دروس في علم الفرائض (تفسير ايات المواريث)

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع إمداد
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

إمداد

New member
إنضم
05/07/2004
المشاركات
257
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير آيات المواريث
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً.
أما بعد : فإن الله فرض المواريث بحكمته وعلمه، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأعدله، بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة ورحمته الشاملة وعلمه الواسع، وبيَّن ذلك أتمّ بيان وأكمله، فجاءت آيات المواريث وأحاديثها شاملة لكل ما يمكن وقوعه من المواريث، لكن منها ما هو صريح ظاهر يشترك في فهمه كل أحد، ومنها ما يحتاج إلى تأمل وتدبر.
وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يورثون النساء، ولا الصغار من الذكور، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فأبطل الله هذا الحكم المبني على الجهل والظلم، وجعل الإناث يشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن، فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية، ولا سوّاها بالرجل كما فعله بعض المنحرفين عن مقتضى الفطرة والعقل، ثم قال: ) آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(النساء: من الآية11).وقال في آية أخرى: ) وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)(النساء: من الآية12) )تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13) )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) وقال في آية ثالثة: ) يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النساء: من الآية176)
فبيَّن الله تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض منه لازم لا يحل تجاوزه ولا النقص منه، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشى فيها على ما حدّه وفرضه، جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وتوعد من خالفه وتعدى حدوده، بأن يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين.
كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التام حتى لا نضل ولا نهلك، فلله الحمد رب العالمين.
واعلم أنك إذا جمعت قوله (صلى الله عليه وسلم): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" ، إلى آيات المواريث؛ وجدتها قد استوعبت عامة أحكام المواريث ومهماته، وها أنا أشرح ذلك بحول الله، فأقول وبالله أقول:
آيات المواريث التي ذكرها الله نصاً في المواريث ثلاث:
الآية الأولى: في إرث الأصول والفروع.
الآية الثانية: في إرث الزوجين وأولاد الأم.
الآية الثالثة: في إرث الإخوة لغير أم.
فأما الآية الأولى فقوله تعالى:
{ 11 - 12 } { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *
هذه الآية والتي بعدها والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري "ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" - مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى ذلك، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك.
فقوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب.
وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم، عليهم.

في هذه الآية بيّن الله أن الأولاد وهم الفروع ثلاثة أقسام: ذكور خلّص، وإناث خلّص، ومختلط من الجنسين.
فالذكور الخلّص لم يقدِّر لهم ميراثاً فدل، على أنهم عصبة يرثون بالسوية
.فمثلا لو مات شخص عن عشرة أبناء فالمال بينهم بالسوية
والإناث الخلّص قَدَّر ميراثهن للواحدة النصف، ولمن فوق الثنتين الثلثان، وقد دل الحديث ومفهوم قوله: ) وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف)(النساء: من الآية11)على أن للثنتين الثلثين
.فمثلا لو مات شخص عن بنت واحدة وعم فللبنت النصف وللعم الباقي
ويحل محلها بنت الابن فلو مات شخص عن( بنت ابن) وعم فلبنت الابن النصف والباقي للعم
ولو مات شخص عن بنتين ومعتق فللبنتين الثلثان وللمعتق الباقي
وهكذا لو كن ثلاثا أو أكثر فيشتركن في الثلثين
ويحل محلهن بنات الابن فيأخذن الثلثين عند تعددهن بشرط عدم وجود فرع وارث أعلى منهن
فلو مات شخص عن ثلاث( بنات ابن )وعم فلبنات الابن الثلثان وللعم الباقي
بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثان بعد الإجماع على ذلك؟
فالجواب أنه يستفاد من قوله: { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، وليس بعده إلا الثلثان. وأيضا فقوله: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إذا خلَّف ابنًا وبنتًا، فإن الابن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين.
وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى.
وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين: { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نص في الأختين الثنتين.
فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح.
بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: { فَوْقَ اثْنَتَيْن } ؟. قيل: الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا. ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين.
ومثل ذلك بنت الابن، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها.
وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين، وقد تم. فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين، وهو خلاف النص.
وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد.

