بسم1
تقرير الأسبوع العلمي الثاني
دراسات في تفسير الإمام ابن جرير الطبري
ضمن فعاليات "برنامج الأسابيع العلمية"، تنظم كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية، بالتعاون مع مركز تفسير للدراسات القرآنية (من الأحد 8 / 2 إلىالخميس 12 / 2 / 1436هـ) الأسبوع العلمي الثاني تحت عنوان:
دراسات في تفسير الإمام ابن جرير الطبري
افتتحت فعاليات الأسبوع بعد عشاء يوم الأحد بندوة عنوانها:
قراءة في مقدمة تفسير الإمام الطبري
شارك فيها كل من الأستاذ الدكتور/ نبيل بن حمد الجوهري، والأستاذ الدكتور/ محمود بن محمد الحنطور، الأستاذين بقسم التفسير وعلوم القرآن بالكلية، وأدارها الدكتور/ صالح بن ثنيان الثنيان، المحاضر بقسم التفسير وعلوم القرآن بالكلية أيضا.
قدم مدير الندوة بمقدمة حمد وثناء، وعرف بالأسبوع العلمي، وذكر رؤيته ورسالته وأهدافه، وشكر مركز تفسير على تعاونه الكريم.
واستفتح الندوة فضيلة أ.د. محمود الحنطور، فذكر أن الإمام الطبري رجل ملأ الدنيا وشغل الناس، وبين أنه سيقف ثلاث وقفات:
الأولى مع حياة الإمام الطبري، وذكر فيها لمحات من شخصية الإمام، وعناية والده به، وحبه للعلم منذ صغره، وشغفه بالكتابة والتأليف، وزهده وترفع نفسه عن سؤال الخلق.
الثانية: كيف كتب الإمام الطبري كتبه؟ وبين فضيلته أن الطبري شخصية منهجية منظمة؛ جمعت بين رواية ودراية وأصالة، وأشار فضيلته إلى منهجية الإمام في الرواية، وذكر أنه كان يحدد الموضوع، ثم يجمع المادة العلمية، ثم يبدأ في النظر والتقسيم، ثم يستحضر ما لديه من أحداث ووقائع، ثم يذكر النتيجة.
الثالثة: مع مقدمة تفسير الطبري، وذكر فضيلته أن التفسير في ثلاثين جزءاً، وأن الإمام اختصره في ثلاثة آلاف ورقة من أصل ثلاثين ألف ورقة، وأنه كان نابغة؛ ومن مظاهر ذلك أنه تعلم العروض في ليلة واحدة، وذكر فضيلته بعض القواعد التي سار عليها في تفسيره، وختم بشهادة شيخ الإسلام في حق هذا التفسير.
وجاء دور أ.د. نبيل الجوهري، فحصر كلمته في ثلاث قضايا:
الأولى: القرآن واللغة العربية، ناقش فيها مسألة: هل في القرآن الكريم كلمات غير عربية؟ وذكر أن الإمام الطبري يرى أن كل ما في القرآن عربي فصيح.
الثانية: الأحرف السبعة، وذكر فضيلته مذهب الإمام الطبري في أن ما عليه الناس هو حرف واحد من السبعة.
الثالثة: هل التفسير بيان المعنى فحسب؟ أم يتعداه إلى مسائل أخرى ، كبيات لغات العرب وأشعارهم وما إلى ذلك.
وذكر فضيلته في الختام العلم لا يعرف الترف، وأنه جهد وجد وهمة عالية، وكذلك كان الإمام الطبري، فقد مرت عليه أيام لم يكن يجد ما يأكل، رحمه الله ورضي عنه.
وبعد عشاء اليوم الموالي (يوم الاثنين) كان حضور الأسبوع العلمي على موعد مع محاضرة بعنوان:
التفسير بالمأثور عند الإمام الطبري
ألقاها فضيلة أ.د. ملفي ناعم الصاعدي، الأستاذ بقسم التفسير وعلوم القرآن بالكلية.
