دلالـة الجملـة العـربيَّة بين الثبوت والتجدد

أبو مبارك

New member
إنضم
05/06/2003
المشاركات
6
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الأخوة الأعزاء أتقدم إليكم بموضوعي هذا وكل أمل في قراءته ونقده وتقديم المساعدة لي لتكملة ومواصلة الموضوع ، ودعمي بأي خطأ أو زلل في هذا الموضوع ، وجزاكم الله خير الجزاء:

[align=center]دلالـة الجملـة العـربيَّة[/align]
للجملة العربيَّة دلالات مختلفة ، ويمكن تقسيم هذه الدَّلالات حسب اعتبارات الثُّبوت و التَّجدُّد ، والقطع والاحتمال ، والمعنى ، والخصوص والعموم ، والتََّمام و النَّقص 000 .
فتكون الجملة إمَّا ثبوتيَّة أو تجدُّديَّة باعتبار الثُّبوت والتَّجدُّد 0 وإمَّا قطعيَّة أو احتماليَّة باعتبار القطع والاحتمال 0 وإمَّا ظاهرة أو باطنة باعتبار المعنى الظَّاهر والباطن 0 وإمَّا خاصَّة أو عامَّة باعتبار الخصوص والعموم 0 وإمَّا تامَّة أو ناقصة باعتبار النَّقص والتَّمام ، وسوف أتكلَّم عن الدَّلالات ، فأقول وبالله التَّوفيق :

دلالـة الجملـة العـربيَّة على الثُّبـوت أو التَّجـدُّد
تتراوح دلالة الجملة العربية باعتبار الثُّبوت ، و التّجدّد بين جملة تفيد الثُّبوت ، و أخرى تفيد التَّجدُّد ، وفي الغالب الجملة الفعليَّة موضوعة لإفادة التَّجدُّد والحدوث ، في زمنٍ معين مع الاختصار ، وكذلك الفعل يدلُّ على الحدوثِ التَّجدُّد 0 والجملة الاسميَّة تفيد بأصل وضعها ثبوت شيء لشيء ، و كذلك الاسم 0
فنلاحظ مثلاً في قوله - سبحانه وتعالى -:﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ﴾ ، فـ﴿ بِسْم ﴾ جار ومجرور متعلِّقان بمحذوف ، والباء هنا للاستعانة أو للإلصاق ، وتقدير المحذوف : أبتدئ ، فالجار والمجرور في محلِّ نصب مفعول به مقدَّم ، أو ابتدائي ، فالجار والمجرور متعلِّقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وكلاهما جيِّد 0
فنرى أنَّ الأولى في متعلَّق ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾ أن يكون فعلاً مضارعاً ، فالتَّقـدير : " أَبْتَدِئُ بِسْمِ اللَّهِ " ؛ لأنَّه الأصل في العمل ، والتَّمسُّك بالأصل أولى ، وأيضاً الفعل المضارع يفيد التَّجدُّد الاستمراري ، وإنَّما حذف لكثرة دوران المتعلّق به على الألسنة 0
أمَّا إذا قدَّرنا المتعلق به اسماً ، فالتَّقدير : " ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ " ، فإنَّه سيفيد الدَّيمومة والثُّبوت ؛ لأنَّ الجملة اسميَّة ، كأنَّما الابتداء باسم الله حتم دائم في كلِّ ما نمارسه من عمل ، ونُردِّده من قول 0
وللطَّاهر ابن عاشور كلام جيَّد في متعلِّق الجار والمجرور ، حيث رجَّح أن يكون المتعلِّق فعل لا اسم ؛ ليفيد التَّجدُّد الاستمراري ، فهو يتجدَّد مع بدأ العمل ويستمر معه ، قال - رحمه الله - : (( وذكر صاحب « الكشَّاف » أنَّ أهل الجاهليَّة كانوا يقولون في ابتداء أعمالهم : « باسم اللاَّتِ باسم العُزَّى » ، فالمجرور ظرف لغو معمول للفعل المحذوف ومتعلق به ، وليس ظرفاً مستقراً مثل الظُّروف التي تقع أخباراً ، وَدليل المتعلِّق ينبىء عنه العمل الذي شُرع فيه ، فتعيَّن أن يكون فعلاً خاصاً من النَّوع الدَّال على معنى العمل المشروع فيه دون المتعلِّق العام