغم بعض الفجوات الصاحية التي أخذت تظهر ، ولكن حتى تلك فإنها مشوبة بغبار , بعد الفطور انصرفت للقراءة على طاولة الطعام التي اعتدنا أن ندرس عليها والأخ خليل أوشك أن يخرج من البيت , وأثناء ذلك طُرِقَ الباب , بعد التاسعة والنصف صباحاً كان الحاج جاسم الذي يدرس في الأزهر في قسم التاريخ الإسلامي في الدبلوم الثاني للماجستير , كان أثر الإرهاق عليه بادياً , وعرفنا بعض ما عنده , فقد كانت زوجته حاملاً وكان يتوقع أن يجيئه مولود قريباً , وفعلاً فقد قضوا الليلة في المستشفى ورزقهم الله بمولود ، هو أول ولد يرزقانه هو وعقيلته , هم من ديبكة من محافظة أربيل من الأكراد , وهو رجل سمح صريح كان كثيراً ما يدعونا لتناول الغداء عنده ويأخذنا بسيارته ، لم يكن قد تناول الفطور فعملنا له فطوراً ، ودعوناه للغداء وحضر وتغدينا سوية ، المهم من كل هذه الأمور أن الجو المتلبد قد انكشفت بعض جوانبه بوجود الأخ جاسم ، ولكنه عاد من جديد على أول عهده , ليس هناك من حديث إلا السلام عليكم , البارحة خاصة , لا أعتقد أننا تكلمنا في البيت أكثر من السلام عليكم ثلاث مرات : في الصباح وعند عودتي الظهر وعند عودة خليل في المساء ، مشاكل جانبية أدعو الله أن يخلصنا من همها.

[align=center][align=center]عملية جراحية
الأربعاء 15 مايس 1974 = 23 ربيع الثاني 1394هـ[/align]
[/align]
ربما أصبحنا هذا اليوم ونحن أحسن حالاً من الأمس وما قبله ، وربما كنت مبالغاً في بعض ما كتبته ، ولكن لاشك في أن تلك الأيام ستترك في النفس بعض مرارة أتجرع ذكرياتها بين الحين والآخر ، مكثت هذا الصباح في البيت أحاول مراجعة بعض الموضوعات في اللغات السامية , وبعد الثانية عشرة خرجت إلى مستشفى الطلبة حيث كنت قد أخذت موعداً للفحص عند دكتور اسمه محمود خيري كان الموعد يوم الأربعاء الماضي ، ولكنه لم يحضر إلى المستشفى ، كنت أراجع في مستشفى الطلبة منذ أكثر من شهر وبعد أن وصلت إلى طبيب مختص (د. شريف) أحالني إلى الأشعة ، وبعد رواح ومجيء خرجت الأشعة وعرضتها عليه ، فاقترح أن يفحصني دكتور محمود خيري ، يبدو أنه أكبر أطباء المستشفى لا بل يقال إنه مدير مستشفى جامعة القاهرة ، بعد الظهر حضر د. محمود ودخلت عليه وشاهد الأشعة ( وافتح فمك ) وبعد ذلك كتب ورقة بالإحالة إلى العمليات , راجعت قسم العمليات ولكن ( الدوام ) كان قد انتهى ، فقلت أرجع غداً إن شاء الله , عند الغروب فكرت بالذهاب إلى الطبيب الذي ذهبت إليه قبل شهر حيث أخذت بعض الأدوية لتنظيف جهاز الهضم , ووعدني بالعودة إليه بعد أخذ الدواء , د. شوقي متري ، ولم أمكث عنده إلا دقائق , وكنت أشكو من زمان من مفصل الفك الأيمن(1)، وعرضت نفسي على طبيب في العراق ، وقال لي أنه يحتاج إلى عمل قالب معدني يستعمل عند النوم ، ذهبت اليوم مساء من أجل هذا الموضوع إلى طبيب اسمه نصر الله ناشد رئيس قسم طب الأسنان في عين شمس وأعطاني دواء وطلب أن أراجعه بعد أسبوع .

