دراسة مفصلة للمراد بقوله تعالى " :{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
1
النقاط
36
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه دراسة مفصلة للمراد بقوله تعالى " :{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}(النساء: من الآية16) .
من المعلوم أن عقوبة الزنا في الشريعة الإسلامية جلد البكر مائة جلدة , وهل يغرب فيه خلاف بين أهل العلم , وأما المحصن فعقوبته الرجم وهل يجلد قبل ذلك كما هو مذهب الحنابلة أو لا يجلد كما هو مذهب الجمهور فيه خلاف ولكل أدلته ليس المراد هنا بحثها, وإنما هناك آية في كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}(النساء: من الآية16) . قد اختلف فيه أهل العلم هل هي من الآيات المتعلقة بعقوبة الزنا أم لا , وإن كانت متعلقة فهل هي معمول بها أم لا , وهي في الواقع مشكلة من جهة ورودها بعد بعد قوله تعالى {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ }(النساء: من الآية15, وهذه الآية غير معمول فيها بالاتفاق , ودونك هذا البحث ففيه بيان هذه المسألة فأقول مستعيناً بالله .
اختلف المفسرون بهذه الاية على قولين :
القول الأول : أنّ المرادَ بها الزَّانِيَانِ ، فهي فاحشةِ الزِّنَا ، وعلى هذا جمهور المفسِّرينَ.
القول الثاني : أنّ المرادَ بها اللاَّئِطَانِ ، فهي في فاحشةِ اللِّوَاطِ (1 )،وهذا مَرْويٌّ عن مُجاهد ، وقالَ بهِ أبو مسلم الأصفهاني ، والنحاس ، وابن العربي (( 2).
والأقربُ هو القولُ الأول ؛ لأمرينِ :
الأمر الأول : القولُ الأولُ هو قولُ جمهـور المفسِّرينَ ، وعليه الأكثرُ ، وأمّا القولُ الثاني
فأشهرُ مَن قالَ بهِ : مُجاهد ، وأبو مسلم الأصفهاني .
فَمُجاهدُ رُوِيَ عنه مِن طريقين (3 ) :
الطريق الأول : طريقُ ابن أبي نجيح . والطريق الثاني : طريقُ ابن جُرَيْج .
وابنُ أبي نجيح وابنُ جُرَيْج ثِقَتَانِ ؛ إلاّ أنّهما لم يسمعا التفسيرَ مِن مُجاهدَ كما صَرَّحَ به غير واحدٍ مِن أهل العلم ( 4)، وأمّا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ فَيُصَحِّحُ طريقَ ابن أبي نجيح ؛ حيثُ قال :" وقول القائلِ : لا تصحُّ روايةُ ابن أبي نجيح عن مجاهد ، جوابهُ : أنّ تفسيرَ ابن أبي نجيح عن مجاهد مِن أصَحِّ التفاسير ؛ بلْ ليسَ بينَ أيدي أهل التفسير كتابٌ في التفسيرِ أصَحُّ مِن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد ".( 5)
قُلْتُ : وعلى فَرَضِ صحّةِ القولِ عن مجاهد بهذا الطريقِ فقد رُوِيَ عنه بهذا الطريقِ أيضًا ما يُوَافِقُ بهِ قولَ الجمهورِ ؛ حيثُ أشارَ إلى أنّ آيةَ {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} مَنسوخةٌ بآيةِ النور( 6)، وآية ُالنورِ إنّما تعرّضتْ للزِّنَا لا إلى اللِّوَاطِ ، وإذا استويا في الصِّحَةِ فقولهُ الموافقُ للجمهورِ مُقدَّمٌ على قولٍ انفردَ بهِ .
وأمّا أبو مسلم الأصفهاني فإنّما حَمَلَهُ على القولِ بأنّها في اللِّوَاطِ حتّى لا يَقَعَ فيها نَسْخٌ ، وهو مَبنيٌّ على مَذهبِهِ في عدم وقوع النسخِ شَرْعًا ؛ ولذا نجدهُ أيضًا جعلَ آيةَ) في السِّحَاقِيَّاتِ ( 7) ، وهذا القولُ لا شكَّ في بُطلانِهِ لمخالفتهِ الصريحةِ حديثَ عبادة بن الصامت t أنّ الرسولَ e قالَ :[خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ،قد جَعَلَ الله لَهُنَّ سبيلاً ، البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مائةٍ ونَفْيُ سَنَة ، والثَّيِّبُ
بالثَّيِّبِ جَلْدُ مائةٍ والرَّجْمُ ](8 ) .
