تذكرون حسني البرزان رحمه الله الممثل في مسلسل (صح النوم) حينما كان يحاول أن يكتب مقالة صحفية، ولكنه كان يجد صعوبة في الكتابة فتوقف طويلاً عند عبارة "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل" وانتهت الحلقات ولم نعرف شيئاً لا عن إيطاليا ولا عن البرازيل. أما في الأسطر القادمة فإنني سأقدم إليكم بعض مشاهداتي وانطباعاتي عن رحلة قمت بها إلى كل من إيطاليا وألمانيا في الفترة من 21صفر إلى 29 منه عام 1427هـ .
علمت عن منتديات المعهد الجامعي بفلورنسا قبل أشهر عديدة، ودخلت موقع المعهد لأتعرف على هذه المنتديات التي تسمى ورش عمل يجتمع في كل ورشة عشرة إلى اثني عشر شخصاً يبحثون في قضايا تخص مجتمعات البحر المتوسط، فاسم المنتديات هي منتديات البحر المتوسط. وقد بدأ عقدها منذ سبع سنوات، أي منذ عام 2000م. وتكون المنتدى هذا العام من إحدى عشرة ورشة منها في الاقتصاد وفي السياسة وفي الاجتماع وفي تقنية المعلومات وفي المسائل الحدودية وفي العمران والفن.
كنت أرغب في المشاركة في ورشة المشاركة السياسية في الأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية، ولكني وجدت أن العنوان غير مناسب لأطلب الإذن للمشاركة في مثل هذه الجلسة وربمارلا يمكن السماح بحضورها أو أن الكياسة أن يبتعد الإنسان عن مثل هذه الأمور. فقررت أن أطلب الإذن لحضور موضوع الأسرة في الشرق الأوسط. وتقدمت بموضوع هو (وضع المرأة السعودية في الأسرة) وقٌبل الموضوع مبدئياً ولكن القبول النهائي لم يأت لأن الورشة اكتملت. فطلبت الإذن أن أحضر مستمعاً.
وبعد مراسلات عديدة أشهد فيها للخواجات (معذرة ليس هذاً إلاّ من باب الإنصاف)أنهم يردون على الرسائل في موعدها ويحرصون على أي باحث من أي بلد كان. وكان هناك الخوف أن لا يتوفر لي التمويل الكافي للحضور(ما أشق على الباحث أن تعوقه المادة عن المشاركة في المنتديات العالمية) ولكن الله هو الرزّاق ذو القوة المتين يسر لي الحصول على التذكرة، وشرعت في الرحلة بعد منتصف يوم الاثنين الواحد والعشرين من صفر. وكانت الرحلة إلى إيطاليا أو مدينة فلورنسا حسب ترتيب المكتب السياحي تمر عبر فرانكفورت، ولما كان مطار فلورنسا مغلق فكان لا بد من السفر من فرانكفورت إلى بيزا (المدينة التي فيها البرج المائل) ووصلت بيزا وكان الوقت نهاراً، وكان الفندق الذي حجزت فيه تقول المعلومات من موقع اليهاهو أنه في وسط المدينة وأجرته 125دولار بينما فندق آخر بعيد عن المدينة وأجرته أقل، فقررت أن أنزل في الفندق الذي في وسط المدينة. ولما وصلت الفندق إذ به بعيد عن وسط المدينة والفندق الآخر هو الذي في وسط المدينة. والياهو محرك بحث أساسي وبيزا مدينة سياحية يأتي الناس من أنحاء العالم لمشاهدة برجها المائل والكاتدرائية القريبة من البرج والمتحف، وربما هناك أشياء أخرى. والكاتدرائية ( ربما هي الكنيسة الكبيرة) مبنى قديم فيه كثير من التماثيل والتصاوير والنقوش والزخرفة. والدخول إليها برسم هو اثنان من اليوروات. وفي الداخل بعض الأجهزة التي يمكن أن تطلع على مزيد من مزايا أو ملامح المكان مقابل رسوم معينة. فتعجبت أن يجعل النصارى كنيستهم مكاناً ليدر الدخل أو للكسب المادي، وتذكرت هنا أننا نترفع بالمسجد أن يكون مكاناً لمثل هذه الأمور حتى إن الإنسان لا يجوز له أن ينشد ضالته في المسجد، ومن فعل ذلك يقال له (لا رد الله عليك ضالتك) فالمساجد لم تبن لمثل هذه الأمور.
وتحملت أجرة التاكسي من المطار إلى الفندق حوالي العشرين يورو أي ما يعادل التسعين ريالاً، بينما المسافة في الحافلة لا تتجاوز العشرة دقائق والأجرة أقل من عشرة ريالات.
تجولت في منطقة البرج ورأيت ميلان البرج وأحد الرسامين رسم صورة يتخيل البرج ينهار، وقال أحدهم لو انهار البرج لحطم بعض المباني التي أمامه. ولكن لم يحن بعد في مشيئة الله سبحانه وتعالى أن ينهار البرج. ومدينة بيزا فيها جامعة تضم كلية طب وكلية علوم إنسانية وكلية علوم يراها المرء وهو يمر بالشوارع المحيطة بالبرج. ومباني الجامعة قديمة ولكن الغربيين يعرفون كيف يجعلون المباني القديمة تضمن كل التقنيات الحديثة.