والمختلط من الجنسين لم يقدر لهم ميراثاً، فدل على أنهم عصبة ولكن للذكر مثل حظ الأنثيين
.وقد بين علماء الفرائض أن العصبة هم من ليس لهم نصيب مقدر شرعا بل إذا انفردوا يأخذون المال كله وإذا كان معهم صاحب فرض أخذ فرضه والباقي للعصبة وإذا لم يبق شيء يسقطون
فلو مات شخص عن ابنين وبنت فالمسألة من خمسة اسهم لكل ابن اثنان وللبنت واحد
أما الأصول؛ فابتدأ الله بيان إرثهم بقوله: ) وَلِأَبَوَيْه)(النساء: من الآية11)إلى آخره فذكر لهم حالتين:
إحداهما: أن يكون للميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث.
الثانية: أن لا يكون للميت أحد من الأولاد.
ففي الحال الأولى: ميراث كل واحد من الأبوين السدس فرضاً، والباقي للأولاد إن كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً؛ لأنهم حينئذٍ يكونون عصبة، وعصبة الفروع أولى من عصبة الأصول؛ لأن الفروع جزء من الميت
.فلو مات رجل عن أبيه وأمه وابنين فلكل واحد من الأبوين السدس وللابنين الباقي بالسوية
ولو ماتت امرأة عن أبيها وأمها وابن وبنت فلكل واحد من الأبوين السدس والباقي للابن والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين
وإن كان الأولاد إناثاً خلّصاً، أخذن فرضهن والباقي - إن وجد - يأخذه الأب؛ لأنه أولى رجل ذكر، ولا يتصور أن يبقى له شيء إذا كن اثنتين فأكثر مع الأم
.فلو مات شخص عن أب وأم وبنت واحدة فللأم السدس وللبنت النصف وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبا
ولو مات شخص عن أب وأم وبنتين فللأب السدس وللأم السدس وللبنتين الثلثان انتهى المال ولم يبق باق
وفي الحال الثانية: وهي أن لا يكون للميت أحد من الأولاد، وورثه أبواه، فقد فرض الله للأم الثلث، وسكت عن الأب فيكون له الباقي، إلا أن يكون للميت إخوة اثنان فأكثر، فقد فرض الله لها أي الأم السدس فقط والباقي للأب. { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ }سواء كانوا إخوة أشقاء، أوإخوة لأب، أوإخوة لأم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر، ويشكل على ذلك إتيان لفظ "الإخوة" بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد، لا الجمع، ويصدق ذلك باثنين.
وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقال في الإخوة للأُم: { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع. فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة، كان للأُم السدس، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث إلى السدس، مع حجب الأب إياهم
فلو ماتت امرأة عن أخوين أو ثلاث اخوة وأب وأم فالأم لها السدس لوجود جمع من الأخوة والباقي للأب ولاشيء للأخوة فهنا الاخوة حجبوا الام الى السدس مع أنهم لم يرثوا شيئا
ولو مات شخص عن أم وأخ شقيق وأخ لأب فللأم السدس لوجود جمع من الأخوة ولاشيء للأخ لأب
.لو مات شخص عن أب وأم فللأم الثلث والباقي للأب تعصيبا لعدم الفرع الوارث وعدم جمع من الأخوة

وتأمل قوله عز وجل: ) وَوَرِثَهُ أَبَوَاه)(النساء: من الآية11)؛ فإنه ربما يؤخذ منه أنه لو ورثه معهما غيرهما، لم يكن للأم الثلث، فيكون فيه إشارة إلى ميراث الأم في العمريتين،أو الغراوين وهما زوج وأم وأب، وزوجة وأم وأب،يعني اجتمع أحد الزوجين مع الوالدين فإن للزوج أو الزوجة فرضه، ثم تعطى الأم ثلث الباقي بعده، والباقي للأب، وذلك أن الله جعل للأب مثليها إذا انفردا بالمال، فقياس ذلك أن يكون له مثلاها إذا انفردا ببعضه، والله أعلم
فلو مات شخص عن زوجة وأم وأب فللزوجة الربع وللأم ثلث ما تبقى وللأب الباقي يقسم المال على أربعة أسهم للزوجة سهم ويبقى ثلاثة للأم منها ثلث يعني سهم واحد من ثلاثة ,للأب الباقي سهمان
ولو ماتت امرأة عن زوج وأم أب فللزوج النصف وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي يجعل المال ستة أسهم نصفها للزوج ثلاثة
يبقى ثلاثة ثلثها للأم سهم واحد وللأب سهمان
ولو أخذت الأم الثلث كاملا لكان نصيبها أكثر من الأب لأنها حينئذ تأخذ سهمين وللأب سهم واحد والأصل أن للذكر مثل حظ الأنثيين
ثم قال سبحانه وتعالى:- (من بعد وصية يوصي بها أودين )
ثم قال تعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أي: هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة.

