محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ؛ وبعد:
فلباس المرأة المسلمة وسام على صدرها ، لأن الله تعالى هو الذي فرضه عليها ، وهذا تشريف عظيم للمسلمة ؛ وبيان واضح بأن هذا اللباس هو الخير كل الخير للمرأة ، بل للمجتمع كله ، لأن الله تعالى الذي خلق الذكر والأنثى ورَكَّب في كلٍ ما يختص به ، ويعلم ما يصلحهما وما يفسدهما ؛ هو سبحانه الذي أمر النساء بهذا الحجاب .
أفلا يسائل العاقل نفسه : لماذا لم يذكر القرآن العظيم حدودًا للباس الرجل ، كما ذكر للمرأة ؟ أو بعبارة أخرى : لماذا خصت المرأة دون الرجل بذكر هذا اللباس ؟ إنه زيادة اعتناء بالمرأة المسلمة لتتميز بطاعتها لربها عن غيرها من النساء ؛ والأمر الثاني : إن طبيعة المرأة – في حقيقة الأمر – تقتضي هذا الستر الذي أمر الله تعالى به ؛ ولا ينازع في هذا إلا مكابر .
فقد خلقت المرأة بطبيعة خاصة ، لوظيفة خاصة في عمارة الأرض ، كما خلق الرجل بطبيعة خاصة ولوظيفة خاصة في عمارة الأرض ؛ وجبل كل منهما على صفات تناسب ما خلق له ؛ فالرجل للكد والسعي ومعالجة المشاق ، ودفع ما يتهدد الأسرة من أخطار ، فخلق الله فيه ما يحتاجه لذلك من القوة البدنية والقوة العقلية والجلد مما يناسب ما خلق له ؛ وأما المرأة فخلقت لاستكمال أسباب هذه العمارة ، بما يكون من أمر الحمل والولادة ورعاية الزوج وتربية الولد ؛ وهي مهمة عظيمة لا تقل أهميتها عن مهمة الرجل في الحياة ، وجبلت على صفات تناسب ذلك من العاطفة والرقة والحسن والحنان ، ومن التركيب العضوي الذي يعينها على وظيفتها ، مثل ضعف جهازها العصبي الذي يقلل إحساسها بآلام الحمل والوضع ، وفيها ضعف يناسب ما خلقت له ، هكذا أرادها خالقها ، وهكذا لا تخرج المرأة عنها مهما حاولت ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e اللَّهُمَّ : " إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ " ( [1] ) ؛ أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما ، فأحذره من ذلك تحذيرًا بليغًا وأزجره زجرًا أكيدًا ، ذكره النووي ؛ وقال غيره : أضيقه وأحرمه على من ظلمهما ( [2] ) ؛ ومع هذا ففيها -أيضًا -مما جبلت عليه ليجذب الرجال إليها ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
قد شاع قول العرب في الضعيف : لحم على وضم ؛ ويقال لمن ليس فيه دفع فهو مطموع فيه : إنه لحم على وضمٍ ؛ والوَضَم : الخَشَبة أو البَارية التي يُوضَع عليه اللحم تَقيه من الأرض لئلا يتترب ( [3] ) ؛ وهو ما دام على الوضم لا يمنع من تناوله أحد ؛ وخطب عمر t الناس فقال : ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرًا وساده عند امرأة مغيبة ، يتحدث إليها ، وتتحدث إليه؟ عليكم بالجنبة ( [4] ) فإنها عفاف ، فإنما النساء لحم على وضم إلا ما ذبَّ عنه.
قال الأزهري : إنما خَصَّ اللحمَ على الوَضَم وشَبَّه به النساء لأنَّ من عادة العَرب إذا نُحِر بَعيرٌ لجماعة يَقتَسمون لَحمه أن يَقْلَعُوا شَجَراً ويُوضَم بعضُه على بعض ، ويُعَضَّى اللحمُ ، ويُوضَع عليه ثم يُلْقَى لَحمُه عن عُرَاقه ، ويُقَط كلُّ واحدٍ قِسْمه عن الوَضَم إلى بَيْتِه ، ولم يَعْرِض له أحد ؛ فشَبَّه عُمر النِساءَ وقلَّةَ امتناعِهنّ على طُلابِهنّ من الرجال باللحم ما دامَ على الوَضَم .