مثل : ” أبتَدِىء “ ؛ لأنَّ القرينة الدَّالة على المتعلّق هي الفعل المشروع فيه المبدوء بالبسملة ، فتعيَّن أن يكون المقدَّر اللَّفظ الدَّال على ذلك الفعل ، ولا يجري في هذا الخلاف الواقع بين النُّحاة في كون متعلِّق الظُّروف هل يقدَّر اسماً ، نحـو : ” كائنٌ أو مُستقرٌ “ ، أم فعلاً ، نحو : ” كانَ أو استقرَّ “ ؛ لأنَّ ذلك الخلاف في الظُّروف الواقعة أخباراً ، أو أحوالاً بناء على تعارض مقتضى تقدير الاسم ، وهو كونه الأصل في الأخبار والحاليَّة ، ومقتضى تقدير الفعل ، وهو كونه الأصل في العمل ؛ لأنَّ ما هنا ظرف لغو ، والأصل فيه أن يعدّى الأفعال ويتعلَّق بها ؛ ولأنَّ مقصد المبتدىء بالبسملة أن يكون جميع عمله ذلك مقارناً لبركة اسم الله تعالى ، فلذلك ناسب أن يقدّر متعلّق الجار لفظاً دالاً على الفعل المشروع فيه . وهو أنسب لتعميم التَّيمُّن لإجزاء الفعل ، فالابتداء من هذه الجهة أقلّ عموماً ، فتقدير الفعل العام يخصِّص ، وتقدير الفعل الخاص يعمِّم ، وهذا يشبه أن يلغز به . وهذا التَّقدير من المقدّرات التي دلَّت عليها القرائن ، كقول الدَّاعي للمُعَرِّس : « بالرَّفاء والبنين » ، وقول المسافر عند حلوله وترحَّاله : « باسم الله والبركات » ، وقول نساء العرب عندما يَزفُفْنَ العروس : « ياليُمْننِ والبركة وعلَى الطَّائر الميمون » ، ولذلك كان تقدير الفعل هٰهنا واضحاً . وقد أسعف هذا الحذف بفائدة ، وهي صلوحيَّة البسملة ليَبتَدِىءَ بها كلُّ شارع في فعل ، فلا يلجأ إلى مخالفة لفظ القرآن عند اقتباسه ، والحذف من قبيل الإيجاز ؛ لأنَّه حذف ما قد يصرَّح به في الكلام ، بخلاف متعلّقات الظُّروف المستقرَّة نحو : (( عندك خير )) ، فإنَّهـم لا يظهـرون المتعلّق فـلا يقولون : (( خير كائن عندك )) )) 0
ونلاحظ مثلاً تكرار ﴿ إِنَّ ﴾ أربع مرَّات في إخبار مريم عن وليدها حيث قال تعالى مخبراً عنها : ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَـٰنِ الرَّجِيمِ ﴾ ففي قولها : ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَـكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ ، و ﴿ رَبِّ إِنِّـي وَضَعْتُـهَآ أُنثَى ﴾ ، و ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ ففي هذه الجمل الخبريَّة الثَّلاث نرى أنَّ خبرها فعلاً ماضيًّا ، ولكِّن في المرَّة الرَّابعة نراه عدلت عن الماضي إلى المضارع ، فقالت : ﴿ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ ﴾ لغرضٍ بلاغي ، وهو ديمومة الاستعاذة ، وتجدُّدها دون انقطاع ، بخلاف الأخبار السَّابقة ، فإنَّها انقطعت 0
قوله - سبحانه وتعالى - : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ، فنرى المخالفة في أسلوب الجملتين ، والعدول عن " لا هم يخافون " الأنســب ، بـ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ إلى ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ ؛ لاختلاف شأن الخوف ، والحزن بشيوع وصف الأخير بعدم الثَّبات دون الأوَّل ، ولذا ناسب أن يعبِّر بالاسم في الخوف ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ الأوَّل ، وبالفعل المفيد للحدوث والتَّجدُّد في ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.