وأمّا النَّحَّاسُ وابنُ العربي فدليلهم هو لَفْظُ {اللَّذَانِ } مُثَنَّى ( الذي ) فهو لفظٌ مُذَّكَّر فاقتضى الرجالَ خاصّةً ، مع تَقَدُّمِ حُكْمِ النساءِ في الآيةِ التي قبلها .
والجوابُ عنه : أنّ المرادَ بذلكَ الزَّانِي والزَّانِيَة ، فإنّهُ قد أَفْرَدَ ذِكْرَ النساءِ في الآيةِ التي قبلها ثم جمعهما جميعًا في هذه الآيةِ بلفظِ التذكيرِ تَغليبًا .(9 )
الأمر الثاني : أنّه لَمْ يتقدّم لِلَّوَاطِ ذِكْرٌ في الآيةِ ، ولَمْ يُصَرَّح بِـهِ في الآية ، وأمّـا تذكيرُ {اللَّذَانِ } فهو مِن بابِ التغليبِ كما تقدّم .
وإذا تقرَّرَ أنّها في فاحشةِ الزِّنا ، فقد اختلفَ المفسِّرُونَ :هل هي تابعةٌ للآيةِ السابقةِ أم هي حُكْمٌ مُستقلّ ؟ على قولينِ :
القول الأول : أنّها تابعةٌ للآيةِ السابقةِ لها ، فآيةُ {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ } المقصـودُ بها الثَّيِّبُ ، وآيةُ {اللَّذَانِ } المقصودُ بها البِكْرُ .
إلاّ أنّ هذا القولَ يَرُدُّهُ حديثُ عبادةَ بن الصامتِ t المتقدِّمُ ؛ إذْ ذَكَرَ حكمَ الثيبِ والبكرِ ، ولَمْ يكتفِ بذكرِ الثيبِ ، كما يدلُّ عليه هذا القولُ .
فالحبسُ حتّى الموتِ في آيةِ : {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} غيرُ مَعْمُـولٍ بهِ بالاتّفاقِ
( 10)، سواء قلنا إنّه مَنسوخٌ كما هو مَذهبُ بعض أهلِ العلم ( 11)، أو أنّه لا يُسمَّى نَسْخًا وإنّما هو تخصيصٌ ؛ لأنّ الحكمَ الأولَ جعلَ الله له غايةً وهو الموتُ أو صُدُور تشريعٍ جديد في شَأْنِ الزانيةِ ثم وقعَ بيانُ الغايةِ بعد ذلكَ كما هو مَذهبُ طائفةٍ مِن أهلِ العلم .( 12)
القول الثاني : أنّها حُكْمٌ مُستقلّ ، ثم اختلفوا : هل هو باقٍ أم مَنسوخ ؟ على قولين :
القول الأول : أنّه مَنسوخٌ ، واخْتُلِفَ في ناسخهِ كما اخْتُلِفَ في ناسـخِ آيـةِ : {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}، وزادَ بعضهم : أنّها مَنسوخـةٌ بآيةِ :{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}، ومعنى هذا القولِ أنّ آيةَ الأذى هي الأُولَى نُزولاً ثم نُسِخَ بالإمساكِ ولكن التلاوةَ أخَّرَت وقدّمَت .( 13)
قُلْتُ : وهذا إنْ صَـحَّ فهو يدلُّ على أنّ عقوبةَ الزِّنا قد مَرَّتْ في الإسلامِ بمراحلَ كمراحلِ تحريم الخمر ، وهي :
المرحلةُ الأولى : الأذى ، وتدلُّ عليها آيةُ :{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}فتكـون أَوّل الآياتِ نُزولاً .
المرحلة الثانية : الحبْسُ حتّى الموتِ ، وتدلّ عليها آيةُ{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}.
المرحلة الثالثة : الجَلْدُ للبِكْرِ والرَّجْمُ للثَّيِّبِ ، وتدلُّ عليها آيةُ النورِ وحديثُ عبـادةَ بن الصامت .
القول الثاني : أنّها مُحْكَمةٌ ، وأنّ الأذى باقٍ لَمْ يُنْسَخْ ، ورجّحهُ القرطبيُّ)( 14)؛ إذْ لا تَعارُضَ بينَ إيذائِهمَا وإقامةِ الحدِّ عليهما بلْ إنّ الحدَّ مِن إيذائِهمَا ، ويشهدُ له قوله تعالى { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(النور: من الآية2) فإنّ التشهيرَ بهما مِن إيذائِهمَا .
وخُلاصةُ ما تقدّم ؛ والعلمُ عندَ الله :
1 – أنّ كِلا الآيتينِ هُمَا في فاحشةِ الزِّنَا .
2 - أنّ آيةَ{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ }إمّا أنْ تكونَ مَنسوخةً بآيةِ{وَاللاَّتِي} ، وهذا إنْ ثَبَتَ تَقَدُّمُ نُزولِهَا ، أو أنّها مُحْكَمَةٌ على ما تقدّمَ تقريره .
3 – الجمعُ بينَ النصوصِ إنْ أمْكَنَ أَوْلَى مِن القولِ بالنسخِ .
هذا ما اجتهدتهُ في بيانِ هذه الآيةِ ، فإنْ كانَ صوابًا فمن الله وحده ، وإنْ كانَ خطأً فمن نفسي والشيطان ؛ وأستغفر الله منه .