هناك من يقول لولا البرج ما زار أحد هذه المدينة، فهي متواضعة في شوارعها ومبانيها وأسواقها، ويلاحظ الإنسان التفاوت في المدن الإيطالية فميلانو في الشمال ليست مثل باليرمو في جزيرة صقلية في الجنوب، فالمدينة الجنوبية أقرب إلى المدن العربية المتواضعة ذات الشوارع التي تحتاج إلى إصلاح، وفيها فراغ لدى الناس فهم يقضون أوقاتاً طويلة في الأسواق وعلى الأرصفة وفي المقاهي حتى إنك تراهم في باليرمو يمضون وقتاً في الشوارع حتى وقت متأخر.
لم أكن أعرف أن الندوات ليست في فلورنسا وإنما في مدينة صغيرة بالقرب منها حتى اتصلت بالمنظمين للندوة فسألتهم أنتم تقولون سوفر حافلات لنقل المشاركين من مطار بيزا، قالوا نعم فذهبت إلى المطار وبالفعل وجدت الحافلات وسارت بنا إلى المدينة التي تسمى (مونتيكاتيني) وهي مدينة راقية في شوارعها وتنظيمها، وصغيرة جداً، وفيها عدد كبير من الفنادق. وكأن صغر المدينة مغر لأصحاب المؤتمرات والندوات أن يعقدوها هنا، فبالإضافة إلى الفنادق التي فيها قاعات للمؤتمرات هناك مبنى خاص للمؤتمرات. ومونتي كاتيني قريبة جداً من فلورنسا ويمكن الإنسان أن يجد قطاراً كل ساعة إلى فلورنسا.
بعد أن وصلت الفندق انطلقت إلى مقر الندوة وكانت في فندق آخر قريب فسجلت، وقبلوا تسجيلي مستمعاً في اليوم الأول رغم أنه معلن أن التسجيل في اليوم الثاني للمستمعين. فهاهم الأوروبيون يتنازلون أحياناً عن بعض النظام لتكون معاملتهم لطيفة. وحصلت على الملف الذي يحتوي على معلومات واسعة عن الندوات والأشخاص المشاركين وأسطوانة مدمجة تضم الندوات للسبع سنوات الماضية كلها. ومهما أنفق الإنسان من مال ففي سبيل العلم والمعرفة فهو يستحق، ولكن قديماً كتبت (من يحملني إليهم؟) وكتبت (رحلة غنائية ورحلة علمية) فالباحث يتجشم المصاعب والمتاعب ويسافر في الدرجة السياحية بينما المطرب(x) يركب الدرجة الأولى هو وفرقته مهما كان عددهم وينزلون في أفخم الفنادق ويحصلون على أعلى الأجور. وكان مرة حوار بين أمريكي وفرنسي فقال الفرنسي للأمريكي نحن في تلفزيوننا نحتفي بالعلماء والمفكرين والفلاسفة بينما أنتم تحتفون بالمغنين والمطربين والراقصين والراقصات، فنحن أكثر ثقافة منكم.
واجتمع شمل المشاركين والمستمعين وعددهم المستمعين قليل) في تلك الليلة على الساعة السابعة للاستماع إلى المحاضرة الافتتاحية للدكتورة سعاد جوسف بعنوان: " أبيض وأسود: تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في الصحافة الأمريكية المطبوعة) والدكتورة سعاد هي مديرة دراسات الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا في قسم علم الإنسان بجامعة كاليفورنيا بمدينة ديفيس. وهي حاصلة على الدكتوراه من جامعة كولمبيا بنيويورك عام 1975 وتقوم بتدريس علم الإنثروبولوجي ودراسات المرأة والجندر في جامعة ديفس، وهي المحررة الرئيسة لموسوعة المرأة والثقافة الإسلامية التي تصدر عن دار بريل، وهي مؤسسة وأول رئيسة لرابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط.
قدمت الدكتورة جوزيف دراسة ميدانية عن تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في أكبر صحيفتين أمريكيتين هما نيويورك تايمز والواشنطن بوست، وكان مجمل عرضها أن هاتين الصحيفتين أساءتا كثيراً لصورة العرب والمسلمين الأمريكيين وللإسلام عموماً. ولم يسمح الوقت إلاّ بسؤالين أو تعليقين كنت أحدهما حيث سألتها هل هناك رد فعل من المسلمين والعرب على هذه الصحف وما رد فعل هذه الصحف على ردود الأفعال تلك. فأجابت إن هاتين الصحيفتين لا يهمهما كثيراً ردود الأفعال، كما قلت إذا كانت الصحيفتان تقدمان هذه الصورة السيئة فأين الجهود العربية والمسلمة في توضيح صورتهم وصورة الإسلام، أعرف أن المؤتمر السنوي لرابطة المسلمين في أمريكا الشمالية يستقطب أكثر من خمس عشرة ألف مشارك وهم يقدمون صورة رائعة للإسلام، أين الأفلام الوثائقية عنه المسلمين. وكان ردها جيداً بأن الجهود كبيرة والقضية بقدر ما هي مؤلمة فإن المستقبل مشرق.
الجزء الثاني من مشاهدات وملاحظات وانطباعات من إيطاليا وألمانيا
لقد كان من ضمن فقرات الافتتاح الحديث عن المعهد الجامعي بمدينة فلورنسا بإيطاليا، تأسس عام 1976م من قبل الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حينذاك، وهو معد لأعداد طلاب الدكتوراه والبحوث في أعلى مستواها، ولديهم الآن مائة وخمسين طالباً يعدون لدرجة الدكتوراه. ومن فروع المعهد مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة Robert Schuman ويرأسه هلن ولاسHellen Wallace وهذا المركز مخصص للباحثين فيما بعد الدكتوراه. وقد تأسس المركز عام 1992م. ومن أقسام المركز القانون، والاقتصاد والتاريخ والحضارة والعلوم السياسية والاجتماعية. ويعمل فيه أساتذة متفرغون وأساتذة يعملون بتفرغ جزئي. ولدى المركز مشروعات بتمويل من اللجنة الأوروبية منها عن نماذج جديدة للحكومات، والمواطنة والديموقراطية في أوروبا، وبحوث أخرى حول أوربا الشرقية والقيم الاجتماعية والسياسية في ثمانية عشرة دولة من دول الاتحاد وجنوب شرق آسيا.
