دراسة نقدية لتأويل معنى " يَسْتَفِزَّهُمْ " في الآية 103 من سورة الإسراء

عبدالرحيم

New member
إنضم
01/04/2004
المشاركات
185
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
مقدمة
حين يستشكل فهم المراد من آية في القرآن الكريم، عند قراءة المسلم لكتاب الله تعالى. فإن أول ما يخطر بباله هو التوجه إلى كتب السادة المفسرين ـ رحمهم الله تعالى ـ .
وغالب كتب السادة المفسرين مبنية على ما قبلها، إما اختصاراً أو شرحاً.. مع فوائد جديدة تحددها نظرة المفسر إلى الغاية من ذلك التفسير، هل هي العناية بالتفسير بالمأثور أو البلاغي أو الفقهي أو الاجتماعي..
وكثيراً ما ينقل المفسر عمن سبقه دون كثير تدبر، ثقةً بمن سبقه، وتقليداً من التلميذ لشيخه علامةً على التقدير والاحترام.
ولما صار القرآن الكريم محل نقدٍ وفحص لغير المؤمنين بإلهية مصدره ـ بل عده كثيرون كأي دراسات أدبية تخضع للنقد، دون وقوف عند قدسية النص [1] ـ وجب على المفسرين التفكير بروية فيما ينقلونه عن السادة العلماء السابقين من تفسيرٍ لآيات القرآن الكريم، خشية تحميل القرآن الكريم أخطاءَ بشر يصيبون ويخطئون.
ومثال ذلك تفسير السادة المفسرين لمعنى الاستفزاز في قوله تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
حيث ذكر المفسرون أن المقصود بالاستفزاز: الإخراج.
فأصبح تفسير الآية الكريمة: فأراد (فرعون) أن يخرجهم (بني إسرائيل) من الأرض (أرض مصر).
وهذا يخالف إجماع كتب التاريخ والقصص القرآني أن فرعون رفض إخراج بني إسرائيل من مصر، وأن الخروج من مصر كانت غاية أمنيات بني إسرائيل المستعبدين في الأرض. [2]
بل إن القرآن الكريم يقرر أن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ جعل إخراج بني إسرائيل من مصر من أولويات دعوته.
قال تعالى في سورة الأعراف: " وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(104)حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ(105) ".

فلا يُعقَل أن يُلام فرعون على تنفيذه طلب سيدنا موسى ، وما طلب سيدنا موسى ذلك إلا بوحي من الله تعالى.

لهذا جاءت هذه الدراسة لتزيل شبهة أن يكون ذلك التفسير سبباً في نقد القرآن الكريم، واتهامه بالوقوع في أخطاء تاريخية، متفق على صحتها.

وذلك بيان المعنى الأصح للاستفزاز في الآية الكريمة، انتصاراً للقرآن الكريم، ورداً لما قد يثار حوله من شبهات، بالدليل العلمي المنهجي.
وسيتم ذلك بتتبع وعرض الآيات الكريمة التي ذكرت الكلمات التي اشتقت من الجذر (فزز). ثم استخدام المنهج الإستقرائي؛ لاستقراء ما ورد في كتب المفسرين حول معنى الاستفزاز في الآيات الكريمة. ثم استنباط المعنى الصحيح للاسفزاز. وذلك بما لا يخالف اللغة وسياق الآيات الكريمة، وما قرره الإسلام من عقائد وأحكام.
تمهيد
لعرض صورة واضحة عن الشبهة محل الرد في هذه الدراسة، يجب بيان ما يلي:

أ) ما اشتق من الجذر " فزز " في القرآن الكريم:
تكررت الكلمات المشتقة عن الجذر (فزز) ثلاث مرات في القرآن الكريم، وجميعها في سورة الإسراء:
الآية الأولى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".
الآية الثانية: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".
الآية الثالثة ـ محل هذه الدراسة ـ : " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".

والضمير في الآية الأولى يعود على: إبليس، والثانية: على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والثالثة: على فرعون.

ب) عرض معنى " الاستفزاز " في الآيات الثلاث في كتب التفسير:
1. الاستفزاز في الآية الأولى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".

