محمد بن جماعة
New member
- إنضم
- 23/01/2007
- المشاركات
- 1,211
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 38
- الإقامة
- كندا
- الموقع الالكتروني
- www.muslimdiversity.net
هل هذا مكمن الداء؟
د. عبد الكريم بكار
24/8/1428 - 06/09/2007
المصدر: موقع الإسلام اليوم
أنا لا أرتاب في أن الوضع العام لأمة الإسلام اليوم أفضل بكثير مما كان عليه الحال قبل ثلاثمائة أو أربعمائة عام، نعم إن الوضع العالمي للأمة قبل خمسة أو ستة قرون كان أفضل لأن الغرب في ذلك الوقت كان ممزقًا ومتخلفًا ومرتبكًا ارتباكًا عظيمًا في تصريف أموره ورعاية شؤونه الخاصة، لكن الذي طالما أقلقني هو ذلك التأرجح الذي طال أمده بين السيِّئ والجيد، وبين الصالح والطالح والمتقدم والمتخلف... حالة أو وضعية، أفضل ما يمكن وصفها به هي أنها (بين بين) فالواضح أن أمة الإسلام –على نحو عام- كانت تستطيع دائمًا تجنب حدوث الأسوأ في حياتها، فهي لم تشهد حملات للتطهير العرقي يذهب فيها الملايين، ولم تشهد حملات تهجير واسعة بسبب اختلاف الدين أو العرق أو الوضعية المالية، كما أن الأخلاق الفردية السيئة والانحرافات السلوكية الممقوتة لا تجد مجالاً للظهور والاستقرار كما حدث عند الأمم الأخرى، وذلك بفضل الإيمان وممارسة أخيار الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبفضل النظم العامة السارية، والتي كانت تخفف إلى حد بعيد من انتشار الفواحش والأغلاط الكبيرة في المجتمعات الإسلامية... ونجد إلى جانب هذا أن الأمة لم تكن -وما زالت- تستجيب على نحو حسن للمنهج الرباني الذي أكرمها الله -تعالى- به. لا شك أننا فعلنا الكثير، وقدمنا الكثير من النماذج الرائعة والفريدة في كل مجالات الحياة، لكن ذلك لم يكن يمثل أكثر من 5% مما يمكن أن نفعله، ومما ينبغي أن نفعله. أمة الإسلام ذات تراث وتاريخ وحضور مستطيل في الزمان ومستعرض في المكان، وهذا يعني أن تكون ثرية جدًا بالنماذج العلمية والأخلاقية والمشروعات الحضارية، لكن الواقع المعيش والواقع التاريخ الغابر لا يدلان على ذلك، فنحن إذا جئنا إلى علم الاجتماع -مثلاً- لا نجد من العلماء الذين يمكن أن نتحدث عنهم على المستوى العالمي سوى اثنين أو ثلاثة، أي لم نستطع تأسيس مدارس في هذا العلم كما فعلنا في الفقه والتفسير واللغة. وإذا جئنا إلى علم النفس واجهنا المشكلة نفسها، وقل مثل هذا في العديد من العلوم... وإذا جئنا إلى الأوقاف والأعمال الخيرية لم نجد في تاريخها الطويل مؤسسات وقفية كبيرة وعظيمة سوى ثلاثين أو أربعين، وبحسب إمكانات الأمة فإن هذا العدد يمكن أن يتوفر في دولتين أو ثلاث عبر قرن واحد! وكنت دائمًا أتساءل: لو لم يكن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز موجودين في تاريخنا السياسي، فكيف سنحدّث طلاب المدارس عن العدل والزهد في المنصب والتفاني في خدمة الأمة؟! ولو أننا لم نحظ بعشرين أو ثلاثين من قادة الفتوح العظام، فكيف سنتحدث عن التخطيط العسكري وعن القيادة العسكرية المحنّكة؟! ولو حذفنا من مؤسساتنا التعليمية ستًا أو سبعًا من جامعاتنا العملاقة مثل الأزهر والزيتونة، فإننا لن نجد إلاّ معاهد أو مدارس من الدرجة الثالثة، ولو ولو....
لا أقصد من هذا التهوين مما فعله الآباء والأجداد، ولكن أود أن نضع إصبعنا على الجرح، ونتلمّس جذور مشكلاتنا، وإن كان ذلك مؤلمًا. حين لا يقع لديك الأسوأ فإنك تفقد المحرِّض على فعل الأجود؛ إذ يتلهى الوعي، ويجد العزاء في أننا لسنا أقل من غيرنا، وتحدث عمليات من التحايل الشعوري، تؤدي في نهاية المطاف إلى أن نكون عاديين وغير فعّالين.