انطلقت منذ اليوم الأول أشغال الورش المختلفة التي بلغت إحدى عشرة ورشة أذكر فيما يأتي بعضها:
الأولى: الإقليمية والأقلمة في الشرق الأوسط: بحث في النواحي النظرية والعملية.
الثانية: النتائج القانونية الاجتماعية للهجرة في منطقة الشرق الأوسط.
الثالثة: التقسيم أو المشاركة السياسية: إدارة الحدود والأراضي في عالم معولم.
الرابعة: من المحلية إلى العولمة: الفنون المرئية في شرق البحر المتوسط بين الأسواق العالمية والتوقعات المحلية.
الخامسة: مناظرة حول الأسرة في الشرق الأوسط.
السادسة: المشاركة السياسية تحت الحكم الشمولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
السابعة: النقد الثقافي والنقد الجندري في الشرق الأوسط: إسهام الفكري النسوي (نسبة إلى حركة تحرير المرأة) للنقد الثقافي في المجتمعات المتوسطية.
الثامنة: المناقشات العامة حول الإسلام في أوربا: لماذا وكيف أصبح المهاجرون مسلمين.
شاركت في معظم جلسات الورشة الخاصة بموضوع الأسرة وذلك لأنني كنت قد قرأت بعض الأوراق، وكان يهمني أن أعرف ماذا يقولون عن الأسرة في الشرق الأوسط. وقد تناولت هذه البحوث قضايا حول الأسرة في عدن منذ نهاية عهد الاستعمار حتى العصر الحاضر، كما تناولت قضايا التشريعات الخاصة بالأسرة في كل من إيران ومصر وجنوب تركيا. وقدمت باحثتان موضوعين عن الأسرة من خلال مسالة الميراث إحداهما عن الوقف من خلال فتاوى الوزاني في المغرب العربي، بينما كان البحث الآخر حول القضايا الأسرية من خلال وثائق المحاكم المصرية في أواخر العهد العثماني. وتناولت باحثة أمريكية موضوع الحركات المطالبة بحقوق المرأة في المغرب العربي، وكيف أن الأسرة تشكل عائقاً نحو تحقيق المرأة بعض حقوقها.
لاحظت في أثناء استماعي إلى الحديث عن المرأة غياب المعرفة الشرعية المستندة إلى نصوص الكتاب والسنّة أو نماذج من حياة السلف في القرون التي كان التطبيق الإسلامي في أعلى مستوى له. وقد ذكرت لهم أن قضية الوقف مرتبطة بقضية شرعية وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له وصدقة جارية) وعمل الخير أيضاً ينطلق من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟، فقالوا مالنا يا رسول الله، فقال لهم (مالك ما أنفقت، ومال وارثك ما أبقيت) وأخبرتني رئيسة الجلسة أنها تنوي البدء في دراسة الفقه، فقلت لها هذا قرار سليم، ولكن إحدى المشاركات قالت إنها لا تحتاج إلى الاستشهاد بالنصوص الإسلامية من حديث أو قرآن.
وحدث أن انتقلت إلى جلسة أخرى وهي حول الجندر، وفي تلك الجلسة استمعت إلى بحثين أحدهما عن المدونة المغربية لإدماج المرأة المغربية في التنمية، وهي مدونة كثر حولها النقاش في المغرب، وقد اعترض عليها العلماء ورأوا فيها خروجاً عن الشريعة الإسلامية في عدد من المواضع. وقدم البحث باحث وباحثة من المغرب. وكانت المرأة أكثر تحدثاً. وكانت تتحدث بلهجة المنتصر أن المدونة قد أصبحت قانوناً وأن الحكومة المغربية استطاعت أن تسكت أصوات المعارضة الإسلامية. وذكرت من المدونة أنها لم تسمح للرجل بالزواج من ثانية إلاّ بموافقة الزوجة الأولى، وأن الطلاق لا يمكن أن يقع إلاّ أمام المحكمة، وتحدثا عن حقوق أخرى، ولكنهما كانا ينتظران أن تساوي المدونة بين الرجل والمرأة في الميرات. وانتقدت المدوّنة أو قانون الأحوال الشخصية الأخير مسألة عقد النكاح أو عقد يسمح للرجل بالممارسة الجنسية بل هو عقد زواج. وتعجبت أن الأمة قبلت هذه التسمية ألف وأربعمائة سنة ويأتي من يعترض اليوم على التسمية وحتى على المضمون، ناسين أن القرآن سمّاه (ميثاقاً غليظاً) ووصف العلاقة بين الرجل والمرأة بالمودة والرحمة وقال عن الزواج (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن) وانظر كيف قُذّمت المرأة في اللباس. واعترضوا على مسألة الطاعة، ومطالبة المرأة بطاعة الزوج. وانتقدوا الاستعمار بأنه كرّس ذكورية المجتمع، مع أن بذور حركة ما يسمّى تحرير المرأة جاء به الاستعمار. ونسوا أن المؤتمر العالمي الثالث للمرأة عقد في الجزائر في مدينة قسنطينة عام 1934م، وغابت عنه المرأة الجزائرية التي رضيت بالحجاب عدا نساء قليلات كنّ متغربات.
