أبو معاذ البلقاوي
New member
قراءة في تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل البروسوي
نبذة موجزة في التعريف بصاحب كتاب روح البيان
هو الشيخ إسماعيل حقي بن الشيخ مصطفى الإستانبولي الآيدوسي الحنفي الجلوتي أبو الفداء .
ولد في آيدوس سنة 1063 هـ وتوفي في بروسا سنة 1137هـ وعمره أربع وسبعون سنة .
يعد ابن عفان صاحب اللائحات البرقيات أشهر شيوخه ، ولم يعثر على بيان لتلاميذه.
للبروسوي مصنفات في شتى العلوم منها العربي ومنها التركي قاربت الستين كتابا .
دراسة موجزة لتفسير روح البيان :
يتلخص سبب تأليفه للكتاب في رغبته القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد، إضافة إلى رجائه بأن يكون الكتاب شفيعا له يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ويمكن القول بأنه شرع في تفسيره سنة 1094 هـ وفرغ منه سنة 1117 هـ،وقضى في تأليفه23سنة.
مصادر البروسوي في تفسيره:-
تنوعت وتعددت مصادر البروسوي التي استقى منها مادة تفسيره ، ولعلنا نعرض لأهم مصادره:
ففي التفسير:بحر العلوم للسمرقندي، وتفسير الراغب الأصفهاني، والوسيط للواحدي،ومعالم التنزيل للبغوي،والتيسير للنسفي،والكشاف للزمخشري،وأحكام القرآن لابن العربي،ومفاتيح الغيب للرازي، والفتوحات المكية لابن عربي الأندلسي،والبحر المحيط للرازي،والتأويلات النجمية لنجم الدين الأسدي الرازي المعروف بـ ( داية )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي،
وتفسير الكواشي،وتفسير الجلالين،وإرشاد العقل السليم لأبي السعود الذي تأثر به تأثرا واضحاً.
وفي علوم القرآن : أسباب النزول للواحدي،البرهان للزركشي،والإتقان للسيوطي.
وفي الحديث صحيح مسلم وصحيح البخاري وجامع الترمذي والترغيب والترهيب للمنذري والمقاصد الحسنة للسخاوي.
وفي الوعظ والتصوف: الرسالة القشيرية للقشيري،والمثنوي لجلال الدين الرومي ، وإحياء علوم الدين ومنهاج العابدين ،كلاهما للغزالي، والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي .
وفي الفقه وأصوله : بدائع الصنائع للكاساني،تبيين الحقائق للزيلعي،الأشباه والنظائر لابن نجيم.
وفي العقيدة : المقصد الأسنى للغزالي ، آكام المرجان في أحكام الجان للقاضي بدر الدين الشبلي الحنفي، رسالة القضاء والقدر لابن كمال باشا.
وفي التاريخ والتراجم : طبقات الشافعية للسبكي.
ومن مصادره في اللغة : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ، والقاموس المحيط للفيروز أبادي.
وللصابوني اختصار له مطبوع متداول.
نماذج مختارة من تفسير روح البيان للبروسوي:
{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان للمعونة المطلوبة، كأنه قيل : كيف أعينك ؟ فقالوا اهدنا الصراط المستقيم ، وأيضا التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية .
{الصراط المستقيم } استعارة عن ملة اإسلام والدين الحق، تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد، ولمحل التوجه الروحاني بمحل التوجه الجسماني.
وإنما سمي الدين صراطا لأن الله سبحانه وإن كان متعاليا عن الأمكنة،لكن العبد الطالب لابد له من قطع المسافات، ومس الآفات،وتحمل المجافاة ليكرم بالوصول والموافاة.
{ وما أنزل على الملكين } أي ويعلمون الناس الذي { أنزل على الملكين } أي ما أُلهما وعُلما، وهو علم السحر، أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمناً، كما قيل : عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه، وهذا كما إذا أتى عرافاً فسأله عن شيء ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز صدقه من كذبه فهذا جائز .
