د. توفيان: الاستشراق ليس شراً كله على الإسلام

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
حوار: محمود بيومي 11/11/1425
23/12/2004


بلغاريا .. هي إحدى دول أوروبا الشرقية وإحدى دول البلقان .. التي فتحها المسلمون في نهاية القرن الثامن الهجري .. واستمر الحكم الإسلامي لها لمدة تزيد عن خمسة قرون ونصف .. تأصلت خلالها هوية المجتمع الإسلامي .. كما انتشرت المؤسسات الإسلامية في كافة أنحاء البلاد .. حتى بلغ عدد المساجد الكبرى أكثر من (1200) مسجد .. وعدد مماثل من المدارس الإسلامية والمكتبات .. وكان الكتاب الإسلامي من أكثر الكتب رواجاً وانتشاراً .. ونشطت مؤسسات الدعوة والتعليم في إبلاغ هدايات الدين الحنيف إلى كافة السكان في بلغاريا والمناطق المجاورة لها مثل رومانيا ويوغوسلافيا السابقة.

في بدء الحوار .. قلت للمستشرق البلغاري الدكتور توفيان تيوفا نوفا .. قام عدد من المستشرقين باعتناق الإسلام طواعية مثل جارودي وهوفمان وغيرهما.. ومنهم من بقي على ديانته ودافع عن الإسلام مثل المستشرق المجري روبرت سيمون والمستشرق الأسباني سيمون هايك وغيرهما .. فما هي الدوافع التي أدت إلى اعتناقكم للإسلام؟
في الحقيقة .. أنا أدرس الإسلام واللغة العربية منذ مدة طويلة .. حيث تخرجت في جامعة بغداد قسم اللغة العربية ثم التحقت بجامعة القاهرة لدراسة اللغة العربية وآدابها .. وحصلت على الدكتوراه في معهد الاستشراق في روسيا .. وأنا أعمل أستاذًا للدراسات الإسلامية في جامعة " صوفيا " ببلغاريا وأستاذًا بالمعهد الإسلامي هناك .. وعضو بجمعية المستشرقين الأمريكان، وعضو جمعية بحوث الشرق الأوسط البريطانية .. وعضو اتحاد المستشرقين الأوروبيين .. وقد أهّلني ذلك لإصدار مجموعة من الكتب حول الحضارة الإسلامية والعربية.
وأضاف: وقد لاحظت أن بعض المستشرقين – غير الموضوعيين يطعنون في الإسلام .. وتركّزت مطاعنهم في القرآن الكريم .. فقالوا: إنه كلام بشري لا رباني، كما طعنوا في الآيات المكيّة والآيات المدنيّة .. وأنكروا حقيقة الوحي وغير ذلك من الافتراءات التي تعوّدوا على ترديدها في الساحة العلمية .. وأنا – وكل مستشرق موضوعي – يرفض هذا المنهج الاستشراقي الذي يشوّه صورة الاستشراق الموضوعي ويطعن في الإسلام بلا مبرر.
وأنا أؤكد هنا .. أن الاستشراق ليس شراً كله على الإسلام والمسلمين .. صحيح أن هناك العديد من الأخطاء في ترجمات معاني القرآن الكريم .. التي أعدّها نفر من المستشرقين .. إلاّ أننا يجب أن نفرّق بين الأخطاء المتعمّدة والأخطاء غير المتعمدة؛ فالذين يُخطئون – بصورة عفوية – يكون ذلك دائمًا نتيجة عدم إلمامهم باللغة العربية – التي هي لغة القرآن الكريم – ونتيجة أيضًا لعدم فهمهم لمعاني الآيات القرآنية الكريمة .. وأنا شخصيًا قد أُخطئ في بعض دراساتي ولكنها أخطاء غير متعمّدة .. والذي أود أن أوضحه هنا أن لكل مستشرق إسهاماته في فهم الإسلام والحضارة الإسلامية .. وكل مستشرق في هذا المجال له خبرته .. وأنا أحمد الله –تعالى- أن وفقني لإنجاز الترجمة التي قمت بها لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة البلغارية .. حيث التزمت فيها بدقة المعنى.. مما جعل دار الإفتاء العامة في بلغاريا تعتمدها وتقوم بتوزيعها على عدد كبير من المؤسسات الإسلامية، وفي مقدمتها المساجد بالإضافة إلى عدد لا بأس به من المسلمين.
أود أن أؤكد هنا أن الإسلام ليس خطرًا على الآخرين .. ونحن أمام حقائق مهمة .. وفي مقدمتها أن أوروبا استفادت من عطاءات الحضارة الإسلامية ومُعطيات المسلمين الثقافية والعلمية والحضارية .. في مجالات الطب والصيدلة والرياضيات والفلك وغير ذلك من الإنجازات التي كان للمسلمين فضل السبق فيها .. والحقيقة التي لا يمكن أن تُنكر .. أن الحضارة الأوروبية المعاصرة قامت على ركائز الحضارة الإسلامية .. فحضارة الغرب أساسها حضارة الإسلام والمسلمين.
النظرة الاستشراقية

