دراسة نقدية حول الأحرف السبعة ج1

إنضم
27/12/2007
المشاركات
373
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
دراسة نقدية حول الأحرف السبعة


بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد ظن التراث الإسلامي وعلى رأسه القرّاء أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن هي لهجات العرب المأذون بقراءة القرآن بها للرعيل الأول الذي لا يستطيع العدول عن لسانه الذي تربى عليه وهو تصور يحتاج على نقاش ومراجعة .
وإنما سأناقش في هذا البحث أربع مسائل تتعلق بحديث إنزال القرآن على سبعة أحرف :
أولاها إجماعهم على تأويلهم دلالة الأحرف السبعة
وثانيها إجماع القراء والمفسرين على ما حسبوه سبب ورود الحديث
وثالثها مناقشة روايات الحديث
ورابعها نقض الإجماع المذكور .

المسألة الأولى :
إن المصنفين من طرق الرواة كالداني في جامع البيان (1/107) قد أوّلوا الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بأحد وجهين :
1. بأوجه اللغات بقوله  ومن الناس من يعبد الله على حرف  الحج 11 أي على وجه النعمة والسراء .
2. بالقراءات من باب تسمية الشيء باسم بعضه .
وعلق ابن الجزري في النشر (1/24) على مذهب الداني المذكور بقوله " وكلا الأمرين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله  "سبعة أحرف" أي سبعة أوجه وأنحاء ، والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله عنه في الحديث : "سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله  أي على قراءات كثيرة ..." اهـ محل الغرض منه .
ولقد أجمع المصنفون من طرق الرواة على مسألتين :
1. أن ليس المقصود بالأحرف السبعة جواز قراءة كل كلمة من القرآن بسبعة أوجه
2. وأن ليس المقصود بالأحرف السبعة القراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد في سبعته في القرن الرابع الهجري
وتخلص المصنفون من طرق الرواة ومن المفسرين من الإشكالية بتأويل دلالة الأحرف السبعة على أنها لغات رغم اختلافهم في تعيينها فمنهم من يقول هي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن .
ولقد المحقق ابن الجزري في رد هذا التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة " اهـ بلفظه
ويلاحظ أن ابن الجزري قد اعتبر القول المدخول حسب وصفه وعدّه أولا ضمن تأويله دلالة الأحرف السبعة قال (1/26) :" ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك :
1. إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو  البخل  بأربعة
و يحسب  بوجهين .
2. أو بتغير في المعنى فقط نحو  فتلقى آدم من ربه كلمات   وادكر بعد أمة  و  أمه 
3. وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو  تبلوا  و  تتلوا  و  ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك  و  ننحيك ببدنك 
4. أو عكس ذلك نحو  بصطة  و  بسطة  و  الصراط  و  السراط 
5. أو بتغيرهما نحو  أشد منكم  و  ومنهم  و  يأتل  و  يتأل  و  فامضوا إلى ذكر الله 
6. وإما في التقديم والتأخير نحو  فيقتلون ويقتلون   وجاءت سكرة الحق بالموت 
7. أو في الزيادة والنقصان نحو  وأوصى   ووصى   والذكر والأنثى 
فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والمد والقصر والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الأول " اهـ بلفظه
وهنالك أربعة أقوال عن المتقدمين في تأويل دلالة الأحرف السبعة هي :
1. أنها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار .
2. أنها الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر
3. أنها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر
4. أنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل .
قال ابن الجزري (1/25) " وهذه الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي  كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبي وابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا في قراءة حروفه " اهـ بلفظه

