أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
[align=justify]قال الله تعالى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }
قال ابن القيم في سياق بيانه لعفاف يوسف عليه السلام :
( فإن قيل : فقد هم بها ، قيل عنه جوابان :
أحدهما : أنه لم يهم بها ، بل لولا أن رأى برهان ربه لهمّ . هذا قول بعضهم في تقدير الآية .
والثاني - وهو الصواب - : أن همّه كان همَّ خطرات ، فتركه لله ، فأثابه الله عليه ، وهمّها كان هم إصرار ، بذلت معه جهدها ، فلم تصل إليه ؛ فلم يستوِ الهمّان .
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه : الهمّ همّان : هم خطرات ، وهم إصرار ؛ فهم الخطرات لا يؤاخذ به ، وهم الإصرار يؤاخذ به .([1]) )([2])
وقال في موضع آخر - في سياق كلام له عن التقديم والتأخير ، وأن العرب لا يأتون بالتقديم والتأخير إلا حيث لا يلتبس على السامع ، ولا يقدح في بيان مراد المتكلم - : ( وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك ، كما يدعي من التقديم في قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ ، وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها ؛ فهذا أولاً لا يجيزه النحاة ، ولا دليل على دعواه ، ولا يقدح في العلم بالمراد .)([3])
[align=center]الدراسة :[/align]
مسألة همّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز مسألة كثر حولها الكلام ، وتباينت الأقوال في إيضاحها ، واختلفت مواقف المفسرين منها . وقد أفردها بالتصنيف بعض الباحثين .
وقد اقتصر ابن القيم في كلامه السابق على قولين في هذه المسألة :
القول الأول : أنه لم يقع من نبي الله يوسف همّ أصلاً ؛ لأن رؤيته لبرهان ربه منعته من ذلك الهمّ .
القول الثاني : أنه قد همّ بها فعلاً ، ولكنه همّ خطرات ، لا هم عزيمة على الفعل ؛ فهو من قبيل حديث النفس الذي لا يمكن دفعه ، وهو ما لا يؤاخذ به المرء كما صح معنى ذلك في الحديث الصحيح ([4])، بل إن من ترك هذا الهمّ لله كتب له به حسنة كما ثبت هذا المعنى أيضاً في الحديث الصحيح .([5])
وقد رجح ابن القيم هذا القول ، وذكر أنه الصواب .
وفي معنى هذا الهمّ من يوسف أقوال أخرى ([6])، أشهرها ، وهو القول الثالث : أنه همّه كان من جنس همها ، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل . وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين . ([7])
وفيما يأتي عرض لموقف أئمة التفسير من هذه الأقوال :
اعتمد ابن جرير في تفسيره ما نُقل عن جمهور السلف في تفسير الهم ، حيث قال : ( ومعنى الهمّ بالشيء في كلام العرب : حديث المرء نفسه بمواقعته ، ما لم يواقع .
فأما ما كان من همّ يوسف بالمرأة وهمّها به ، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ...) ثم ذكر الآثار في تفسير ذلك ، ومفادها أن يوسف عليه السلام قد همّ بمواقعتها ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، بعد أن حلت ثيابها ، وحلّ ثيابه .([8])
وهذه الآثار تدل على أن همّه بها كان من جنس همها به .
ولمّا كانت هذه الأقوال دالةً على أن يوسف قد وقع فيما لا يليق ؛ قال ابن جرير : ( فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبيّ ؟ .) ثم أجاب عن ذلك بقوله: ( قيل : إن أهل العلم اختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : كان ممن ابتلي من الأنبياء بخطيئة ، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عزّ وجلّ على وَجَل إذا ذكرها ، فيجدّ في طاعته إشفاقاً منها ، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته .
وقال آخرون : بل ابتلاهم الله بذلك ليعرّفهم موضع نعمته عليهم ، بصفحة عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة .
وقال آخرون : بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله ، وترك الإياس من عفوه عنه إذا تابوا. )
وبعد هذا قرر أن من قال بغير ذلك فقد خالف أقوال السلف ، وتأول القرآن برأيه . وذكر أنهم اختلفوا في معنى الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن معنى الآية : ولقد همت المرأة بيوسف ، وهمّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به مما أرادته من المكروه . قالوا : والشاهد على صحة ذلك قوله : ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ قالوا : فالسوء : هو ما كان همّ به من أذاها ، وهو غير الفحشاء .
والقول الثاني : هو القول الأول الذي ذكره ابن القيم .
وقد بيّن ابن جرير أن هذين القولين فاسدان لعلتين :
العلة الأولى : أن العرب لا تقدم جواب «لولا» قبلها ، لا تقول : لقد قمت لولا زيد ، وهي تريد : لولا زيد لقد قمت .
والعلة الثانية : خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله .
والقول الثالث : هو القول الذي رجحه ابن القيم ، غير أن جعل الهمين نوعاً واحداً ، وهو أنه الميل الذي بين الفعل والترك ، لا هم العزيمة والإرادة .
ولم يعلق على هذا القول بشيء يخصه .([9])
وذكر ابن عطية ثلاثة أقوال : قول ابن جرير ، والقول الذي رجحه ابن القيم ، والثالث: أن المراد : هم أن يضربها . وقد حكم على هذا القول بأنه ضعيف البتة . ثم قال : ( والذي أقول في هذه الآية : إنّ كون يوسف نبياً في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولا تظاهرت به رواية؛ وإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أوتي حكماً وعلماً ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته ، وإن فرضناه نبياً في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حلّ تكة ، ونحو ذلك لأن العصمة مع النبوة . ...