[align=center]تحديد موعد العملية
الخميس 16 مايس 1974 = 25 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

ذهبت في الصباح إلى مستشفى الطلبة لأخذ موعد إجراء العملية , وعند الحاج حسين تم تحديد يوم الحضور إلى المستشفى ، وهو يوم الاثنين القادم 20/5 وربما يكون إجراء العملية يوم الثلاثاء , بعدها كنت على موعد مع محاضرة الدكتور الجرح فذهبت من هناك من ميدان الجيزة إلى الكلية , كان في الكلية هذا اليوم صخب وغبار متطاير حيث يقام مهرجان جوالة الكلية , استمرت المحاضرة إلى الثانية وقد أخذت البحث من الأستاذ الجرح بعد أن اطلع عليه وأبدى بعض الملاحظات مع الإطراء المبالغ فيه للبحث من قبله , أخذته على أمل استنساخ نسخة جيدة لتقديمها للأستاذ ، وقد رأيت أن أحتفظ أنا أيضا بنسخة ، بدأت بنقل البحث بنسختين بواسطة الكاربون , وقد بدأت أشعر الآن أني في ضيق من الوقت , لابد من إكمال البحث وتقديمه ، وكتابة البحث تحتاج إلى جهد جهيد ، والعملية على الأبواب ولا أدري لعل الله يرحم وتمر بسلام , هذا من جانب ومن جانب آخر فقد اتفقت مع الأخ خليل على الذهاب إلى الإسكندرية سوية يوم السبت بعد غد ، ونقضي يوم السبت هناك ونعود الأحد ، هو لديه عمل للحصول على مصدر علمي يحتاجه في بحثه ، وأنا أحاول أن أرى المدينة الشهيرة ومناطق من مصر أخرى , بالإضافة إلى أني أفكر بالذهاب إلى كلية آداب الإسكندرية ، والاطلاع على رسائل مسجلة في موضوع علم اللغة , وأنا متردد الآن بين الإقدام على السفر وبين الانصراف إلى موضوع البحث والاستعداد للعملية ، والله المستعان .

[align=center]الفراغ من البحوث الفصلية
الأحد 19 مايس 1974 = 27 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

سافر الأخ خليل يوم أمس إلى الإسكندرية وعاد في نفس اليوم ، وقد كان سفره خاتمة للجو المكفهر الذي ساد البيت طوال الأيام السابقة ، وأنا لم أسافر كان هناك ما يمنعني ، كنت راغباً أشد الرغبة في ذلك لرؤية الإسكندرية والأجواء المفتوحة في الإسكندرية ، ولكن كان علي أن أكمل نسخ بحث الأبجدية أو تاريخ الكتابة العربية ، فقد كنت قد أكملته يوم الخميس الماضي ، وعرضته على الأستاذ محمد سالم الحرج ووافق على ما فيه بعد أن كان قد أخذه من يوم الاثنين وأعاده يوم الخميس مبديا بعض الملاحظات على ذكر المصادر في الهامش وأموراً شكلية مثل هذه ، وقد أشاد بالبحث إشادة أعتقد أنه يستحقها ، حتى إنه قال الذي يعمل هذا البحث يهون عليه بحث الماجستير , المهم أنا كنت حبيس البيت منذ يوم الخميس وهذا اليوم أيضاً حيث استطعت بحمد الله أن أكمل البحث وأرتبه في ملف , كنت أكتب نسختين بالاستعانة بالكاربون , واحتفظت لي بنسخة منه , وبهذا أكون بحمد الله قد أتممت كتابة البحوث الثلاثة التي كُلِّفْنَا بها في السنة التمهيدية للماجستير ، البحث الأول الخاص بلسان العرب واستخراج كل ما قال عنه أنه ظاهرة لهجية ، وكان نصيبي الجزء الثاني من طبعة بيروت ، وقد اشتريت لسان العرب وانقطعت أدرس الجزء الخاص بي حتى أكملته بما يقرب من شهر منذ الشهر الثاني , وقدمته حين لم يكن أحد قد بدأ فقط بداية في بحثه , وفي الشهر الثالث أكملت بحث الأصوات العربية عن ابن يعيش ، وقد بدا لي أنه لو رجعت أكتب ذلك البحث لكتبته بصورة أجود ، ولكن كل عمل يعمله الإنسان ويعادوه يقول لو عملت كذا ولو أضفت كذا ، والحمد لله .

[align=center]مناقشة رسالة
الاثنين 20 مايس 1974 = 28 ربيع الثاني 1394هـ[/align]