ولم أتحدث في أثناء الجلسة لأنني كنت أشعر أنني لو قلت شيئاً لأخرجوني من القاعة، فما كان الجو مناسباً لأي اعتراض. ولكن خارج القاعة شاء الله أن يكون معي كتيب صغير بعنوان (موقفنا من المشروع الوطني لإدماج المرأة في التنمية)، فقدمت الكتيب إلى رئيسة الجلسة، فقالت ما هذا الكتيب؟ قلت لها إنه رأي للعلماء المغاربة يعترضون على المدوّنة. فقالت لماذا تروج لهم؟ قلت لها أنا لا أروج لهم ورأيي أنه لا رأي لي حتى أقرأ المشروع كاملاً، ولكن في جلسة علمية كان ينبغي أن يكون هناك توازن في عرض وجهات النظر. فكما سمحت بوجهة النظر المؤدية للمشروع كان ينبغي وجود الرأي المعارض. ولعلي أكتب رسالة إلكترونية لتلك المرأة. وسألتها ألا تريدين أن تعرفي الرأي الآخر؟
أما البحث الثاني الذي سمعته فهو حول النساء السحاقيات، بين العلن والخفاء. وكانت الباحثة سورية، وكأنها كانت تشيد بهذا الأمر وذكرت العديد من الكاتبات اللاتي كتبن عن العلاقات الجنسية بين النساء أو ميل بعض النساء لبنات جنسهن، وذكرت من الكاتبات حنان الشيخ وليلي أحمد وغيرها وذكرت من الروايات باب الواد وحجر الضحى وغيرها. وأذكر أن مؤسسة بريطانية مسرحية قدمت إحدى مسرحيات حنان الشيخ في لندن، وافتخرت بها إحدى الصحف العربية الصادرة في الغرب وكأن الأمر فتح كبير مع أن الغرب لا يحتفي إلاً بمن شذ أو انحرف من أبناء الأمة.
وبالمناسبة فإن المشرفين على المؤتمر يقدمون دعماً مالياً لمن يقدم بحثاً مقابل البحث وكذلك مقابل المصروفات التي تحملها، وفي نهاية تلك الجلسة قالت الرئيسة إليزابيث كسّاب قوموا بنا نحصل على نقودنا من المسؤول المالي فاليوم هو اليوم الأخير. وقلت في نفسي ليتهم حفظوا كرامة الباحثين وقدموا إليهم ما يسمّى مكافأة بطريقة أخرى لا تضطرهم إلى الوقوف بباب المسؤول المالي.
أما الورشة التي كنت أرغب في حضورها فهي بعنوان "المشاركة السياسية تحت النظام الشمولي" وهي برئاسة كل من سلوى زرهوني من جامعة محمد الخامس بالرباط وإلين لست أوكار من جامعة ييل Yale بالولايات المتحدة، وتقول مقدمة الورشة إن المشاركة السياسية في الأنظمة الشمولية قد بدأت في العالم العربي الإسلامي ببعض المشاركة السياسية والحديث عن الانتخابات وغير ذلك ولكن هذه المشاركة السياسية قليلاً ما تُناقش أو تبحث في المنتديات العلمية. وسيكون الحديث عن المشاركة السياسية في المؤسسات السياسية أو غيرها، وتتناول الورشة المفاهيم الخاصة بالمشاركة السياسية وتعريفها. وهل ما يحدث من بعض المشاركة السياسية هو حقيقة مشاركة أو مجرد ديكور. وتناولت الأوراق المشاركة السياسية عموماً وكذلك التجارب في دول معينة كالأردن ومصر، وكذلك الحديث عن وسائل الإعلام وأثرها في نشر التوعية بأهمية المشاركة السياسية. ومن أبرز الباحثين والباحثات الذين واللاتي قدموا بحوثهم ليل الحمّاد من البنك الدولي بواشنطن حيث كان عنوان بحثها:" المشاركة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: توسعة الشبكة."
لقد قرأت في الأوراق وفي الوجوه أن توجه الغالبية العظمى من المشاركين هي الوجهة الغربية العلمانية، ونحن نتفق معهم في قضايا معينة كحديث المحاضرة الافتتاحية عن الصورة السلبية التي تعكسها كبريات الصحف الإسلامية للعرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام، أو ضرورة زيادة المشاركة السياسية، أو رفع الحيف عن المرأة وعن الرجل، ولكننا لا نتفق معهم في المرجعية. وقد توصلت إلى قرار يحتاج إلى تفكير طويل هل أستمر في حضور مثل هذه المنتديات للتتاح لي الفرصة قليلاً أو كثيراً لأعرض وجهة نظر الإسلام أو أن الإسلام هو الحل الحقيقي لمشكلات الأمة. أو عليّ أن أنتقل لدراسة الغرب من خلال المؤتمرات الكثيرة التي تعقد هنا أو هناك، وهل سأجد الطريق مفتوحاً للمشاركة معهم في دراسة مشكلاتهم وقضاياهم؟ هذا سيحتاج منّي إلى تفكير طويل وعميق واستشارة ممن هم أعلم وأحكم، وإلى اللقاء في الجزء الثالث من هذه المذكرات.