ما هي نظرة المؤسسات الاستشراقية لكم بعد اعتناقكم للإسلام؟ وما هي نظرتكم لهذه المؤسسات ومناهج المستشرقين بعد أن أصبحت مسلمًا؟
كما سبق أن ذكرت لكم أن هناك عددًا من المستشرقين يطعنون في الإسلام، وذلك بإثارة الشبهات حول ما جاء في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة، وفي صحة الوحي الرباني .. فيدّعون أن القرآن الكريم ليس وحيًا ربانيًا إنما هو كلام بشري وغير ذلك من الافتراءات والأباطيل .. ولا شك أن هذا المنهج الاستشراقي منهج خاطئ ونتيجة مباشرة للخصومة التاريخية التي نشأت في الغرب منذ مدة طويلة.
وأضاف : وأنا كمستشرق أدّت بي الدراسات الموضوعية الصحيحة لاعتناق الإسلام .. فأتصدى لهذه المنهجية الاستشراقية المعادية للإسلام والمسلمين .. وأدافع عن الدين الإسلامي الذي درسته واعتنقته .. وأنا واحد من المستشرقين الذين التزموا بالمنهج الموضوعي في دراساتهم الإسلامية .. ولا شك أن المنهج الاستشراقي غير الموضوعي هو وليد الحركة الاستعمارية والمنهج التنصيري الذي يستهدف تشويه الإسلام وصورته وبث الأخطاء المُتعمّدة حول الإسلام .. وأنا أعتقد أن هذا هو الجزء الأكبر في الحركة الاستشراقية العالمية التي يجب التصدّي لها بكافة السبل المتاحة لدى المؤسسات الإسلامية العالمية.
وقال د . توفيان: أما المنهج الاستشراقي الموضوعي فيرتبط بغاية علمية واضحة المعالم .. وهو دراسة الإسلام والتعرّف على حقائقه ودراسة التراث الإسلامي والتأكد من دور الحضارة والثقافة الإسلامية في ترقية المجتمعات البشرية .. ولا شك أن نظرتي للمؤسسات الاستشراقية غير الموضوعية- هي نظرة الحذر الشديد لكل ما يصدر عنها من دراسات .. واعتناقي للإسلام جعلني في موقف المدافع عن الإسلام ضد كل هذه الدراسات الاستشراقية المعادية للإسلام والمسلمين .. أما نظرة هذه المؤسسات الاستشراقية لي بعد اعتناقي للإسلام .. فلم تتغير – حسبما لمسته – فلازلت عضوًا في عديد من الجمعيات الاستشراقية في الغرب.