وللهم بالشيء مرتبتان : فالأولى تجوز عليه مع النبوة ، والثانية الكبرى لا تقع إلا من غير نبي ؛ لأن استصحاب خاطر المعصية والتلذذ به معصية تكتب ، وقول النبي r )) إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تنطق به أو تعمل(( ([10])
معناه : من الخواطر ، وأما استصحاب الخاطر فمحال أن يكون مباحاً ، فإن وقع فهو خطيئة من الخطايا ، لكنه ليس كمواقعة المعصية التي فيها الخاطر ... والإجماع منعقد أن الهم بالمعصية، واستصحاب التلذذ بها غير جائز ولا داخل في التجاوز .) ([11])
وأما الرازي فقد بدأ بذكر قول الواحدي في البسيط ، قال : ( قال الواحدي في كتاب «البسيط» : قال المفسرون الموثوق بعلمهم ، المرجوع إلى روايتهم : همّ يوسف أيضاً بهذه المرأة هماً صحيحاً ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة ، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه .) ثم نقل بعض الآثار التي أورده الواحدي ، ثم قال : ( ثم إن الواحدي طوّل في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب ، وما ذكر آية يحتج بها ، ولا حديثاً صحيحاً يعول عليه في تصحيح هذه المقالة ، وما أمعن النظر في تلك الكلمات العارية عن الفائدة .... ثم قال [ أي الواحدي ] : والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء عليهم السلام وارتفاع منازلهم عند الله تعالى من الذين نفوا الهم عنه . فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب .)([12])
ثم شنّع عليه ، وعلى القائلين بأن يوسف عليه السلام قد همّ بامرأة العزيز هماً صاحَبَه بعض مقدمات الفاحشة ، ورجح أنه عليه السلام كان بريئاً عن العمل الباطل ، والهمّ المحرم . قال : ( وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين ، وبه نقول وعنه نذب .) ثم بيّن ذلك بياناً حسناً ، وذكر أن الآيات الكريمة تدل على براءته من كل ما نسب إليه من عدة وجوه .
ثم ذكر أن في تفسير همّ يوسف المذكور في الآية ثلاثة أقوال صحيحة :
القولان اللذان ذكرهما ابن القيم ، والثالث : المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ، ومنعِها عن ذلك القبيح ؛ لأن الهم هو القصد ، فوجب أن يحمل في حق كل أحد على القصد الذي يليق به . فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتمتع ، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته ، وإلى الأمر بالمعروف النهي عن المنكر ؛ يقال : هممت بفلان أي بضربه ودفعه .
وقد ذكر خلال ذلك ما يرد على كل قول من هذه الثلاثة من إشكالات ، وأجاب عليها، وبيّن أنه لا حجة لمن ضعف شيئاً منها .
ثم ختم كلامه بقوله : ( فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف ، وتعديد أسماء المفسرين ، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك القول شبهةً لأجبنا عنها ؛ إلا أنه ما زاد على الرواية عن بعض المفسرين ... ومن الذي يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين ؟! . والله أعلم .)([13])
ونقل القرطبي الأقوال عدة أقوال في بيان معنى الآية ، ومنها الأقوال السابقة . وقد حكم على القول الذي رجحه ابن القيم بأنه قول حسن ، ثم نقل قول ابن عطية السابق ، وقال بعده: ( قلت: ما ذكره من هذا التفصيل صحيح ؛ لكن قوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ﴾ (يوسف: من الآية15) يدلّ على أنه كان نبيًّا ..([14]) ، وهو قول جماعة من العلماء ؛ وإذا كان نبيّاً فلم يبق إلاّ أن يكون الهمّ الذي همّ به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر ؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلَّف على دفعه .)([15])
وصرح أبو حيان برأيه في هذه المسألة من البداية ، فقال : ( طوّل المفسرون في تفسير هذين الهمين ، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق . والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : لقد قارفت لولا أن عصمك الله...) ، ثم بيّن الخلاف في مسألة تقدم جواب "لولا" عليها ، وذكر أنه وإن كان جائزاً عند جماعة من النحويين ، إلا أنه لا يقول به هنا ، بل يقول : إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه .
ثم بيّن موقفه من أقوال السلف في تفسير هذه الآية ، فقال : ( وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاًر، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ؛ لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً ، ولا يدل عليه دليل ، لأنهم لم يقدروا "لهم بها"، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ، لأنّ ما قبل الشرط دليل عليه ، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه .
وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره ، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب ، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة ، وبراءة يوسف عليه السلام من كل ما يشين . )([16])
ولم يجزم ابن كثير برأي صريح في هذه المسألة ، واقتصر على الإشارة إلى أشهر ما قيل في معنى هذا الهمّ من أقوال .([17])
ووافق ابنُ عاشور أبا حيان فيما ذهب إليه ، وذكر بعض ما يحسن الوقوف عليه هنا ، فقال : ( وجملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ معطوفة على جملة ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ كلها ، وليست معطوفة على جملة ﴿ هَمَّتْ ﴾ التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام ؛ لأنه لما أردفت جملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ بجملة شرط ﴿ لَوْلاَ ﴾ المتمحض لكونه من أحوال يوسف - عليه السّلام - وحْده ، لا من أحوال امرأة العزيز ؛ تعين أنه لا علاقة بين الجملتين ، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير : ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها ، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به ... فيحسن الوقف على قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ ليظهر معنى الابتداء بجملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ واضحاً . وبذلك يظهر أن يوسف - عليه السّلام - لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان. ) ([18])
وبعد هذا العرض يتبين للقارئ أن المفسرين قد انقسموا لى قسمين في هذه المسألة :
القسم الأول : أثبتوا وقوع الهم من يوسف عليه السلام ، وهؤلاء فريقان :
الفريق الأول : ذهب إلى أن همّه بها كان من جنس همها به ، وأنه كاد أن يواقعها لولا أن الله عصمه ، وصرفه عن السوء والفحشاء . وقد اعتمد هذا القول – إضافة إلى ابن جرير – النحاس ([19])، والواحدي ([20]). وقد قرره قبلهم الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام ، فقال : ( وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف r لم يهمّ بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ ، قال ثم استأنف فقال : ﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾، بمعنى : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، واحتج بقوله : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ (يوسف: من الآية52) ، وبقوله : ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ ﴾(يوسف: من الآية25) . وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه همّ بها ، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيماً للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم .)([21])
والفريق الثاني : أثبت هماً وقع من يوسف عليه السلام بامرأة العزيز ، ولكنه همّ خطرات ، وحديث نفس . وهذا الهمّ لا يُكلف به العبد ؛ لأنه خارج عن قدرته .
