الذي مثل به الدكتور الشريف حفظه الله في الحقيقة هو أساس الثغرات والاغاليط التي نشاهدها للأسف في كثير من "المناظرات"، فلا حول ولاقوة الا بالله.
كم من مناظرة اقف معها وقفات فاصيح غاضبا:
- يا اخي "المناظِر" ان للمناظرة قواعد وآداب!
- يا اخي "المناظِر" لا تناظر في شيء لست
شيخا فيه!
- يا اخي "المناظِر"ان التنزل للمناظَر لا يكون الا بشروط وشروط!
وكل هذه الصيحات تدور حول
معضلة التقديم.
المقدمات بكسر الدال كما مثل لها استاذنا بقوله ( * هنا سينقطع ولا تكتمل المناظرة لأني هدمت مقدمته الباطلة ) فانت ايها المناظِر لا حق لك في الاقتداء بالاذن الرباني لنبيه عليه الصلاة والسلام: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } باي فهم من الفهومات لا للافتراض الجدلي الا ان تصحح على مناظرك المحجة وتلزمه الحجة. وهذا يختلف من خصم لاخر وحسب طبيعة الحوار والغاية منه، وكذلك غرض الخصم.
مع مسيحي اوروبي او كندي الكتاب المقدس عنده نص يجب مقاربته وفهمه وتفهيمه بعلم الاساطير (الميثولوجيا) لا بعلم التأويل (الهرمنيوطيقا)، هذا لا تحاوره كما ستحاور مسيحيا اصوليا من تيمور الشرقية أو من الاقباط يؤمن حرفيا بسماوية كتبه وبالالوهية الاقنومية.
المسيحي الذي يجادل لنصر دينه ليس كالمسيحي الذي يجادل ليبطل مسألة من دينك.
استمعت مؤخرا لمناظرة بين مسلم ولاديني تدور حول اخلاقيات التشريع، فراح المسلم يشرق ويغرب في الرد على الشبهة، تعطى له ربع ساعة لا تكفي للرد عليها، بينما الخصم حر طليق في حصته الزمنية يستشكل حجج المسلم بسرعة ليترك مساحة زمنية واسعة لتوسيع نطاق الاستشكال اي لاضافة استشكالات جديدة، فتراجع المناظر المسلم طول دقائق الشوط إلى خط الدفاع امام تكثيف هجومي يسجل عليه أهدافا تلو الأخرى.. ولما شعر بالموقف الذي وضع نفسه فيه بدأ يقول لخصمه انه يجب الالتزام بشبهة واحدة !!!!
هذا بسبب معضلة التقديم، فقوله لخصمه باطل لأن الخصم يلتزم بموضوع المناظرة "اخلاقيات التشريع" وليس بما تمليه، ثم انت سلمت ابتداء بان اللادينية قادرة على اثبات منظومة اخلاقية يُتحاكم اليها، وان اللاديني بالتالي واقف على ارضية تسمح له بان يفتح فمه بكلمة تتكون من مادة اخلاق!! وحتى لو كنت حاذقا نبيها فلن تفترض هذا جدلا الا اذا كنت قادرا على الزامه باصل هو يقول به ويلتزم به، لان الاصل في مناظرة اللاديني حقيقة ربوبيته اولا اي كيف تأصيله لايمانه برب صانع قديم سرمدي، ثم في ظاهرة النبوة اممكنة هي ام واجبة ام مستحيلة. من الربوبيين من يؤمن بالعقل فالتقبيح والتحسين بالعقل، ومنهم الغنوصية يؤمنون بنور قلبي اذا تأله الانسان او تبوذ وعمل صالحا ينفجر النور ويصبح صالحا ومعلما وقدوة او حتى نبيا، ومنهم الداروينيون فالربوبي الدارويني لا يعترف بقيمة لفعل فالفعل اما انه يسهم في ( الحفاظ على البقاء ) او لا او مساهمة فعل غيره اصلح لان الواقع الان بيئة تناسبه اكثر.
ونحن نختلف معهم عند التفصيل لا في العناوين: 1) العقل عندنا مناط التكليف وبالعقل يكتسب الطالب مناهج اكتساب المعرفة من مصادرها ليكون طالبا للعلم ثم يطلب العلم ليصبح من الوعاظ ثم يطلب العلم ليصبح من الدعاة ثم يطلب العلم ليصبح فقيها او قارئا او حافظا او مربيا - حسب تخصصه - ثم يطلب العلم ليصبح شيخا فيما تفقه فيه ثم يطلب العلم ويناظر الشيوخ ان شاء ان يكون اماما في هذا الفقه، ثم يكتب العلم ويراجعه مع سبعين اماما، ثم يجتهد ويناظر الائمة في اجتهاداته، ثم اذا عُرفتْ استقامته كان من ورثة الانبياء يُستفتى. 2) الا في الجسد مضغة.. والفطرة.. والحكمة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده. 3) القواعد المعروفة في المصالح والمفاسد وفي رفع الحرج والضرورة تبيح المحظور وغيرها.
لكن في التفاصيل تسكن العفاريت، فلابد من التمييز بين الخصوم، ولابد من فحص للمقدمات، ولابد من مجال للالتزام المتبادل، اذ من لا اصل له يعلٌم ولا يحاور بله ان يجادل، ولابد ايضا من الرجوع المستمر الى المقدَّمات بفتح الدال من اوليات عقلية وعلاقات منهجية وموجهات جدلية.
وفي مناظرة اخرى بين مسلم ولاأدري: المسلم يقدم الادلة، واللأدري يستشكل الدليل ويضيف كل مرة استشكالات جديدة. لكن هذا يجوز في التعليم، وليس في المناظرة، لأن اللاأدري صاحب موقف يُطلب منه البرهان على لاأدريته فهل معرفة الرب الصانع القديم السرمدي ممكنة ام مستحيلة ؟ ان قال مستحيلة فالدليل، وان قال ممكنة فليقدم ما به يمكن اكتساب المعرفة لنناظره بها او لنردها عليه، فان قال المعرفة هذه ممكنة لكن لاادري كيف فليذهب الى المدرسة يتعلم
فقه المعرفة عاد يجي يتكلم، اذا دائما ما تنظر الى الخصم من اي نوع هو وكيف يفكر وما مواد تفكيره وما نهجه في تحريك تلك المواد.
وبمثال اخر واحد مسيحي يتفق معك على طول ان التثليث لا يثبت بالعقل ولا يمكن، فالعمدة الكتاب. او واحد يؤمن باله خلق صخرة لا يقدر على حملها يقول بالحكاية وليس بمعقولات يتكلم معك. هذا التنازل له في المناظرة بشرط ان تلزمه بحكايته ان دعواه مكذوبة: اين قال "يسوع" في الحكاية ( انا الله الظاهر في الجسد فاعبدني )؟ او اين قال " صخروهيم " في الحكاية ( هذه صخرتي خلقتها ولا اقدر على حملها )؟ اي تفترض معه جدلا ان النقل المنسوب الى معصوم يجوز فيه الاخلال بقاعدة عقلية صريحة نظمها سيدي السفاريني قائلا: ( بقدرة تعلقت بممكن /// كذا إرادة فع واستبن ) او ( فاعلمن واستبن ).
واخيرا سؤال تطبيقي: ايش هــــ(
محمد حجاب vs دىفيد وود )ــــذا ؟ مناظرة؟ مسخرة؟ مسرحية مثلا؟ مبارزة؟ شوشخادية؟