كان هذا اليوم موعد مراجعتي مستشفى الطلبة ( جامعة القاهرة ) فقد كنت قد أخذت موعداً من منذ يوم الخميس الماضي على أن أدخل المستشفى هذا اليوم وأعمل العملية غداً , وجئت اليوم والتقيت بالدكتور شريف الذي قام هو بفحصي أولاً ثم أحالني على الدكتور محمود خيري ، وقد غَيَّرَ الموعد وطلب مني أن أراجع المستشفى يوم الأحد القادم حتى أكمل الفحوص في ذلك اليوم ثم أقضي الليل في المستشفى ثم تُجْرَى لي العملية يوم الاثنين , ووافقت على ذلك ، وإن كان قد قال لي أنه يمكنني أن أؤجل العملية إلى ما بعد الامتحان ، ولكني أجد مجالاً من الوقت شهرين تقريباً ، وإذا يسر الله ونجحت العملية وقضيت فترة النقاهة يمكنني أن أراجع الدروس والموضوعات وأكون مستعداً للامتحان الذي يرجح أن يكون يوم 20/7/1974 , إن التهاب هذه الغدة قد مضى عليه أكثر من خمس سنوات وبدأت أخشى من عواقبه ، وتوكلت على الله لإجراء العملية ، مع أن الأهل لا يعلمون بذلك ، وقررت ألا أعلمهم بذلك إلا بعد العملية ، فإن عدت إليهم جثة هامدة فذلك قدر الله ، وأظنهم سيحتملونه ، وإن نجحتْ أخبرتهم بعـد تحسن حالتي الصحية , والله المستعان .
بعد أن خرجت من المستشفى لانتظار يوم الاثنين القادم ذهبت إلى الكلية وحضرت مناقشة رسالة الماجستير ( قضية فلسطين في الشعر العراقي الحديث ) المقدمة من قبل السيد رشيد نعمان التكريتي أبو مجاهد , وهو خريج كلية الشريعة من قديم ، ودخل الجيش ضابط احتياط ، وهو الآن رائد يعمل في مديرية التجنيد وقد حصل على الماجستير بتقدير جيد جداً ، وربما مكث هنا أياما ليسجل على الدكتوراه .


[align=center]أزمة الدولاب
الجمعة 24 مايس 1974 = 2 جمادى الأولى 1394هـ[/align]

كان الوقت بعد الثانية عشرة منتصف الليل , كنت أحاول أن أكمل بعض الأمور التي كنت قد بدأت بقراءتها ، وكان الأخ خليل قد ذهب إلى غرفته لينام , ولكنه عاد مرة أخرى ليقول لي ما معناه إنك تحاول أن تضيق علي في الدواليب , وهي في غرفتي ، واستغربت من الأمر ، فإذا هو غضبان من اشتراكنا في وضع بعض المواد في دولاب واحد أنا وضعت (اللحاف) بعد أن حَرَّتِ الدنيا في زاوية من الدولاب الذي يضع فيه حقائبه , ولكن ما يثير في الأمر أنه قبل عدة أيام استضافنا أحد الإخوة من العراق وهو أحمد الراوي ، على معرفة الأخ خليل ، فاستضفناه ونزل في غرفتي لأن فيها سريرين , مكان الأخ صباح رشيد شلال الذي عاد إلى العراق وترك الدراسة , وكان في الغرفة دواليب في الجدار يمكن أن أقول إنها خمسة أبواب : باب وضعت فيه الكتب ، أي جعلته مكتبة لهذه الكتيبات التي أملكها ، واثنان مشتركان لحقائبي وتعليق الملابس ، والاثنان الباقيان وضع فيهما الأخ خليل حقائبه وهما على شكل رفوف ، وهناك رفان اثنان فارغان وهو يشغل بالإضافة إلى هذا دولاباً آخر ذو بابين في الممر وشيء يشبه البوفيه في غرفته ، لأن غرفته ليس فيها دولاب ، المهم أني لا أريد أن أرسم صورة للشقة ، ولكني أريد أن أرسم أبعاد مشكلة خُلِقَتْ خلقاً , عندما نزل عندنا الأخ أحمد ( لمدة وجيزة لحين ما يؤجر شقة وتأتي زوجته من العراق ، وهو مهندس لديه دورة ستة أشهر ) وضع حقيبته وبعض أمتعته في الرفين الفارغين في دولاب الأخ خليل ، وعلق ملابسه في الدولاب الذي أعلق فيه ملابسي ، الأخ خليل يبدو أنه زعلان على مضايقة حقائبه في الدولاب .
لا أدري ماذا كان يقصد بعد أن انتصف الليل فانفجر ذلك الانفجار المدوي ، كان الأخ أحمد نائماً , قال: الدولاب ما فيه مكان ، والأغراض مكدسة والأوراق أهم شيء عندي أخشى أن تروح ، فقلت اللحاف اليوم وضعته في زاوية فقال ( لا آني مُوعَلِّحَاف) ولكن ليس عندي بعد اللحاف شيء في الدولاب , وقد بدا لي في تلك الساعة أن أتجاذب أطراف الكلام فقلت : المكان واسع ونحن لا نريد أن نعرض الأغراض ، فغضب وقال : ( ليش إغراضك منظمة في الدواليب ) أخيراً قلت : له ماذا تريد ؟ قال : " ما أريد شعرة وحدة موليه إتكون بدولابي " وفعلا ليس هناك إلا اللحاف فأخذته ووضعته بعد ليه في قاع الدولاب الذي أعلق فيه ملابسي إلى جانب الحقيبة , وبقيت أمتعة الأخ أحمد ويبدو أنها كانت الفتيل المحرق الذي فجر البركان , وانصرف ولم أستطع أنا أن أكمل ما كنت أريد إكماله ، وانصرفت أنا أيضاً واستلقيت على السرير لأنام وأنا أردد ( متى الله يخلصنا من هذا الغم المتجدد ) وفي الصباح بدت الأمور طبيعية من جانبه ولم أحاول التعقيب , وبمناسبة ذهابي إلى المستشفى ، قلت أريد أن أقول كلمة اعتذار إلى الأخ خليل مجاملة ، رغم أني لم أذنب يوماً ولم أعمل أذية بحقه , وبعد حديث من هذا القبيل أعترف هو بأنه يغضب بسرعة ولكنه بعد عشر دقائق يزول غضبه ، على كل حال فإني تعلمت مع الأخ خليل كيف يجب وزن كل حركة ، ثم تعلمت أنه لا يمكن كشف شخصية أي إنسان دون المعايشة ، ورغم ذلك فإن هذه الأمور لن تطغى على الرابطة التي تربطنا والتي لولاها لمضى كل لسبيله منذ زمن بعيد.