وقد اختار هذا القول كل من ابن عطية ، والقرطبي . وقد نسبه البغوي إلى بعض أهل الحقائق ، فقال : ( وقال بعض أهل الحقائق : الهمّ همان :
هم ثابت ، إذا كان معه عزم وعقد ورضى ، مثل هم امرأة العزيز . والعبد مأخوذ به.
وهم عارض ، وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، مثل هم يوسف عليه السلام . والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل .) ([22])
وقد علّق على قوله هذا الطِّيبي ، وقال : ( إن هذا التفسير هو الذي يجب أن نذهب إليه ونتخذه مذهباً - وإن نقل المفسرون ما نقلوا - ؛ لأن متابعة النص القاطع ، وبراءة المعصوم عن تلك الرذيلة ، وإحالة التقصير على الرواة أولى بالمصير إليه . على أن أساطين النقل المتقنين لم يرووا في ذلك شيئاً مرفوعاً في كتبهم ، وجل تلك الروايات بل كلها مأخوذ من مسألة أهل الكتاب .)([23]) .
وقد ذكر ابن العربي ما يدل على ترجيحه لهذا القول ، وشنّع على من خالفه بقوله تعليقاً على قول الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ (يوسف:22) : ( وهذا إنما بيّن الله به حال يوسف من حين بلوغه بأنه آتاه العلم , وآتاه العمل بما علم ; وخبر الله صادق , ووصفه صحيح , وكلامه حق , فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا ، وتحريم خيانة السيد أو الجار أو الأجنبي في أهله , فما تعرض لامرأة العزيز , ولا أناب إلى المراودة ; بل أدبر عنها , وفر منها ; حكمة خص بها , وعملاً بمقتضى ما علمه الله سبحانه . وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس والغفلة من العلماء في نسبتهم إليه ما لا يليق به , وأقل ما اقتحموا من ذلك أنه هتك السراويل , وهم بالفتك فيما رأوه من تأويل , وحاش لله ما علمت عليه من سوء , بل أبرئه مما برأه منه , فقال : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ , كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الذين استخلصناهم . والفحشاء هي الزنا ، والسوء هو المراودة والمغازلة ؛ فما ألمّ بشيء ولا أتى بفاحشة .
فإن قيل : فقد قال الله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾ ؟
قلنا : قد تقصينا عن ذلك في كتاب الأنبياء من شرح المشكلين , وبينا أن الله سبحانه ما أخبر عنه أنه أتى في جانب القصة فعلاً بجارحة , وإنما الذي كان منه الهمّ , وهو فعل القلب ؛ فما لهؤلاء المفسرين لا يكادون يفقهون حديثاً , ويقولون : فعل , وفعل ؟! واللهُ إنما قال : ﴿ هَمَّ بِهَا ﴾ . لا أقالهم ولا أقاتهم الله ولا عالهم .)([24])
وممن رجح هذا القول كذلك : ابن جزي ، قال : ( والصواب إن شاء الله أنها همت به من حيث مرادها ، وهم بها كذلك ، لكنه لم يعزم على ذلك ، ولم يبلغ إلى ما ذُكر من حل التكّة وغيرها ، بل كان همُّه خطرةً خطرت على قلبه لم يطعها ولم يتابعها ، ولكنه بادر بالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة حتى محاها من قلبه لما رأى برهان ربه . ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء ؛ لأن الهمّ بالذنب ليس بذنب ، ولا نقص عليه في ذلك فإنه من هم بذنب ثم تركه كتبت له حسنة .)([25])
والقسم الثاني : نفوا وقوع الهمّ من يوسف عليه السلام ؛ فلم يقع منه همّ أصلاً عندهم لرؤيته برهان ربه . وقد تبنى الرازي أصل هذا القول ، وقرره أبو حيان ، وابن عاشور كما سبق .
وذكر الشنقيطي أن ما قرره أبو حيان هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية ، قال : ( لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب : أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ... وعلى هذا القول : فمعنى الآية : وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ، أي : لولا أن رآه همّ بها . فما قبل ﴿ لَوْلاَ ﴾ هو دليل الجواب المحذوف ، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ (القصص: من الآية10) فما قبل ﴿ لَوْلاَ ﴾ دليل الجواب ، أي : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به .) ([26])
[align=center]النتيجة : [/align]
الذي ظهر لي من هذه الدراسة أن تبرئة نبي الله يوسف عليه السلام من كل ما نسب إليه في الآثار التي أوردها ابن جرير وغيره هو المتعين ، وهو اللائق بمقام الأنبياء عليهم السلام .