ولعل من أحسن ما قرأت حول مناقشة ما قيل من قبل حول الأحرف السبعة كلام الشيخ محمد محمد أبو شهبة في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم " قال :
"يمكننا إجمال النقد فيما يلي :
1. إن القائلين بهذا الرأي ـ على اختلافهم ـ لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلا على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات .
ولا يقال كيف لا يعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراء .
لأنا نقول إنه استقراء ناقص بدليل أن طريق ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن الطيب والرازي وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من الثلاثة الآخرين بل برر ابن الجري إهماله مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع وأن الوجه الأول عند الرازي والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض وأن تعيينها إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح .
وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ولا متعين فهو مبني على الظن والتخمين .
2. إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي  منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة .
3. إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف ، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها" اهـ بلفظه ص 193ـ194
قلت : وهكذا يتبين الاضطراب في تأويل دلالة الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ولم ينسب السلف بسبب أمانتهم العلمية شيئا من تلك الأقوال إلى التابعين ولا إلى الصحابة ولا إلى النبي  بل ظلت تلك الأقوال اجتهادات متأخرة من المصنفين .
ونسجل لابن الجزري عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله الآنف الذكر : "ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله " اهـ ولم يقطع بأنه هو الصواب لا غيره .
ونسجل للداني عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله في جامع البيان (1/ 109) " ويمكن أن يكون هذه السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها " اهـ بلفظه .
وكذلك اعترف ابن الجزري في نشره (1/25) باحتمال أن لا يكون اختلاف القراءات هو المراد بالأحرف السبعة فقال " فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الطبراني من حديث عمر بن أبي سلمة المخزومي أن النبي  قال لابن مسعود "إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف :حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم حرامه واعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله فإن كلا من عند الله  وما يذكر إلا أولوا الألباب  فالجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها أن هذه السبعة غير الأحرف السبعة التي ذكرها النبي  في تلك الأحاديث وذلك من حيث فسرها في هذا الحديث فقال حلال وحرام إلى آخره وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه إلى آخره ثم أكد ذلك الأمر بقول  آمنا به كل من عند ربنا  فدل على أن هذه غير تلك القراءات " اهـ بلفظه
قلت : ولقد وقع الإدراج في الحديث فضم إليه من تفسير بعض الرواة إذ لم تكن بعض ألفاظ ما أدرج متداولة في جيل الصحابة ولا نطقوا بها ولا سمعوها من النبي  كمصطلحات : الإنشاء والإخبار والناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب .
وينقض تأويلهم دلالة الأحرف السبعة ـ التي أنزل عليها القرآن ـ بالقراءات أن المقروء بسبعة أوجه نادر جدا وأن بعض الكلمات قد قرئت بأكثر من سبعة أوجه بل بأكثر من عشرة أوجه مثل  مالك يوم الدين  ، ومثل  وعبد الطاغوت  ، ومثل  أف  كما هو معلوم وأن قد وقع التكلف في اقتصار  يخصمون  و  لا يهدي  على سبعة أوجه .

المسألة الثانية :
لقد اتفق المصنفون من طرق القراء ومنهم الداني وابن الجزري والمفسرون وغيرهم على أن سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الشيخ الفاني والعجوز المختلفة لغاتهم وألسنتهم ولا يستطيعون العدول عنها .
وهكذا قطعوا ولم يترددوا فاعتبروا اختلاف أهل الأداء في تلاوة القرآن هو المراد بالأحرف السبعة .
ويردّ عليه قول قول محمد محمد أبو شهبة الآنف الذكر " إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي  منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة" اهـ بلفظه
قلت ولا مزيد على قول الأستاذ محمد أبي شهبة لتمامه وحسنه فجزاه الله خيرا ما أحسن استنباطه وتأملاته ولنكملها بالأمثلة ليعلم الناس بعد نظره :
ـ القراءتان في قوله تعالى  وقد أخذ ميثاقكم  الحديد 8 بين التجهيل والتسمية أي مشقة وحرج في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التجهيل فيها إلى التسمية أو عن التسمية إلى التجهيل ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  وكفلها  آل عمران 37 بين الثقل والتخفيف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تشديد الفاء إلى تخفيفه أو عن تخفيف الفاء فيها إلى ثقله ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فتلقى آدم من ربه كلمات  البقرة 37 بين الرفع في آدم  والنصب في  كلمات  وبين النصب في  آدم  والرفع في  كلمات  أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تقديم الفاعل إلى تأخيره أو عن تقديم المفعول إلى تأخيره ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  والذين اتخذوا مسجدا  التوبة 107 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة الواو قبلها أو تجريدها منه ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فإن الله هو الغني الحميد  الحديد 24 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة هو أو حذفها
يتواصل
 