اتفق المفسرون على أن المقصود بالاستفزاز هنا: " الاستخفاف ". بحسب التفصيل التالي:
ـ ما ورد في تفاسير أهل السنة:
استفزِزْ: استخفهم بذلك [3] ، واستزل واستخف، وأصله القطع. ومنه: تفزز الثوب، إذا انقطع. والمعنى: استزله بقطعك إياه عن الحق. واستفزه الخوف: أي استخفه. وقعد مستوفزاً: أي غير مطمئن. واستفزز أمر تعجيز، أي: أنت لا تقدر على إضلال أحد، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت. [4]
وفيه تهديد ووعيد من الله تعالى إلى الشيطان: " استزعج واستخف من استطعت من بني آدم، والمعنى: استخفهم بصوتك داعياً لهم إلى معصية الله ".[5]
فقوله: " واستفزز " أي: استخف من استطعت أن تستفزه منهم، فالمفعول محذوف لدلالة المقام عليه والاستفزاز الاستخفاف ".[6]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة:
واستفزز: أي: اخدع[7] ، واستزِل [8] ، واستخِف [9].
وفي هذه الآية: " الاستفزاز بالصوت: كناية عن استخفافهم بالوسوسة الباطلة " [10].

كل هذا يبيِّن اتفاق العلماء على تفسير الاستفزاز في الآية الأولى بالاستخفاف.

وواضح أن الاستفزاز (الاستخفاف) صادر من إبليس إلى أبناء آدم عليه السلام.. وهو استخفاف ناجح مع أوليائه منهم، وغير ناجح مع عباد الله المخلصين.
فعلاقة الشيطان بأوليائه علاقة استخفاف من سيد لعبيده، فهو لا يحترمهم بل يسوقهم كما تُساق الأنعام.

2. تفسير الآية الثانية: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".
ـ ما ورد في تفاسير أهل السنة:
كثير من المفسرين اكتفوا بدلالة: " لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا " على تفسير المراد بالآية دون بيان معنى الاستخفاف فيها. [11]
إلا أن شيخ المفسرين الطبري [12] جعل الاستفزاز في الآية الكريمة مقدمة للإخراج، لا عَين الإخراج. حيث قال: " يقول عز وجل: وإن كاد هؤلاء القوم ليستفزونك من الأرض. يقول: ليستخفونك من الأرض التي أنت بها، ليخرجوك منها ". [13]
ومنهم من جَعَل المقصود: الإزعاج مقدمةً للإخراج: " ليزعجوك بمعاداتهم.. ليخرجوك منها ". [14]
وهناك من حملها على المعنى الظاهر للاستفزاز وهو الاستخفاف: كأن المشركين أرادوا " أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه ". [15]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة:
بعض كتب التفسير ذكرت عدة معانٍ لمعنى الاستفزاز دون أن ترجح أحدها، فقد ذكر تفسير التبيان: القتل، الاستخفاف بالانزعاج، الإخراج من جزيرة العرب (لا مكة فقط). [16]
بينما رجح أكثرها تفسير الاستخفاف بالإزعاج. [17]
وذكر المفسر الشيعي المعاصر محمد جواد مغنية في تفسيره الكاشف كلاماً جديراً بالتأمل، فهو مفيد هنا: " لما عجز المشركون عن استدراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المساومة، حاولوا أن يستخفوه ويزعجوه بكل وسيلة ليخرجوه من مكة... ولو أن المشركين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وقسراً، بحيث يصبح.. لا يدري أين يتجه، لعجَّل الله في هلاكهم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، إنما خرج منها بأمر الله سبحانه وتعالى إلى قوم يفدونه بالأنفس والمال والعيال ". [18]
وبهذا يتضح أن الاستفزاز هو الاستخفاف والإزعاج مقدمةً للإخراج، وليس بمعنى الإخراج.
وأن محاولة الاستفزاز (الاستخفاف) هنا صادرة من كفار مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تنجح؛ فهم كادوا يستفزونه ولكنهم لم يستفزونه.

3. تفسير الآية الثالثة: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".