ثم إن هذه الآثار – إن ثبتت عن قائليها من السلف – مأخوذة من أهل الكتاب ؛ لأنه لم يثبت شيء منها في كتاب ، ولا سنة .([27])
وإذا تقرر هذا ؛ فإن الأمر في توجيه معنى الآية يسير ، وهو لا يخرج عن المعنيين اللذين ذكرها ابن القيم ؛ وترجيح ابن القيم أقرب إلى الصواب في نظري ؛ لأن الله U أثبت في الآية هماً وقع من يوسف عليه السلام ، ثم صرف عنه هذا الهمّ بعد رؤيته لبرهان ربه .
ولو كان يوسف لم يهمّ أصلاً لما كان لذكر همّه في الآية فائدة ظاهرة . والله أعلم .
تنبيهات :
التنبيه الأول : سبب الخلاف :
للخلاف هنا عدة أسباب ، أهمها :
الاختلاف بين المفسرين في مفهوم عصمة الأنبياء عليهم السلام .
الاختلاف النحوي بين المفسرين في مسألة تقدم جواب لولا .
الاختلاف في احتمال الآية للتقديم والتأخير .
التنبيه الثاني : تنازع هذا المثال أكثر من قاعدة تفسيرية :
القاعدة الأولى : تفسير السلف للقرآن وفهمهم له حجة على من بعدهم .([28])
القاعدة الثانية : القول الذي يعظّم مقام النبوة ، ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية .([29])
فابن جرير ومن وافقه اعتمدوا القاعدة الأولى ، ورجحوا بها ، وغيرهم من المفسرين اعتمدوا القاعدة الثانية ورجحوا بها .
ولذلك صارت هذه الآية من الآيات التي أشكل فهمها .
التنبيه الثالث : ما نقل من روايات في تفسير هذه الآية معدود من جملة الإسرائليات المردودة في كتب التفسير .([30])
الحواشي والتعليقات :--------------------------------------------------------------------------------
([1] ) لم أجده منسوباً إلى الإمام أحمد ، ونسبه البغوي في تفسيره معالم التنزيل 4/231 إلى بعض أهل الحقائق .
([2] ) روضة المحبين ص450 ، وبدائع التفسير 2/446.
([3] ) الصواعق المرسلة 2/716 .
([4] ) هو قول النبي r : )) إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم (( أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، منها ما جاء في كتاب الطلاق – باب الطلاق في الإغلاق والكره – حديث رقم 5269 ، ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحه – رقم 127 .
([5] ) هو قول النبي r : )) إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة (( أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الرقاق – باب : من همّ بحسنة أو سيئة – رقم 6491 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان – حديث رقم 131 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
([6] ) انظرها في النكت والعيون للماوردي 3/23-25 ، وزاد المسير لابن الجوززي 4/203-207 .
([7] ) انظر المصدرين السابقين .
([8] ) حكم الإمام ابن تيمية على هذه الآثار بقوله : ( وأما ما ينقل من أنه حل سراويله ، وجلس مجلس الرجل من المرأة ، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًا على يده ، وأمثال ذلك ، فكله مما لم يخبر اللّه به ولا رسوله ، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبًا على الأنبياء وقدحًا فيهم ، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفًا واحدًا .) انظر مجموع فتاوي شيخ الإسلام 10/297 .
([9] ) انظر جامع البيان 16/34-39 .
([10] ) سبق تخريجه قريباً .
([11] ) انظر المحرر الوجيز 7/476-479 .
([12] ) انظر قول الواحدي في الوسيط 2/607-608 ، فقد ذكر ما ذكره في البسيط .
([13] ) انظر التفسير الكبير 18/92-96 . وفي كلامه مبالغة في القدح والسب لمن خالفه.
([14] ) في هذا الاستدلال نظر ؛ فليس كل من أوحي إليه نبياً .
([15] ) انظر الجامع لأحكام القرآن 9/165-168 .
([16] ) انظر البحر المحيط 6/257-258 .
([17] ) انظر تفسير القرآن العظيم 4/1835-1836 .
([18] ) انظر التحرير والتنوير 12/252-253 .
([19] ) انظر معاني القرآن 3/411-414 .
([20] ) انظر الوسيط 2/607-608 .
([21] ) نقل قوله هذا بعض المفسرين ، ومنهم النحاس في معاني القرآن3/ 413 ، وقد علّق عليه بقوله : ( وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بيّن لمن لم يمل إلى الهوى . )
([22] ) معالم التنزيل 4/231 .
([23] ) نقل قوله الآلوسي في روح المعاني 12/215 .
([24] ) أحكام القرآن 3/46-47 .
([25] ) التسهيل لعلوم التنزيل 2/214 .
([26] ) انظر أضواء البيان 3/53 .
([27] ) وهذه قاعدة مهمة في الحكم على الإسرائيليات في التفسير ، نص عليها الإمام ابن تيمية رحمه الله في كلامه السابق في الحكم على هذه الآثار ، وهي أن الأخبار عن الأنبياء السابقين إذا لم تثبت في القرآن ولا في السنة فهي مأخوذة عن أهل الكتاب ، وخاصة اليهود .
([28] ) انظر هذه القاعدة في كتاب قواعد التفسير للدكتور خالد السبت 1/206 -207 . وقد ذكر هذه الآية مثالاً لهذه القاعدة .
([29] ) انظر قواعد الترجيح للدكتور حسين الحربي 1/328-336 . وقد ذكر هذه الآية من الأمثلة على القاعدة .
