دراسة ما ذهب إليه ابن القيم وابن كثير في معنى قول الله :(فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم​

اختار ابن القيم رحمه الله أن قوله تعالى :{ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } من جنس آية المباهلة ، وأن معناها : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب .

والقول الآخر في معنى الآية : إن كنتم صادقين في دعواكم فتمنوا الموت لأنفسكم.



قال ابن القيم رحمه الله : ( قال الله تعالى : { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين }:

قلت: هذه الآية فيها للناس كلام معروف.

قالوا: إنها معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم أعجز بها اليهود، ودعاهم إلى تمني الموت ، وأخبر أنهم لا يتمنونه أبدا ً. وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن الاطلاع على بواطنهم إلا بأخبار الغيب. ولم ينطق الله ألسنتهم بتمنيه أبداً.



وقالت طائفة: لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته ؛ كذبهم الله في دعواهم وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت لتصلوا إلى الجنة دار النعيم ؛ فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه. ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه ، فقال )ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم(.



وقالت طائفة -منهم محمد بن إسحاق وغيره- هذه من جنس آية المباهلة، وأنهم لما عاندوا، ودفعوا الهدى عياناً، وكتموا الحق دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه ؛ وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري - والتمني سؤال ودعاء - فتمنوا الموت، وادعوا به على المبطل الكاذب المفتري.

وعلى هذا فليس المراد: تمنوه لأنفسكم خاصة كما قاله أصحاب القولين الأولين ؛ بل معناه: ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل. وهذا أبلغ في إقامة الحجة وبرهان الصدق، وأسلم من أن يعارضوا رسول الله بقولهم: فتمنوه أنتم أيضاً إن كنتم محقين أنكم أهل الجنة لتقدموا على ثواب الله وكرامته. وكانوا أحرص شيء على معارضته، فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله.

وأيضاً فإنا نشاهد كثيراً منهم يتمنى الموت لضره وبلائه، وشدة حاله. ويدعو به. وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة. فإن هذا لا يكون أبداً. ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ألبتة ؛ وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه، وكفرهم به حسداً وبغياً ؛ فلا يتمنوه أبداً لعلمهم أنهم هم الكاذبون.

وهذا القول: هو الذي نختاره. والله أعلم بما أراد من كتابه.) ([1])



الدراسة :



القول المشهور في معنى قول الله تعالى :{ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هو قول الطائفة الثانية التي ذكرها ابن القيم في كلامه السابق ، وهو : أنه لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته ؛ كذبهم الله في دعواهم وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت لتصلوا إلى الجنة دار النعيم ؛ فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه. ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه ، فقال : { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم }.


وهذا القول قاله قتادة ([2])، وأبو العالية ([3])، ومقاتل ([4]) ، وعليه أكثر المفسرين ؛ وهذا بيان مسالكهم في ترجيحه :

من المفسرين من اقتصر عليه ، ولم يذكر في معنى الآية غيره ؛ ومن هؤلاء :الزجاج ([5]) والماوردي ([6])،والواحدي في الوجيز والوسيط ([7])،والسمعاني ([8])، والبيضاوي ([9])،والنسفي ([10]) وابن جزي ([11]) ، والشوكاني ([12])، والطاهر ابن عاشور ([13]) ، وغيرهم .

ومنهم من ذكر القولين ، ودل كلامه على ميله للقول المشهور كابن جرير ([14]).

ومنهم من ذكرهما وقدم هذا القول وذكر القول الآخر بصيغة التمريض كالبغوي ([15]) والقرطبي ([16]).

ومن المفسرين من أشار إلى أن القول المشهور هو الأقرب إلى موافقة اللفظ كالقاسمي ([17]).

ومنهم من ذكر أن هذا القول هو ما يدل عليه ظاهر الآية ، وأن القول الآخر مخالف لظاهر السياق فلا يعول عليه كابن عثيمين ([18]).



وأما القول الثاني ؛ وهو أن المراد بقوله تعالى : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب ؛ فروي من طريق سعيد بن جبير أوعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ([19])، وهو قول ابن اسحاق ([20])، ورجحه ابن كثير وانتصر له وذكر أنه هو المتعين في تفسير الآية ([21]).

وذكر أن سبب تعين هذا القول هو أن الحجة لا تظهر على اليهود على التأويل الأول ؛ إذ يقال : إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أن يتمنوا الموت ، فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت ، وكم من صالح لا يتمنى الموت .

ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا : فها أنتم تعتقدون أيها المسلمون أنكم أصحاب الجنة ، وأنتم لا تتمنون الموت في حال الصحة ، فكيف تلزموننا بما لا يلزمكم ؟! . ([22])



ومن أسباب ترجيح هذا القول أيضاً : ما ذكره ابن القيم في آخر كلامه السابق من أن القول الأول مخالف للواقع المشاهد ؛ حيث إن كثيراً من اليهود يتمنى الموت لفقره وبلائه ، وشدة حاله .







