ذكريات غانم قدوري الحمد.. (الحلقة الثامنة)

إنضم
29/04/2005
المشاركات
158
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق

[align=center]موافقة أولية
على دراسة كتاب شمس العلوم
السبت 17 آب 1974م = 28 رجب 1394هـ
[/align]
ذهبت إلى مكتبة جامعة القاهرة في وقت مبكر , وقرأت صفحات في الجزء المطبوع من كتاب شمس العلوم ، وحاولت أن أطلع على ترجمة للمؤلف في بعض الكتب ، وقبيل الظهر ذهبت إلى الكلية وبعد وقوف عند الباب طويل ، سُمِحَ لي بالدخول إذ إن الدخول إلى الكلية هذه الأيام من أصعب الأمور لأن عمل لجان الامتحان على أشده , وقد سنحت لي فرصة للالتقاء بالدكتور بشر عميد الكلية ورئيس قسم علم اللغة ، وحدثته عن رغبتي في اختيار موضوع قبل سفري وعرضت عليه الخطوط العريضة لفكرة دراسة كتاب شمس العلوم ، وظهر أنه لا يعلم عنه شيئاً وبعد أخذ ورد اقتنع مبدئياً بجدوى دراسة الموضوع ، وبعد قليل حضر إلى المكان الدكتور عبد الصبور شاهين واطلع على الموضوع فرآه مقبولاً هو الآخر , فكان ذلك موافقة مبدئية على الموضوع ، فخرجت من الكلية وأنا راض بما تم الوصول إليه بعد أن سلمت على الدكتور أمين السيد وأساتذة قسم علم اللغة , وعصر هذا اليوم حاولت العثور على نسخة من الجزء المطبوع من الكتاب في مكتبات القاهرة ، ولكني لم أهتد إلى شيء من ذلك ، ويبدو أني لن أعثر على نسخة يمكن أن أقتنيها لأن الكتاب مطبوع في ليدن منذ سنة 1951م , إذ لم أعثر إلا على نسخة منه في مكتبة جامعة القاهرة ، أما في مكتبات بيع الكتب فلا يعرفه أحد.

[align=center]الليلة الأخيرة قبل السفر
الأحد 18 آب 1974م = 29 رجب 1394هـ[/align]

لعل هذا اليوم – بعون الله ومشيئته – يكون آخر أيامي في القاهرة بعد هذه المرحلة الأولى من مراحل الدراسة ، إذ علي أن أهيئ نفسي للسفر ، فذهبت في الصباح إلى معهد المخطوطات لاختيار نسخة من كتاب شمس العلوم يمكن أن اعتمد عليها في قراءة نص الكتاب , وقد نظرت في عدة نسخ مصورة من الكتاب وكان أوضحها نسخة الأسكوريال ، وهي تتكون من قسمين في أربعة أرباع ، وقد طلبت تصويرها على ميكروفلم على أن أطبعها على الورق الأبيض في العراق إن شاء الله , وإن كان الموضوع لم يتم بعد اعتماده ، ولكنه قد قُبِلَ مبدئياً , فأحاول أن أستفيد من وجودي في العراق ، إن شاء الله ، وطلبت أن يقوم معهد المخطوطات بإرسال الفلم بعد تمام تصويره إلى العراق ، كان ذلك في الصباح ، وفي المساء كان علي أن أرتب لوازمي وأكون حاضراً للسفر يوم غد إن شاء الله ، وعند الغروب خرجت مع الأخ خليل في نزهة قريبة ، وصلينا المغرب في الزمالك ، وكأنها كانت وقفة الوداع ، وفي الليل زارنا بعض الإخوة والأصدقاء ، وآمل إن شاء الله أن أكـون الليلة القادمـة قـد التقيت بالأهل ، وفرحت بهم وفرحوا بي .

[align=center]السفر إلى العراق
الاثنين 19 آب 1974م = 1 شعبان 1394هـ
[/align]
كنت صباح هذا اليوم بانتظار وقت الظهيرة , كنت أشعر بين الحين والحين كلما خطرت ذكرى الأهل ، أشعر أن قلبي يثقل وضرباته تسرع ، ذلك فعل الذكريات , وحين أَزِفَ وقت الرحيل كان الأخ خليل معي عندما ذهبت إلى المطار حيث ودعني عند مدخل المسافرين ، ومضيت أنتظر وزن الحقائب الثلاث كان هناك ازدحام على مكتب الطائرة العراقية ، فقد بدأ العراقيون المصطافون بالعودة ، وكذلك هناك بعض المصريين الذين يعملون في العراق هذه السنة ، كانت أجرة الوزن الزائد عشرين جنيهاً ، وحدث هنا ما ختمت به انطباعي عن هذا البلد , عندما وصلت الحقائب إلى مفتش الكمرك استحثني الحمال أن أدفع شيئاً إلى المفتش حتى لا يفتح الحقائب ، ومد هو يده ولم يكن مني إلا أن دفعت أربعين قرشاً ورُفِعَتِ الحقائب من غير أن ينظر بما فيها... تأمل! وحدث أن كان معي بقية من الجنيهات المصرية (30 جنيهاً) فأردت أن أحولها إلى عملة حرة ، وكان هناك أكثر من فرع للبنوك المصرية في المطار ، فامتنع أكثرهم وحرمني ذلك من فرصة شراء بعض الحاجات من السوق الحرة ، ولما قاربت الساعة الثالثة بعد الظهر خرج المسافرون إلى الطائرة ، كانت الطائرة هذه المرة ضخمة من نوع البوينك , قيل إنها مؤجرة للخطوط الجوية العراقية ، سبحان الله الذي ييسر إقلاعها واندفاعها في السماء ، كان فيها 280 راكباً , وأقلعت ، وكنت أتطلع عبر النافذة إلى بلاد مصر وأقول هل سأعود ؟
كنت أتطلع إلى سطح الأرض عبر النوافذ , وأنا مسحور بما أرى , كان طريقنا عبر البحر الأحمر والسعودية ، عبرنا البحر وصورة الجزر الصغيرة بادية ، ثم أوغلنا في صحاري جزيرة العرب جبال ثم رمال ، وبين هذا وذاك رأيت واحتين أو ثلاث حيث تبدو خضرة شجيرات وآثار بيوت ، وبعد ساعتين ونصف وقبل الغروب حطت الطائرة في مطار بغداد الدولي نزلت وكنت أتطلع إلى كل شيء ، ووقفت في الساحة أمام مبنى المطار أتطلع إلى شرفة المستقبلين لعلي أبصر بعض أهلي ، كان هناك الأخ سفر وسالم ونوفل وقيس ، وبعد أقل من ساعة خرجت من المطار واستقبلت الإخوة أو استقبلوني " بالأحضان " ! كان مع الأخ سفر سيارته المخصصة من الشركة حيث كان يقضي عملاً في مقر الشركة صباح يوم الاثنين ، ركبت معه كان معنا الأخ سالم , زرنا بيت الخال عبد وبعدها زرنا بيت العم مصطفى ، ولم نمكث إلا قليلاً من الوقت ، عبرنا بعد ذلك إلى الرصافة وزرنا صباح رشيد شلال في الأعظمية ، فإني كنت أحمل له بعض الرسائل , وبعدها تركنا بغداد وقد أطبق ظلام الليل ، ولأول مرة أفتح عيني إلى السماء وأرى النجوم ، ومن هناك القمر يطل على أهل الأرض ، مناظر حُرِمْتُ منها طيلة وجودي في القاهرة ، ومع ظلمة الليل فإني كنت أجتهد أن أرى ما كان على جانبي الطريق .. واقتربت السيارة من بيجي ... (1)

[align=center]تسلم الكتب
السبت 24 آب 1974م = 6 شعبان 1394هـ[/align]

سافرت صباح هذا اليوم إلى بغداد ، ووصلتها ضحى ، وتوجهت إلى مطار بغداد الدولي لكي أتسلم الكتب التي كنت قد شحنتها من القاهرة قبل سفري ، ولا أزال أذكر المرارة التي تجرعتها حين أجريت معاملة شحنها من القاهرة وكنت أتوقع أني سأجد ما وجدته هناك ، ولكن بحمد الله قد بَرِئَ العراقيون من داء واحد على الأقل وهو ( الرشوة )(2) ، وتتبعت المعاملة بنفسي حتى النهاية ، وتسلمت الكتب والحمد لله ، وخرجت عصر هذا اليوم إلى سوق الكتب في بغداد وسألت عن كتاب نشوان الحميري ( شمس العلوم ) ووجدت النسخة المطبوعة بليدن ، وهي في جزأين , واضطررت إلى شرائها باثني عشر ديناراً , وظهر لي أن الكتاب (حتى حرف الشين) مطبوع في القاهرة أيضاً في شركة الحلبي ، وفاتني السؤال عنه وأنا في القاهرة ..
مكثت في بغداد يوم الأحد ... وسافرت إلى بيجي يوم الاثنين .
مذكرات شهر آب 1974م
عندما بدأت أفكر في السفر وأنا في القاهرة , كنت أُحَدِّثُ النفس بأني لن أمكث في العراق عند الأهل أكثر من شهرين ، وربما مكثت حتى عيد الفطر ، ووصلت بحمد الله , وهدأت قليلاً ، وبدأت أراجع موقفي من جديد وأقول إني قد أنهيت السنة الدراسية التي لا بد فيها من الحضور إلى الكلية ، وكنت طيلة ذلك أنفق اعتماداً على الأهل ، وأنا أرى الطلبة في القاهرة أكثرهم ينفقون من رواتبهم ، فأكثرهم موظفون مجازون للدراسة ، وبدأت ترسخ في ذهني فكرة وهي أني سأعمل على الحصول على وظيفة ، والوظيفة لا تحول بيني وبين الدراسة بل ستجعلني أكثر اندفاعاً وقوة ، إن شاء الله ، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الأهل لم يتوانوا مرة في إرسال ما أحتاج إليه من الفلوس ، والأخ سفر مثال نادر للأخوة الكريمة ، ولكن ألا يكفيني ما تَحَّمَلَ الأهل هذه السنة ، فقد بلغ مجموع ما تسلمته منهم في رحلتي ما يقرب سبع مئة دينار(3) ، والذي رَسَّخَ هذه الفكرة في ذهني أكثر هو أن الأستاذ أحمد خطاب الذي يعمل في كلية الآداب بجامعة الموصل قد ذكر لبعض الإخوة أن هناك احتمالاً بتعييني مساعد باحث في قسم اللغة العربية في الكلية ، وبناء على ذلك فإني سوف أسافر عن قريب إلى الموصل لاستطلاع الأمر .