([30] ) انظر كتاب الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة ص220-229 .[/align]
قال ابن القيم في سياق بيانه لعفاف يوسف عليه السلام :
( فإن قيل : فقد هم بها ، قيل عنه جوابان :
أحدهما : أنه لم يهم بها ، بل لولا أن رأى برهان ربه لهمّ . هذا قول بعضهم في تقدير الآية .
والثاني - وهو الصواب - : أن همّه كان همَّ خطرات ، فتركه لله ، فأثابه الله عليه ، وهمّها كان هم إصرار ، بذلت معه جهدها ، فلم تصل إليه ؛ فلم يستوِ الهمّان .
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه : الهمّ همّان : هم خطرات ، وهم إصرار ؛ فهم الخطرات لا يؤاخذ به ، وهم الإصرار يؤاخذ به .([1]) )([2])
وقال في موضع آخر - في سياق كلام له عن التقديم والتأخير ، وأن العرب لا يأتون بالتقديم والتأخير إلا حيث لا يلتبس على السامع ، ولا يقدح في بيان مراد المتكلم - : ( وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك ، كما يدعي من التقديم في قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ ، وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها ؛ فهذا أولاً لا يجيزه النحاة ، ولا دليل على دعواه ، ولا يقدح في العلم بالمراد .)([3])
[align=center]الدراسة :[/align]
مسألة همّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز مسألة كثر حولها الكلام ، وتباينت الأقوال في إيضاحها ، واختلفت مواقف المفسرين منها . وقد أفردها بالتصنيف بعض الباحثين .
وقد اقتصر ابن القيم في كلامه السابق على قولين في هذه المسألة :
القول الأول : أنه لم يقع من نبي الله يوسف همّ أصلاً ؛ لأن رؤيته لبرهان ربه منعته من ذلك الهمّ .
القول الثاني : أنه قد همّ بها فعلاً ، ولكنه همّ خطرات ، لا هم عزيمة على الفعل ؛ فهو من قبيل حديث النفس الذي لا يمكن دفعه ، وهو ما لا يؤاخذ به المرء كما صح معنى ذلك في الحديث الصحيح ([4])، بل إن من ترك هذا الهمّ لله كتب له به حسنة كما ثبت هذا المعنى أيضاً في الحديث الصحيح .([5])
وقد رجح ابن القيم هذا القول ، وذكر أنه الصواب .
وفي معنى هذا الهمّ من يوسف أقوال أخرى ([6])، أشهرها ، وهو القول الثالث : أنه همّه كان من جنس همها ، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل . وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين . ([7])
وفيما يأتي عرض لموقف أئمة التفسير من هذه الأقوال :
اعتمد ابن جرير في تفسيره ما نُقل عن جمهور السلف في تفسير الهم ، حيث قال : ( ومعنى الهمّ بالشيء في كلام العرب : حديث المرء نفسه بمواقعته ، ما لم يواقع .
فأما ما كان من همّ يوسف بالمرأة وهمّها به ، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ...) ثم ذكر الآثار في تفسير ذلك ، ومفادها أن يوسف عليه السلام قد همّ بمواقعتها ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، بعد أن حلت ثيابها ، وحلّ ثيابه .([8])
وهذه الآثار تدل على أن همّه بها كان من جنس همها به .
ولمّا كانت هذه الأقوال دالةً على أن يوسف قد وقع فيما لا يليق ؛ قال ابن جرير : ( فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبيّ ؟ .) ثم أجاب عن ذلك بقوله: ( قيل : إن أهل العلم اختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : كان ممن ابتلي من الأنبياء بخطيئة ، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عزّ وجلّ على وَجَل إذا ذكرها ، فيجدّ في طاعته إشفاقاً منها ، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته .
وقال آخرون : بل ابتلاهم الله بذلك ليعرّفهم موضع نعمته عليهم ، بصفحة عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة .
وقال آخرون : بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله ، وترك الإياس من عفوه عنه إذا تابوا. )
وبعد هذا قرر أن من قال بغير ذلك فقد خالف أقوال السلف ، وتأول القرآن برأيه . وذكر أنهم اختلفوا في معنى الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن معنى الآية : ولقد همت المرأة بيوسف ، وهمّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به مما أرادته من المكروه . قالوا : والشاهد على صحة ذلك قوله : ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ قالوا : فالسوء : هو ما كان همّ به من أذاها ، وهو غير الفحشاء .
والقول الثاني : هو القول الأول الذي ذكره ابن القيم .
وقد بيّن ابن جرير أن هذين القولين فاسدان لعلتين :
العلة الأولى : أن العرب لا تقدم جواب «لولا» قبلها ، لا تقول : لقد قمت لولا زيد ، وهي تريد : لولا زيد لقد قمت .
والعلة الثانية : خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله .
والقول الثالث : هو القول الذي رجحه ابن القيم ، غير أن جعل الهمين نوعاً واحداً ، وهو أنه الميل الذي بين الفعل والترك ، لا هم العزيمة والإرادة .
ولم يعلق على هذا القول بشيء يخصه .([9])
وذكر ابن عطية ثلاثة أقوال : قول ابن جرير ، والقول الذي رجحه ابن القيم ، والثالث: أن المراد : هم أن يضربها . وقد حكم على هذا القول بأنه ضعيف البتة . ثم قال : ( والذي أقول في هذه الآية : إنّ كون يوسف نبياً في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولا تظاهرت به رواية؛ وإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أوتي حكماً وعلماً ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته ، وإن فرضناه نبياً في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حلّ تكة ، ونحو ذلك لأن العصمة مع النبوة . ...
