بودفلة فتحي
New member
- إنضم
- 10/08/2010
- المشاركات
- 295
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
أقسام الحديث الضعيف باعتبار انقطاع السند
جمع وإعداد: فتحي بودفلة
توطئة:
اتّصال السند شرط لتصنيف الحديث في خانة الأحاديث المقبولة، صحيحة كانت أو حسنة، وأيّ إخلال بهذا الشرط يُعتبَرُ قدح في الحديث ينقله من خانة المقبول إلى خانة الضعيف المردود.
والقدح في اتّصال السند أنواع تختلف باختلاف موضع الانقطاع، وعدده، وظهوره وخفائه، وما كان الانقطاع فيه حقيقة وما كان الانقطاع فيه صوريا حكميا...
فما كان من انقطاع في أوّله فهو المعلّق وما كان في أصل الحديث فهو المرسل
وما كان الانقطاع فيه برجل واحد فهو المنقطع وما كان برجلين متتابعين أو أكثر فهو المعضل، وما كان انقطاعه خفيّا فهو المدلّس...وكثير من هذه الأنواع بينها اشتراك في بعض نماذجها وأقسامها وتداخل في مفهومها...
ومن الاصطلاحات التي يستعملها المحدثون لإفادة هذا المفهوم: لا اصل له، لا يُعرف له أصل، لا أصل له بهذا اللفظ، لم يُوجد له أصل...
أمثلة:
· حديث الغزالة، ذُكِرَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله، إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم. فقال: "أين صاحب هذه؟" فقال القوم: نحن يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم" فقالوا من لنا بذلك؟ قال: "أنا" فأطلقوها فذهبت فأرضعت، ثم رجعت إليهم فأوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين أصحاب هذه؟" فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله. فقال: "تبيعونيها؟" فقالوا هي لك يا رسول الله فقال: "خلوا عنها" فأطلقوها فذهبت.
قال الملا علي القاري: "حَدِيثُ تَسْلِيمُ الْغَزالَةِ اشْتُهِرَ عَلَى الأَلْسِنَةِ وَفِي الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَمَنْ نَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَذَبَ" [المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، علي بن سلطان محمد أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (1014هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1398هـ ص80 رقم 91]
· حديث: "قال الله تعالى إذا أردتُ أن أُخَرِّبَ الدُّنيا بدأتُ ببيتي فَخَرَّبْتُهُ ثمّ أُخرِّبُ الدنيا" قال الحافظ العراقي: لا أصل له. [المرجع السابق ص51 رقم 15]
· حديث: "أفضلُ العباداتِ أحْمَزُها" أي أشقُّها قال الزركشي: لا يُعرفُ، وقال ابن القيّمُ في شرح منازل السائرين: "لا أصل له. [المرجع السابق س57 رقم 33]
· حديث: "أُمِرتُ أنْ أحكم بالظاهرِ واللهُ يتولى السرائرَ" قال أحمد الغزي العامري: "هُوَ دَائِرٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ وَقَالَ الْمِزِّيُّ وَالْعِرَاقِيُّ لَا أَصْلَ لَهُ لَكِنْ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ / فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ " قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الأُمِّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَهُ فَأَخْبَرَهُمْ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إِلَى الله" [الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث، أحمد بن عبد الكريم بن سعودي الغزي العامري (1143هـ) تحقيق بكر عبد الله أبو زيد دار الراية الرياض الطبعة الأولى ص55 رقم 45]
· حديث: "أنا أفصح من نطق بالضّاد" قال ابن كثير لا أصل له ومعناه صحيح" [المرجع السابق ص57 رقم 50]
قد يكون السقط في أوّل الحديث ووسطه وأصله، لكن المشهور والمتداول استعمال هذا الاصطلاح فيما كان السقط في وسط السند لا في أطرافه.
وقد استعمل أكثر الفقهاء وبعض المحدثين اصطلاح المنقطع في كلّ سند فيه سقطٌ كيفما كان ذلك السقط [تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي 1\35، الباعث الحثيث 1\164]، ويبدو والله أعلم أنّ هذا الاستعمالَ استعمالٌ لغوي أكثر منه اصطلاحيّ باعتبار أن السقط في السند كيفما كان هو من حيث اللغة انقطاعٌ.
أمثلة:
· رواية الإمام مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقد سقط من هذا السند نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما.
· رواية سفيان بن عيينة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، سفيانُ تابعُ تابعي لم يدرك جابر بن عبد الله وقد سقط من هذا السند عمرو بن دينار .
· رواية الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه، والزهري رغم كونه تابعيا جليلا إلاّ أنّه لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه بل بينهما واسطة هي رواية سعيد بن المسيّب.
· حديث: "استُكرِهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدَّ...." رواه الترمذي عن الحجاج بن أرطأة، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه رضي الله عنه. قال الترمذي: "وليس إسناده بمتصل، وعبدالجبار لم يسمع من أبيه، لأنه ولد بعد أبيه بستة أشهر".
· حديث: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كَرِه الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: "إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ". رواه أبوداود من طريق ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة رضي الله عنه . أبو خليل لم يسمع من أبي قتادة.
· حديث: "إن ولّيتموها أبا بكر فزاهدٌ في الدّنيا راغبٌ في الآخرة، وفي جسمه ضعفٌ، وإن وليتموها عمرَ فقويٌّ أمينٌ لا يخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وإن ولّيتموها عليّا فهادٍ مهتدٍ يُقيمُكم على صراطٍ مستقيمٍ" رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْعٍ عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا. الحديث منقطع كما ذكر ابن الصلاح في موضعين عبد الرزاق لم يسمعه من سفيان وإنّما رواه عن النُّعمان بن أبي شيبة الجَنَدِيِّ عن سفيان، وسفيان بدوره لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنّما رواه عن شريك عن أبي إسحاق.
فشرط الحديث لكي يسمى معضلاً سقوط أكثر من راوٍ من السند، وتتابع السقوط، فإنّ اختلّ هذان الشرطان كأن يسقط من السند رجل واحد، أو رجلان غير متتابعين، سُمِيَ الحديث منقطعا.
أمثلة:
· حديث: "يقال للرجل يوم القيامة: عمِلتَ كذا وكذا ؟ فيقول: ما عَمِلتُه، فَيُخْتَمُ على فيه، [فتنطق] جوارحه، أو قال: فينطق لسانه فيقول لجوارحه: أبعدكنّ الله، ما خاصمتُ إلاّ فيكنّ." أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث وقال: أعضله الأعمش؛ لأنّ بين الأعمش وبين رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلان، الشعبي وأنس بن مالك رضي الله عنه.
· حديث: "للمملوك طعامُه وكِسوتُه بالمعروف ولا يكلّف من العمل إلاّ ما يطيق" رواه الحاكم في علوم الحديث من طريق القعنبي عن مالك أنّه بلغه أنّ أبا هريرة رضي الله عنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الحديث معضل، لأنّ بين مالك وأبي هريرة رجلان، وقد وُصِل من طريق إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه
مظان الأحاديث المنقطعة والمعضلة:
قال السيوطي: "من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور ومؤلفات ابن أبي الدنيا."
فقد يسقط شيخ المصنّف، أو شيخه وشيخ شيخه، كما قد يسقط السند كلّه.
أمثلة:
· ما جاء في صحيح البخاري -كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ- بلفظ قال أبو موسى - رضي الله عنه -: "غطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركبتيه حين دخل عثمان".
· قال البخاري في الباب نفسه: وقال أنس بن مالك حسر النّبيُّ صلى الله عليه وسلّم عن فخذه.
والبخاري لم يلق أحداً من الصحابة بل لم يلق التابعين، وأعلا أسانيده أن يفصل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث رجال. فالحديثان معلقان؛ لأنّه حُذِف منهما رجلان على الأقلّ.
· وفي البخاري كذلك قوله: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم أنّ عطاء بن يسار أخبره أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا.........."
والبخاري لم يسمع من مالك بل يروي عنه بواسطة عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس ومعن وقتيبة و غيرهم ... فالحديث معلّق لأنّ البخاري حذف الواسطة بينه وبين الإمام مالك.
· وفي صحيح البخاري قوله: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم – في حديثه عن المعذبين في القبر- "كان لا يستترُ من بَولِه" .
في هذا المثال حذف الإمامُ البخاري سندَ الحديثِ كلَّه.
فوائد متعلقة بالمعلقات:
· بداية اصطلاح التعليق: أوّل من أطلق هذا المصطلح هو الإمام الدارقطني (385هـ) ثمّ انتشر بعده بين المحدثين.
· أسباب التعليق: أو لماذا يعلّق المصنّف أحاديثه ؟ لعلّ من أهمّ أسباب التعليق ضعف شيخ المصنّف فيلجأ إلى إخفائه من خلال تعليقه للحديث ونسبته لغيره[1]، وقد يكون السبب مجرد طلب الاختصار، أو الاحتجاج به على مذهب الأصوليين والفقهاء، أو استعماله في المتابعات لتقوية الأحاديث الضعيفة والحسنة... ومن أشهر الأسباب التي دفعت كلٌّ من البخاري ومسلم إلى تعليق بعض أحاديثهما بيان عدم اندراجها في صحيحيهما لعدم استيفائها شروطهما، أو لبيان فقههما في المسألة، أو استعمالها كالترجمة والعنوان للكتب والأبواب... ونحو ذلك.
· حكم معلقات البخاري: الحديث المعلّق ضعيف لفقده شرط اتّصال سنده، ومعلقات البخاري من حيث كونها معلّقة لا تخرج ولا تشذّ عن هذا الحكم؛ لكنّها باعتبار جلالة راويها وأهمية وخطورة الكتاب الذي وردت فيه عمَد الحفاظُ والمحدّثون إلى استقرائها وتتبع طرقها وأسانيدها؛ فصنّفوها إلى صنفين؛ صنف جزم البخاري بنسبتها إلى أصحابها كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال ابنُ عباس رضي الله عنهما، وجاء عن مالك، وورد عن الزهيري... ونحو ذلك، وقسم رواه البخاري بصيغ التمريض كقوله: قِيل، ورُوِي، وذُكِر... ونحو ذلك. فأمّا ما رواه البخاري بصيغ الجزم فهي صحيحة عنده، وما رواه بصيغ التمريض فلا يُستفادُ منها تصحيح ولا تضعيف [ابن كثير في اختصار علوم الحديث. الباعث الحثيث 1\122 وقيل بل هي ضعيفة عند الإمام البخاري سواء كان الضعف إخلالا بشرط صحيحه أو بشرط مطلق الصحيح. مع العلم أنّ معلقات البخاري ومسلم قد وصلت سواء في الصحيحين أو خارجهما، ولابن حجر كتاب مشهور في هذا الشأن بعنوان (تغليق التعليق)...
· صنف ثالث لمعلقات البخاري عند المغاربة:
عدول الإمام البخاري عن الرواية عن شيوخه بصيغة (حدثنا) إلى (قال لنا) و(قال لي) و(زادني) عدّه بعضُ المغاربة – كما قال ابن الصلاح – صنفا وقسما ثالثا لأقسام المعلقات عند البخاري لا يذكره إلاّ للاستشهاد؛ لأنّه لا يستوفي شروط صحيحه.
وقال ابن مَنْدَهْ : "كلُّ ما يقول البخاري فيه قال لي فهي إجازةٌ" قال ابن حجر: "وهي دعوة مردودةٌ بدليل أَنِّي اسْتَقْرَيْتُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقُول فِيهَا فِي الْجَامِعُ قَالَ لِي فَوَجَدْتُهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ يَقُولُ فِيهَا حَدَّثَنَا وَالْبُخَارِيُّ لَا يَسْتَجِيزُ فِي الْإِجَازَةِ إِطْلَاقَ التَّحْدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَسْمُوعِ لَكِنْ سَبَبَ اسْتِعْمَالِهِ لِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَبْلُغُ شَرْطَهُ وَمَا لَا يبلغ وَالله أعلم [الفتح1\156 دار المعرفة بيروت 1379هـ]
قال الكِرْمانيُّ : "الْفَرْقُ بَيْنَ قَالَ لنا وَحدثنَا أَنَّ الْقَوْلَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُسْمَعُ مِنَ الشَّيْخِ فِي مَقَامِ الْمُذَاكَرَةِ وَالتَّحْدِيثَ فِيمَا يُسْمَعُ فِي مَقَامِ التَّحَمُّلِ. " وقد ردَّ ابنُ حجر رأيَ الكِرمانيّ في الفتح قائلاً: " لَكِنْ لَيْسَ اسْتِعْمَالُ الْبُخَارِيِّ لِذَلِكَ مُنْحَصِرًا فِي الْمُذَاكَرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا يَكُونُ ظَاهِرَهُ الْوَقْفُ وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَاتِ لِتَخَلُّصِ صِيغَةِ التَّحْدِيثِ لِمَا وُضِعَ الْكِتَابُ لِأَجْلِهِ مِنَ الْأُصُولِ الْمَرْفُوعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وُجُودُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا فِي الْجَامِعِ بِصِيغَةِ الْقَوْلِ مُعَبِّرًا فِيهَا بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ فِي تَصَانِيفِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْجَامِعِ" [الفتح 2\513]
وأشهر من استعمل هذا الاصطلاح وعرِف به هو الإمام مالك في موطّئه حتى أصبح هذا الاصطلاح إذا أطلق انصرف إليه دون سواه ممّن استعمله.
