دلالة السياق أم قواعد اللغة.؟ ورقة "ولم يجعل له عوجا قيما لينذر".

إنضم
18/01/2016
المشاركات
208
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى شيخي وأستاذي :
ملمح آخر" : ولم يجعل له عوجا قيما".
وصفان يليقان بالرسول الكريم ،فليس له عوج في خلقته ولا في خلقه يطعن عليه من قبله، قويما في خلقته وفي خلقه فلا يؤتى من ناحيته. وذلك على إرجاع الضمير في له على عبده لأنه المتقدم بالذكر المقصود بالكلام ويكون الكتاب تبعا له في ذلك.
نفي العوج عن الرسول مستلزم لنفي العوج عن الكتاب أيضا، واثبات (القيامة) بالفتح للرسول يستلزم منه أن يكون الكتاب قيما كذلك. فجمع بين الوصفين للرسول ليتحقق الوصفين للكتاب بالتبعية أيضا. ويكون تحقق الغرض بطريقين وما بعده من السياق يقوي هذا ويعضده :"لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ .."من إلصاق الوصفين بالرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم أدعى لقبول رسالته منه وعدم تكذيبه فيها.
ونظيره قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" هنا نفى عنه العوج الأخلاقي وقوله تعالى :"ما بصاحبكم من جنة" نفى عنه العوج الخلقي.
وقيما: مقدر ذو قيمة ونفاسة. وشيء قيم: ذو قدر وثمن وجيد نفيس، وعليه القيمة: تعلوه الوجاهة والفخامة والقيم والمبادئ الأخلاق النفيسة. ويقويه قراءة من أنفسكم بفتح الفاء في سورة التوبة : "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ". فإن حملنا قيما على قويما صح الإطلاق والمعنى وإن حملنا قيما على مقيما صح الإطلاق والمعنى أيضا.
هذا نقل من التحرير والتنوير فيما يتعلق بـ "عوجا":
والذي عليه المحققون من أيمة اللغة أن مكسور العين ومفتوحها سواء في الإطلاقين الحقيقي والمجازي ، وقيل : المكسور العين يختص بالإطلاق المجازي ، وعليه درج في الكشاف ، ويبطله قوله تعالى لما ذكر نسف الجبال فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا حيث اتفق القراء على قراءته بكسر العين ، وعن ابن السكيت : أن المكسور أعم يجيء في الحقيقي والمجازي ، وأن المفتوح خاص بالمجازي . أ.هـ قلت وهذا يقوي جانب الحمل في نفي العوج عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سواء عن استقامة الخلق واستواء الخلقة. والسياق متصل غير مفصول فقوله تعالى" :لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين "فحمله على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أولى من حمله على القرءان لمناسبة السياق وعدم الحاجة إلى تقدير لينذر بالكتاب ويبشر بالكتاب.
ومن أخص أوجه الإعجاز في بلاغة النص القرآني تعدد الحمل للسياق الواحد على أكثر من معنى وكلها مقبولة في سياقها العام ما لم تعارض نصوصا أخرى.
مزايا تعدد الحمل:
وهذا ما أرجحه واختاره من باب تحقيق الغرضين نفي العوج واثبات القيامة للاثنين القرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بسياق واحد.
نقولات:
الدر المصون:
والضمير في "له" فيه وجهان، أحدهما: أنه للكتاب، وعليه التخاريج المتقدمة.
والثاني: أنه يعود على "عبده"، وليس بواضح. أ.هـ
"وفاعل "لينذر" يجوز أن يكون "الكتاب" وأن يكون الله، وأن يكون الرسول. "أ.هـ
البحر المحيط:
وزعم قوم أن الضمير في ( له ) عائد على ( عبده ) والتقدير ( على عبده ) وجعله ( قيما ).أ.هـ
القاسمي:
تنبيه:
ذهب القاشاني أن الضمير في " له " وما بعده لقوله: " عبده " قال: أي: لم يجعل لعبده زيغا وميلا. وجعله قيما، يعني مستقيما، كما أمر بقوله: فاستقم كما أمرت أو قيما بأمر العباد وهدايتهم، إذ التكميل يترتب على الكمال. لأنه: عليه الصلاة والسلام، لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها، أقيمت نفوس أمته مقام نفسه. فأمر بتقويمها وتزكيتها. ولهذا المعنى سمي إبراهيم ، صلوات الله عليه، أمة. وهذه القيمية أي: القيام بهداية الناس، داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة، انتهى. أ.ه
دلالة السياق أم قواعد اللغة:
قاعدة عود الضمير على أقرب مذكور قبله .
أول الفرقان:
"تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"
قدم ذكر الفرقان على ذكر عبده على أن الفرقان هو المعني بالذكر والكلام، ولا يقبل عود الضمير في عبده على أقرب مذكور قبله وهو الفرقان وإنما على صاحب الصلة قبله الذي وهو الله سبحانه وتعالى.
آخر سورة مريم:
"فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا".
هنا يحمل الضمير في يسرناه على القرءان بدلالة السياق وحده فليس ثمة مذكور قبله يصح إرجاع الضمير إليه لطول الفصل في الآيات بين أقرب إشارة للقران في قوله تعالى :"أفرأيت الذي كفر بآياتنا" وبين هاء الضمير في يسرناه.
وأعاد هنا ذكر الضمير في به إشارة للقرءان في يسرناه وليس على الكاف في "بلسانك".
أول الكهف:
"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما" قدم هنا ذكر" عبده" على ذكر" الكتاب" خلافا للفرقان ولم يذكر به في قوله: "لينذر بأسا" وقوله: "ويبشر المؤمنين" خلافا لمريم.
الضمير في قوله تعالى: "من لدنه" عاد بدلالة السياق على الله عز وجل "الحمد لله" ولم يعد على أقرب مذكور قبله وهو الكتاب.
وكذلك استعمل" له" بقوله تعالى :"ولم يجعل له عوجا "ولم يستعمل" فيه" فلم يقل :ولم يجعل فيه عوجا.
ولم يجعل لعبده عوجا حال إنزال الكتاب عليه يعاب عليه به ويرد قبول دعوته من أجله بل جعله قيما قويما مقيما من أنفس الناس وأحسنهم.
تبين لنا أنه عند التنازع دلالة السياق أقوى من دلالة قواعد اللغة في عود الضمائر على أصحابها عند تحليل نصوص الخطاب كما بينا في الفرقان ومريم والكهف والسياق واحد في الكتاب والرسالة.
وسكتة حفص عن عاصم بين عوجا وقيما إشارة للفصل بين الكلمتين لفظا ومعنى.
قلت : وعليه فالحمل في هاء الضمير في له على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم متجه وله وجه إن شاء الله تعالى ولا غبار عليه ولو من باب القول المرجوح وليس الراجح.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
الأخ الكريم سعيد محمود وفقك الله وزادك علماً وأدباً.
قرأتُ ما تفضلتم به مرتين ، وفهمت جيداً ، وقد استفدت منه كثيراً في هذه المسألة، واختيارك صحيح في قولك في آخره "وعليه فالحمل في هاء الضمير في له على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم متجه وله وجه إن شاء الله تعالى ولا غبار عليه ولو من باب القول المرجوح وليس الراجح."
حيث إن للمفسرين في عود الضمير قولان كما تفضلتم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يستحق هذا الثناء وأكثر منه عليه الصلاة والسلام ، والسؤال هو في هذا الموضع فقط هل الضمير يعود له أو للقرآن فقط. وهذا موضع البحث كما تفضلتم .