وللهم بالشيء مرتبتان : فالأولى تجوز عليه مع النبوة ، والثانية الكبرى لا تقع إلا من غير نبي ؛ لأن استصحاب خاطر المعصية والتلذذ به معصية تكتب ، وقول النبي r )) إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تنطق به أو تعمل(( ([10])
معناه : من الخواطر ، وأما استصحاب الخاطر فمحال أن يكون مباحاً ، فإن وقع فهو خطيئة من الخطايا ، لكنه ليس كمواقعة المعصية التي فيها الخاطر ... والإجماع منعقد أن الهم بالمعصية، واستصحاب التلذذ بها غير جائز ولا داخل في التجاوز .) ([11])
وأما الرازي فقد بدأ بذكر قول الواحدي في البسيط ، قال : ( قال الواحدي في كتاب «البسيط» : قال المفسرون الموثوق بعلمهم ، المرجوع إلى روايتهم : همّ يوسف أيضاً بهذه المرأة هماً صحيحاً ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة ، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه .) ثم نقل بعض الآثار التي أورده الواحدي ، ثم قال : ( ثم إن الواحدي طوّل في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب ، وما ذكر آية يحتج بها ، ولا حديثاً صحيحاً يعول عليه في تصحيح هذه المقالة ، وما أمعن النظر في تلك الكلمات العارية عن الفائدة .... ثم قال [ أي الواحدي ] : والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء عليهم السلام وارتفاع منازلهم عند الله تعالى من الذين نفوا الهم عنه . فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب .)([12])
ثم شنّع عليه ، وعلى القائلين بأن يوسف عليه السلام قد همّ بامرأة العزيز هماً صاحَبَه بعض مقدمات الفاحشة ، ورجح أنه عليه السلام كان بريئاً عن العمل الباطل ، والهمّ المحرم . قال : ( وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين ، وبه نقول وعنه نذب .) ثم بيّن ذلك بياناً حسناً ، وذكر أن الآيات الكريمة تدل على براءته من كل ما نسب إليه من عدة وجوه .
ثم ذكر أن في تفسير همّ يوسف المذكور في الآية ثلاثة أقوال صحيحة :
القولان اللذان ذكرهما ابن القيم ، والثالث : المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ، ومنعِها عن ذلك القبيح ؛ لأن الهم هو القصد ، فوجب أن يحمل في حق كل أحد على القصد الذي يليق به . فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتمتع ، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته ، وإلى الأمر بالمعروف النهي عن المنكر ؛ يقال : هممت بفلان أي بضربه ودفعه .
وقد ذكر خلال ذلك ما يرد على كل قول من هذه الثلاثة من إشكالات ، وأجاب عليها، وبيّن أنه لا حجة لمن ضعف شيئاً منها .
ثم ختم كلامه بقوله : ( فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف ، وتعديد أسماء المفسرين ، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك القول شبهةً لأجبنا عنها ؛ إلا أنه ما زاد على الرواية عن بعض المفسرين ... ومن الذي يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين ؟! . والله أعلم .)([13])
ونقل القرطبي الأقوال عدة أقوال في بيان معنى الآية ، ومنها الأقوال السابقة . وقد حكم على القول الذي رجحه ابن القيم بأنه قول حسن ، ثم نقل قول ابن عطية السابق ، وقال بعده: ( قلت: ما ذكره من هذا التفصيل صحيح ؛ لكن قوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ﴾ (يوسف: من الآية15) يدلّ على أنه كان نبيًّا ..([14]) ، وهو قول جماعة من العلماء ؛ وإذا كان نبيّاً فلم يبق إلاّ أن يكون الهمّ الذي همّ به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر ؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلَّف على دفعه .)([15])
وصرح أبو حيان برأيه في هذه المسألة من البداية ، فقال : ( طوّل المفسرون في تفسير هذين الهمين ، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق . والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : لقد قارفت لولا أن عصمك الله...) ، ثم بيّن الخلاف في مسألة تقدم جواب "لولا" عليها ، وذكر أنه وإن كان جائزاً عند جماعة من النحويين ، إلا أنه لا يقول به هنا ، بل يقول : إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه .
ثم بيّن موقفه من أقوال السلف في تفسير هذه الآية ، فقال : ( وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاًر، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ؛ لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً ، ولا يدل عليه دليل ، لأنهم لم يقدروا "لهم بها"، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ، لأنّ ما قبل الشرط دليل عليه ، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه .
وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره ، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب ، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة ، وبراءة يوسف عليه السلام من كل ما يشين . )([16])
ولم يجزم ابن كثير برأي صريح في هذه المسألة ، واقتصر على الإشارة إلى أشهر ما قيل في معنى هذا الهمّ من أقوال .([17])
ووافق ابنُ عاشور أبا حيان فيما ذهب إليه ، وذكر بعض ما يحسن الوقوف عليه هنا ، فقال : ( وجملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ معطوفة على جملة ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ كلها ، وليست معطوفة على جملة ﴿ هَمَّتْ ﴾ التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام ؛ لأنه لما أردفت جملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ بجملة شرط ﴿ لَوْلاَ ﴾ المتمحض لكونه من أحوال يوسف - عليه السّلام - وحْده ، لا من أحوال امرأة العزيز ؛ تعين أنه لا علاقة بين الجملتين ، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير : ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها ، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به ... فيحسن الوقف على قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ ليظهر معنى الابتداء بجملة ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ واضحاً . وبذلك يظهر أن يوسف - عليه السّلام - لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان. ) ([18])
وبعد هذا العرض يتبين للقارئ أن المفسرين قد انقسموا لى قسمين في هذه المسألة :
القسم الأول : أثبتوا وقوع الهم من يوسف عليه السلام ، وهؤلاء فريقان :
الفريق الأول : ذهب إلى أن همّه بها كان من جنس همها به ، وأنه كاد أن يواقعها لولا أن الله عصمه ، وصرفه عن السوء والفحشاء . وقد اعتمد هذا القول – إضافة إلى ابن جرير – النحاس ([19])، والواحدي ([20]). وقد قرره قبلهم الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام ، فقال : ( وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف r لم يهمّ بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ ، قال ثم استأنف فقال : ﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾، بمعنى : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، واحتج بقوله : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ (يوسف: من الآية52) ، وبقوله : ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ ﴾(يوسف: من الآية25) . وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه همّ بها ، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيماً للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم .)([21])
والفريق الثاني : أثبت هماً وقع من يوسف عليه السلام بامرأة العزيز ، ولكنه همّ خطرات ، وحديث نفس . وهذا الهمّ لا يُكلف به العبد ؛ لأنه خارج عن قدرته .
