بشير عبدالعال
Member
بسم1
قوله تعالى في سورة يوسف :{ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}قال أبو السعود رحمه الله :قوله تعالى :{ إِنِّي أَرَانِي} أى رأيتنى والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الماضية-
قال تعالى في سورة الأنفال :{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي الَّذِي هُوَ الْغَالِبُ مَعَ إِذْ اسْتِحْضَارٌ لِلْحَالَةِ الَّتِي دَبَّرُوا فِيهَا الْمَكْرَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً } فاطر
قال تعالى في سورة الأنفال :{ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)}
قال في التحرير والتنوير :
فَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَكَانَ الْمَاضِي لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ، وَهِيَ حَالَةُ ضَرْبِ الْوُجُوهِ وَالْأَدْبَارِ، لِيُخَيَّلَ لِلسَّامِعِ أَنَّهُ يُشَاهِدُ تِلْكَ الْحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُمَا كَانُوا كَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
قال تعالى في سورة ص :{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)}
قال في التحرير والتنوير :
فَتَكُونُ جُمْلَةُ{ مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى} إِلَى قَوْلِهِ:{ نَذِيرٌ مُبِينٌ }اسْتِئْنَافًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِدْقِ النَّبَأِ بِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّهُ وَحْيٌ لَمَا كَانَ للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلٌ بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }، وَنَظَائِرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَتَكُونُ جُمْلَةُ {إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً} إِلَى آخِرِهِ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.
وَعَلَى هَذَا فَضَمِيرُ {يَخْتَصِمُونَ }عَائِدٌ إِلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَوْلِهِ:{ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} إِذْ لَا تَخَاصُمَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى. وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِعَالَمِ الْغَيْبِ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِمَا سَيَكُونُ إِذْ يَخْتَصِمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَعَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ فَمَعْنَى أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنِ الْعِلْمِ بِهِ فَقَدْ أُعْلِمُوا بِالنَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الْأَوَّلِ وَسَيَعْلَمُونَ قَرِيبًا بِالنَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي.
وَالْمَلَأُ: الْجَمَاعَةُ ذَاتُ الشَّأْنِ، وَوَصْفُهُ بِ الْأَعْلى لِأَنَّ الْمُرَادَ مَلَأُ السَّمَاوَاتِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَلَهُمْ عُلُوٌّ حَقِيقِيٌّ وَعُلُوٌّ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الشَّرَفِ.
وإِذْ يَخْتَصِمُونَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ أَيْ حِينَ يَخْتَصِمُ أَهْلُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، أَيْ فِي حِينِ تَنَازُعِ الْمَلَائِكَةِ وَإِبْلِيسَ فِي السَّمَاءِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ الْمُضِيِّ لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ، أَوْ حِينَ يَخْتَصِمُ الطَّاغُونَ وَأَتْبَاعُهُمْ فِي النَّارِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، أَيْ مَلَائِكَةِ النَّارِ أَوْ مَلَائِكَةُ الْمَحْشَرِ، وَالْمُضَارِعُ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ.