دراسة نقدية لأثر عثمان رضي الله عنه في سبب سقوط البسملة من أول براءة

إنضم
16/04/2003
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيتفق المختصون في الدراسات القرآنية، أن كثيرا من المسائل المتصلة بالتفسير وعلوم القرآن، تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتمحيص، بل إني أجزم أن بعض المسائل التي اكتسبت صفة الاستقرار والقبول، بل والتسليم أحيانا في الدراسات القرآنية، هي محل نظر، وبين يدي مسألة لها تعلق بالتفسير وعلوم القرآن، وهي مسألة إسقاط البسملة من أول سورة براءة، وهي من المسائل المشهورة، استغني بشهرتها عن إطالة الكلام بذكرها، وإنما اكتفي بالرواية المشهورة التي رواها أهل السنن وغيرهم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في سبب سقوطها، قال ابن عباس رضي الله عنه قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه: ( ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى البراءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ) وفي لفظ: (وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم)
وسيكون النظر في هذا الأثر من جهتين:
- الأولى: من جهة الإسناد.
- والثانية: من جهة المتن.

الجهة الأولى : من جهة الإسناد.
فهذا الأثر أخرجه ابن حبان والحاكم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي وأحمد والطبراني في الأوسط والطحاوي وابن جرير، ـ وفي الحق ـ فإن هذا الجانب من المسألة قد بسط أهل العلم من أئمة الحديث البحث فيه، فحصروا طرق الأثر ونقدوها وبينوا درجتها، وملخص كلامهم في سند هذا الأثر، أن مداره على يزيد الفارسي، وهذا الرجل قد اختلف فيه أهل العلم: هل هو ابن هرمز، أو غيره، فإن كان ابن هرمز ـ كما ذهب الإمام أحمد وابن مهدي ـ فهو ثقة، ومن الأئمة من فرق بينهما كالقطان وابن معين وغيرهما، وحكم بجهالة الفارسي، ومنهم من فرق بينما غير أنه حسن حديث الفارسي كما فعل أبو حاتم الرازي.
والأثر قد حكم ابن حبان والحاكم بصحته، وحسنة الترمذي وابن حجر، وممن صححه من المعاصرين الشيخ عبد الله الجديع في كتابه مقدمات أساسية، وانتصر له بقوة وأطال فيه، وذلك في بحثه في ترتيب الآيات والسور، وممن ضعفه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر والشيخ شعيب الأرناؤوط والشيخ الألباني ومحققوا المسند رحم الله الجميع.
ـ وفي الحق ـ فإني لم أجد ـ في ضوء ما وقفت عليه ـ عند المصححين لإسناده أو أولئك المضعفين له، ما يقوي قولهم ويسند رأيهم، ولذا أقف معهم ـ في هذا الجانب ـ حيث وقفوا، لأني لم أجد ما يرجح كلام أولئك أو أولئك.

الجهة الثانية: النظر في هذا الأثر من جهة متنه.
وهنا ـ مع الأسف ـ لا نجد البحث يأخذ العمق والقوة، كما رأينا في كلام أهل العلم المتعلق بإسناد الأثر، وأشير هنا إلى أنني كلفت عددا من الطلاب في الجامعة بدراسة سند الأثر ومتنه، فاقتصر كلامهم على ناحية الإسناد، لأن كلام أهل العلم توقف عند هذا القدر، ولذا فأنني أطرح هذا المسألة عليكم بارك الله فيكم، لنتدارس المسألة ولا سيما من ناحية المتن، فقد ظهر لي أن في المتن نكارة، توجب الحكم بضعفه، وغير خاف أن العلة والشذوذ ـ التي اشترط أهل العلم سلامة الأثر منها حتى يحكم بقبوله ويحتج به ـ لا تقتصر على السند، بل للمتن نصيب فيها، ولأهل العلم من أئمة الجرح والتعديل باع طويل في هذا، فرحمهم الله وأجزل لهم المثوبة
إن المتأمل في متن هذا الأثر سيلحظ أمرين مشكلين، فيهما دلالة على نكارته، مما يقوي القول بضعفه:

الإشكال الأول: جاء في الرواية قول عثمان وهو يرد على سؤال ابن عباس: ( .. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ) وفي لفظ: (..وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال..) إن لفظ الروايتين يدل على ثلاثة أمور:
يدل أولا: على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبين نهاية الأنفال وبداية براءة.
ويدل ثانيا: على أن عثمان قد استشكل هذا الأمر، أي عدم بينانه صلى الله عليه وسلم لأول هاتين السورتين وآخرهما، حتى تردد رضي الله عنه في أمرهما لتشابه قصتهما.
ويدل ثالثا: على أن عثمان لما رأى هذا التشابه بين السورتين، وعدم بيان النبي صلى الله عليه وسلم لبدايتهما ونهايتهم، اجتهد فقرن بينهما واسقط سطر بسم الله الرحمن الرحيم.
إذا: فعثمان رضي الله عنه هو الذي قام بهذا الأمر ـ سواء باشره بنفسه أو كلف أحدا من الصحابة به ـ وهذا أمر مشكل حقا، فإننا نعلم يقينا وبإجماع، أن جمع القرآن الكريم مرّ بثلاث مراحل، جمع النبي صلى الله عليه وسلم وجمع أبي بكر ثم جمع عثمان رضي الله عنهما، ونعلم كذلك بإجماع أن جمع أبي بكر كان مرتب الآيات والسور، وهذه قضية عقلية لا نزاع فيها، لأن جمع السور في مصحف واحد يقتضي أن تكون مرتبة، وإذا صح هذا فهو يقتضي أن سورة براءة والأنفال كان لهما موضع في جمع أبي بكر رضي الله عنه قطعا، سواء على ما هما عليه الآن أو غيره، وهنا يرد علينا أمران:
إما أن يكون عثمان قد وافق أبا بكر في جمعه وترتيبه، ولم يكن الأمر من فعله وإنما هو من فعل أبي بكر وبأمره، وهنا يحق لنا أن نسأل لم نسب عثمان ـ في هذا الأثر ـ الأمر له في عدة مواضع: من حيث الاستشكال، ومن حيث تشابه القصة، ومن حيث القيام بالفعل ذاته بأن قرن بين السورتين ثم أسقط البسملة؟ وأرجو إعادة قراءة الرواية مرة أخرى، لقد كان عثمان رضي الله عنه في غنية أن ينسب الأمر له ويتحمله هو، مع أن الذي قام به غيره، ويتأكد هذا إذا علمنا أن ابن عباس قد سأله بصيغة لا تخلو من نوع إنكار قال: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى البراءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على ذلك؟ ) أفلم يكن من الأسلم لعثمان رضي الله عنه أن ينسب الأمر لغيره وقد فعله سواه.
هذا الاحتمال الأول، والاحتمال الثاني: أن يكون عثمان هو الذي قام بهذا الأمر إما مباشرة له أو أمرا به، والإشكال على هذا الاحتمال أكبر من سابقه، لأنه يدل على أن عثمان رضي الله عنه هو الذي استشكل عدم العلم بنهاية الأنفال وبداية براءة، مما حمله على أن يقرن بينهما ويسقط البسملة ـ كما تدل عليه ظاهر الرواية ـ وهنا يحق لنا أن نسأل: كيف كان الأمر قبل أن يتولى عثمان رضي الله عنه الخلافة ؟ كيف لم يستشكل أبو بكر والصحابة معه هذا الأمر؟ وكيف جمعوا الناس على مصحف واحد فرق بين الأمصار! وقرأه الناس في خلافة أبي بكر وخلافة الفاروق كلها وقد استمرت نحوا من عشر سنين، بل شطرا من خلافة عثمان ـ على اعتبار أن جمع عثمان كان بعد معركة أرمينيا ـ وهنا أدع الجواب لكم.

الإشكال الثاني: نلحظ تعارضا بين أول الرواية وآخر الرواية، ففي آخر الأثر كان كلام عثمان واضحا، في أن الأمر المتعلق بسورة الأنفال وبراءة كان مشكلا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين آخر الأنفال ولا أول براءة، وكذلك لتشابه قصتهما، وهذا الذي حمله رضي الله عنه على أن قرن بينهما وأسقط البسملة، إذا فعثمان لم يكن يعلم إن كانت الأنفال مستقلة عن براءة أو لا، وهذا يتعارض مع كلام ابن عباس، لأن ابن عباس نص على تسمية براءة ونص على تسمية الأنفال، والنص على تسميتهما يقتضي العلم باستقلالهما عن بعضهما، بل زاد ابن عباس فبين أن الأنفال كانت معروفة التصنيف حيث ذكر أنها من المثاني، وأن براءة كانت أيضا معروفة التصنيف حيث ذكر أنها من المئين، إذا فابن عباس سما السورتين هذا أولا، وثانيا صنفهما، وهذا يقتضي قطعا أنهما معروفتان للناس لا يشتبه عليهم أمرهما، قال ابن عباس: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى البراءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ..وإذا صح هذا فقارنه بقول عثمان في آخر الرواية يظهر لك تعارض ما بين القولين.
وفي الحق فهذان الأمران فيهما إشكال يقوي القول بضعف هذا الأثر، على الأقل من جهة المتن، إن وقع الخلاف في إسناده.
بقي أن أشير إلى أمر ثالث في هذا الأثر لم يتحرر بشكل واضح عندي، أذكره لكم لأنظر رأيكم، وهو:
وهو إشكال مترتب على الأشكال الأول، حيث يلزم من هذه الرواية عن عثمان، أنه رضي الله عنه هو الذي قام بإسقاط البسملة بسبب المسوغات التي ذكرها له، ونحن نفهم من هذا أن البسملة كانت مثبتة في أول براءة في مصحف أبي بكر رضي الله عنه ثم أسقطها عثمان لما رأى ما بين السورتين من تشابه وعدم بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهما حيث يقول: ( ..فكانت قصتها شبيهة بقصتها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ) وفي لفظ: (وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم) وهذا يدل على أن عثمان رضي الله عنه خالف الأمر الذي اجتمع عليه الناس واستقر، وعثمان أجل وأورع من أن يفعل هذا.
وبعد فأرجو بارك الله فيكم المشاركة وإبداء الرأي وتصويب الخطأ والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 
جزاك الله خيراً يا شيخ ناصر

والذي ترجح لي هو جهالة يزيد الفارسي كما ذهب إليه يحيى القطان و ابن معين و المزي وهو ظاهر اختيار الترمذي كذلك.

وبذلك يكون الحديث ضعيفاً إضافة لنكارة المتن التي نبهتم عليها جزاكم الله خيرا
 
حياك الله أبا فارس ، وعوداً حميداً بعد طول غياب

مناقشة ودراسة أثر ابن عباس مع عثمان سنداً ومتناً يمكن أن ترجع فيها إلى ما نقله الدكتور أحمد حسن فرحات في كتابه :في علوم القرآن - عرض ونقد وتحقيق ص58-62
فقد نقل عن كتاب : فصل الخطاب في سلامة القرآن الكريم للدكتورين : الكومي والقاسم نقداً جيداً لهذا الأثر ، وخاصة من جهة المتن .
فيمكنك الرجوع إليه ، ومقارنة ما ذكرا بما ذكرت وفقني الله وإياك .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم محمد الأمين أشكرك على قراءتك للموضوع ، وأرجو منك أن تفيدني والإخوة بالمرجح الذي اعتمدت عليه في تقوية كون يزيد، هو الفارسي.

أبو مجاهد: غفر الله لك، لا تنس أن الغياب غياب الروح، كما أشكرك على قراءة الموضوع وأرجو منك ـ بلا مشقة ـ أن تذكر لنا ملخص ما ذكره الدكتور أحمد حسن فرحات في كتابه :في علوم القرآن، فكتابة ليس بين يدي، ولك مني الشكر مرة أخرى .
 
لن أكثر من التبريرات والمناقشات لكل جزئية من الاستفسارات، وسأكتفي ببعض الإشارات لأظهر ما بان لوجهة نظري القاصر، وفيها إجابات لما طرحه الدكتور وفقه الله.

(ما حملكم )

أي يا من جمعتم القرآن من كبار أصحاب رسول الله سواء كان أبا بكر أو غيره ممن تولى هذه المهمة.

(على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى البراءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما)

في المصحف المجموع بين أيدينا، بسوره المتتالية

( ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ )


(فقال عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا )

وأنا هنا أفهم من هذا النص خلاف ما فهم غيري من بعض السابقين الأفاضل أن ترتيب كل سور القرآن توقيفي إلا الأنفال وبراءة، بل يستنبط من هذا النص أنه حتى هتين السورتين كانتا هكذا في العرضة الأخيرة على جبريل، سورة براءة بعد الأنفال على ما نراه بين أيدينا
لكن على الرغم من كل الدواعي التي استظهرها عثمان أنها منها ومكملة لها كتشابه القصة وتتاليهما في القراءة وعدم وجود البسملة لكن لم يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لعثمان ولا لأبي بكر أنها منها

(أنها منها)
أي لم يزد صلى الله عليه وآله وسلم على ما فعل لتصيران سورة واحدة مندمجة مع قوة الشبهة في نظر عثمان.

( فمن ثم قرنت بينهما)

وقوله قرنت بينهما وذلك لأن المصحف الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه لم تكن أوراقه ملتصقة كالكتاب فالصحف المعلقة كالكتاب الواحد كانت من فعل عثمان رضي الله عنه كما في الأثر.
فيظهر واضحا أن كل سورة كانت في مجموعة أوراق ثم بعدها السورة الأخرى في مجموعة أوراق أخرى وهكذا.
أما عثمان فقد كتب السور متتالية حتى لو أكمل السورة بعد الأخرى في صفحة واحدة، مما لا يترك للناظر استبعادا للإقران وسينسب ذلك لعثمان إن تفطن للفرق بين ما فعله الصديق وما قام به ذو النورين خاصة أنها كانت بدون بسملة التي هي الفاصل بين السور كما في الحديث فقال:



(ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ) وهذا من كمال الإتباع فيما فعل رضي الله عنه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
أخي المكرم الشيخ / ناصر الماجد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فهمت من مقالك أنك بنيت الإشكال الأول – وما تفرع عنه وهو الإشكال الثالث – على أمر عرضته معرض التسليم والقبول ، وهو محل نظر ، وأعني به ماجاء في قولك :" ونعلم كذلك بإجماع أن جمع أبي بكر كان مرتب الآيات والسور، وهذه قضية عقلية لا نزاع فيها، لأن جمع السور في مصحف واحد يقتضي أن تكون مرتبة " .
فماالدليل على أن جمع أبي بكر كان مرتب السور ؟ فضلا عن انعقاد الإجماع على ذلك ، والقول بأن جمعه كان مرتب السور على نحو الجمع العثماني دعوى تفتقر إلى الدليل الصريح ، وهو – أعني ترتيبه على السور – قدر زائد على مطلق الجمع .
فقد جُمع القرآن في عهد الصديق من السطور والصدور على الصفة التي أخذها الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وكتبها بأمره كتاب الوحي، فصارت جميعاً في صحف، محفوظة في موضع واحد دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد. ولم تُكتب منها المصاحف يومئذ، كما أن ظاهر الأمر – من سياق المرويات - أن السُّور لم تؤلف يومئذ على صفة معينة .
بل جزم بذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال : "الفرق بين الصحف والمصحف: أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة ، لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفاً " ( فتح الباري 8/635 )
وقال أبو عبدالله الحاكم: "جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة الرسول r، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث هو في ترتيب السورة كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين" . ( المستدرك 2/229 )
فهذا الحيث يشير إلى أن ترتيب السور في جمع عثمان دخله اجتهاد الصحابة ، وأما جمع أبي بكر فقد كان جمعا لكلام الله بين دفتين في موضع واحد ولايلزم من ذلك أنه كان مرتب السور على النحو المعروف .
أما الإشكال الثاني فلم يظهر لي وجه التعارض والإشكال ، فليتك – فضلا لا أمرا – تزيده إيضاحا .
وجزاك الله خيرا ،،

أخي / محمد الأمين وفقه الله
قولك :" والذي ترجح لي هو جهالة يزيد الفارسي كما ذهب إليه يحيى القطان و ابن معين و المزي وهو ظاهر اختيار الترمذي كذلك.
وبذلك يكون الحديث ضعيفاً إضافة لنكارة المتن "

اختلف في يزيد الفارسي – الذي عليه مدار الحديث – هل هو ابن هرمز أم غيره ؟ - بمعنى أنهما اثنان - .
فإن قيل : إنهما واحد – وهو مذهب عبدالرحمن ابن مهدي وأحمد بن حنبل وابن سعد وابن حبان وغيرهم – فهو ثقة بلا إشكال ومن رجال مسلم .
وإن قيل : إنهما اثنان ، فقد عدله أبو حاتم – وهو من المتشددين في التعديل ، وممن يرى التفرقة بينهما – فقال : " لابأس به "، ومن علمه حجة على من جهله .
فأوصيك – أخي الكريم – بالرفق والتؤدة ، وعدم التعجل بإطلاق مثل هذه الأحكام ، لاسيما مع مخالفة أئمة هذا الشأن الذين تتابعوا على قبول هذا الحديث .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ... آمين
 
كلام الأخ خالد الباتلي فتح الله عليه جيد، لكن لو دلل على كلام الحافظ والحاكم بأثر يرجع إليه لقطع الشك باليقين،
أقصد كون الصحف التي جمعها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه لم تكن مرتبة.

فأنا ما زلت أتوقف عن كونها غير مرتبة أما كونها صحف مجموعة بين دفتين غير معلقة وليست مكتوبة سورة تلو الأخرى في صفحة واحدة فهذا موضع اتفاق، وما زاد على ذلك يفتقر لأثر.
 
الإخوة الأفاضل سؤالي هو :
لو ثبت ضعف الحديث فهل يعني مشروعية البسملة بين الأنفال والتوبة ؟ !
مع الأخذ بالحسبان أن التلقي بالسند يراعي قضية حذف البسملة ولحفص عن عاصم ثلاث حالات في ذلك (الوقف - السكت - الوصل )؟
 
قطعا لا، حتى لو ثبت ضعف الحديث فلا بسملة، لأن رسم المصحف الذي بين أيدينا متواتر دون أدنى شك. وليس فيه البسملة أول براءة. أضف إلى آثار أخرى بعدم البسملة.
 
تتمة

تتمة

بسم الله
ناقش الدكتور فضل حسن عباس هذا الأثر في كتابه القيم : إتقان البرهان في علوم القرآن 1/457-461 من جهة إسناده ، ومن جهة متنه مناقشة جيدة .
ومما أورده من مناقشة من جهة المتن :
1.أن أوله ينقض آخره ؛ ففي أول الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع شيئاً ينزل من القرآن الكريم إلا ويبين موضعه وموقعه في السورة ، ولكن آخره فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ما يتصل ببراءة والأنفال ، وهذا غير مقبول .

2.أن سورة الأنفال كانت من أول ما نزل من القرآن المدني ، أما نزول براءة فكان من آخر القرآن الكريم نزولاً ؛ ولا يصح في العقل أن مثل هذا الأمر يخفى على المسلمين هذه المدة الطويلة بين نزول السورتين .

3.صح عن عثمان رضي الله عنه أنه أجاب عبدالله بن الزبير - لما سأله عن قوله : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً ... )(البقرة: من الآية240) لمَ وضعت في القرآن مع أنها منسوخة ؟ ولمَ وضعت متأخرة عن ناسختها ؟ - بأن القرآن الكريم رتب هذا الترتيب وألف هذا التأليف الذي هو عليه الآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان لعثمان ولا لغيره أن يخالف هذا الترتيب . وفي هذا الحديث نجد أنه خرج عن منهجه ، وتعامل مع القرآن بظنه واجتهاده ، ظنهما سورة واحدة وترك البسملة بينهما ، وهذا مخالف لمنهجه رضي الله عنه في إجابته لعبدالله بن الزبير .

4.أن عثمان رضي الله عنه لا يمكن له أن ينفرد بهذا الرأي الذي رآه حتى يفعل هذا الفعل بدون رجوع إلى الصحابة . فظاهر هذا الأثر أنه هو الذي قرن بين السورتين ووضعهما في السبع الطوال .

5.أن ترك عثمان لكتابة سطر ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بعيد عن القبول ، مناف لما عرف عن الصحابة من غيرة على كتاب الله تعالى ؛ فإثبات البسملة أو حذفها لا يمكن أن يملكه أحد ، لا عثمان ولا غيره من الصحابة فمن دونهم ، ومن هنا نقل عن الصحابة في ترك البسملة في هذا الموضع أقوال أخرى . [ انتهى ملخصاً ] .


قلت : لعل الصحيح - والله أعلم - في سبب عدم كتابة البسملة في أول براءة أن جبريل لم ينزل بها في هذا الموضع . كذا قال القرطبي رحمه الله
 
بارك الله فيكم جميعاً على هذه المناقشات العلمية الهادئة.
وليت الدكتور ناصر الماجد يتفضل علينا بتلخيص الرأي المقدم في هذا الأثر وما يترتب عليه بعد هذه التعقيبات النافعة من الباحثين الكرام.
 
أشكر أخي الكشاف ، الذي له من اسمه نصيب في الكشف عن مثل هذه البحوث القيمة التي في الملتقى ، وتكاد تكون نُسيت ، فأحياها بإعادتها مرة اخرى ، واتمنى أن يراجع الدكتور ناصر هذا الرابط ، فيه قضية تتعلق بما ذكره في بحثه ، وهي من الآثار المتعلقة بهذا البحث ، وهذا هو الرابط :
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1028
ونتمنى أن يتحفنا الدكتور ناصر بطلب أخينا الكشاف .
 
استفساراتك واستشكالاتك أخي د ناصر فيها وجهة نظر قوية ويمكن أن يضاف عليها الآتي من الأسئلة :
ـ ما موقف اللجنة التي شكلها عثمان من ذلك وهي تحفظ القرآن كله ، هل ورد في ذلك شيء؟.
ـ هل غاب عن الحاكم وابن حبان والزركشي وابن حجر وغيرهم هذه الإشكاليات في المتن وهم محدثون ومن عادة المحدث إذاكان في نفسه شيء في المتن يقول : ( هذا الحديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ) ولا يذكر المتن ولكن طريقة من حسن هذا الحديث لم يذكر الإسناد ويترك المتن بل حسنوه جملة ـ إسناداً ومتناً ـ ومنهم من صححه جملة دون تفصيل، ولذلك فإن دراسة الحديث من هذه الجهة التي ذكرتها لا تكفي لا بد أن يدرس الحديث بالإضافة إلى ما ورد من روايات أخرى في هذا الموضوع وخاصة منها ما روي عن عثمان رضي الله عنه وما روي عن زيد وأبي وغيرهما ممن جعلهم عثمان في اللجنة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتطرق إلى بعض ألفاظ الرواية احتمال أن يروي الحديث أحد الرجال بعض ألفاظ الحديث بالمعنى فإن جمعنا طرق الحديث ونظرنا في مداره وألفاظه ربما تبين لنا شيء آخر، فمحاكمة ألفاظ الرواية للوصول إلى معان محددة يحتاج لجمع ألفاظ هذه الرواية من طرقها لأنها تفسر بعضها ، فهل لهذه الرواية ألفاظ أخرى وإن كان لها كذلك فمن أين أتى هذا الاختلاف ؟ هذه أسئلة أتمنى منكم الإجابة عليها بما أن المطروح هو دراسة نقدية لحديث عثمان ولا بد أن ألفاظ الرواية وأسانيدها عندكم .
وحبذا لو اطلعتم على هذا الرابط وتكرمتم بقراءته ورأيكم فيه
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=192
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
أشكر الإخوة جميعا
في الحقيقة يثلج الصدر النظر في تعليقاتكم القيمة على الموضوع والتي أفدت منها بشكل كبير، ولازال الموضوع مطروحا للمدارسة،
نعم: القول بقبول الرواية سندا أقرب الى منهج المحدثين، فإنه إن يكن ابن هرمز فلا إشكال، وإن يكن الفارسي فالجهالة مرتفعة عنه.
ولكن لازلت أنتظر الجواب عما يرد على المتن، آملا أن نقرأ مزيدا من الرؤى في الموضوع.
والسلام عليكم
ناصر
 
أمران ينبغي الفراغ منهما قبل النظر في متن الحديث

أمران ينبغي الفراغ منهما قبل النظر في متن الحديث

بارك الله في كل الإخوة الأفاضل الذين فتحوا باب المذاكرة في هذا الحديث ، و شاركوا في مراجعة ما قيل فيه ، و أرى أنه ينبغي علينا الفراغ من أمرين قبل الشروع في النظر في نص الحديث ، كي ينركز البحث و النظر في المتن ،
فأي فائدة تنتظر إن بني البحث على روايات ترمى بعدم صحة السند و ضعفه ؟

أما أول الأمرين :
فلذلك الحديث روايات حكم عليها أئمة الحديث - المعتبر قولهم - بالحسن و بالصحة ، و منهم الإمامان الترمذي و الحاكم :

1 - جاء في " سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ـ الْجَامِعُ الصَّحِيحُ ، كتاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، بَابٌ : وَمِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ :


( حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، ومحمد بن جعفر ، وابن أبي عدي ، وسهل بن يوسف ، قالوا : حدثنا عوف بن أبي جميلة قال : حدثنا يزيد الفارسي قال : حدثنا ابن عباس ، قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطول ، ما حملكم على ذلك ؟
فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : " " ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " " ، وإذا نزلت عليه الآية فيقول : " " ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " " ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، فوضعتها في السبع الطول : " " .

قال أبو عيسى [ الترمذي ] : هذا حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث عوف ، عن يزيد الفارسي ، عن ابن عباس .
ويزيد الفارسي هو من التابعين ، قد روى عن ابن عباس غير حديث ، ويقال هو : يزيد بن هرمز .
ويزيد الرقاشي هو : يزيد بن أبان الرقاشي ، و هو من التابعين ، ولم يدرك ابن عباس ، إنما روى عن أنس بن مالك ، وكلاهما من أهل البصرة ، ويزيد الفارسي أقدم من يزيد الرقاشي ) . انتهى .
( " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " ، للإمام الحافظ المباركفوري ، صفحة 35 ، 36 جزء 8 ، طبعة دار الحديث بالقاهرة ، ط 1 ، 1421 / 2001 م ) - و النسخة بين يديّ .

* هذه الزيادتات الملونة بالأحمر - و تحتها خط - لم أقف عليها فيما جاء في بعض " المواقع على شبكة المعلومات : الإنترنت " .

2 - و أخرجه الحاكم بروايتين حكم على إحداهما بصحة الإسناد ، و حكم على أخراهما بالصحة ، و لم يقيدها بالإسناد ، فقال : " صحيح على شرط الشيخين ، و لم يخرجاه " :

أ -جاء في " الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ " لِلْحَاكِمِ ، كِتَابُ التَّفْسِيرِ


( ح 2829 حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ ، ثنا الحسن بن الفضل ، ثنا هوذة بن خليفة ، ثنا عوف بن أبي جميلة ، ثنا يزيد الفارسي ، قال : قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما : قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني وإلى البراءة ، وهي من المئين فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه ، فيقول : " ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " وتنزل عليه الآية فيقول : " ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " فكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وبراءة من آخر القرآن ، فكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن ثم قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم " . " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ) .

ب - و كذا جاء في " الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ " لِلْحَاكِمِ ، كِتَابُ التَّفْسِيرِ ، تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ :

" ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا "

( ح 3230حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ، ثنا محمد بن سعد العوفي ، ثنا روح بن عبادة ، ثنا عوف بن أبي جميلة ، عن يزيد الفارسي ، قال : ثنا ابن عباس ، قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال فما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ، وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد قال : وكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب له ، فيقول : " ضعوا هذه في السورة التي فيها كذا وكذا " وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يبين لنا أنها منها ، فلم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم " . " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " . ) .


3 - و مما ينبغي الالتفات إليه : عدم نقل تعقب على هذه الأحكام - على الحديث - من أحد من الأئمة المتقدمين ، المعتد بحكمهم على الأحاديث ، و هم المعوَل عليهم في هذا الشأن ، و المصير إلى حكمهم في هذا الفن .

أما الأمر الثاني :
فلم ينفرد سيدنا عثمان رضي الله عنه بالقول بعدم كتابة تلك البسملة فاصلة بين السورتين :

أ - فقد انعقد الإجماع على ذلك الرسم للمصحف الإمام " مصحف عثمان " ،

ب - و أخرج الحاكم في " المستدرك على الصحيحين ، و ابن الأعرابي في " معجمه " ، و ابن الجوزي في تفسيره " ، زاد المسير " أن سيدنا عليّا رضي الله عنه قال أو أقر - ضمنا - بعدم كتابتها هنالك :
* جاء في " الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ " لِلْحَاكِمِ ، كِتَابُ التَّفْسِيرِ ، تَفْسِيرُ سُورَةِ االتَّوْبَةِ :

" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ وَبَرَاءَةٌ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ ، لَيْسَ

3231( فحدثناه أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد ، ثنا محمد بن زكريا بن دينار ، ثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، قال : سمعت أبي يقول : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : لأن " بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف ، ليس فيها أمان " ) .

* و جاء في " مُعْجَمُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ " - [ " المعجم " ، لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم المعروف بابن الأعرابي(246 - 340هـ) ] :

لَمْ يُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؟
556( نا محمد بن زكريا ، نا يعقوب بن جعفر ، نا جعفر بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن علي الهاشمي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس قال : سألت علي بن أبي طالب لم لم يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : " لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة ليس فيها أمان نزلت بالسيف " ) .


* و جاء في " تفسير زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (ت 597 هـ) :

الأمر الثاني في سبب امتناعهم من كتابة التسمية في أولها : ما ( رواه محمد بن الحنفية [ ابن علي بن أبي طالب ] ، قال: قلت لأبي : لِمَ لم تكتبوا في (براءة) «بسم الله الرحمن الرحيم»؟ فقال [ أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] : يا بنيَّ، إن (براءة) نزلت بالسيف وإن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمانٌ. وسئل سفيان بن عيينة عن هذا، فقال: لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت في المنافقين . ) .

* و كذا جاء في " الجامع لأحكام القرآن " ، للقرطبي :

( قال عبد الله بن عباس: سألت عليّ بن أبي طالب لِمَ لمْ يُكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان؛ وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان. ) .

- إذن ، لم يستبد أو يستقل عثمان رضي الله عنه بعدم كتابتها

هذا و الله تعالى أعلم و أحكم
* * *

فإذا تقرر ما تقدم بخصوص هذين الأمرين ، أمكن الانتقال إلى المتن و النظر فيه بحول الله و عونه و توفيقه

* و أدعوكم إخواني أهل العلم و الفضل إلى التكرم بالتعقيب و التعليق ، وفقني الله و إياكم للسداد و الرشاد
 
إخوتي الأفاضل...

علَّمني الرد على الشبهات، وحوار غير المسلمين.. أنك حين تشرع متوكلاً على الله لنقد شبهة، قد ينغلق باب ما على فهمك.. ومن الحكمة البحث عن باب آخر للدخول منه، نقداً للشبهة.

وأنا أقترح في شبهة ـ كهذه ـ الانتقال إلى أبواب أخرى، والنظر لنقدها بمنظار جديد.

مثلاً:
أقترح باباً هو: البحث في نكارة الحديث.. ( مخالفة الثقة للأوثق منه).

ويكون ذلك: بمقابلة هذا الحديث بأحاديث أخرى (أصح منه وأكثر عدداً) حول التزام الصحابة الكرام بوضع ما تواتروا على سماعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المصحف، وأقوال العلماء في حكم إدخال كلمات في المصحف مما ليس منه.



منه: قول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن آية الرجم: " لولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به ".

ونصَّ السيوطي في الإتقان على كونها ثابتة في المصاحف بقوله: " كفى في تواترها إثباتها في مصاحف الصحابة فمن بعدهم بخط المصحف مع منعهم أن يكتب في المصحف ما ليس منه كأسماء السور وآمين والأعشار فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخطه من غير تمييز لأن ذلك يحمل على اعتقادها فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا وهذا مما لا يجوز اعتقاده في الصحابة
إن قيل لعلها أثبتت للفصل بين السور أجيب بأن هذا فيه تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل ولو كانت له لكتبت بين براءة والأنفال
ويدل لكونها قرآنا منزلا ما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن أم سلمة أن النبي كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين . . . الحديث وفيه وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد عليهم
وأخرج ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم ".


وقال الزرقاني في مناهل العرفان، في شرحه لتعريف القرآن الكريم: " وقيدناه بالمصحف لأن الصحابة بالغوا في الاحتياط في نقله حتى كرهوا التعاشير والنقط وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره ونقل إلينا متواترا فنعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن وأن ما هو خارج عنه فليس منه ".

وجاء في مقدمة تفسير القرطبي: " ومن حرمته الا يخلط فيه ما ليس منه ".

وقال الشافعي مرجحاً رأيه في الجهر بالبسملة قبل الفاتحة: " قد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ليس منه ".

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن بسطَ الخلاف المعروف في الجهر بالبسملة: " والقول الوسط أنها من القرآن حيث كتبت وإنها مع ذلك ليست من السور بل كتبت آية في أول كل سورة وكذلك تتلى آية منفردة في أول كل سورة كما تلاها النبي حين أنزلت عليه سورة إنا أعطيناك الكوثر كما ثبت ذلك في صحيح مسلم كما في قوله إن سورة من القرآن هي ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهى سورة تبارك الذي بيده الملك رواه أهل السنن وحسنه الترمذي وهذا القول قول عبد الله بن المبارك وهو المنصوص الصريح عن احمد بن حنبل ".

وقال ابن عبد البر في التمهيد: " وأما الذين أثبتوها آية من كتاب الله في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة والذين جعلوها آية منفردة في أول كل سورة فإنهم قالوا إن المصحف لم يثبت الصحابة فيه ما ليس من القرآن لأنه محال أن يضيفوا إلى كتاب الله ما ليس منه ويكتبوه بالمداد كما كتبوا القرآن هذا ما لا يجوز أن يضيفه أحد إليهم ألا ترى أن الذين رأوا منهم الشكل فيه كرهوه وقالوا نسيتم المصحف كيف تضيفون إليه ما ليس منه واحتجوا من الأثر بما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو داود وحدثنا هناد بن السري قال حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها ".


وفي كتاب توجيه النظر للشيخ طاهر الجزائري:
" وأمر الفصل في الخط أمر ذو بال وقد أشار إليه بعض الجهابذة في مقالة له في البسملة حيث قال والقول الفصل فيها من القرآن حيث كتبت في المصحف بالقلم الذي كتب به سائر القرآن وأنها ليست من السور حيث كتبت وحدها في سطر مفصولة عن السور
ويؤيد ذلك أن الصحابة قد بالغوا في تجريد القرآن فلم يكتبوا في المصحف شيئا مما ليس منه ولذلك لم يكتبوا أسماء السور ونحو ذلك ولا آمين في آخر الفاتحة ولذا كره كثير من العلماء كتابة أسماء السور ونحو ذلك لمخالفته لما جرى عليه الصحابة رضي الله عنهم ".
 
لكيلا يتشعب البحث

لكيلا يتشعب البحث

عبدالرحيم قال:
إخوتي الأفاضل...

علَّمني الرد على الشبهات، وحوار غير المسلمين.. أنك حين تشرع متوكلاً على الله لنقد شبهة، قد ينغلق باب ما على فهمك.. ومن الحكمة البحث عن باب آخر للدخول منه، نقداً للشبهة.

وأنا أقترح في شبهة ـ كهذه ـ الانتقال إلى أبواب أخرى، والنظر لنقدها بمنظار جديد.

مثلاً:
أقترح باباً هو: البحث في نكارة الحديث.. ( مخالفة الثقة للأوثق منه).

ويكون ذلك: بمقابلة هذا الحديث بأحاديث أخرى (أصح منه وأكثر عدداً) حول التزام الصحابة الكرام بوضع ما تواتروا على سماعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المصحف، وأقوال العلماء في حكم إدخال كلمات في المصحف مما ليس منه.



.......................................................".


* * *

هل في ترك كتابة البسملة في أول سورة براءة " شبهة " ؟
و هي من ضمن ما انعقد الإجماع عليه بصحة المصحف الإمام " مصحف عثمان " ،
و الأليق أن تقول :.... في " إشكال " كهذا ،
هذا من ناحية ،
و من ناحية ثانية : كيف يكون الحديث محكوما عليه بالصحة من الأئمة أصحاب السبق و أهل الشأن في علوم الحديث ، ثم تدخله في " الحديث المنكر " ؟
و الحديث المنكر : ضعيف ، لا يعمل به ، و لا يحتج به ، على ما هو مقرر في علم مصطلح الحديث ،
فكيف نجمع بين الصحة و الضعف في حديث واحد ؟

و من ناحية ثالثة : فأظن أن تعريف الحديث المنكر بأنه : ( مخالفة الثقة للأوثق منه) - غير صحيح ، بل ذلك هو الحديث " الشاذ " ،
وأحسب أن الحديث المنكر هو : مخالفة الضعيف للثقة ، على ما أتذكر،

و هذا تعليق سريع على ما كتب أعلاه ، و كتبته على عجالة ، لكيلا يتشعب البحث من غير ضرورة إليه

*** و البحث في الحكم على الحديث من جهة السند هو ما دعوت إلى الفراغ منه أولا قبل الانتقال للنظر في متن الحديث
 
أشكر للدكتور أبو بكر خليل غيرته وعلو همته.


- هل هي شبهة أم إشكال؟

الجواب:
تحوَّل الإشكال إلى شبهة، فالمنصرون حالياً يقومون بمشروع ضخم اسمه (مشروع تفنيد القرآن) منذ أواخر عام 2005م، البداية فيه كانت من سورة الفاتحة ووصلوا إلى أوائل البقرة..

ما يهم هنا، أنهم خصصوا الصفحات السبع الأولى من الطعون.. حول قرآنية البسملة، وجعلوا من الحديث الشريف الذي نبحث فيه هنا، أساساً لشبهتهم.
 
الأخ عبد الرحيم حفظك الله :
أنا أوافق الأخ د أبا بكر في أنه إشكال وليس بشيهة ، بل وأعتقد أن الأمر نسبي ، أي أنه بالنسبة لما سيطرحه النصارى حول قرآنية البسملة كما ذكرت هو طرح شبهة ولكن بالنسبة لما هو مطروح الآن في الملتقى هو إشكال ، بل وأقول أنه بالنسبة لمن حقق بالمسألة وخرج بنتيجة اقتنع بها ليس عنده لا مشكلة ولا شبهة ، ونحن قد اعتدنا من طرح المنصرين والمستشرقين عدم الموضوعية وبتر النصوص وسياقها بنسق يوهم القارئ أن ما يقدمونه حقيقة ولعلك أخبر مني بذلك، وبرأيي أن ما ينبغي علينا فعله بالنسبة للكتاب الذي ذكرته في تفنيد القرآن أن يقوم متخصصون بعملين : الأول : بفضح تلاعبهم وبتر نصوصهم وبيان كذبهم وعورهم ، الثاني مهاجمتهم بطرح زيف الإنجيل وإلهائهم بستر عورتهم والانشغال بتصحيح كتابهم .والله أعلم
 
و ذلك الإشكال قديم ، فقد جاء في " مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ " ، بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي
" ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا , وَكَذَا

ح 110 ( حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا عبد الله بن حمران الحمراني ، حدثنا عوف الأعرابي ، عن يزيد الفارسي ، عن ابن عباس ، قال ، قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطرا . بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال فما حملكم على ذلك قال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دخل بعض من يكتب له فيقول : " ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا , وكذا " وإذا نزلت عليه الآيات يقول : " ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا , وكذا " وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها من أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطرا . بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال .

فأخبر عثمان أنهم كانوا يؤمرون أن يجعلوا بعض الآي المنزل عليهم في سورة متكاملة قبل ذلك وكان في قوله رضي الله عنه وكانت قصتها شبيهة بقصتها ما قد دل على أنهم إنما كانوا يؤمرون أن يجعلوا ما تأخر نزوله من الآي عند الذي يشبهه مما قد تقدم نزوله منها ، وفيما ذكرنا ما قد دل على احتمال ما وصفنا مما أحلنا به التأويل الذي ذكرنا عنه ما ذكرنا والله نسأله التوفيق ) .

* * *

و سأعمد إلى جمع روايات ذلك الحديث إن شاء الله ، لننظر فيها و نتبين معانيها ، فخير ما يفسر به الحديث رواية أو روايات أخرى له توضح مراد ألفاظه
 
عودة
أعلى