أي : فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه ويُدْفَعَ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهَا وَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا ، وَإِنَّمَا تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَحْفُوظَةً بِالْحَافِظِ من محارمها أو زوجها ، وَالِاسْتِحْيَاءِ ؛ فإذا فقدت أحدهما قل حفظها ، وإذا فقدت الاثنان ضاعت بين أنياب الذئاب ؛ فإذا خرجت متبرجة ينظر إليها الرجال ، صارت مطمعًا لأصحاب النفوس الضعيفة والقلوب المريضة : أهل الشهوات ؛ قال القحطاني في نونيته :
قال ابن العربي – رحمه الله : النساء لحم على وضم ، كل أحد يشتهيهن ، وهن لا مدفع عندهن ؛ بل الاسترسال فيهن أقرب من الاعتصام ، فحصَّن الله عليهن بالحجاب ، وقطع الكلام ، وحرَّم السلام ، وباعد الأشباح إلا مع من يستبيحها وهو الزوج ، أو يمنع منها وهو أولو المحارم ، ولما لم يكن بد من تصرفهن أذن لهن فيه بشرط صحبة من يحميهن ، وذلك في مكان المخالفة وهو السفر ، مقر الخلوة ومعدن الوحدة .ا.هـ ( [5] ) . قال ابن تيمية -رحمه الله - في ( شرح عمدة الفقه ) في حكمة منع المرأة من السفر إلا مع ذي محرم منها : ذلك فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق ؛ وحكمته ظاهرة ، فإن النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه ؛ والمرأة معرضة في السفر للصعود والنزول والبروز ، محتاجة إلى من يعالجها ، ويمس بدنها ؛ تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيم يقوم عليهن ، وغير المحرم لا يؤمن ولو كان أتقى الناس ، فإن القلوب سريعة التقلب ، والشيطان بالمرصاد ، وقد قال النبي e : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " .ا.هـ .
وقد فرض الله تعالى على المسلمات حفظا لهم وصيانة لأعراضهن الحجاب ، والتزام المرأة المسلمة به دليل على صدق إيمانها ، ونجاة لها من عذاب ربها .
ولما أصبحنا في زمان يتزعم فيه البعض تشويه كل جميل ، والحرب على كل فضيلة ؛ رأينا من يحمل لواء الحرب على حجاب المرأة المسلمة ، وهو في الحقيقة يحارب رب العباد Y من حيث لا يشعر ، ووالله ليس له قِبَلُ بنتيجة ذلك .
[1] - رواه أحمد : 2 / 439 ؛ النسائي في الكبرى ( 9149 ) ، وابن ماجة ( 3678 ) ، وإسناده صحيح ؛ ورواه ابن حبان ( 5565 ) والحاكم : 4 / 128 ، وصححه بلفظ : " أحرج مال الضعيفين .. " ؛ ورواه النسائي أيضًا ( 9150 ) عن أبي شريح الخزاعي .
[2] - نقلا عن فيض القدير : 3 / 20 .
[3] - انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة و ض م ) ، ولسان العرب باب الميم فصل الواو .
[4] - أي اجتنبوا ذلك ، فإنه أدعى للعفاف .
[5] - نقلا عن فيض القدير : 6 / 516 .
فلباس المرأة المسلمة وسام على صدرها ، لأن الله تعالى هو الذي فرضه عليها ، وهذا تشريف عظيم للمسلمة ؛ وبيان واضح بأن هذا اللباس هو الخير كل الخير للمرأة ، بل للمجتمع كله ، لأن الله تعالى الذي خلق الذكر والأنثى ورَكَّب في كلٍ ما يختص به ، ويعلم ما يصلحهما وما يفسدهما ؛ هو سبحانه الذي أمر النساء بهذا الحجاب .
أفلا يسائل العاقل نفسه : لماذا لم يذكر القرآن العظيم حدودًا للباس الرجل ، كما ذكر للمرأة ؟ أو بعبارة أخرى : لماذا خصت المرأة دون الرجل بذكر هذا اللباس ؟ إنه زيادة اعتناء بالمرأة المسلمة لتتميز بطاعتها لربها عن غيرها من النساء ؛ والأمر الثاني : إن طبيعة المرأة – في حقيقة الأمر – تقتضي هذا الستر الذي أمر الله تعالى به ؛ ولا ينازع في هذا إلا مكابر .
