دعوى نصرانية مكرورة

إنضم
08/02/2009
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
لما تميز القرآن العظيم بالبلاغة العالية على كافة النظوم فقد رماه بعض النصارى - حسدا من عند أنفسهم - بما ليس فيه ؛ فادعى بعضهم أن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات وضمنها في آياته وسوره، ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين، بل هي عدة آيات وإذا كان الأمر كذلك – حسب قولهم - لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة، بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة ، وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل، فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء
حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحـد
(قتل الإنسان ما أكفـره )
وقال:
(إذا زلزلت الأرض زلزالها) (وأخرجت الأرض أثقالها )
تقـوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبهـا مـلك عادل فإما عليـــها وإما لها

و قال:
(دنت الساعة وانشق القمر) غزال صاد قلبي ونفر
مــر يوم العيد في زينة فرماني فتعاطى فعقر
بسـهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
وإذا ما غاب عني ساع كانت الساعة أدهى وأمر
ونرد عليه بقولنا :
- ليس هنالك من علماء الإسلام من نسب هذه الأبيات إلى امرئ القيس إلا المناوي عرضا في كتابه "فيض القدير" وهو من العلماء المتأخرين ت 1031 هـ وكان من علماء الحديث ، وهو في ذلك كان يشرح حديثا ضعيف الإسناد عن امرئ القيس وأنه "حامل لواء الشعر إلى النار "ثم ذكر المناوي أنه امرئ القيس أول من قصد القصائد وأنه من أئمة الشعراء وذكر بعض الأخبار الواهية مثل أن أول من نطق بالشعر آدم ثم استطرد وقال بلا دليل "وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل" وتبدو أن معرفته بذلك قليلة جدا وكتاب المناوي هذا كان في شرح الحديث لا الشعر ونقده ، وكل ما نقله المناوي عن امري القيس إنما كانت أقوالاً نقلها أو سمعها
- يبدو أن المناوي لا يحفظ الشعر ولا يعرفه خاصة شعر امرئ القيس ؛ إذ تراه في فيض القدير ينثر شعر امرئ القيس نثرا ولا يورده أبياتا منظومة؛ فيقول مثلا "إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس" يقصد معلقته ومعنى البيت الذي يقصده
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
ولم يورده
ويقول أيضا "الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث (الإيمان قيد الفتك)ما هو أحسن منه من غير تعمل"
يقصد
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
ولم يورد هذا البيت أيضا بل أورد معناه ، ثم إن من المعلوم أن شعر امرئ القيس لا تعمل فيه ولا تكلف بخلاف تلميح المناوي ، وهذه أحكام من لا يعرف الشعر وليس ذلك فحسب بل تجد المناوي في فيض القدير أحيانا يأتي بأنصاف أبيات ولا ينسبها لأصحابها وأحيانا ينقلها خطأ نحو " وكنه الموت ليس له دواء، ولك المرباع منها والصفايا" ونحو ذلك
ولعله يقصد قول النابغة
وكل جراحةٍ توسى فتبرا ولا يبرا إذا جرح الهجاء
يؤثر في القلوب له كلومٌ كداء الموت ليس له دواء
وبالشطر الثاني لعله يقصد قول ابن عنمة الضبي
إلى ميعاد أرعن مكفهر تضمر في جوانبه الخيول
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
. وأحيانا يأتي بأبيات مشهورة جدا ولا ينسبها لأصحابها بل يقول " قال الشاعر " نحو بيت زهير
: لسان الفتى نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وبيت أبي ذؤيب الهذليّ
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
وبذلك لا يمكن اعتماد ما تفرد به المناوي في مجال الشعر الذي لا يجيده ولا يعرفه ، ولكن إذا صح قوله فرضا كما في هذه الدعوى المتهافتة – ومن الاستحالة بمكان أن يصح – فماذا يعني ؟ لا شيء على الإطلاق ، لأنها عبارات قليلة جدا أمام عبارات القرآن الكثيرة ، والحق أن البلاغة ليست في العبارة الجزئية بل هي في ترابط الكلام وانسجامه ونظمه ، فهل أخذ القرآن الذي هو في غاية البلاغة من هذه الأقوال الركيكة ؟ فإذا أجاب هولاء النصارى بنعم – فإن سلمنا جدلا بهذا الأمر البعيد جدا -فإن البلاغة هي المعيار ؛ فيكون للقرآن الفضل على هذه العبارات الركيكة لا لها .