وإنما قدّم الدَّين على الوصية لما روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: إنكم تقرؤون ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن)(النساء: الآية12)
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّين قبل الوصية .

وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يعضده المعنى والإجماع؛
أما المعنى فلأن الدَّين واجب على الميت والوصية تبرع منه، والواجب أولى بالتقديم من التبرع.
وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على تقديم الدَّين على الوصية.
فإن قيل: فما الحكمة في تقديم الوصية على الدين في الآية الكريمة؟

فالجواب: إن الحكمة - والله أعلم - هو أن الدَّين واجب والوصية تبرع؛ والتبرع ربما يتساهل به الورثة ويستثقلون القيام به فيتهاونون بأدائه بخلاف الواجب، وأيضاً؛ فالدَّين له من يطالب به، فإذا قُدِّر أن الورثة تهاونوا به فصاحبه لن يترك المطالبة به، فجبرت الوصية بتقديم ذكرها، والله أعلم.
الوصية تكون بالثلث فأقل لغير وارث.
فأما الوصية للوارث فحرام غير صحيحة، قليلة كانت أو كثيرة؛ لأنّ الله قسّم الفرائض ثم قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13) )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14)
والوصية للوارث مِنْ تعدِّي حدود الله؛ لأنها تقتضي زيادة بعض الورثة عما حدَّ الله له وأعطاه إياه، وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" . رواه الخمسة إلا النسائي، وقد أجمع العلماء على العمل بمقتضى هذا الحديث.

لكن إن أجاز الورثة المرشدون الوصية لأحد من الورثة، نفذت الوصية؛ لأن الحق لهم، فإذا رضوا بإسقاطه سقط، ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" . رواه الدارقطني.

وأما الوصية لغير الوارث فإنها تجوز وتصح بالثلث فأقل، ولا تصح بما زاد عليه؛ لأن الثلث كثير،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل ما زاد عليه بالمضارة، ولحديث ابن عباس أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث والثلث كثير" متفق عليه.

فإن أجاز الورثة المرشدون الوصية بما زاد على الثلث صح ذلك؛ لأن الحق لهم فإذا رضوا بإسقاطه سقط.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله: متى تعتبر إجازة الورثة الوصية للوارث أو بما زاد على الثلث؟
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه: أنها لا تعتبر إلا بعد الموت، فلو أجازوا قبله لم تصح الإجازة ولهم الرجوع.

والراجح أن الإجازة إن كانت في مرض موت المورث صح وليس لهم الرجوع، وإن كانت في غير مرض موته لم تصح ولهم الرجوع، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ذكره في "بدائع الفوائد" صفحة (4) من الجزء الأول).
ثم قال سبحانه و تعالى: { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }
فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان. فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية.
{ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال
المراجع
1-تفسير السعدي رحمه الله
2-تسهيل الفرائض للشيخ بن عثيمين رحمه الله
3-تلخيص الفرائض للشيخ بن عثيمين رحمه الله
وللموضوع بقية
 
والآية الثانية: تتعلق بميراث الزوجين والإخوة لأم الذين لا يرثون إلا بالفرض وليس لهم تعصيب، ولا يرثون بالتعصيب بحال، وهؤلاء يرثون من جهة قرابة الأم ومن جهة الزوجية ونصيبهم إنما هو بالفرض فقط.
ذكر تعالى الله عز وجل ميراث الزوج والزوجة فقال {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} أي ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم من المال إِن لم يكن لزوجاتكم أولاد منكم أو من غيركم
فلو هلكت هالكة عن زوج وعم فللزوج النصف لعدم الفرع الوارث وللعم الباقي لآنه عاصب
{فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} أي من ميراثهن، وألحق بالولد في ذلك ولد الإِبن بالإِجماع
فلو هلكت هالكة عن زوج وابن فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث وللابن الباقي لأنه عاصب
حالات إرث الزوج من الزوجة
حالات إرث الزوج من الزوجة: إذا ماتت الزوجة عن زوجها،
فلها حالتان: فالحالة الأولى: إذا كان لها ولد، قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12]. الحالة الثانية: ليس لها ولد، فله النصف مما تركت، ولم يفصل إن كان الولد من الزوج أو من غيره فهو على العموم. ......