[align=center]الفرار من المستشفى!
الأحد 26 مايس 1974 = 4 جمادى الأولى 1394هـ
[/align]
كان هذا اليوم خاتمة رحلة عبر مستشفى جامعة القاهرة ، رحلة مادية ومعنوية ، فقد راجعت المستشفى منذ يوم 17/4/1974 ومنذ ذلك الحين إلى اليوم لا يمر أسبوع إلا ذهبت مرتين أو أكثر ، ويوماً الطبيب غير موجود ، ويوماً الأشعة لم يكتب تقريرها , كان المفروض أن أدخل المستشفى يوم 20 أي قبل أسبوع ، ثم أُجِّلَ إلى هذا اليوم ، ومنذ الصباح الباكر رحت أجمع نفسي وتركت في البيت الحقيبة مملوءة بما أحتاجه لكي أرجع بعد الظهر وآخذها , وصلت المستشفى قبل وصول الأطباء , وجدت د. شريف وكيل المدير على ما يبدو , قال : اذهب إلى الدكتور عمر , وهذا : روح للاستقبال ، وفي الاستقبال : روح إلى د. أشرف في السكن ، وانتظر هذا الدكتور حتى يخرج من السكن ، وبعد وقفة هنا وجلسة هناك التقيت بالدكتور أشرف ، وضم إلى الورقة التي أحملها ورقتين ، وقاس الضغط والحرارة والنبض وأمور شكلية , وقالوا لي اصعد الدور الأخير , وهناك بحثت عن المسؤول فإذا هي مسؤولة , ممرضة ضخمة قد عَرَفَتْ كل ما يحتاج إليه عملها ، وكل ما يمكن أن يتيح لها ذلك العمل من استغلال، وعَيَّنَتْ لي المكان غرفة 3 سرير2 , وسألتني إن كنت قد جلبت أمتعتي , فطلبت إذناً بالذهاب إلى البيت لأعود بها وذهبت , الساعة بعد الواحدة عدت من البيت إلى المستشفى ، وإذا بأول خبر أن المكان صار غرفة 9 سرير 1 ودخلت , غرفة صغيرة فيها سريران ، ورجل ممدد أو شاب أسمر أهلب اللحية ، مرسل شعر الرأس على طريقة الخنافس ، وجلست على طرف السرير أردد النَّفَس لأستريح , وما راعني إلا هذه الملاية (الغطاء) التي تزين السرير ، بقع سوداء ووساخة تكرب الأرواح ، طلبت تبديلها ، قالوا أمسِ بُدِّلَتْ ، وبعد أخذ ورد رفضوا تبديلها , وما يفيدها أنها أمس بُدِّلَتْ وهي لا تصلح إلا أن ترمى في مزبلة , وجلست مرة أخرى أفكر في الأمر سألت هذه المريض الممد قريباً مني , ما بك يا أخي , فقال: مصاب بالتيفو , التيفو ! كالصاعقة سمعت وبدأت أسترجع ذكرياتي عن مرض التيفو ومن أصيبوا به , وكان بادياً عليه أنه يتألم من رجله , سألته ما أمر ساقك , قال: ألم في رجلي نتيجة انتكاسة من أثر التيفو , وكم مضى لك مع مرض التيفو , خمسة عشر يوما , وبدأت الأرض تدور بي ، وجئت لأستشفي من مرض لأقع في آخر ، هكذا تصورت الأمر وما ذاك فراراً من قدر الله , أستغفر الله , ولكن أخذ يرن في أذني الحديث الشريف ( فِرَّ من المجذوم ) , وخرجت من الغرفة وسألت الممرضة عن وجود مكان آخر فقالت إنه المكان الوحيد ، فقلت لها ائذنوا إلى أن أذهب لأجلب ملاية للسير من البيت إذا لم تغيروها ، فقالت لك ذلك , وفكرت في ترك الحقيبة لأعود فعلاً , ولكن تجمعت في نفسي ظلال الموقف فسحبت الحقيبة ، وقد قررت ألا أعود إلى المستشفى ، وعدت إلى البيت وقررت ألا أفكر في هذا الموضوع ، لأنه مرض قديم وهو أحسن حالاً الآن من بعض حالات مضت , ولكني لن أهمله ولكن أرجئه , وكان الطبيب قد طلب مني أن أرجئ إجراء العملية إلى ما بعد الامتحان ولكني قلت أستفيد من الوقت , عدت إلى البيت وكأني قد رميت عن ظهري ثقلاً فاسترحت منه , وارتاحت نفسي لهذا الأمر، وبدأت أفكر من جديد بالدروس وما يجب أن أفعله , وبعد أن عدت إلى البيت واسترحت قليلاً كان علي أن أذهب إلى ثلاثة نفر أخبرهم بالأمر ، منهم الأخ د. حسام الذي طلبت منه أن يحضر العملية ، والأخ جاسم الذي أخبرني أنه سُيحْضِرُ بسيارته الأخ حسام والأخ خليل ، وبعد ذلك الأستاذ توفيق رشيد أبو سعد , وفعلاً فقد قضيت عصر الأحد بل حتى العاشرة مساءً وأنا أدور عليهم لأخبرهم أن العملية تأجلت ، ولم أحدثهم بهذا الذي جرى لي ، وما قررت في شأن ذلك ، وأدعو الله أن ييسر، وأن يسترنا بستره الجميل(2).