والاختيار الذي عليه جمهور المفسرين حسب علمي هو أن الضمير يعود للكتاب وأن الوصف بالاستقامة "قيماً" وبنفي العوج يعود للقرآن الكريم .

والترجيح بين الأقوال يأخذ بالاعتبار عوامل كثيرة سياقية ولغوية وتاريخية أحياناً وغير ذلك، ولذلك يكون الترجيح في كل موضع بحسبه.
فهنا مثلاً :
- تأمل في منهج القرآن في وصف القرآن نفسه ، كيف وصفه. وكيف وصف النبي صلى الله عليه وسلم . فالوصف بالاستقامة وبعدم التناقض والاختلاف قد جاء للقرآن في مواضع كثيرة ، مثل "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" وغير ذلك . فالقول بأن وصف القرآن بعبارة "قيماً" وبعبارة " ولم يجعل له عوجا" أولى من وصف النبي صلى الله عليه وسلم . الذي جاءت له أوصاف أكثر مناسبة له مثل الوصف الخلق العظيم كما تفضلتم ونحو ذلك.
وقاعدة عود الضمير لها تفاصيل كثيرة، وليست قاعدة عود الضمير على أقرب مذكور على إطلاقها، وإنما المقصود على أقرب مذكور يصلح لعود الضمير ، والكلام في شرحها وبيان محترزاتها يحتاج وقتاً .


وأشكرك على تفضلك بكتابة هذا المبحث ، ولعل للزملاء في الملتقى مزيد إيضاح ونقاش حول هذه المسألة، ولعلي أعود لها أيضاً مستقبلاً .
وفقك الله وتقبل منك .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
شيخي وأستاذي الجليل، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الشهري:
السلام عليكم ورحمته وبركاته .
دمتم لنا معينا وذخرا ننهل منه الأدب والعلم معا، ومتعك الله بالعافية في الدنيا والآخرة، وأطال الله لنا عمرك في عز وخير وحسن عمل بمنه وكرمه.
هذا وسام على صدري وتاج على رأسي أن شرفتني بقراءة الورقة ولو كنت أعلم أنها ستحظي بكريم اهتمامك لحبرتها تحبيرا.
وإن شاء الله تعالى يكون العود فيها حميدا للجميع كما تفضلت.
دمتم بخير وعافية.
وتحياتي ومودتي لشيخي وأستاذي.
 
عودة
أعلى