مشكلة ما زالت مستمرة إلى اليوم على الصعيد الفردي وعلى الصعيد المؤسسي. على الصعيد الفردي فإننا إذا جئنا إلى نسبة عالية من شباب المسلمين، فإننا نجد أنهم لا يقعون في رذائل الخمور والمخدرات والزنا والقمار والربا وشهادة الزور وعقوق الوالدين... وهذا شيء عظيم، لكن تجد أكثر هؤلاء لا يحافظون على الصلاة في أوقاتها، وقليل منهم من يصليها في المسجد، أو يداوم على قراءة القرآن الكريم بشكل يومي، أو يقدم نموذجًا في الجد والاجتهاد وفعل الخير، إنهم ليسوا سيئين كبعض شباب أوروبا، وليسوا متفوقين وجادين كالبعض الآخر منهم!
وإذا جئنا إلى شباب الصحوة، والذين يشكلون بحق الرافعة الاجتماعية، كما يشكلون جزءًا كبيرًا من صفوة شباب الأمة، فإننا نجد أن أكثر من 80% لا يقدم الواحد منهم من وقته ساعة يوميًا في الدعوة إلى الله -تعالى- أو في خدمة قضية أو مصلحة عامة، ولديهم بعض الأمراض الخلقية والاجتماعية الموجودة في بيئاتهم....
فإنني إذ أتحدث بهذا أستلهم ما عبر عنه الخليفة الراشد عمر –رضي الله عنه- حين خاف من تراجع سوية التدين حين ينشأ في الإسلام أقوام لم يعرفوا الجاهلية، وقد حدث ذلك، وما زال يحدث، فنحن إذ لم نشاهد الأشياء السيئة، لا نعمل على توفير الشروط والمطالب لفعل الأشياء العظيمة!
ما العمل؟
1- علينا أن نهتم بالكيف، ونعمل على إيجاد مؤسسات ومشروعات وأنشطة تعكس الأخلاقية الإسلامية، وتكون متقنة ومتقدمة إلى درجة الإثارة على المستوى العالمي، وهذا طبعًا ليس سهلاً لكنه ممكن.
2- أن ننفتح على النماذج الرفيعة في تراثنا، وعلى النماذج الرفيعة في حياتنا المعاصرة سواء أكانت إسلامية أم غير إسلامية، وذلك حتى نتعلم كيف يتم صنع الأفضل وعمل الأجود.
3- أن نمتلك الطموحات العالية وغير المحدودة لدفع هذه الأمة إلى الصف الأول في كل مجالات الحياة، فأمة الإسلام تستحق ذلك، وهي قادرة بإذن الله -تعالى- على إنجاز الكثير منه.
4- أن نشرِّح العوامل والأسباب النفسية والسياسية والاجتماعية التي جعلتنا لا نفعل الأحسن والأجود على نطاق واسع.
وهذا يحتاج إلى مؤسسة علمية مرموقة تبحث، وتستنتج، وتنشر، وتعلِّم...
والله الموفق.
د. عبد الكريم بكار
24/8/1428 - 06/09/2007
المصدر: موقع الإسلام اليوم
أنا لا أرتاب في أن الوضع العام لأمة الإسلام اليوم أفضل بكثير مما كان عليه الحال قبل ثلاثمائة أو أربعمائة عام، نعم إن الوضع العالمي للأمة قبل خمسة أو ستة قرون كان أفضل لأن الغرب في ذلك الوقت كان ممزقًا ومتخلفًا ومرتبكًا ارتباكًا عظيمًا في تصريف أموره ورعاية شؤونه الخاصة، لكن الذي طالما أقلقني هو ذلك التأرجح الذي طال أمده بين السيِّئ والجيد، وبين الصالح والطالح والمتقدم والمتخلف... حالة أو وضعية، أفضل ما يمكن وصفها به هي أنها (بين بين) فالواضح أن أمة الإسلام –على نحو عام- كانت تستطيع دائمًا تجنب حدوث الأسوأ في حياتها، فهي لم تشهد حملات للتطهير العرقي يذهب فيها الملايين، ولم تشهد حملات تهجير واسعة بسبب اختلاف الدين أو العرق أو الوضعية المالية، كما أن الأخلاق الفردية السيئة والانحرافات السلوكية الممقوتة لا تجد مجالاً للظهور والاستقرار كما حدث عند الأمم الأخرى، وذلك بفضل الإيمان وممارسة أخيار الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبفضل النظم العامة السارية، والتي كانت تخفف إلى حد بعيد من انتشار الفواحش والأغلاط الكبيرة في المجتمعات الإسلامية... ونجد إلى جانب هذا أن الأمة لم تكن -وما زالت- تستجيب على نحو حسن للمنهج الرباني الذي أكرمها الله -تعالى- به. لا شك أننا فعلنا الكثير، وقدمنا الكثير من النماذج الرائعة والفريدة في كل مجالات الحياة، لكن ذلك لم يكن يمثل أكثر من 5% مما يمكن أن نفعله، ومما ينبغي أن نفعله. أمة الإسلام ذات تراث وتاريخ وحضور مستطيل في الزمان ومستعرض في المكان، وهذا يعني أن تكون ثرية جدًا بالنماذج العلمية والأخلاقية والمشروعات الحضارية، لكن الواقع المعيش والواقع التاريخ الغابر لا يدلان على ذلك، فنحن إذا جئنا إلى علم الاجتماع -مثلاً- لا نجد من العلماء الذين يمكن أن نتحدث عنهم على المستوى العالمي سوى اثنين أو ثلاثة، أي لم نستطع تأسيس مدارس في هذا العلم كما فعلنا في الفقه والتفسير واللغة. وإذا جئنا إلى علم النفس واجهنا المشكلة نفسها، وقل مثل هذا في العديد من العلوم... وإذا جئنا إلى الأوقاف والأعمال الخيرية لم نجد في تاريخها الطويل مؤسسات وقفية كبيرة وعظيمة سوى ثلاثين أو أربعين، وبحسب إمكانات الأمة فإن هذا العدد يمكن أن يتوفر في دولتين أو ثلاث عبر قرن واحد! وكنت دائمًا أتساءل: لو لم يكن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز موجودين في تاريخنا السياسي، فكيف سنحدّث طلاب المدارس عن العدل والزهد في المنصب والتفاني في خدمة الأمة؟! ولو أننا لم نحظ بعشرين أو ثلاثين من قادة الفتوح العظام، فكيف سنتحدث عن التخطيط العسكري وعن القيادة العسكرية المحنّكة؟! ولو حذفنا من مؤسساتنا التعليمية ستًا أو سبعًا من جامعاتنا العملاقة مثل الأزهر والزيتونة، فإننا لن نجد إلاّ معاهد أو مدارس من الدرجة الثالثة، ولو ولو....