حكم بلاغات الإمام مالك:
الأصل في البلاغات أنّها ضعيفة لانقطاع سندها؛ إذ لا يمكن الحكم على الحديث بالقبول إلاّ إذا تيقنّا عدالة وضبط رواته، ولا وجه لإثبات ذلك في البلاغات لجهالتنا بعين الساقط فضلا عن عدالته. ولهذا قال الزرقاني في شرح الموطأ: "البلاغ من أقسام الضعيف" . أمّا ما يروى من تصحيح البلاغات كقول سفيان [الثوري] "إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح." [شرح الموطأ، محمد بن عبد الباقي الزرقاني تحقيق طه عبد الرؤوف سعد مكتبة الثقافة الدينية القاهرة الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 1\367] فإنّ ذلك محمول على كون هذه البلاغات مروية من الثقة أو أنّها مسندة وموصولة من طرق أخرى.
وقد وصل الحافظ ابن عبد البرّ جميع بلاغات مالك في التمهيد إلاّ أربع أحاديث تكفّل ابن الصلاح بوصلها.
أمثلة:
· عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا: «يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ» [الموطأ ، مالك بن أنس (179هـ) بعناية محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت 1406هـ 1985م. ص150\ رقم 23]
· وعنه قال: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ [ص316\رقم 7]
· وقَالَ مَالِكٌ: «مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً» [ص557\رقم19]
· ومن أمثلة البلاغات عن غير مالك ما رواه مالك نفسه في الموطأ عن ابن شهاب الزهري عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِحْدَى صَلَاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ. فَسَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ... حديث ذي اليدين. [ص94\رقم 60]
هل تندرج البلاغات في المعلقات ؟
كثيرا ما تدرج البلاغات في المعلقات، ويقال البلاغات أخصّ من المعلقات باعتبارها مثلها في الانقطاع في أوّل السند ولا تختصّ عنها إلاّ في الصيغة المستعملة وهي "بلغني" . والصواب أنّ الأحاديث التي يقول فيها مالك بلغني هي التي تحمل هذا الحكم والوصف، وإلاّ فإنّ من البلاغات ما تستعمل فيها هذا الصيغة في أصل السند أو في وسطه لا في أوّله، ومثاله قول أبي بكر بن سليمان في الحديث المتقدم بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركع ركعتين.
تعريف الفقهاء والأصوليين: هو كلّ حديث لم يتّصل سنده بحالٍ من الأحوالِ، وانقطع بأيّ صفة كان ذلك الانقطاع، فيندرج فيه كلُّ أصناف هذا المحور. [تيسير مصطلح الحديث 57]
أمثلة:
· قال أبو داود [المراسيل رقم 105]: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا كثير بن هشام، عن عمر بن سليم الباهلي، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع ".
إسناد هذا الحديث حسن إلى الحسن، وهو البصري الإمام من سادة التابعين، لكنه أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عمن حمله، فهو ضعيف من جهة إرساله. [تحرير علوم الحديث 2\926-927]
· أخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريح، عن عطاء: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس، فقال: السلام عليكم. » [راجع: تيسير علوم الحديث للمبتدئين، ص42]
· أخرج أبو داود في المراسيل (ص: 166) والحاكم (2/ 41) وغيرهما من طريق الربيع، أنبأ الشافعي، أنبأ مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع اللحم بالحيوان"
حكم المرسل:
اختلف أهل العلم في حكم الاحتجاج والعمل بالحديث المرسل إلى مذاهب عدّة، يمكننا إجمالها في ثلاثة مذاهب:
· المرسل ضعيف لا يحتج به: مذهب جمهور المحدثين وجماعة من الفقهاء والأصوليين، وحجتهم أنّ العلم بحال الراوي بعدالته وضبطه شرط في قبول الحديث، وفي المرسل ساقطٌ مجهول العين لا يمكننا التبيّن من حاله، خاصة وأنّه يحتمل أن لا يكون صحابيّا. [تدريب الراوي 1\223، تيسير مصطلح الحديث ص57]
· المرسل صحيح يحتجّ به : مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك والمشهور عن أحمد، قال ابن جرير الطبري: "أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحدٍ من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين." قال ابن عبد البرّ: كأنّه يعني أنّ الشافعي أوّل من ردّه. [تدريب الراوي 1\223].
والظاهر من مذهب هؤلاء أنّهم إنّما يحتجون بمرسل الثقة الذي يروي عن الثقات، فهم لا يروون الأحاديث المسندة المتّصلة الإسناد إلاّ عن الثِقات فكيف يجيزون المرسلات عن غير الثقات، ولهذا السبب روي عن الإمام أبي حنيفة أنّه لا يقبل إلاّ مراسيل القرون الثلاثة الفاضلة .
· المرسل صحيح حجة بشروط: وهو مذهب الإمام الشافعي – على التحقيق[2] – ورواه أبو داود عن أحمد. وشروط قبول المرسل أربعة هي:
1. أن يكون المــُرْسِلُ من كبار التابعين
2. إذا سمّى من أرسلَ عنه سمى الثقة (اي أن تكون روايته وإرساله عن الثقات)
3. إذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه
4. أن يتقوى حديثه بوجه من أوجه التقوية والتعضيد ومنها:
ü أن يروى الحديث من وجه آخر مُسْندا
ü أن يروى من وجه آخر مرسلا [المقصود بالوجه مخرجه وأصله، أي أن يروى عمّن "أخذ العلم عن غير رجال المرسَل الأوّل"]
ü أو يوافق قول صحابي
ü أو يُفْتي بمقتضاه أكثرُ أهل العلمِ [الرسالة للإمام الشافعي (204هـ) تحقيق أحمد شاكر مكتبة الحلبي مصر الطبعة الأولى 1358هـ 1940م ص461، تدريب الراوي 1\223-224، تيسير مصطلح الحديث 58]
فوائد:
ü قد يرفع التابعي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويكون حديثه موصولا ولا يحكم عليه بالإرسال.
وصورته أن يروي مَن سمع مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر، ثم أسلم بعد موته - فهو تابعي اتفاقا وليس صحابيا- وحديثه ليس بمرسل، بل موصول، لا خلاف في الاحتجاج به، كالتنوخي رسول هرقل، وفي رواية قيصر، فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلى، في مسنديهما، وساقاه مساق الأحاديث المسندة. [تدريب الراوي 1\220]
ü أشهر وأكثر من روى المراسيل:
قال الحاكم في علوم الحديث: أكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة، عن ابن المسيب، ومن أهل مكة، عن عطاء بن أبي رباح، ومن أهل البصرة، عن الحسن البصري، ومن أهل الكوفة، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، ومن أهل مصر، عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام، عن مكحول.
قال: وأصحها كما قال ابن معين، مراسيل ابن المسيب ; لأنه من أولاد الصحابة وأدرك العشرة، وفقيه أهل الحجاز، ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم، كإجماع كافة الناس، وقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة، وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره.
تحرير علوم الحديث (2/ 929)
ü المفاضلة بين المراسيل:
قسّم عبد الله الجديع مراسيل التابعين إلى ثلاث طبقات باعتبار "قدم التابعي المرسل وكبره، أو صغره"
"الطبقة الأولى: كبار التابعين، وهم الذين أدركوا كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود ومعاذ بن جبل، وجُل أو أكثر رواياتهم إذا سموا شيوخهم عن الصحابة.
وهؤلاء مثل: قيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع.
ويندرج في جملتهم من يطلق عليه اسم (المخضرمين)، وهم التابعون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، لكنهم لم يثبت لهم شرف الصحبة، مثل: سويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون الأودي، وأبي رجاء العطاردي، وغيرهم.
فمراسيل هذه الطبقة تقرب من المتصل.
الطبقة الثانية: أوساط التابعين، وهم الذين أدركوا علي بن أبي طالب، ومن بقي حيا إلى عهده وبعيده من الصحابة، كحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي أيوب الأنصاري، وعمران بن حصين، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ووقع سماعهم من بعضهم.
ومثال هؤلاء التابعين: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس اليماني، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعامر الشعبي، ومجاهد بن جبر.
فمراسيل هذه الطبقة صالحة تكتب ويعتبر بها.
الطبقة الثالثة: صغار التابعين، وهم من أدرك وسمع ممن تأخر موته من الصحابة في الأمصار، الواحد والاثنين والعدد اليسير، كمن سمع من أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبي أمامة الباهلي.
وهؤلاء مثل: ابن شهاب الزهري، وقتادة بن دعامة السدوسي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحميد الطويل، وشبههم.
فمراسيل هذه الطبقة ألصق بالمعضل منها بالمراسل، من أجل أن أكثر حديثهم حملوه عن التابعين، فإذا أرسل أحدهم فالمظنة الغالبة أن يكون أسقط من الإسناد رجلين فأكثر." [تحرير علوم الحديث 2\929-930]
وهي رواية صغار الصحابة كابن عباس وأنس وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بواسطة يسقطونها ولا يذكرونها.
حكم مرسلات الصحابة:
قال ابن الصلاح: "وأمّا مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ففي حكم الموصول، لأنّهم يروون عن الصحابة، وكلّهم عدولٌ، فجهالتهم لا تضرُّ، والله أعلم." قال ابن كثير معلّقاً : "وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة." [الباعث الحثيث 1\158-159] وقال السيوطي معلّلا حجيّة مراسيل الصحابة: "... لأن أكثر رواياتهم، عن الصحابة، وكلهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بينوها ، بل أكثر ما رواه الصحابة، عن التابعين [ليست] أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات، أو حكايات، أو موقوفات.[تدريب الراوي 1\235]
أمثلة:
قال السيوطي: "وفي الصحيحين من ذلك ما لا يُحصى؛ لأنّ أكثر رواياتهم عن الصحابة" [التدريب 1\235]
وعن البراء بن عازب، قال: " ما كلُّ ما نحدثكموه سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حدثنا أصحابنا، وكانت تشغلنا رعْية الإبل "
[قال في تحرير علوم الحديث 2\949 : " أثرٌ صحيح. أخرجه أحمد في " المسند " (30/ 450، 458 رقم: 18493، 18498) و " العلل " (النص: 3675، 3676) والحاكم في " المستدرك " (1/ 95 رقم 326) و " المعرفة " (ص: 14) وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (رقم: 1165) وابن حزم في " الإحكام " (2/ 12) من طريقين عن سفيان الثوري، عن إسحاق، عن البراء، به. قال الحاكم: " هذا حديث له طرقٌ عن أبي إسحاق السبيعي، وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه ". اهـ]
أشهر المصنّفات في المراسيل:
المراسيل لأبي داود
المراسيل لابن أبي حاتم
جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي (الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل كيكلدي العلائي ولد بدمشق 694هـ وتوفي بالقدس سنة 761هـ) [تيسير مصطلح الحديث 85]
فائدة: أمثلة لرواية الصحابي عن التابعي
ü حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" وزاد البخاري "وهم بالشام". فمعاوية رضي الله عنه صحابي ، ومالك بن يخامر ، تابعي كبير، اختلفوا في صحبته.
ü حديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر رضي الله عنه مرفوعا : "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل". فالسائب رضي الله عنه صحابي ، وعبد الرحمن بن عبد القاري تابعي .
ü حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في سبب نزول قوله تعالى : {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله}، فسهل رضي الله عنه صحابي ، ومروان بن الحكم تابعي مختلف في صحبته .
التدليس أنواع مختلفة ولعلّ التعريف الذي يجمعها هو قولهم: "إخفاء عيب في الإسناد، وتحسينٌ لظاهره" [تيسير مصطلح الحديث ص61]
أقسامه: يمكننا تقسيم التدليس إلى قسمين تدليس الوصل وتدليس الشيوخ، فأمّا تدليس الوصل فأنواع أهمّها تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وتدليس العطف، وتدليس القطع. وأمّا التدليس في الأسماء فهو تدليس الشيوخ.
قال ابن عبد البرّ: "معناه عند جماعة أهل العلم بالحديث أن يكون الرجل قد لقي شيخا من شيوخه، فيسمع منه أحاديث لم يسمع غيرها منه، ثمّ أخبره بعض أصحابه ممّن يثق به عن ذلك الشيخ بأحاديث غير تلك التي سمع منه، فيحدث بها عن الشيخ دون أن يذكر صاحبه الذي حدثه بها، فيقول فيها: عن فلان، يعني عن ذلك الشيخ." اهـ [التمهيد 1\27، معجم مصطلحات الحديث 368-369]
أمثلة:
· أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق أبي اسحاق السَّبِيْعي عن البراء بن عازب- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا".
فرغم كون أبي إسحاق سمِع من البراء بن عزاب رضي الله عنه، لكن هذا الحديث لم يسمعه منه، بل سمِعه من أبي داود نُفَيْع بنِ الحارث وهو متروك متّهم بالكذّب، وعنعنته عنه توهِمُ السماع والاتّصال.