ـ ما ورد من تفسير في كتب السنة: اختلفوا في تفسير ذلك إما بالإخراج أو القتل أو الاستخفاف ثم الإخراج.
أ) الإخراج:
أراد فرعون أن يُخرج موسى عليه السلام وبني إسرائيل من أرض مصر [19] ، ويخليهم عنها. [20]
والاستفزاز: الاستخفاف، وهو كناية عن الإبعاد.[21]
ب) القتل: يعني: إخراجهم عن هذه الحياة الدنيا بالقتل، إن لم يخرجهم من أرض مصر بالإجلاء.
يستفزكم: يستخفهم ويقلعهم إما بقتل أو بإجلاء. [22]
ج) الاستخفاف ثم الإخراج:
فالآية تبين أن فرعون أراد أمرين : " أن يستخف موسى عليه السلام وقومه، وينفيهم من الأرض ـ أرض مصر ـ ". [23]
وجاء في تفسير روح المعاني ذكر المعاني الثلاثة مع ترجيح القتل:
" وأصل الاستفزاز الإزعاج، وكنى به عن إخراجهم. (من الأرض) أي: أرض مصر التي هم فيها، أو من جميع الأرض. ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم، وهو المراد ". [24]

ـ ما ورد في تفاسير الشيعة
أراد فرعون أن يخرجهم منها. [25]
وقيل: يخرجهم منها بالنفي والقتل والإزعاج كرهاً. [26]
ومنهم من جعل النفي والقتل هو عين الاستخفاف، لا مرحلة سابقة له.
جاء في تفسير مجمع البيان: " يزعج موسى ومن معه من أرض مصر وفلسطين والأردن بالنفي عنها، وقيل: أن يقتلهم ". [27]

ويتضح من سياق الآية الكريمة، أن الاستفزاز صدر عن فرعون إلى سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل، وهذا الاستفزاز لم يتمّ؛ بسبب إغراق الله سبحانه وتعالى لفرعون.. " أَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ ".

ج) تحرير محل النزاع:
يرى أكثر المفسرين ـ رحمهم الله تعالى جميعاً ـ حَمْل الاستفزاز الوارد في الآية الكريمة (103 من سورة الإسراء) على الكناية ـ كناية عن الإخراج، القتل.. ـ.
بينما يرى الباحث أن الحق إبقاء معنى الاستفزاز على معناه الحقيقي: (الاستخفاف)؛ فهو الأصل، وما يوافق القرآن الكريم وسياق الآية الكريمة وما أجمع عليه المؤرخون.[28]
وهذا يوافق اللغة العربية، بحسب ما ورد في كتب الغريب والمعاجم، كما سيتبين قريباً.

معنى الاستفزاز في كتب الغريب واللغة

يستفزهم من الأرض : أي: يزعجهم، وفزني فلان، أي: أزعجني، والفز: ولد البقرة، وسمي بذلك لما تصور فيه من الخفة، كما يسمى عِجلاً لما تصور فيه من العجلة. [29]
لا يَسْتَفِزُّه: أي لا يَسْتَخِفُّه . ورَجُلٌ فَزُّ : أي خفيف. وافْزَزْتُه اذا ازعَجْتَه وافْزَعْتَه. [30]
وجاء في الجامع الصحيح: " بَاب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ .. وَاسْتَفْزِزْ: اسْتَخِفَّ ". [31]
وفي معجم مقاييس اللغة: " (فز) الفاء والزاء: أُصَيلٌ يدلُّ على خفّةٍ وما قاربَهَا. تقول: فَزَّهُ واستفزَّه، إذا استخفَّه. قال الله تعالى: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْض " [الإسراء 76]، أي يحملونك على أن تَخِفَّ عنها. وأفزَّه الخوفُ وأفْزَعَه بمعنىً. وقد استفَزَّ فُلاناً جهْلُه. ورجل فَزٌّ: خفيف. ويقولون: فزَّ عن الشيء: عدل. والفَزُّ: ولَد البقرة. ويُمكن أن يسمَّى بذلك لخفَّة جسمِه. قال:
كما استغَاثَ بسيءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ خافَ العُيونَ ولم يُنظُرَ به الحَشكُ [32] ". [33]
وبالعودة إلى أصل معنى (فزّ) يتبين ما أراد فرعون من بني إسرائيل: فقد أراد كل واحد منهم خائفاً فزِعاً كابن الظبي أو البقر الوحشي " الفرير ". [34]
وفز الظبي: فزِع. [35]
وهل هناك أفزع منه ؟!