الجزء الثالث من مشاهدات وملاحظات وذكريات من إيطاليا وألمانيا
قبل أن أشرع في السفر إلى إيطاليا تلقيت دعوة من مركز دراسات الشرق الحديثة لحضور محاضرة حول (الحرية الأكاديمية في الجامعات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م) يقدمها البروفيسور بشارة دوماني أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا- بيركلي . ودوماني هو المحرر لكتاب حول الحرية الأكاديمة التي تتعرض لهجوم ضخم منذ أحداث سبتمبر، وقد بدأ مركز برلين بإرسال دعوات أو أخبار المحاضرات منذ عقدت في الرياض في العام الماضي ندوة حول ألمانيا والثقافة العربية وقدمت فيها ورقة حول موقع (القنطرة) الذي أسسته وزارة الخارجية الألمانية للحوار مع العالم الإسلامي. وقابلت عدداً من أساتذة الجامعات الألمانية ومنهم أساتذة من مركز الدراسات الشرقية الحديثة ZMO.
ورأيت أن فلورنسا أو بالأحرى مونتي كاتيني (وهي المكان الذي عقدت فيه ورش العمل) القريب من بيزا وفلورنسا (مطارها كان مغلقاً) يمكن أن تكون قريبة من برلين بألمانيا، وسألت الوكالة السياحية في الرياض أن تسأل لي عن تذاكر القطار من إيطاليا إلى ألمانيا، ولكني بدأت أسأل بعد وصولي بقليل عن طريقة الوصول إلى ألمانيا وذهبت إلى وكالة سياحية فقالوا التذكرة من بيزا إلى ميونخ فبرلين في الطيران الألماني أربعمائة وثلاثين يورو وهناك ضرائب تبلغ سبعين يورو، والمكتب السياحي يتقاضى خمسين يورو عمولة ولا بد من الدفع بالنقد. ففكرت في الأمر قليلاً ولكني رجعت إلى الفندق وطلبت من موظف الاستقبال أن يحجر لي مع الشركة الألمانية وفي المطار أشتري التذكرة. ولكني قلت لنفسي أحاول مع إحدى موظفات المؤتمر بسؤالها عن أفضل طريقة للسفر إلى برلين، فقالت هناك شركات رخيصة كلما تحتاج إليه أن تحجز عن طريق الإنترنت وتسدد ببطاقة الإئتمان وفي المطار يعطونك بطاقة صعود وليس في الطائرة مقاعد محددة ولا خدمة على الطائرة إلاّ أن تدفع. وكانت قيمة التذكرة حوالي عشرين بالمائة من التذكرة العادية. وقررت السفر بهذه الوسيلة. وقامت الموظفة بعمل الحجز وأيضاً إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى برلين ليحجزوا لي في الفندق، وشكرتها على هذه الخدمات فقالت هذه وظيفتنا. ورغم علمي بأن هذا ليس عملها فهي من المنظمين للندوات، ولكن الغربيين يسعون إلى خدمة الباحثين. وتذكرت أمر الإركاب في جامعتي وكيف عليّ أن أمر على أرعبة أو خمسة مكاتب لأحصل على التوقيعات العظيمة ونسخ أمر الإركاب ثم الانطلاق إلى مكتب الخطوط لوضع السعر، فقلت ما أرخص وقت الأستاذ الجامعي عندنا. حتى إنني قلت لأحد الموظفين لماذا تضطرون أستاذاً كبيراً في السنّ مثلي للقيام بكل هذه الإجراءات. فرد علي بسكوت جميل وكأنه يقول إن أردت السفر فعليك القيام بهذه الإجراءات وإلاّ سافر على حسابك.
وفي اليوم الذي كان سبق سفري إلى ألمانيا قرر مجموعة من المشاركين في ورش العمل زيارة مدينة فلورنسا، وهناك قطار كل ساعة ينطلق من مونتي كاتيني وفلورنسا من المدن الإيطالية السياحية الجميلة، فهي تقع في منطقة توسكاني المشهورة تاريخياً وفيها عدد من المباني الكنسية الكبرى التي يحب السيّاح أن يقضوا وقتاً ينظروا ما فيها من تماثيل وصور. وفيها طبيعة خلابة وأسواق جميلة. ومن أسواقها المتاجر المفتوحة. وفيها بضائع يمكن أن تكون أسعارها طيبة. كما في فلورنسا جسر جميل على نهرها وعلى الجسر بنيت بعض المساكن ليسكن فيها الباعة على الجسر وفي الأماكن القريبة. كما لاحظت وجود اليد العاملة الأجنبية من كل دول العالم. كما لاحظت بعض الأفارقة الذين يبيعون الساعات الرخيصة والأحزمة ويتجولون في الشوارع يتحدثون فيما بينهم اللغات الإفريقية ولكنهم يتحدثون الإيطالية. قد يكون بعض هؤلاء ممن ليس لديهم إقامات نظامية ولكنهم يعملون في كل مكان.
كانت الطائرة مزدحمة وأكثر من فيها شباب لا يهتمون كثيراً بالنظام ويتدافعون، ولكن الطائرة جيدة من حيث الشكل ولا بد أن لديهم معايير فنية تجعلها صالحة للطيران، والأعمار بيد الله فقط تسقط الطائرة الجديدة وتبقى الطائرة القديمة في الجو، وقد ينفجر الإطار الجديد والإطار القديم تسير بها مئات الكيلومترات. فعندما تأتي المنية لا يردها لا طائرة جديدة ولا سيارة مصفحة ولا حرس وقد سمعت مثلاً يقول: "يموت الحارس ويبقى المحروس"
وحتى لا أبحث عن فندق بعد وصولي طلبت من إدارة مركز الدراسات الشرقية الحديثة في برلين أن يحجزوا لي في فندق قريب من مقر المحاضرة، وفعلوا ذلك وكان الفندق بالفعل قريباً، ولكني قمت في الصباح الباكر وكان الجو ماطراً وسرت في الشوارع القريبة، حتى إذا ضعت أو ظننت أنني ضعت أخذت تاكسي ليأخذني إلى مقر المحاضرة. وهناك عرفت كيف أرجع إلى الفندق. وعرفت أن الشارع الرئيسي في المنطقة اسمه فردريك أو فردريتش سترات، وفيه محطة قطار المترو كبيرة تنطلق منها خطوط عديدة إلى معظم مناطق برلين الشرقية والغربية.