[align=left]كتبه : أحمد بن محمد البريدي[/align]
[line] حواشي سفلية
( 1 ) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 458 ) .
( 2) أحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 458 ) .
( 3 ) انظر : تفسير ابن جرير ( 4 / 295 ) .
( 4 ) مِنهم : يحي بن سعيد القطّان ، وابن حبّان . انظر : تهذيب التهذيب ( 3 / 284 ) ، جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي صـ ( 218 ) .
( 5) مجموع فتاوى ابن تيمية ( 17 / 409 ) .
( 6) انظر : تفسير ابن جرير ( 4 / 297 ) .
( 7) انظر : تفسير أبي السعود ( 1 / 155 ) .
( 8) الحديث رواه مسلم في كتاب : الحدود / باب : حَدُّ الزِّنَى ( 2 / 1316 ) برقم ( 1690 ) .
( 9 ) انظر : تفسير ابن جرير ( 4 / 295 ) ، أحكام القرآن ( 1 / 465 ) .
( 10 ) قال ابن عطية :" وأجمعَ العلماءُ على أنّ هاتينِ الآيتين مَنسوختان " ( تفسير ابن عطية 4 / 48 ) .
وقالَ ابن العربي :" اجتمعت الأمّةُ على أنّ هذه الآية ليست مَنسوخة "( أحكام القرآن 1 / 457 ) .
وسببُ هذا التَّضَادِّ : هل يُسمَّى ما وقع نسخًا أو تخصيصًا ؟ وقد وقعَ فيه الخلافُ كما سأبينهُ ، فلا إجماعَ وإنّما الإجماعُ هو ما قالهُ ابن عطية :" وأمّا الحبسُ فمنسوخٌ بإجماع " المرجع السابق .
( 11) اختلفَ القائلونَ بالنسخِ في ناسخِ آيةِ {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} ، فمنهم مَن يقولُ : إنّه حديثُ = = عبادة بن الصامت t ، ومنهم مَن يقولُ : إنّه آيةُ النورِ ، ومنهم مَن قـالَ غير ذلكَ وكُلُّ ما ذُكِرَ لهُ وَجْهٌ ومحتمل إلاّ قولَ مَن قالَ : إنّ الناسخَ هو الآيةُ التي بعدها وهي آيةُ الأذى فَيَرُدُّهُ حديثُ عبادةَ t ؛ إذْ أشارَ إلى آيةِ {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ } دونَ آيةِ {وَاللَّذَانِ } .
( 12) انظر : أحكام القرآن ( 1 / 457 ) ، مناهل العرفان في علوم القرآن ( 2 / 242 ) . قال القرطبيُّ :" وإطْلاقُ المتقدِّمينَ النسخَ على مثلِ هذا تَجَوُّزٌ " ( تفسير القرطبي 5 / 57 ) .
( 13) انظر : تفسير ابن عطية ( 4 / 46 ) ، تفسير البيضاوي ( 1 / 206 ) .
( 14) انظر : تفسير القرطبي ( 5 / 57 )
 