معنى " الاستخفاف " في القرآن الكريم

في البداية ينبغي الإشارة إلى أن أول ما يقوم به المفسر عند تفسيره ، هو تفسير القرآن بالقرآن. وبما أنه تم ترجيح تفسير (الاستفزاز) بالاستخفاف. وجب بيان معنى الاستخفاف في القرآن الكريم.
وبتتبع الآيات الكريمة التي تتحدث عن الاستخفاف، تبين ورود آيتين كريمتين تذكران معنىً مقارباً لمعنى الاستفزاز (موضع الدراسة)، والآيتان:
1. قال تعالى: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].
2. قال تعالى: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].
والضمير في الآية الأولى يعود على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والثانية يعود على فرعون.
وهنا ينبغي الإشارة إلى عودة الضمير في الآية الثانية موضع الدراسة ( آية: 76 ) من سورة الإسراء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والثالثة ( آية: 103) على فرعون.
وقد فسر أكثر العلماء الاستخفاف في الآيتين الكريمتين بـ " الاستفزاز ". [36]
ومما ورد في بيان ذلك في كتب اللغة:
لا يستخفنك: لا يستفزنك، ولا يستجهلنك. [37]
واستخفه: استفزه. [38]
وعلى هذا:
فالاستفزاز = الاستخفاف.
والاستخفاف = الاستفزاز.

عند تفسير القرآن بالقرآن، نجد..
ـ في خطاب الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
" وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ". [الإسراء: 76].
" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].

ـ وفي سياق الحديث عن فرعون، وعلاقته بكل من بني إسرئيل وقومه (المصريين):
بني إسرائيل: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا " [الإسراء: 103].
المصريين: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].

العلاقة بين فرعون وبني إسرئيل قبيل خروجهم من مصر

بعد هذه الجولة في معنى كل من الاستفزاز والاستخفاف في كتب التفسير واللغة، معززاً ذلك بتفسير القرآن للقرآن.. ينبغي لفت الانتباه إلى الأجواء الختامية لقصة سيدنا موسى عليه السلام وقومه مع فرعون.
يبين القرآن الكريم أن فرعون قد خاف أن يؤمن بنو إسرائيل بدعوة سيدنا موسى عليه السلام مما يهدد مركزه الاجتماعي والديني في مصر.
وزاد هذا الخوف بعد أن دخلت الدعوة إلى المصريين أنفسهم، فآمن السحرة [39].. وكذا الرجل المؤمن من آل فرعون [40].
عندها عبَّر الملأ من حول فرعون عن طبيعة الخطر الذي سيلحق به وبهم، فخوفوه من أن دعوة موسى وأخيه هارون عليهما السلام هي دعوة تمكين للمستضعفين، وتحرير للناس من عبادة غير الله تعالى. بينما دعوة فرعون هي دعوة عبودية له، واستخفاف بهم.
فخاطبوهما على مسمع فرعون: " قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ". [يونس: 78] والكبرياء هنا: المُلك والسلطان. [41]
وظلوا يخوفونه من تهديد الدعوة الجديدة على سلطانه، فاستخدم التهديد والوعيد ليستخف ببني إسرائيل " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " [الأعراف: 127].
من هنا بدأت مناورات الاستفزاز والحرب النفسية من فرعون وملئه بأتباع الدعوة الجديدة، والتي عبَّر عنها القرآن الكريم: " َمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ " [يونس: 83].
وخوفاً من تأثير استخفاف فرعون ببني إسرائيل ( كما استخفَّ قومَه فأطاعوه) فكان الرأي السديد لسيدنا موسى عليه السلام الهجرة من مصر مع أتباع دعوته، ليجدوا أرضاً (يتمكنوا) فيها؛ ليقيموا فيها شعائر دينهم الحق بلا وجل ولا استخفاف. [42]
لذا خرج بهم سراً في الليل (الإسراء) دون أن يشعر بهم فرعون، " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ " [الشعراء: 52].
ثم تبين سورة الشعراء مشهد لحوق فرعون وجيشه بهم: " فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60)فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63) ".
وعلم فرعون بتلك الهجرة متأخراً، بدليلين:
الأول: أن الجمعين شاهد كل منهما الآخر، وهذا يكون نهاراً.. وبني إسرائيل ساروا ليلاً " أَسْرِ ".
الثاني: أن موسى عليه السلام وقومه وصلوا شاطئ اليم، بعيداً عن العمران.
كل هذا يؤكد أن الإخراج لم يكن عن طيب خاطر من فرعون، وإلا لتركهم يذهبون. بل العكس من ذلك، لحق بهم؛ لأنه أراد إبقاءهم للخدمة والعبودية.

معنى " مِنْ " في الآية الكريمة

قد يتساءل سائل: إن سلَّمنا بأن الاستفزاز بمعنى الاستخفاف، فما معنى حرف الجر " مِنْ " في قوله تعالى: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا " ؟
وجواب ذلك في إنابة بعض حروف الجر عن بعض ، حيث إن بعض حروف الجر، تفيد معانٍ عدة (منها معاني حروفٍ أخرى)، ويُفهَم المعنى من السياق. [43]
مثلاً الباء: تفيد عدة معانٍ:
في: كقوله تعالى: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ". [آل عمران123].
عن: كقوله تعالى: " الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ". [الفرقان: 59].
على: كقوله تعالى: " مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ". [آل عمران: 75].
مع: كقوله تعالى: " فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ". [طه: 78].
من: كقوله تعالى: " عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ". [الإنسان: 6].
إلى: كقوله تعالى: " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي". [يوسف: 100].

والآن إلى موضع الشاهد هنا:
قوله تعالى: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرْضِ " [الإسراء: 103].
الراجح أن " مِنْ " هنا تفيد معنى الظرفية: (فِيْ)، بدليل أن من معاني (في) : التبعيض أو البيان (مِن).
فمن الممكن أن يدل أحدهما على معنى الآخر... وذلك بحسب الأمثلة التالية:

أولاً: " فِيْ " بمعنى " مِنْ ": [44]
- قوله تعالى: " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِيْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيْدَاً ". [النحل: 89].
أي: من كل أمة. انظر ما قبلها: " وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ(84) ". والنساء: " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(41) ".
- وقول امرئ القيس [45]:
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ فِيْكَ بِأَمثَلِ
أراد: منك.
- وقوله:
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ أَحدَثُ عَهدِهِ ثَلاثينَ شَهراً في ثَلاثَةِ أَحوالِ
أراد: من ثلاثة أحوال.

ثانياً: " مِنْ " بمعنى " فِيْ " : [46]
- قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ..". [الجمعة: 9].
أي: في يوم الجمعة.
- وقوله تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ..". [فاطر: 40].
أي: في الأرض.
- ومثله للشاعر الجاهلي: [47]
عَسى سائِلٌ ذُو حاجَةٍ إِن مَنَعتَهُ مِن اليَومِ سُؤلاً أَن يَكون لَهُ غَدُ
أي: في اليوم.

بهذا يتبين أنه يجوز لـ ( مِنْ ) أن تحمل معنى الظرفية ( فِيْ ), بالإضافة إلى ما تتميز به من معان أخرى.

الصواب في تفسير الآية الكريمة

قال تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
وفرعون حين أراد الاستخفاف ببني إسرائيل لم يشأ أن يستخفهم ليخرجهم، بل ليرهبهم ويسهل انقيادهم له عبيداً أذلاء؛ كما أنه حين استخف بقومه لم يرد إلا ذاك.. لم يُرد إلا أن يستخف بكل من في مصر: المصريين (ونجح في ذلك) وبني إسرائيل.. ولا يُعقَل أن يتمنى خروجهم.
أراد الله جل جلاله للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل العلو والتمكين في الأرض، ولا يتحقق ذلك وهم يتعرضون لاستفزاز فرعون وملئه صباح مساء.
والتمكين عكس الاستفزاز والاستخفاف، ويكون جائزة الصبر والتوكل على الله تعالى.
جاء في مدارج السالكين: " فمن وفَّى الصبر حقه، وتيقن أن وعد الله حق، لم يستفزه المبطلون، ولم يستخفه الذين لا يوقنون. ومتى ضعف صبره ويقينه ـ أو كلاهما ـ استفزه هؤلاء واستخفه هؤلاء، فجذبوه إليهم، بحسب ضعف قوة صبره ويقينه. فكلما ضعف ذلك منه، قوي جذبهم له. وكلما قوي صبره ويقينه، قوي انجذابه منهم، وجذبه لهم ". [48]
وهذا الذي تم، التمكين والاستخلاف للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل بسبب صبرهم ورفضهم الاستفزاز: " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ". [الأعراف: 128].
وتمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " [الأعراف: 137].
وبهذا وعد الله جل جلاله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده إن لم يستخفهم مشركو قريش: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا.. ". [الروم: 55].
ثم تمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوعهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا " [الأحزاب: 27].