وفي أثناء تجوالي في برلين الشرقية وجدت أن فيها بعض الكآبة والمشروعات غير المكتملة والأراضي غير المعمورة أو البور، كما وجدت أن أعمدة الإشارات الضوئية غير مثبتة في الأرض وإنما موضوعة على الرصيف وعليها أجسام ثقيلة لتثبيتها. لم أجد منتصف برلين الشرقية مزدحماً أو فيه تلك الحيوية والنشاط التي أعرفها في المدن الأوروبية التي زرتها، حتى باليرمو عاصمة جزيرة صقلية رغم تخلفها عن بقية المدن الأوروبية لكن فيها حيوية الشرق والعالم العربي.
أما الفندق الذي نزلت فيه فتملكه كنيسة أو شركة كنسية حيث فيه قاعة للصلاة النصرانية يتوسط أحد جدرانها صليب كبير. ولو لم أنزل إلى غرفة الإنترنت لما رأيت تلك الغرفة. ووجدت في الغرفة إنجيل لم أعرف لأول وهلة أنه إنجيل لكثرة الصور الفوتوغرافية فيه، ومن الصور صورة خرائط جغرافية وصور لأشخاص في مهن مختلفة، وصور لرياضيين وصور لعروس وغيرها من الصور. ولكني فحصت عناوين الفصول فعرفت أنه الإنجيل. وفي داخله كرت صغير يقول قبل أن تبدأ برحلتك السياحية للتجول في المدينة زر الكنيسة في الفندق أو ابدأ يومك بالعبادة. وهنا تساءلت هل يمكن لجمعية خيرية إسلامية أن تستثمر أموالها في الصناعة الفندقية؟ هل يسمح لها عدو "الإرهاب" الكبير أن تمارس التجارة. ومن الجميل في الفندق رغم أن فيه قنوات تلفزيونية ألمانية تعرض إعلانات للجنس لكنه يمتنع عن وضع قناة التلفزيون المدفوع للأفلام بأنواعها. كما علمت في زيارتي ذات مرة لجامعة نيويورك أن الجامعة تستثمر بعض أموالها في قطاع الفنادق وذلك حينما طلبت منهم أن يستضيفوني لأحضر ندوة عندهم. فهم عادة يكتفون بالمشاركات المحلية لأن أمريكا قارة ولكني أصررت أن أشارك وبشرط أن تكون الاستضافة فأفادتني المديرة المشاركة أن الجامعة تملك أسهماً في الفندق. أين استثمارات جامعاتنا حتى تنفق على الأساتذة والبحث العلمي بسخاء؟
وفي أثناء تجوالي في برلين الشرقية وجدت أن بعض الشركات الكبرى أسست مقار لها في هذا الجزء كما هي خطة لنقل برلين الشرقية من حياة التقشف والفقر التي كانت فيها إلى حياة الترف والرفاهية للغرب، وربما يوجد الآن أثرياء في برلين الشرقية لكنهم أكثر في الغربية. كما شاهدت لوحة على مبني للمركز الفرنسي الألماني لبحوث العلوم الاجتماعية. وكم كان بودي أن أدخله لأتعرف على نشاطاتهم وما يقومون به من أعمال. لكن الفكرة أعجبتني فأين مراكز البحوث المشتركة في بلادنا العربية الإسلامية. والطريف أن اسم المركز مكتوب باللغتين الفرنسية والألمانية
كان موعد المحاضرة التي قدمت من أجلها إلى برلين هي (الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة بين الإكراه والخصخصة: دراسة حالة الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في الجامعات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م" الساعة السابعة مساءً وقد حضرت قبل الموعد بقليل وفي أثناء تجولي في ممرات المبنى الذي تقام فيه المحاضرة رأيت إعلاناً عن أربع محاضرات لمركز الدراسات البريطانية ودونت بعض العناوين ووقع في نفسي رغبة في زيارة هذا المركز لأعرف كيف يدرس الألمان البريطانيين.
أما المحاضر فهو البروفيسور بشارة دوماني المولود في السعودية وعاش فيها حتى سن الثالثة عشرة ثم انتقل إلى لبنان ومنها إلى أمريكا حيث يعمل في قسم التاريخ بجامعة كاليفورنيا فرع بيركلي. وقد أشرف الدكتور دوماني على تحرير كتاب عن الحرية الأكاديمية في أمريكا بعد 11سبتمبر، ويتكون الكتاب من قسمين رئيسين أحدهما يتناول الجانب النظري في الحديث عن الحرية الأكاديمية عموماً وفي أمريكيا خصوصاً، ثم في قسمه الثاني يتناول الهجوم على هذه الحرية من جهات عدة منها المحافظين الجدد وأصحاب الشركات والمؤسسات المالية والمؤسسات والجمعيات الخيرية.