{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} أي من بعد الوصية وقضاء الدين

{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} أي ولزوجاتكم واحدة فأكثر الربع مما تركتم من الميراث إِن لم يكن لكم ولد منهن أو من غيرهن .

{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} أي فإِن كان لكم ولد منهن أو من غيرهن فلزوجاتكم الثمن مما تركتم من المال {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وفي تكرير ذكر الوصية والدين من الاعتناء بشأنهما ما لا يخفي.
ولميراث الزوجة من زوجها المتوفى حالتان:
الحالة الأولى: عدم وجود الفرع الوارث، وفرضهاالربع؛ لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ [النساء:12] .
الحالة الثانية: وجود الفرع الوارث،وفرضها الثمن؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12].
مثال الحالة الأولى: مات رجل عن زوجة وأب وأم، ففي هذه الصورة ترث الزوجة الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث، ولأنها منفردة؛ لأن الميت إذا كان له أكثر من زوجة فهن شركاء إما في الربع أو في الثمن، ويشترك في الربع أو الثمن أربع نسوة فما دون، ولا يجوز أكثر من ذلك. فمثلاً: إذا مات رجل عن أم وأب وأربع زوجات وخمس إماء، فللأربع الزوجات الربع يشتركن فيه جميعاً. وليس للإماء شيء؛ لأنهن لسن وارثات.
مثال على الحالة الثانية: هلك عن ابن وبنت وأم وأخت وزوجة، فللزوجة في هذه الصورة الثمن؛ لوجود الفرع الوارث، وهكذا إذا كن أكثر من واحدة؛ فإنهن يشتركن في الثمن. ......

ميراث الإخوة لأم{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} أي وإِن كان الميت يورث كلالة أي لا والد له ولا ولد وورثه أقاربه البعيدون لعدم وجود الأصل أو الفرع
ومعنى كلالة: ألا يكون للميت أصول ولا فروع،
والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس،
والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فرعه أي: ليس له ولد ولا والد،
ومعنى لاولد له: أي عند موته بأن لم يولد له أولاد أو ماتوا أثناء حياته
ولا والد: يعني مات أبوه وجده من جهة الأب قبله فلا يوجد منهم أحد وقت موته


{أَوْ امْرَأَةٌ} عطف على رجل والمعنى أو امرأةٌ تورث كلالة {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} أي وللمورّث أخ من أم أو أخت من أم
قال صاحب أضواء البيان رحمه الله
أجمعوا على أن قوله : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً } الآية . أنها في إخوة الأم . وقرأ سعد بن أبي وقاص : وله أخ أو أخت من أم .
والتحقيق أن المراد بالكلالة عدم الأصول والفروع كما قال الناظم :
ويسألونك عن الكلالة ... هي انقطاع النسل لا محالة
لا والد يبقى ولا مولود ... فانقطع الأبناء والجدود
وهذا قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأكثر الصحابة وهو الحق إن شاء الله تعالى
واختلف في اشتقاق الكلالة .
واختار كثير من العلماء أن أصلها من تكاله إذا أحاط به ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس ،
و كلمة "الكل" لإحاطته بالعدد لأن الورثة فيها محيطة بالميت من جوانبه لا من أصله ولا فرعه . ومعنى كلالة: ألا يكون للميت أصول ولا فروع،
والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس، والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فصله أي: ليس له ولد ولا والد، فمن ليس له ولد ولا والد فإنه يورث كلالة؛ لأنهم كالمحيطين بالميت بخلاف الأصول فإنها فوقه والفروع تكون تحته،

ومعنى لاولد له أي عند موته بأن لم يولد له أولاد أو ماتوا أثناء حياته
ولا والد يعني مات أبوه وجده من جهة الأب قبله فلا يوجد منهم أحد وقت موته

وأما الإخوة فهم محيطون به،مأخوذ من الأكليل وهو مايحيط بالرأس فقيل لهم: كلالة، فيرثون كلالة إذا لم يكن للميت والد ولا ولد.