لا أقصد من هذا التهوين مما فعله الآباء والأجداد، ولكن أود أن نضع إصبعنا على الجرح، ونتلمّس جذور مشكلاتنا، وإن كان ذلك مؤلمًا. حين لا يقع لديك الأسوأ فإنك تفقد المحرِّض على فعل الأجود؛ إذ يتلهى الوعي، ويجد العزاء في أننا لسنا أقل من غيرنا، وتحدث عمليات من التحايل الشعوري، تؤدي في نهاية المطاف إلى أن نكون عاديين وغير فعّالين.
مشكلة ما زالت مستمرة إلى اليوم على الصعيد الفردي وعلى الصعيد المؤسسي. على الصعيد الفردي فإننا إذا جئنا إلى نسبة عالية من شباب المسلمين، فإننا نجد أنهم لا يقعون في رذائل الخمور والمخدرات والزنا والقمار والربا وشهادة الزور وعقوق الوالدين... وهذا شيء عظيم، لكن تجد أكثر هؤلاء لا يحافظون على الصلاة في أوقاتها، وقليل منهم من يصليها في المسجد، أو يداوم على قراءة القرآن الكريم بشكل يومي، أو يقدم نموذجًا في الجد والاجتهاد وفعل الخير، إنهم ليسوا سيئين كبعض شباب أوروبا، وليسوا متفوقين وجادين كالبعض الآخر منهم!
وإذا جئنا إلى شباب الصحوة، والذين يشكلون بحق الرافعة الاجتماعية، كما يشكلون جزءًا كبيرًا من صفوة شباب الأمة، فإننا نجد أن أكثر من 80% لا يقدم الواحد منهم من وقته ساعة يوميًا في الدعوة إلى الله -تعالى- أو في خدمة قضية أو مصلحة عامة، ولديهم بعض الأمراض الخلقية والاجتماعية الموجودة في بيئاتهم....
فإنني إذ أتحدث بهذا أستلهم ما عبر عنه الخليفة الراشد عمر –رضي الله عنه- حين خاف من تراجع سوية التدين حين ينشأ في الإسلام أقوام لم يعرفوا الجاهلية، وقد حدث ذلك، وما زال يحدث، فنحن إذ لم نشاهد الأشياء السيئة، لا نعمل على توفير الشروط والمطالب لفعل الأشياء العظيمة!
ما العمل؟
1- علينا أن نهتم بالكيف، ونعمل على إيجاد مؤسسات ومشروعات وأنشطة تعكس الأخلاقية الإسلامية، وتكون متقنة ومتقدمة إلى درجة الإثارة على المستوى العالمي، وهذا طبعًا ليس سهلاً لكنه ممكن.
2- أن ننفتح على النماذج الرفيعة في تراثنا، وعلى النماذج الرفيعة في حياتنا المعاصرة سواء أكانت إسلامية أم غير إسلامية، وذلك حتى نتعلم كيف يتم صنع الأفضل وعمل الأجود.
3- أن نمتلك الطموحات العالية وغير المحدودة لدفع هذه الأمة إلى الصف الأول في كل مجالات الحياة، فأمة الإسلام تستحق ذلك، وهي قادرة بإذن الله -تعالى- على إنجاز الكثير منه.
4- أن نشرِّح العوامل والأسباب النفسية والسياسية والاجتماعية التي جعلتنا لا نفعل الأحسن والأجود على نطاق واسع.
وهذا يحتاج إلى مؤسسة علمية مرموقة تبحث، وتستنتج، وتنشر، وتعلِّم...
والله الموفق.