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]جزاك الله خيرا على هذا البحث القيم

ونفع بعلمكم[/grade]
 
ايها الأخوة : ارجو ممن يقف على نصوص تؤيد سبق آية واللذان في النزول ذكرها هنا , فإني لم أجد سوى أقوال مرسلة كما اشرت إلى ذلك في البحث , وجزاكم الله خيراً .
 
قال أبو حيان : ( وذهب الحسن إلى أن هذه الآية قبل الآية المتقدمة، ثم نزل { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ }
يعني إن لم يتبن وأصررن فامسكوهن إلى إيضاح حالهن .
[color=990000]وهذا قول يوجب فساد الترتيب، فهو بعيد[/color].).
 
قال النسفي : قال الحسن : أول ما نزل من حد الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم , فكان ترتيب النزول على خلاف ترتيب التلاوة .
 
قال الأخ جمال الشرباتي :

الاخ البريدي


بحث محكم جدا----واود أن آخذ رأيك في هذا الكلام


ورد في تفسير الرازي رأي أعطاه الترتيب السادس وهو


((أن يكون المراد هو أنه تعالى بين في الآية الأولى أن الشهداء على الزنا لا بد وأن يكونوا أربعة، فبين في هذه الآية أنهم لو كانوا شاهدين فآذوهما وخوفوهما بالرفع إلى الامام والحد، فان تابا قبل الرفع إلى الامام فاتركوهما. ))


وهو رأي يبعد عن التفكير إمكانية النسخ---ويبعد أن يكون الموضوع هو اللواط

وصورته ممكنة وهي أن يشاهد الزنا شخص أو شخصان من العائلة أو القبيلة--ولما لم بكتمل نصاب الشهداء فعلى أهل الزانيين أن يؤذوهما بالطرق المناسبة


أنا لا أدري لماذا أجد في نفسي قبولا لهذا الراي


ونقطة أخرى قال بها الرازي أخي أحب أن أسمع رأيك حولها


قال((: قال الحسن: هذه الآية نزلت قبل الآية المتقدمة والتقدير: واللذان يأتيان الفاحشة من النساء والرجال فآذوهما فان تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما. ثم نزل قوله:
{ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱالْبُيُوتِ }
[النساء: 15] يعني إن لم يتوبا وأصرا على هذا الفعل القبيح فأمسكوهن في البيوت إلى أن يتبين لكم أحوالهن، وهذا القول عندي في غاية البعد، لأنه يوجب فساد الترتيب في هذه الآيات. ))