فالإخوة للأم كذلك لا يرثون إلا عند عدم الولد والوالد، وكذلك الإخوة الأشقاء والإخوة لأب لا يرثون إلا عند عدم الولد والوالد، ولكن كما هو معلوم أنه بالنسبة للولد الذكر أو الذكور والإناث يأخذون الميراث ولا يبقى للإخوة شيء، وأما إذا كانوا إناثاً خلصاً فلهن النصف أو الثلثان والباقي يأخذه أقرب من يكون للميت، والإخوة الأشقاء هم أقرب من يكون للميت إذا لم يكن له أصول ولا فروع،



{فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} أي فللأخ من الأم السدس وللأخت للأم السدس أيضاً .

{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أي فإِن كان الإِخوة والأخوات من الأم أكثر من واحد فإِنهم يقتسمون الثلث بالسوية ذكورهم وإِناثهم في الميراث سواء،
وقد أجمع العلماء على أن المراد في هذه الآية الإِخوة للأم
قال الشيخ صالح الفوزان:

ويرث الواحد من الأخوة لأم السدس سواء كان ذكرا أم أنثى , ويرث الاثنتين فأكثر منهم الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى سواء , لقوله تعالى : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ

وقد أجمع العلماء على أن المراد بالأخوة في هذه الآية الكريمة الأخوة لأم , وقرأها ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص : ( وله أخ أو أخت من أم ) .
وقد ذكرهم الله تعالى من غير تفضيل , فاقتضى ذلك تسوية الأنثى بالذكر قال الإمام ابن القيم : " وهو القياس الصحيح والميزان
ويشترط لإرث الأخ لأم أو الأخت لأم السدس شروط ثلاثة :
الشرط الأول : عدم الفرع الوارث
الشرط الثاني : عدم الأصل من الذكور الوارثين .
الشرط الثالث : انفراده .
الشرطان الأولان مأخوذان من تعريف الكلالة
لأن الله اشترط لأرثهم أن يكون كلالة
والشرط الثالث من قوله تعالى{ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
ويشترط لاستحقاق الأخوة لأم الثلث ثلاثة شروط
الشرط الأول : أن يكونوا اثنين فأكثر ; ذكرين كانوا أو أنثيين أو ذكر وأنثى أو أكثر من ذلك .
هذا الشرط أخذناه من قوله تعالى:{ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}أي أكثر من واحد
الشرط الثاني : عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا .
الشرط الثالث : عدم الأصل من الذكور الوارثين وهو الأب والجد من قبله .سبق بيان مأخذ هذي الشرطين


{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} أي بقصد أن تكون الوصية للمصلحة لا بقصد الإِضرار بالورثة أي في حدود الوصية بالثلث لقوله عليه الصلاة والسلام:(الثلث والثلث كثير)
{وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ} أي أوصاكم الله بذلك وصية
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} أي عالم بما شرع حليم لا يعاجل العقوبة لمن خالف أمره.

حدود الله تعالى

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14)}


{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي تلك الأحكام المذكورة شرائع الله التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يعتدوها {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي من يطع أمر الله فيما حكم وأمر رسوله فيما بيّن، يدخله جنات النعيم التي تجري من تحت أشجارها وأبنيتها الأنهار
{خَالِدِينَ فِيهَا} أي ماكثين فيها أبداً
{وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي الفلاح العظيم
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} أي ومن يعص أمر الله وأمر الرسول ويتجاوز ما حدّه تعالى له من الطاعات
{يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} أي يجعله مخلداً في نار جهنم لا يخرُج منها أبداً
{وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} أي وله عذاب شديد مع الإِهانة والإِذلال والعذاب والنكال.
 
الآية الثالثة في الفرائض آخر سورة النساء وفيها يبين الله تعالى ميراث الأخوة الأشقاء والأخوة لأب

{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) }


يسألونك -أيها الرسول- عن حكم ميراث الكلالة، وهو من مات وليس له ولدٌ ولا والد، قل: الله يُبيِّن لكم الحكم فيها: إن مات امرؤ ليس له ولد ولا والد، وله أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه فقط، فلها نصف تركته، ويرث أخوها شقيقًا كان أو لأب جميع مالها إذا ماتت وليس لها ولد ولا والد. فإن كان لمن مات كلالةً أختان فلهما الثلثان مما ترك. وإذا اجتمع الذكور من الإخوة لغير أم مع الإناث فللذكر مثل نصيب الأنثيين من أخواته. يُبيِّن الله لكم قسمة المواريث وحكم الكلالة، لئلا تضلوا عن الحقِّ في أمر المواريث. والله عالم بعواقب الأمور، وما
فيها من الخير لعباده.