[align=center]في جامعة الموصل
الاثنين 2 أيلول 1974م = 15 شعبان 1394هـ[/align]

التقيت بالأستاذ أحمد خطاب في كلية الآداب الذي ذهب إلى رئيس قسم اللغة العربية ، واستفسر منه عن طلب القسم لمساعدي الباحثين ، وتبين أن الطلب قد أحيل إلى الجامعة التي أحالته بدورها إلى مجلس الخدمة ببغداد ، وعليه فقد وجدت نفسي مضطراً للسفر إلى بغداد ، ولكني أجلت السفر إلى ما بعد الجمعة ، وعدت عصر اليوم إلى بيجي .

[align=center]القراءة في كتاب شمس العلوم
الخميس 5 أيلول 1974م = 18 شعبان 1394هـ[/align]

كنت قد قضيت كل هذه الأيام الماضية وأنا أقرأ في كتاب شمس العلوم لعلي أُكَوِّنُ لي فكرة يمكن أن تكون اللبنة الأولى لخطة البحث التي يجب عليَّ أن أكتبها وأرسلها إلى القاهرة قبل نهاية الشهر .

[align=center]في مجلس الخدمة
السبت 7 أيلول 1974م = 20 شعبان 1394هـ[/align]

منذ صلاة الفجر تقريباً كنت أتهيأ للسفر إلى بغداد ، ومع طلوع الشمس خرجت إلى موقف السيارات , وفي السادسة صباحاً جرت السيارة بنا إلى بغداد ، وما إن وصلت بغداد حتى توجهت مسرعاً إلى مجلس الخدمة العامة بعد أن أودعت حقيبتي في فندق محيي الدين ، وهنا اكتشفت أني قد ارتكبت خطأ إدارياً ، لأني لم آخذ رقم إحالة المعاملة من جامعة الموصل إلى مجلس الخدمة ، فلم أدر كيف أسأل ، وسألت هنا وهناك ، ولكن بدون جدوى ، أين الرقم والتاريخ ؟ وأخيراً وقفت عند موظف الواردة ، وبعدها عند موظف اسمه ستار , الذي سمح لي بالاطلاع على كل إعلانات المجلس طيلة عام 1974، ولكني لم أجد إعلاناً حول درجة مساعد الباحث في كلية الآداب بجامعة الموصل ، وحاولت أن أتشبث بأمور أخرى ، ولكن بدا لي أن الطريق مسدود ، وأنه إن يفتح فإنما يفتح من الموصل ، وبدأت أفكر بضرورة بداية رحلة جديدة من الموصل أتتبع خلالها كتاب طلب مساعدي باحثين لكلية الآداب ، إن صح الخبر ، لعلي أجده في مجلس الخدمة أو في أي مكان آخر , ولكن ما أصعب السفر هذه الأيام : الحر والازدحام وطول الطريق ، وجلست برهة أفكر ، وأخيراً استقر رأيي على السفر ، وتوجهت إلى موقف السيارات مرة أخرى بعد أن درت دورة أو دورتين في بغداد ، وفي الساعة الثانية بعد الظهر جرت بنا السيارة ( تحمل 40 راكباً ) إلى الموصل ، وتوقفتْ في بيجي ، وكان الجو مكفهراً الغيوم والبرق والغبار تثيره الرياح ، وكأننا في الشتاء ، واقتربنا من الموصل بعد الغروب بينما كانت البروق تتوهج فوق الجبال في شمال العراق .

[align=center]العودة إلى بغداد
الأحد 8 أيلول 1974م = 21 شعبان 1394هـ[/align]

عدت إلى بغداد اليوم بعد أن علمت من جامعة الموصل أن قضية التعيين تتأخر إلى بداية السنة المالية الجديدة ، وعليَّ خلال هذا الأسبوع الذي سأقضيه في بغداد أن أذهب إلى مكتبة المتحف وغيرها من مكتبات بغداد للتثبت من الموضوع أو استبداله .

[align=center]التخلي عن كتاب شمس العلوم
الخميس 12 أيلول 1974م = 25 شعبان 1394هـ[/align]

سافرت اليوم إلى بيجي مع الأخ نوفل (المهندس ابن عمي مصطفى) بعد أن قضيت أول الأسبوع في الموصل وآخره في بغداد , وكنت قد ذهبت أكثر من مرة إلى مكتبة المتحف وقسم المخطوطات فيها , كذلك ذهبت إلى مكتبة الأوقاف ومكتبة جامعة بغداد ، وقد بدأت تختمر لدي فكرة العدول عن موضوع ( شمس العلوم ) بعد أن اطلعت على مخطوطة كتاب ( ديوان الأدب) للفارابي وهو قريب الموضوع من شمس العلوم ، وقرأت فيها ، وجمعت بعض المعلومات عن كتاب شمس العلوم ، والتقيت بالأستاذ الدكتور فاضل السامرائي وعرضت عليه الموضوع فلم يحبذه ، أخيراً سافرت اليوم عائداً إلى بيجي ، وأنا خالي الوفاض من أي موضوع ، وعليَّ أن أبدأ العمل من جديد لاختيار موضوع أو أكثر يمكن أن أرسله إلى كلية دار العلوم ، ليتم التسجيل في الشهر العاشر .
مّرَّ الأخ نوفل ونحن في طريقنا من بغداد إلى بيجي ببيت العم نعمة الحمد في تكريت فألَحَّ علينا بالبقاء هذه الليلة عندهم , فقضينا الليلة في حديث لطيف لا يمل مع العم الحاج نعمة(4)، وفي الصباح اتجهنا إلى بيجي ووصلناها والناس لا يزال يخالط أجفانهم النعاس!
كان قد وصلني من القاهرة بالبريد كتاب (شمس العلوم) مصوراً على المكروفلم ، كما تم الاتفاق مع معهد المخطوطات ، ولكني الآن وجدت نفسي غير مَعْنِيٍّ بالكتاب بعد أن صرفت النظر عن تسجيله لرسالة الماجستير.

[align=center]الاستعداد للسفر(5)
الاثنين 21 تشرين الأول 1974م = 5 شوال 1394هـ[/align]

سافرت صباح اليوم من بيجي إلى بغداد لإكمال معاملة السفر القريب ، إن شاء الله .

[align=center]إكمال معاملة السفر
الثلاثاء 22 تشرين الأول 1974م = 6 شوال 1394هـ[/align]

أكملت معاملة السفر وعدت إلى الأهل لأقضي هذه الأيام المعدودة بين الأهل والأقارب والأصدقاء .

[align=center]مغادرة بيجي!
الأحد 27 تشرين الأول 1974م = 11 شوال 1394هـ[/align]

كان عليَّ في صباح هذا اليوم أن أغادر بيجي إلى بغداد استعداداً للسفر , كأني لم أنم طوال الليل ، وفي الصباح كانت نسائم الخريف تنذر بقدوم الشتاء فتزداد نفسي انقباضاً , كان ألم الفراق وهموم الرحلة تثقل عليَّ ، وبدأت نظراتي تتسمر على كل شيء ، تريد لها أن تنطبع في الذاكرة ، على مَن في البيت حتى على الجدران والأشجار والمباني البعيدة ، والسؤال القديم يُلِحُّ عليَّ هل سأعود وألقاكم جميعاً كما تركتكم ، هل سألقى هذه القلوب الحانية ، ولكن هكذا هي الدنيا، أنظر إلى الوالد وأطيل النظر .. والوالدة .. والصغار .. والكبار ، وما أن قاربت الساعة العاشرة صباحاً حتى سحبت حقائبي إلى باب الدار حيث كانت السيارة تنتظر لتوصلني إلى نقليات بيجي - بغداد , ولا أكاد أقدر على وصف ساعة الفراق , كنت أصافح من في البيت وكلهم من النساء في صمت ، كان الأخ سفر قد خرج من الصباح إلى عمله ، والأخ صالح يعمل في تكريت ، والأخ سالم جندي احتياط في بغداد ، والأقارب في أعمالهم ، كنت أصافح من في البيت وأنا ألوذ بالصمت الموحش ، ماذا سأقول كانت الكلمات تعجز عن التعبير ، ولا أنس تلك القبل الحارة التي تطرزها الوالدة في عنقي كلما هممت بسفر ، وفي موقف السيارات كان معي الوالد والعم مصطفى الذي عاد مع القسم الأكبر من العائلة من بغداد بعد أن انتقل ولده الأخ داود إلى الفرقة الثانية ، كان هو والوالد في وداعي ، ووصلت بغداد ونزلت في بيت الأخ نوفل ، وفي المساء قضيت ساعات مع الأخ سالم وبعض الأقارب والأصدقاء انتظاراً ليوم غد .

[align=center]السفر إلى القاهرة
الاثنين 28 تشرين الأول 1974م = 12 شوال 1394هـ[/align]

انتظرت ضحى هذا اليوم لأحمل حقائبي المثقلة بألوان الأمتعة ، وغادرت بيت أولاد العم مصطفى ( نوفل ومولود ) بعد الساعة التاسعة والنصف صباحاً متجها إلى مطار بغداد الدولي ، وبعد إتمام إجراءات السفر والكمرك جلست كما جلس المسافرون ننتظر الصعود إلى الطائرة ، كان من المقرر أن تقلع الطائرة الساعة الحادية عشرة ، ولكنها مرت ، ومرت الثانية عشرة والواحدة وحتى الثالثة بعد الظهر ، فأقلعت الطائرة بعد تأخر دام أربع ساعات قضاها المسافرون جالسين في صالة المسافرين ، وكنت في هذه الساعات أعاني من آلام الرأس والرقبة والأنف من أثر الزكام آلاماً شديدة ، وما هي إلا دقائق حتى كانت الطائرة تسبح فوق الغيوم التي تبدو لنا ونحن فوقها كأننا ننظر لها من سطح الأرض , ارتفاع شاهق شاهق جداً ، وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات حطت الطائرة في مطار القاهرة بسلام ورحمة من الله ، وقد طال مكثنا في المطار بسبب إجراءات الأمن، بعدها انحدرتُ إلى قلب القاهرة لأجد لي مكانا في أحد الفنادق ( لوكانده أنجلوسويس ) ولم أجد فيها مكاناً ، قلت لأذهب إلى شقتنا حيث يسكن الأخ خليل ، وجدت الأخ خليل وحده في الشقة ، ومكاني خال فيها ، فما كان إلا أن جلبت حقائبي ونزلت كأني نازل في بيت أملكه ، ولم أقلق لأمر السكن ولله الحمد ، ولم أتحمل مشاق البحث وعناء التفتيش .