النتيجة :

المعنى الظاهر لقوله تعالى : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هو القول الأول المشهور في تفسيرها ، وهو الذي يتبادر إلى الذهن لعدم حاجته إلى تقدير . فلفظ الآية يدل عليه ، وسياقها يؤيده ، وقول جمهور المفسرين يؤكده .

وقد تقرر عند المفسرين أن كل وجه من الوجوه السابقة – أعني : ظهور القول ، وتبادره إلى الذهن ، وموافقته لسياق الآية ، وكونه قول جمهور المفسرين – يعتبر مرجحاً للمعنى الذي توفر فيه هذا الوجه ؛ فكيف إذا اجتمعت هذا الوجوه !! .



وأما ما احتج به أصحاب القول الثاني من حجج لترجيح قولهم ؛ فيمكن الجواب عنها بما يلي:

أولاً – قولكم : إن هذا القول هو قول ابن عباس رضي الله عنهما مردود من وجهين :

الوجه الأول : أن قول ابن عباس الصريح الذي يدل على قولكم إسناده ضعيف

كما سبق .

الوجه الثاني : أن الذي صح وثبت عن ابن عباس في تفسير الآية هو قوله : لو تمنى

اليهود الموت لماتوا ([23]). وهذا لا يدل على ما نسبتموه إليه صراحة ؛ بل قوله هذا

محتمل ، ودلالته على المعنى المشهور أقرب .

ثانياً – ما ذكرتموه من كون القول المشهور لا تقوم به الحجة على اليهود ؛ إذ لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أن يتمنوا الموت ، فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت ، وكم من صالح لا يتمنى الموت ، ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا : فها أنتم تعتقدون أيها المسلمون أنكم أصحاب الجنة ، وأنتم لا تتمنون الموت في حال الصحة ، فكيف تلزموننا بما لا يلزمكم ؟! = يجاب عنه بأن المسلمين الذين هم على الحق لم يدّعوا أن الجنة خالصة لهم من دون الناس كما زعم اليهود ؛ بل يؤمنون أن الجنة لكل من آمن وعمل صالحاً ، سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها . ([24])

ويقال كذلك بأن المعروف المنقول عن كثير من صالحي هذه الأمة أنهم يتمنون الموت ، ويرجون لقاء الله ، ويطلبون الموت مظانه . وقد نقل بعض المفسرين في ذلك آثاراً كثيرة عن سلف هذه الأمة تدل على طلبهم الموت ، وتمنيهم له ؛ لما يرجون من ثوابه وما أعد لهم من النعيم . ([25])

ثالثاً – وأما ما ذكره ابن القيم رحمه الله من أن القول الأول مخالف للواقع المشاهد ؛ حيث إن كثيراً من اليهود يتمنى الموت لفقره وبلائه ، وشدة حاله = فيمكن الجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أن ما دلت عليه الآية من كون اليهود لن يتمنوا الموت أبداً خاص بمن تحقق فيهم الشرط المذكور في قوله: { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ } (البقرة:94) فالآية خبر عمن تحقق فيهم هذا الشرط . وقد يوجد من اليهود من لا يدعي هذا الادعاء .فما دلت عليه الآية حكم أغلبي ؛ فليس كل فرد من أفراد اليهود داخل فيه ، كما أن من المسلمين من لايتمنى الموت .

والوجه الثاني : أن هناك من العلماء من ذكر ما يدل على خلاف ما ذكره ابن القيم ؛ فقد قال القاضي عياض : ( ومن الوجوه البينة في إعجاز القرآن آيٌ وردت بتعجيز قوم في قضايا، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا علىٰ ذلك؛ كقوله تعالى لليهود: )قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة( قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية: أعظم حجة، وأظهر دلالة على صحة الرسالة؛ لأنه قال لهم: )فتمنوا الموت( وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا، فلم يتمنه واحد منهم .... قال أبو محمد الأصيلي: من أعجب أمرهم؛ أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالىٰ بذلك نبيه يقدم عليه، ولا يجيب إليه، وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم.) ([26])

فإذا كان ابن القيم يرى أن الواقع المشاهد مخالف لما دلت عليه الآية إذا فسرت بالمعنى الظاهر ؛ فإن أبا محمد الأصيلي يعكس الأمر ويذكر أن الموجود المشاهد هو عدم إقدام أحد من اليهود على تمني الموت . وليس قول أحدهما بأولى من قول الآخر ؛ فيرد هذا الأمر إلى الدليل الصريح ، لا إلى الواقع المشاهد المتنازع فيه .ولا شك أن الدليل مع من قال بأنهم لا يتمنون الموت أبداً بما قدمت أيديهم([27]).