قال الإمام فخر الدين : كان الحكمة في إنزالهما أن السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق، وكان بسبب ذلك يشتبه الوحي النازل على الأنبياء، فأنزلهما الله إلى الأرض، ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة .
{يأيها الذين آمنوا} تصديره بحرف النداء والتنبيه لإظهار كمال العناية بمضمونه،-روى-أن تميم بن أوس الداري وعدي بن زيد خرجا إاى الشام في تجارة،وكانا حينئذ نصرانيين...-وساق الخبر- فنزلت { يأيها الذين آمنوا} واتفق العلماء على أن هذه الآية أشكل ما في القرآن إعراباً ونظما وحكماً.
{شهادة بينكم} أي شهادة الخصومات الجارية بينكم ، فبين: ظرف أضيف إليه شهادة على طريق الاتساع... وارتفاع الشهادة على أنها مبتدأ {إذا حضر أحدكم الموت}أي شارفه وظهرت علائمه،ظرف للشهادة .
{ حين الوصية } بدل من الظرف ، وفي إبداله منه تنبيه على أن الوصية من المهمات المقررة التي لاينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها.
{ اثنان }خبر للمبتدأ بتقدير المضاف لئلا يلزم حمل العين على المعنى، أي شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين، أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف، أي فيما ننزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان .
{ ذوا عدل منكم } هما صفتان للإثنان ، أي صاحبا دين وعقل من أقاربكم .
{ أو آخران من غيركم } عطف على اثنان، أو شهادة عدلين آخرين من غيركم من الأجانب، ومن غير أهل دينكم، أي من أهل الذمة، وقد كان ذلك في بدء الإسلام لعزة وجود المسلمين لاسيما في السفر، ثم نسخ بقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} .
{ فطفق مسحاً}الفاء فصيحة مفصحة عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها،وإيذانا بغاية سرعة الامتثال بالأمر، وطفق من أفعال المقاربة الدالة على شروع فاعلها في مضمون الخبر ، فهو بمعنى أخذ وشرع،... .
والمسح إمرار اليد على الشيء، والجمهور على أن المراد به هنا القطع، من قولهم مسح علاوته أي ضرب عنقه... قال في المفردات:مسحته بالسيف كناية عن الضرب .
والساق ما بين الكعبين كعب الركبة وكعب الرجل...أي يقطع أعناقها ويعرقب أرجلها .
وفي الآية إشارة إلى أن حب غير الله شاغل عن الله وموجب للحجاب، وأن كل محبوب سوى الله إذا حجبك عن الله لحظة يلزمك أن تعالجه بسيف نفي لا إله إلا الله .
قال الإمام في تفسيره:-وذكر الرواية في قصة سليمان إلى أن قال – ثم إنه أمر الرائضين أن يردوها فردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها، أي بيده حباً لها وتشريفاً وإبانةً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في قهر الأعداء وإعلاء الدين، وهو قول الزهري وابن كيسان .
وليس فيه نسبة شيء من المنكرات إلى سليمان فهو أحق بالقبول عند أولي الأفهام.
قال الباحث عفا الله عنه: والقول بأن المسح إمرار اليد هو الصواب والظاهر لغة ، وقد صح عن ابن عباس،والقول الآخر من قبيل الإسرائيليات التي لاتثبت بل تعارض الرواية الصحيحة والله أعلم.
{ لإيلاف قريش} متعلق بقوله تعالى فليعبدوا ، وهو قول الزجاج والفراء، لما في الكلام من معنى الشرط ، والمعنى: إن نعم الله عليهم غير محصورة فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة؛ فالإيلاف تعدية الألف مصدر من المبني للمفعول مضاف إلى مفعوله الأول مطلقا ضمن المفعول الثاني الذي هو الرحلة كما قيل به في الإيلاف الثاني .
يقال : ألفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى: لزمته ودمت عليه وما تركته.
{ الله الصمد} مبتدأ وخبر ، فعل بمعنى مفعول كقبض بمعنى مقبوض، من صمد إليه، من باب نصر، إذا قصده؛ أي هو السيد المصمود إليه في الحوائج المستغني بذاته، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته، فلا صمد في الوجود سوى الله .
