دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

إنضم
28/05/2006
المشاركات
34
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]من لطائف وفوائد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى- في كتابه المسمى:
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب [/align]

بسم الله.. والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
هذه لطائف ووقفات من كتاب الشيخ الجليل رحمه الله /محمد الأمين الشنقيطي ، رأيت أن أمتع بها أخواني وأخواتي في هذا الملتقى الطيب، تذكرة للبعض ، وإفادة لآخرين . والله من وراء القصد .
قال الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه:
أما بعد: إن مقيد هذه الحروف – عفا الله عنه- أراد أن يبين في هذه الرسالة ما تيسر من أوجه الجمع بين الآيات التي يظن بها التعارض في القرآن العظيم، مرتباً لها بحسب ترتيب السورة، يذكر الجمع بين الآيتين غالباً في محل الأولى منهما، وربما يذكر الجمع عند محل الأخيرة، ولا سيما إذا كانت السورة ليس فيها مما يظن تعارضه إلا تلك الآية؛ فإنه لا يترك ذكرها والإحالة على الجمع المتقدم، وسميته: [ دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب].
فنقول وبالله نستعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل: راجين من الله الكريم أن يجعل نيتنا صالحة، وعملنا كله خالصاً لوجهه الكريم، إنه قريب مجيب رحيم.

[align=center]سورة البقرة[/align]
قوله تعالى: { ألم * ذلك الكتاب}
أشار الله تعالى إلى القرآن في هذه الآية إشارة البعيد. وقد أشار له في آيات أخر إشارة القريب كقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وكقوله: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} الآية ، وكقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} ، وكقوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}، إلى غير ذلك من الآيات.

وللجمع بين هذه الآيات أوجه:
الوجه الأول: ما حرره بعض علماء البلاغة من أن وجه الإشارة إليه بإشارة الحاضر القريب، أن هذا القرآن قريب حاضر في الأسماع والألسنة والقلوب. ووجه الإشارة إليه بإشارة البعيد، هو بُعد مكانته ومنزلته من مشابهة كلام الخلق، وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين.
الوجه الثاني: هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره، من أن ذلك إشارة إلى ما تضمنه قوله تعالى: {ألم}، وأنه أشار إليه إشارة البعيد؛ لأن الكلام المشار إليه مُنقضٍ، ومعناه في الحقيقة القريب لقرب انقضائه، وضرب له مثلا بالرجل يحدث الرجل فيقول له مرة: والله إن ذلك لكما قلت، ومرة يقول: والله إن هذا لكما قلت. فإشارة البعيد نظراً إلى أن الكلام مضى وانقضى، وإشارة القريب نظراً إلى قرب انقضائه.
الوجه الثالث: أن العرب ربما أشارت إلى القريب إشارة البعيد، فتكون الآية على أسلوب من أساليب اللغة العربية. ونظيره قول خفاف بن ندبة السلمي ، لما قتل مالك بن حرملة الفزاري:
[align=center]فإن تك خيلي قد أصيب صميمها[/align]
[align=left] فعمداً على عيني تيممت مالكا[/align]
[align=center]أقـول له والـرمــح يأطـر متنـه [/align]
[align=left] تـأمَّل خفـافـاَ إننـي أنــا ذالكــا[/align]
يعني أنا هذا. وهذا القول الأخير حكاه البخاري عن معمر بن المثنى أبي عبيدة. قاله ابن كثير. وعلى كل حال فعامَّة المفسرين على أن {ذلك الكتاب} بمعنى: هذا الكتاب.
 
التعديل الأخير:
قوله تعالى: { لا ريب فيه}

قوله تعالى: { لا ريب فيه}

[align=center]قوله تعالى: {لا ريب فيه}[/align]
هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع "لا" ، فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي من صيغ العموم، كما تقرر في علم الأصول.
و "لا" هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة عند النحويين: "لا" التي لنفي الجنس، أما "لا" العاملة عمل "ليس" ، فهي ظاهرة في العموم لا نصَّ فيه.

وعليه، فالآية نصٌّ في نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس، كالكفار الشاكين، كقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} ، وكقوله تعالى: {وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}، وكقوله: {بل هم في شك يلعبون}.


ووجه الجمع في ذلك:
أن القرآن بالغ من وضوح الأدلة وظهور المعجزة، ما ينفي تطرق أي ريب إليه. وريب الكفار فيه إنما هو لعمى بصائرهم، كما بينه بقوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} ، فصرح بأن من لا يعلم أنه الحق، أن ذلك إنما جاءه من قبل عماه. ومعلوم ن عدم رؤية الأعمى للشمس لا ينافي كونها لا ريب فيها لظهورها:
[align=center][align=right]إذا لم يكن للمرء عين صحيحة[/align] فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر[/align]وأجاب بعض العلماء بأن قوله : {لا ريب فيه} خبر أريد به الإنشاء. أي لا ترتابوا فيه. وعليه ، فلا إشكال.



















