درس الذبيحة ( قصة )

إنضم
09/09/2009
المشاركات
363
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
درس الذبيحة
( قصة )
قال .. وقد طافت به ذكريات لم تمحها عاديات الدهر، متحدرة على لسانه انحدار الدّرّ:
كنا في أقصى الشمال الغربي من أرض الله، وكان الوقت شهر ذي الحجة الحرام، ولاحت بوادر العيد الأضحى، وعقدنا العزم على التضحية بضحية تناسب المَقام والمُقام.
صلينا صلاة العيد في المسجد الذي تعتاده الجالية المسلمة، وتبادلنا التهاني والأماني، وعشنا ساعة السرور والفرح التي تكتنف المسجد وأهله، يتخللها روائح البخور والعطور التي تكوّنَ من عبيرها مزيج من رائحة الشرق الزكية.
كانت سيارة الأجرة بعد الصلاة في انتظارنا كالجواد الأصيل الذلول، وكأنها سيارتنا المملوكة المسومة، وكأن صاحبها خادمنا المطيع البسام.
لم يكن في تلك البلاد أسواق للأغنام لا أسواق متنقلة تسد الفجاج كما هو الحال في بلادنا ولا أسواق ثابتة كبيرة تتوزع فيها الحظائر، تبيع لنا حاجتنا التي نريد وقت ما نريد، ولكن هناك مزارع لتربية الأغنام معلومة المكان ويؤتى إليها بمواعيد! تجد فيها حاجتك مهما كانت !.
أقلتنا السيارة من المدينة المعمورة إلى مزرعة بعيدة من تلك المزارع، اتصلنا بصاحبها قبلاً، وأخذنا منه موعداً.. كانت الطريق مبللة برخ المطر المتعاقب المنسرب في مجاريه كأسرع من انسراب العقارب.
وصلت السيارة إلى مزرعة تحوطها أشجار صنوبرية عالية، وتكسو أرضها حلة خضراء سندسية، وتقسمها مسارب من الأحجار المرصوصة بانتظام، تصل بين مرافقها من غير تعب.
كان في استقبالنا صاحب المزرعة، رجل أبيض عظيم الهيئة أحمر الوجنات مفتول القوام، يلبس طراز المهنة الذي يلبسه كل من في المزرعة، نظيفاً مواتياً ليس بضيق ولا فضفاض.
وبعد أن حييناها وحيانا، قلنا له: نحن الذين اتصلنا بك وأخبرناك بحاجتنا ؛ نريد أن نشتري شاة من الغنم ونذبحها عندك في مزرعتك !، فرد علينا مبتسماً: نعم ! أهلا بكم، ستجدون حاجتكم عندنا .
وسألنا: لماذا لا تشترون من المحلات التي يباع فيها اللحم طوع الحاجة؟ فأخبرناه أننا مسلمون، وأن الإسلام يأمرنا أن نذبح ضحية من الأنعام، في مثل هذا اليوم من كل عام، وأنه يجب أن يكون ذبحها على الوصف الذي كان يذبح به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
فأخذه عجب من هذا الطلب لا تخطئه العين وفضول لا يخطئه الحسّ، وأفاض على عجبه وفضوله عبارات من السرور، قائلاً بلباقة: محمد رجل جيد ! وأنتم محمديون إذن، وستكون هذه البيعة بيعة ممتعة !.. ثم قال: أغنامي جاهرة للذبح .. كان عندي الطبيب البيطري منذ أسبوع، وشهد بصحتها وصلاحها!.. فنظر بعضنا إلى بعض.. عجباً من انتظام معيشتهم، كعجبه من طلبنا!.
ثم أخذَنا معه صوب إحدى الحظائر المخصصة للغنم، وطلب منا أن نغير أحذيتنا الجديدة، بأحذية مخصصة موضوعة في دولاب مخصوص!.. فغيرنا الأحذية وذهبنا إلى الحظيرة.
دخلنا الحظيرة، وبدأ يعرض علينا أسنان أغنامه، كل فِرْق في حاجز مستقل، فلما وجدنا ما نريد، بدأ يعرض علينا أوزانها، كل وزن بسعر، وإن من تلك الشياه لما يبلغ عشرين ومائة (كيلوجرام).