فقد أخرج هذا الحديث ابن أبي الدنيا عن أحمد بنِ محمد بنِ أيوب قال حدّثنا أبو بكر بن عِيّاش عن أبي إسحاق عن أبي داود قال: دخلتُ على البراء بنِ عازبٍ فأخذتُ بيده فقال: سمِعتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: "ما مِن مسلمٍ يلقى أخاه فيُصافِحُ أحدُهما صاحبَه إلاّ غُفِرَ لهما قبل أن يتفرّقا"
ولأجل تدليس أبي إسحاق السَّبِعي لا يقبل حديثه إلاّ إذا صرّح بالسماع كأن يقول حدّثني وسمِعتُ.
· ذكر الحاكم في معرفة علوم الحديث عن عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: لَا، وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [معرفة علوم الحديث 105]
2.تدليس التسوية:
وهو أن يعمد الراوي إلى إسقاط رجلٍ من السند ويصل ما قبله وما بعده بما يوهم السماع ولا يوجبه، مع إمكانية سماع ولقاء الشيوخ المثبَتين في السند. أي أنّ الذي أخذ عن الشيخِ الساقط والذي أخذ عنه الشيخُ الساقطُ قد لقي بعضهما البعض أو سمعا الأوّل من الثاني.
أو قل هو تعمّد إسقاط راو ضعيف بين ثقتين لَقِيَ أحدُهما الآخر ورواية الحديث بصيغ توهم الاتّصال.
وقد وسمَ المحدثون هذا النوع من التدليس بكونه أشرّ أنواعه لأنّه غشّ صريح، ولأنّ فيه إسقاطا من السند وليس مجرد تعميةٍ فقط...
أمثلة:
· كان الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي وهو شيخه الذي سمع منه، والأوزاعي ثقة، وكان الأوزاعي يروي عن الضعفاء فإذا روى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أسقط هؤلاء الضعفاء ليجعل السند من روايته ثقة عن ثقة.
· وممّن اشتهر بهذا الصنيع بَقِيَّةُ بن الوليد، حتّى قيل في حقّه: "أحاديث بقيةَ ليست نقية، فكن منها على تَقيّة"
قال أبو حاتم ابن حبان: " دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميثمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: (قال عبيد الله بن عمر عن نافع) و (قال مالك عن نافع كذا)، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية [تحرير علوم الحديث 2\957]
3.تدليس العطف:
وهو قولُ المدلِّسُ : " حدثنا فلان وفلان" وهو سمع الحديث من الأول دون الثاني. ووجه التدليس في كون عطفه بالواو يوهم الاشتراك في سماعه منهما، ولكنّه ليس صريحا في ذلك، لاحتمال كون الاشتراك في سماعهما من شيخهما، أو كون الواو للاستئناف لا للعطف.
مثاله:
قال الحاكم: " وَفِيمَا حَدَّثُونَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ هُشَيْمٍ اجْتَمَعُوا يَوْمًا عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا مِنْهُ التَّدْلِيسَ فَفَطِنَ لِذَلِكَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَذْكُرُهُ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ , وَمُغِيرَةُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ دَلَّسْتُ لَكُمُ الْيَوْمَ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مُغِيرَةَ حَرْفًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ، إِنَّمَا قُلْتُ: حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ لِي" [معرفة علوم الحديث ص105]
4.تدليس القطع: ويسمى تدليس السكوت
وهو أن يروي المدلِّسُ الحديث الذي سمعه عن شيخه ثمّ يقول حدّثنا ونحو ذلك ثم يسكتُ ناويا قطع الرواية والسند ثمّ يستأنف بعد ذلك بذكر شيخ لم يسمع منه
مثال:
قال ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح: " مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد ابن عدي وغيره، عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: حدثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها " [النكت على كتاب ابن الصلاح، بتحقيق ربيع بن هادي المدخلي، الجامعة الإسلامية المدينة الطبعة الأولى 1404هـ 1984م. 2\617، انظر الباعث الحثيث 1\178]
5.تدليس الشيوخ: ويسمى تدليس الأسماء
وهو أن يَعمُد إلى تسمية رجلٍ في سنده بما لا يُعرف به؛ كي لا يُعرف.
أمثلة:
قول أبي بكر بنِ مجاهد المقرئ حدثنا عبدُ اللهِ بنِ أبي عبدِ الله، وهو يقصد أبا بكر بن أبي داود السجستاني صاحب المصاحف.
وقوله أيضاً حدّثنا محمد بن سَنَد، يقصد أبا بكر محمد بن الحسن النَّقاش المُفَسِّر، لكنّه نسبه إلى جدٍّ له.
قال ابن الصلاح: "وقد كان الخطيب لَهِجاً بهذا القسم من التدليس في مصنّفاته" [ابن كثير في مختصر علوم الحديث، الباعث الحثيث 1\178]
وقال أيضا: " وَالْخَطِيبُ الْحَافِظُ يَرْوِي فِي كُتُبِهِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ مِنْ مَشَايِخِهِ.
وَكَذَلِكَ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَالْجَمِيعُ عِبَارَةٌ عَنْ وَاحِدٍ.
وَيَرْوِي أَيْضًا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ، وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلِ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." [مقدمة ابن الصلاح ص325 في النوع الثامن والأربعين]
وييلحق بهذا القسم من التدليس تدليس البلدان وتدليس الحِرف ونحو ذلك...
أسباب التدليس:
حكم المدلِّسِ:
ذهب جماعة من المحدثين والفقهاء إلى اعتبار التدليس قدحا في العدالة، فقالوا بتجريح المدلسين وترك روايتهم مطلقا سواء صرّحوا بالسماع أو لا، وجنحت طائفة إلى عكس ذلك فقالت بل تقبل رواية المدلِّس مطلقا، والذي عليه الجمهور التفصيل، من خلال التفريق بين المدلِّس الثقة وغير الثقة، فالثقة تقبل روايته إذا جاءت بالصّيغ المصرّحة بالسماع والتحديث، وتردّ إذا جاءت بلفظ محتمل...
قال النووي في التقريب: " قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحاً مردود الرواية وإن بيَّن السماع، والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبيّن فيه السماع فمرسل وما بيّنه فيه، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به...." [انظر: التقريب والتيسير ً39، مقدمة ابن الصلاح ص75] وذلك لأنّ التدليس لا يرتقي إلى درجة ومرتبة الكذب، قال ابن الصلاح: " التدليس لَيْسَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيهَامِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ." [المقدمة 75]، بل إنّ المدلّس ما عدل عن الصيغ الصريحة بالتحديث والسماع إلاّ تنزّها واجتنابا للكذب.
والطعن في عدالة المدلِّس - بسبب تدليسه - متوقف على أسباب ودوافع تدليسه.
قال ابن كثير: "ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يُكرَهُ، كما إذا كان أصغر سنّاً منه، أو نازلَ الروايةِ، ونحو ذلك، وتارة يحرُمُ، كما إذا كان غير ثقةٍ فدلّسه لئلا يُعرَفَ حالُهُ، أو أوهمَ أنّه رجلٌ آخر من الثِقاتِ على وفقِ اسمِه أو كُنيته." [اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث 1\176، وانظر تلبيس إبليس، ابن الجوزي (597هـ) دار الفكر بيروت الطبعة الأولى 1421هـ 2001م ص106]
ولأنّ مطلق التدليس لا يطعن في عدالة الراوي أخرج البخاري ومسلم لكثير من المدلسين كسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأعمش وقتادة وهُشَيم وغيرهم... [مقدمة ابن الصلاح ص75، اختصار علوم الحديث، من الباعث الحثيث 1\174 قال النووي في التقريب: "وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى" التقريب 39]
وذهب البعض إلى استثناء جماعة من المحدثين فيأخذون بروايتهم رغم التدليس منهم:
· من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقِلّة تدليسه، كسفيان الثوري.
· من كان لا يدلِّس إلا عن ثقة كسفيان بن عيينة
· من إذا دلَّس بيَّن تدليسه كأبي أسامة حماد بن أسامة.
· من روى عنه – أي عن المدلِّسِ- مَنْ لا يأخذ إلا ما سمع، كما في رواية شعبة عن الأعمش وأبي إسحاق وقتادة، حيث قال شعبة: " كنتُ أتفقدُ فم قتادة، فإذا قال: حدّثنا وسمعتُ حفِظتُهُ، وإذا قال: حدّث فلان تركته" وقال أيضا: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة ". [معجم مصطلحات الحديث 372، وانظر مقال الحديث الضعيف بسبب سقط في الإسناد د. عبد الله بن حمود الفريح نشر على موقع الألوكة بتاريخ 14\12\2013م 10\02\14435هـ]
وقفة:
حُكي عن شعبة بن الحجاج قوله: " أبو هريرة كان يدلس "
هذا الأثر أخرجه ابنُ عدي [الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني (365هـ) تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1418هـ 1997م. 1/ 151] ومن طريقه: ابنُ عساكر (571هـ) في تاريخه [بتحقيق عمرو بن غرامة العمروي دار الفكر بيروت 1415هـ 1995م 67/ 359]
وأورد الذهبي هذا النص في " سير أعلام النبلاء " (2/ 608) معلقا بقوله: " تدليس الصحابة كثير، ولا عيْب فيه، فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدولٌ."
إنّ اصطلاح التدليس بكلّ أنواعه لا يخلو من مفهوم التعمية وأحيانا كثيرة مفهوم الغشِّ، وهو في اللغة بمعنى الخفاء والظلمة والسواد وستر العيب والخداع [العين، الخليل بن أحمد الفرهيدي (170هـ) تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السمرائي دار الهلال (د ت) 7\228، تهذيب اللغة، أبو منصور الأزهري (370هـ) تحقيق محمد عوض مرعب دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الأولى 2001م 12\252-253، مقاييس اللغة، أبو الحسن أحمد بن فارس (395هـ) تحقيق عبد السلام هارون دار الفكر بيروت 1399هـ 1979م.] وهي جميعها مفاهيم ومعاني لا ينبغي أن تطلق على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم
قال الشيخ عبد الله الجديع: "والتحقيق أنه قبيح من جهة اللفظ أن ينسب للصحابة تدليس، فلفظ التدليس وإن كان له معنى اصطلاحي يتناول ما نسميه بمراسيل الصحابة، إلا أن الاصطلاح منشأ من قبلنا، قصدنا به دفع ما وقع من الموصوفين بالتدليس من إسقاط الواسط المجروحة، مما يوهم سلامة الإسناد في الظاهر، وهو أمرٌ حادث بعد الصحابة." [تحرير علوم الحديث، عبد الله يوسف الجديع مؤسسة الريان بيروت الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 2\948]
وهذا الأثر من حيث الإسناد رواه ابن عديّ عن الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ التُّسْتَرِيِّ، قال أَخْبَرنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعتُ يزيد بن هارون، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَة يقول.
في الحسن بن عثمان التستري كذاب متّهم بالوضع قال عنه ابن عدي نفسه: "الحسن بن عثمان بن زياد بن حكيم، أبو سَعِيد، التستري، كان عندي يضع، وَيَسْرِقُ حديث الناس، سألت عبدان الأهوازي عنه، فقال: هو كَذَّابٌ. [الكامل 3\207]
وخلاصة القول أنّ هذه العبارة لا تليق بمقام الصحابة حتى وإن زعم قائلها أنّه إنّما أراد باصطلاح التدليس مفهوم الإرسال، فينبغي تنزيه الصحابة رضي الله عنهم عن كلِّ ما يشينهم أو يقدح في عدالتهم وينقص من شأنهم ولو كان ذلك بحسن نيّة وغير قصد، ولو كان ذلك بألفاظ ظنّية ومحتملة...
كتب ومؤلفات في التدليس:
التبيين لأسماء المدلسين، للخطيب البغدادي
التبيين لأسماء المدلسين، لبرهان الدين ابن الحنبلي
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، لا بن حجر
إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ، لحماد بن محمد الأنصاري
تعريفهما:
الحديث المعنعن هو الذي يقال فيه: "فلان عن فلان"
والمؤنأن أو المؤنّن هو الذي يقال فيه: " أنّ فلان قال"
فهو رواية الحديث باستعمال صيغة "عن" أو "أن" دون التصريح بالتحديث والإخبار والسماع.
أمثلة :
[الأمثلة منقولة من تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير (774هـ) تحقيق سامي بن محمد سلامة دار طيبة المدينة الطبعة الثانية 1420هـ 1999م 4\8-9. وتفسير ابن كثير عليه رحمة الله هو الكتاب الذي سنعتمده في التطبيقات...]
· أخرج الإمام أحمد من طريق مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، قال أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ، فَهَزَمَ اللَّهُ تعالى الْعَدُوَّ... الحديث.
· وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ -وَاللَّفْظُ لَهُ -وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّانُ الرِّجَالِ، وَبَقِيَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمَغَانِمُ، جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا، فَإِنَّا كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوِ انْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا. فَتَنَازَعُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَطِيعُوااللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
· وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَتَى بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"... الحديث
حكمهما، أو هل يحمل السند المعنعن والمؤنّن على الاتصال أو الانقطاع ؟
اختلف أهل الحديث في حكم الحديث المعنعن والمؤنّن هل هو من قبيل المتّصل الإسناد أو لا ؟ على أقوالٍ أهمّها ما يأتي:
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ: "كُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ إِنْسَانٍ فَحَدَّثَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى السَّمَاعِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَا حَكَاهُ، وَكُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ لِقَاءُ إِنْسَانٍ فَحَدَّثَ عَنْهُ، فَحُكْمُهُ هَذَا الْحُكْمُ." [فتح المغيث 1\203]
وقال الخطيب البغدادي: " وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ «حَدَّثَنَا» فُلَانٌ «عَنْ» فُلَانٍ , صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ , إِذَا كَانَ شَيْخُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ وَلَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ , وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُحَدِّثُ مِمَّنْ يُدَلِّسُ" [الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي الخطيبُ البغدادي (463هـ) تحقيق أبو عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني. المكتبة العلمية المدينة ص291]
والراجح مذهب من حكم على الحديث المعنعن بالاتصال شريطة أن يكون راويه ثقةً لا يُعرف بالتدليس، وثبوت المعاصرة أو اللقاء على خلاف بين أهل الحديث وعلى رأسهم البخاري ومسلم، وسنحاول التفصيل في هذه المسألة في مبحث خاص نتناول فيه شيئا من الفرق بين شروط البخاري وشروط مسلم – إن شاء الله -.
ملحوظة:
لكن قبل الفراغ من مسألة حكم الحديث المعنعن ينبغي الإشارة إلى أنّ الخلاف المذكور ها هنا خاص بالمتقدمين من أهل الحديث، وهم كما قال الإمام ابن حجر إلى ما قبل الخمسمائة، أمّا المتأخرون منهم فقد اصطلحوا على أنّ صيغة "العنعنة" في الحديث خاصة بالنقل أو الرواية بالإجازة. [النكت 2\586]
فائدة:
العنعنة قد تكون من مباحث المتن، لا علاقة لها بالسند ولا بالاتصال والانقطاع:
قال ابن حجر: "... إنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق القصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر..."
ومثّل لذلك بأمثلة منها:
· ما أخرجه ابن أبي خيثمة في "تأريخه" عن أبيه قال: ثنا أبو بكر بن عياش. ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.
فلا يمكن حمل عنعنة أبي إسحاق عن أبي الأحوص على الرواية أصلا فضلا عن الاتصال والإرسال؛ بل هي كقوله ّفيما يخصّ قصة أبي الأحوص" قال ابن حجر: "لأنه لا يمكن أن يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله."
· روى محمد بن يعقوب قال: ثنا ابن أبي داود ثنا يونس بن محمد ثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن عبيد عن الحسن عن معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غازيا بتبوك، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد هل لك في جنازة معاوية بن معاوية؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فقال جبريل عليه السلام: هكذا بيده، ففرج له عن الجبال والآكام" فذكر الحديث.
وقوله في هذا الحديث: "عن الحسن عن معاوية بن معاوية رضي الله عنه" لا يتعلق بسند الحديث بل بمتنه؛ لأنّ الحسن لم يسمع الحديث أو يأخذه عن معاوية بن معاوية رضي الله عنه قطعا؛ فقد توفي هذا الأخير في قصة الحديث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بل مقصوده بالعنعنة "عن قصة معاوية" أو "عن الحديث الذي يذكر فيه معاوية" ونحو ذلك...
· وقال ابن عبد البر - في حديث - بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - في قصة الاستئذان ثلاثا: "ليس المقصود من هذا رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - لهذا الحديث عن أبي موسى لأن أبا موسى سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد بذلك لأبي سعيد عند عمر - رضي الله عنه - وإنما وقع هذا على سبيل التحرز، والمراد عن أبي سعيد، عن قصة أبي موسى- رضي الله عنه -".
وقد سماه الحاكم منقطعا [انظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي (902هـ) تحقيق علي حسين علي مكتبة السنة القاهرة الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 1\200]
أقسامه: ينقسم إلى ثلاثة أقسام
أ. إبهام في المتن.
مثاله:
حديث ابن عباس رضي الله عنه أنّ رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : يا رسول الله الحجّ كلّ عام ؟ . هو الأقرع بن حابس وقيل سراقة بن مالك رضي الله عنهما ...
حديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم رأى رجلا قائما في الشمس . قال الخطيب هو أبو إسرائيل قيصر العامري رضي الله عنه.
ب. إبهام في أصل السند؛ أي في طبقة الصحابة رضي الله عنهم.
مثاله:
ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصُّنابِحيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - عن الأغلوطات. قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل. [سنن سعيد بن منصور 1\324\1179]
فالرجل لم يسمَّ، فهو مبهم، وقد بيّن سعيد بن منصور أنّه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد في المسند: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ، وَرَوْحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ، فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ " [المسند طبعة مؤسسة الرسالة 24\149\15423]
ت. إبهام في الإسناد في غير طبقة الصحابة رضي الله عنهم.
مثاله:
عن سعيد بن منصور قال حدّثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "من قرأ في ليلةٍ عَشْرَ آياتٍ لم يكتَبْ مِنَ الغافلينَ" [التفسير من سنن سعيد بن منصور 1\129\24]
أنواع المبهمات باعتبار صيغها: كرجل، وامرأة، وقوم، وناسٍ، وابنٍ، وعمٍّ، وخالٍ.... ومن الأمثلة التي ذكرها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926هـ) [ في فتح الباقي بشرح ألفية العراقي بتحقيق عبد اللطيف هميم وماهر الفحل دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1422هـ 2002م 2\301] ما يلي:
الابن: "من المبهَمِ (نَحْوُ ابنِ فُلاَنٍ)، كابنِ مِرْبَعٍ الأنصاريِّ - بكسر الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الموحدةِ وبمهملةٍ - هو زيدٌ، أو عَبْدُ اللهِ، أو يزيدُ "
العمّ: "نَحْوُ (عَمِّهِ) أي: عَمّ فُلانٍ، كزيادِ بنِ عِلاقَةَ، عن عمِّهِ هُوَ قُطْبَةُ بنُ مَالِكٍ، وكَرافعِ بنِ خَديجِ بنِ رافعٍ، عَن بَعضِ عُمومَتِه، هو ظُهَيْرُ بنُ رافعٍ."
العمّة: "نحوُ (عَمَّتِهِ)، كحُصَيْنِ بنِ مِحْصَنٍ، عَنِ عمَّةٍ له، هي: أسْمَاءُ."
الزوجة: "نحوُ (زَوْجَتِهِ)، كخبرِ: جاءت امرأةُ رِفَاعةَ القُرَظيِّ، هي: تَمِيمَةُ بنتُ وهبِ بالتكبيرِ، وقِيْلَ: تُمَيْمَةُ بالتصغير، وقِيْلَ: سُهَيْمةُ."
الزوج: "زوجُ فلانةٍ، كخبرِ سُبَيْعَةَ الأسلَميَّةِ: أنها ولدَت بعد وفاةِ زوجِها بليالٍ، هو: سَعدُ بنُ خَولَةَ."
ابن الأمّ: "نحوُ (ابنِ أُمِّهِ)، كخبرِ أمِّ هانئ ٍ: أنَّها قالت: ((زعمَ ابنُ أمي أنه قاتلٌ رجلاً أجَرتُه ... الحديث)). هو: أخوها عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله تَعَالَى عَنْهُ -."
حكم الحديث المبهم: (من حيث القبول والردّ)
الإبهام في المتن لا علاقة له بقَبول الحديث أو ردّه، لكن معرفة المبهم وتسميته من شأنه أن تزيد المتن قوة من حيث سعة دلالته والإسناد صحة من حيث ضبط رواته وبيانهم، أمّا الإبهام في الإسناد فإنّه على ضربين، أوّلهما إذا كان في طبقة الصحابة فلا يضرّ لعدالتهم أجمعين رضي الله عنهم، وأمّا إذا كان في غير طبقة الصحابة، فإنّ للحديث حينئذ حكم المنقطع.
ملاحظة: لو أبهِم الراوي بما يفيد توثيقه كأن يقول المصنفُ حدّثني الثقة. لا يخرج الحديث عن كونه مبهما ضعيفا، لأنّ من كان ثقة عند الراوي قد لا يكون كذلك عند غيره، فلا بدّ والأمر كذلك من تعريفه وتسميته. [انظر تيسير مصطلح الحديث ص93]
كتب المبهمات: ممّا صنّف في الكشف عن الإبهام وتسمية المبهمين:
كتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي
كتاب " المـُستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لوليّ الدين العراقي.
المجهول مِن الرجال هو الذي رغم تسميته لم نتمكن من الحكم عليه لجهلنا بعينه أو حاله.
أقسامه:
أ. مجهول العين: من لم يرو عنه إلاّ راوٍ واحد.
قال الخطيب البغدادي: " هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد" [الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي الخطيبُ البغداديُّ (463هـ) تحقيق: أبو عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني. المكتبة العلمية المدينة المنورة ص88]
ترتفع جهالة العين بأن يروي عن مجهول العين اثنان فصاعداً، ولكن بمثل هذه الرواية إنّما ترتفع عنه الجهالة ولا تثبت له العدالة. [التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، أبو الفضل زينُ الدين عبدُ الرحيم بنُ الحسين الحافظُ العراقي (806هـ) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان المكتبة السلفية المدينة الطبعة الأولى 1389هـ 1969م ص148]
ب. مجهول الحال ويسمى المستور: من روى عنه أكثر من راوٍ لكنّه لم يوثّق[3].
أمثلة:
مِثْلُ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ وَجَبَّارٍ الطَّائِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَغَرَّ الْهَمْدَانِيِّ وَالْهَيْثَمِ بْنِ حَنَشٍ وَمَالِكِ بْنِ أَغَرَّ وَسَعِيدِ بْنِ ذِي جُدَّانَ وَقَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ وَخَمِرِ بْنِ مَالِكٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ.
ومِثْلُ سَمْعَانَ بْنَ مُشَنَّجٍ وَالْهِزْهَازِ بْنِ مِيزَنٍ لَا يُعْرَفُ عَنْهُمَا رَاوٍ إِلَّا الشَّعْبِيُّ
وَمِثْلُ بَكْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ وَحَلَامِ بْنِ جَزْلٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمَا إِلَّا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ .
وَمِثْلُ يَزِيدَ بْنِ سُحَيْمٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِثْلُ جُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ .
وَمِثْلُ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ.
[الكفاية للخطيب ص88]
توثيق المجهول:
يوثّق المجهول بما يأتي:
أن يوثّقه أحد الأئمة ممّن لم يرو عنه.
أن يوثّقه من روى عنه إذا كان من أهل التخصّص في الجرح والتعديل كالإمام البخاري مثلا.
حكمه:
اختلفوا في حكمه إلى مذاهب بناء على اختلافهم في طرق ومناهج الجرح والتعديل.
· لا تقبل أحاديث المجاهيل إلاّ إذا وُثِّقوا بالتنصيص من الأئمة أو باستفاضة عدالتهم وضبطهم.
· الأصل في المسلمين العدالة ما لم يجرحوا وهو مذهب ابن حبان ومشهور الحنفية.
· الأصل في طلبة العلم المشتغلين بالحديث العدالة حتى يجرحوا، وهو قول ابن عبد البر.
· إذا روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه حُسِّن حديثه وهو اختيار البزار والسخاوي ونسبه الذهبي للجمهور، وصرح به الألباني في مقدمة تمام المنة.
والله أعلم بالحقّ والصواب.
كتب صنفت في المجهولين:
كتب الوحدان، وهي كتب صنفت في تتبع من لم يروِ عنه إلاّ واحدٌ من أشهرها "الوحدان" للإمام مسلم.
كتاب الخطيب البغدادي "مُوضح أوهام الجَمْعِ والتفريق"
جمع وإعداد : فتحي بودفلة
[1] فيندرج في صنف المدلّس، وسيأتي بيان ابن حجر للتداخل بين المعلق والمدلّس.
[2] على خلاف من قال مذهب الشافعي أنّه لا يقبل إلاّ مرسلات سعيد بن المسيّب.
[3] وفرّق بعضهم بين مجهول الحال والمستور باعتبار عدالة الظاهر والباطن.
جمع وإعداد: فتحي بودفلة
توطئة:
اتّصال السند شرط لتصنيف الحديث في خانة الأحاديث المقبولة، صحيحة كانت أو حسنة، وأيّ إخلال بهذا الشرط يُعتبَرُ قدح في الحديث ينقله من خانة المقبول إلى خانة الضعيف المردود.
والقدح في اتّصال السند أنواع تختلف باختلاف موضع الانقطاع، وعدده، وظهوره وخفائه، وما كان الانقطاع فيه حقيقة وما كان الانقطاع فيه صوريا حكميا...