الخريطة العقديّة

هل يمكن أن نتعرّف على أهم ملامح الخريطة العقديّة في بلغاريا وما هي أحوال المسلمين هناك؟
يقول المستشرق البلغاري المسلم د . توفيان نوفا: ونحن نتحدث عن الخريطة العقديّة في بلغاريا .. يجب أن نتوخى الدقة والصراحة معًا .. فعدد سكان بلغاريا الآن قد بلغ أكثر من ثمانية ملايين نسمة .. منهم أقلية مسلمة بلغت نسبتها 12.3% من إجمالي عدد السكان .. بينما بلغ عدد النصارى 83.7% من عدد السكان – وبالرغم من بعض الشكوك في دقة هذه الإحصائية – فإن المجتمع البلغاري يتكوّن من عدّة عناصر مختلفة حسب الجنسية والانتماء العقديّ.
وأضاف د . توفيان تيوفا نوفا: فالمسلمون البلغار هم الذين اعتنقوا الإسلام خلال فترة الحكم الإسلامي للدولة العثمانية – لكنهم لم ينتموا إلى الأتراك ولا يتحدثون اللغة التركية، فهم يجدون حتى الآن صعوبة في تحديد هُويّتهم .. فهم ينتمون إلى البلغار من حيث الجنسية واللغة.. وينتمون إلى الأتراك من حيث العقيدة .. كما أن السلطات البلغارية قد عاملتهم بشيء من القسوة في بعض الأحيان عبر المراحل التاريخية المختلفة .. مما دفع بعضهم إلى تغيير عقيدتهم من الإسلام إلى المسيحية في محاولة منهم للاندماج في المجتمع البلغاري.
وقال د . توفيان تيوفا نوفا: وقد أثبتت الدراسات العلمية .. أن المسلمين البلغار الذين يُعرفون باسم "البوماق" يفضلون الانتماء إلى الأتراك عندما يسكنون في بيئة بلغارية مسيحية.. كما يفضلون الانتماء إلى البلغار عندما يعيشون في بيئة تركية .. ويجوز لهم – في حالات استثنائية أن يغيّروا عقيدتهم من الإسلام إلى المسيحية ومن المسيحية إلى الإسلام في محاولة منهم للالتصاق بإحدى القوميتين التركية أو البلغارية .. بينما تُوجد جماعة أخرى من "البوماق" يعلنون بكل صراحة أنهم مسلمون بلغار – بصرف النظر عن كونهم من الأتراك أو البلغار – وكل محاولة من هؤلاء لتغيير انتماءاتهم العقدية أو العرقية تؤدي إلى القلق والتوتر في المجتمع البلغاري.