وعندما حان موعد النقاش طلبت الإذن لأسأل فقلت له: "كنت أتوقع منك أن تذكر أسماء بارزة في الهجوم على الحرية الأكاديمية مثل برنارد لويس ومارتن كريمر ودانيال بايبس وليزا أندرسون، وتذكر موقع كامبس واتشCampus-watch.com وموقع مشروع ديفيد David Project. أما الهجوم على الإسلام فهو أقدم بكثير من الهجوم على الحرية الأكاديمية وأذكر محاضرة برنارد لويس في الكونجرس الأمريكي عام 1990م التي عنونها نظرة المسلمين للحضارة الغربية ولماذا يكره المسلمون الغرب؟ ونشرها بعد ذلك في مقالة في مجلة كبرى ـThe New Republic بعنوان "جذور الغيظ الإسلامي" ولويس هو مخترع مصطلح "صدام الحضارات" الذي أخذه منه صموئيل هتنفتون عام 1993م. وزاد العداء للإسلام بعد سقوط الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة. وهنا تدخلت مديرة الحوار -لأنها ألمانية ولأسباب تخصها –ربما لأن الألمان يحذرون من اليهوذ- لقالت لا نحب هنا ذكر أسماء الأشخاص. وأجاب المتحدث باقتضاب، ولكنه فيما بعد عندما تحدث عن الكتاب وأشار إلى بحث لجويل بنين Joel Beninعن هؤلاء وأنه ذكرهم واحداً واحداً. وبنين يهودي وكان رئيس رابطة دراسات الشرق الأوسط ولا يتعاطف مع إسرائيل لذلك يهاجمه الصهاينة ويهاجمهم.
كانت مديرة مركز الدراسات الشرقية الحديثة ZMO أولريكا فريتاخ قد اتصلت بي في الفندق ترحب بي وتعرض عليّ أي مساعدة، ثم اتصلت بعدها باحثة جزائرية اسمها نورا لافي أستاذة للتاريخ تكرر الترحيب وتدعوني في اليوم التالي للمشاركة في ورشة عمل غير رسمية مدة ثلاث ساعات يشارك فيها المحاضر بشارة دوماني حول التاريخ الاجتماعي للدولة العثمانية، وأن أتناول الغداء معهم. فشكرتهم على الترحيب وقلت يسرني أن أحضر وأن أستمع.
وبعد نهاية المحاضرة انتقل عدد من الباحثين والعاملين في المركز للترحيب بالمحاضر في عشاء في مطعم فخم قريب من مكان المحاضرة. واستمرت حفلة العشاء حتى الثانية عشر ليلاً، وسألت عن الذهاب إلى الفندق مشياً وأنه لا خوف من ذلك. فقيل لي إن البلاد أمان. وكان الأمر كما قالوا فقد مشيت ما يقارب الربع ساعة ورأيت الناس يتحركون في الشوارع المحيطة.
أما اليوم التالي ونشاطاته وملاحظاتي العامة فأتركها إلى الحلقة الرابعة من هذه المذكرات والمشاهدات.
السلام عليكم ورحمة الله
انه ليسرني ان اقول انني تعرفت الى الدكتور مازن صاحب هذه الرحلة الماتعة وذلك في رحلته الى مصر للمشاركة في المؤتمر الدولي الثاني لجامعة المنيا فوجدت المتعة في صحبته اكثر من اي شيء آخر واود ان ابين للسادة الكرام ان هذا الرجل من الافذاذ الذين يستحقون التكريم فهو المشرف على منتدى المدينة المنورة وهو الذي انشاه والمنتدى يعنى بدراسات الاستشراق والمستشرقين وانصح الاخوة الباحثين بمتابعة ما يكتب حتى لا يفوتهم من امور المستشرقين فوائد ربما لا يجدونها الا هناك
كل التحية للدكتور مازن واهلا به في هذا المنتدى
كما اود ان اشكره شكرا خاصا على هذه الرحلة الجميلة
بارك الله فيك د جمال ، أنا حقيقة من المعجبين بما يكتبه د مازن عن الاستشراق وتمحيصاته ونكته التاريخية والعلمية عنهم وحبذا لو قدم المشرفون على الموقع دعوة له لاستضافته في ملتقى الانتصار للقرآن الكريم ، فهو من فرسان هذا الميدان والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم .. نعم
وأنا من المتابعين للجهود المباركة للدكتور مازن حفظه الله فيما يتعلق بالاستشراق وأضم صوتي للمطالبة باستضافته هنا للقاء علمي حول هذه الظاهرة ...
وأشكره على إطلاعنا على هذه الرحلة الممتعة ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحمد الله عز وجل على فضله ومنّه وأن جعل لي مثل هذا القبول وأقول مقتدياً بالصديق رضي الله عنه ( اللهم أنت أعلم بي منهم فاغفر لي ما لا يعلمون) وكان يقول أيضاً :"اللهم اجعلني في عيني صغيراً وفي عيون الناس كبيراً" ما نحن إلاّ من بركات هذا الدين العظيم ومهما فعلنا فلن نوفيه حقه، والجنة سلعة الله ألاً إن سلعة الله غالية، لكم تحياتي والسلام
التجارب والمشاهدات هي أقصر الطرق إلى المعرفة، لأنها تحدد الشاهد والعبرة من الحدث، وتختصر الزمان والمكان.
هذه المذكرات لوحة فنية متعددة الألوان، متناسقة التشاكيل، جمعت الفائدة والمتعة والعبرة في قالب فريد.