فما كان من انقطاع في أوّله فهو المعلّق وما كان في أصل الحديث فهو المرسل
وما كان الانقطاع فيه برجل واحد فهو المنقطع وما كان برجلين متتابعين أو أكثر فهو المعضل، وما كان انقطاعه خفيّا فهو المدلّس...وكثير من هذه الأنواع بينها اشتراك في بعض نماذجها وأقسامها وتداخل في مفهومها...
- ما لا أصل له:
ومن الاصطلاحات التي يستعملها المحدثون لإفادة هذا المفهوم: لا اصل له، لا يُعرف له أصل، لا أصل له بهذا اللفظ، لم يُوجد له أصل...
أمثلة:
· حديث الغزالة، ذُكِرَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله، إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم. فقال: "أين صاحب هذه؟" فقال القوم: نحن يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم" فقالوا من لنا بذلك؟ قال: "أنا" فأطلقوها فذهبت فأرضعت، ثم رجعت إليهم فأوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين أصحاب هذه؟" فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله. فقال: "تبيعونيها؟" فقالوا هي لك يا رسول الله فقال: "خلوا عنها" فأطلقوها فذهبت.
قال الملا علي القاري: "حَدِيثُ تَسْلِيمُ الْغَزالَةِ اشْتُهِرَ عَلَى الأَلْسِنَةِ وَفِي الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَمَنْ نَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَذَبَ" [المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، علي بن سلطان محمد أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (1014هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1398هـ ص80 رقم 91]
· حديث: "قال الله تعالى إذا أردتُ أن أُخَرِّبَ الدُّنيا بدأتُ ببيتي فَخَرَّبْتُهُ ثمّ أُخرِّبُ الدنيا" قال الحافظ العراقي: لا أصل له. [المرجع السابق ص51 رقم 15]
· حديث: "أفضلُ العباداتِ أحْمَزُها" أي أشقُّها قال الزركشي: لا يُعرفُ، وقال ابن القيّمُ في شرح منازل السائرين: "لا أصل له. [المرجع السابق س57 رقم 33]
· حديث: "أُمِرتُ أنْ أحكم بالظاهرِ واللهُ يتولى السرائرَ" قال أحمد الغزي العامري: "هُوَ دَائِرٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ وَقَالَ الْمِزِّيُّ وَالْعِرَاقِيُّ لَا أَصْلَ لَهُ لَكِنْ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ / فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ " قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الأُمِّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَهُ فَأَخْبَرَهُمْ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إِلَى الله" [الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث، أحمد بن عبد الكريم بن سعودي الغزي العامري (1143هـ) تحقيق بكر عبد الله أبو زيد دار الراية الرياض الطبعة الأولى ص55 رقم 45]
· حديث: "أنا أفصح من نطق بالضّاد" قال ابن كثير لا أصل له ومعناه صحيح" [المرجع السابق ص57 رقم 50]
- المنقطع:
قد يكون السقط في أوّل الحديث ووسطه وأصله، لكن المشهور والمتداول استعمال هذا الاصطلاح فيما كان السقط في وسط السند لا في أطرافه.
وقد استعمل أكثر الفقهاء وبعض المحدثين اصطلاح المنقطع في كلّ سند فيه سقطٌ كيفما كان ذلك السقط [تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي 1\35، الباعث الحثيث 1\164]، ويبدو والله أعلم أنّ هذا الاستعمالَ استعمالٌ لغوي أكثر منه اصطلاحيّ باعتبار أن السقط في السند كيفما كان هو من حيث اللغة انقطاعٌ.
أمثلة:
· رواية الإمام مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقد سقط من هذا السند نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما.
· رواية سفيان بن عيينة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، سفيانُ تابعُ تابعي لم يدرك جابر بن عبد الله وقد سقط من هذا السند عمرو بن دينار .
· رواية الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه، والزهري رغم كونه تابعيا جليلا إلاّ أنّه لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه بل بينهما واسطة هي رواية سعيد بن المسيّب.
· حديث: "استُكرِهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدَّ...." رواه الترمذي عن الحجاج بن أرطأة، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه رضي الله عنه. قال الترمذي: "وليس إسناده بمتصل، وعبدالجبار لم يسمع من أبيه، لأنه ولد بعد أبيه بستة أشهر".
· حديث: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كَرِه الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: "إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ". رواه أبوداود من طريق ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة رضي الله عنه . أبو خليل لم يسمع من أبي قتادة.
· حديث: "إن ولّيتموها أبا بكر فزاهدٌ في الدّنيا راغبٌ في الآخرة، وفي جسمه ضعفٌ، وإن وليتموها عمرَ فقويٌّ أمينٌ لا يخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وإن ولّيتموها عليّا فهادٍ مهتدٍ يُقيمُكم على صراطٍ مستقيمٍ" رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْعٍ عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا. الحديث منقطع كما ذكر ابن الصلاح في موضعين عبد الرزاق لم يسمعه من سفيان وإنّما رواه عن النُّعمان بن أبي شيبة الجَنَدِيِّ عن سفيان، وسفيان بدوره لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنّما رواه عن شريك عن أبي إسحاق.
- المعضل:
فشرط الحديث لكي يسمى معضلاً سقوط أكثر من راوٍ من السند، وتتابع السقوط، فإنّ اختلّ هذان الشرطان كأن يسقط من السند رجل واحد، أو رجلان غير متتابعين، سُمِيَ الحديث منقطعا.
أمثلة:
· حديث: "يقال للرجل يوم القيامة: عمِلتَ كذا وكذا ؟ فيقول: ما عَمِلتُه، فَيُخْتَمُ على فيه، [فتنطق] جوارحه، أو قال: فينطق لسانه فيقول لجوارحه: أبعدكنّ الله، ما خاصمتُ إلاّ فيكنّ." أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث وقال: أعضله الأعمش؛ لأنّ بين الأعمش وبين رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلان، الشعبي وأنس بن مالك رضي الله عنه.
· حديث: "للمملوك طعامُه وكِسوتُه بالمعروف ولا يكلّف من العمل إلاّ ما يطيق" رواه الحاكم في علوم الحديث من طريق القعنبي عن مالك أنّه بلغه أنّ أبا هريرة رضي الله عنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الحديث معضل، لأنّ بين مالك وأبي هريرة رجلان، وقد وُصِل من طريق إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه
مظان الأحاديث المنقطعة والمعضلة:
قال السيوطي: "من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور ومؤلفات ابن أبي الدنيا."
- المعلق:
فقد يسقط شيخ المصنّف، أو شيخه وشيخ شيخه، كما قد يسقط السند كلّه.
أمثلة:
· ما جاء في صحيح البخاري -كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ- بلفظ قال أبو موسى - رضي الله عنه -: "غطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركبتيه حين دخل عثمان".
· قال البخاري في الباب نفسه: وقال أنس بن مالك حسر النّبيُّ صلى الله عليه وسلّم عن فخذه.
والبخاري لم يلق أحداً من الصحابة بل لم يلق التابعين، وأعلا أسانيده أن يفصل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث رجال. فالحديثان معلقان؛ لأنّه حُذِف منهما رجلان على الأقلّ.
· وفي البخاري كذلك قوله: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم أنّ عطاء بن يسار أخبره أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا.........."
والبخاري لم يسمع من مالك بل يروي عنه بواسطة عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس ومعن وقتيبة و غيرهم ... فالحديث معلّق لأنّ البخاري حذف الواسطة بينه وبين الإمام مالك.
· وفي صحيح البخاري قوله: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم – في حديثه عن المعذبين في القبر- "كان لا يستترُ من بَولِه" .
في هذا المثال حذف الإمامُ البخاري سندَ الحديثِ كلَّه.
فوائد متعلقة بالمعلقات:
· بداية اصطلاح التعليق: أوّل من أطلق هذا المصطلح هو الإمام الدارقطني (385هـ) ثمّ انتشر بعده بين المحدثين.
· أسباب التعليق: أو لماذا يعلّق المصنّف أحاديثه ؟ لعلّ من أهمّ أسباب التعليق ضعف شيخ المصنّف فيلجأ إلى إخفائه من خلال تعليقه للحديث ونسبته لغيره[1]، وقد يكون السبب مجرد طلب الاختصار، أو الاحتجاج به على مذهب الأصوليين والفقهاء، أو استعماله في المتابعات لتقوية الأحاديث الضعيفة والحسنة... ومن أشهر الأسباب التي دفعت كلٌّ من البخاري ومسلم إلى تعليق بعض أحاديثهما بيان عدم اندراجها في صحيحيهما لعدم استيفائها شروطهما، أو لبيان فقههما في المسألة، أو استعمالها كالترجمة والعنوان للكتب والأبواب... ونحو ذلك.
· حكم معلقات البخاري: الحديث المعلّق ضعيف لفقده شرط اتّصال سنده، ومعلقات البخاري من حيث كونها معلّقة لا تخرج ولا تشذّ عن هذا الحكم؛ لكنّها باعتبار جلالة راويها وأهمية وخطورة الكتاب الذي وردت فيه عمَد الحفاظُ والمحدّثون إلى استقرائها وتتبع طرقها وأسانيدها؛ فصنّفوها إلى صنفين؛ صنف جزم البخاري بنسبتها إلى أصحابها كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال ابنُ عباس رضي الله عنهما، وجاء عن مالك، وورد عن الزهيري... ونحو ذلك، وقسم رواه البخاري بصيغ التمريض كقوله: قِيل، ورُوِي، وذُكِر... ونحو ذلك. فأمّا ما رواه البخاري بصيغ الجزم فهي صحيحة عنده، وما رواه بصيغ التمريض فلا يُستفادُ منها تصحيح ولا تضعيف [ابن كثير في اختصار علوم الحديث. الباعث الحثيث 1\122 وقيل بل هي ضعيفة عند الإمام البخاري سواء كان الضعف إخلالا بشرط صحيحه أو بشرط مطلق الصحيح. مع العلم أنّ معلقات البخاري ومسلم قد وصلت سواء في الصحيحين أو خارجهما، ولابن حجر كتاب مشهور في هذا الشأن بعنوان (تغليق التعليق)...
· صنف ثالث لمعلقات البخاري عند المغاربة:
عدول الإمام البخاري عن الرواية عن شيوخه بصيغة (حدثنا) إلى (قال لنا) و(قال لي) و(زادني) عدّه بعضُ المغاربة – كما قال ابن الصلاح – صنفا وقسما ثالثا لأقسام المعلقات عند البخاري لا يذكره إلاّ للاستشهاد؛ لأنّه لا يستوفي شروط صحيحه.
وقال ابن مَنْدَهْ : "كلُّ ما يقول البخاري فيه قال لي فهي إجازةٌ" قال ابن حجر: "وهي دعوة مردودةٌ بدليل أَنِّي اسْتَقْرَيْتُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقُول فِيهَا فِي الْجَامِعُ قَالَ لِي فَوَجَدْتُهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ يَقُولُ فِيهَا حَدَّثَنَا وَالْبُخَارِيُّ لَا يَسْتَجِيزُ فِي الْإِجَازَةِ إِطْلَاقَ التَّحْدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَسْمُوعِ لَكِنْ سَبَبَ اسْتِعْمَالِهِ لِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَبْلُغُ شَرْطَهُ وَمَا لَا يبلغ وَالله أعلم [الفتح1\156 دار المعرفة بيروت 1379هـ]
قال الكِرْمانيُّ : "الْفَرْقُ بَيْنَ قَالَ لنا وَحدثنَا أَنَّ الْقَوْلَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُسْمَعُ مِنَ الشَّيْخِ فِي مَقَامِ الْمُذَاكَرَةِ وَالتَّحْدِيثَ فِيمَا يُسْمَعُ فِي مَقَامِ التَّحَمُّلِ. " وقد ردَّ ابنُ حجر رأيَ الكِرمانيّ في الفتح قائلاً: " لَكِنْ لَيْسَ اسْتِعْمَالُ الْبُخَارِيِّ لِذَلِكَ مُنْحَصِرًا فِي الْمُذَاكَرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا يَكُونُ ظَاهِرَهُ الْوَقْفُ وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَاتِ لِتَخَلُّصِ صِيغَةِ التَّحْدِيثِ لِمَا وُضِعَ الْكِتَابُ لِأَجْلِهِ مِنَ الْأُصُولِ الْمَرْفُوعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وُجُودُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا فِي الْجَامِعِ بِصِيغَةِ الْقَوْلِ مُعَبِّرًا فِيهَا بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ فِي تَصَانِيفِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْجَامِعِ" [الفتح 2\513]
- البلاغات:
وأشهر من استعمل هذا الاصطلاح وعرِف به هو الإمام مالك في موطّئه حتى أصبح هذا الاصطلاح إذا أطلق انصرف إليه دون سواه ممّن استعمله.