- إن كل من له معرفة بالشعر والأدب يعلم أن لكل شاعر أو أديب روح أدبية متميزة لا يجاريه فيها أحد ؛ فالشعر أو الأدب هو بصمة الشاعر أو الأديب ، وشعر امرئ القيس فخم جميل مترابط النسج قوي التركيب ، وهذا الشعر الذي نسب إليه – وإن اقتبس شيئا من القرآن – إلا أنه ضعيف جدا مفكك البناء ركيك الأسلوب ؛ كما أن فيه روح المتأخرين الظاهرة ثم إن قوله : (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها) لا يستقيم في ميزان الشعر فإذا كان هذا بيتا من الشعر فهو مكسور ، وكذلك (يتمنى المرء في الصيف ......) ففي هذين البيتين أيضا خلل من ناحية الوزن الشعري؛ إذ أنهما من بحر الرمل، والشطر الثاني من البيت الأول من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرىء القيس ، ،ومن يعرف الشعر أدنى معرفة لا يمكن أن يخفى عليه ذلك ناهيك عن امرئ القيس ، وكل هذه الأمور تقدح في نسبتها إليه وليس ذلك فحسب بل تقدح في نسبتها إلى مجرد شاعر مولد فضلاً عن شاعر جاهلي له مكانته العالية جدا بين الشعراء ، وجودة نظم الشعر وقوة تركيبه هو الذي يميزه ، ولا شك أن أهم الصفات التي ميزت القرآن وجعلته في درجة الإعجاز هو نظمه العالي الذي لا يتأتى لبشر .
- هذه الأبيات المنسوبة لامرئ القيس - على ضعف سبكها وسقم معناها وسخف تراكيبها - في معانيها أمور ينبغي أن يُسأل عنها إذا كنتم أيها النصارى مصرين على نسبتها لامري القيس : ما المراد بالساعة واقترابها؟ إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد ، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيب ، فما المراد حينئذ بقوله : (وانشق القمر )؟ فإن كان المراد انشقاق القمر فعلاً فإن القمر لم ينشق في عهدهم أبدًا، ، وإن كان المراد بالقمر المحبوب، فليس من عادة العرب تشبيه المحبوب بالقمر المنشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوب، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله، لا بالقمر المنشق ،
كقول النابغة الشيباني
تسبي القلوب بوجهٍ لاكفاء له كالبدر تم جمالاً حين ينتصف
تحت الخمار لها جثلٌ تعكفه مثلُ العثاكيلِ سُوداً حِينَ تُقْتَطَفُ
لها صحيفة وجهٍ يستضاء بها لم يَعْلُ ظاهِرَها بَثْرٌ ولا كَلَفُ
وقوله:
لها وجهٌ كصحنِ البدر فخمٌ ومنسجرٌ على المتنين سود
وعينا برغزٍ خرقٍ غريرٍ وزان النحر واللبات جيد
ترى فوق الرهاب لها سموطاً مع الياقوت فصله الفريد
وقول عنترة:
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
وامرؤ القيس لم يشبه المرأة بالبدر والقمر إطلاقا في شعره
- أما في قوله : (فرّ عني كهشيم المحتظر) فقل لي أي علاقة بين هشيم المحتظر وبين فراره عنه؟ إن الأمر بعيد والتشبيه ضعيف للغاية ، وأين ذلك من قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)
- إن امرأ القيس رغم أنه قد نسبت إليه كثير من الأشعار ونسبت إليه قصائد كثيرة لا تصح نستها إليه ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، إلا أن هذه الأبيات المذكورة هنا ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب، ولا في الأساطير التي نسجت حول امرأ القيس ولا توجد في ديوانه على اختلاف طبعاته ونسخه ورواياته ولا حتى في قصائده المنحولة ، ولهذا لم تذكر لهذه الأبيات سندًا أو مصدرًا
- إن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى مؤيد الدين القمي الذي كانت له اقتبسات كثيرة من القرآن ثم إن بعض الأبيات السابقة أيضا منسوبة إلى يحيى بن صاعد.
وتلك الأبيات مثل قول أبي سعد بن نوقة:
إن كنت تأكل ما حضر فاحضر فإنك منتظر
والساعة اقتربت لفر ط الجوع وانشق القمر
ورسولنا بكتابنا هذا الظريف أبو بكر
وبإذنه حركت منه الكاف كيلا ينكسر