ومن المُلاحَظ أن التمكين والاستخلاف تم بعد الهجرة، سواء في زمن موسى عليه السلام أو محمد صلى الله عليه وسلم.

كما تقرر الآيات الثلاث الكريمة في سورة الإسراء أهمية عزة المؤمن، واستعلائه على الباطل الذي يريد استفزازه وجعله مطية له (جناً كان أم إنساً). وتحقير من رضي لنفسه أن يكون ( فزاً وفريراً ... ) سواء للشيطان الجن أو شياطين الإنس.
وعدم الرضوخ إلى ترهيبه وترغيبه، فما هي إلا (استفزازات) و(استخفافات) لا تليق بالمؤمنين المخلصين، ولهذا حذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير قوم فرعون الذي كما قادهم في الدنيا إلى الهلاك، سيقودهم أيضاً في الآخرة إلى العذاب..
" يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ " [هود: 98].

الخلاصة
كانت إرادة فرعون أن يستخدم البطش والتهديد ليستخف بفئتي المجتمع في مصر: المصريين، وبني إسرائيل. لتسهل السطيرة عليهم، وليستتب له الحكم بلا معارضة.
وقد نجح في ذلك مع قومه المصريين، حيث استخفهم فأطاعوه. ولكن الله جل جلاله يريد للطائفة المؤمنة أن تكون عزيزة أبيَّة، لا تخضع للترغيب والترهيب على حساب دينها، ومعيقة لها عن وظيفة تحقيق العبودية لله وحده في الأرض، ولا يتحقق هذا بلا تمكين.
لذا كانت معية الله سبحانه وتعالى للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل، حيث بدت السنة الإلهية في نصر وتمكين العباد المؤمنين، حين أراد فرعون الاستخفاف ببني إسرائيل.. ولكن دائرة السَّوء جاءت عليه، وانقلب كيده إلى نحره، حيث غرق في اليم. فانقلب المستخِفُّ مسخفَّاً به.
ذاك هو الحق الذي بينته سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا(101)قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا(102)فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا(103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا(104)وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) ".
صدق الله العظيم

الهوامش:

===================================================

1) قال د. نصر أبو زيد: " القرآن ينتمي إلى ثقافة البشر ". انظر كتابه: مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن، ص: 27.
2) انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري 1/240. والبداية والنهاية، ابن كثير 1/249 . والمنتظم، ابن الجوزي 1/339.
3) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/50. وتفسير الجلالين، جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي، ص: 373. وزاد المسير، ابن الجوزي: 5/58.
4) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 10/288.
5) فتح القدير، الشوكاني: 3/241.
6) أضواء البيان، الشنقيطي: 6/498.
7) تفسير القمي: 2/22.
8) التبيان، الخوئي: 6/ 498.
9) جوامع الجامع، الطبرسي: 2/336.
10) الميزان، الطباطبائي: 13/154.
11) انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/45. وأضواء البيان، الشنقيطي: 3/175. تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص: 464.
12) هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الإمام العلم المجتهد عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة من أكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال وكان من أفراد الدهر علماً وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله. (ت310هـ) انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي: 14/267.
13) جامع البيان، الطبري: 15/132.
14) أنوار التنزيل، البيضاوي: 3/461.
15) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي:10/301.
16) انظر: التبيان، الطوسي: 6/507.
17) انظر: جوامع الجامع، الطبرسي: 2/340. والصافي، الكاشاني: 3/206. والميزان، الطباطبائي: 13/185.
18) الكاشف، محمد جواد مغنية: 5/72.
19) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي:10/338. وانظر: مفاتيح الغيب الرازي: 21/56. وتفسير الجلالين، ص: 337. والوجيز، الواحدي: 2/650. ومدارك التنزيل، النسفي: 1/269. وتيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص: 468.
20) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/68.
21) التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور: 11/2507.
22) والمحرر الوجيز، ابن عطية: 3/490. وانظر: الكشاف، الزمخشري: 2/271. وفتح القدير، الشوكاني: 3/263.
23) أنوار التنزيل، البيضاوي: 3/470.
24) روح المعاني، الآلوسي: 5/396.
25) تفسير القمي: 2/29. والميزان، الطباطبائي: 13/234.
26) التبيان، الطوسي: 6/529.
27) مجمع البيان، الطبرسي: 3/443.
28) وهو أن فرعون إنما أراد إبقاء بني إسرائيل لاستعبادهم (الاستخفاف بهم)، وأن آخر ما كان يتمناه خروجهم من مصر.
29) المفردات، الراغب الأصفهاني: 2/260.
30) النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير الجزري: 3/443. وقبله في تفسير معنى (حليم): 1/434: " الحَليمُ، هو الذي لا يَسْتَخِفُّه شيء من عِصْيان العباد, ولا يستفِزُّه الغضب عليهم ".
31) الجامع الصحيح، البخاري: 3/1192 (كتاب بدء الأرض). وانظر أيضاً: 4/1742 (كتاب تفسير القرآن ـ باب سورة بني إسرائيل الإسراء).
32) البيت لزهير بن أبي سلمى، انظر: ديوانه، ص: 177. قال ابن دريد، في كتابه: " الاشتقاق "، ص: 168: " الغيطلة: البقرة الوحشية، والفز ولدها ". والسيء: اللبن اليسير الذي يخرج من الضرع قبل الحلب. انظر: لسان العرب، ابن منظور: 1/99 (سيأ). والحشك: ترك اللبن حتى يتجمع. انظر: لسان العرب، ابن منظور: 10/412 (حشك).
ويقصد بالتشبيه في البيت: التشبيه بابن بقرة وحشية يلعق السيء، دون انتظار تجمع اللبن في الضرع؛ خوفاً من عيون الناس.
33) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 4/343.
34) انظر: لسان العرب، ابن منظور: 5/52 (فرر). ومنه أطلقت العرب على الهروب جُبناً " الفرار ".
35) القاموس المحيط، الفيروزآبادي: 1/669.
36) لبيان معنى الاستخفاف في سورة الروم، انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 14/49. وفتح القدير، الشوكاني: 4/232. والوجيز، الواحدي: 2/842. وزاد المسير، ابن الجوزي: 6/163. والتبيان، الطوسي: 8/267. ومجمع البيان، الطبرسي: 4/311.
ولبيان معنى الاستخفاف في سورة الزخرف، انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 16/101. والجلالين، ص:652. وزاد المسير، ابن الجوزي: 7/322. وجوامع الجامع، الطبرسي: 4/515.
37) القاموس المحيط، الفيروز آبادي: 1/1042 (خفف).
38) أساس البلاغة، الزمخشري: 1/445 (خفف). وانظر: لسان العرب، ابن منظور: 9/88 (خفف).
39) انظر: سورة الأعراف، الآيات: 120-126.
40) انظر سورة غافر (المؤمن)، الآيات: 39-45.
41) انظر: جامع البيان، الطبري:11/147.
42) مدح القرآن الكريم هذا العلاج لمن يخشى على دينه من التأثر السلبي لاستفزاز الظالمين، قال تعالى: " وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء: 100]. بل ذم من لم يستخدم ذلك العلاج، وعدَّه معصية: " الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء: 97].
43) من أشهر الكتب التي تناولت ذلك بالتفصيل كتابي: الجني الداني في معاني حروف المعاني للمرادي، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي.
44) انظر: تناوب حروف الجر في لغة القرآن، د. محمد حسن عواد، ص: 35.
45) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أشهر شعراء العرب على الاطلاق. يماني الاصل، كان أبوه ملك أسد وغطفان. قصد الحارث ابن أبي شمر الغساني (والي بادية الشام) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية، فولاه فلسطين، ولقبه فيلارق أي الوالي، فرحل يريدها. فلما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، وما لبث أن توفي؛ ولذلك عُرف بذي القروح، وكذلك: الملك الضليل. انظر: الأعلام، الزركلي: 2/14.
46) انظر: تناوب حروف الجر في لغة القرآن، د. محمد حسن عواد، ص: 28.
47) ورد هذا البيت في قصيدتين: الأولى: لأبي اللحام حُريث بن اللحام التغلبي، ومطلعها:
عمرتُ وأَطولتُ التَّفَكُّرَ خالياً وَساءَلت حَتّى كادَ عُمري يَنفَدُ
والثانية: لعدي بن زيد بن حماد التميمي، ومطلعها:
أَتَعرِفُ رَسمَ الدارِ مِن أُمِّ مَعبَدِ نَعَم وَرَماكَ الشَوقُ قَبلَ التَجَلُّدِ
انظر: موسوعة الشعر العربي، المكتب الثقافي، أبو ظبي، قرص حاسوبي ( Cd ).
48) مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية: 3/215 (أول باب التمكُّن).
 