وإنني إذ أذكر بها أود أن لا تفوت هذه اللقطات على من لم يجد الوقت الكافي لقاءتها كاملة:
ما أشق على الباحث أن تعوقه المادة عن المشاركة في المنتديات العالمية. تعجبت أن يجعل النصارى كنيستهم مكاناً ليدر الدخل أو للكسب المادي.
الغربيين يعرفون كيف يجعلون المباني القديمة تضمن كل التقنيات الحديثة. الأوروبيون يتنازلون أحياناً عن بعض النظام لتكون معاملتهم لطيفة.
مهما أنفق الإنسان من مال ففي سبيل العلم والمعرفة فهو يستحق. كان مرة حوار بين أمريكي وفرنسي فقال الفرنسي للأمريكي نحن في تلفزيوننا نحتفي بالعلماء والمفكرين والفلاسفة بينما أنتم تحتفون بالمغنين والمطربين والراقصين والراقصات، فنحن أكثر ثقافة منكم.
هاتان الصحيفتان أساءتا كثيراً لصورة العرب والمسلمين الأمريكيين وللإسلام عموماً، فأين الجهود العربية والمسلمة في توضيح صورتهم وصورة الإسلام؟ أين الأفلام الوثائقية عنه المسلمين؟
لاحظت في أثناء استماعي إلى الحديث عن المرأة غياب المعرفة الشرعية المستندة إلى نصوص الكتاب والسنّة أو نماذج من حياة السلف.
أخبرتني رئيسة الجلسة أنها تنوي البدء في دراسة الفقه. لم أتحدث في أثناء الجلسة لأنني كنت أشعر أنني لو قلت شيئاً لأخرجوني من القاعة.
قلت لها أنا لا أروج لهم ورأيي أنه لا رأي لي حتى أقرأ المشروع كاملاً، ولكن في جلسة علمية كان ينبغي أن يكون هناك توازن في عرض وجهات النظر. الغرب لا يحتفي إلاً بمن شذ أو انحرف من أبناء الأمة.
قلت في نفسي ليتهم حفظوا كرامة الباحثين وقدموا إليهم ما يسمّى مكافأة بطريقة أخرى لا تضطرهم إلى الوقوف بباب المسؤول المالي. لقد قرأت في الأوراق وفي الوجوه أن توجه الغالبية العظمى من المشاركين هي الوجهة الغربية العلمانية، ونحن نتفق معهم في قضايا معينة، ولكننا لا نتفق معهم في المرجعية.
قامت الموظفة بعمل الحجز وأيضاً إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى برلين ليحجزوا لي في الفندق، وشكرتها على هذه الخدمات فقالت هذه وظيفتنا. ورغم علمي بأن هذا ليس عملها فهي من المنظمين للندوات، ولكن الغربيين يسعون إلى خدمة الباحثين. لاحظت وجود اليد العاملة الأجنبية من كل دول العالم. كما لاحظت بعض الأفارقة الذين يبيعون الساعات الرخيصة والأحزمة ويتجولون في الشوارع يتحدثون فيما بينهم اللغات الإفريقية ولكنهم يتحدثون الإيطالية. قد يكون بعض هؤلاء ممن ليس لديهم إقامات نظامية ولكنهم يعملون في كل مكان.
في أثناء تجوالي في برلين الشرقية وجدت أن فيها بعض الكآبة والمشروعات غير المكتملة والأراضي غير المعمورة أو البور، كما وجدت أن أعمدة الإشارات الضوئية غير مثبتة في الأرض وإنما موضوعة على الرصيف وعليها أجسام ثقيلة لتثبيتها. وجدت في الغرفة إنجيل لم أعرف لأول وهلة أنه إنجيل لكثرة الصور الفوتوغرافية فيه، ومن الصور صورة خرائط جغرافية وصور لأشخاص في مهن مختلفة، وصور لرياضيين وصور لعروس وغيرها من الصور. ولكني فحصت عناوين الفصول فعرفت أنه الإنجيل. وفي داخله كرت صغير يقول قبل أن تبدأ برحلتك السياحية للتجول في المدينة زر الكنيسة في الفندق أو ابدأ يومك بالعبادة. وهنا تساءلت هل يمكن لجمعية خيرية إسلامية أن تستثمر أموالها في الصناعة الفندقية؟
كما علمت في زيارتي ذات مرة لجامعة نيويورك أن الجامعة تستثمر بعض أموالها في قطاع الفنادق. أين استثمارات جامعاتنا حتى تنفق على الأساتذة والبحث العلمي بسخاء؟ شاهدت لوحة على مبني للمركز الفرنسي الألماني لبحوث العلوم الاجتماعية. وكم كان بودي أن أدخله لأتعرف على نشاطاتهم وما يقومون به من أعمال. لكن الفكرة أعجبتني فأين مراكز البحوث المشتركة في بلادنا العربية الإسلامية. والطريف أن اسم المركز مكتوب باللغتين الفرنسية والألمانية.
كانت مديرة مركز الدراسات الشرقية الحديثة ZMO أولريكا فريتاخ قد اتصلت بي في الفندق ترحب بي وتعرض عليّ أي مساعدة، ثم اتصلت بعدها باحثة جزائرية اسمها نورا لافي أستاذة للتاريخ تكرر الترحيب وتدعوني في اليوم التالي للمشاركة في ورشة عمل غير رسمية مدة ثلاث ساعات يشارك فيها المحاضر بشارة دوماني حول التاريخ الاجتماعي للدولة العثمانية، وأن أتناول الغداء معهم. فشكرتهم على الترحيب وقلت يسرني أن أحضر وأن أستمع.