المسألة الثانية :
لقد اتفق المصنفون من طرق القراء ومنهم الداني وابن الجزري والمفسرون وغيرهم على أن سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الشيخ الفاني والعجوز المختلفة لغاتهم وألسنتهم ولا يستطيعون العدول عنها .
وهكذا قطعوا ولم يترددوا فاعتبروا اختلاف أهل الأداء في تلاوة القرآن هو المراد بالأحرف السبعة .

ويردّ عليه قول قول محمد محمد أبو شهبة الآنف الذكر " إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي  منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة" اهـ بلفظه
قلت ولا مزيد على قول الأستاذ محمد أبي شهبة لتمامه وحسنه فجزاه الله خيرا ما أحسن استنباطه وتأملاته ولنكملها بالأمثلة ليعلم الناس بعد نظره :
ـ القراءتان في قوله تعالى  وقد أخذ ميثاقكم  الحديد 8 بين التجهيل والتسمية أي مشقة وحرج في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التجهيل فيها إلى التسمية أو عن التسمية إلى التجهيل ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  وكفلها  آل عمران 37 بين الثقل والتخفيف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تشديد الفاء إلى تخفيفه أو عن تخفيف الفاء فيها إلى ثقله ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فتلقى آدم من ربه كلمات  البقرة 37 بين الرفع في آدم  والنصب في  كلمات  وبين النصب في  آدم  والرفع في  كلمات  أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تقديم الفاعل إلى تأخيره أو عن تقديم المفعول إلى تأخيره ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  والذين اتخذوا مسجدا  التوبة 107 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة الواو قبلها أو تجريدها منه ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فإن الله هو الغني الحميد  الحديد 24 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة هو أو حذفها
يتواصل


الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وسادتنا من آل بيته والصحابة والمقتفين آثارهم إلى يوم الدين.

وبعد:
فحيَّهلاً بالشيخ لكريم/ الحسن بن ماديك - حفظه الله - , بعد انقطاع طويل نرجو أن يكون سببُه خيراً, وأن يعيننا الله وإيّاه على ما أهمَّ من أمر الدين والدنيا والآخرة.

شيخنا الكريم:
لا يخفى عليكم أن ما ذهب إليه المحققون من الـعلماء حول هذه المسألة كالرازي، وابن الجزري والسخاوي، وابن قتيبة، والباقلاني، ومكي بن أبي طالب،وغيرهم أنها سبعة أوجه من وجوه التغاير , وإن كان الخلاف بينهم قائماً في حصر هذه الأوجه وتعدادها بناءاً على الاستقراء , وهذا ما لا يُـسلّم به لنقص الاستقراء بنقص الحروف التي نُـسخ المصحفُ الإمام بدونها.

وأحب أن أشير إلى أنَّ قولكم -مُـتَعقِّبينَ- باتفاق المصنفين وإجماعهم على ظنِّ أنَّ سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين , لا مأخـذََ عليهم فيه ولا أحسِبـُه محل تعقبٍ ومدارسة - اللهمَّ إن كان المأخَـذُ في حصر حكَـم اختلاف أحرف القراءات في آكد تلك الحكم وأهمها وهو التيسير- فذاك أمرٌ آخر.!

وذلك لأنَّ مفهوم ومنطوق لفظ الأحاديث الوردة في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم , هي المُـوحيةُ للمصنفين بالاتفاق على أنَّ تعدد هذه الأحرف السبعة هو تيسيرٌ على الأمَّـة , وموردهم في هذا قوله صلى الله عليه وسلم ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) , بل لهم في هذا الجـزم ما هو أصـرح من ذلك كما في الصحيح أن جبريل لقي النبي صلى الله عليه وسلم عند أضاة بني غفار فقال له: إنَّ الله يأمرك أن تُـقرئ أمَّتك على حرف ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم ( أَسْأَل اللَّه مُعَافَاته وَمَغْفِرَته ، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيق ذَلِكَ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ اِقْرَأْ عَلَى حَرْف فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَة أَنْ اِقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي إِلَى الثَّالِثَة اِقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف).