سورة البقرة
قوله تعالى: { ألم * ذلك الكتاب}
أشار الله تعالى إلى القرآن في هذه الآية إشارة البعيد. وقد أشار له في آيات أخر إشارة القريب كقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وكقوله: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} الآية ، وكقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} ، وكقوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}، إلى غير ذلك من الآيات.
وللجمع بين هذه الآيات أوجه:
الوجه الأول: ما حرره بعض علماء البلاغة من أن وجه الإشارة إليه بإشارة الحاضر القريب، أن هذا القرآن قريب حاضر في الأسماع والألسنة والقلوب. ووجه الإشارة إليه بإشارة البعيد، هو بُعد مكانته ومنزلته من مشابهة كلام الخلق، وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين.
الوجه الثاني: هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره، من أن ذلك إشارة إلى ما تضمنه قوله تعالى: {ألم}، وأنه أشار إليه إشارة البعيد؛ لأن الكلا المشار إليه مُنقضٍ، ومعناه في الحقيقة القريب لقرب انقضائه، وضرب له مثلا بالرجل يحدث الرجل فيقول له مرة: والله إن ذلك لكما قلت، ومرة يقول: والله إن هذا لكما قلت. فإشارة البعيد نظراً إلى أن الكلام مضى وانقضى، وإشارة القريب نظراً إلى قرب انقضائه.
الوجه الثالث: أن العرب ربما أشارت إلى القريب إشارة البعيد، فتكون الآية على أسلوب من أساليب اللغة العربية. ونظيره قول خفاف بن ندبة السلمي ، لما قتل مالك بن حرملة الفزاري:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمداً على عيني تيممت مالكا
أقـول له والـرمــح يأطـر متنـه تـأمَّل خفـافـاَ إننـي أنــا ذالكــا
يعني أنا هذا. وهذا القول الأخير حكاه البخاري عن معمر بن المثنى أبي عبيدة. قاله ابن كثير. وعلى كل حال فعامَّة المفسرين على أن {ذلك الكتاب} بمعنى: هذا الكتاب.
 
قوله تعالى: { ختم الله على قلوبهم}

قوله تعالى: { ختم الله على قلوبهم}

[align=center]قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم..} الآية.[/align]
هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم مجبورون؛ لأن من خُتم على قلبه وجُعلت الغشاوة على بصره، سُلبت منه القدرة على الإيمان. وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن كفرهم واقع بمشيئتهم وإرادتهم، كقوله تعالى: { فاستحبوا العمى على الهدى} ، وكقوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة}، وكقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الآية، وكقوله تعالى: {ذلك بما قدمت أيديكم} الآية، وكقوله تعالى: { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} الآية.

والجواب: أن الختم والطبع والغشاوة المجعولة على أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم، كل ذلك عقاب من الله لهم على مبادرتهم للكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ومشيئتهم، فعاقبهم الله بعدم التوفيق جزاء وفاقاً، كما بينه تعالى بقوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم}، وقوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}، وبقوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، وقوله: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} الآية، وقوله: { بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}، إلى غير ذلك من الآيات.
 
قوله تعالى:{صمٌّ بُكمٌ عميٌ}

قوله تعالى:{صمٌّ بُكمٌ عميٌ}

[align=center]تأملوا وتدبروا بارك الله فيكم قبل أن تقرؤوا[/align]
قبل البدء بإتمام ما بدأت من نقل لطائف وفوائد الشيخ الشنقيطي - رحمه الله تعالى- في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب أود أن أقول لإخوتي وأخواتي الكرام: أرجوكم اقرؤوا بلسان قلبكم ، وتأملوا ، وتدبروا، ففي هذه الفوائد عبر عظيمة، ووقفات جليلة لا يمكن الاستفادة منها إلا إذا تأملناها مليّا ، وأنزلناها على واقعنا وأحوالنا ، فيتضح لنا سرّ إعجاز هذا الكتاب المجيد، وسر خلوده، ونستشعر عظمته وبيانه وفصاحته وبلاغته ، وإذا بآياته تتنزل على قلوبنا كما أنزلت أول مرة، غضّة ، رطبة، ثم إذا بها وقد اهتزَّت ورَبَت وأنبتت خشوعاً وإجلالاً وهيبة لمنزِِّلِ هذا القرآن العظيم جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه. نفعنا ورفعنا الله تعالى بهذا القرآن أجمعين .