[align=center]زيارة كلية دار العلوم
واقتراح موضوع الرسم المصحفي
الثلاثاء 29 تشرين الأول 1974م = 13 شوال 1394هـ
[/align]
فجأة وجدت نفسي أمام مشكلة اختيار الموضوع بعد كل تلك الجهود التي بذلتها قبل سفري إلى العراق ، وكنت وقت إقامتي في العراق أرسلت خطة بحث لموضوعين على أمل تسجيل أحدهما ، وفي صباح هذا اليوم ذهبت إلى الكلية وأنا في حالة شديدة من الإعياء وكآبة المنظر بسبب ما ألم بي من زكام ، وبدأت أستفسر عن مصير المواضيع التي أرسلتها ، وإذا هي مرفوضة جميعاً ، التقيت بالدكتور أمين علي السيد وأساتذة القسم والعميد الدكتور محمد كمال بشر , والدكتور عبد الصبور شاهين والدكتور محمد سالم الجرح المعارة خدماته إلى السودان ، واليوم وغداً وبعد غد آخر أيام التسجيل ، وعليَّ خلال هذا الأيام أن أحسم الأمر باختيار موضوع يمكن أن يُعْتَمَدَ في القسم والكلية قبل فوات أوان التسجيل ، ووقفت موقف الحائر المنهارة قواه لا يقوى على شيء ولا ينتظر سوى رحمة الله ، لو كان هناك متسع من الوقت لهان الأمر، وبدأتِ اقتراحات الأساتذة تنهال عليَّ لاختيار موضوع ، وكلها تركز على دراسة لهجة من لهجات العراق إلا أني أكدت موقفي من رفض دراسة هذا الموضوع في الوقت الحاضر ، وأخيراً اقترح عليَّ الدكتور عبد الصبور شاهين دراسة موضوع ( الرسم المصحفي: دراسة لغوية تاريخية ) وجلست إليه لمناقشة الموضوع واستيضاح جوانبه ، وأخيراً كتب الدكتور عبد الصبور بيده الخطة الأولية للبحث ليتم تقديمها اليوم إلى مجلس الكلية للموافقة على الموضوع ، وأنا منتظر ما يجري في الأيام القادمة .

[align=center]القراءة عن الرسم المصحفي
الأربعاء 30 تشرين الأول 1974م = 14 شوال 1394هـ[/align]

كنت محتاجاً جداً إلى شيء من الهدوء والراحة ولكن الموقف لم يدع لي أي فرصة ، ومع ذلك خرجت اليوم إلى مكتبة جامعة القاهرة كنت أحاول أن أطلع على بعض مصادر موضوع الرسم القرآني لأكون على بينة من الأمر الذي أنا قادم عليه بل مدفوع إليه دفعاً ، لا خيار معه ، وجلست أمام بضعة كتب ، كانت لدي رغبة قوية في البحث , ولكن تلك الرغبة تذوب تحت وطأة الزكام الذي رافقني من العراق إلى هنا ، تركت المكتبة وذهبت إلى مكتبة معهد الدراسات العربية وحصلت من المكتبة على كتابين في الرسم القرآني ، كلاهما لأبي عمرو الداني المقنع والمحكم ، وعدت إلى البيت لأجد نفسي أعيش في دوامة من الأفكار محورها الأول هو اختيار الموضوع ، لأنه العمل الوحيد الذي أنا قادم من أجله إلى مصر ، فإن فات فقد ذهبت جهودي كلها بدون أي فائدة ، والموضوع الذي تم الاتفاق عليه أمس مرة أطرب له طرباً وأنشط له حين التفكير به نشاطاً يجعلني أحس بالسعادة لاختياره ، ومرة أعود أفكر في المصادر والكتابة وأجد نفسي تلفني كآبة الفشل وخيبة الأمل ، وليس هناك من عامل يرجح إحدى الكفتين سوى أني أستخير الله تعالى الذي أدعوه أن يجعلني أميل إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة ، إنه هو يتولى عباده المؤمنين .

[align=center]مساعدة الآخرين
الخميس 31 تشرين الأول1974م = 15 شوال 1394هـ[/align]

لعل مساعدة الآخرين من الأعمال التي إن ابْتُغِيَ بها وجه الله يُكْتَبُ لفاعلها الخير والأجر ، ولكن عمل الخير يحتاج إلى تضحية قد يكون جانبها المادي أهون على النفس , لا أدري لماذا انساقت إلي هذه المخاطرة وأنا أفكر في تلك الجهود التي تطلبها إيصال الأمانات التي بُعِثَتْ معي من العراق إلى أهلها هنا ، لعلي أحس أني فعلت معروفاً ، والله أعلم , فمنذ أن علم بعض المعارف بنيتي للسفر بدأت الوصايا تتجمع علي ، وأهونها رسالة اللسان ، ثم الورقة المكتوبة ، وأثقلها على النفس والجسم رسالة الهدية من المأكول وغيره ، وكنت مع حرصي أن أقدم خدمة للمعارف أحاول التهرب من بعض الوصايا والالتزامات ، ومع ذلك فقد حظيت بأربع وصايا أو أكثر ، وكنت متضايقاً من كثرة أمتعتي الخاصة وعدم وجود المكان الذي يمكن أن أحمل فيه أية زيادة ، حتى إني تركت البطانية التي كنت أنوي أخذها معي إلى القاهرة ، تركتها في بيت أولاد العم مصطفى ، على أمل أن يعيدوها إلى الأهل في بيجي ، وبالإضافة إلى مجهود الحمل والنقل وإيجاد المكان كان هناك مجهود الوزن في المطار ، وقد دفعت هذه المرة أجرة عن زيادة الوزن 15,90 دينار أي ما يقرب من أجرة السفرة كلها ، ولاشك أن بعض ذلك بسبب الوصايا ، والله يجزي المحسنين .

[align=center]مذكرات شهر تشرين الأول 1974م[/align]
عندما كنت هنا قبل سفري إلى العراق أجد نفسي أخطط كثيراً ، وأحسب لسفرتي إلى العراق وما سأحققه وما سأناله من متع وراحة ، سافرت وفرحت بلقاء الأهل وفرحوا بي ، وبدأت أشعر أن الأيام أخذت تتسابق وبسرعة مضى شهر ، وأنا ما بين مسافر إلى بغداد وبين منقطع إلى كتاب في البيت ، ونادراً ما كنت أخرج إلى السوق أو المقهى ، وجاء رمضان واستروحت من كل عناء وانقطعت عن كل عمل ، فقضيت رمضان على هذه الصورة الهادئة ، وأنا متفائل بما يرويه الإمام الغزالي من أن نوم الصائم له فيه أجر ، ولكنها كانت متعة عظيمة كل مساء بين الإخوة والأخوات الوالد والوالدة نتناول الفطور والأطفال يعيشون الأجواء الرمضانية ، يا لها من ذكريات حلوة , ولكن هل الدنيا إلا ذكريات ، إن كانت طيبة طاب ذكرها ، وإن كانت خبيثة جلبت الخيبة والمرارة ، وانقضى رمضان وحل العيد وبدأت أستعد للسفر , ووجدت أن عليَّ أن أنجز معاملة السفر سريعاً ، وأن أسافر في أقرب وقت ، فإن الوقت الذي أقضيه في العراق يذهب سدى من غير فائدة .. ولكن قبل سفري حدث ما نَغَّصَ علي ذلك وأورثني ذلك الزكام الذي صحبته إلى مصر ، والحمد لله على كل حال .

[align=center]بقية الحُلُم
الجمعة 1 تشرين الثاني 1974م = 16 شوال 1394هـ[/align]

لا أزال أتحرك ببطء ظاهر , كأني أحاول أن أنقل نفسي إلى القاهرة نقلة كاملة بعد أن انتقل الجسد منذ أيام , إذ لا تزال النفس معلقة بذكريات وآمال ليس من اليسير نسيانها بهذه السرعة , فلم أزل أعيش مع بقيتها كأني في حلم , والذي يضاعف من ذلك التثاقل أن أمور الدراسة تبدو غير واضحة إلى الآن , فجهودي وأملي في تسجيل أحد الموضوعين اللذين بعثتهما من العراق لم يحظيا بالموافقة أو القبول ، والموضوع المقترح لم ينزل في نفسي إلى الآن منزلاً يدفعني إلى العمل وكذلك لم يتم تسجيله أيضاً , فكأن ذلك التثاقل هو انتظار لما ستتمخض عنه الأمور ، وما سيتم بشأن ذلك ، كما أنه استجماع للهمة ولَمٌّ لشتات النفس لمواجهة الواقع ، وليس الواقع بالنسبة لي الآن إلا الدراسة , ولكن هل يعني أن تفرغي للدراسة يمنعني من التفكير في أمور أخرى هي كالدراسة ، لم أزل أعاني منها معاناة يومية دائمة ، ولم يزل يصيبني رذاذ تلك الأمور ، وإن نأيت ببدني بعيداً عنها ، والحقيقة المرة أني لا أفكر بوضوح أو لا أخطو بوضوح ، فلا أزال مشغولاً بالأمور الدنيوية منذ أن عقلت إلى الآن حيث تشغلني مسألة الدراسة شغلاً يكاد يحجبني عن التفكير في ما وراء ذلك من أمور وحقائق أكبر قد تكون هي الأولى بالتفكير والتضحية بالوقت والجهد .