سبب نزول هذه الآية ن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال:


(مرضت مرضا فأتاني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمي عليّ، فتوضا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثم صبّ وَضوءه عليّ فأفقت فإذا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث ".


وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله قال: دخل عَلَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا مريض لا أَعْقِل، قال: فتوضأ، ثم صَبَّ عَلَيّ -أو قال صبوا عليه -فَعَقَلْتُ فَقُلت: إنه لا يرثني إلا كلالة، فكيف الميراث ؟ قال: فنزلت آية الفرائض.


أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة ، ورواه الجماعة من طريق سفيان بن عُيَيْنة، عن محمد بن المُنْكَدر، عن جابر، به. وفي بعض الألفاظ: فنزلت آية الميراث: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ } الآية .



هذه الآية في بيان ميراث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب وهي في الكلالة، ومعنى كلالة: ألا يكون للميت أصول ولا فروع، والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس، والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فصله أي: ليس له ولد ولا والد، فمن ليس له ولد ولا والد فإنه يورث كلالة؛ لأنهم كالمحيطين بالميت بخلاف الأصول فإنها فوقه والفروع تكون تحته،
ومعنى لاولد له أي عند موته بأن لم يولد له أولاد أو ماتوا أثناء حياته
ولا والد يعني مات أبوه وجده من جهة الأب قبل موته فلا يوجد منهم أحد وقت موته

وأما الإخوة فهم محيطون به،مأخوذ من الأكليل وهو مايحيط بالرأس فقيل لهم: كلالة، فيرثون كلالة إذا لم يكن للميت والد ولا ولد. فالإخوة للأم كذلك لا يرثون إلا عند عدم الولد والوالد، وكذلك الإخوة الأشقاء والإخوة لأب لا يرثون إلا عند عدم الولد والوالد، ولكن كما هو معلوم أنه بالنسبة للولد الذكر أو الذكور والإناث يأخذون الميراث ولا يبقى للإخوة شيء، وأما إذا كانوا إناثاً خلصاً فلهن النصف أو الثلثان والباقي يأخذه أقرب من يكون للميت، والإخوة الأشقاء هم أقرب من يكون للميت إذا لم يكن له أصول ولا فروع،
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان:
هذا بيان من الله تعالى تعالى لميرث الإخوة الذين يجتمعون مع الميت عن طريق الأب سواء كانوا اشقاء أو إخوةلأب ، ذكورا أم إناثا
وقد أجمع العلماء على أن هؤلاء الإخوة هم الإخوة من الأب ، كانوا أشقاء أو لأب
كما أجمعوا على أن قوله : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً } الآية الثانية عشرة أنها في الأخوة لأم . وقرأ سعد بن أبي وقاص : وله أخ أو أخت من أم وسبق تفصيل ذلك.انتهى كلامه رحمه الله
وميراثهم على طريقة ميراث الفرع الوارث، فإن البنت الواحدة لها النصف والبنتين لهما الثلثان، وهكذا الأخت الواحدة لها النصف والأختان الشقيقتان أو لأب لهما الثلثان، فإذا كن اثنتين فأكثر فإنهن يشتركن في الثلثين، ولو وجدت أخت شقيقة وأخت لأب فإن الأخت الشقيقة لها النصف والأخت لأب لها السدس تكملة الثلثين؛ لأنهن يرثن بالإخوة الثلثين، فتكون الأقرب منهن الشقيقة لها النصف والتي هي أبعد والتي هي أبعد منها لها بقية الثلثين، وإذا اجتمع الذكور والإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين،



وإذا كان هناك إخوة أشقاء مع أخواتهم أو إخوة لأب مع أخواتهم فإنه للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن وجد ذكور خلص فإن الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب؛ لأنهم يدلون إلى الميت بسببين وهما: الأبوة والأمومة، والإخوة لأب إنما يدلون إليه بالأبوة فقط.


قال الشيخ صالح الفوزان وفقه الله


* قد ذكر الله سبحانه وتعالى ميراث الأخوات الشقائق والأخوات لأب مع الأخوة لغير أم واحدتهن وجماعتهن , بقوله في آخر سورة النساء : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ


وذكر ميراث الأخوات لأم واحدة كانت أو أكثر مع الأخوة لأم بقوله تعالى : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ في أول السورة .