[align=center]قوله تعالى: {صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ} الآية.[/align]
هذه الآية يدل ظاهرها على المنافقين لا يسمعون، ولا يتكلمون، ولا يبصرون. وقد جاء في آيات أخر ما يدل على خلاف ذلك، كقوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}، وقوله: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} الآية، أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، وقوله: {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد}، إلى غير ذلك من الآيات.

ووجه الجمع ظاهر، وهو أنهم بكم عن النطق بالحق وإن تكلموا بغيره، صمٌّ عن سماع الحق وإن سمعوا غيره، عُميٌ عن رؤية الحق وإن رأوا غيره.
وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله: {وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فلم تغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء..} الآية؛ لأن ما لا يغني شيئاً فهو كالمعدوم، والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له، ومنه قول قعنب بن أم صاحب:
صمٌّ إذا سمعوا خيرا ذُكرتَ به
[align=center]وإن ذُكرتَ بسوء عندهم أذنوا[/align]وقول الشاعر:
[align=right]أصمُّ عن الأمر الذي لا أريده [/align]
[align=center]وأسْمعُ خلق الله حين أريد[/align]وقول الآخر:
[align=right]فأصْممتُ عمْراً وأعميتُهُ
[align=center]عن الجود والفخر يوم الفخار[/align][/align]وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم.قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي:
[align=right]وإن كلام المرء في غير كنهه[/align]
[align=center]لَكَالنُّبل تهوي ليس فيها نصالُها[/align]
 
قوله تعالى:{ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة}الآية.

قوله تعالى:{ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة}الآية.

[align=center]قوله تعالى:{ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة} الآية[/align]هذه الآية تدل بظاهرها على أن الله لا يكلم الكفار يوم القيامة؛ لأن قوله تعالى: { ولا يكلمهم} ، فعل في سياق النفي، وقد تقرر في علم الأصول أن الفعل في سياق النفي، من صيغ العموم، وسواء كان الفعل متعديا، لا زماً، على التحقيق، خلافاً للغزالي القائل بعمومه في المتعدي، دون اللازم. وخلاف الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى – في ذلك، خلاف في حال، لا في حقيقة؛ لأنه يقول: إن الفعل في سياق النفي ليس صيغة للعموم، ولكنه دل عليه بالالتزام. أي لأنه يدل على نفي الحقيقة، ونفيها يلزمه نفي جميع الأفراد، فقوله: لا أَكَلتُ – مثلاً – ينفي حقيقة الأكل، فيلزمه نفي جميع أفراده.
وإيضاح عموم الفعل في سياق النفي؛ أن الفعل ينحلُّ عن مصدر وزَمَن عند النحويين، وعن مصدر وزمن ونسبة عند البلاغيين، فالمصدر داخل في معناه إجماعاً، فالنفي داخل على الفعل، ينفي المصدر الكامن في الفعل، فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي.
ومن العجيب أن أبا حنيفة –رحمه الله تعالى – يوافق الجمهور على أن الفعل في سياق النفي إن اُكَّد بمصدر نحو: شربت الماء شربا – مثلاً – أفاد العموم، مع أنه لا يوافق على إفادة النكرة في سياق النفي للعموم.
وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله تعالى يكلم الكفار يوم القيامة، كقوله تعالى: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسئوا فيها ولا تكلمون..} الآية.
والجواب عن هذا بأمرين:الأول، وهو الحق: أن الكلام الذي نفى الله أنه يكلمهم به، وهو الكلام الذي فيه خير، وأما التوبيخ والتقريع والإهانة، فكلام الله به من جنس عذابه لهم، ولم يقصد بالنفي في قوله:{ولا يكلمهم}.
الثاني: أنه لا يكلمهم أصلاً، وإنما تكلمهم الملائكة بإذنه وأمره.
 
قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} الآية.

قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} الآية.