فهو مثل زيد الأمير يفيد قصر الجنس على زيد.
فإذا كان هو الصمد فمن انتفت الصمدية عنه لايستحق الألوهية، وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته
أسلــــــوب الــــــــبـــروســـــــوي في التـــــــفـــــســــــيــــــــــــر
فسر القرآن كاملا ذاكرا اسم كل سورة وموضع نزولها وعدد آيها.
يبدأ مباشرة بتفسير الآيات غير مكثر من وجوه التفسير، وأحيانا يقدم بين يدي السورة، يعتني ببيان النواحي اللغوية فيعرض للإعراب إن كان مهما في فهم المعنى،ثم ثم يعتني بتحديد معاني العبارات والمصطلحات فيعرف كل كلمة تقريبا،ويكثر من الاستطرادات التي تتلاءم واعتناءه بجانب الوعظ،ويكثر من ذكر أسباب النزول دون عزو ومنها المكذوب ،ثم يشرع في التفسير،ويتعرض لذكر الروايات والقصص بعد ذلك، ويكثر من ذكر الإسرائيليات وربما نقد بعضها أحيانا ، كما يتطرق أحيانا لذكر المناسبة بين الآيات، ويعتني بتفسير الآيات الفقهية بما يتناسب مع مذهب الإمام أبي حنيفة، ويذكر أحيانا بعض الأسئلة التي يمكن أن تثار حول الآية ولربما استخدم أسلوب الفنقلة .
منهج بلاغي للبروسوي
أما من الناحية البلاغية فإن المؤلف لم يتعرض تقريبا لعلم البديع، واعتنى-اعتناء واضحا- بعلم المعاني بإشارات بلاغية مختصرة متأثرا بأبي السعود،وهذه الإشارات لاتتجاوز ذكر نوع الأسلوب البلاغي دون بيان لسر استخدامه وموقعه من السياق، أما كلامه في البيان فأقل بكثير من كلامه في المعاني،
الجانب الإيجابي في روح البيان:
البروسوي مقلد وجامع في التفسير أكثر من كونه محققا، ولذا فقد حوى تفسيره فوائد منها :
1- كثرة الرجوع إلى المصادر وإثباتها ولايغير عباراتها إلا لحاجة، وقد رجع إلى أمهات في ميادين العلوم-إجمالا كما تقدم-.
2- مع كثرة مصادره فإنه لايكثر من وجوه التفسير، بل يقتصر على ما يراه أقوى الوجوه.
3- الاهتمام البالغ بجانب العظة والترغيب والترهيب،وذكر الحِكم والقصص والعظات، ولعل هذا يتناسب مع نزعته الصوفية، إضافة إلى ما تقدم من اعتنائه بالجانب البلاغي.
الملاحظات على تفسير روح البيان
1- يعد أقرب إلى التفسير الصوفي الإشاري لا الباطني الفلسفي،والمراد بالإشاري: هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منه بمقتضى إشارات خفية، تظهر لأرباب السلوك ويمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة، وهذا التفسير يقبل بشروط، والمؤلف يكثر جدا من هذا النوع، فيفسر الآية إشاريا بعد تفسيرها ظاهريا.
2- ينقل من كبار المتصوفة آراءهم ليدل على المعنى الظاهر والمعنى الباطن للآيات.
3- يؤخذ عليه كثرة التعبيرات بالفارسية،وكثرة استشهاده بالشعر الفارسي مما جعل في تناول الكتاب صعوبة.
4- يترجح أن المؤلف ماتريدي المعتقد مؤول للصفات،واعتمد في مصادره العقدية على كتب المتصوفة،كل هذا أوقعه في مزالق عديدة.
المراجع:
1- روح البيان للبروسوي.
2- منهج البروسوي في تفسيره روح البيان،صفية بنت شمس الدين، رسالة ماجستير/الجامعة الأردنية.
3- مباحث المعاني في تفسير روح البيان للبروسوي،محمد نصيف،رسالة ماجستير/جامعة الملك عبد العزيز بجدة ؛ وقد أتحفني بالرسالتين شيخي المفضال:أ.د.حكمت بشير ياسين.