فأنت ترى أن الرازي يرفض التفسير التالي((إن لم يتوبا وأصرا على هذا الفعل القبيح فأمسكوهن في البيوت إلى أن يتبين لكم أحوالهن،))
لعلة قالها وهي أن هذا التفسير مبطل لترتيب الآيات وهذا ما يستبعده---واجد نفسي معه أيضا باستنكار ما أدى إلى فساد ترتيب الآيات
[line]
فعلقت عليه بما يلي :
الأخ جمال وفقه الله :
فيما يتعلق بالرأي الذي أوردته عن الرازي رحمه الله وهو قوله : أن يكون المراد هو أنه تعالى بين في الآية الأولى أن الشهداء على الزنا لا بد وأن يكونوا أربعة، فبين في هذه الآية أنهم لو كانوا شاهدين فآذوهما وخوفوهما بالرفع إلى الامام والحد، فان تابا قبل الرفع إلى الامام فاتركوهما "
فالذي أفهمه من هذا النقل خلاف ما فهمته , وهو أنه جعل كلمة " اللذان " متعلقة بالشهادة , لا بالزنا , بحيث إنه في حالة عدم إكتمال العدد المطلوب وهو أربعة حيث شهد شاهدان فإنهما يخوفان بالرفع بهما إلى الإمام لإقامة حد القذف عليهما , فجعل الآية الثانية ليست في عقوبة الزنا وإنما في عقوبة من قذف ولم يأتي بما يكتمل به نصاب الشهود الأربعة المذكور في الآية الأولى, والذي جعلني أفهم هذا الفهم ما يلي :
الأول : سياق كلامه يوحي بذلك .
الثاني : أننا لو جعلنا كلامه في الزنا للزم منه أنهما إذا لم يتوبا فإننا نرفع بهما إلى الإمام لإنزال العقوبة بهما بشاهدين فقط ’ وهذا لا قائل به, بل لا بد من إكتمال نصاب الأربعة الشهود لعناية الآية بالعدد حيث قدمت الشهادة وكررت ولولا قصد الاهتمام بأعداد الشهادة قبل الحكم بالحبس في البيوت لقيل: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فامسكوهن في البيوت إن شهد عليهن أربعة منكم .
الثالث : أننا إذا جعلنا هذه الآية في الشهادة فإنها لا تخلو من أمرين , إما أن تكون محكمة , فتكون حداً لمن قذف وأتى بشاهدين فقط ولا أعلم قائلاً بذلك لمخالفتها حديث " البينة أو حد في ظهرك " أو أن نجعلها منسوخة بآية النور , والذي فيها بيان حد من لم يأتي بأربعة شهداء جلد ثمانين جلدة. أهـ

المسألة الثانية : وهو أن تقديم آية " واللذان " يوجب فساد الترتيب في هذه الآيات , فأقول : من المعلوم أن ترتيب الآيات توقيفي بإجماع الأمة وهو أمر متفق عليه , حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ضعوا هذه الآية في مكان كذا , وكذا " , فالقرآن لم يرتب حسب النزول ولذا إذا دل دليل صحيح على تقدم آية على أخرى أعتبر ذلك , وترتيب الآيات في المصحف ليس دليلاً من أدلة النسخ , بل إنه تأتي آية ناسخة لأخرى وهي متقدمة عليها في الترتيب وصنيع العلماء يدل على ذلك ومن أمثلته : عدة المتوفى عنها زوجها ,
أما هذه الآية فقد قدمت في البحث أن القول بالإحكام أولى من القول بالنسخ , وهذا مستلزم بأن ترتيب الآية على ما هي عليه في المصحف , ولذا فإني
ما زلت أقول : من وجد دليلاً يدل على تقدمها فليتحفنا به , والله أعلم وأحكم
[line]
ثم علق الأخ جمال بقوله :
الأخ البريدي



## ليس القول السادس الذي نتباحث حوله قولا للمرحوم الرازي ولم يؤيده


## هو أيد القول الأول الذي ذكره((الأول: أن المراد من قوله:
{ وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ }
[النساء: 15] المراد منه الزواني، والمراد من قوله: { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ } الزناة، ثم انه تعالى خص الحبس في البيت بالمرأة وخص الايذاء بالرجل، والسبب فيه أن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز، فاذا حبست في البيت انقطعت مادة هذه المعصية، وأما الرجل فانه لا يمكن حبسه في البيت، لأنه يحتاج إلى الخروج في إصلاح معاشه وترتيب مهماته واكتساب قوت عياله، فلا جرم جعلت عقوبة المرأة الزانية الحبس في البيت، وجعلت عقوبة الرجل الزاني أن يؤذى، فاذا تاب ترك إيذاؤه، ويحتمل أيضاً أن يقال إن الايذاء كان مشتركا بين الرجل والمرأة، والحبس كان من خواص المرأة، فاذا تابا أزيل الايذاء عنهما وبقي الحبس على المرأة، وهذا أحسن الوجوه المذكورة))