فقد خلقت المرأة بطبيعة خاصة ، لوظيفة خاصة في عمارة الأرض ، كما خلق الرجل بطبيعة خاصة ولوظيفة خاصة في عمارة الأرض ؛ وجبل كل منهما على صفات تناسب ما خلق له ؛ فالرجل للكد والسعي ومعالجة المشاق ، ودفع ما يتهدد الأسرة من أخطار ، فخلق الله فيه ما يحتاجه لذلك من القوة البدنية والقوة العقلية والجلد مما يناسب ما خلق له ؛ وأما المرأة فخلقت لاستكمال أسباب هذه العمارة ، بما يكون من أمر الحمل والولادة ورعاية الزوج وتربية الولد ؛ وهي مهمة عظيمة لا تقل أهميتها عن مهمة الرجل في الحياة ، وجبلت على صفات تناسب ذلك من العاطفة والرقة والحسن والحنان ، ومن التركيب العضوي الذي يعينها على وظيفتها ، مثل ضعف جهازها العصبي الذي يقلل إحساسها بآلام الحمل والوضع ، وفيها ضعف يناسب ما خلقت له ، هكذا أرادها خالقها ، وهكذا لا تخرج المرأة عنها مهما حاولت ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e اللَّهُمَّ : " إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ " ( [1] ) ؛ أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما ، فأحذره من ذلك تحذيرًا بليغًا وأزجره زجرًا أكيدًا ، ذكره النووي ؛ وقال غيره : أضيقه وأحرمه على من ظلمهما ( [2] ) ؛ ومع هذا ففيها -أيضًا -مما جبلت عليه ليجذب الرجال إليها ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
قد شاع قول العرب في الضعيف : لحم على وضم ؛ ويقال لمن ليس فيه دفع فهو مطموع فيه : إنه لحم على وضمٍ ؛ والوَضَم : الخَشَبة أو البَارية التي يُوضَع عليه اللحم تَقيه من الأرض لئلا يتترب ( [3] ) ؛ وهو ما دام على الوضم لا يمنع من تناوله أحد ؛ وخطب عمر t الناس فقال : ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرًا وساده عند امرأة مغيبة ، يتحدث إليها ، وتتحدث إليه؟ عليكم بالجنبة ( [4] ) فإنها عفاف ، فإنما النساء لحم على وضم إلا ما ذبَّ عنه.
قال الأزهري : إنما خَصَّ اللحمَ على الوَضَم وشَبَّه به النساء لأنَّ من عادة العَرب إذا نُحِر بَعيرٌ لجماعة يَقتَسمون لَحمه أن يَقْلَعُوا شَجَراً ويُوضَم بعضُه على بعض ، ويُعَضَّى اللحمُ ، ويُوضَع عليه ثم يُلْقَى لَحمُه عن عُرَاقه ، ويُقَط كلُّ واحدٍ قِسْمه عن الوَضَم إلى بَيْتِه ، ولم يَعْرِض له أحد ؛ فشَبَّه عُمر النِساءَ وقلَّةَ امتناعِهنّ على طُلابِهنّ من الرجال باللحم ما دامَ على الوَضَم .
أي : فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه ويُدْفَعَ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهَا وَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا ، وَإِنَّمَا تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَحْفُوظَةً بِالْحَافِظِ من محارمها أو زوجها ، وَالِاسْتِحْيَاءِ ؛ فإذا فقدت أحدهما قل حفظها ، وإذا فقدت الاثنان ضاعت بين أنياب الذئاب ؛ فإذا خرجت متبرجة ينظر إليها الرجال ، صارت مطمعًا لأصحاب النفوس الضعيفة والقلوب المريضة : أهل الشهوات ؛ قال القحطاني في نونيته :
إن الرجال الناظرين إلى النسا ... مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحومَ أُسُوْدُها ... أكلت بلا عوض ولا أثمان
وقد فرض الله تعالى على المسلمات حفظا لهم وصيانة لأعراضهن الحجاب ، والتزام المرأة المسلمة به دليل على صدق إيمانها ، ونجاة لها من عذاب ربها .
ولما أصبحنا في زمان يتزعم فيه البعض تشويه كل جميل ، والحرب على كل فضيلة ؛ رأينا من يحمل لواء الحرب على حجاب المرأة المسلمة ، وهو في الحقيقة يحارب رب العباد Y من حيث لا يشعر ، ووالله ليس له قِبَلُ بنتيجة ذلك .
[1] - رواه أحمد : 2 / 439 ؛ النسائي في الكبرى ( 9149 ) ، وابن ماجة ( 3678 ) ، وإسناده صحيح ؛ ورواه ابن حبان ( 5565 ) والحاكم : 4 / 128 ، وصححه بلفظ : " أحرج مال الضعيفين .. " ؛ ورواه النسائي أيضًا ( 9150 ) عن أبي شريح الخزاعي .
[2] - نقلا عن فيض القدير : 3 / 20 .
[3] - انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة و ض م ) ، ولسان العرب باب الميم فصل الواو .
[4] - أي اجتنبوا ذلك ، فإنه أدعى للعفاف .
[5] - نقلا عن فيض القدير : 6 / 516 .