نبذة موجزة في التعريف بصاحب كتاب روح البيان
هو الشيخ إسماعيل حقي بن الشيخ مصطفى الإستانبولي الآيدوسي الحنفي الجلوتي أبو الفداء .
ولد في آيدوس سنة 1063 هـ وتوفي في بروسا سنة 1137هـ وعمره أربع وسبعون سنة .
يعد ابن عفان صاحب اللائحات البرقيات أشهر شيوخه ، ولم يعثر على بيان لتلاميذه.
للبروسوي مصنفات في شتى العلوم منها العربي ومنها التركي قاربت الستين كتابا .
دراسة موجزة لتفسير روح البيان :
يتلخص سبب تأليفه للكتاب في رغبته القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد، إضافة إلى رجائه بأن يكون الكتاب شفيعا له يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ويمكن القول بأنه شرع في تفسيره سنة 1094 هـ وفرغ منه سنة 1117 هـ،وقضى في تأليفه23سنة.
مصادر البروسوي في تفسيره:-
تنوعت وتعددت مصادر البروسوي التي استقى منها مادة تفسيره ، ولعلنا نعرض لأهم مصادره:
ففي التفسير:بحر العلوم للسمرقندي، وتفسير الراغب الأصفهاني، والوسيط للواحدي،ومعالم التنزيل للبغوي،والتيسير للنسفي،والكشاف للزمخشري،وأحكام القرآن لابن العربي،ومفاتيح الغيب للرازي، والفتوحات المكية لابن عربي الأندلسي،والبحر المحيط للرازي،والتأويلات النجمية لنجم الدين الأسدي الرازي المعروف بـ ( داية )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي،
وتفسير الكواشي،وتفسير الجلالين،وإرشاد العقل السليم لأبي السعود الذي تأثر به تأثرا واضحاً.
وفي علوم القرآن : أسباب النزول للواحدي،البرهان للزركشي،والإتقان للسيوطي.
وفي الحديث صحيح مسلم وصحيح البخاري وجامع الترمذي والترغيب والترهيب للمنذري والمقاصد الحسنة للسخاوي.
وفي الوعظ والتصوف: الرسالة القشيرية للقشيري،والمثنوي لجلال الدين الرومي ، وإحياء علوم الدين ومنهاج العابدين ،كلاهما للغزالي، والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي .
وفي الفقه وأصوله : بدائع الصنائع للكاساني،تبيين الحقائق للزيلعي،الأشباه والنظائر لابن نجيم.
وفي العقيدة : المقصد الأسنى للغزالي ، آكام المرجان في أحكام الجان للقاضي بدر الدين الشبلي الحنفي، رسالة القضاء والقدر لابن كمال باشا.
وفي التاريخ والتراجم : طبقات الشافعية للسبكي.
ومن مصادره في اللغة : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ، والقاموس المحيط للفيروز أبادي.
وللصابوني اختصار له مطبوع متداول.
نماذج مختارة من تفسير روح البيان للبروسوي:
{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان للمعونة المطلوبة، كأنه قيل : كيف أعينك ؟ فقالوا اهدنا الصراط المستقيم ، وأيضا التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية .
{الصراط المستقيم } استعارة عن ملة اإسلام والدين الحق، تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد، ولمحل التوجه الروحاني بمحل التوجه الجسماني.
وإنما سمي الدين صراطا لأن الله سبحانه وإن كان متعاليا عن الأمكنة،لكن العبد الطالب لابد له من قطع المسافات، ومس الآفات،وتحمل المجافاة ليكرم بالوصول والموافاة.
{ وما أنزل على الملكين } أي ويعلمون الناس الذي { أنزل على الملكين } أي ما أُلهما وعُلما، وهو علم السحر، أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمناً، كما قيل : عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه، وهذا كما إذا أتى عرافاً فسأله عن شيء ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز صدقه من كذبه فهذا جائز .
قال الإمام فخر الدين : كان الحكمة في إنزالهما أن السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق، وكان بسبب ذلك يشتبه الوحي النازل على الأنبياء، فأنزلهما الله إلى الأرض، ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة .
{يأيها الذين آمنوا} تصديره بحرف النداء والتنبيه لإظهار كمال العناية بمضمونه،-روى-أن تميم بن أوس الداري وعدي بن زيد خرجا إاى الشام في تجارة،وكانا حينئذ نصرانيين...-وساق الخبر- فنزلت { يأيها الذين آمنوا} واتفق العلماء على أن هذه الآية أشكل ما في القرآن إعراباً ونظما وحكماً.
{شهادة بينكم} أي شهادة الخصومات الجارية بينكم ، فبين: ظرف أضيف إليه شهادة على طريق الاتساع... وارتفاع الشهادة على أنها مبتدأ {إذا حضر أحدكم الموت}أي شارفه وظهرت علائمه،ظرف للشهادة .
{ حين الوصية } بدل من الظرف ، وفي إبداله منه تنبيه على أن الوصية من المهمات المقررة التي لاينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها.
{ اثنان }خبر للمبتدأ بتقدير المضاف لئلا يلزم حمل العين على المعنى، أي شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين، أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف، أي فيما ننزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان .
{ ذوا عدل منكم } هما صفتان للإثنان ، أي صاحبا دين وعقل من أقاربكم .
{ أو آخران من غيركم } عطف على اثنان، أو شهادة عدلين آخرين من غيركم من الأجانب، ومن غير أهل دينكم، أي من أهل الذمة، وقد كان ذلك في بدء الإسلام لعزة وجود المسلمين لاسيما في السفر، ثم نسخ بقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} .
{ فطفق مسحاً}الفاء فصيحة مفصحة عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها،وإيذانا بغاية سرعة الامتثال بالأمر، وطفق من أفعال المقاربة الدالة على شروع فاعلها في مضمون الخبر ، فهو بمعنى أخذ وشرع،... .
والمسح إمرار اليد على الشيء، والجمهور على أن المراد به هنا القطع، من قولهم مسح علاوته أي ضرب عنقه... قال في المفردات:مسحته بالسيف كناية عن الضرب .
والساق ما بين الكعبين كعب الركبة وكعب الرجل...أي يقطع أعناقها ويعرقب أرجلها .
وفي الآية إشارة إلى أن حب غير الله شاغل عن الله وموجب للحجاب، وأن كل محبوب سوى الله إذا حجبك عن الله لحظة يلزمك أن تعالجه بسيف نفي لا إله إلا الله .
قال الإمام في تفسيره:-وذكر الرواية في قصة سليمان إلى أن قال – ثم إنه أمر الرائضين أن يردوها فردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها، أي بيده حباً لها وتشريفاً وإبانةً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في قهر الأعداء وإعلاء الدين، وهو قول الزهري وابن كيسان .
وليس فيه نسبة شيء من المنكرات إلى سليمان فهو أحق بالقبول عند أولي الأفهام.
قال الباحث عفا الله عنه: والقول بأن المسح إمرار اليد هو الصواب والظاهر لغة ، وقد صح عن ابن عباس،والقول الآخر من قبيل الإسرائيليات التي لاتثبت بل تعارض الرواية الصحيحة والله أعلم.
{ لإيلاف قريش} متعلق بقوله تعالى فليعبدوا ، وهو قول الزجاج والفراء، لما في الكلام من معنى الشرط ، والمعنى: إن نعم الله عليهم غير محصورة فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة؛ فالإيلاف تعدية الألف مصدر من المبني للمفعول مضاف إلى مفعوله الأول مطلقا ضمن المفعول الثاني الذي هو الرحلة كما قيل به في الإيلاف الثاني .
يقال : ألفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى: لزمته ودمت عليه وما تركته.
{ الله الصمد} مبتدأ وخبر ، فعل بمعنى مفعول كقبض بمعنى مقبوض، من صمد إليه، من باب نصر، إذا قصده؛ أي هو السيد المصمود إليه في الحوائج المستغني بذاته، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته، فلا صمد في الوجود سوى الله .