ثمَّ إنَّ أهل العلم كانوا ولا يزالون يؤكدون سببَ ورود الحديث وهو التيسير والتهوينُ ويعقبون ذلك بالحكم المعروفة الأخرى من الإعجـاز لأعدائه عن الإتيان بمثله رغم تعدد أوجهه التي يقرأُ بها , واختلاف الأحكام الشرعية العملية , وتعدد المعاني (ومن جملة ذلك ما تفضلتم به من أمثلة في آخر كلامكم) , وتفضيل كتاب هذه الأمة على غيره من الكتب بتعدد أوجهه.

والله تعالى أعلم.
 
الأخ محمود بن كابر الجكني الشنقيطي سلمك الله
اطلعت على تعليقك وتقبل تهنئتي بتعيينكم معيدا في كلية المعلمين وأهنئك قبل ذلك على حسن سمعتك بين الأهل وطلبة العلم وأهله .
وسأحرص على إتمام البحث ليتسنى لكم نقده لتهدوا إليّ مواطن التقصير فأرجع عنها فورا إن شاء الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم
يبقى التفسير الصحيح هو أنها سبع لغات، ذلك أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم كانت لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم غير قادر على ذلك ولا يقدر إلا بالتعلم والعلاج سيما من لم يقرأ من قبل، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم والنطق بلسان واحد لكان من التكليف بما يشق وتأباه الطباع وربما لا يستطاع ولو مع الرياضة الطويلة؛ إذ لا قدرة لهم على ترك ما اعتادوه وألِفوه من الكلام إلا بتعب شديد وجهد جهيد وثمة أمثلة ذكرها ابن قتيية أكثر تعقيدا من المذكورة توضح ذلك.
قال الشيخ أبو الحسن النوري: وفيه حكمة أخرى وهو أنه صلى الله عليه وسلم تحدى بالقرآن جميع الخلق، فلو أتى بلغة دون أخرى لقال الذين لم يأت بلغتهم: لو أتى بلغتنا لأتينا بمثله.
ولقد المحقق ابن الجزري في رد هذا التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة "

وهذا الاعتراض من شمس الملة والدين لا يعكر على صحة ذلك القول لأنه لا يلزم من كونهما من قبيلة واحدة أن تكون لغتهما واحدة، فقد يكون قرشيا مثلا ويتربى في غير قومه فيتعلم لغتهم ويتكلم بها، وهو كثير فيهم، ويشهد له ما في الطبقات الكبرى لابن سعد عنه صلى الله عليه وسلم: "أنا أعربكم ، أنا من قريش ، ولساني لسان بني سعد بن بكر".
وإنكار الفاروق رضي الله تعالى عنه على هشام ابن الحكم كان لأنه لم يسمع ذلك الوجه من النبي صلى الله عليه وسلم، وكما هو معلوم فإن جميع أوجه القرآن موقوفة على النقل والسماع منه صلى الله عليه وسلم، بل هو شرط صحة ووجوب فيها، فلذلك ذهب به إليه صلوات الله وسلامه عليه حتى قال: هكذا أنزلت. الحديث. ولا غرابة في أخذ الصحابي القرشي أوجها عن النبي صلى الله عليه وسلم على غير لغته، ولا في أخذ الهذلي مثلا أوجها على غير لغته؛ لأن العبرة بما يثبت في النقل والرواية شرعا ولو تركب الوجه من لغتين.
والحاصل أن الاعتراضات على هذا القول الصحيح مدفوعة بالتأمل، وهو أوجه الأربعين قولا المستنبطة في تفسير الأحرف السبعة، والله الموفق.
 
عودة
أعلى