* فالأخت الشقيقة تأخذ النصف بأربعة شروط


الشرط الأول: عدم المعصب لها , وهو الأخ الشقيق ; لقوله تعالى : وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ


الشرط الثاني: عدم المشارك لها , وهو الأخت الشقيقة ; لقوله تعالى : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ



الشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارثين , والمراد به الأب والجد من قبل الأب على الصحيح.


الشرط الرابع: عدم الفرع الوارث , وهو الابن وابن الابن وإن نزل , والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها .


ودليل هذين الشرطين أن الإخوة والأخوات إنما يرثون في مسألة الكلالة , والكلالة هو من لا والد له ولا ولد .


والأخت لأب تأخذ النصف بخمسة شروط وهي الشروط الأربعة السابقة في حق الأخت الشقيقة ,


والخامس عدم الأخ الشقيق والأخت الشقيقة ; لأن الموجود منهما أقوى منها .


- " والأختان الشقيقتان فأكثر يأخذن الثلثين , لقوله تعالى : فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وإنما يأخذن الثلثين بأربعة شروط :


الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر , للآية الكريمة : فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ


الشرط الثاني : عدم المعصب لهما , وهو الأخ الشقيق فأكثر لقوله تعالى : وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ


الشرط الثالث : عدم الفرع الوارث , وهم الأولاد وأولاد البنين , لقوله تعالى : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ الآية .


والأخوات لأب ثنتان فأكثر يأخذن الثلثين للإجماع على دخولهن - في عموم آية الكلالة : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ لكن لا يأخذن الثلثين إلا إذا تحقق خمسة شروط : الشروط الأربعة السابقة في الشقائق , والشرط الخامس : عدم الأشقاء والشقائق , فلو كان هناك من الأشقاء , واحدا كان أو أكثر , ذكرا كان أو أنثى لم ترث الأخوات لأب الثلثين , بل يحجبن بالذكر وبالشقيقتين إلا إذا كان معهن من يعصبهن , وأما إذا كان الوجود شقيقة واحدة , فإن للأخت أو الأخوات لأب السدس تكملة الثلثين .


وإذا وجد بنت واحدة وبنت ابن فأكثر ; فللبنت النصف , ولبنت الابن فأكثر معها السدس ; تكملة الثلثين , لقضاء ابن مسعود رضي الله عنه بذلك , وقوله : " إنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها , رواه البخاري , ولأنه قد اجتمع من بنات الميت أكثر من واحدة , فكان لهن الثلثان , لقوله تعالى : فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ واختصت بنت الصلب بالنصف لأنها أقرب , فبقي لبنت الابن فأكثر السدس ; تكملة الثلثين , وذلك بعد توفر هذين الشرطين :


الشرط الثاني : عدم المعصب لها , وهو أخوها , فإن كان معها أخوها , فالباقي بعد الشقيقة لهما تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين , والله أعلم .

ذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة أو لأب فأكثر , فإن الموجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه , ثم إن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين يرون أن الأخوات من الأبوين أو من الأب يكن عصبة مع البنات ( وهو ما يسمى لدى الفرضيين بالتعصيب مع الغير ) , فيأخذن ما فضل عن نصيب الموجود من البنات أو بنات الابن , بدليل الحديث الذي رواه البخاري وغيره " أن أبا موسى سئل عن ابنة وبنت ابن وأخت ; فقال : للابنة النصف , وللأخت النصف , وقال للسائل : ائت ابن مسعود . فسئل ابن مسعود , وأخبر بقول أبي موسى , فقال : " لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين , أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم : للبنت النصف , ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين , وما بقي فللأخت "[1] ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة الابن .

المراجع

1-تفسير السعدي رحمه الله
2-تسهيل الفرائض للشيخ بن عثيمين رحمه الله
3-تلخيص الفرائض للشيخ بن عثيمين رحمه الله
4-تفسير الشيخ مصطفى العدوي لسورة النساء وهي دروس مفرغة قام الأخوة بموقع الشبكة الأسلامية بتفريغها فجزاهم الله خيرا


[1]أخرجه البخاري في الفرائض/ باب ميراث ابنة ابن مع ابنة (6736).​
 
عودة
أعلى