وقد قال الجرجانيّ - رحمه الله - : (( موضوع الاسم : على أن يثبت به المعنى للشِّيء من غير أن يقتضي تجدُّده شيئاً بعد شيء ، وأمَّا الفعل فموضوعه على أنَّه يقتضي تجدُّد المعنى المثبت به شيئاً بعد شيء ، فإذا قلت : « زيدٌ منطلقٌ » ، فقد أثبت الانطلاق فعلاً له من غير أن تجعله يتجدَّد ، ويحدث منه شيئاً فشيئاً ، بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك : (( زيدٌ طويلٌ ، وعمروٌ قصيرٌ )) ، فكما لا تقصد هاهنا إلى أن تجعل الطُّول ، أو القصر يتجدَّد ، ويحدث ، بل توجبهما ، وتثبتهما فقط ، وتقضي بوجودهما على الإطلاق ، كذلك لا تتعرض في قولك : (( زيدٌ منطلقٌ )) ، لأكثر من إثباته لزيد 0
وأمَّا الفعل : فإنَّه يقصد فيه إلى ذلك ، فإذا قلت : (( زيدٌ هَا هُوَ ذَا يَنْطَلِقُ )) ، فقد زعمت أنَّ الانطلاق يقع منه جزءاً فجزءاً ، وجعلته يزاوله ويزجيه ، وإن شئت أن تحسَّ الفرق بينهما من حيث يلطف فتأمَّل هذا البيت :
لا يألف الدِّرهمُ المضروبُ خرقَتَنَا لكن يَمُرُّ عَلِيها وهَو مُنْطَلِق
هذا هو الحسن اللاَّئق بالمعنى ، ولو قلته بالفعل ( لكنْ يمرُّ عليهَا وهوَ ينطلقُ ) ، لم يحسن ، وإذا أردت أن تعتبره بحيث لا يخفى أنَّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه ، فانظر إلى قوله تعالى : ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ ﴾ ، فإن أحداً لا يشكُّ في امتناع الفعل هاهنا ، وأنَّ قولنا : « كلبُهُمْ يَبسُطُ ذراعَيْهِ » لا يؤدي الغرض، وليس ذلك إلاَّ لأنَّ الفعل يقتضي مزاولة ، وتجدُّد الصِّفة في الوقت ، ويقتضي الاسم ثبوت الصِّفة ، وحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة ، و تزجية فعل ، ومعنى يحدث شيئاً فشيئاً ، ولا فرق بين : (( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ )) ، وبين أن يقول : (( وَكَلُبُهُمْ وَاحِدٌ )) مثلاً في أنَّك لا تثبت مزاولة ، ولا تجعل الكلب يفعل شيئاً ، بل تثبته بصفة هو عليها ، فالغرض إذاً تأدية هيئة الكلب ، ومتى اعتبرت الحال في الصِّفات المشبَّهة وجدت الفرق ظاهراً بيِّناً ، ولم يعترضك الشَّكُّ في أنَّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه ، فإذا قلت : (( زيدٌ طويلٌ ، وعمروٌ قصيرٌ )) ، لم يصلح مكانه (( يطولُ ويقصرُ )) ، وإنَّما تقول : (( يطولُ ويقصرُ )) إذا كان الحديث عن شيء يزيد ، وينمو كالشَّجر ، والنَّبات ، والصَّبي ، ونحو ذلك ممَّا يتجدَّد فيه الطُّول ، أو يحدث فيه القصر ، فأمَّا وأنت تحدِّث عن هيئة ثابتة ، وعن شيء قد استقر طوله ، ولم يكن ثَمَّ تزايد وتجدُّد ، فلا يصلح فيه إلاَّ الاسم )) 0
ثمَّ قال - رحمه الله - : (( كما وجدت الاسم يقع حيث لا يصلح الفعل مكانه ، كذلك تجد الفعل يقع ، ثمَّ لا يصلح الاسم مكانه ، ولا يؤدي ما كان يؤديه ، فمن البيّن في ذلك قول الأعشى :
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لَعَمْرِي ، لَقَدْ لاَحَت عُيُونٌ كَثِيرَةٌ = إِلَى ضَوءِ نَارٍ فِي يَفَاعٍ تَحَرَّقُ
تَشُبُّ لِمَقْرُورِيْنِ يَصْطَـلِـيَانِهَا= وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدى وَالْمحلّق [/poem]
معلوم أنَّه لو قيل : (( إلى ضوءِ نارٍ محرقة )) لنبا عنه الطَّبع ، و أنكرته النَّفس ، ثُمَّ لا يكون ذاك النُّبو ، وذاك الإنكار من أجل القافية ، وأنَّها تفسد به من جهة أنَّه لا يشبه الغرض ، ولا يليق بالحال ، وكذلك قوله :
أَوَ كَلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ بَعَثُوا إِليَّ عَرِيفِهَم يتوسَّمُ
