عبدالرحيم الشريف
Member
في نهاية كتابة أطروحتي للدكتوراه طلب مني طالب علم نسخةً من المادة العلمية التي جمعتها فيما يختص بشبهات مواقع الإنترنت غير الإسلامية حول القرآن الكريم، وكانت في حوالي 3500 صفحة بحجم A4 ثم أعادها بعد أسبوع، وسألني مازحاً: عشتَ بين هذه الشبهات سنتين ولا زلتَ مسلماً؟
فخطر ببالي أن أكتب هذه الخاتمة للباب الثالث من الأطروحة:
وفي خاتمة هذا الباب، يجب التنبيه إلى أن كثرة الشبهات ودعاوَى وجود أخطاء وتناقضات في القرآن الكريم، من حيث الموضوعات والإعجاز والأسلوب والعلوم المتعلقة به.. لا تدل على حتمية وجود الأخطاء؛ لأن " العدل في الشيء صورة واحدة، والجَور صوَره كثيرة، ولهذا سَهُلَ ارتكاب الجور، وصَعُبَ تحري العدل. وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها؛ فإن الإصابة تحتاج إلى ارتياض وتعاهد، والخطأ لا يحتاج لشيء من ذلك ".([1])
بل الأصل في الدعاة الفرح بمخالفة أولئك القوم لنا، وهذه حكمة الله تبارك وتعالى،
" فمن قدّر أنه يسلم من طعن الناس، وعيبهم فهو مجنون.. من حقّق النظر، وراضَ نفسه [من الرياضة] على السكون إلى الحقائق ـ وإن آلمته في أول صدمة ـ كان اغتباطه بذم الناس إيّاه أشدّ وأكثر من اغتباطه بمدحهم إيّاه؛ لأن مدحهم إياه: إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه العجب، فأفسد بذلك فضائله. وإن كان بباطل فبلغه فسرّه فقد صار مسرورًا بالكذب، وهذا نقص شديد.
وأما ذمُّ الناس إيّاه: فإن كان بحقٍ فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم لايزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل فبلغه فَصَبَرَ ـ اكتسب فضلاً زائدًا بالحِلم والصبر، وكان مع ذلك غانمًا لأنه يأخذ حسنات من ذمّه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء ".([2])
صحيح إن الشبهات المثارة كثيرة، لكن الكثرة لا تعني الصحة، وكثرة أتباع فكرةٍ ما لا تعني بالضرورة صحة ما هم عليه، نعم هم كثير " ولكن الحق لا يتبع الكثرة؛ فإن الحق خفي لا يستقل بدركه إلا الأقلون، والباطل جلي يبادر إلى الانقياد له الأكثرون. وأنتم فقد بنيتم الترجيح على قيام الشوكة بكثرة الأنصار والإشباع، وهذا إنما يستقيم لو كانت الإمامة في أصلها تنعقد باجتماع الخلق على الطاعة ".([3])
إن ظلام الشبهات يزول بنور العلم: فـ " الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكاً؛ لأنه قد رسخ في العلم. فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة ".([4])
[1]) هذا القول منسوب لأفلاطون، انظر: لباب الآداب، أسامة بن منقذ، ص 456.
[2]) الأخلاق والسير، ابن حزم، ص55.
[3]) فضائح الباطنية، الغزالي، ص 174. ويقصد بالجملة الأخيرة: إن الباطل قد تساعده دولة متمكنة (صاحبة شوكة)، فتسخر إمكانياتها لنشره وتأييده، وهذا يكون عاملاً مساعداً لنشر الباطل، ويزيد من غربة الحق وأهله.
[4]) مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية 1/ 140.
فخطر ببالي أن أكتب هذه الخاتمة للباب الثالث من الأطروحة:
وفي خاتمة هذا الباب، يجب التنبيه إلى أن كثرة الشبهات ودعاوَى وجود أخطاء وتناقضات في القرآن الكريم، من حيث الموضوعات والإعجاز والأسلوب والعلوم المتعلقة به.. لا تدل على حتمية وجود الأخطاء؛ لأن " العدل في الشيء صورة واحدة، والجَور صوَره كثيرة، ولهذا سَهُلَ ارتكاب الجور، وصَعُبَ تحري العدل. وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها؛ فإن الإصابة تحتاج إلى ارتياض وتعاهد، والخطأ لا يحتاج لشيء من ذلك ".([1])
بل الأصل في الدعاة الفرح بمخالفة أولئك القوم لنا، وهذه حكمة الله تبارك وتعالى،
" فمن قدّر أنه يسلم من طعن الناس، وعيبهم فهو مجنون.. من حقّق النظر، وراضَ نفسه [من الرياضة] على السكون إلى الحقائق ـ وإن آلمته في أول صدمة ـ كان اغتباطه بذم الناس إيّاه أشدّ وأكثر من اغتباطه بمدحهم إيّاه؛ لأن مدحهم إياه: إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه العجب، فأفسد بذلك فضائله. وإن كان بباطل فبلغه فسرّه فقد صار مسرورًا بالكذب، وهذا نقص شديد.
وأما ذمُّ الناس إيّاه: فإن كان بحقٍ فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم لايزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل فبلغه فَصَبَرَ ـ اكتسب فضلاً زائدًا بالحِلم والصبر، وكان مع ذلك غانمًا لأنه يأخذ حسنات من ذمّه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء ".([2])
صحيح إن الشبهات المثارة كثيرة، لكن الكثرة لا تعني الصحة، وكثرة أتباع فكرةٍ ما لا تعني بالضرورة صحة ما هم عليه، نعم هم كثير " ولكن الحق لا يتبع الكثرة؛ فإن الحق خفي لا يستقل بدركه إلا الأقلون، والباطل جلي يبادر إلى الانقياد له الأكثرون. وأنتم فقد بنيتم الترجيح على قيام الشوكة بكثرة الأنصار والإشباع، وهذا إنما يستقيم لو كانت الإمامة في أصلها تنعقد باجتماع الخلق على الطاعة ".([3])
إن ظلام الشبهات يزول بنور العلم: فـ " الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكاً؛ لأنه قد رسخ في العلم. فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة ".([4])
[1]) هذا القول منسوب لأفلاطون، انظر: لباب الآداب، أسامة بن منقذ، ص 456.
[2]) الأخلاق والسير، ابن حزم، ص55.
[3]) فضائح الباطنية، الغزالي، ص 174. ويقصد بالجملة الأخيرة: إن الباطل قد تساعده دولة متمكنة (صاحبة شوكة)، فتسخر إمكانياتها لنشره وتأييده، وهذا يكون عاملاً مساعداً لنشر الباطل، ويزيد من غربة الحق وأهله.
[4]) مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية 1/ 140.