وقد اختار هذا القول كل من ابن عطية ، والقرطبي . وقد نسبه البغوي إلى بعض أهل الحقائق ، فقال : ( وقال بعض أهل الحقائق : الهمّ همان :
هم ثابت ، إذا كان معه عزم وعقد ورضى ، مثل هم امرأة العزيز . والعبد مأخوذ به.
وهم عارض ، وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، مثل هم يوسف عليه السلام . والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل .) ([22])
وقد علّق على قوله هذا الطِّيبي ، وقال : ( إن هذا التفسير هو الذي يجب أن نذهب إليه ونتخذه مذهباً - وإن نقل المفسرون ما نقلوا - ؛ لأن متابعة النص القاطع ، وبراءة المعصوم عن تلك الرذيلة ، وإحالة التقصير على الرواة أولى بالمصير إليه . على أن أساطين النقل المتقنين لم يرووا في ذلك شيئاً مرفوعاً في كتبهم ، وجل تلك الروايات بل كلها مأخوذ من مسألة أهل الكتاب .)([23]) .
وقد ذكر ابن العربي ما يدل على ترجيحه لهذا القول ، وشنّع على من خالفه بقوله تعليقاً على قول الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ (يوسف:22) : ( وهذا إنما بيّن الله به حال يوسف من حين بلوغه بأنه آتاه العلم , وآتاه العمل بما علم ; وخبر الله صادق , ووصفه صحيح , وكلامه حق , فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا ، وتحريم خيانة السيد أو الجار أو الأجنبي في أهله , فما تعرض لامرأة العزيز , ولا أناب إلى المراودة ; بل أدبر عنها , وفر منها ; حكمة خص بها , وعملاً بمقتضى ما علمه الله سبحانه . وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس والغفلة من العلماء في نسبتهم إليه ما لا يليق به , وأقل ما اقتحموا من ذلك أنه هتك السراويل , وهم بالفتك فيما رأوه من تأويل , وحاش لله ما علمت عليه من سوء , بل أبرئه مما برأه منه , فقال : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ , كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الذين استخلصناهم . والفحشاء هي الزنا ، والسوء هو المراودة والمغازلة ؛ فما ألمّ بشيء ولا أتى بفاحشة .
فإن قيل : فقد قال الله : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾ ؟
قلنا : قد تقصينا عن ذلك في كتاب الأنبياء من شرح المشكلين , وبينا أن الله سبحانه ما أخبر عنه أنه أتى في جانب القصة فعلاً بجارحة , وإنما الذي كان منه الهمّ , وهو فعل القلب ؛ فما لهؤلاء المفسرين لا يكادون يفقهون حديثاً , ويقولون : فعل , وفعل ؟! واللهُ إنما قال : ﴿ هَمَّ بِهَا ﴾ . لا أقالهم ولا أقاتهم الله ولا عالهم .)([24])
وممن رجح هذا القول كذلك : ابن جزي ، قال : ( والصواب إن شاء الله أنها همت به من حيث مرادها ، وهم بها كذلك ، لكنه لم يعزم على ذلك ، ولم يبلغ إلى ما ذُكر من حل التكّة وغيرها ، بل كان همُّه خطرةً خطرت على قلبه لم يطعها ولم يتابعها ، ولكنه بادر بالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة حتى محاها من قلبه لما رأى برهان ربه . ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء ؛ لأن الهمّ بالذنب ليس بذنب ، ولا نقص عليه في ذلك فإنه من هم بذنب ثم تركه كتبت له حسنة .)([25])
والقسم الثاني : نفوا وقوع الهمّ من يوسف عليه السلام ؛ فلم يقع منه همّ أصلاً عندهم لرؤيته برهان ربه . وقد تبنى الرازي أصل هذا القول ، وقرره أبو حيان ، وابن عاشور كما سبق .
وذكر الشنقيطي أن ما قرره أبو حيان هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية ، قال : ( لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب : أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ... وعلى هذا القول : فمعنى الآية : وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ، أي : لولا أن رآه همّ بها . فما قبل ﴿ لَوْلاَ ﴾ هو دليل الجواب المحذوف ، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ (القصص: من الآية10) فما قبل ﴿ لَوْلاَ ﴾ دليل الجواب ، أي : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به .) ([26])
[align=center]النتيجة : [/align]
الذي ظهر لي من هذه الدراسة أن تبرئة نبي الله يوسف عليه السلام من كل ما نسب إليه في الآثار التي أوردها ابن جرير وغيره هو المتعين ، وهو اللائق بمقام الأنبياء عليهم السلام .