ومن المفسرين من قال : إن أبداً في قوله :{ ولن يتمنوه أبداً } يراد به : ما يستقبل من زمان أعمار المخاطبين بالآية ،والمعنى : لن يتمنوه في طول عمرهم إلى موتهم ؛ فالتأبيد هنا ليس مطلقاً ، فلا عبرة بما يقع ممن جاء بعدهم من اليهود . ([28])

فالصواب في معنى الآية هو قول الجمهور ، وليس هناك موجب لحملها على المعنى الذي رجحه كلٌ من ابن القيم وابن كثير رحمهما الله .



وإذا تقرر هذا ؛ فإن الجمع بين القولين يتأتى بجعل هذه الآية من جنس آية المباهلة ، لا أن يكون معناها هو معنى آية المباهلة . وذلك أن هذه الآية ،وآية المباهلة في سورة آل عمران يقصد منهما التحدي ،وإقامة الحجة على المخالف ،وبيان بطلان ما هو عليه .

فآية البقرة تتحدى اليهود - المدّعين أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس - بدعوتهم إلى تمني الموت إن كانوا صادقين ، وآية آل عمران تتحدى النصارى – الذين يدّعون أن عقيدتهم في عيسى عليه السلام هي الحق – بدعوتهم إلى أن يبتهل الفريقان فيجعلا لعنة الله على الكاذب منهما .( فامتنعت اليهود من إجابة النبي r إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى الذين جادلوا النبي r فـي عيسى إذ دعوا إلى المباهلة من المباهلة ) .([29])



وهذا ما قرره كل من ابن جرير وابن عطية رحمهما الله ([30])،ووافقهم السعدي رحمه الله ([31]). وهو الموافق لما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله r لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ) ([32]).

الحواشي السفلية والتعليقات : --------------------------------------------------------------------------------

([1] ) مدارج السالكين لابن القيم 3/18-19 .

([2] ) أخرج قوله ابن جرير في تفسيره 2/364

([3] ) أخرج قوله ابن جرير في تفسيره 2/365

([4] ) تفسير مقاتل بن سليمان 1/125

([5] ) معاني القرآن واعرلبه للزجاج 1/176

([6] ) النكت والعيون للماوردي 1/161

([7] ) انظر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1/119 ، والوسيط في تفسير القرآن المجيد 1/176 كلاهما للواحدي .

([8] ) تفسير القرآن لأبي المظفر السمعاني 1/110

([9] ) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 1/95

([10] ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 1/110

([11] ) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/95

([12] ) فتح القدير للشوكاني 1/169

([13] ) التحرير والتنوير لابن عاشور 1/615

([14] ) جامع البيان لابن جرير 2/362

([15] ) معالم التنزيل للبغوي 1/123

([16] ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/33

([17] ) محاسن التأويل للقاسمي 2/195

([18] ) تفسير القرآن الكريم لمحمد بن صالح العثيمين 1/308

([19] ) أخرج رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس بإسناد واحد ابن اسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس كما في سيرة ابن هشام 2/ ، ومن طريق ابن اسحاق أخرجه كل من ابن جرير 2/ 364 ، وابن أبي حاتم 1/284 ، وذكره ابن كثير في تفسيره 1/493 ، وإسناده ضعيف كما قال محققو تفسير ابن كثير [طبعة مكتبة أولاد الشيخ للثراث ] .

([20] ) انظر السيرة لابن هشام 2/ ، وتفسير محمد بن اسحاق جمع محمد عبدالله أبو صعيليك ص 33 .

([21] ) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 493-494 ، وقد وقع ابن كثير رحمه الله – وهو يذكر حجج هذا القول - في عدد من الأوهام ، منها : التصريح بنسبة هذا القول لابن عباس رضي الله عنهما ، مع أن صريح قوله في ذلك ضعيف ، وما صح عنه في معنى الآية غير صريح . ومن أوهامه في ذلك أيضاً: نسبته هذا القول لكل من قتادة وأبي العالية والربيع بن أنس ، وذكر أن ابن جرير نقله عنهم ،وليس الأمر كما قال ؛ بل جعل ابن جرير قولهم قولاً آخر غير القول الذي رواه ابن اسحاق عن ابن عباس ، والأمر واضح لمن تأمله ، ولكن يبدو أن ابن كثير رحمه الله لم يتنبه لعبارة : وقال آخرون ؛ التي ذكرها ابن جرير بعد القول الذي نسب لابن عباس .