وأظن أن هذا كان شكلاً من أشكال الظرف عند المتأخرين ولذلك كان لا يهتمون بمتانته وحسن السبك فيه كثيرا وإنما كان غرضهم التظرف بـ"الاقتباس" من القرآن فحسب ، ولهذا يقول الألوسي عن هذا " لا أصل له ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " ، وقد نسب الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام هذه الأبيات للوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية الذي عاش في القرن السادس الهجري ويصفه بأنه كان "حلو الألفاظ، يكتب بالعربيّ والعجميّ كيف أراد، ويحلّ التّراجم المغلقة. وكان ظريفاً لطيفاً، حسن الأخلاق، حلو الكلام"
واقتباسات القمي هنا ليست من الاقتبسات الجميلة الرائعة كما هو واضح ، وإذا أردت في ذلك أمثلة متينة فانظر إلى اقتباسات الخنساء في قولها :
أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد حلَّتْ به الأرضُ أثقالها
فخر الشّوامِخُ من فَقْدِه وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها
وقولها
هممتُ بنفسي بعضَ الهُموم فأوْلى لنفسيَ أولى لها
واقتباسات الكميت في قوله :
يَعيبونني من جُبنِهم وضلالِهم علَى حُبكم بل يسخرون وأعجبُ
وقوله :
ألم تَرني من حُبِّ آل محمد أروح وأغدو خائفاً أترقّبُ
- إن الجاهليين الذين نزل فيهم القرآن كانوا أعلم الناس بأشعار العرب، وكانوا أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كله لم يقل أحد منهم: إن ما جئت به مقتبس من شعر من امرئ القيس ، بل اعترف أعلمهم بالشعر أن القرآن لا يشبه الشعر يقول الوليد بن المغيرة – وهو كافر لم يسلم - عن القرآن الكريم : " والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا "
- إن محاولة نسبة الأبيات السابقة إلى امرئ القيس لتقوم دليلا على فرية أخذ القرآن من شعر امرىء القيس ، ليست جديدة بل نشأت منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي حين نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتابًا بعنوان ( تنوير الأفهام ) ذكرت فيه هذه الفرية التي لا أصل . وقد رد العلامة محمد رشيد رضا على هذه الفرية في زمانه فقال: (لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين ، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم، وأبلغ بلغائهم......... إن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين وهو أدنى ما نظموا في الاقتباس، ولم ينسبه إلى امرىء القيس إلا أجهل الناس ........... فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه)
ـ أن عجيب نظم القرآن قد بلغ الغاية التي ليس بعدها غاية ، فهو نسيج وحده في الجمال بحيث لا يشبهه نظم آخر لا نظم امرئ القيس ولا غيره
ـ لو كان القرآن مقدورا على العباد لكان اتفق للعرب وتأتى لهم ما يعارضوه به حتى قبل البعثة ، ولكن لما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق أو خطبة متقدمة أو نظم بديع أو أي شئ من ذلك - علم ضرورة أنه لم يكن إلى ذلك من سبيل ؛ وأنه لا يوجد له البتة نظير
ـ كلام البلغاء المتفوقين يختلف على حسب اختلاف هذه الأغراض ؛ فمن الشعراء من يجيد المدح دون الهجاء أو الهجاء دون المدح أو وصف الإبل أو الخيل أو وصف الحرب وغير ذلك ، ولذلك ضرب المثل بفحول الشعراء الذين لا يتقدمهم شاعر في معنى واحد فقط ؛ فقيل : ( أشعر العرب امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب) وإذا تأملت شعر أي شاعر كبير رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال والموضوعات التي يتناولها ؛ إذ أنه يأتي بالغاية في البراعة في معنى فإذا جاء إلى غيره في قصيدة أخرى قصر عنه وبان الاختلاف على شعره . أما نظم القرآن - رغم ما يتناوله من الوجوه المختلفة - على حد واحد في حسن النظم وبديع الرصف بحيث لا يتفاوت ولا ينحط عن المنزلة العليا
