:: كلمـة في الإخـلاص ::
أحب الأعمال إلى الله وأزكاها وأعظمها أجرا عند الله سبحانه وتعالى ما أخلص فيه العبد لوجهه وأراد به ما عند الله وما طابت الأقوال والأعمال إلا بإرادة وجه الله الكريم ومن عرف الله بأسمائه وصفاته أحبه ومن أحب الله هابه وكل شيء إذا تقربت منه ربما أنه تقل حرمته وتذهب هيبته إلا الله سبحانه وتعالى فكل مازددت من حبه وعبادته وإرادت وجهه كلما ازددت من هيبته والخوف منه ولذلك قال سبحانه وتعالى{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28 لما عرفوه بأسمائه وصفاته وحكمه وأحكامه عرفوا قدره سبحانه وتعالى وقدروه حق قدره فخافوا منه فأصابتهم الخشية لله سبحانه وتعالى ولا قيمة للقول ولا للعمل إلا إذا عرف العامل والقائل ربه فأراد ماعند الله والدار الآخرة {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83 شهد الله أن من أراد وجهه أن العاقبة له وأن من أراد ماعند الله ربحت تجارته وعظمت غنيمته .
وهل أفلح السلف الصالح رحمهم الله برحمته الواسعة فبقيت علومهم وأقوالهم ونصائحهم ومواعظهم كأنها كتبت بالأمس القريب بل كأنها كتبت في هذه الساعة تضيء للسائلين وتهدي بإذن الله الحائرين إلى مرضاة رب العالمين وفي ذلك من الأجر ما الله به عليم كل ذلك بفضل الله ثم بالإخلاص .
المتكلمون كثير والوعاظ كثير ومن ينصح كثير ولكن من يريد وجه الله قليل { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13 قليل من يخلص وقليل من يريد وجه الله وقليل من إذا أراد أن يتكلم أو يعمل العمل نظر في قلبه هل يريد وجه الله فيقدم أو يريد غير الله فيحجم كان بعض السلف إذا قيل له حدثنا يمتنع ويقول حتى تأتي النية أي حتى أعلم ما الذي أريده من هذا الحديث .
وتأذن الله جل وعلا لمن أراد وجه بطيب هذا العلم وبركته فأزكى الناس وأعظم الناس فلاحا في هذا العلم من أراد وجه الله عز وجل ولم يرد به رياء ولا سمعه ولا ثناء وإنما أراد به ثواب الله والدار الآخرة ولذلك قال بعض العلماء كم من عمل قليل كثرته النية فالأعمال تطيب بالإخلاص والله سبحانه وتعالى إذا نظر إلى عبده وهو أمام الناس وفي خلوته لايختلف حاله لايريد إلا ما عند الله ولا يريد إلا وجه الله زكى الله قوله وعمله وأصبح كلامه يخرج من لسانه إلى قلوب الناس وأصبحت مواعظه ونصائحه وتوجيهاته تلامس شغاف القلوب فيحي الله عز وجل بها الموات ويهدي بها المؤمنين والمؤمنات ويعظم بها الأجور والحسنات{ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}الكهف30
الله أكبر إذا أردت وجه الله سبحانه وتعالى فكنت لاتقدم ولا تؤخر إلا وأنت تريد ما عند الله فتلقت الملائكة أقوالك وأفعالك وخطتها في الصحائف خطها ملائك حافظون لايغشون ولا يكذبون و لايزورون ولا يفترون أمناء حافظون يعلمون ما تفعلون خطت لك في صحائف الأعمال وكتبت لك في صحائف الأقوال ورأيتها أمام عينيك لاتفقد منها حرفا ولا قيل في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فقلت يارب أريد وجهك . وسألك الله ماذا تريد بهذا العلم الذي تطلبه وبهذه المجالس التي حظرتها وهذه الكلمات التي سمعتها ؟ قلت يالله أريد وجهك وأريد ما عندك فقال الله صدقت وقالت الملائكة صدقت نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ذلك الرجل .
كل منا يتفقد مافي قلبه هل يريد وجه الله أو يريد غير الله وكل يوم يمر عليك وأنت في طلب العلم تنظر في قلبك وما الذي يعتبه العبد على ربه فالله أحياك وأنت ميت لولا أن الله أحياك والله أغناك وأنت فقير " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم " اللهم إنا نستهديك ونستكسيك ونسألك اللهم من القول والعمل ما يرضيك
العبد في أكمل الحاجة وأشد الحاجة إلى الله سبحانه وتعالى ولم يستطيع أن يجد على الله أي تقصير منه سبحانه وتعالى نعم تغدق عليه الصباح والمساء فكيف يريد غير وجه الله وما الذي وجدوا عند غير الله حتى يريد غير الله ويترك الله جل جلاله ءإله غير الله هل وجد غير الله أغنى من الله هل وجد غير الله ينفعه من دون الله ما الذي يجد الإنسان إذا مدحه المادحون وأثنى عليه المثنون وليست له كرامة عند الله جل جلاله ما الذي يجز الإنسان إذا لم تكن له عند الله عز وجل منزلة سقطت منزلته لما نظر الله إلى قلبه وفيه إرادة غير وجهه فيه الدنيا وحب الرياء وحب السمعه والمراد قضاء الأوقات وإلهاء الأوقات ولا يريد وجه الله جل جلاله اللهم إنا نسألك العافية .
ينبغي على طالب العلم أن يوطن نفسه وأن يحاول قدر استطاعته على أنه لايتكلم في هذا العلم ولا يعمل ولا يكتب ولا يسمع إلا وهو يريد ماعند الله اللهم إنا نسألك علما نافعا وقلبا خاشعا اللهم امنن بالعافية غدونا وآصالنا وأختم بالسعادة آجالنا إنك ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا.
فضيلة الشيخ : محمد بن محمد المختار الشنقيطي