[align=center]تسجيل الموضوع
الاثنين 4 تشرين الثاني 1974م = 19 شوال 1394هـ[/align]

أسبوع كامل مضى على وصولي إلى مصر ، وقد اتضحت الأمور الآن بالنسبة لي إلى حد ما , واتضح ما يجب أن أقوم به الآن ، فقد تم تسجيل الموضوع الذي اقترحه الدكتور عبد الصبور شاهين وهو"الرَّسْمُ الْمُصْحَفِيُّ : دراسة لغوية تاريخية " وعليَّ أن أواجه قدري في بحث هذا الموضوع الذي لم تتضح لي بداياته بله الخواتيم ، ومنذ أيام وأنا أذهب إلى المكتبة أحاول أن أُلِمَّ بالمصادر وأن أكتسب قاعدة علمية تؤهلني للبدء في البحث ، ولكني كلما نظرت في كتاب ازداد وجلي وهلعي! وإن قلبي يزداد خفقاناً كلما وقفت أفكر في الموضوع وكيف يجب أن أبدأ فيه ، فبالإضافة إلى عدم كفاية المراجع وعدم وضوحها تبدو على السطح مشكلات وأسئلة تمس العقيدة وترتبط بها ، وإن الإنسان لا يكاد يمضي في ذلك دون حرج ، على أن وجه الحق بَيِّنٌ , ولن تعرقل مثل تلك الشكوك بداية العمل ، بل إن العمل سيزيلها إن شاء الله ، إن مما يشجعني للمضي في هذا الموضوع هو أنه يدور حول القرآن الكريم ، وأني أرجو من وراء هذه الدراسة أن يكتب الله لي بها حسنة إن أحسنت ، وأن يتجاوز عني إن أخطأت ، ولكن مع كل ما يمكن أن أتفاءل به فإن أمر المضي في هذا البحث يشوبه الشك ، ولا أدري هل سأمضي إلى آخر الشوط ، وهل سأكمل هذا البحث ، وكم سيستغرق من الوقت والجهد ، وأنا الحريص على إكمال بحث الماجستير بأقل جهد وأقرب وقت ! ومن الله العون .

[align=center]الصراع مع الأوهام
الثلاثاء 5 تشرين الثاني 1974م = 20 شوال 1394هـ[/align]

منذ أن واجهت موضوع ( الرسم المصحفي ) أخذت تنتابني ساعات تفكير شديدة , ولا شك في أن عوامل نفسية عميقة تلقي ظلالها على الموقف فيضطرب النظر الصائب إلى الأمور , كنت أفكر في مستقبل هذا الموضوع ، ودائماً أفكر كم سيستغرق من الوقت ، وهل سأصل إلى نتيجة في هذا البحث ، أي هل يمكنني أن أكتب شيئاً يمكن أن يقدم للمناقشة ؟ أفكار كثيرة تلح علي ، وقد تهدأ برهة لتعود ، وأنا طوال هذه الأيام منصرف إلى التعرف على مصادر البحث دون أن أكتب حرفاً واحداً إلى الآن ، وقد تمخضت تلك الشكوك والأوهام عن فكرة هدامة ويزينها لي الضعف البشري ، ألا وهي تغيير الموضوع ، وبدأ الخيال هنا ينسج أطواقاً من ذهب ، وبدأ الصراع في الداخل : إذا غَيَّرْتَ الموضوع ماذا ستختار ؟ وهنا أمسك قلم الخيال لاختيار موضوعين أو ثلاث ، وذهبت اليوم إلى مسجل الدراسات العليا واستفسرت عن عملية تغيير الموضوع فإذا هي قد تستغرق أشهراً , مما سيزيد الطين بلة ، وظللت حائراً لا أدري لمن أبث هذه الأحزان ، قلت لألتقي بالدكتور عبد الصبور شاهين المشرف على الموضوع لأبحث معه إمكانية تغيير الموضوع ، وتجاوزت الساعة الثانية بعد الظهر، ولم يتحقق ذلك اللقاء ، فخرجت من الكلية لأسيح في مكتبات القاهرة أبحث عن كتاب يمكن أن أستفيد منه ، وقد أرهقتني تلك الرحلة فلم أعد إلى البيت حتى غروب الشمس ، وقد انفرجت الأزمة وهدأت شيئاً ما .

[align=center]أوهام من نوع آخر
الأربعاء 6 تشرين الثاني 1974م = 21 شوال 1394هـ[/align]

ذهبت صباح هذا اليوم إلى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ومكثت أكثر من ثلاث ساعات أقلب في فهارس مخطوطات المعهد عن كل كتاب يتصل برسم المصحف ، كذلك بحثت عن المصاحف القديمة ، وتبين لي أن هناك عدداً من المصاحف المصورة القديمة ، كذلك هناك عدد من كتب الرسم ، خرجت من المعهد على أن أعود إليه في الأيام الآتية للاستفادة من تلك المخطوطات ، عدت إلى البيت وبينما أنا مستلق بعد الظهر للراحة فجأة بدأت تزدحم علي الأفكار ليست لتغيير الموضوع هذه المرة ، وإن كان الموضوع سبباً ، بل لأخطو خطوة ربما كانت إلى الوراء ، بدأت نفسي تسول لي العودة إلى العراق والعمل هناك على إكمال الرسالة ومحاولة إيجاد عمل ، وتحمست للفكرة وقلت يمكنني أن أتقدم للتعيين في جامعة الموصل في كلية الآداب بدرجة مساعد باحث ، وأعمل من هناك على إتمام الرسالة , حتى وإن استغرق ذلك سنيناً ، فبهذا سأكسب الراتب والمكان ، والقرب من الأهل ، وخيالات مثل هذه كثيرة ومرة أخرى كأني أستيقظ من حلم ، وهو حلم اليقظة فعلاً ، قلت لأصلي العصر وأقرأ شيئاً من القرآن ، وانصرفت للقراءة في كتاب في القراءات القرآنية لكي أجد القاعدة العلمية التي أستطيع أن أدخل منها إلى الموضوع ، والله الموفق .

[align=center]مصادر جديدة في الرسم
الخميس 7 تشرين الثاني 1974م = 22 شوال 1394هـ[/align]

الحمد لله , كنت اليوم أكثر اطمئناناً إلى العمل الذي أنا مُقْدِمٌ عليه ، رغم أني لا أزال في بداية الطريق , ولكني بدأت أشعر بانشراح نفسي لهذا العمل وازدياد رغبتي فيه ، ولعل من العوامل التي أثرت في نفسي هذا الأثر هو اطلاعي على مصادر جديدة ، فقد ذهبت منذ الصباح إلى معهد المخطوطات إذ كنت أمس قد عرفت أن هناك عدداً من المخطوطات في موضوع ( رسم المصحف ) ، وقرأت في أحد هذه المخطوطات ، وهو كتاب الهجاء ، ومع أن مؤلف هذا الكتاب مجهول إلا أني أكاد بالبحث أن أجد عصره بدقة ، إذ إن المؤلف ذكر في أصل الكتاب خمسة عشر كتاباً ومؤلفيها ، ولا شك في أن مؤلف كتاب الهجاء يأتي تالياً لهم ، ومع أن صاحب فهرست المخطوطات المصورة قد ذكر أن المؤلف قد يكون بعد القرن الرابع فإني أكاد أجزم أنه من القرن السادس فصاعداً إذ إنه يذكر أكثر من مرة الزمخشري وكتابه الكشاف ، والزمخشري متوفى سنة 538هـ كما هو معروف , وطلبت مخطوطاً آخر تبين لي أنه قد حُقِّقَ السنة الماضية ، وهو منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية ، واشتريت ذلك العدد بجنيه ، والكتاب هو هجاء مصاحف أهل الأمصار لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي المتوفى سنة 430هـ والمحقق هو محيي الدين عبد الرحمن رمضان ، والكتاب لا يتجاوز مئة صفحة ، ولكنه قد حوى بعض المصادر الجديدة التي ستنقلني إلى آفاق جديدة من البحث , ومن الله العون .

[align=center]خياطة بدلة
الجمعة 8 تشرين الثاني 1974م = 23 شوال 1394 هـ [/align]

كانت عودتي إلى العراق التي استمرت أكثر من شهرين تشبه الحلم ، لكنه حلم لا يخلو من الذكريات الجميلة التي يحلو للنفس تأملها في بعض ساعات الغفلة أو الضيق ، حدث لي اليوم ما بعث كثيراً من تلك الذكريات , فعندما كنت هنا السنة الماضية , سافر الوالدان لأداء فريضة الحج للمرة الثانية , وعادا والحمد لله , وأُخْبِرْتُ أنهما جلبا لي قطعة قماش , وظلت في البيت في العراق وحين عدت فرحت بهدية الوالدين ، قلت لأخيطها بدلة ، ولكن سمعت أن أسعار الخياطة قد وصلت إلى أكثر من 17 ديناراً , عندها قررت جلبها معي إلى مصر لأخيطها هنا , واليوم ذهبت إلى الخياط وعندما قاسها كانت 2,20سم أي أنها لا تكفي لخياطة بدلة كاملة ، وكنت أتوقع أن تكون أكثر من ثلاثة أمتار ، ولكن كان هذا هو الواقع ، ترى هل كانت من ساعة شرائها بهذا الطول ، وهي لا تكفي بدلة ، وقررت أن أخيط منها جاكيت فقط ، واشتريت قطعة أخرى للبنطرون بخمسة جنيهات ، الجاكيت كان لونه ( نيلي ) والبنطرون ( رمادي ) ، وحدث مثل هذا للأخ أحمد الراوي ، فقبل أيام حضر هو ووالده عندنا في الشقة ، فحدثنا عن قضيته مع الخياط ، فقد ترك عنده قطعة القماش لعمل بدلة ، ولكنه عندما عاد إليه بعد أسبوع أخبره أن القطعة لا تكفي ، كان والده قد جلبها له أيضاً من السعودية ، وكان لا يدري تفسيراً لهذا هل نقصت عند الخياط أم في مكان آخر ، ربما كانت قصتي تشبه قصته .

