دلائل الآثار على مسائل أصول التفسير (1)

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
[align=justify]إن البحث في النصوص على مسائل العلوم من أنفس ما يمكن أن لطالب العلم طلبه ، فدلالة الأثر على المسألة أصل من أصول العلم الشرعي الذي لا محيد عنه .
وهذه الدلالة قد تكون صريحة ، وقد تكون تلميحًا ، وفي كلا الحالين تكون الفائدة المستنبطة غاية في النفاسة ؛ لأنها تدلُّ بوضوح على أصول مسائل هذا العلم ( أصول التفسير ) ، وسأذكر بعض الآثار التي يُستنبطُ منها مسائل في أصول التفسير ، وأبتدئ بما روى البخاري بسنده ، قال : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( لَمَّا نَزَلَتْ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟! قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ؟ )) .
وقال البخاري : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } )) .
وقال البخاري : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ح و حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } )) .

في هذا الحديث فوائد :

الفائدة الأولى : ( لا إشكال في الفهم الأولي الوارد على النفس )
إن المعاني الواردة على العقل لا تثريب عليها ، لأنه ليس من قدرة المرء ردُّ مثل هذه الفهوم عن نفسه ، فإذا ظهر له معنى ما لجملة من القرآن ، فإن فهمه قد يكون صحيحًا ، وقد يكون خطأً .

الفائدة الثانية : ( المرجع الْمُصحِّح لما يرد على النفس من المعاني هم أهل العلم )
إن من وردت عليه بعض المعاني ، فإنه يرجع إلى أهل العلم ليدلوه على صحة ما فهمه من خطئه ، ولا يكون كبعض الناس الذين ينشرون آراءهم للناس على أنها صواب ، فيتقلدون من غريب الأقوال ما تضحك له العقول .
وهذا يعني أن المرحلة الأولى ، وهي ورود المعاني على العقل لا يعاب على المرء ، وإنما يعاب عليه نشر ما يرد عليه من المعني والاستنباطات، وتَبَنِّيه له دون الرجوع إلى أهل العلم للتثبت من هذه الواردات عليه ، فالرجوع لهم يميز الصحيح من الضعيف .

الفائدة الثالثة : ( الرسول صلى الله عليه وسلم مرجع الصحابة )
أن الصحابة كانوا يرجعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشكل عليهم شيء من القرآن ، ولم يكونوا يتقلَّدون معاني ما يشكل عليهم دون الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الفائدة الرابعة : ( المفسر الأول )
أن أول مفسِّر للقرآن ، وأَوْلى من يُرجع إليه في تفسيره هو النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو المبين لكلام ربه ، كما قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ) ، فالرجوع إليه أصل من أصول التفسير .

الفائدة الخامسة : ( التفسير بالرأي بدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم )
أن الاجتهاد في فهم القرآن كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالصحابة اجتهدوا في فهم معنى ( الظلم ) ، وحملوه على العموم ، ولم يمنعهم الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يفهموا القرآن بآرائهم ، ولو كان سلوكهم هذا الطريق خطأٌ لنبههم عليه ، ولما لم يقع التنبيه عليه في هذا الأثر وغيره كان في ذلك دلالة على صحة هذا الأسلوب .

الفائدة السادسة : ( اللفظ العام يحمل على عمومه )
أن الأصل في أخبار الله ( وكذا أحكامه ) أنها على العموم ؛ لأن الصحابة فهموا من معنى ( الظلم ) العموم ، ولما لم يكن العموم هو المقصود من الظلم في هذا الساق أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى المراد .

الفائدة السابعة : ( اللغة العربية مصدر من مصادر التفسير )
أن اللغة مصدر من مصادر التفسير ، فالصحابة فهموا معنى ( الظلم ) على ما يعلمونه من لغتهم ، ولم يصحح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى مما يدل على أنه هو المراد ، ولو كان لهذا المعنى إضافة شرعية أو تقييدات لبينها صلى الله عليه وسلم ، ولما لم يكن ذلك موجودًا دلَّ على صحة هذا الطريق .

الفائدة الثامنة : ( القرآن مصدر من مصادر التفسير )
أن تفسير القرآن بالقرآن طريق صحيح معتبر في تفسير القرآن ، وقد نصَّ هذا الأثر على ذلك ، فقد فسَّر الرسول صلى الله عليه وسلم آية الأنعام بآية لقمان ، فبين العموم المفهوم في آية الأنعام بأنه مخصوص بالشرك بدلالة آية لقمان .

الفائدة التاسعة : ( وقوع المشكل في القرآن )
إن وقوع الإشكال كان منذ عهد الصحابة إبَّان وجودهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا النوع من المشكل يدخل في المتشابه النسبي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم المعنى المراد ، وليس من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله .

الفائدة العاشرة : ( حرص الصحابة على معرفة معاني القرآن الكريم )
إن هذا الأثر يدل دلالة واضحة على حرص الصحابة على تفهُّم معاني القرآن ، وذلك بسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى الظلم لما أشكل عليهم .

الفائدة الحادية عشر ( تدارس الصحابة لمعاني القرآن الكريم )
في هذا الحديث إشارة إلى أن الصحابة كانوا يتدارسون القرآن فيما بينهم بدلالة قوله : (شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟! ) ، فإذا أشكل عليهم منه شيء سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .أ.هـ[/align]
 
وهذا مما ورد على نفسي من فوائد الحديث , أعرضه على شيخي الفاضل ليصحح لي الخطأ

* (اللفظ العام قد يدخله التخصيص ؛ فلا يبقى على عمومه)

* (سرعة مبادرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى تطبيق ما يتعلمونه من القرآن بعد الفهم الصحيح)

* (نزول القرآن منجماً ؛ مِن حِكمه أنه أرفق للصحابة في الفهم والتطبيق)
لأنهم كانوا رضوان الله عليهم عند نزول الآية يتعلمون ما فيها من الإيمان والوعظ والأمر والنهي والحلال والحرام... ثم يتبعون ذلك بالحفظ والعمل والتعليم لغيرهم
 
ومن الفوائد التي يمكن أن تقال أيضاً :
1 ـ أن من تفسير القرآن بالقرآن ما هو محلُّ نظرٍ واجتهادٍ من المفسر .
فالصحابة رضي الله عنهم كانوا على علمٍ بآيةِ لقمان ـ بدليل تذكير النبي صلى الله عليه وسلم لهم ـ ومع ذلك لم يربطوا هذه الآية بتلك , حتى فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
2 ـ هذا الحديث فيه تأصيلٌ ؛ لوجهٍ من أوجه بيان السنة للقرآن . وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بالقرآن . وقد بينتم حفظكم الله وجه ذلك .

موضوع التأصيل لأصول التفسير وعلوم القرآن عموماً أمرٌ مهمٌ . وممن له عناية بهذا الشأن السيوطي رحمه الله في كتابه الإتقان .
 
عودة
أعلى