حكم بلاغات الإمام مالك:
الأصل في البلاغات أنّها ضعيفة لانقطاع سندها؛ إذ لا يمكن الحكم على الحديث بالقبول إلاّ إذا تيقنّا عدالة وضبط رواته، ولا وجه لإثبات ذلك في البلاغات لجهالتنا بعين الساقط فضلا عن عدالته. ولهذا قال الزرقاني في شرح الموطأ: "البلاغ من أقسام الضعيف" . أمّا ما يروى من تصحيح البلاغات كقول سفيان [الثوري] "إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح." [شرح الموطأ، محمد بن عبد الباقي الزرقاني تحقيق طه عبد الرؤوف سعد مكتبة الثقافة الدينية القاهرة الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 1\367] فإنّ ذلك محمول على كون هذه البلاغات مروية من الثقة أو أنّها مسندة وموصولة من طرق أخرى.
وقد وصل الحافظ ابن عبد البرّ جميع بلاغات مالك في التمهيد إلاّ أربع أحاديث تكفّل ابن الصلاح بوصلها.
أمثلة:
· عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا: «يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ» [الموطأ ، مالك بن أنس (179هـ) بعناية محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت 1406هـ 1985م. ص150\ رقم 23]
· وعنه قال: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ [ص316\رقم 7]
· وقَالَ مَالِكٌ: «مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً» [ص557\رقم19]
· ومن أمثلة البلاغات عن غير مالك ما رواه مالك نفسه في الموطأ عن ابن شهاب الزهري عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِحْدَى صَلَاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ. فَسَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ... حديث ذي اليدين. [ص94\رقم 60]
هل تندرج البلاغات في المعلقات ؟
كثيرا ما تدرج البلاغات في المعلقات، ويقال البلاغات أخصّ من المعلقات باعتبارها مثلها في الانقطاع في أوّل السند ولا تختصّ عنها إلاّ في الصيغة المستعملة وهي "بلغني" . والصواب أنّ الأحاديث التي يقول فيها مالك بلغني هي التي تحمل هذا الحكم والوصف، وإلاّ فإنّ من البلاغات ما تستعمل فيها هذا الصيغة في أصل السند أو في وسطه لا في أوّله، ومثاله قول أبي بكر بن سليمان في الحديث المتقدم بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركع ركعتين.
- المرسل
تعريف الفقهاء والأصوليين: هو كلّ حديث لم يتّصل سنده بحالٍ من الأحوالِ، وانقطع بأيّ صفة كان ذلك الانقطاع، فيندرج فيه كلُّ أصناف هذا المحور. [تيسير مصطلح الحديث 57]
أمثلة:
· قال أبو داود [المراسيل رقم 105]: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا كثير بن هشام، عن عمر بن سليم الباهلي، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع ".
إسناد هذا الحديث حسن إلى الحسن، وهو البصري الإمام من سادة التابعين، لكنه أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عمن حمله، فهو ضعيف من جهة إرساله. [تحرير علوم الحديث 2\926-927]
· أخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريح، عن عطاء: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس، فقال: السلام عليكم. » [راجع: تيسير علوم الحديث للمبتدئين، ص42]
· أخرج أبو داود في المراسيل (ص: 166) والحاكم (2/ 41) وغيرهما من طريق الربيع، أنبأ الشافعي، أنبأ مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع اللحم بالحيوان"
حكم المرسل:
اختلف أهل العلم في حكم الاحتجاج والعمل بالحديث المرسل إلى مذاهب عدّة، يمكننا إجمالها في ثلاثة مذاهب:
· المرسل ضعيف لا يحتج به: مذهب جمهور المحدثين وجماعة من الفقهاء والأصوليين، وحجتهم أنّ العلم بحال الراوي بعدالته وضبطه شرط في قبول الحديث، وفي المرسل ساقطٌ مجهول العين لا يمكننا التبيّن من حاله، خاصة وأنّه يحتمل أن لا يكون صحابيّا. [تدريب الراوي 1\223، تيسير مصطلح الحديث ص57]
· المرسل صحيح يحتجّ به : مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك والمشهور عن أحمد، قال ابن جرير الطبري: "أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحدٍ من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين." قال ابن عبد البرّ: كأنّه يعني أنّ الشافعي أوّل من ردّه. [تدريب الراوي 1\223].
والظاهر من مذهب هؤلاء أنّهم إنّما يحتجون بمرسل الثقة الذي يروي عن الثقات، فهم لا يروون الأحاديث المسندة المتّصلة الإسناد إلاّ عن الثِقات فكيف يجيزون المرسلات عن غير الثقات، ولهذا السبب روي عن الإمام أبي حنيفة أنّه لا يقبل إلاّ مراسيل القرون الثلاثة الفاضلة .
· المرسل صحيح حجة بشروط: وهو مذهب الإمام الشافعي – على التحقيق[2] – ورواه أبو داود عن أحمد. وشروط قبول المرسل أربعة هي:
1. أن يكون المــُرْسِلُ من كبار التابعين
2. إذا سمّى من أرسلَ عنه سمى الثقة (اي أن تكون روايته وإرساله عن الثقات)
3. إذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه
4. أن يتقوى حديثه بوجه من أوجه التقوية والتعضيد ومنها:
ü أن يروى الحديث من وجه آخر مُسْندا
ü أن يروى من وجه آخر مرسلا [المقصود بالوجه مخرجه وأصله، أي أن يروى عمّن "أخذ العلم عن غير رجال المرسَل الأوّل"]
ü أو يوافق قول صحابي
ü أو يُفْتي بمقتضاه أكثرُ أهل العلمِ [الرسالة للإمام الشافعي (204هـ) تحقيق أحمد شاكر مكتبة الحلبي مصر الطبعة الأولى 1358هـ 1940م ص461، تدريب الراوي 1\223-224، تيسير مصطلح الحديث 58]
فوائد:
ü قد يرفع التابعي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويكون حديثه موصولا ولا يحكم عليه بالإرسال.
وصورته أن يروي مَن سمع مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر، ثم أسلم بعد موته - فهو تابعي اتفاقا وليس صحابيا- وحديثه ليس بمرسل، بل موصول، لا خلاف في الاحتجاج به، كالتنوخي رسول هرقل، وفي رواية قيصر، فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلى، في مسنديهما، وساقاه مساق الأحاديث المسندة. [تدريب الراوي 1\220]
ü أشهر وأكثر من روى المراسيل:
قال الحاكم في علوم الحديث: أكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة، عن ابن المسيب، ومن أهل مكة، عن عطاء بن أبي رباح، ومن أهل البصرة، عن الحسن البصري، ومن أهل الكوفة، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، ومن أهل مصر، عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام، عن مكحول.
قال: وأصحها كما قال ابن معين، مراسيل ابن المسيب ; لأنه من أولاد الصحابة وأدرك العشرة، وفقيه أهل الحجاز، ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم، كإجماع كافة الناس، وقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة، وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره.
تحرير علوم الحديث (2/ 929)
ü المفاضلة بين المراسيل:
قسّم عبد الله الجديع مراسيل التابعين إلى ثلاث طبقات باعتبار "قدم التابعي المرسل وكبره، أو صغره"
"الطبقة الأولى: كبار التابعين، وهم الذين أدركوا كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود ومعاذ بن جبل، وجُل أو أكثر رواياتهم إذا سموا شيوخهم عن الصحابة.
وهؤلاء مثل: قيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع.
ويندرج في جملتهم من يطلق عليه اسم (المخضرمين)، وهم التابعون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، لكنهم لم يثبت لهم شرف الصحبة، مثل: سويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون الأودي، وأبي رجاء العطاردي، وغيرهم.
فمراسيل هذه الطبقة تقرب من المتصل.
الطبقة الثانية: أوساط التابعين، وهم الذين أدركوا علي بن أبي طالب، ومن بقي حيا إلى عهده وبعيده من الصحابة، كحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي أيوب الأنصاري، وعمران بن حصين، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ووقع سماعهم من بعضهم.
ومثال هؤلاء التابعين: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس اليماني، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعامر الشعبي، ومجاهد بن جبر.
فمراسيل هذه الطبقة صالحة تكتب ويعتبر بها.
الطبقة الثالثة: صغار التابعين، وهم من أدرك وسمع ممن تأخر موته من الصحابة في الأمصار، الواحد والاثنين والعدد اليسير، كمن سمع من أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبي أمامة الباهلي.
وهؤلاء مثل: ابن شهاب الزهري، وقتادة بن دعامة السدوسي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحميد الطويل، وشبههم.
فمراسيل هذه الطبقة ألصق بالمعضل منها بالمراسل، من أجل أن أكثر حديثهم حملوه عن التابعين، فإذا أرسل أحدهم فالمظنة الغالبة أن يكون أسقط من الإسناد رجلين فأكثر." [تحرير علوم الحديث 2\929-930]
- مرسل الصحابي:
وهي رواية صغار الصحابة كابن عباس وأنس وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بواسطة يسقطونها ولا يذكرونها.
حكم مرسلات الصحابة:
قال ابن الصلاح: "وأمّا مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ففي حكم الموصول، لأنّهم يروون عن الصحابة، وكلّهم عدولٌ، فجهالتهم لا تضرُّ، والله أعلم." قال ابن كثير معلّقاً : "وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة." [الباعث الحثيث 1\158-159] وقال السيوطي معلّلا حجيّة مراسيل الصحابة: "... لأن أكثر رواياتهم، عن الصحابة، وكلهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بينوها ، بل أكثر ما رواه الصحابة، عن التابعين [ليست] أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات، أو حكايات، أو موقوفات.[تدريب الراوي 1\235]
أمثلة:
قال السيوطي: "وفي الصحيحين من ذلك ما لا يُحصى؛ لأنّ أكثر رواياتهم عن الصحابة" [التدريب 1\235]
وعن البراء بن عازب، قال: " ما كلُّ ما نحدثكموه سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حدثنا أصحابنا، وكانت تشغلنا رعْية الإبل "
[قال في تحرير علوم الحديث 2\949 : " أثرٌ صحيح. أخرجه أحمد في " المسند " (30/ 450، 458 رقم: 18493، 18498) و " العلل " (النص: 3675، 3676) والحاكم في " المستدرك " (1/ 95 رقم 326) و " المعرفة " (ص: 14) وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (رقم: 1165) وابن حزم في " الإحكام " (2/ 12) من طريقين عن سفيان الثوري، عن إسحاق، عن البراء، به. قال الحاكم: " هذا حديث له طرقٌ عن أبي إسحاق السبيعي، وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه ". اهـ]
أشهر المصنّفات في المراسيل:
المراسيل لأبي داود
المراسيل لابن أبي حاتم
جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي (الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل كيكلدي العلائي ولد بدمشق 694هـ وتوفي بالقدس سنة 761هـ) [تيسير مصطلح الحديث 85]
فائدة: أمثلة لرواية الصحابي عن التابعي
ü حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" وزاد البخاري "وهم بالشام". فمعاوية رضي الله عنه صحابي ، ومالك بن يخامر ، تابعي كبير، اختلفوا في صحبته.
ü حديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر رضي الله عنه مرفوعا : "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل". فالسائب رضي الله عنه صحابي ، وعبد الرحمن بن عبد القاري تابعي .
ü حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في سبب نزول قوله تعالى : {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله}، فسهل رضي الله عنه صحابي ، ومروان بن الحكم تابعي مختلف في صحبته .
- المدلّس:
التدليس أنواع مختلفة ولعلّ التعريف الذي يجمعها هو قولهم: "إخفاء عيب في الإسناد، وتحسينٌ لظاهره" [تيسير مصطلح الحديث ص61]
أقسامه: يمكننا تقسيم التدليس إلى قسمين تدليس الوصل وتدليس الشيوخ، فأمّا تدليس الوصل فأنواع أهمّها تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وتدليس العطف، وتدليس القطع. وأمّا التدليس في الأسماء فهو تدليس الشيوخ.
- تدليس الإسناد:
قال ابن عبد البرّ: "معناه عند جماعة أهل العلم بالحديث أن يكون الرجل قد لقي شيخا من شيوخه، فيسمع منه أحاديث لم يسمع غيرها منه، ثمّ أخبره بعض أصحابه ممّن يثق به عن ذلك الشيخ بأحاديث غير تلك التي سمع منه، فيحدث بها عن الشيخ دون أن يذكر صاحبه الذي حدثه بها، فيقول فيها: عن فلان، يعني عن ذلك الشيخ." اهـ [التمهيد 1\27، معجم مصطلحات الحديث 368-369]
أمثلة:
· أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق أبي اسحاق السَّبِيْعي عن البراء بن عازب- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا".
فرغم كون أبي إسحاق سمِع من البراء بن عزاب رضي الله عنه، لكن هذا الحديث لم يسمعه منه، بل سمِعه من أبي داود نُفَيْع بنِ الحارث وهو متروك متّهم بالكذّب، وعنعنته عنه توهِمُ السماع والاتّصال.
فقد أخرج هذا الحديث ابن أبي الدنيا عن أحمد بنِ محمد بنِ أيوب قال حدّثنا أبو بكر بن عِيّاش عن أبي إسحاق عن أبي داود قال: دخلتُ على البراء بنِ عازبٍ فأخذتُ بيده فقال: سمِعتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: "ما مِن مسلمٍ يلقى أخاه فيُصافِحُ أحدُهما صاحبَه إلاّ غُفِرَ لهما قبل أن يتفرّقا"
ولأجل تدليس أبي إسحاق السَّبِعي لا يقبل حديثه إلاّ إذا صرّح بالسماع كأن يقول حدّثني وسمِعتُ.