فهو مثل زيد الأمير يفيد قصر الجنس على زيد.
فإذا كان هو الصمد فمن انتفت الصمدية عنه لايستحق الألوهية، وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته
أسلــــــوب الــــــــبـــروســـــــوي في التـــــــفـــــســــــيــــــــــــر
فسر القرآن كاملا ذاكرا اسم كل سورة وموضع نزولها وعدد آيها.
يبدأ مباشرة بتفسير الآيات غير مكثر من وجوه التفسير، وأحيانا يقدم بين يدي السورة، يعتني ببيان النواحي اللغوية فيعرض للإعراب إن كان مهما في فهم المعنى،ثم ثم يعتني بتحديد معاني العبارات والمصطلحات فيعرف كل كلمة تقريبا،ويكثر من الاستطرادات التي تتلاءم واعتناءه بجانب الوعظ،ويكثر من ذكر أسباب النزول دون عزو ومنها المكذوب ،ثم يشرع في التفسير،ويتعرض لذكر الروايات والقصص بعد ذلك، ويكثر من ذكر الإسرائيليات وربما نقد بعضها أحيانا ، كما يتطرق أحيانا لذكر المناسبة بين الآيات، ويعتني بتفسير الآيات الفقهية بما يتناسب مع مذهب الإمام أبي حنيفة، ويذكر أحيانا بعض الأسئلة التي يمكن أن تثار حول الآية ولربما استخدم أسلوب الفنقلة .
منهج بلاغي للبروسوي
أما من الناحية البلاغية فإن المؤلف لم يتعرض تقريبا لعلم البديع، واعتنى-اعتناء واضحا- بعلم المعاني بإشارات بلاغية مختصرة متأثرا بأبي السعود،وهذه الإشارات لاتتجاوز ذكر نوع الأسلوب البلاغي دون بيان لسر استخدامه وموقعه من السياق، أما كلامه في البيان فأقل بكثير من كلامه في المعاني،
الجانب الإيجابي في روح البيان:
البروسوي مقلد وجامع في التفسير أكثر من كونه محققا، ولذا فقد حوى تفسيره فوائد منها :
1- كثرة الرجوع إلى المصادر وإثباتها ولايغير عباراتها إلا لحاجة، وقد رجع إلى أمهات في ميادين العلوم-إجمالا كما تقدم-.
2- مع كثرة مصادره فإنه لايكثر من وجوه التفسير، بل يقتصر على ما يراه أقوى الوجوه.
3- الاهتمام البالغ بجانب العظة والترغيب والترهيب،وذكر الحِكم والقصص والعظات، ولعل هذا يتناسب مع نزعته الصوفية، إضافة إلى ما تقدم من اعتنائه بالجانب البلاغي.
الملاحظات على تفسير روح البيان
1- يعد أقرب إلى التفسير الصوفي الإشاري لا الباطني الفلسفي،والمراد بالإشاري: هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منه بمقتضى إشارات خفية، تظهر لأرباب السلوك ويمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة، وهذا التفسير يقبل بشروط، والمؤلف يكثر جدا من هذا النوع، فيفسر الآية إشاريا بعد تفسيرها ظاهريا.
2- ينقل من كبار المتصوفة آراءهم ليدل على المعنى الظاهر والمعنى الباطن للآيات.
3- يؤخذ عليه كثرة التعبيرات بالفارسية،وكثرة استشهاده بالشعر الفارسي مما جعل في تناول الكتاب صعوبة.
4- يترجح أن المؤلف ماتريدي المعتقد مؤول للصفات،واعتمد في مصادره العقدية على كتب المتصوفة،كل هذا أوقعه في مزالق عديدة.
المراجع:
1- روح البيان للبروسوي.
2- منهج البروسوي في تفسيره روح البيان،صفية بنت شمس الدين، رسالة ماجستير/الجامعة الأردنية.
3- مباحث المعاني في تفسير روح البيان للبروسوي،محمد نصيف،رسالة ماجستير/جامعة الملك عبد العزيز بجدة ؛ وقد أتحفني بالرسالتين شيخي المفضال:أ.د.حكمت بشير ياسين.