[align=center]انتهاء المحاضرات
مذكرات آخر شهر مايس 1974[/align]

منذ أكثر من عشرة أيام توقفنا عن الحضور إلى الكلية أي انقطعنا عن حضور المحاضرات , كان مدرس الانجليزية الدكتور العسلي قد ختم المنهج بإعطاء صورة أو نموذج للأسئلة ، ثم وعدنا بالحضور مرة أخرى ، ولكنه مضى لسبيله ولم نلقه مرة أخرى ، وصار كل ما مطلوب منا أن ندرسه في امتحان الانجليزية أكثر من اثنتي عشرة صفحة ، بعضها ترجمة وبعضها دراسة , أما الدكتور بشر العميد فقد (نَاوَلَنا) منذ أول السنة محاضرات مطبوعة منذ سنة 1970-1971 في معهد الدراسات العربية ، وكنا نحضر في الشهر مرة لأنه مشغول كل أسبوع نحضر وننتظر ويقول انصرفوا اجتماع أو انفضاض , هكذا تمت لنا دراسة المحاضرات ببضع ساعات ، أما البحوث فقد كان يعدنا أننا سنجلس لمناقشتها ومضت السنة , أعاد لنا البحوث مع بضع كلمات في نهاية كل بحث ، كان قد وعدنا أن ندرس بعض المواضيع بالإنجليزية فإذا نحن لا نكاد ندرس المحاضرات بالعربية , إنه مشغول بإدارة الكلية ، أما الدكتور عبد الصبور شاهين فلم يتخلف عن محاضراته مرة واحدة ، وقد استطاع أن يدرس معنا جانباً من كتابه " القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث " إضافة إلى دراسة جدول رموز الكتابة الصوتية الدولية , وكلفنا بكتابة بحث في لسان العرب , كان أحرصهم مع أن طريقة تدريسه لم تكن المثلى , أما الدكتور الجرح فقد كان حريصاً على المحاضرات رغم أنه كثيراً ما يتخلف ، وهو في محاضراته يتبع أسلوباً أكاديمياً كالذي تعلمه في أمريكا ، مع أنه لم يقدم لنا الكثير , واليوم لم يبق أمامي إلا أن أدرس كل ما أخذناه خلال السنة ، سواء حضرت أم لم أحضر ، فإنني يمكنني أن أراجع المحاضرات ، إذا يسر الله .