· ذكر الحاكم في معرفة علوم الحديث عن عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: لَا، وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [معرفة علوم الحديث 105]
2.تدليس التسوية:
وهو أن يعمد الراوي إلى إسقاط رجلٍ من السند ويصل ما قبله وما بعده بما يوهم السماع ولا يوجبه، مع إمكانية سماع ولقاء الشيوخ المثبَتين في السند. أي أنّ الذي أخذ عن الشيخِ الساقط والذي أخذ عنه الشيخُ الساقطُ قد لقي بعضهما البعض أو سمعا الأوّل من الثاني.
أو قل هو تعمّد إسقاط راو ضعيف بين ثقتين لَقِيَ أحدُهما الآخر ورواية الحديث بصيغ توهم الاتّصال.
وقد وسمَ المحدثون هذا النوع من التدليس بكونه أشرّ أنواعه لأنّه غشّ صريح، ولأنّ فيه إسقاطا من السند وليس مجرد تعميةٍ فقط...
أمثلة:
· كان الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي وهو شيخه الذي سمع منه، والأوزاعي ثقة، وكان الأوزاعي يروي عن الضعفاء فإذا روى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أسقط هؤلاء الضعفاء ليجعل السند من روايته ثقة عن ثقة.
· وممّن اشتهر بهذا الصنيع بَقِيَّةُ بن الوليد، حتّى قيل في حقّه: "أحاديث بقيةَ ليست نقية، فكن منها على تَقيّة"
قال أبو حاتم ابن حبان: " دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميثمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: (قال عبيد الله بن عمر عن نافع) و (قال مالك عن نافع كذا)، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية [تحرير علوم الحديث 2\957]
3.تدليس العطف:
وهو قولُ المدلِّسُ : " حدثنا فلان وفلان" وهو سمع الحديث من الأول دون الثاني. ووجه التدليس في كون عطفه بالواو يوهم الاشتراك في سماعه منهما، ولكنّه ليس صريحا في ذلك، لاحتمال كون الاشتراك في سماعهما من شيخهما، أو كون الواو للاستئناف لا للعطف.
مثاله:
قال الحاكم: " وَفِيمَا حَدَّثُونَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ هُشَيْمٍ اجْتَمَعُوا يَوْمًا عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا مِنْهُ التَّدْلِيسَ فَفَطِنَ لِذَلِكَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَذْكُرُهُ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ , وَمُغِيرَةُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ دَلَّسْتُ لَكُمُ الْيَوْمَ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مُغِيرَةَ حَرْفًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ، إِنَّمَا قُلْتُ: حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ لِي" [معرفة علوم الحديث ص105]
4.تدليس القطع: ويسمى تدليس السكوت
وهو أن يروي المدلِّسُ الحديث الذي سمعه عن شيخه ثمّ يقول حدّثنا ونحو ذلك ثم يسكتُ ناويا قطع الرواية والسند ثمّ يستأنف بعد ذلك بذكر شيخ لم يسمع منه
مثال:
قال ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح: " مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد ابن عدي وغيره، عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: حدثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها " [النكت على كتاب ابن الصلاح، بتحقيق ربيع بن هادي المدخلي، الجامعة الإسلامية المدينة الطبعة الأولى 1404هـ 1984م. 2\617، انظر الباعث الحثيث 1\178]
5.تدليس الشيوخ: ويسمى تدليس الأسماء
وهو أن يَعمُد إلى تسمية رجلٍ في سنده بما لا يُعرف به؛ كي لا يُعرف.
أمثلة:
قول أبي بكر بنِ مجاهد المقرئ حدثنا عبدُ اللهِ بنِ أبي عبدِ الله، وهو يقصد أبا بكر بن أبي داود السجستاني صاحب المصاحف.
وقوله أيضاً حدّثنا محمد بن سَنَد، يقصد أبا بكر محمد بن الحسن النَّقاش المُفَسِّر، لكنّه نسبه إلى جدٍّ له.
قال ابن الصلاح: "وقد كان الخطيب لَهِجاً بهذا القسم من التدليس في مصنّفاته" [ابن كثير في مختصر علوم الحديث، الباعث الحثيث 1\178]
وقال أيضا: " وَالْخَطِيبُ الْحَافِظُ يَرْوِي فِي كُتُبِهِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ مِنْ مَشَايِخِهِ.
وَكَذَلِكَ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَالْجَمِيعُ عِبَارَةٌ عَنْ وَاحِدٍ.
وَيَرْوِي أَيْضًا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ، وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلِ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." [مقدمة ابن الصلاح ص325 في النوع الثامن والأربعين]
وييلحق بهذا القسم من التدليس تدليس البلدان وتدليس الحِرف ونحو ذلك...
أسباب التدليس:
- ضعف الشيخ، فيعمد المدلِّس إلى التعمية لتحسين سند الحديث. (تدليس الشيوخ)
- صغر سِن الشيخ بحيث يكون أصغر من الراوي، فيستحيي المدلِّس من الرواية عمّن هو أصغر منه سنًّا، ومثل ذلك يقال في الشيخ إذا كان أقلّ علما وشهرة ومكانة من الراوي. (تدليس الشيوخ وتدليس الوصل)
- إيهام علو الإسناد، من خلال إسقاط رجلٍ أو أكثر من سنده. (تدليس الوصل)
- إيهام كثرة الشيوخ، فيسمي الرجل الواحد باسمه حينا وبكنيته حينا آخر وينسبه لبلده أو لصنعته ونحو ذلك حتى يوهم الناظر في كتابه أنّهم شيوخ عدّة لا شيخًا واحدًا.
حكم المدلِّسِ:
ذهب جماعة من المحدثين والفقهاء إلى اعتبار التدليس قدحا في العدالة، فقالوا بتجريح المدلسين وترك روايتهم مطلقا سواء صرّحوا بالسماع أو لا، وجنحت طائفة إلى عكس ذلك فقالت بل تقبل رواية المدلِّس مطلقا، والذي عليه الجمهور التفصيل، من خلال التفريق بين المدلِّس الثقة وغير الثقة، فالثقة تقبل روايته إذا جاءت بالصّيغ المصرّحة بالسماع والتحديث، وتردّ إذا جاءت بلفظ محتمل...
قال النووي في التقريب: " قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحاً مردود الرواية وإن بيَّن السماع، والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبيّن فيه السماع فمرسل وما بيّنه فيه، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به...." [انظر: التقريب والتيسير ً39، مقدمة ابن الصلاح ص75] وذلك لأنّ التدليس لا يرتقي إلى درجة ومرتبة الكذب، قال ابن الصلاح: " التدليس لَيْسَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيهَامِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ." [المقدمة 75]، بل إنّ المدلّس ما عدل عن الصيغ الصريحة بالتحديث والسماع إلاّ تنزّها واجتنابا للكذب.
والطعن في عدالة المدلِّس - بسبب تدليسه - متوقف على أسباب ودوافع تدليسه.
قال ابن كثير: "ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يُكرَهُ، كما إذا كان أصغر سنّاً منه، أو نازلَ الروايةِ، ونحو ذلك، وتارة يحرُمُ، كما إذا كان غير ثقةٍ فدلّسه لئلا يُعرَفَ حالُهُ، أو أوهمَ أنّه رجلٌ آخر من الثِقاتِ على وفقِ اسمِه أو كُنيته." [اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث 1\176، وانظر تلبيس إبليس، ابن الجوزي (597هـ) دار الفكر بيروت الطبعة الأولى 1421هـ 2001م ص106]
ولأنّ مطلق التدليس لا يطعن في عدالة الراوي أخرج البخاري ومسلم لكثير من المدلسين كسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأعمش وقتادة وهُشَيم وغيرهم... [مقدمة ابن الصلاح ص75، اختصار علوم الحديث، من الباعث الحثيث 1\174 قال النووي في التقريب: "وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى" التقريب 39]
وذهب البعض إلى استثناء جماعة من المحدثين فيأخذون بروايتهم رغم التدليس منهم:
· من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقِلّة تدليسه، كسفيان الثوري.
· من كان لا يدلِّس إلا عن ثقة كسفيان بن عيينة
· من إذا دلَّس بيَّن تدليسه كأبي أسامة حماد بن أسامة.
· من روى عنه – أي عن المدلِّسِ- مَنْ لا يأخذ إلا ما سمع، كما في رواية شعبة عن الأعمش وأبي إسحاق وقتادة، حيث قال شعبة: " كنتُ أتفقدُ فم قتادة، فإذا قال: حدّثنا وسمعتُ حفِظتُهُ، وإذا قال: حدّث فلان تركته" وقال أيضا: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة ". [معجم مصطلحات الحديث 372، وانظر مقال الحديث الضعيف بسبب سقط في الإسناد د. عبد الله بن حمود الفريح نشر على موقع الألوكة بتاريخ 14\12\2013م 10\02\14435هـ]
وقفة:
حُكي عن شعبة بن الحجاج قوله: " أبو هريرة كان يدلس "
هذا الأثر أخرجه ابنُ عدي [الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني (365هـ) تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1418هـ 1997م. 1/ 151] ومن طريقه: ابنُ عساكر (571هـ) في تاريخه [بتحقيق عمرو بن غرامة العمروي دار الفكر بيروت 1415هـ 1995م 67/ 359]
وأورد الذهبي هذا النص في " سير أعلام النبلاء " (2/ 608) معلقا بقوله: " تدليس الصحابة كثير، ولا عيْب فيه، فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدولٌ."
إنّ اصطلاح التدليس بكلّ أنواعه لا يخلو من مفهوم التعمية وأحيانا كثيرة مفهوم الغشِّ، وهو في اللغة بمعنى الخفاء والظلمة والسواد وستر العيب والخداع [العين، الخليل بن أحمد الفرهيدي (170هـ) تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السمرائي دار الهلال (د ت) 7\228، تهذيب اللغة، أبو منصور الأزهري (370هـ) تحقيق محمد عوض مرعب دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الأولى 2001م 12\252-253، مقاييس اللغة، أبو الحسن أحمد بن فارس (395هـ) تحقيق عبد السلام هارون دار الفكر بيروت 1399هـ 1979م.] وهي جميعها مفاهيم ومعاني لا ينبغي أن تطلق على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم
قال الشيخ عبد الله الجديع: "والتحقيق أنه قبيح من جهة اللفظ أن ينسب للصحابة تدليس، فلفظ التدليس وإن كان له معنى اصطلاحي يتناول ما نسميه بمراسيل الصحابة، إلا أن الاصطلاح منشأ من قبلنا، قصدنا به دفع ما وقع من الموصوفين بالتدليس من إسقاط الواسط المجروحة، مما يوهم سلامة الإسناد في الظاهر، وهو أمرٌ حادث بعد الصحابة." [تحرير علوم الحديث، عبد الله يوسف الجديع مؤسسة الريان بيروت الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 2\948]
وهذا الأثر من حيث الإسناد رواه ابن عديّ عن الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ التُّسْتَرِيِّ، قال أَخْبَرنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعتُ يزيد بن هارون، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَة يقول.
في الحسن بن عثمان التستري كذاب متّهم بالوضع قال عنه ابن عدي نفسه: "الحسن بن عثمان بن زياد بن حكيم، أبو سَعِيد، التستري، كان عندي يضع، وَيَسْرِقُ حديث الناس، سألت عبدان الأهوازي عنه، فقال: هو كَذَّابٌ. [الكامل 3\207]
وخلاصة القول أنّ هذه العبارة لا تليق بمقام الصحابة حتى وإن زعم قائلها أنّه إنّما أراد باصطلاح التدليس مفهوم الإرسال، فينبغي تنزيه الصحابة رضي الله عنهم عن كلِّ ما يشينهم أو يقدح في عدالتهم وينقص من شأنهم ولو كان ذلك بحسن نيّة وغير قصد، ولو كان ذلك بألفاظ ظنّية ومحتملة...
كتب ومؤلفات في التدليس:
التبيين لأسماء المدلسين، للخطيب البغدادي
التبيين لأسماء المدلسين، لبرهان الدين ابن الحنبلي
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، لا بن حجر
إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ، لحماد بن محمد الأنصاري
- المعنعن و المؤنّن:
تعريفهما:
الحديث المعنعن هو الذي يقال فيه: "فلان عن فلان"
والمؤنأن أو المؤنّن هو الذي يقال فيه: " أنّ فلان قال"
فهو رواية الحديث باستعمال صيغة "عن" أو "أن" دون التصريح بالتحديث والإخبار والسماع.
أمثلة :
[الأمثلة منقولة من تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير (774هـ) تحقيق سامي بن محمد سلامة دار طيبة المدينة الطبعة الثانية 1420هـ 1999م 4\8-9. وتفسير ابن كثير عليه رحمة الله هو الكتاب الذي سنعتمده في التطبيقات...]
· أخرج الإمام أحمد من طريق مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، قال أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ، فَهَزَمَ اللَّهُ تعالى الْعَدُوَّ... الحديث.
· وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ -وَاللَّفْظُ لَهُ -وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّانُ الرِّجَالِ، وَبَقِيَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمَغَانِمُ، جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا، فَإِنَّا كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوِ انْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا. فَتَنَازَعُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَطِيعُوااللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
· وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَتَى بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"... الحديث
حكمهما، أو هل يحمل السند المعنعن والمؤنّن على الاتصال أو الانقطاع ؟
اختلف أهل الحديث في حكم الحديث المعنعن والمؤنّن هل هو من قبيل المتّصل الإسناد أو لا ؟ على أقوالٍ أهمّها ما يأتي:
- الحديث المعنعن متّصل الإسناد
- الحديث المعنعن متّصل الإسناد ما لم يُعرف رواته بالتدليس:
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ: "كُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ إِنْسَانٍ فَحَدَّثَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى السَّمَاعِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَا حَكَاهُ، وَكُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ لِقَاءُ إِنْسَانٍ فَحَدَّثَ عَنْهُ، فَحُكْمُهُ هَذَا الْحُكْمُ." [فتح المغيث 1\203]
- الحديث المعنعن متّصل الإسناد شريطة ثبوت اللقاء بين رواته وانتفاء صفة التدليس عنهم.
وقال الخطيب البغدادي: " وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ «حَدَّثَنَا» فُلَانٌ «عَنْ» فُلَانٍ , صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ , إِذَا كَانَ شَيْخُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ وَلَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ , وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُحَدِّثُ مِمَّنْ يُدَلِّسُ" [الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي الخطيبُ البغدادي (463هـ) تحقيق أبو عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني. المكتبة العلمية المدينة ص291]
- الحديث المعنعن منقطع الإسناد.
والراجح مذهب من حكم على الحديث المعنعن بالاتصال شريطة أن يكون راويه ثقةً لا يُعرف بالتدليس، وثبوت المعاصرة أو اللقاء على خلاف بين أهل الحديث وعلى رأسهم البخاري ومسلم، وسنحاول التفصيل في هذه المسألة في مبحث خاص نتناول فيه شيئا من الفرق بين شروط البخاري وشروط مسلم – إن شاء الله -.
ملحوظة:
لكن قبل الفراغ من مسألة حكم الحديث المعنعن ينبغي الإشارة إلى أنّ الخلاف المذكور ها هنا خاص بالمتقدمين من أهل الحديث، وهم كما قال الإمام ابن حجر إلى ما قبل الخمسمائة، أمّا المتأخرون منهم فقد اصطلحوا على أنّ صيغة "العنعنة" في الحديث خاصة بالنقل أو الرواية بالإجازة. [النكت 2\586]
فائدة:
العنعنة قد تكون من مباحث المتن، لا علاقة لها بالسند ولا بالاتصال والانقطاع:
قال ابن حجر: "... إنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق القصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر..."
ومثّل لذلك بأمثلة منها:
· ما أخرجه ابن أبي خيثمة في "تأريخه" عن أبيه قال: ثنا أبو بكر بن عياش. ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.
فلا يمكن حمل عنعنة أبي إسحاق عن أبي الأحوص على الرواية أصلا فضلا عن الاتصال والإرسال؛ بل هي كقوله ّفيما يخصّ قصة أبي الأحوص" قال ابن حجر: "لأنه لا يمكن أن يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله."
· روى محمد بن يعقوب قال: ثنا ابن أبي داود ثنا يونس بن محمد ثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن عبيد عن الحسن عن معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غازيا بتبوك، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد هل لك في جنازة معاوية بن معاوية؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فقال جبريل عليه السلام: هكذا بيده، ففرج له عن الجبال والآكام" فذكر الحديث.
وقوله في هذا الحديث: "عن الحسن عن معاوية بن معاوية رضي الله عنه" لا يتعلق بسند الحديث بل بمتنه؛ لأنّ الحسن لم يسمع الحديث أو يأخذه عن معاوية بن معاوية رضي الله عنه قطعا؛ فقد توفي هذا الأخير في قصة الحديث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بل مقصوده بالعنعنة "عن قصة معاوية" أو "عن الحديث الذي يذكر فيه معاوية" ونحو ذلك...
· وقال ابن عبد البر - في حديث - بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - في قصة الاستئذان ثلاثا: "ليس المقصود من هذا رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - لهذا الحديث عن أبي موسى لأن أبا موسى سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد بذلك لأبي سعيد عند عمر - رضي الله عنه - وإنما وقع هذا على سبيل التحرز، والمراد عن أبي سعيد، عن قصة أبي موسى- رضي الله عنه -".
- أنواع من الحديث لها حكم الانقطاع والسقط:
- المبهم:
وقد سماه الحاكم منقطعا [انظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي (902هـ) تحقيق علي حسين علي مكتبة السنة القاهرة الطبعة الأولى 1424هـ 2003م 1\200]
أقسامه: ينقسم إلى ثلاثة أقسام
أ. إبهام في المتن.
مثاله:
حديث ابن عباس رضي الله عنه أنّ رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : يا رسول الله الحجّ كلّ عام ؟ . هو الأقرع بن حابس وقيل سراقة بن مالك رضي الله عنهما ...
حديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم رأى رجلا قائما في الشمس . قال الخطيب هو أبو إسرائيل قيصر العامري رضي الله عنه.
ب. إبهام في أصل السند؛ أي في طبقة الصحابة رضي الله عنهم.
مثاله:
ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصُّنابِحيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - عن الأغلوطات. قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل. [سنن سعيد بن منصور 1\324\1179]
فالرجل لم يسمَّ، فهو مبهم، وقد بيّن سعيد بن منصور أنّه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد في المسند: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ، وَرَوْحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ، فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ " [المسند طبعة مؤسسة الرسالة 24\149\15423]
ت. إبهام في الإسناد في غير طبقة الصحابة رضي الله عنهم.
مثاله:
عن سعيد بن منصور قال حدّثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "من قرأ في ليلةٍ عَشْرَ آياتٍ لم يكتَبْ مِنَ الغافلينَ" [التفسير من سنن سعيد بن منصور 1\129\24]
أنواع المبهمات باعتبار صيغها: كرجل، وامرأة، وقوم، وناسٍ، وابنٍ، وعمٍّ، وخالٍ.... ومن الأمثلة التي ذكرها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926هـ) [ في فتح الباقي بشرح ألفية العراقي بتحقيق عبد اللطيف هميم وماهر الفحل دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1422هـ 2002م 2\301] ما يلي:
الابن: "من المبهَمِ (نَحْوُ ابنِ فُلاَنٍ)، كابنِ مِرْبَعٍ الأنصاريِّ - بكسر الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الموحدةِ وبمهملةٍ - هو زيدٌ، أو عَبْدُ اللهِ، أو يزيدُ "
العمّ: "نَحْوُ (عَمِّهِ) أي: عَمّ فُلانٍ، كزيادِ بنِ عِلاقَةَ، عن عمِّهِ هُوَ قُطْبَةُ بنُ مَالِكٍ، وكَرافعِ بنِ خَديجِ بنِ رافعٍ، عَن بَعضِ عُمومَتِه، هو ظُهَيْرُ بنُ رافعٍ."
العمّة: "نحوُ (عَمَّتِهِ)، كحُصَيْنِ بنِ مِحْصَنٍ، عَنِ عمَّةٍ له، هي: أسْمَاءُ."
الزوجة: "نحوُ (زَوْجَتِهِ)، كخبرِ: جاءت امرأةُ رِفَاعةَ القُرَظيِّ، هي: تَمِيمَةُ بنتُ وهبِ بالتكبيرِ، وقِيْلَ: تُمَيْمَةُ بالتصغير، وقِيْلَ: سُهَيْمةُ."
الزوج: "زوجُ فلانةٍ، كخبرِ سُبَيْعَةَ الأسلَميَّةِ: أنها ولدَت بعد وفاةِ زوجِها بليالٍ، هو: سَعدُ بنُ خَولَةَ."
ابن الأمّ: "نحوُ (ابنِ أُمِّهِ)، كخبرِ أمِّ هانئ ٍ: أنَّها قالت: ((زعمَ ابنُ أمي أنه قاتلٌ رجلاً أجَرتُه ... الحديث)). هو: أخوها عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله تَعَالَى عَنْهُ -."
حكم الحديث المبهم: (من حيث القبول والردّ)
الإبهام في المتن لا علاقة له بقَبول الحديث أو ردّه، لكن معرفة المبهم وتسميته من شأنه أن تزيد المتن قوة من حيث سعة دلالته والإسناد صحة من حيث ضبط رواته وبيانهم، أمّا الإبهام في الإسناد فإنّه على ضربين، أوّلهما إذا كان في طبقة الصحابة فلا يضرّ لعدالتهم أجمعين رضي الله عنهم، وأمّا إذا كان في غير طبقة الصحابة، فإنّ للحديث حينئذ حكم المنقطع.
ملاحظة: لو أبهِم الراوي بما يفيد توثيقه كأن يقول المصنفُ حدّثني الثقة. لا يخرج الحديث عن كونه مبهما ضعيفا، لأنّ من كان ثقة عند الراوي قد لا يكون كذلك عند غيره، فلا بدّ والأمر كذلك من تعريفه وتسميته. [انظر تيسير مصطلح الحديث ص93]
كتب المبهمات: ممّا صنّف في الكشف عن الإبهام وتسمية المبهمين:
كتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي
كتاب " المـُستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لوليّ الدين العراقي.
- حديث المجهول:
المجهول مِن الرجال هو الذي رغم تسميته لم نتمكن من الحكم عليه لجهلنا بعينه أو حاله.
أقسامه:
أ. مجهول العين: من لم يرو عنه إلاّ راوٍ واحد.
قال الخطيب البغدادي: " هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد" [الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي الخطيبُ البغداديُّ (463هـ) تحقيق: أبو عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني. المكتبة العلمية المدينة المنورة ص88]
ترتفع جهالة العين بأن يروي عن مجهول العين اثنان فصاعداً، ولكن بمثل هذه الرواية إنّما ترتفع عنه الجهالة ولا تثبت له العدالة. [التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، أبو الفضل زينُ الدين عبدُ الرحيم بنُ الحسين الحافظُ العراقي (806هـ) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان المكتبة السلفية المدينة الطبعة الأولى 1389هـ 1969م ص148]
ب. مجهول الحال ويسمى المستور: من روى عنه أكثر من راوٍ لكنّه لم يوثّق[3].
أمثلة:
مِثْلُ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ وَجَبَّارٍ الطَّائِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَغَرَّ الْهَمْدَانِيِّ وَالْهَيْثَمِ بْنِ حَنَشٍ وَمَالِكِ بْنِ أَغَرَّ وَسَعِيدِ بْنِ ذِي جُدَّانَ وَقَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ وَخَمِرِ بْنِ مَالِكٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ.
ومِثْلُ سَمْعَانَ بْنَ مُشَنَّجٍ وَالْهِزْهَازِ بْنِ مِيزَنٍ لَا يُعْرَفُ عَنْهُمَا رَاوٍ إِلَّا الشَّعْبِيُّ
وَمِثْلُ بَكْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ وَحَلَامِ بْنِ جَزْلٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمَا إِلَّا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ .
وَمِثْلُ يَزِيدَ بْنِ سُحَيْمٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِثْلُ جُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ .
وَمِثْلُ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ.
[الكفاية للخطيب ص88]
توثيق المجهول:
يوثّق المجهول بما يأتي:
أن يوثّقه أحد الأئمة ممّن لم يرو عنه.
أن يوثّقه من روى عنه إذا كان من أهل التخصّص في الجرح والتعديل كالإمام البخاري مثلا.
حكمه:
اختلفوا في حكمه إلى مذاهب بناء على اختلافهم في طرق ومناهج الجرح والتعديل.
· لا تقبل أحاديث المجاهيل إلاّ إذا وُثِّقوا بالتنصيص من الأئمة أو باستفاضة عدالتهم وضبطهم.
· الأصل في المسلمين العدالة ما لم يجرحوا وهو مذهب ابن حبان ومشهور الحنفية.
· الأصل في طلبة العلم المشتغلين بالحديث العدالة حتى يجرحوا، وهو قول ابن عبد البر.
· إذا روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه حُسِّن حديثه وهو اختيار البزار والسخاوي ونسبه الذهبي للجمهور، وصرح به الألباني في مقدمة تمام المنة.
والله أعلم بالحقّ والصواب.
كتب صنفت في المجهولين:
كتب الوحدان، وهي كتب صنفت في تتبع من لم يروِ عنه إلاّ واحدٌ من أشهرها "الوحدان" للإمام مسلم.
كتاب الخطيب البغدادي "مُوضح أوهام الجَمْعِ والتفريق"
جمع وإعداد : فتحي بودفلة
[1] فيندرج في صنف المدلّس، وسيأتي بيان ابن حجر للتداخل بين المعلق والمدلّس.
[2] على خلاف من قال مذهب الشافعي أنّه لا يقبل إلاّ مرسلات سعيد بن المسيّب.
[3] وفرّق بعضهم بين مجهول الحال والمستور باعتبار عدالة الظاهر والباطن.