استهل فضيلته بالحديث عن التفسير بالمأثور، وعرف التفسير بأنه بيان كلام الله عز وجل، مشددا على أن المتصدي له يجب أن يكون حذرا خائفا محتاطا من الوقوع في الزلل، وأن السلف كانوا عندما يتكلمون في التفسير يتكلمون بحذر وبقدر الحاجة.
وبين فضيلته أن أعلى التفسير وأساسه هو التفسير بالمأثور، وهو تفسير القرآن بالقرآن، وبأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وبأقوال الصحابة وأقوال التابعين رضوان الله عليهم. وأن الصنف الآخر من التفسير هو التفسير بالرأي، وهو إن كان لا يصادم الأول كان محمودا، وإن كان يصادمه ويناقضه لا يكون محمودا.
وقرر فضيلته أن من أعظم المصادر وأجلها في التفسير بالمأثور تفسير الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله، وهو تأليف إمام جليل؛ كان جامعا لعلوم شتى، عارفا بالسنة، فقيها مؤرخا، عالما باللغة وبأساليب العرب،صاحب استقلالية رأي ونظر دقيق، ومن طالع تفسيره علم قدره.
وأشار فضيلته إن أن هذا التفسير حوى كثيرا من قواعد التفسير وقواعد الترجيح، وامتاز بسلامة العقيدة والبعد عن البدع، حتى حكى بعض أهل العلم إجماع الأمة على أنه لم يؤلف تفسير مثله.
وعدد فضيلته بعض سمات هذا الإمام في تفسيره، ومنها:
• أنه إذا رجح لا يخرج عن أقوال السلف أبدا.
• أنه بعيد عن التكلف والتعمق.
• أنه يبتعد عن شاذ الأقوال وغريبها.
• أنه يورد الإسرائيليات ويرد عليها في كثير من الأحيان.
وأورد فضيلته نماذج تطبيقية لمنهج الإمام في تفسيره بالمأثور؛ فمثل لضروب من تفسيره القرآن بالقرآن، كبيان المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وغير ذلك، ثم ساق أمثلة متعددة لمنهجه في تفسيره القرآن بالسنة، ثم مثل لتفسيره القرآن بأقوال الصحابة والتابعين، وذكر أن ذلك كثير في كتابه حتى لا تكاد تخلو منه صفحة.
وبين فضيلته أن الإمام الطبري قد يعجب بتفسير بعض الخلف المخالف لتفسير السلف، لكنه لا يأخذ به، وسرد فضيلته نماذج لذلك.
وختم بالتنبيه على أن الإمام لا يعتمد على المعاني اللغوية البعيدة أو الشاذة، ومثل لذلك بأمثلة من تفسيره.
وبعد عشاء اليوم الثالث من أيام الأسبوع العلمي (يوم الثلاثاء) قدم فضيلة الدكتور/ محمد بن عوض السهل، الأستاذ المشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن، محاضرة تحت عنوان:
موقف الإمام الطبري من النحاة
فافتتحها بالتعريف بالإمام؛ وذكر مولده، وبلده، وعناية والده به، وطلبه للعلم مبكرا، ورحلاته شرقا وغربا، ثم وفاته.
وذكر فضيلته أن الإمام ألف كتبا عظيمة النفع في فنون شتى، وأن تفسيره كان شيئا عجبا، حتى قال الإسفراييني رحمه الله: "لو سافر أحد إلى الصين في طلبه لما كان كثيرا".
وولج فضيلته صلب الموضوع، فبين أن من يطالع تفسير هذا الإمام يقف على ما له فيه من صولات وجولات مع النحو والنحويين؛ إذ فيه عن الخليل وسيبويه ولم يسمهما، وذكر بعض آراء يونس بن حبيب الضبي، وصرح باسم أبي جعفر الرؤاسي ونقل عنه، وكثيرا ما نقل عن معاني القرآن للكسائي، ومعاني القرآن للفراء تلميذ الكسائي، ومعاني القرآن للأخفش، ونقل عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ولم يصرح باسمه إلا قليلا، ونقل شيئا من آراء قطرب من غير تصريح باسمه، ونقل عن أبي العباس ثعلب ومدحه ووصفه بالحفظ.