[align=center]اتفاقية فك الارتباط
السبت 1 حزيران 1974 = 10 جمادى الأولى 1394هـ[/align]

منذ أكثر من شهر كانت هناك في منطقتنا العربية المنكوبة ( الشرق الأوسط ) حركة دبلوماسية واسعة يقودها اليهودي د. هنري كيسنجر تهدف إلى الوصول إلى حل أو اتفاق بين سوريا وإسرائيل يشبه الذي تم الوصول إليه بين إسرائيل ومصر , وكان كيسنجر منذ نهاية شهر نيسان قد وصل إلى المنطقة وظل يتنقل بين دمشق وتل أبيب والقدس , إضافة إلى زيارته لبعض العواصم العربية وخاصة القاهرة حيث يلتقي مع الرئيس السادات ، وكان لمصر دور بارز في الوساطة حيث قادت حملة محمومة للضغط على سوريا على ما يبدو باسم التنسيق ، كل يوم يذهب مسؤول مصري إلى سوريا : الجمسي ، أشرف مروان , محمود رياض , وكانت سوريا تبدو قد وقعت في مشكلة أو حيرة هل تتقدم بالتنازلات المطلوبة للوصول إلى الاتفاق , أم تظل عند تصلبها الظاهري الذي لا يرضي مصر؟ كان غروميكو الروسي اليهودي حامل لواء نصرة إسرائيل عام 1947و1948 في الأمم المتحدة أو عصبة الأمم , كان له دور أيضا في تلك المباحثات ، فقد وصل أكثر من مرة إلى دمشق , كان الشهر المنصرم , شهر مايس (أو مايو بتعبير أهل مصر) كان ميدانا لنشاط واسع وجهود بذلها كيسنجر بذهابه وإيابه بين سوريا وإسرائيل , وقد انتهت تلك الجهود يوم الخميس الماضي إلى التوصل إلى الاتفاق بفك الارتباط بين القوات وإيقاف إطلاق النار , وتسليم الأسرى أو تبادلهم ، ثم يكون هذا تمهيداً لمباحثات جنيف , وظهرت الصحف اليوم تحمل أخبار توقيع الاتفاق في جنيف بين الجانبين ، بينما باركت مصر هذه الخطوة .

[align=center]الأستاذ رشيد نعمان التكريتي
الأحد 2 حزيران 1974م = 11جمادى الأولى 1394هـ
[/align]
حضر السيد رشيد نعمان إلى القاهرة قبل أيام بل ربما أسابيع ، وناقش رسالة الماجستير التي أعدها عن القضية الفلسطينية في الشعر العراقي الحديث , وهو تكريتي من أهل ( بيجي ) أصلا ، ولا يزال أخوه عايد (أبو صبحي) يسكن بيجي ، ولا يزال بيت عمه على ما أظن ( سليمان اليوسف ) يسكنونها أيضاً , أما أخوه ثابت فإنه كان مدرساً في بيجي ، والآن هو منتدب إلى اليمن الجنوبي , والأستاذ رشيد كان قد تخرج من كلية الشريعة بجامعة بغداد منذ سنين عديدة ودرَّس أيضا في بيجي ، وحين وصلتُ إلى مرحلة الدراسة المتوسطة كان هو قد ذهب إلى دورة احتياط في الجيش ، أي أنه انخرط في سلك الجيش بصفة ضابط تجنيد , والأهل والإخوة أكثر اتصالا به هو شخصياً بالإضافة إلى العائلة(والحقيقة لا أستطيع أن أعرف أصول عائلتهم الأولى بالضبط ) وهو الآن يعمل في مديرية التجنيد العامة في بغداد ، وقد زرته في بغداد قبل أن ألتحق بالجندية واستفسرت منه عن الأمور التي تتعلق بالتجنيد ، ولكن تلك الزيارة لم تعمق العلاقة إلى حد الصداقة , وكان هو قد سَجَّلَ لدراسة الماجستير في دار العلوم منذ سنة 1969 أو قبل ذلك ، وحضر هذه الأيام لمناقشة الرسالة والتسجيل للدكتوراه , وفعلاً ناقش قبل أيام وحصل على درجة الماجستير بتقدير جيد جداً , وهو الآن ينزل في بنيسيون ( بيد منهوس ) في الزمالك , وقد فكرت بدعوته لتناول الغداء عندنا في الشقة ، وأخيراً كان هذا اليوم موعداً للدعوة ، لا شك أنها بسيطة تستمد بساطتها من بساطة حياتنا ، وكان لابد من دعوة بعض الأصدقاء وخاصة أصدقاء الأستاذ رشيد ومن بينهم الحاج توفيق الذي حضر إلى القاهرة في دورة منذ ستة أشهر ، في القضايا التربوية ، وهو زميل للأستاذ رشيد في التدريس والحياة العملية رغم أنه مدرس وتوفيق معلم ، وهو الآن مفتش في التربية ، وكان أيضا من المدعوين مجيد رشيد أخو توفيق ، ولكنه من معدن آخر وله مشرب أو طريق آخر في الحياة ، وكاد يفسد الجلسة بأحاديثه غير المنضبطة إلى حد ما وشكوكه التائهة .
[align=center]
64b75559a8e7aa.jpg
[/align]
[align=center]صورة الدكتور رشيد نعمان التكريتي
منقولة من غلاف كتاب (علوم القرآن الكريم) تأليف الشيخ عبد الرحيم فرغلي
تحقيق الدكتور رشيد ، طبع بغداد 2002م
وهو في الأصل محاضرات ألقاها الشيخ فرغلي على طلبة كلية الشريعة ببغداد سنة 1954[/align]