وذاك لأنَّ المعنى في بيت الأعشى على أنَّ هناك موقداً يتجدَّد منه الإلهاب ، والإشعال حالاً فحالاً ، وإذا قيل محرقة ، كان المعنى أنَّ هناك ناراً قد ثبتت لها ، وفيها هذه الصِّفة ، وجرى مجرى أن يقال : « إلى ضوءِ نارٍ عظيمةٍ » ، في أنَّه لا يفيد فعلاً يفعل ، وكذلك الحال في قوله : « بَعَثُوا إِليَّ عَرِيفِهَم يتوسَّمُ » ، وذلك لأنَّ المعنى على توسُّم ، وتأمُّل ، ونظر يتجدَّد من العريف هناك حالاً فحالاً ، وتصفح منه للوجوه واحداً بعد واحد ، ولو قيل : « بعثوا إليَّ عريفهم متوسِّماً » ، لم يفد ذلك حقَّ الإفادة ، ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ ، لو قيل : « هلْ مِن خالقٍ غير اللهُ رازقٌ لكم » لكان المعنى غير ما أريد 0 ولا ينبغي أن يغرَّك أنَّا إذ تكلَّمنا في مسائل المبتدأ ، والخبر قدَّرنا الفعل في هذا النَّحو تقدير الاسم كما نقول في : (( زيدٌ يقومُ )) إنَّه في موضع (( زيدٌ قائمٌ )) ، فإن ذلك لا يقتضي أن يستوي المعنى فيها استواء لا يكون من بعده افتراق ، فإنَّهما لو استويا هذا الاستواء لم يكن أحدهما فعلاً والآخر اسماً ، بل كان ينبغي أن يكونا جميعاً فعلين ، أو يكونا اسمين )) 0
وقد تفيد الجملة الفعلية الاستمرار التًّجدُّدِي شيئاً فشيئاً بحسب المقام ، وبمعونة القرائن لا بحسب الوضع ، وذلك نظير الاستمرار الثُّبوتي في الجملة الاسميَّة ، نحو قوله تعالى : ﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأمْرِ لَعَنِتُّمْ ﴾ ، أي لو استمرَّ على طاعتكم وقتاً فوقتاً لحصل لكم عنت ومشقَّة 0 بشرط أن يكون الفعل مضارعاً ، نحو قول المتنبي :
[align=center]تُدَبِّرُ شَرْقَ الأَرْضِ وَ الغَرْبَ كَفُّهُ * وَلَيْسَ لَهَا وَقْتاً عَنِ الجُودِ شَاغِلُ [/align]
فقرينة المدح تدلُّ على أنَّ تدبير الممالك ديدنه ، وشأنه المستمرُّ الذي لا يحيد عنه ، و يتجدَّد آناً فآناً 0
وكذلك الجملة الاسميَّة قد تخرج عن أصل وضعها ، و تفيد الدَّوام والاستمرار بحسب القرائن ، كأن يكون الحديث في مقام المدح ، أو في معرض الذَّم كقوله – سبحانه وتعالى - : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، فسياق الكلام في معرض المدح دالٌّ على إرادة الاستمرار مع الثُّبوت 0
وكذا قوله - سبحانه وتعـالـى - : ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ ، فالجملة الأولى : ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ سيقت في معرض مدح الأبرار ، فخرجت بهذه القرينة عن أصل وضعها ، وهو الثُّبوت ، وأفادت الدَّوام والاستمرار ، فأفادت أنَّ الأبرار في نعيم دائم مستمرٍّ 0 وكذا الجملة الثَّانية : ﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ سيقت في معرض ذمِّ الفجَّارِ ، فخرجت بهذه القرينة عن أصل وضعها ، وهو الثُّبوت ، وأفادت الدَّوام والاستمرار ، فأفادت أنَّ الفجَّار في جحيمٍ دائمٍ مستمرٍ 0
والجملة الاسميَّة لا تفيد الثُّبوت بأصل وضعها ، و لا الاستمرار بالقرآن إلاَّ إذا كان خبرها مفرداً ، نحو قوله - سبحانه وتعالى - : ﴿ وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ ، فمخرج خبر مفرد للفظ الجلالة ‏، أوخبرها جملة اسميَّة ، نحو قوله - سبحانه وتعالى - : ﴿ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ ﴾ ، فجملة عليهم صلوات جملة اسميَّة في محلِّ رفع خبر أولئك 0 أمَّا إذا كان خبرها جملة فعليَّة فإنَّها تفيد التَّجدُّد ، نحو جملة : ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ من قوله - سبحانه وتعالى - : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ ؛ لأنَّ (( الفعل يدلُّ على التَّجدُّد ، وعدم الثُّبوت )) 0
 
عودة
أعلى