[align=center]قوله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} الآية.[/align]هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم لم يُؤمروا بقتال الكفار إلا إذا قاتلوهم، وقد جاءت آيات أخر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقاً، قاتلوا أم لا، كقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} ، وقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مقعد}، كقوله تعالى: { تقاتلونهم أو يسلمون}.
والجواب عن هذا بأمور:
الأول، وهو أحسنها وأقربها: أن المراد بقوله: {الذين يقاتلونكم} ، تهييج المسلمين وتحريضهم على قتال الكفار، فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم، هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم. ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}، وخير ما يفسر به القرآن: القرآن.
الوجه الثاني: أنها منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدا. وإيضاح ذلك: أن من حكمة الله البالغة في التشريع، أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس، ربما يشرعه تدريجاً لتخف صعوبته بالتدريج، فالخمر – مثلاً – لما كان تركها شاقاً على النفوس التي اعتادتها، ذكر أولاً بعض معائبها بقوله: {قل فيهما إثم كبير}. ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت، كما دل عليه قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} الآية.
ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة، حرمها تحريماً باتاً بقوله: { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}.
وكذلك الصوم لما كان شاقا على النفوس، شرعه أولاً على سبيل التخيير بينه وبين الإطعام، ثم رغب في الصوم مع التخيير بقوله:{ وأن تصوموا خير لكم}، ثم لما استأنست به النفوس، أوجبه إيجاباً حتماً بقوله:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
وكذلك القتال على هذا القول، لما كان شاقا على النفوس، أذن فيه أولاً من غير إيجاب، بقوله: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} الآية. ثم أوجب عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم، بقوله: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}. ثم لما استأنست نفوسهم بالقتال أوجبه عليهم إيجاباً عاماً، بقوله: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مقعد} الآية.
الوجه الثالث: - وهو اختيار ابن جرير، ويظهر لي أنه الصواب -: أن الآية محكمة، وأن معناها: (قاتلوا الذين يقاتلونكم) أي مَن شأنُهم أن يقاتلوكم.
أما الكافر الذي ليس من شأنه القتال، كالنساء والذراري والشيوخ الفانية والرهبان وأصحاب الصوامع ومن ألقى إليكم السَّلَم، فلا تعتدوا بقتالهم؛ لأنهم لا يقاتلونكم، ويدل لهذا الأحاديث المصرِّحة بالنهي عن قتل الصبي، وأصحاب الصوامع، والمرأة، والشيخ الهرم إذا لم يستعن برأيه.
أما صاحب الرأي فيقتل، كدريد بن الصمة، وقد فسر هذه الآية بهذا المعنى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وابن عباس، والحسن البصري.
 
قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..} الآية / تأمل

قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..} الآية / تأمل

[align=center]قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم...} الآية.[/align]
هذه الآية تدل على طلب الانتقام، وقد أذن الله في الانتقام في آيات كثيرة، كقوله تعالى: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) }(الشورى) ، وكقوله تعالى: { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (النساء: 184) ، وكقوله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} (الحج:60) ، وكقوله تعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }(الشورى) ، وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشورى) .

وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك الانتقام، كقوله تعالى: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) } ، وقوله:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) } (آل عمران) ، وكقوله:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} (فصلت)، وقوله:{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }(الشورى)
وقوله: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (الأعراف)، وقوله تعالى:{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) }(الفرقان).

والجواب عن هذا بأمرين:
أحدهما: أن بين مشروعة الانتقام، ثم أرشد إلى فضيلة العفو، ويدل لهذا قوله تعالى:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) }(النحل) ، وقوله تعالى: { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (النساء: 184) ، فأذن في الانتقام بقوله:{ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} ، ثم أرشد إلى العفو بقوله: { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) } (النساء) .

الوجه الثاني: أن الانتقام له موضع يحسن فيه، والعفو له موضع يحسن فيه كذلك، وإيضاحه: أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله، ألا ترى أن من غصبت جاريته - مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها، فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله، فالانتقام في مثل هذا واجب، وعليه يحمل الأمر في قوله: {فاعتدوا} الآية. أي: كما إذا بدأ الكفار بالقتال ، فقتالهم واجب. بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك، فعفوه أحسن وأفضل، وقد قال أبو الطيب المتنبي:
إذا قيل حلمٌ قال للحلم موضع************ وحلم الفتى في غير موضعه جهل

رحم الله تعالى الإمام الشنقيطي وأسكنه فسيح جناته، وعلماء المسلمين ، ونحن معهم يارب العالمين.
 
قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..} الآية / فتأمل

قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..} الآية / فتأمل

[align=center]قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم...} الآية.[/align]
هذه الآية تدل على طلب الانتقام، وقد أذن الله في الانتقام في آيات كثيرة، كقوله تعالى: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) }(الشورى) ، وكقوله تعالى: { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (النساء: 184) ، وكقوله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} (الحج:60) ، وكقوله تعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }(الشورى) ، وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشورى) .

وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك الانتقام، كقوله تعالى: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) } ، وقوله:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) } (آل عمران) ، وكقوله:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} (فصلت)، وقوله:{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }(الشورى)
وقوله: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (الأعراف)، وقوله تعالى:{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) }(الفرقان).