[align=center]مؤتمر جنيف
الاثنين 3 حزيران 1974م = 12 جمادى الأولى 1394هـ[/align]

منذ يوم السبت انعقد المؤتمر الفلسطيني لمناقشة قضايا الساعة ، ويضم فصائل المقاومة وعدداً من قياديي وسياسيي الحركة الفلسطينية ، وتركز البحث على موقف الفلسطينيين من مؤتمر جنيف ، وموقفهم من الأرض التي ربما تتخلى عنها إسرائيل مما احتلته في حرب حزيران 1967 بعد أن ينعقد مؤتمر السلام في جنيف ، وخاصة بعد أن تم فصل القوات أو الاتفاق على فصل القوات في جبهة الجولان , وقد أذاع راديو العراق في نشرته الإخبارية في الثانية والنصف من بعد الظهر بياناً من الرفيق شبلي العيسمي الأمين العام المساعد لحزب البعث حَذَّرَ فيه من الحلول الاستسلامية والمؤامرات التي تحاك ضد الثورة والقضية الفلسطينية والعربية , ولا شك في أن هذا البيان يمثل وجهة نظر العراق من الأحداث المتتالية فيما يتعلق بقضية فلسطين وما حولها (على حد تعبير راديو ليبيا) ، وموقف العراق كان واضحاً من هذه القضية قبل الحرب وبعدها بعد أن تم إيقاف القتال ، وفي مصر يصرح المسؤولون أن مصر لن تذهب إلى مؤتمر جنيف وحدها ، وإنما ستكون ضمن أربعة أطراف : مصر وسوريا والأردن وفلسطين ومن يمثلها , ولكن إذا كان هذا موقف مصر فإن رئيس وزراء إسرائيل الجديد إسحاق رابين قد أعلن في بيانه الوزاري بمناسبة استلامه رئاسة الوزارة الإسرائيلية بعد مائير يقول إنه لن يسمح لممثلي الثورة الفلسطينية بالحضور إلى مؤتمر جنيف ، وكذلك فإن إسرائيل كما يقول لن تنسحب من كل الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران عام 1967 , وهكذا فإن فلسطين كشعب وفلسطين كأرض تتعرض في الماضي القريب وتتعرض الآن لمساومات عنيفة ولمؤامرات ستكفل لإسرائيل في الآخر اعترافاً بحدودها الحالية ، وإذا رضي الشعب الفلسطيني المشرد بالحدود التي ستكون تحت رحمة إسرائيل فإنها قد تسمح له بإقامة كيان هزيل ، وإلا فلينطح صخور الجبال!

[align=center]الساعات الحزينة
الثلاثاء 4 حزيران 1974م = 13 جمادى الأولى 1394هـ[/align]