ـ إن النظم المحكم للقرآن لا يتفاوت ولا يتباين رغم الوجوه الكثيرة التي يتناولها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة وكذلك الأمر عند إعادة ذكر القصة الواحدة ؛ فهو لذلك غير مختلف ولا متفاوت ؛ بل هو على نهاية البلاغة ،. أما كلام الشعراء فإنه ـ حتى في القصبدة الواحدةـ يتفاوت تفاوتا بينا ويختلف اختلافا كبيرا في ذلك ، وقد وصف نقاد العرب كثيرا من الشعراء الكبار بالنقص عند التنقل من معنى إلى غيره والخروج من باب إلى سواه ؛ حتى إن هولاء النقاد قد اتفقوا على تقصير البحتري - مع جودة نظمه وحسن وصفه - في الخروج من النسيب إلى المديح ، وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء والتحول من باب إلى باب ، ولكن القرآن على اختلاف فنونه وما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمتناسب ، وهذا أمر عجيب تبين به الفصاحة وتظهر به البلاغة ويخرج معه الكلام عن حد العادة إلى الإعجاز الذي يتجاوز كل البلاغات
ـ إذا أردنا معرفة علو نظم القرآن وأنه جنس متميز وأسلوب لا يشابهه أسلوب البشر فلنأت بأجود أشعار امريء القيس الذي هو أشعر شعراء العرب ونقارن بينه وبين القرآن ليتضح لنا البون الشاسع والفرق الكبير ؛ إذ يظهر في شعره من العيوب ما لا يمكن أن يظهر في القرآن أبدا ؛ يقول امرؤ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضـح فالمقـراة لم يعف رسمها
لما نسـجتها من جنــوب وشمأل
ويذكر النقاد أن من محاسن البيت الأول أن الشاعر قد وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر العهد والمنزل والحبيب وتوجع واستوجع ؛ كل ذلك في بيت واحد ، ولكن - رغم ذلك- ففي البيتين أيضا خلل هو:
- إن الشاعر استوقف من يبكي لذكر الحبيب وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي ؛ وإنما يصح طلب الإسعاد وبكاء هذا الخلي على حبيب صديقه أمر محال. وإن كان المطلوب وقوف هذا الصديق وبكاؤه أيضا عاشقا صح الكلام من وجه وفسد المعنى من وجه آخر ؛ لأنه من السخف أن لا يغار الشاعر على حبيبه وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه والتواجد معه فيه
- في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع وتسمية هذه الأماكن من الدخول وحومل وتوضح والمقراة وسقط اللوى ، وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا ، وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضربا من العي
- في قوله (لم يعف رسمها) أي : لم يمح ؛ خلل ؛ لأنه عقب البيت بأن قال: (فهل عند رسم دارس من معول ) أي : رسم ممحو ، فرجع فأكذب نفسه ؛ فهو تناقض ظاهر
ويقول امرو القيس بعد ذلك:
وقوفا بها صحبي على مطيهم
يقولـون لا تهلك أسى وتحمل
وإن شفــائي عبرة مهراقة
فهل عند رسم دارس من معول
ومن عيوب هذين البيتين
- البيت الثاني مختل من جهة أنه قد جعل الدمع في اعتقاده شافيا كافيا فما حاجته بعد ذلك إلى طلب حيلة أخرى ومعول عند الرسوم ، ولو أراد أن يحسن الكلام لوجب أن يدل على أن الدمع لا يشفيه لشدة ما به من الحزن ثم يسائل هل عند الربع من حيلة أخرى؟
ويقول امرو القيس بعد ذلك:
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الربــاب بمأسل
إذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
ومن عيوب هذين البيتين
- البيت الثاني وجه التكلف فيه قوله : (إذا قامتا تضوع المسك منهما) ولو أراد أن يجود أفاد أن بهما طيبا على كل حال فأما في حال القيام فقط فذلك تقصير
- في البيت خلل آخر لأنه بعد أن شبه عرفها بالمسك - شبه ذلك بنسيم القرنفل أيضا ، والرائحتان مختلفتان .
ورغم كل شيء فإن هذه المعلقة العظيمة من عيون الشعر العربي وروائعه التي قال النقاد في مدحها ما قالوا وتغنى بها العرب منذ قيلت وحتى اليوم ولن يكفوا عن التغني بها ما دام فيهم تذوق للشعر ، ولكن رغم ذلك تفاوتت أبياتها تفاوتا بينا في الجودة والرداءة والسلاسة والانعقاد والسلامة والانحلال والتمكن والاستصعاب والتسهل والاسترسال والتوحش والاستكراه واختلفت الأبيات باختلاف الأهواء وقد كثر في تصرف الشاعر اضطرابه فوجد في شعره اختلافا كثيرا ، وما ذاك إلا لأنه بشر وإن كان أشعر البشر وأبدعهم . أما القرآن فهو يتجاوز في جودة النظم كلام البشر جميعهم ، إذ أنه قد سلم من جميع آفات البلاغة التي تعتريهم؛ ولهذا قال : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
مراجع :
الباقلاني : القاضي أبو بكر : إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م
http://www.ebnmaryam.com/shobhat/4.htm-
 