ثم إن هذه الآثار – إن ثبتت عن قائليها من السلف – مأخوذة من أهل الكتاب ؛ لأنه لم يثبت شيء منها في كتاب ، ولا سنة .([27])
وإذا تقرر هذا ؛ فإن الأمر في توجيه معنى الآية يسير ، وهو لا يخرج عن المعنيين اللذين ذكرها ابن القيم ؛ وترجيح ابن القيم أقرب إلى الصواب في نظري ؛ لأن الله U أثبت في الآية هماً وقع من يوسف عليه السلام ، ثم صرف عنه هذا الهمّ بعد رؤيته لبرهان ربه .
ولو كان يوسف لم يهمّ أصلاً لما كان لذكر همّه في الآية فائدة ظاهرة . والله أعلم .
تنبيهات :
التنبيه الأول : سبب الخلاف :
للخلاف هنا عدة أسباب ، أهمها :
الاختلاف بين المفسرين في مفهوم عصمة الأنبياء عليهم السلام .
الاختلاف النحوي بين المفسرين في مسألة تقدم جواب لولا .
الاختلاف في احتمال الآية للتقديم والتأخير .
التنبيه الثاني : تنازع هذا المثال أكثر من قاعدة تفسيرية :
القاعدة الأولى : تفسير السلف للقرآن وفهمهم له حجة على من بعدهم .([28])
القاعدة الثانية : القول الذي يعظّم مقام النبوة ، ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية .([29])
فابن جرير ومن وافقه اعتمدوا القاعدة الأولى ، ورجحوا بها ، وغيرهم من المفسرين اعتمدوا القاعدة الثانية ورجحوا بها .
ولذلك صارت هذه الآية من الآيات التي أشكل فهمها .
التنبيه الثالث : ما نقل من روايات في تفسير هذه الآية معدود من جملة الإسرائليات المردودة في كتب التفسير .([30])
الحواشي والتعليقات :--------------------------------------------------------------------------------
([1] ) لم أجده منسوباً إلى الإمام أحمد ، ونسبه البغوي في تفسيره معالم التنزيل 4/231 إلى بعض أهل الحقائق .
([2] ) روضة المحبين ص450 ، وبدائع التفسير 2/446.
([3] ) الصواعق المرسلة 2/716 .
([4] ) هو قول النبي r : )) إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم (( أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، منها ما جاء في كتاب الطلاق – باب الطلاق في الإغلاق والكره – حديث رقم 5269 ، ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحه – رقم 127 .
([5] ) هو قول النبي r : )) إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة (( أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الرقاق – باب : من همّ بحسنة أو سيئة – رقم 6491 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان – حديث رقم 131 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
([6] ) انظرها في النكت والعيون للماوردي 3/23-25 ، وزاد المسير لابن الجوززي 4/203-207 .
([7] ) انظر المصدرين السابقين .
([8] ) حكم الإمام ابن تيمية على هذه الآثار بقوله : ( وأما ما ينقل من أنه حل سراويله ، وجلس مجلس الرجل من المرأة ، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًا على يده ، وأمثال ذلك ، فكله مما لم يخبر اللّه به ولا رسوله ، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبًا على الأنبياء وقدحًا فيهم ، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفًا واحدًا .) انظر مجموع فتاوي شيخ الإسلام 10/297 .
([9] ) انظر جامع البيان 16/34-39 .
([10] ) سبق تخريجه قريباً .
([11] ) انظر المحرر الوجيز 7/476-479 .
([12] ) انظر قول الواحدي في الوسيط 2/607-608 ، فقد ذكر ما ذكره في البسيط .
([13] ) انظر التفسير الكبير 18/92-96 . وفي كلامه مبالغة في القدح والسب لمن خالفه.
([14] ) في هذا الاستدلال نظر ؛ فليس كل من أوحي إليه نبياً .
([15] ) انظر الجامع لأحكام القرآن 9/165-168 .
([16] ) انظر البحر المحيط 6/257-258 .
([17] ) انظر تفسير القرآن العظيم 4/1835-1836 .
([18] ) انظر التحرير والتنوير 12/252-253 .
([19] ) انظر معاني القرآن 3/411-414 .
([20] ) انظر الوسيط 2/607-608 .
([21] ) نقل قوله هذا بعض المفسرين ، ومنهم النحاس في معاني القرآن3/ 413 ، وقد علّق عليه بقوله : ( وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بيّن لمن لم يمل إلى الهوى . )
([22] ) معالم التنزيل 4/231 .
([23] ) نقل قوله الآلوسي في روح المعاني 12/215 .
([24] ) أحكام القرآن 3/46-47 .
([25] ) التسهيل لعلوم التنزيل 2/214 .
([26] ) انظر أضواء البيان 3/53 .
([27] ) وهذه قاعدة مهمة في الحكم على الإسرائيليات في التفسير ، نص عليها الإمام ابن تيمية رحمه الله في كلامه السابق في الحكم على هذه الآثار ، وهي أن الأخبار عن الأنبياء السابقين إذا لم تثبت في القرآن ولا في السنة فهي مأخوذة عن أهل الكتاب ، وخاصة اليهود .
([28] ) انظر هذه القاعدة في كتاب قواعد التفسير للدكتور خالد السبت 1/206 -207 . وقد ذكر هذه الآية مثالاً لهذه القاعدة .
([29] ) انظر قواعد الترجيح للدكتور حسين الحربي 1/328-336 . وقد ذكر هذه الآية من الأمثلة على القاعدة .
([30] ) انظر كتاب الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة ص220-229 .[/align]