عبدالكريم عزيز
New member
يقول تعالى : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ...﴾ [البقرة:223] .
يقول الإمام الطبري موضحا دلالة {أَنَّىٰ﴾ : " والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال : معنى قوله {أنّى شِئْتُمْ} من أيّ وجه شئتم ، وذلك أنّ {أنّى} في كلام العرب كلمة تدل إذا ابتدئ بها في الكلام على المسألة عن الوجوه والمذاهب ، فكأن القائل إذا قال لرجل : أنى لك هذا المال ؟ يريد من أيّ الوجوه لك ، ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول : من كذا وكذا ، كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم : {أنّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدَ اللّهِ} وهي مقاربة أين وكيف في المعنى ، ولذلك تداخلت معانيها ، فأشكلت «أنى » على سامعها ومتأوّلها حتى تأوّلها بعضهم بمعنى أين ، وبعضهم بمعنى كيف ، وآخرون بمعنى متى ، وهي مخالفة جميع ذلك في معناها وهن لها مخالفات . وذلك أن «أين » إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال ، وإنما يستدلّ على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها . ألا ترى أن سائلاً لو سأل آخر فقال : أين مالك ؟ لقال بمكان كذا ، ولو قال له : أين أخوك ؟ لكان الجواب أن يقول : ببلدة كذا ، أو بموضع كذا ، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله ، فيعلم أن أين مسألة عن المحل . ولو قال قائل لآخر : كيف أنت ؟ لقال : صالح أو بخير أو في عافية ، وأخبره عن حاله التي هو فيها ، فيعلم حينئذٍ أن كيف مسألة عن حال المسؤول عن حاله . ولو قال له : أنى يحيي الله هذا الميت ؟ لكان الجواب أن يقال : من وجه كذا ووجه كذا ، فيصف قولاً نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال : {أنّى يُحْيى هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها} فعلاً حين بعثه من بعد مماته . وقد فرّقت الشعراء بين ذلك في أشعارها ، فقال الكميت بن زيد :
تَذَكّرَ مِنْ أنّى ومِنْ أينَ شُرْبُهُ *** يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كذي الهجمةِ الأبِلْ
وقال أيضا :
أنّى ومِنْ أيْنَ نابَكَ الطّرَبُ *** مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلا رِيَبُ
فيجاء ب «أنّى » للمسألة عن الوجه و ب «أين » للمسألة عن المكان ، فكأنه قال : من أي وجه ومن أي موضع رجعك الطرب .
والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره : {فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ } كيف شئتم ، أو تأوله بمعنى حيث شئتم ، أو بمعنى متى شئتم ، أو بمعنى أين شئتم أن قائلاً لو قال لآخر : أنى تأتي أهلك ؟ لكان الجواب أن يقول : من قبلها أو من دبرها ، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت : {أنّى لَكِ هَذَا} أنها قالت : {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} . وإذ كان ذلك هو الجواب ، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ} إنما هو : فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتي ، وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للاَية بتأويل . وإذ كان ذلك هو الصحيح ، فبين خطأ قول من زعم أن قوله : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ} دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار ، لأن الدبر لا يحترث فيه ، وإنما قال تعالى ذكره : {حَرْث لَكُمْ} فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم ، وأيّ محترث في الدبر فيقال ائته من وجهه . وتبين بما بينا صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول " .
يقول الإمام الطبري موضحا دلالة {أَنَّىٰ﴾ : " والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال : معنى قوله {أنّى شِئْتُمْ} من أيّ وجه شئتم ، وذلك أنّ {أنّى} في كلام العرب كلمة تدل إذا ابتدئ بها في الكلام على المسألة عن الوجوه والمذاهب ، فكأن القائل إذا قال لرجل : أنى لك هذا المال ؟ يريد من أيّ الوجوه لك ، ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول : من كذا وكذا ، كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم : {أنّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدَ اللّهِ} وهي مقاربة أين وكيف في المعنى ، ولذلك تداخلت معانيها ، فأشكلت «أنى » على سامعها ومتأوّلها حتى تأوّلها بعضهم بمعنى أين ، وبعضهم بمعنى كيف ، وآخرون بمعنى متى ، وهي مخالفة جميع ذلك في معناها وهن لها مخالفات . وذلك أن «أين » إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال ، وإنما يستدلّ على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها . ألا ترى أن سائلاً لو سأل آخر فقال : أين مالك ؟ لقال بمكان كذا ، ولو قال له : أين أخوك ؟ لكان الجواب أن يقول : ببلدة كذا ، أو بموضع كذا ، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله ، فيعلم أن أين مسألة عن المحل . ولو قال قائل لآخر : كيف أنت ؟ لقال : صالح أو بخير أو في عافية ، وأخبره عن حاله التي هو فيها ، فيعلم حينئذٍ أن كيف مسألة عن حال المسؤول عن حاله . ولو قال له : أنى يحيي الله هذا الميت ؟ لكان الجواب أن يقال : من وجه كذا ووجه كذا ، فيصف قولاً نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال : {أنّى يُحْيى هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها} فعلاً حين بعثه من بعد مماته . وقد فرّقت الشعراء بين ذلك في أشعارها ، فقال الكميت بن زيد :
تَذَكّرَ مِنْ أنّى ومِنْ أينَ شُرْبُهُ *** يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كذي الهجمةِ الأبِلْ
وقال أيضا :
أنّى ومِنْ أيْنَ نابَكَ الطّرَبُ *** مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلا رِيَبُ
فيجاء ب «أنّى » للمسألة عن الوجه و ب «أين » للمسألة عن المكان ، فكأنه قال : من أي وجه ومن أي موضع رجعك الطرب .
والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره : {فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ } كيف شئتم ، أو تأوله بمعنى حيث شئتم ، أو بمعنى متى شئتم ، أو بمعنى أين شئتم أن قائلاً لو قال لآخر : أنى تأتي أهلك ؟ لكان الجواب أن يقول : من قبلها أو من دبرها ، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت : {أنّى لَكِ هَذَا} أنها قالت : {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} . وإذ كان ذلك هو الجواب ، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ} إنما هو : فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتي ، وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للاَية بتأويل . وإذ كان ذلك هو الصحيح ، فبين خطأ قول من زعم أن قوله : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ} دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار ، لأن الدبر لا يحترث فيه ، وإنما قال تعالى ذكره : {حَرْث لَكُمْ} فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم ، وأيّ محترث في الدبر فيقال ائته من وجهه . وتبين بما بينا صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول " .