أبو صالح المدني
New member
- إنضم
- 01/02/2009
- المشاركات
- 33
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإن الهوى خفيّ المسالك، بعيد المسارب، لا يكاد يسلم منه إنسان، ومن أعظم الجهاد أن يجاهد الإنسان هواه في الله تعالى...
غير أنّه كيف يجاهد الإنسان هواه وهو لم يعرفه؟ وكيف يتبرّأ منه وهو لم يميّزه؟
إن تمييز الهوى من الحقّ لابد فيه من توفيق الله وإعانته، ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور..
وإليك الحلقة الأولى من "دقائق الهوى" بقلم ذهبيّ العصر العلامة المعلّميّ –رحمه الله-، كتبه للعلماء قبل العامّة، فاقرأ ونزّل كلامه على مواضعه من قلبك، واستعن بالله في ترك الهوى، ولزوم التجرد لله في كلّ موقف.
قال –رحمه الله- في "القائد" الملحق بـ "التنكيل" 2/197-198
(يفكّر في حاله مع الهوى...
افرض أنه بلغك أنّ رجلاً سبّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم، وآخر سبّ داود عليه السلام، و ثالثاً سبّ عمر أو علياً رضي الله عنهما، و رابعاً سبّ إمامك، وخامساً سبّ إماماً آخر، أيكون سخطك عليهم وسعيك في عقوبتهم وتأديبهم أو التنديد بهم موافقاً لما يقتضيه الشرع؟؛ فيكون غضبك على الأول والثاني قريباً من السواء و أشد مما بعدهما جداً، و غضبك على الثالث دون ذلك و أشد مما بعده، وغضبك على الرابع و الخامس قريباً من السواء و دون ما قبلهما بكثير؟
افرض أنك قرأت آيةً فلاحَ لك منها موافقة قولٍ لإمامك، و قرأت أخرى فلاح لك منها مخالفة قول آخر له، أيكون نظرك إليهما سواء، لا تبالي أن يتبين منهما بعد التدبر صحة ما لاح لك أو عدم صحته ؟
افرض أنك وقفت على حديثين لا تعرف صحتهما ولا ضعفهما، أحدهما يوافق قولاً لإمامك والآخر يخالفه، أيكون نظرك فيهما سواء، لا تبالي أن يصح سند كل منهما أو يضعف؟
افرض أنك نظرت في مسألة قال إمامك فيها قولاً وخالفه غيره، ألا يكون لك هوى في ترجيح أحد القولين؟ بل تريد أن تنظر لتعرف الراجح منهما فتبين رجحانه؟
افرض أن رجلاً تحبّه وآخر تبغضه تنازعا في قضية فاستُفتيت فيها ولا تستحضر حكمها و تريد أن تنظر، ألا يكون هواك في موافقة الذي تحبه؟
افرض أنك وعالماً تحبه وآخر تكرهه؛ أفتى كل منكم في قضية واطلعت على فتويي صاحبيك فرأيتهما صواباً، ثم بلغك أن عالماً آخر اعترض على واحدة من تلك الفتاوى و شدّد النكير عليها، أتكون حالك واحدة؛ سواء كانت هي فتواك أم فتوى صديقك أم فتوى مكروهك؟
افرض أنك تعلم من رجل منكراً و تعذر نفسك في عدم الإنكار عليه، ثم بلغك أن عالماً أنكر عليه و شدّد النكير، أيكون استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان المنكر صديقك أم عدوك، و المنكر عليه صديقك أم عدوك ؟
فتّش نفسك تجدْك مبتلىً بمعصية أو نقص في الدين، و تجد من تبغضه مبتلىً بمعصية أو نقصٍ آخر ليس في الشرع بأشدّ مما أنت مبتلىً به؟ فهل تجد استشناعك ما هو عليه مساوياً لاستشناعك ما أنت عليه، و تجد مقتك نفسك مساوياً لمقتك إياه؟
وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جرّبتُ نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنىً، فأقرّره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرّم بذلك الخادش؛ وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغضّ النظر عن مناقشة ذاك الجواب، و إنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنتُ قد أذعتُه في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر اعترض علي به؟ فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه؟
هذا، ولم يكلَّف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوُسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتّش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه، و يمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه.
وهذا -والله أعلم- معنى الحديث الذي ذكره النووي في (الأربعين) و ذكر أن سنده صحيح، وهو ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)).
والعالم قد يقصّر في الاحتراس من هواه ويسامح نفسه فتميل إلى الباطل فينصره، وهو يتوهّم أنّه لم يخرج من الحقّ و لم يعاده، و هذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر الاسترسال مع هواه، ويفحشُ حتى يقطعُ من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمَّد، ومنهم من يَقلّ ذلك منه و يخفّ، ومن تتبَّع كتب المؤلّفين الذين لم يسندوا اجتهادهم إلى الكتاب و السنّة رأساً رأى فيها العجب العجاب، و لكنّه لا يتبين له ذلك إلاّ في المواضع التي لا يكون له فيها هوىً، أو يكون هواه مخالفاً لما في تلك الكتب، على أنّه إذا استرسل مع هواه زعم أن موافقيه براء من الهوى، وأنّ مخالفيه كلَّهم متبعون للهوى.
وقد كان من السلف من يبالغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر؛ كالقاضي يختصم إليه أخوة و عده فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه، و هذا كالذي يمشي في الطريق و يكون عن يمينه مزلّة فيتّقيها ويتباعد عنها فيقع في مزلّة عن يساره!) اهـ
فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ ::: وإلا فإني لا إخالك ناجيا!
قلت: (بيانٌ كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم).
تنبيه!
قال الألباني تعليقاً على الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ": (أنى له الصحة و في سنده نعيم بن حماد) اهـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإن الهوى خفيّ المسالك، بعيد المسارب، لا يكاد يسلم منه إنسان، ومن أعظم الجهاد أن يجاهد الإنسان هواه في الله تعالى...
غير أنّه كيف يجاهد الإنسان هواه وهو لم يعرفه؟ وكيف يتبرّأ منه وهو لم يميّزه؟
إن تمييز الهوى من الحقّ لابد فيه من توفيق الله وإعانته، ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور..
وإليك الحلقة الأولى من "دقائق الهوى" بقلم ذهبيّ العصر العلامة المعلّميّ –رحمه الله-، كتبه للعلماء قبل العامّة، فاقرأ ونزّل كلامه على مواضعه من قلبك، واستعن بالله في ترك الهوى، ولزوم التجرد لله في كلّ موقف.
قال –رحمه الله- في "القائد" الملحق بـ "التنكيل" 2/197-198
(يفكّر في حاله مع الهوى...
افرض أنه بلغك أنّ رجلاً سبّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم، وآخر سبّ داود عليه السلام، و ثالثاً سبّ عمر أو علياً رضي الله عنهما، و رابعاً سبّ إمامك، وخامساً سبّ إماماً آخر، أيكون سخطك عليهم وسعيك في عقوبتهم وتأديبهم أو التنديد بهم موافقاً لما يقتضيه الشرع؟؛ فيكون غضبك على الأول والثاني قريباً من السواء و أشد مما بعدهما جداً، و غضبك على الثالث دون ذلك و أشد مما بعده، وغضبك على الرابع و الخامس قريباً من السواء و دون ما قبلهما بكثير؟
افرض أنك قرأت آيةً فلاحَ لك منها موافقة قولٍ لإمامك، و قرأت أخرى فلاح لك منها مخالفة قول آخر له، أيكون نظرك إليهما سواء، لا تبالي أن يتبين منهما بعد التدبر صحة ما لاح لك أو عدم صحته ؟
افرض أنك وقفت على حديثين لا تعرف صحتهما ولا ضعفهما، أحدهما يوافق قولاً لإمامك والآخر يخالفه، أيكون نظرك فيهما سواء، لا تبالي أن يصح سند كل منهما أو يضعف؟
افرض أنك نظرت في مسألة قال إمامك فيها قولاً وخالفه غيره، ألا يكون لك هوى في ترجيح أحد القولين؟ بل تريد أن تنظر لتعرف الراجح منهما فتبين رجحانه؟
افرض أن رجلاً تحبّه وآخر تبغضه تنازعا في قضية فاستُفتيت فيها ولا تستحضر حكمها و تريد أن تنظر، ألا يكون هواك في موافقة الذي تحبه؟
افرض أنك وعالماً تحبه وآخر تكرهه؛ أفتى كل منكم في قضية واطلعت على فتويي صاحبيك فرأيتهما صواباً، ثم بلغك أن عالماً آخر اعترض على واحدة من تلك الفتاوى و شدّد النكير عليها، أتكون حالك واحدة؛ سواء كانت هي فتواك أم فتوى صديقك أم فتوى مكروهك؟
افرض أنك تعلم من رجل منكراً و تعذر نفسك في عدم الإنكار عليه، ثم بلغك أن عالماً أنكر عليه و شدّد النكير، أيكون استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان المنكر صديقك أم عدوك، و المنكر عليه صديقك أم عدوك ؟
فتّش نفسك تجدْك مبتلىً بمعصية أو نقص في الدين، و تجد من تبغضه مبتلىً بمعصية أو نقصٍ آخر ليس في الشرع بأشدّ مما أنت مبتلىً به؟ فهل تجد استشناعك ما هو عليه مساوياً لاستشناعك ما أنت عليه، و تجد مقتك نفسك مساوياً لمقتك إياه؟
وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جرّبتُ نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنىً، فأقرّره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرّم بذلك الخادش؛ وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغضّ النظر عن مناقشة ذاك الجواب، و إنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنتُ قد أذعتُه في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر اعترض علي به؟ فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه؟
هذا، ولم يكلَّف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوُسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتّش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه، و يمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه.
وهذا -والله أعلم- معنى الحديث الذي ذكره النووي في (الأربعين) و ذكر أن سنده صحيح، وهو ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)).
والعالم قد يقصّر في الاحتراس من هواه ويسامح نفسه فتميل إلى الباطل فينصره، وهو يتوهّم أنّه لم يخرج من الحقّ و لم يعاده، و هذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر الاسترسال مع هواه، ويفحشُ حتى يقطعُ من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمَّد، ومنهم من يَقلّ ذلك منه و يخفّ، ومن تتبَّع كتب المؤلّفين الذين لم يسندوا اجتهادهم إلى الكتاب و السنّة رأساً رأى فيها العجب العجاب، و لكنّه لا يتبين له ذلك إلاّ في المواضع التي لا يكون له فيها هوىً، أو يكون هواه مخالفاً لما في تلك الكتب، على أنّه إذا استرسل مع هواه زعم أن موافقيه براء من الهوى، وأنّ مخالفيه كلَّهم متبعون للهوى.
وقد كان من السلف من يبالغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر؛ كالقاضي يختصم إليه أخوة و عده فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه، و هذا كالذي يمشي في الطريق و يكون عن يمينه مزلّة فيتّقيها ويتباعد عنها فيقع في مزلّة عن يساره!) اهـ
فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ ::: وإلا فإني لا إخالك ناجيا!
قلت: (بيانٌ كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم).
تنبيه!
قال الألباني تعليقاً على الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ": (أنى له الصحة و في سنده نعيم بن حماد) اهـ