[align=center]البحث عن مصادر الرسم
السبت 9 تشرين الثاني 1974م = 24 شوال 1394هـ[/align]

لم أكتب إلى الآن شيئاً في الموضوع سوى أني كنت أبحث عن مصادر جديدة في موضوع الرسم ، وأحاول أن أتعرف على معالم الدراسات القرآنية ، خاصة القراءات وتاريخ القرآن ، إذ إن معرفتي بهذا الميدان معرفة قاصرة , معرفة الرجل غير المتخصص ، لذا فأنا أعمل على أن أتعرف أولاً على الكتب التي تبحث في موضوع القراءات ثم مصادر الدراسات القرآنية ومظان تراجم القراء والعلماء ، وإن كانت جهودي خلال هذه الأيام منصبة على التعرف على كل أو معظم المخطوطات المتعلقة بموضوع رسم المصحف ، والموجود منها في مكتبة معهد المخطوطات ودار الكتب والمكتبة الأزهرية ، وقد تعرفت إلى الآن على عدد لا بأس به منها ، ربما كان كل ما يمكن أن أستفيد منه ، ولعل المستقبل يكشف عن كتب أخرى ، والظاهرة التي لفتت نظري أن المراجع الأولى لا تتجاوز عدد أصابع اليد ، ثم تبدأ المؤلفات التي تنهج نهج نظم العلوم ، ثم تأتي الشروح والتعاليق ، وأكاد أميل إلى الصفح عن هذه المؤلفات الآن ، وأتجه إلى المصادر الأولى التي كتبها العلماء الأوائل ، وهم أعلم بتاريخ القرآن ، لقرب عهدهم من الصدر الأول ، ووقر في نفسي أن أقوم بتصوير ثلاث مخطوطات في الرسم المصحفي لتنضم إلى الكتب المطبوعة مثل كتاب المصاحف لابن أبي داود والمقنع للداني وهجاء مصاحف الأمصار لأحمد بن عمار ، ثم الكتب الأخرى للمتأخرين ، وأحاول أيضاً أن أنظر في المصاحف القديمة ومعاينة خطوطها عن كثب ، ومتابعة اختلافات الرسم على مر العصور .

[align=center]تعمق الرغبة في الموضوع
الأحد 10 تشرين الثاني 1974م = 25 شوال 1394هـ [/align]

كلما مضيت في دراسة موضوع الرسم المصحفي ازددت حباً للموضوع وارتياحاً للعمل فيه ، وما يمكن أن يسفر عنه في المستقبل , ففي الأيام الأولى من وصولي واقتراح الموضوع عليَّ كنت أشك في أني يمكن أن انصرف للعمل في هذا الموضوع ، وفي الأيام التالية بدأت فكرة تغيير الموضوع تتسلق جدران التفكير ، تريد أن تظهر ، ولكن كتمها الله ، ومضيت أتعرف جوانب الطريق حتى فتح الله علي بهذه القناعة والرضا ، فقد عرفت كثيراً من مصادر البحث التي تمكنني من المضي خطوات فيه ، حتى يمكن أن أتعرف على مصادر أخرى ، وإن كانت الطريق لا تخلو من عقبات ، إذ إن معرفتي بالقراءات محدودة ، ولا بد من اطلاعي عليها ومعرفتي بها , وأنا أحاول أن أسد هذا النقص ولكن الموضوع طويل عريض شاق ومعقد ، والأمور دائماً تؤخذ على مهل وتريث ، وسأدخل في الموضوع إن شاء الله برفق ، وتبقى إلى جانب ذلك مشكلة المشرف ، وأنا أتوسم بالدكتور عبد الصبور شاهين خيراً ، ولكن لا أدري ما يكشف لي المستقبل عنه وقت العمل ، إذ إن الطالب محتاج دائماً إلى توجيه الأستاذ ، والتوجيه المخلص البنَّاء ، كذلك محتاج إلى تسامحه وعونه ، دون تعنته وتشدده ، وأنا أدعو الله أن ييسر لي ببركة القرآن العظيم .

[align=center]في مسرح البالون
السبت 16 تشرين الثاني 1974م = 2 ذو القعدة 1394هـ[/align]

للأخ خليل معارف في السفارة العراقية في القاهرة ، كما أن لي معرفة بأبي هادي وأبي مؤيد ، المهم أن بطاقة دعوة وصلتنا لحضور حفلة بمناسبة الأسبوع الثقافي العراقي الذي يقام في القاهرة والذي يبدأ من اليوم 15/11 حتى آخر الشهر ، وبدأت الحملة الإعلامية والدعائية لهذا الأسبوع منذ زمن بعيد وعلقت الملصقات على الجدران , وكأن حدثاً عظيماً سيقع ، والأسبوع هذا يتضمن محاضرات عن واقع الفن العراقي ، وعن الحركة الفنية والثقافية في العراق ، ومحاضرة عن السياسة النفطية ، بالإضافة إلى العروض التي تقدمها فرقتا الفنون الشعبية والفرقة القومية ، نحن نسكن قريباً من مسرح البالون ( أو البَلُّون) وحدث أن دعينا إلى أول حفل من الأسبوع يقام في مسرح البالون ، وتقدم فيه عروض الفرقة القومية للفنون الشعبية ، ذهبنا بعد التاسعة مساء ، ولأول مرة ندخل المسرح ، بل إنها المرة الثانية التي أدخل فيها مسرحاً ، وكانت الأولى في الموصل يوما ما ، وبدأت المقاعد تزدحم بالناس ، أكثرهم عراقيون ، وعند التاسعة والنصف بدأ الحفل وكنا ننتظر ما يسر ، أو أن نرى أمراً غريباً عجيباً ، حضرت الحفل السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس المصري ، ووزير الثقافة المصري ووزير الإعلام العراقي ، تبين لنا بعد ذلك أن المسؤولين عن هذه العروض تافهون ، لأن ما عُرِضَ لم يكن ذا قيمة بأي مقياس ، مجموعة من الشباب والفتيات يمارسون الرقص ، وكل حين يظهرون بزي جديد يتحركون على خشبة المسرح ، ويسمون ذلك فَنًّا ، وذهبت منا سويعات ثمينة هباء !

[align=center]اختيار طريقة لجمع المادة
الأحد 17 تشرين الثاني 1974م = 3 ذو القعدة 1394هـ[/align]

لا أزال أتلمس الطريق الأمثل لجمع المادة ، عرفت المصادر والمراجع وبدأت أسعى لجمع المادة ، ولكني إلى الآن وأنا متردد في الطريقة التي يمكن أن أتبعها في جمع المادة ، بدأتُ منذ الأسبوع الماضي بجمع المادة من كتاب المقنع وهو أغزر كتاب عن الموضوع ، استعملت البطاقات كنت أجمع كل فكرة في بطاقة مفردة ، ولكن قد تشترك في الفكرة الواحدة عدة جزئيات ، فتركتها في ذلك الإطار الواسع ، واليوم أنهيت كتابة كل مادة الكتاب على تلك الطريقة بحوالي 260 بطاقة , وحين بدأت أفكر في مدى الفائدة التي يمكن أن أستفيدها من هذه المادة في البطاقات , هنا بدأت الشكوك تتسرب إلى نفسي من جدوى هذه الطريقة ، فلا بد من كتابة كل جزئية ، كل كلمة في آية ، كل وجه ، كل حرف ، في بطاقة واحدة ، ولكن ذلك سيكلف آلاف البطاقات ، وقد لا تحمل البطاقات إلا بضعة كلمات ، قلت لأستفيد من الورق الكبير المخطط أقوم بقطع الورقة الواحدة أي الصفحة أربعة أقسام ، فيحصل من كل بند 1600 بطاقة ، وسأجعل هذه الأوراق كل ورقة لحرف أو وجه لكلمة من آية ، وأدع البطاقات المطبوعة للأفكار الكبيرة ، وإلى الآن لم أستخدم هذه الطريقة ، ولكني أفكر بإعادة كتابة ما كتبته واتباع ذلك في المستقبل ، إذ أن ذلك هو الطريق الصحيح لكتابة بحث جيد ، إن شاء الله .

[align=center]مع أدب الكاتب
الاثنين 18 تشرين الثاني 1974م = 4 ذو القعدة 1394هـ[/align]

قضيت اليوم أعمل في نقل ما موجود في كتاب ابن قتيبة ( أدب الكاتب ) عن الخط مما ذكره هو في كتاب تقويم اليد في الكتاب المذكور .
تنظيم العمل وجمع مصادره