ونبه فضيلته على أنه لكي ننسب الإمام إلى مذهب معين ينبغي أن ننظر في اختياراته النحوية، وأنه نظر فوجد الإمام كثيرا ما يختار آراء الكوفيين، حتى قال فيه ثعلب: "ذاك من حذاق الكوفيين".
وعلل فضيلته ميله لنحو الكوفة بصحبته لثعلب، ووجوده في مناطق نفوذ المذهب الكوفي.
ستعرض فضيلة الدكتور جملة من المصطلحات الكوفية التي استعملها ابن جرير، واستعرض ما يقابلها عند البصريين؛ كالإجراء ويقابله الصرف، والجحد ويقابله النفي، والكناية والمكني ويقابله الضمير، والعماد ويقابله ضمير الفصل، وغيرها من المصطلحات الكوفية.
وذكر فضيلته في المقابل أنه لا يكاد لا يوقف على مصطلحات بصرية عنده، ما عدا مصطلحات معدودة ؛كالحال والصفة والعطف.
وأوضح الدكتور أنه – رغم ما تقدم - تجده يخالف الكوفيين في كثير من الآراء، ويأخذ برأي البصريين.
وعرض فضيلته كثيرا من آراء الإمام الموافقة للكوفيين، وثنى بنماذج لآرائه التي استقل فيها عن الكوفيين والبصريين، وثلث بنماذج لآرائه التي خالف فيها الكوفيين وفاقا للبصريين، وبين أن اعتراضاته على الكوفيين يدل على عمق ودقة نظر.
واستخلص فضيلته أن الإمام يميل إلى الكوفيين؛ لتأثره بهم في الصغر، خصوصا أبا العباس ثعلب، لكنه لا يتعصب لهم ولا يجمد على رأيهم، ويخالفهم متى ما رأى الصواب عند غيرهم؛ وذلك لسعة علمه وثاقب نظره.
وفي سهرة اليوم الرابع قدم فضيلة الدكتور/ حسن بن أحمد العمري، الأستاذ المشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن، محاضرة بعنوان:
منهج الإمام الطبري في الترجيح بين الأقوال
في البداية استسمح الحاضرين في البوح بشعور ذكر أنه شعر به وهو يحرر مسائل المحاضرة، وذلك عناية الله - سبحانه - بتراث هذا الإمام الجليل أبي جعفر الطبري، وذكر فضيلته أن أيَّ مخلص يكتب لوجه الله - تعالى - حلمه أن ينتشر علمه حتى يبلغ الآفاق، وذكر بأنه بيننا وبين الإمام أكثر من (١٢٠٠) سنة ونحن اليوم نجتمع على مائدته، وتساءل كالمقر: وهل يوجد عالم اليوم وقبل اليوم تخلو مكتبته من تفسير الإمام ابن جرير؟ إنه الإخلاص لله عز وجل.
وبين فضيلة الدكتور أن الإمام الطبري أقام تفسيره على منحيين أساسيين:
1. المنحى الأثري.
2. المنحى النقدي، وهو ما يعرف اليوم بالتفسير المقارن، وهو متقدم عند علمائنا، والذي تأخر هو المصطلح. وحديث الليلة عن المنحى الثاني.
وأوضح فضيلته أن منهج الإمام في الترجيح يقوم على أسس أربع:
• الترجيح بالقرآن.
• الترجيح بالسنة.
• الترجيح بأقوال السلف.
• الترجيح بالاجتهاد.
وأن مجالات الترجيح بالقرآن عند ابن جرير كثيرة، منها:
• تتبع استعمال القرآن للفظة، ونبه هنا على أن ما يعرف بالتفسير البياني الذي تأخر تأصيله موجود عند الطبري.
• توضيح ما جاء مجملا في آية بما جاء مبينا في أخرى.
• تأكيد سعة معنى النص القرآني وشموله بما جاء صريحا في آية أخرى.
• التمسك بعموم النص القرآني، وعدم تخصيصه وتضييق معناه إلا بدليل.