ويبدو أننا وقعنا على الخيرة، سليمة من العيوب، ووافقنا هو على أن اختيارنا كان جيداً، كان وزنها أربعين على ما أذكر !.
انسل من بيننا، ونقل الشاة إلى مكان مخصص للذبح، وجاء ليخبرنا بأن الذبيحة ومكان الذبح في انتظارنا.. وقال: سأعتبر نفسي اليوم تلميذاً لك لأتعلم منك هذه الطريقة في الذبح !.
قلت له: في الحقيقة إن أستاذ هذه الطريقة هو محمد صلى الله عليه وسلم، نحن تعلمناها منه، وبلادنا كلها تذبح بهذه الطريقة .
وإذا ذلك المكان الذي انتقلنا إليه مكان مبلط نظيف مقسم، قسم منه للذبح الآلي، وآخر للذبح اليدوي حيث أوقفت شاتنا .. وهو يراقبنا متبسماً!.
تفقدت السكاكين، فوجدتها حادة كما هو المأمور به، فسأل: لماذا تتفقدها؟ قلت: لأن نبينا أمرنا أن نفضي رحمتنا على هذا الكائن الحي، فلا يجوز لنا أن نؤذيه حتى ونحن نذبحه! .. فهز رأسه .. وقال: عظيم ! .
اتجهت إليها.. أوقعتها على جنبها الأيسر، ووجهتها إلى جهة القبلة .. فسأل: لماذا تتوخى أن توجهها إلى تلك الجهة دون غيرها ؟ قلت: لأن تلك الجهة هي المكان الذي كانت فيه أول ذبيحة تذبح بهذه المناسبة. فهز رأسه !.. وقال: ومتى كانت تلك الذبيحة الأولى ؟ قلت : كانت ذبيحة إبراهيم الخليل عليه السلام في فداء ابنه.. قال: نعم أنا أعرف إبراهيم، تذكرت تلك القصة!.
أمسكت رقبتها بيسراي، ووضعت السكين فيها، فقطعت أوداجها وما بينهما في لمحة.. فأعجب بسرعة الذبحة بصوت عالٍ، فقلت له: هذا أرحم بها من البطء.
فككت الرباط الذي يربط أرجلها، فصارت تصكّ كما شاءت، ونظرت إليه، وهو يمعن النظر، وقلت : هذه الحركة تخرج الدم الملوث وتنقي منه اللحم .
سلختها من جلدها، ورفعتها لأخرج حواياها.. وصرت لا أفعل شيئاً إلا وأعقبه غسلاً بالماء، وأسوق الغُسالة إلى التصريف. قال: لماذا تغسلها بالماء هكذا ؟ قلت: لأن ديننا يأمرنا بالنظافة .
قال بعد أن انتهينا: أقول لك شيئاً ؟ قلت : قل. قال: أنا أعتبر نفسي أستاذاً في تربية هذه الأغنام وذبحها وسلاخها...، والناس يعاملونني على أنني خبير في هذا المجال.. لكن ما رأيته منك اليوم يجعلني أقف تلميذاً بحق أمام هذه الطريقة في الذبح التي لا أعرفها ولا عهد لي بها .. ومد يده إليّ، وقال في حزم: شكراً لك يا أستاذي !.
 
جزاك الله خيرا أخي الكريم, وعودا حميدا لك في ملتقانا بعد طول غياب...
نسأل الله أن يكون عيدكم في لبيـــا هذه السنة ذا نكهة خاصة ممزوجة بفرحة النصر والتحرر من ظلم الجبابرة... والعقبى لأهلنا في سوريا واليمن.
 
حياكم الله أخي عصام وبارك لكم في العيد ، وتقبل منا ومنكم .
مرحباً بعودتكم الآن بعد زوال الظلم ورمزه الأكبر عن ليبيا ، وقد ظهر للعالم اليوم الوجه المشرق الحقيقي لأهل ليبيا بعد أن عشنا زماناً لا نعرف عن ليبيا شيئاً والله المستعان .
أمامكم الكثير يا أهل ليبيا لبناء ليبيا من جديد كان الله في عونكم ، ونحن رهن إشارتكم فيما نقدر عليه إن شاء الله .
 
عودة
أعلى