ولما كان الإسلام دعوة عالمية، لابد للدعاة من ترجمة صحيحة لمعاني القرآن الكريم وذلك للقيام بفريضة التعريف بهذا الدين العظيم.
ولا يجوز أن يتهاون من تصدى للترجمة في البحث عن أقرب الترجمات إلى الصحة من أجل بيان المعنى المراد.
وبما أن الترجمة عمل إنساني يشوبه ما يشوب المترجم مما طبعَ الله الناسَ عليه من خطأ ونقص..

لا ينبغي أبداً الركون إلى تراجم من سبقنا (على شرفها وفضلها وهم مأجورون مشكورون عليها) بل ينبغي مراجعتها مراتٍ ومراتٍ... لألا تكون الترجمة سبباً في الطعن بكتاب الله سبحانه وتعالى.. تنزيهاً له عن رميه بما ليس فيه.

هذا إن كان في وقت الراحة والركون والسكون...
فكيف بنا في هذا الوقت الذي لا تهدأ أمواجه المتلاطمة ورياحه العاصفة.. ولا ترتاح ((الدراسات)) الناقدة لمصدر وتأريخ وموضوعات وأسلوب القرآن الكريم بمختلف جنسيات ولاة أمر معاهد الاستشراق.. وأنواع العملات التي صُرِفت.. وألوان بشرات وعيون الشخوص الذين شمروا عن سواعدهم لذاك..
في تكالب أكلةٍ على قصعتها لم يعرف التاريخ له مثيلاً لأمة من الأمم أو لكتاب من الكتب منذ بدء التاريخ حتى الآن!!

لا يجوز لنا أن نقدم ما يسبب الطعون لكتاب الله جل جلاله هدية مجانية ولقمة سائغة يستقبلها كل أولئك الناس في غفلة منا
إن استمر جهِلنا بها فتلك مصيبة.. وإن علِمنا بها وجبُنا (أو في أحسن الأحوال تجاهلنا) فالمصيبة أعظم.

كل تلك المقدمة لبيان خطورة ما قد تثيره ما سأذكره أدناه، من نماذج لترجمات معتمدة للآية 103 من سورة الإسراء.. من شبهات حول القرآن الكريم
فجميعها قالت إن فرعون أحب، أراد، رغِبَ في.. إخراج بني إسرائيل من مصر، بينما الحق الذي بيَّنه القرآن الكريم وأجمَعَت عليه كل كتب التاريخ وبما يوافق اللغة: أن فرعون أحب، أراد ... الاستخفاف ببني إسرائيل وإبقاءهم عبيداً عنده..

وإليكم نماذج من تلك الترجمات..

الإنجليزية:
[align=left]he resolved to remove them from the face of the earth: but We did drown him and all who were with him

الفرنسية:
-(Pharaon) voulut donc les expulser du pays. Alors Nous les noyâmes tous lui et ceux qui étaient avec lui

التركية:
Derken, Firavun onlar‎ ülkeden ç‎karmak istedi. Bu yüzden biz onu ve maiyyetindekilerin hepsini (denizde) boًduk

الألمانية:
Und Pharao wollte die Kinder Israel aus dem Land verscheuchen. Da lieen wir ihn und alle, die mit ihm waren, ertrinken[/align]


فهذا رجاء ونداء لكل مؤسسة تُعنى بترجمة القرآن الكريم أن تنظر إلى كتاب الله سبحانه وتعالى بمزيد من العناية.. فلا يؤتيَن كتاب الله من قِبَلها.

كتاب الله المجيد له حق علينا.. ولا يليق بنا التفكير بأنانية ، بمعنى: التفسير لأجل العرب المسلمين، بل ينبغي علينا التفكير الجدي و(الوعي) بأن كل حرف نكتبه (وبخاصة إن تعلّق بالقرآن الكريم) فإن عدداً من مراكز البحث ستتلقف ما يُكتَب.. وتعكف عليه دراسةً وتحليلاً


مرة أخرى أخي الغيور على كتاب الله " فلا يؤتَيَنَّ من قِبَلك ".
 
عودة
أعلى