وذكر صاحب الفضيلة أن الإمام الطبري ممن يضيقون في القول بالنسخ جدًّا، ولا يقول به إلا عند التعارض الواضح الذي لا يمكن معه الجمع.
ومثل فضيلته لمسالك الترجيح بالسنة النبوية عند الإمام بعدة أمثلة.
وذكر أن الإمام اهتم بالمنقول عن الصحابة وتابعيهم في التفسير اهتماما كبيرا، وما نقل عنهم مما أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه يوليه الإمام ابن جرير عناية خاصة، ومن منهجه أنه لا يعد مخالفة واحد أو اثنين خرقا للإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عن أقوال السلف وإحداث قول جديد في التفسير.
وأشار فضيلته إلى أن الترجيح بالاجتهاد والرأي عند الإمام ينضوي تحته أربعة أمور:
• ترجيح المعنى الظاهر من الآية.
• ترجيح ما يتفق مع اتساع المعنى وشموله.
• الترجيع على أساس مراعاة السياق.
• الترجيح مراعاة للغة العرب.
ومثل لكل بأمثلة من تفسير الإمام رحمه الله.
وختم فضيلته بالتنبيه على أن الإمام الطبري لا يتوسع كثيرا في المباحث اللغة، بل يأخذ منها قدر الحاجة وبما يخدم التفسير والمعنى.
ومسك ختام الأسبوع العلمي كان بعد مغرب يوم الخميس (12 / 2 / 1436هـ) بمحاضرة تحت عنوان:
الأسانيد في جامع الإمام الطبري
ألقاها فضيلة أ.د. حكمت بن بشير ياسين، الأستاذ بقسم التفسير وعلوم القرآن.
قدم فضيلته بمقدمة ذكر فيها أن التفسير بالسنة والأثر انتشر في الجزيرة العربية بمعية القراءات والمصاحف العثمانية، ثم انتشر بعد ذلك في مشارق الأرض ومغاربها، مما أدى إلى ظهور عدد من رواة التفسير، منهم الأثبات، ومنهم الضعاف.
ومثل فضيلته لمجموعة من الأسانيد الضعيفة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر أن الأسانيد التي وردت عن التابعين وأتباعهم دونت في كتب التفسير المتقدمة، كتفسير الثوري، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق الصنعاني، وغيرهم، وتلك الكتب أخذ منها الإمام الطبري، فدراستنا لأسانيده دراسة لأسانيد تلك الكتب.
وقسم فضيلته الأسانيد إلى قسمين:
• الأول: الميسر في الحكم.
• الثاني: الذي فيه دقة وتفصيل.
واستعرض فضيلته أمثلة للقسمين من خلال تفسير الإمام الطبري رحمه الله.
وعدد فضيلته بعض الطرق الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومنها: طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهي الصحيفة المعروفة، وطريق سعيد بن جبير، وطريق محمد بن أبي محمد، وطريق معاوية بن صالح، وطريق محمد بن إسحاق، وغيرهم. وذكر بعض الطريق الضعيفة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وختم فضيلته بذكر أشهر الطرق عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة، رحم الله الجميع.
هذا، ومما أسهم في إنجاح هذا الأسبوع العلمي التعاون المثمر مع مركز تفسير للدراسات القرآنية، الذي تكفل بالتوثيق التلفزيوني عالي الجودة لكل فعاليات الأسبوع، وتولى البث المباشر عبر موقع الكلية على (يوتيوب) وموقع مركز تفسير، وأمن كتبًا قيمة من آخر إصداراته؛ وزعت على الطلاب في سحوبات كانت تجرى يوميًا بعد انتهاء كل محاضرة.
وتميز هذا الأسبوع بالحضور الكثيف من قبل الباحثين وطلبة العلم الذين امتلأت بهم قاعة المناقشات، مما استدعى الاستعانة بقاعة أخرى مجاورة تم نقل المحاضرات إليها عن طريق البث المباشر.
كلية القرآن الكريم تنظم الأسبوع العلمي الثاني