## لا أميل أن القول السادس موضوعه ا لشاهدان---إنما موضوعه الزانيان لأن سياق بحثه كله في الزانيين---والشاهدان ليس عليهما توبة لأنهما لم يرتكبا إثما بشهادتهما

أنظر قوله تعالى((فإن تابا وأصلحا)) فكيف يطلب من شاهدين شهدا واقعة زنا أن يتوبا ويصلحا

وهما لم يرتكبا ما يوجب التوبة---إذن فليس الموضوع موضوع شاهدين إنما موضوع زانيين


فما رأيك؟؟
[line]
ثم علقت عليه بقولي :
الأخ جمال وفقه الله : لقد قدمت رأيي بما نقلت , وأرجو من الأخوة أن يتحفونا بآرائهم حول ما ما نقله الرازي وأما من شهد على شخص بالزنا ولم يأتي ببينة , أو يشهد معه ما يكمل به الأربعة فهو قاذف يقام عليه الحد والحدود كفارات ويلزمه التوبة قال تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء .... إلى قوله إلا الذين تابوا من بعد ذلك ..." الآية
ارجو من باقي الأخوة مراجعة النسخة القديمة واثبات مشاركاتهم .
 
لقد قال البعض ان حديث عبادة بن الصامت هو حديث مضطرب حيث اكدت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية على انه رجم الثيب الزاني في ماعز والغامدية ولم يأمر بالجلد .. فان كان الامر كذلك فهل يصحّ الاحتجاج بهذا الحديث؟
 
أخي الكريم : فيما يتعلق بجلد المحصن , اختلف العلماء فيها على قولين :
الأول قول الجمهور , ومنهم الائمة الثلاثة , أن الجلد منسوخ بحديث ماعز وغيره , ولا يجمع بين الرجم والجلد .
الثاني : قول الحنابلة , وهو الجمع بين الجلد والرجم للمحصن عملاً بحديث عبادة .
وأما دعوى الاضطراب فما أدري من قال بها فلعلك تفيدنا , وعلى فرض ذلك فلا يؤثر على الاستدلال بالحديث , والحديث من أحاديث صحيح مسلم كما تعلم .
 
الذي تبين لي في تفسير هاتين الآيتين : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُم فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً . وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) هو :

أن الآية الأولى في حق النساء سواء كن محصنات أو غير محصنات ، وأن عقوبتهن المذكورة في الآية مغياة بغاية ، وهي أن يجعل الله لهن سبيلاَ . وقد بُيّن هذا السبيل بأدلة الحدود مع حديث عبادة : " خذو عني ، خذو عني .....".

وأما الآية الثانية ؛ فهي في حق الرجال سواء كانوا محصنين أو غير محصنين ، وأن عقوبة الأذى المذكورة في الآية قد بيّنت بأدلة الحدود كذلك. فالأذي الذي يترتب على ثبوت فعل الفاحشة هو الجلد للبكر والرجم للمحصن.

والمراد بالفاحشة في الآيتين : فاحشة الزنا.

وليس في الآيتين حكم منسوخ بالمعنى الإصطلاحي للنسخ .



هذا ما تبين لي بعد طول بحث . والله أعلم.
 
((فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ))
فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ
باب حد الزاني (2/11) [الزنا يثبت بالإقرار والمجنون لا يعتبر إقراره] - معهد آفاق التيسير الإلكتروني
 
عودة
أعلى