[align=center]الجمعة 22 تشرين الثاني 1974م = 8 ذو القعدة 1394هـ[/align]
ثلاثة أسابيع مضت أو تزيد قليلاً على وصولي إلى القاهرة وعلى تسجيلي موضوع البحث , ولكني حتى الآن لم أجد نفسي أعمل بكل طاقتي ، أو أني لم أجد السبيل التي أستطيع بها أن أخوض غمار البحث والتنقيب , ولكن هذه الفترة لم تخل من فائدة ، فقد عرفت مصادر البحث إن لم تكن أغلب المصادر فقسطاً يمكنني من المضي في العمل الذي ستتكشف جوانبه كلما مضيت فيه ، إن شاء الله ، وقد قضيت أكثر من عشرة أيام وأنا أنقب في فهارس المخطوطات في معهد جامعة الدول العربية ، وعرفت عدداً من مصادر الموضوع المخطوطة موزعة على عدة مكتبات ، وفي المعهد عدة أفلام لبعض تلك المخطوطات ، فطلبت تصوير ثلاث منها ، هي كتاب ابن وثيق الأندلسي ، وكتاب أبي طاهر العقيلي وكتاب الهجاء لمجهول(6) ، كذلك فإني نقلت بعض النصوص ، وعكفت على كتاب المقنع أسبوعاً كاملاً ونقلت ما فيه جميعاً ، ولكني الآن أجد من الضروري إعادة كتابة بعض ما كتبته منه موزعاً على البطاقات توزيعاً جديداً ، فأنا عندما قدمت من العراق جلبت معي ألفي بطاقة من النوع الجيد ، ووجدت أن البحث وخاصة في مجال اتفاق واختلاف المصاحف في رسم بعض الكلمات يحتاج إلى أعداد هائلة من البطاقات ، فترددت في استعمال تلك البطاقات لمثل ذلك ، لأن البطاقة لن تحوي أكثر من بضع كلمات ، أخيراً بعد تفكير وجدت أنه من الأفضل استعمال ورق الدفاتر العادية بعد قطع الصفحة الواحدة نصفين ، فاشتريت عشرة دفاتر فئة 120 ورقة من مكتبة قريبة من الكلية ، وبدأت أستعمل هذه الطريقة.
كنت أسير في شارع المكتبات (ش. عبد الخالق ثروت ) وإذا بعيني تقع على كتاب المصاحف لأبي بكر السجستاني ، فَرِحْتُ به ، فإن هذا الكتاب ثاني اثنين هما عمدة البحث : كتاب المصاحف وكتاب المقنع ، كانت مكتبة المثنى ببغداد قد أعادت تصويره ، اشتريت نسخة بثلاثة جنيهات ، وسأجلس إن شاء الله طيلة هذا الأسبوع إلى هذا الكتاب لعلي أستفرغ ما فيه من مادة ، وإن كانت غريبة مقلقة أحياناً ، مثيرة للحزن والهم ، وأستعمل الآن نوعين من البطاقات: البطاقات المعدة المطبوعة ، وبطاقات ورق الدفاتر ، وتبدو لي كلما تقدمت في البحث جوانب جديدة تزيدني تعلقاً به ، وشتان ما بين الأيام الأولى للموافقة على الموضوع وهذه الأيام ، فقد مَنَّ الله عليَّ بهذا البحث لأظل قريباً من القرآن ، لعلي أنتفع بذلك يوم يكون القرآن شاهداً لنا أو علينا ، ومع كل ذلك فأنا لا أزال في أول الطريق ، فإن كتباً ضخمة تنتظر مني أن أقرأها أو أنا أنتظر قراءتها لألتقط ما يمكن أن أستفيده منها ، أيام وأسابيع طويلة ستمر إن شاء الله قبل أن أنهي هذا البحث ، إن كُتِبَ لي إنهاؤه ، ولكني آمل أنَّ حبي للبحث سيخفف عني المتاعب وسيجعلني أكثر رغبة في العمل وأكثر تحملا لمتاعبه ، ومن الله العون .

[align=center]البحث عن شقة جديدة
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 1974م = 12 ذو القعدة 1394هـ[/align]

الشقة التي نسكنها الآن فيها ما هو جيد يشجع على الاستمرار في السكن فيها , وفيها عكس ذلك , فهي نظيفة ، أثاثها جيد ، موقعها جيد ، ومواصلاتها جيدة ولكنها تقع على شارع رئيسي , رغم عدم ازدحام المنطقة كثيراً فإن وقوعها على شارع 26 يوليو يخلق ضجيجاً مزعجاً ، خاصة والشقة قريبة من الأرض في الدور الثاني , والأهم من ذلك أن الشمس في الشتاء لا تصلها , وهذا هو الذي حفزنا على البحث عن شقة نستقبل بها الشتاء , قلنا لأبي المجد أن يبحث لنا عن شقة في نفس المنطقة وبنفس المواصفات مع وجود الشمس , الأخ خليل يرى أنه من الممكن أن نسكن في المنيل حيث يحقق ذلك لي وله بعض التسهيلات ، ذهبنا اليوم إلى المنيل منذ الصباح ، والتقينا بعدد من الوجوه التي لا تختلف كثيراً في أسلوب تعاملها .. جديدة ، نظيفة ، ( بِلْكُلُّو ) ولكن عندما نرى الشقة نجدها تشبه سجناً في الأدوار العليا , وتعبنا من السعي مع السعاة والسماسرة وعلت الشمس في كبد السماء وانحرفت نحو الغروب ، ولم نظفر بشيء، عدنا بعد تلك الرحلة المخيبة للأمل ، إذ إن الأسعار غير معقولة , والنوعيات رديئة ، وقلنا لنبق لعلنا إن لم نجد شقة غيرها يمكن أن نواجه الشتاء بالوسائل والاحتياطات رغم أنها شاقة.

[align=center]دعوة بمناسبة العام الدراسي الجديد
الخميس 28 تشرين الثاني 1974م = 14 ذو القعدة 1394هـ[/align]

كانت هناك دعوة عامة في السفارة العراقية للطلبة العراقيين الذين يدرسون في مصر ، بمناسبة العام الدراسي الجديد , ذهبت لا للاستمتاع ولكن للاستطلاع , كانت البداية في الساعة الرابعة والنصف مساءً لكني تخلفت حتى الساعة الخامسة والنصف ، إذ كنت أسعى لأداء صلاة المغرب قبل الذهاب , كان مكان الدعوة في بيت السفير ، وكان يرحب بالمدعوين الملحق الثقافي الدكتور عناد ومعاونه حميد المزعل , كان المكان غير رحب فضاق بما يزيد على مئة بل ربما مئة وخمسين ما بين طالب ومدعو , وفي الساعة التي تأخرت فيها كانت قد تمت مناقشة بعض القضايا وخاصة ما يتعلق بامتيازات الطلبة المجازين والطلبة الذين يدرسون على نفقتهم ، ورُوِيَ لي أن الطلبات والاقتراحات أُدْرِجَتْ في مذكرة سترفعها السفارة إلى بغداد ، بعد ذلك مالَ القوم وتدافعوا على مائدة قد نثر عليها من أنواع البسكويت والحلوى والكيك من أطايب ما يصنع في مصر ، وأصبت ما أصبت في تلك اللجة ، وبعد ذلك تفضل السفير وارتجل كلمة رحب وأثنى .. وأمَّل ووعد ثم وَدَّعَ , وقد جمعني هذا الحفل ببعض الأصدقاء ، كان منهم الأستاذ أحمد خطاب(7) الذي وصل منذ عهد قريب إلى القاهرة للحصول على الدكتوراه ، وهو الآن يعمل في كلية الآداب في جامعة الموصل ، بعد الحفل سرنا إلى دارهم القريبة من منزلنا ! واستعرت منه كتاب إيضاح الوقف لابن الأنباري لعلي أستفيد منه ، إن شاء الله .

[align=center]مع كتاب إيضاح الوقف والابتداء
الثلاثاء 3 كانون الأول 1974م = 19 ذو القعدة 1394هـ[/align]

خلال الأيام الثلاثة الماضية كنت أقرأ في كتاب إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل ، لأبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ، والذي حققه محيي الدين عبد الرحمن رمضان , وهو مطبوع في دمشق 1970 في مجمع اللغة العربية , وقد عرفت أن فيه مادة جيدة عن موضوع الرسم المصحفي , ولم أجد نسخة منه هنا في مصر ، على أني لم أستقص كل الأماكن المحتملة ، وأخبرني الأخ الأستاذ أحمد خطاب بأنه يقتني نسخة من الكتاب لأن موضوعه يتصل بالكتاب الذي يعمل على تحقيقه وهو ( القطع والائتناف للنحاس ) ، فتفضل مشكوراً وأعارني إياه منذ يوم الجمعة الماضي ، فانقطعت له هذه الأيام الثلاثة الماضية كاملة أقرأ فيه وأنقل منه ، وهو يتجاوز الألف صفحة ، مع أن طباعته بالحرف الكبير ، وقد فرغت منه نهاية يوم أمس بعد أن نقلت عدداً لا بأس به من النصوص , وهو يعتبر من المراجع القديمة للموضوع إذ كثيراً ما نقل عنه أبو عمرو الداني في كتبه ، وهو يقف في مرتبة مساوية مع ابن أبي داود صاحب كتاب المصاحف ، إذ إن ابن أبي داود توفي سنة 316هـ وابن الأنباري هذا توفي سنة328هـ ، فهما من جيل واحد تقريباً ، واليوم كنت مشغولاً أعمل في كتاب هجاء مصاحف الأمصار لأحمد بن عمار المهدوي الذي نشره محيي الدين عبد الرحمن محقق كتاب إيضاح الوقف في مجلة معهد المخطوطات ، وهو كتاب قيم في موضوعه .

[align=center]مع المهدوي في هجاء مصاحف الأمصار
الأربعاء 4 كانون الأول 1974م = 20 ذو القعدة 1394هـ
[/align]
أمضيت اليوم أعمل في كتاب هجاء مصاحف الأمصار ، وهو كتاب مختصر ولكنه غني بالمادة ، وقد وجدت الطريقة التي سأمضي فيها لجمع المادة ، الوجوه المختلفة للرسم والمتفقة أجعلها في ورق عادي بحجم بطاقة البحث عملتها من عدة دفاتر ، والأفكار والمعلومات أجعلها في البطاقات المطبوعة المعدة لذلك .

[align=center]الرصاصة لا تزال في جيبي
الخميس 5 كانون الأول 1974م = 21 ذو القعدة 1394هـ[/align]

تعرفنا على الشيخ عبد الغني عبد الخالق الدكتور في جامعة الأزهر أستاذ الفقه – عند أحد الإخوة ، وكنا نراه في بعض مناقشات الرسائل العلمية التي يشترك في مناقشتها ، زرته أنا والأخ خليل منذ ما يقرب من عشرين يوماً ، ووعدنا ببعض الكتب يحضرها لنا من مكتبته الممتدة المبعثرة كتبها في الدواليب والشبابيك والأرض ، مكتبة رائعة ، ذهبت اليوم مع الأخ خليل لزيارته حيث يسكن بجاور السيدة نفيسة , وبعد أن مكثنا عنده بعض الوقت انحدرنا إلى مركز المدينة : ميدان التحرير ، وبعد أن تعشينا في مطعم للفول في باب اللوق سرنا نقضي بعض الوقت في الشوارع التي تربط بين العتبة والتحرير : شارع قصر النيل وسليمان باشا ، شوارع مزدحمة بالخلق ، مكتظة بالبضائع ، محلات تجارية عامرة ، وفجأة وقفنا أمام قطعة مكتوب عليها سينما مترو ، لم ندخل سينما في القاهرة أبداً ، في العراق دخلت مرة ! هناك لافتات كبيرة تقول إن الفلم هو "الرصاصة لا تزال في جيبي " وتُصَوِّرُ أحداثه بعض مشاهد حرب حزيران 1967، وحرب تشرين 1973 ، وتصور بعض الظروف الاجتماعية في مصر ، دخلنا السينما ، وقضينا وقتأ ممتعاً ونحن نتابع صور معركة عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ، والمعارك التي دارت بعد ذلك وشاركت فيها الدبابات والمدافع والطائرات والجنود ، مشاهد محزنة ومشاهد تبعث الأمل!


نشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 19/3/1431هـ



ـــــــــ الحواشي ــــــــ
(1) وجدت الصفحات التي تلي وصف رحلة العودة إلى العراق بيضاء ، ويبدو أن فرحة اللقاء بالأهل قد شغلتني عن كتابة اليوميات لعدة أيام .
(2) كان ذلك في سنة 1974، أما اليوم فإن داء الرشوة قد انتشر بين الموظفين في العراق إلا من عصمه الله، وقليل ما هم .
(3) كان الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات وعشرة سنتات ، واليوم يساوي الدولار ألفاً ومئتي دينار عراقي !
(4) عمي نعمة حمد الصالح ، عمل في التعليم ، ودَرَّسنا في المدرسة الابتدائية ، وكان له ولع بالتاريخ وعلوم الشريعة ، وانتقل من بيجي وسكن في تكريت ، وتوفاه الله تعالى في يوم الأحد 3/2/1985م ، رحمه الله .
(5) وجدت صفحات المفكرة بيضاء من بعد 12 أيلول إلى 21 تشرين الثاني ، إلا من كتابة ثلاث رسائل إلى القاهرة ، الأولى إلى الدكتور كمال محمد بشر عميد كلية دار العلوم ، تتضمن طلب تسجيل موضوع الماجستير ، وقد تَقَدَّمْتُ بموضوعين :
الأول : أصوات العربية عند اللغويين والنحاة في ضوء الدراسات المعاصرة .
الثاني : الدراسات اللغوية عند ابن فارس .
والرسالة الثانية إلى الأخ مجاهد مصطفى ، والثالثة إلى الأستاذ فتحي محمد جمعة ، المعيد في الكلية .
ويبدو أن ما كنت أشعر به من سعادة وأنا بين الأهل والأصدقاء قد شغلني عن كتابة أي شيء في هذه الفترة الطويلة ، وقد مر شهر رمضان المبارك ، وعيد الفطر ، ولم يحركني للعودة إلى الكتابة إلا اقتراب موعد سفري إلى القاهرة من جديد .
(6) حَقَّقْتُ كتاب ابن وثيق وطُبِعَ في بغداد سنة 1988 ، وطُبِعَ بدار عمار طبعة ثانية سنة 2009 ، وحققت كتاب أبي طاهر العقيلي وطُبِعَ بدار عمار سنة 2008 ، والحمد لله ، وأنجزت تحقيق كتاب الهجاء لمجهول قبل سنتين ، وحصلت لي مفاجأة قبل أيام حين اتصل بي الأخ الأستاذ إياد السامرائي ليخبرني بوجود نسخة أخرى مخطوطة من الكتاب في مكتبة جامعة هارفرد ، وقد اطلعت عليها وأخذت نسخة ورقية منها ، وآمل أن يتاح لي الوقت لإعادة النظر في التحقيق في ضوء هذه النسخة.
(7) الأستاذ الدكتور أحمد خطاب العمر التكريتي ، عمل في جامعة الموصل بعد حصوله على الدكتوراه ، ثم انتقل إلى جامعة تكريت عند تأسيسها سنة 1988 ، وعمل مساعداً لرئيس الجامعة عدة سنوات ، ثم تفرغ للتدريس في كلية التربية للبنات ، وأحيل إلى التقاعد ( المعاش) ، وتوفي رحمه الله في تكريت يوم الأحد 8 نيسان 2007م الموافق 21 ربيع الأول 1428هـ ، وله عدة كتب محققة وأبحاث منشورة ، منها : شرح القصائد التسع المشهورات للنحاس ، والقطع والائتناف للنحاس أيضاً .




الحلقات السابقة :
1- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الأولى)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثانية)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثالثة)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الرابعة)
5- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الخامسة)
6- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة السادسة)
7- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة السابعة)
 
بوركت وبوركت أيامك يا أستاذنا ، وفي الحقيقة لا يزال الأمر بي يوم الجمعة في انتظار هذه الذكريات الجميلة ، وأسأل الله أن يوفقك للخير أينما كنت ، ولعل أساتذتنا يحذون حذوكم فيتحفونا بأخبارهم المليحة .
 
[align=center]إلى طلبة العلم

من وقف على معاناة الآخرين عرف قدر نعمة الله عليه

أوجه كلامي هذا إلى طلاب الدراسات العليا في المملكة العربية السعودية[/align]
 
رحيق خبرة علمية أصقلتها السنون فليحرص عليها المجتهدون
 
[=غانم قدوري الحمد; التقيت بالدكتور بشر عميد الكلية ورئيس قسم علم اللغة ، ... وبعد قليل حضر إلى المكان الدكتور عبد الصبور شاهين ...الدكتور أمين السيد وأساتذة قسم علم اللغة ...، تعرفنا على الشيخ عبد الغني عبد الخالق الدكتور في جامعة الأزهر أستاذ الفقه –

قلت : أنعم وأكرم بطالب علم يجلس بين هذه الكوكبة المستنيرة المتعمقة في الفكر العربي بكل أطيافه.

فجأة وجدت نفسي أمام مشكلة اختيار الموضوع بعد كل تلك الجهود التي بذلتها قبل سفري إلى العراق ،
كنت أزعم أن مشكلة اختيار الموضوع مشكلة الجدد من طلاب العلم لكن يبدو أنها مشكلة المشاكل منذ زمن بعيد حيث قابلت جيل أستاذنا الكريم غانم حفظه الله ووفقه.


[الرصاصة لا تزال في جيبي
فيلم رائع من أحسن ما أخرجته السينما المصرية وهو من الأفلام النادرة التي اكتحلت عيني بها وأنا فوق العاشرة بقليل ـ فكم أنست بذكرياتكم العطرة .

أما ما يتعلق بالأم وتقبيلها إياكم وحزنها على فراقكم فهذا له ما بعده

حيث أثار هذا الموقف كوامن نفسى إذ في السنة الأخيرة لي وأنا في المملكة حذرتني أمي رحمها الله من السفر وقالت أما آن لك يا عبد الفتاح أن تنور بيتك بوجودك فيه بين أهلك وإخوانك ، ثم قلت لها سأذهب لأغلق ملف السفر هذا العام يا أمي ولكن عاجلها القضاء وأسلمت روحها لباريها عقيب تقديم الاستقالة في العام المصرم وقبل العود الحميد وحسبي أنها ماتت وهي عني راضية .
وقديما قالوا: الغربة كربة أية كربة؛
ولله تعالى در من قال:
[align=center]: حسنوا القول وقالوا غربة ....... إنما الغربة للاحرار ذبح [/align]
جزاكم الله خيرا يا أستاذنا المفضال ونحن على شوق لمزيد من سطور النور في سيرتكم الموفقة .
 
الحمد لله وحده..

1- الرشوة داء وبيل ولا تكاد تخلو منه المجتمعات التي ترزخ تحت نير الطغاة وهي باب من أبواب الذل ..
2- حديث أستاذنا عن رحلته مع اختيار موضوع الرسالة يثير عندي أموراً منها :

1) لاشك أن لاشتغال الدكتور شاهين بمطالعة كتب المستشرقين وعلمه بأطروحاتهم عن القرآن أثر في اختيار هذا العنوان وهذا مثال حسن على الرسال التي تُنتجها مشكلة يُعانيها الباحث (ولكنها هاهنا ليست مشكلة الباحث) مما يقود للنقطة الثانية :
2) من أكبر مصائب البحث الأكاديمي هو هذه الروتينية في اختيار الرسائل العلمية وهي الغالبة عليه إلى اليوم فالرسالة لا تعالج مشكلة أوجدتها قراءة وثقافة ومعرفية الباحث بل إما مشكلة يريد المشرف أو أحد أعضاء مجلس القسم حلها ،أو مجرد موضوع يطرأ عفو الخاطر،أو تقليدية تريد أن تنهي الأمر والسلام (لهجة عراقية) وهذا يجعل الرسالة نفسها تخرج باردة لا روح فيها فهي أشبه بمثلنا العامي (يا مربي في غير ولدك ياباني في غير ملكك) وأكبر جناية من برودها أنها لا تخرج غالباً عن مجرد توسع أفقي وصب ما كان موجوداً من قبل في زجاجة جديدة تختم بختم الماجستير أو الدكتوراه وخلاص ،أما الرسالة العلمية التي تشكل هدفاً علمياً ولد وحيا في نفس الباحث ثم هو ينفخ فيه من روحه ليخرج لنا عملاً إبداعياً يضيف لرصيد المعرفة التراكمية = فهذا أندر اليوم من أكلي للفول في باب اللوق
smile.gif

3) هذه المقدمات التي ساقها الدكتور عن رسالته تضرب مثلاً آخر من إقبال الباحث في الدراسات العليا على موضوع ليس له به خبرة سابقة وليس ممتلكاً لأطرافه مستعداً للبناء الرأسي فيه وهذا من العوامل المؤثرة في غلبة البناء الأفقي للرسائل العلمية ؛لأنها تتحول في النهاية إلى محاولة للمذاكرة والفهم وتلخيص الفه من قبل الباحث وليست عملاً إبداعياً.
4) كل هذا كان ينبيء بأن تخرج رسالة الدكتور من جنس هذه الرسائل الباردة المدرسية ،لكن الغريب أني طالعت الكتاب مرتين وأنا وإن كنت لا أغالي فيه كما يفعل البعض لكني بالفعل أعده عملاً إبداعياً فيه معرفة رأسية ظاهرة جداً خاصة لمن وزن الكتاب بتاريخ صدوره وندرة المصنفات فيه فلا أدري ما الذي حدث ،لكن أول تفسير ذلك هو أن الروح الإبداعية والملكة الساكنة في قلب أستاذنا قد أبت عليه إلا أن يحتشد لكتابه حتى تجاوز به مالم يستطع غيره أن يتجاوزه،وأنا شغوف جداً بمعرفة رحلة الأستاذ مع رسالته ؛لأعلم كيف خرجت من بين فرث ودم..