منذ أن نزلت القاهرة في 28/11/1973 وأنا أحس بين فترة وأخرى بنوبات من الضيق من الحزن الداخلي ، من الأسى من الغربة , ولا أدري في معظم الأحيان سببها , مرة أقول إن تذكري الأهل هو السبب في ذلك ، ولكني دائم التذكر لهم ولا أجد ذلك في كل وقت ، ربما كان ذلك بعض السبب ولكنه ليس هو كل الأسباب , أجد نفسي وقد ضقت بالحياة وأجدها قد فقدت معناها ، لماذا نحيا هكذا بانعزال تام تفرضه طبيعة المجتمع اليوم ، سواء هنا أو في العراق أو في بلاد العرب والمسلمين أو غيرهم , يعيش المسلم وخاصة في هذه السنين الأخيرة منفرداً منطوياً على نفسه , وليس كل المسلمين ولكن هذا واقعهم , يسيطر على سلطة البلاد وعلى عقول الناس طواغيت يحكمون في ظل راية الشيطان ويدعون للأفكار الظالمة الملحدة القاتلة لبواعث الحياة المقيتة في نفوس الناس تنتشر بينهم , ولا يَدَعُون الدعاة يتحركون لإيصال كلمة الحق إلى النفوس , وأنا منذ أن شببت أجد نفسي في ظل هذه العزلة المحببة إليَّ حين تقسو الأيام ، الحق أنها ليست عزلة لأن المسلم لا يشعر في يوم ما أنه وحيد في عصره وحيد في حياته إنه يستمد قوة من الله سبحانه ، وهو الذي يقول :{إن الله مع الذين اتقوا}, حين تنتابني ساعة من ساعات الضعف تلك أجدني مدفوعاً إلى قراءة القرآن والحرص على حضور صلاة الجماعة في المسجد , ثم أجد راحة تغمرني أو أتحسسها أكثر لأننا نعيش ونعم الله لا نكاد نحصيها بل لا نحصيها , ولكن تبقى هذه الساعات الحزينة تزورني ، وربما لو كنت في بلادي التي أحببتها لَقَلَّتْ ، ولكنها كربة المسلم أينما حل , والله هو وحده المسؤول أن يفرج الكرب .

[align=center]ذكرى نكبة حزيران
الأربعاء 5 حزيران 1974م = 14 جمادى الأولى 1394هـ[/align]

كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ظهراً , كنت أسير في ساحة الشهداء في بغداد بعد أن أديت امتحان مادة التاريخ ، كان ذلك في الخامس من حزيران سنة 1967 كنت في بغداد لأداء الامتحان الوزاري (امتحان البكلوريا) في نهاية مرحلة الإعدادية ، كنا نؤدي الامتحان منذ مطلع ذلك الشهر , وكانت الامتحانات الوزارية تجري في مراكز المحافظات ، كنت أسير وهجير الشمس يلوذ منه الناس إلى الظلال ، وإذا بصوت مُكَبَّرٍ من بوق يدوي بالبشرى الحزينة المخيبة للآمال بشرى يا عرب مدفعيتنا أسقطت سبعين طائرة للعدو ، كان ذلك أول علمي ببداية هجوم إسرائيل على الدول العربية بادئة بمصر ، وقد صَوَّرَ المُهَرِّجُون الأمر في ذلك اليوم أن الجيوش العربية تكاد تعصر قلب إسرائيل ، والبشرى بإسقاط الطائرات تَصُمُّ آذان الناس , ماذا لو أسقطنا آلاف الطائرات لإسرائيل وهي في الختام تسيطر على الأراضي وتحطم الجيوش ، المهم النصر أولاً وآخراً , والنصر لا يجيء بدون تضحيات ، وإذا كانت إسرائيل قد خسرت حقاً سبعين طائرة في ضربتها القاضية للطيران المصري في صباح يوم 5 حزيران فإن مصر خسرت طائراتها وخسرت الحرب هي والدول العربية الأخرى المشاركة في الحرب . وانتهت الحرب ( قبل أن تبدأ ) واحتلت إسرائيل ما احتلت من أراضٍ في سيناء والضفة الغربية لنهر الأردن والجولان , ومضت على ذلك السنوات ، وجاء العاشر من رمضان وفعلا حقق العرب فيه تجاوزاً لهزيمة 5 حزيران ، ولا أقول نصراً كما يقول المهرجون أيضاً , حقق العرب فيه مكاسب سياسية ومعنوية وعسكرية إلى حد ما , ولكن النصر لم يتحقق وقد أخذ طريقاً ملتوياً بعد أن توقف القتال بعد سبعة عشر يوماً , وإلى اليوم والمفاوضات تدور وفصل القوات أول مرحلة على الطريق ، والاتفاقات تنهب وحدة العرب .


نُشِرت هذه الحلقة يوم الجمعة 28/2/1431هـ

ــــــــ الحواشي ــــــــــ :
(1) كنت قد تعرضت لإصابة قديمة في أثناء لعب كرة القدم .
(2) أجريت العملية في بغداد في يوم 23/12/1984 ، والحمد لله.




الحلقات السابقة :
1- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الأولى)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثانية)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثالثة)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الرابعة)

 
ما شاء الله،،،،

هذه الذكريات الرائعة، وها هي نفسي تروادني لكي أدون على مفكرتي الشخصية الأحداث اليومية التي أجدها في حياتي،،،

بارك الله بك على هذه الذكريات....
 
بارك الله فيكم أخي فضيلة الشيخ محمود ، ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين .
 
عودة
أعلى