جزاكم الله خيرا

والعجيب ان الفحول من شعراء وفصحاء العرب لم يزعموا هذا ولو كان هذا حقا لكانوا اول من واجهوا النبى والصحابة ومن بعدهم

وقد بين استاذنا هشام عزمى فى الرابط السابق فى مشاركته تراجع من تولى كبر هذه الفرية

(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )
 
ما ذكره د. هشام عزمي على الرابط الذي وضحه أمر مهم في هذه الشبهة المكرورة وأنا هنا أنقله بعضه مختصرا للفائدة ؛ فقد ذكر أنه رغم تناقل هذه الشبهة بين أعداء الإسلام إلا أن صاحبها المنصر كلير تيسدال قد تراجع عنها ، وقد بيّن هذا المنصر أنه رغم نقله لهذه القصة إلا أن الافتراض الأرجح والآكد هو أن محمد صلى الله عليه وسلم كان بريئا من انتحال تلك الفرية التي اتهم بها ، وقد تبين لكلير تيسدال غلطه الكبير بعد أن استشار السير سي جي ليال الذي وصفه بأنه أكبر المؤهلين في موضوع الشعر العربي القديم . فأكد له السير سي جي ليال تأكيدا قاطعا أن الأبيات لا تنتمي لامريء القيس مما دفعه لتغيير رأيه بخصوص المسألة ، فنشر تراجعه هذا عام 1905 أي منذ أكثر من مائة عام .
ولكن أعداء الإسلام ما زالوا يكررون القصة وينقلونها من بعضهم رغم تبرؤ صاحبها منها "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين "
 
عودة
أعلى