والجواب عن هذا بأمرين:
أحدهما: أن بين مشروعة الانتقام، ثم أرشد إلى فضيلة العفو، ويدل لهذا قوله تعالى:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) }(النحل) ، وقوله تعالى: { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (النساء: 184) ، فأذن في الانتقام بقوله:{ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} ، ثم أرشد إلى العفو بقوله: { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) } (النساء) .

الوجه الثاني: أن الانتقام له موضع يحسن فيه، والعفو له موضع يحسن فيه كذلك، وإيضاحه: أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله، ألا ترى أن من غصبت جاريته - مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها، فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله، فالانتقام في مثل هذا واجب، وعليه يحمل الأمر في قوله: {فاعتدوا} الآية. أي: كما إذا بدأ الكفار بالقتال ، فقتالهم واجب. بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك، فعفوه أحسن وأفضل، وقد قال أبو الطيب المتنبي:
إذا قيل حلمٌ قال للحلم موضع************ وحلم الفتى في غير موضعه جهل

رحم الله تعالى الإمام الشنقيطي وأسكنه فسيح جناته، وعلماء المسلمين ، ونحن معهم يارب العالمين.
 
قوله تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} .

قوله تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} .

[align=center]قوله تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} .[/align]

يقول الإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذه الآية تدل بظاهرها على أنه لا يكره أحد على الدخول في الدين ، ونظيرها قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ( سورة يونس:99) ، وقوله تعالى:{فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (سورة الشورى:48) .
وقد جاء في آيات كثيرة ما يدل على إكراه الكفار على الدخول في الإسلام بالسيف ، كقوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (سورة الفتح: 16) ، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (سورة الأنفال:39) ؛ أي شرك .
ويدل لهذا التفسير الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله] الحديث .

والجواب عن هذا بأمرين:

الأول، وهو الأصح:
أن هذه الآية في خصوص أهل الكتاب . والمعنى: أنهم قبل نزول قتالهم لا يُكرهون على الدِّين مطلقاً ، وبعد نزول قتالهم لا يُكرهون عليه إذا أعْطَوُا الجزية عن يد وهم صاغرون.
والدليل على خصوصها بِهِم، ما رواه أبو داود وابن أبي حاتم والنسائي وابن حبان وابن جرير ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً ، فتجعل على نفسها إن عاش لها وَلَد أن تهوده، فلما أُجليتْ بنو النضير، كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالوا: لا ندع أبناءنا . فأنزل الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، المقلات : التي لا يعيش لها ولد . وفي المَثل: أحرُّ من دمع المقلات.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له: الحصين، كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلماً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا أسْتَكْرَِههما ؛ فإنهما قد أبَيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله الآية .

وروى ابن جرير ، أن سعيد ابن جبير سأله أبو بشر عن هذه الآية، فقال: نزلت في الأنصار ، فقال: خاصَّةً؟ قال: خاصَّة .

وأخرج ابن جرير عن قتادة بإسنادين في قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، قال: أُكره عليه هذا الحيُّ من العرب ؛ لأنهم كانوا أمة أميّة ليس لهم كتاب يعرفونه، فلم يُقبل منهم غير الإسلام ، ولا يُكره عليه أهل الكتاب إذا أقرُّوا بالجزية أو بالخراج ، ولم يُفتنوا عن دينهم ؛ فيُخلَّى سبيلهم .

وأخرج ابن جرير أيضاً عن الضحاك، في قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، قال: أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان ، فلم يَقبل منهم إلا : لا إله إلا الله ، أو السيف ، ثم أُمر في من سواهم أن يقبل منهم الجزية ، فقال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أيضاً ، في قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام ، وإعطى أهل الكتاب الجزية .

فهذه النقول تدل على خصوصها بأهل الكتاب المُعطين الجزية، ومن في حُكْمهم . ولا يرد على هذا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ لأن التخصيص فيها عُرِف بالنقل عن علماء التفسير ، لا بمطلق خصوص السبب .
ومما يدل للخصوص ؛ أنه ثبت في الصحيح : [ عَجِب ربُّك من قوم يُقادون إلى الجنة بالسلاسل] .


الأمر الثاني:
أنها منسوخة بآيات القتال ؛ كقوله تعالى:{ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية . ومعلوم أن سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة ، وسورة براءة من آخر ما نزل بها، والقول بالنسخ مرويٌّ عن ابن مسعود وزيد بن أسلم.
وعلى كل حال ، فآيات السيف نزلت بعد نزول السورة التي فيها: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية . والمتأخر أولى من المتقدِّم . والعلم عند الله .
 
عودة
أعلى