([22] ) انظر تفسير ابن كثير 1/ 496-497

([23] ) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/73 بإسناد صحيح ، وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً من عدة طرق بألفاظ متقاربه في تفسيره 2/362-363 ، وصحح أحمد شاكر إسناد المرفوع ، وبعض أسانيد الموقوف . ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/285 . وانظر كتاب العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني 1/286-287 .

([24] ) انظر تفسير القرآن الكريم للشيخ محمد بن صالح العثيمين 1/308

([25] ) انظر البحر المحيط لأبي حيان 1/498-499 ، والتحرير والتنوير لابن عاشور 1/615 ، وتهذيب التفسير وتجريد التأويل لعبد القادر شيبة الحمد 1/221

([26] ) باختصار من الشفا للقاضي عياض ص382-383 ، ونقله عنه الثعالبي في تفسيره الجواهر الحسان 1/282-283

([27] ) انظر التحرير والتنوير البن عاشور 1/616 فقد ذكر أن ظاهر الآية يدل أنها تشمل اليهود الذين يأتون بعد عصر النزول ؛ إذ لا يعرف أن يهودياً تمنى الموت إلى اليوم .

([28] ) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/177 ،و البحر المحيط لأبي حيان 1/499-500 ،والدر المصون للحلبي 2/9 وقد ذكر أن مجيء (أبداً) بعد (لن) يدل على أن نفيها لا يقتضي التأبيد .

([29] ) ما بين المعكوفين من كلام ابن جرير في تفسيره جامع البيان 2/362 .

([30] ) انظر المرجع السابق 2/361-362 ، والمحرر الوجيز لابن عطية 1/296 .

([31] ) تيسير الكريم الرحمن للسعدي 1/72-73

([32] ) أخرجه الطبري في تفسيره 2/362 وسنده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب 1/ 287 ، ووافقه أحمد شاكر .
 
وممن نص على ضعف القول الذي اختاره ابن القيم وابن كثير : الشنقيطي في أضواء البيان ؛ فقد قال في سياق تفسيره لقول الله تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ﴾ (مريم:75)

( ...وكذلك قوله تعالى في اليهود : { فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 94 ] في « البقرة والجمعة » عند من يقول : إن المراد بالتمني الدعاء بالموت على الكاذبين من الطائفتين ، وهو اختيار ابن كثير . وظاهر الآية لا يساعد عليه .)
 
وقد فسّر ابن القيّم نفسه هذه الآية بما يوافق قول جمهور المفسرين، حيث قال في كتابه بدائع الفوائد 4/1569 : ( ومن ذلك قوله تعالى: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} كانوا يقولون نحن أحباء الله ولنا الدار الآخرة خالصة من دون الناس وإنما يعذب منا من عبد العجل مدة ثم يخرج من النار وذلك مدة عبادتهم له، فأجابهم تبارك وتعالى عن قولهم إن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة بالمطالبة، وتقسيم الأمر بين أن يكون لهم عند الله تعالى عهد عهده إليهم وبين أن يكونوا قد قالوه عليه بما لا يعلمون، ولا سبيل لهم إلى ادعاء العهد؛ فتعين الثاني وقد تقدم.
ثم إجابهم عن دعواهم خلوص الآخرة لهم بقوله: { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} لأن الحبيب لا يكره لقاء حبيبه، والابن لايكره لقاء أبيه، لا سيما إذا علم أن كرامته ومثوبته مختصة به، بل أحب شيء إليه لقاء حبيبه وأبيه؛ فحيث لم يحب ذلك ولم يتمنه فهو كاذب في قوله مبطل في دعواه. )

إلى أن قال: ( فإن قيل: فهلا أظهروا التمني وإن كانوا كاذبين فقالوا فنحن نتمناه ؟.
قيل: وهذا أيضا معجزة أخرى، وهي أن الله تعالى حبس عن تمنيه قلوبهم وألسنتهم فلم ترده قلوبهم ولم تنطق به ألسنتهم تصديقا لقوله: { ولن يتمنوه أبدا}. )

فكلامه هنا لا يتفق مع ما اختاره في كلامه السابق الذي تمت دراسته في هذا الموضوع.
 
أحسنَ الله إليك أبا مُجاهدٍ , ولعلَّ مما يعينُ على ترجيحِ قول الجمهور هو أنَّ قواعدَ المفسرينَ تنصُّ على أنَّ الأصلَ في الكلامِ حملهُ على نصِّهِ القائمِ , دونَ حاجةَ لادِّعاءِ الحذفِ ما دامَ الكلامُ يصحُّ معناهُ مستغنياً عن التقدير , وتفسيرُ الآيةِ بالمباهلةِ لا يستغني عن التقدير والزيادةِ على نصِّ الآيةِ ليتسعَ المرادُ بها فيشمل المؤمنين , والله أعلمُ.
 
عودة
أعلى