الصراع العقديّ والعرقيّ

وما هو السبب الكامن وراء هذا الخلل الذي يعاني منه المجتمع البلغاري بشأن العقيدة والانتماء العرقي؟
لا شك أن وراء ذلك – بصورة مباشرة – هو الصراع الذي دار بين المسيحية والإسلام في قارة أوروبا .. حيث أصبح هذا الصراع العقدي جزءًا لا يتجزأ من التاريخ البلغاري ومن كيان الشعب البلغاري أيضًا .. ولا شك أن الظروف الحالية في هذه المنطقة من العالم .. ترتبط ارتباطًا كبيرًا مع ما ورثه سكان بلغاريا من أحداث الماضي .. كما أن الاعتبارات السياسية قد تدخلت في الأمور العقديّة .. وبالرغم من كل ذلك فإن هناك نوعًا من التعايش بين فئات المجتمع البلغاري .. قائم على أساس الاعتراف المتبادل بينهم باستقلالية كل فئة من هذه الفئات في الدين واللغة والحضارة والتقاليد وغيرها – وذلك في نطاق وحدة المجتمع البلغاري – إلا أنه بصورة عامة في بلغاريا – فإن المسلم يعني التركي حتى الإسلام يُطلق عليه هناك اليوم اسم "الدين التركي" .. والبلغاري يعني المسيحي .. أما "البوماق" فهم جماعة خاصة تتغير عن بقية المجتمع البلغاري.
الشيوعيّة هي السبب
نعرف جميعًا .. أن المسلمين في بلغاريا قد عانوا من حماقة الممارسات الشيوعية .. التي أجبرتهم على تغيير عقيدتهم – حتى الأموات منهم – واضطرتهم للهجرة الإجبارية إلى الدول المجاورة خاصة إلى تركيا – فهل ترى أن جزءًا من هذه الممارسات لا زالت مستمرة تجاه المسلمين في بلغاريا ؟
لا شك أن العامل الديني له أهمية بالغة في المجتمع البلغاري .. إلاّ أن الانتماء العرقي مُقدّم على الانتماء العقديّ في بلغاريا .. ونحن نلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد عدد المؤمنين – سواء أكانوا من المسلمين أو المسيحيين – إلاّ أن الواقع البلغاري يؤكد أن المؤمنين هناك لا يتعمقون في عقائدهم ولا يلتزمون بها إلاّ في إطار الاحتفالات الدينية .. وأنهم يكتفون بمعلومات قليلة عن عقائدهم .. ويُقبلون على أديانهم بصورة اختيارية وليست إجبارية .. وذلك كله بسبب النظام الشيوعي الذي ساد هناك فترة من الزمن .. ومنع الناس من القيام بممارسة شعائرهم الدينية بصورة صحيحة .. وما زالت الآثار الشيوعية في هذا المجال بادية في بلغاريا حتى بعد مرور (14) سنة على انهيار النظام الشيوعي. اقرأ أيضاً:
بلغاريا ..وعودة النشاط الإسلامي
المصدر
 
جزاك الله خيرا يادكتور احمد علي نقل هذا الحوار الموضوعي المفيد وما ادق قوله(ولا شك أن المنهج الاستشراقي غير الموضوعي هو وليد الحركة الاستعمارية والمنهج التنصيري الذي يستهدف تشويه الإسلام وصورته وبث الأخطاء المُتعمّدة حول الإسلام .. وأنا أعتقد أن هذا هو الجزء الأكبر في الحركة الاستشراقية العالمية التي يجب التصدّي لها بكافة السبل المتاحة لدى المؤسسات الإسلامية العالمية.)
وقوله
( ولا شك أن نظرتي للمؤسسات الاستشراقية غير الموضوعية- هي نظرة الحذر الشديد لكل ما يصدر عنها من دراسات )..
 
حوار مفيد وهناك عدد من المستشرقين كما ذكر المحاور خلت مؤلفاتهم من الطعن بالإسلام وبسيد الأنام نينا محمد عليه الصلاة والسلام بقول الشيخ أبو الحسن الندوي: (لذلك أعترف بكل وضوح وصراحة أن عدداً من المستشرقين كرسوا حياتهم وطاقاتهم على دراسة العلوم الإسلامية وتبنوا موضوع الشرقيات والإسلاميات بدون تأثير عوامل سياسية أو اقتصادية أو دينية بل لمجرد ذوقهم وشغفهم بالعلم... ويكون من المكابرة والتقصير أن لا ينطلق اللسان بمدحها والثناء عليها ...) ثم ذكر أمثلة على ذلك كصاحب كتاب الدعوة إلى الإسلام البروقيسور ت - و - آرنلد، وصاحب كتاب صلاح الدين الأيوبي استانلي لين بول وغيرهم، ولكن ينبغي أن يبقى الحذر من كتاباتهم جمييعاً إلا ما تيقن سلامته انظر كتاب الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين ط مؤسسة الرسالة الثالثة 1986
 
حوار مفيد وجميل لا سيما في قسمه الأول الخاص بالاستشراق وهو ما قبل الحديث عن الخريطة العقديّة لبغلاريا .
ولعل د. مازن المطبقاني يعطينا رأيه فيما طرحه الكاتب عن الاستشراق .
 
عودة
أعلى