تقي الدين السبكي ألف رسالة : اسمها : سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف
وقد بين فيها سبب تركه لإقراء الكشاف ونقل ابنه عنه غضبه من كثرة دسائسه في الاعتزال و غيره وأنه سبب تركه تدريسه
ومما قاله في رسالته الموجزة هذه وهي موجودة في بعض كتب السيوطي وهو كتابه: (تحفة الأديب في نحاة مغني اللبيب ) في ترجمة الزمخشري.
قال تقي الدين السبكي: ( و كنت أحضر قرائته عند قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي , و كان له به عناية و معرفة , ثم لم أزل أسمع دروس الكشاف المذكور , و أبحث فيه , و لي فيه غرام لما إشتمل عليه من الفوائد و الفضائل التي لم يسبق إليها , و النكت البديعة و الدقائق التي بعد الحصول عليها , و أتجنب ما فيه من الإعتزال , و أتحرج الكدر , و أشرب الصفو الزلال , و فيه ما لا يعجبني مثل كلامه في قوله تعالى ( عفا الله عنك ) ( التوبة 43 ) .
و طلب مني مرة بعض أهل المدينة نسخة من الكشاف , فأشرت عليه بأن لا يفعل حياء من النبي صلى الله عليه و سلم أن يحمل إليه كتاب فيه ذلك الكلام .
ثم صار هذا الكتاب يقرأ علي و أنا أسفر عن فوائده و أعوم به حتى وصل إلى تفسير سورة التحريم , و قد تكلم في الزلة , فحصل لي بذلك الكلام مغص ...) الخ.
-------
وأما نقل المدح و القدح فلا يتسع له المقام لطوله و الزمخشري بارع في البلاغة و البيان وأما مذاهب المعتزلة فلا يتورع عن ذكرها تصريحا و تلميحا سامحه الله .
وقد وصف العلماء المحققون كتابه بأنه محشو بالبدعة على ما فيه من فوائد و ممن قال بأنه محشو بالبدعة شيخ الإسلام ابن تيمية و غيره
وممن حذر من كتابه الذهبي في ميزان الاعتدال قائلا:
( محمود بن عمر الزمخشري المفسر النحوي.
صالح، لكنه داعية إلى الاعتزال.
أجارنا الله.فكن حذرا من كشافه). 4/ 78
ونقله الحافظ ابن ناصر الدين و الحافظ ابن حجر وغيرهم .مؤيدين لعبارة الذهبي.
فلا تثريب على من حذر الناس من الاغترار ببدعته أو التأثر بكلامه حتى أن الحافظ ابن حجر اختار أن يورد في ميزان الاعتدال قول من نهى عن مطالعة كتاب الزمخشري كالشيخ العلامة أبي محمد بن أبي جمرة قال الحافظ ابن حجر : (قال الإمام أبو محمد بن أبي حمزة في شرح البخاري له لما ذكر قوما من العلماء يغلطون في أمور كثيرة قال ومنهم من يرى مطالعة كتاب الزمخشري ويؤثره على غيره من السادة كابن عطية ويسمى كتابه الكشاف تعظيما له قال والناظر في الكشاف إن كان عارفا بدسائسه فلا يحل له أن ينظر فيه لأنه لا يأمن الغفلة فتسبق إليه تلك الدسائس وهو لا يشعر أو يحمل الجهال بنظره فيه على تعظيمه ... وإن كان غير عارف بدسائسه فلا يحل له النظر فيه لأن تلك الدسائس تسبق إليه وهو لا يشعر فيصير معتزليا مرجئا والله الموفق )اهـ. لسان الميزان: 6/ 5
و المقصود أن العلماء أنصفوا الزمخشري فشكروا له ما أصاب فيه من البلاغة و البيان و بينوا خطأه و لاموه على أمرو منها بالإضافة إلى ما تقدم
ضعف عنايته بالحديث و إكثاره من نقل المنكر و الضعيف ....
و الخلاصة:
كما قال المقري رحمه الله: قد تصدى للرد عليه من أهل السنة رضي الله عنهم جم وافر وأبدوا ما يؤيد مذهبهم الظافر وتركوا المبتدع يحك رأسه بغير أظافر
وصار للعلماء في كتابه مهيعان : إما إقرائه و قراءته مع الحذر من اعتزالياته كنفي الرؤية و كثير من الصفات و غير ذلك
أو الاستغناء عنه بكتب من هم أولى و أجل منه وفيها كفاية ووفاء.
فائدة قال الزمخشري :
(قد شبهوه بخلقه وتخوفوا *** شنع الورى فتستروا بالبلكفه )
فرد عليه جمع منهم
ما ذكره صاحب كتاب التمييز لما أودعه الزمخشري في كتابه من الاعتزال في الكتاب العزيز أبي علي عمر بن محمد بن خليل قال أجابه عم والدي وهو يحيى بن أحمد الملقب بخليل بهذه القصيدة ولوالدي فيها تكميل ولي فيها تتميم وتذييل
( شبهتَ جهلا صدرَ أمة أحمد *** وذوي البصائر بالحمير الموكفه )
( وزعمتَ أن قد شبهوا معبودهم *** وتخوفوا فتستروا بالبلكفه )
( ورميتهم عن نبعة سويتها *** رمي الوليد غدا يمزق مصحفه )
نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ** فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفه
( وجب الخسار عليك فانظر منصفا *** في آية الأعراف فهي المنصفه
( أترى الكليم أتى بجهل ما أتى *** وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه )
( خلق الحجاب فمن وراء حجابه *** سمع الكليم كلامه إذ شرفه )
( خلق الحجاب بخلقه سبحانه *** فتشوفته الأنفس المستشرفه )
( من لا يرى قل كيف يحجب خلقه *** نهنه نهى أشياخك المتكلفه )
( المنع من إدراكه معنى به *** حجب النواظر يا أصبيع زعنفه )
( والمنع مختص بدار بعدها *** لك لا أبا لك موعد لن تخلفه )
( ملك يهدد بالحجاب عباده *** أترى محالا أن يرى بالزخرفه )
( وبآية الأعراف ويك خذلتم *** فوقعتم دون المراقي المزلفه )
( لو كان كالمعلوم عندك لا يرى *** ذهب التمدح في هنات السفسفه )
( عطلت أو أيست يا مغرور إذ *** ضاهيت في الإلحاد أهل الفلسفه )
( إن الوجوه إليه ناظرة بذا *** جاء الكتاب فقلتم هذا سفه )