3- لم يعد عبد الخالق ثروت الآن شارعاً للمكتبات ،ولعل انتقال الشارع نفسه وتغير سمة المكتبات يقود لمعرفة التطور والتغير الذي طرأ على الحركة العلمية في مصر.

4- أحب لو حدثنا الدكتور عن الحركة العلمية والثقافية وسوق الكتب في بغداد في هذه الفترة..

5- (الرصاصة لا تزال في جيبي) لا أذهب فيه مذهب الدكتور عبد الفتاح وأراه بالغ فيه وكنت ولا زلت أرى أفضل الأفلام في تصوير هذه المرحلة خاصة تصميم المعارك فيه ،أما أكثر من ذلك فلا..

6- الفنون المسرحية جميعها عانت في فترة السادات فقد كان ازدهارها قائماً على الشيوعيين والماركسيين وهؤلاء دخلوا الجب مع إتيان السادات للحكم.
7- من الأشياء غير المشهورة أن جيهان السادات حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب.
 
2) من أكبر مصائب البحث الأكاديمي هو هذه الروتينية في اختيار الرسائل العلمية وهي الغالبة عليه إلى اليوم فالرسالة لا تعالج مشكلة أوجدتها قراءة وثقافة ومعرفية الباحث بل إما مشكلة يريد المشرف أو أحد أعضاء مجلس القسم حلها ،أو مجرد موضوع يطرأ عفو الخاطر،أو تقليدية تريد أن تنهي الأمر والسلام (لهجة عراقية) وهذا يجعل الرسالة نفسها تخرج باردة لا روح فيها فهي أشبه بمثلنا العامي (يا مربي في غير ولدك ياباني في غير ملكك) وأكبر جناية من برودها أنها لا تخرج غالباً عن مجرد توسع أفقي وصب ما كان موجوداً من قبل في زجاجة جديدة تختم بختم الماجستير أو الدكتوراه وخلاص ،أما الرسالة العلمية التي تشكل هدفاً علمياً ولد وحيا في نفس الباحث ثم هو ينفخ فيه من روحه ليخرج لنا عملاً إبداعياً يضيف لرصيد المعرفة التراكمية = فهذا أندر اليوم من أكلي للفول في باب اللوق

هنأك الله بفولك!

كلامك واقعي جدا، ولكني أؤكد على ما ذكره الدكتور أبو مجاهد العبيدي في مشاركة سابقة بقوله:
أما الدارسون في الدراسات العليا فإنهم لا يزالون في طور التأهيل المتقدم، وهم بحاجة إلى الإفادة من فحول العلماء، وبحاجة إلى قراءة كلام الأئمة الكبار ودراسته والإفادة منه.

والذي أرى أن بحث الماجستير يعتبر إعداداً للباحث وتأهيلاً له لمواصلة التقدم والإتقان لتخصصه، ولا ينتظر منه في الغالب إعداد بحوث في المسائل العويصة التي قد يعجز عنها وعن تصورها أحياناً، وخاصة مع ضيق الوقت، وقلة العلماء الناصحين الباذلين الذين يقفون مع الطالب، ويقدمون له ما يحتاج إليه.

[align=center]* * *[/align]4)

كل هذا كان ينبيء بأن تخرج رسالة الدكتور من جنس هذه الرسائل الباردة المدرسية ،لكن الغريب أني طالعت الكتاب مرتين وأنا وإن كنت لا أغالي فيه كما يفعل البعض لكني بالفعل أعده عملاً إبداعياً فيه معرفة رأسية ظاهرة جداً خاصة لمن وزن الكتاب بتاريخ صدوره وندرة المصنفات فيه فلا أدري ما الذي حدث ،لكن أول تفسير ذلك هو أن الروح الإبداعية والملكة الساكنة في قلب أستاذنا قد أبت عليه إلا أن يحتشد لكتابه حتى تجاوز به مالم يستطع غيره أن يتجاوزه،وأنا شغوف جداً بمعرفة رحلة الأستاذ مع رسالته ؛لأعلم كيف خرجت من بين فرث ودم..

ونحن كذلك شغوفون، وهذه من أهم الوقفات التي أتمنى على الدكتور غانم -وفقه الله- أن يتحفنا بها.

3- لم يعد عبد الخالق ثروت الآن شارعاً للمكتبات ،ولعل انتقال الشارع نفسه وتغير سمة المكتبات يقود لمعرفة التطور والتغير الذي طرأ على الحركة العلمية في مصر.

من أشهر كتب الدكتور جلال أمين كتابه: ( ماذا حدث للمصريين ) يشرح التغير الاجتماعي والثقافي في حياة المصريين خلال الفترة من 1945 إلى 1995 أي خلال نصف قرن من الزمان.
 
شكر الله لك أستاذنا الفاضل على هذه الذكريات القيمة . وبعد قراءتي لمعاناتكم في الحصول على الكتب وتصويرها على ميكروفيلم ثم تصويرها ومسألة البطاقات جعلني اقف شاكرة لله تعالى على نعمه علينا فأين نحن الآن من هذه المعاناة ونحن في عصر التقنية والحصول على المعلومة بضغطة زر وقص ولصق وعمل الجداول والاحصاءات؟! هل توقفنا لنشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه علينا؟!
أما حديثك عن لقاء ووداع الأهل وخاصة الوالدة فقد حرك في القلب ساكناً وهذه ضريبة الغربة كل مرة نودع أهلنا نتساءل هل سنراهم في المرة القادمة أم أنهم سيرحلون عن هذه الدنيا الفانية؟! أسأل الله تعالى أن يرحم من مضى من أهلنا ويجمعنا بمن بقي منهم على قيد الحياة لنراهم ونشبع من حبهم وحنانهم الذي ليس له مقابل.
ولا يفوتني أن أدعو للدكتور عبد الصبور شاهين الذي اقترح موضوع الدراسة فقد خدمتم القرآن الكريم بها خدمة قيمة أسأل الله تعالى أن يجعلها وسيلتكم إلى رضوانه وجناته.
بانتظار المزيد من هذه الوقفات الكريمة لنستقي منها العبر.
وفقكم الله تعالى لكل خير
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هَيَّأَ لنا هذه النافذة للتواصل على تنائي البلدان ، وإني أجد في بعض ما يكتبه الإخوة والأخوات من تعليقات أو انطباعات على ما يرد في اليوميات دافعاً للمضي في إكمال نشر الحلقات المتبقية منها ، فلهم الشكر والعرفان بالجميل.
وأود هنا التعليق على ما ذكره الأخ الأستاذ أبو فهر السلفي ، وفقه الله ، في تعليقه على الحلقة الثامنة حول اختيار موضوعات بحوث طلبة الدراسات العليا ، وله فيها وجهة نظر قد لا يوافقه البعض في جوانب منها ، وهي قضية تستحق البحث والمناقشة ، لأنها قضية متجددة يعاني منها المشتغلون بالبحث العلمي من طلبة الدراسات العليا ومن غيرهم .
والأصل أن يختار الباحث موضوع بحثه من خلال قراءاته وتفكيره ، كما ذكر الأستاذ أبو فهر ، ولكن ذلك قد لا يتأتى للمبتدئين في الدراسات العليا ، خاصة طلبة مرحلة الماجستير ، ومن ثم يضطر الطالب إلى الاستعانة بخبرة أساتذته في اختيار الموضوع ، وليس في ذلك بأس إذا ما أقبل الطالب على البحث بجد ورغبة تُعَوِّضُهُ ما كان ينقصه من المعرفة بتفاصيله، وكثيراً ما يجد الباحثون من أساتذة الجامعات وغيرهم موضوعات تستحق الدراسة أو تتطلب البحث ، لكن وقتهم أو ظروفهم لا تسعفهم في الكتابة فيها ، فيكلفون طلبتهم بذلك .
أما موضوع بحث الدكتوراه فقد لا يُعْذَرُ الطالب في الاتكال على غيره في اختياره ، لأنه بعد أن أنجز مرحلة الماجستير يكون قد اتضح له مساره العلمي ، وتحدد تخصصه ، وانفتحت له آفاق البحث فيه .
وتجربتي الشخصية في الدراسة والتدريس تؤيد ذلك ، ففي الوقت الذي استسلمت فيه لاختيار أساتذتي موضوع بحثي للماجستير بعد التقدم بعدة موضوعات لم تحظ بالقبول ، تبلورت فكرة موضوع أطروحتي للدكتوراه قبل تقدمي للدراسة بأمد ، وهو ( الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) ، وأعددت له العدة ، وهيأت له ما أمكن من مصادر مخطوطة ومطبوعة ، ولم أجد عناء كبيراً في إقناع أساتذتي بأهمية الموضوع وجدواه بعد قبولي في دراسة الدكتوراه .
وأجد من خلال تدريسي في الدراسات العليا أن طلبة الدكتوراه أقدر من طلبة الماجستير في اختيار موضوعات بحوثهم ، ولكن الأمور تسير نحو التعقيد ، فالطلبة في تزايد والموضوعات في تناقص ، والسعيد مَن فتح الله عليه بموضوع لم يسبق إليه ، فكثيراً ما يجد الطالب أن الموضوع الذي اختاره قد كُتِبَ فيه ، ويبدأ البحث عن موضوع جديد بعد أن صرف كثيراً من الوقت والجهد ، وكانت وسائل الاتصال المحدودة بين الجامعات والباحثين من البلدان المختلفة تسمح بتعدد الكتابة في الموضوع الواحد في أكثر من بلد ، أما اليوم فإن وسائل الاتصال الحديثة تضع أمام الطالب ما كُتِبَ في الموضوع الذي يفكر فيه في لحظات ، فيصده ذلك عن التفكير في الكتابة في موضوع مكرر.
وأحسب أن اختيار موضوع البحث لا يزال من التحديات التي تواجه الدارسين ، وأن التقدم العلمي مرهون بالقدرة على الابتكار في اختيار الموضوعات في البحوث النظرية والتطبيقية على السواء.
وإلى لقاء في حلقة جديدة ، إن شاء الله .
 
عودة
أعلى