دعوة للتأمل

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ؛ وبعد:
فلباس المرأة المسلمة وسام على صدرها ، لأن الله تعالى هو الذي فرضه عليها ، وهذا تشريف عظيم للمسلمة ؛ وبيان واضح بأن هذا اللباس هو الخير كل الخير للمرأة ، بل للمجتمع كله ، لأن الله تعالى الذي خلق الذكر والأنثى ورَكَّب في كلٍ ما يختص به ، ويعلم ما يصلحهما وما يفسدهما ؛ هو سبحانه الذي أمر النساء بهذا الحجاب .
أفلا يسائل العاقل نفسه : لماذا لم يذكر القرآن العظيم حدودًا للباس الرجل ، كما ذكر للمرأة ؟ أو بعبارة أخرى : لماذا خصت المرأة دون الرجل بذكر هذا اللباس ؟ إنه زيادة اعتناء بالمرأة المسلمة لتتميز بطاعتها لربها عن غيرها من النساء ؛ والأمر الثاني : إن طبيعة المرأة – في حقيقة الأمر – تقتضي هذا الستر الذي أمر الله تعالى به ؛ ولا ينازع في هذا إلا مكابر .
فقد خلقت المرأة بطبيعة خاصة ، لوظيفة خاصة في عمارة الأرض ، كما خلق الرجل بطبيعة خاصة ولوظيفة خاصة في عمارة الأرض ؛ وجبل كل منهما على صفات تناسب ما خلق له ؛ فالرجل للكد والسعي ومعالجة المشاق ، ودفع ما يتهدد الأسرة من أخطار ، فخلق الله فيه ما يحتاجه لذلك من القوة البدنية والقوة العقلية والجلد مما يناسب ما خلق له ؛ وأما المرأة فخلقت لاستكمال أسباب هذه العمارة ، بما يكون من أمر الحمل والولادة ورعاية الزوج وتربية الولد ؛ وهي مهمة عظيمة لا تقل أهميتها عن مهمة الرجل في الحياة ، وجبلت على صفات تناسب ذلك من العاطفة والرقة والحسن والحنان ، ومن التركيب العضوي الذي يعينها على وظيفتها ، مثل ضعف جهازها العصبي الذي يقلل إحساسها بآلام الحمل والوضع ، وفيها ضعف يناسب ما خلقت له ، هكذا أرادها خالقها ، وهكذا لا تخرج المرأة عنها مهما حاولت ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e اللَّهُمَّ : " إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ " ( [1] ) ؛ أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما ، فأحذره من ذلك تحذيرًا بليغًا وأزجره زجرًا أكيدًا ، ذكره النووي ؛ وقال غيره : أضيقه وأحرمه على من ظلمهما ( [2] ) ؛ ومع هذا ففيها -أيضًا -مما جبلت عليه ليجذب الرجال إليها ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
قد شاع قول العرب في الضعيف : لحم على وضم ؛ ويقال لمن ليس فيه دفع فهو مطموع فيه : إنه لحم على وضمٍ ؛ والوَضَم : الخَشَبة أو البَارية التي يُوضَع عليه اللحم تَقيه من الأرض لئلا يتترب ( [3] ) ؛ وهو ما دام على الوضم لا يمنع من تناوله أحد ؛ وخطب عمر t الناس فقال : ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرًا وساده عند امرأة مغيبة ، يتحدث إليها ، وتتحدث إليه؟ عليكم بالجنبة ( [4] ) فإنها عفاف ، فإنما النساء لحم على وضم إلا ما ذبَّ عنه.
قال الأزهري : إنما خَصَّ اللحمَ على الوَضَم وشَبَّه به النساء لأنَّ من عادة العَرب إذا نُحِر بَعيرٌ لجماعة يَقتَسمون لَحمه أن يَقْلَعُوا شَجَراً ويُوضَم بعضُه على بعض ، ويُعَضَّى اللحمُ ، ويُوضَع عليه ثم يُلْقَى لَحمُه عن عُرَاقه ، ويُقَط كلُّ واحدٍ قِسْمه عن الوَضَم إلى بَيْتِه ، ولم يَعْرِض له أحد ؛ فشَبَّه عُمر النِساءَ وقلَّةَ امتناعِهنّ على طُلابِهنّ من الرجال باللحم ما دامَ على الوَضَم .
أي : فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه ويُدْفَعَ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهَا وَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا ، وَإِنَّمَا تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَحْفُوظَةً بِالْحَافِظِ من محارمها أو زوجها ، وَالِاسْتِحْيَاءِ ؛ فإذا فقدت أحدهما قل حفظها ، وإذا فقدت الاثنان ضاعت بين أنياب الذئاب ؛ فإذا خرجت متبرجة ينظر إليها الرجال ، صارت مطمعًا لأصحاب النفوس الضعيفة والقلوب المريضة : أهل الشهوات ؛ قال القحطاني في نونيته :
إن الرجال الناظرين إلى النسا ... مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحومَ أُسُوْدُها ... أكلت بلا عوض ولا أثمان
قال ابن العربي – رحمه الله : النساء لحم على وضم ، كل أحد يشتهيهن ، وهن لا مدفع عندهن ؛ بل الاسترسال فيهن أقرب من الاعتصام ، فحصَّن الله عليهن بالحجاب ، وقطع الكلام ، وحرَّم السلام ، وباعد الأشباح إلا مع من يستبيحها وهو الزوج ، أو يمنع منها وهو أولو المحارم ، ولما لم يكن بد من تصرفهن أذن لهن فيه بشرط صحبة من يحميهن ، وذلك في مكان المخالفة وهو السفر ، مقر الخلوة ومعدن الوحدة .ا.هـ ( [5] ) . قال ابن تيمية -رحمه الله - في ( شرح عمدة الفقه ) في حكمة منع المرأة من السفر إلا مع ذي محرم منها : ذلك فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق ؛ وحكمته ظاهرة ، فإن النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه ؛ والمرأة معرضة في السفر للصعود والنزول والبروز ، محتاجة إلى من يعالجها ، ويمس بدنها ؛ تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيم يقوم عليهن ، وغير المحرم لا يؤمن ولو كان أتقى الناس ، فإن القلوب سريعة التقلب ، والشيطان بالمرصاد ، وقد قال النبي e : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " .ا.هـ .
وقد فرض الله تعالى على المسلمات حفظا لهم وصيانة لأعراضهن الحجاب ، والتزام المرأة المسلمة به دليل على صدق إيمانها ، ونجاة لها من عذاب ربها .
ولما أصبحنا في زمان يتزعم فيه البعض تشويه كل جميل ، والحرب على كل فضيلة ؛ رأينا من يحمل لواء الحرب على حجاب المرأة المسلمة ، وهو في الحقيقة يحارب رب العباد Y من حيث لا يشعر ، ووالله ليس له قِبَلُ بنتيجة ذلك .

[1] - رواه أحمد : 2 / 439 ؛ النسائي في الكبرى ( 9149 ) ، وابن ماجة ( 3678 ) ، وإسناده صحيح ؛ ورواه ابن حبان ( 5565 ) والحاكم : 4 / 128 ، وصححه بلفظ : " أحرج مال الضعيفين .. " ؛ ورواه النسائي أيضًا ( 9150 ) عن أبي شريح الخزاعي .

[2] - نقلا عن فيض القدير : 3 / 20 .

[3] - انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة و ض م ) ، ولسان العرب باب الميم فصل الواو .

[4] - أي اجتنبوا ذلك ، فإنه أدعى للعفاف .

[5] - نقلا عن فيض القدير : 6 / 516 .
 
عودة
أعلى