خواطر في سورة الفاتحة ؟ أمال أبو خديجة

إنضم
24/08/2022
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
52
الإقامة
فلسطين
خواطر في سورة الفاتحة

سورة الفاتحة فاتحة القلوب الهادية الجابرة الشافية المثبته الحامية العاصمة لكل قلب أواب منيب، بين طيات أياتها وسياق موضوعاتها، تحمل الكثير من المعاني، التي تحي القلب وتقوده للوقوف معظما خاشعا بين يدي معبوده سبحانه وتعالى، فأياتها تدور حول محاور متعددة، تبني النفس وسلوكها نحو مزيد في الطاعة والإيمان، وتعيد ترميم ما أصابها من زلات الحياة وأثامها، وتقوى بنيان الذات لتثبت على الحق.

فالبداية بإسم الله الرحمن الرحيم، الذي يتبرك بجلال رحمة الله، وقصد نية العبد في اللجوء إليه وحده سبحانه، أنه الرحمن المتجلي بثبات عظمة رحمته، وامتلاء وجودها في كل شيء، ليحظى في الإقدام بين يديه، والدخول تحت ظلال تلك الرحمات، المتجلية في عنفوان الأفاق والإجلال، متبرك متفرد بصفة الله الرحيم، لتكون رحمة خاصة منه سبحانه لمن شاء من عباده المخلصين، فالرحيم سبحانه تجاوزت رحمته في بلوغها لتحوي كل شيء في حياة المؤمن، ليدخل في رحمته الدائمة الشاملة .

ثم العروج بالدخول ثناءاً وتنزيهاً لله سبحانه، وإكثار حمده الذي اختص به ليلهج المؤمن حمدا لربه في سراء حاله وضرائه، فالعبد قاصر عن معرفة ما يدبر له الرب، فما كان من عطاء ومنع أو نعيم وابتلاء، كلها من فيوضات الخير للعبد من خالقه، وما عليه إلا الثبات بحمده وتنزيهه سبحانه عن كل ما لا يليق به، من شريك وصاحبة وولد سبحانه الواحد الأحد، ويسلم الأمر كله له سبحانه.

فالحمد لا يكون إلا لرب العالمين، الرب الذي يتولى أمر تربتيك من بداية اصطفاء خلقك لتكون شيئا مذكورا، إلى نهاية حياتك وصعود روحك لمن برأها وسواها، الرب الذي يتولى تدبير أمورك ورزقك والقيامة على كل ما يخص حياتك، لتعيش سوياً قادرا على طاعته وعبادته كما أمر سبحانه، الرب لكل ما خلق وبرء، فيحظى من ربوبية عطائه وتربيته ورعايته، المؤمن والكافر، فهو سبحانه أخذ على نفسه، رزق كل ما خلق سبحانه وتعالى.

رب العالمين فليس مقصوراً ليكون رباً لك أيها الإنسان، فليس عالمك الوحيد على هذا الكون، فهو رب كل مخلوق أوجده سبحانه، وما أنت إلا عالم صغير في فلك هذا الكون، الذي يسبح بحمده كل شيء ويسجد له، فالعوالم منها ما علمته والكثير منها جهلته، يبقى في علم الله وتدبيره.

ثم تعود لترتبط بأعظم صفاته سبحانه، صفات الجمال والجلال، الرحمن الرحيم، لتزداد قرباً والتصاقاً برحمته، وتعلم كم عظيم هذا الإله الواحد الأحد، الذي بدأ كلامه وخطابه لك، بصفات الرحمة لا صفات عذاب وانتقام، لتقف بين يديه متذللاً طامعاً، أن تشملك رحماته سبحانه وتعالى، رغم كثر التقصير وكثيرالخطايا، مستحضراً ضعفك وقلة حيلتك، أمام سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.

فمن تعلق برحمة لله سبحانه وتعالى، واستشعرها في وجدانه وحياته، نال من بركاتها لتغمره في صفاته وحركاته.

مالك يوم الدين الذي هيمن بعظمته وسلطانه، فلا مالك للوجود إلا هو سبحانه، وكل شيء سواه عدم، وهو الملك المهين المسيطر بعدله ورحمته وقوته وسلطانه، فكل الملوك عدم أمام ملكه سبحانه، ومالك اليوم الذي يدان به الخلق أجميعن، فهو خالقهم وإليه يرجعون، وعند سلطانه يقف كل سلاطين الأرض وملوكها، لا قيمة لهم وإليه صاغرون، فالعظمة والسلطان والملكوت له وحده تعالى في قوته وسلطانه، فكل مُلك تملكه أيها الإنسان الضعيف، سلطانك محدود عليه، وهو إلى زوال وأخذ منك لا محال، وأي سلطة تملكها لتسود بها العالم، هي محدودة لا قدرة لك بها، أمام سلطة الله وقوته وجبروته.
إن يوم الدين وهو اليوم الذي قدره الله بعلمه المسبق، وبقي في عالم الغيب عن خلقه، فالإيمان بذلك اليوم الذي لا يتبع يوم حياة على الأرض، هو أهم مقومات الإيمان الصادق في قلب العبد، فهذا ما يجعله يسعى نحو طريق الحق، والإجتهاد في العبادة والطاعة، والصبر على الظلم والإبتلاء.

فتعلق العبد المؤمن بمالك أو ملك يوم الدين، يعطيه قوة الثبات والصبر، والمجاهده في سبيل الله، لينال نصيبه وجزاءه من الله يوم الحساب،فإن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها.
ثم تنقل سياق الايات إلى محور التذلل على بابه سبحانه، والطلب منه، بالمعونه والإستعانه به في الأمور كلها، بإياك نعبد وإياك نستعين، معلناً أنك عبد له سبحانه ولا تعبد إلا اياه، فقلبك المخلص المتعبد لله وحده، مدخلا لاستحقاق المعونه وإستصحاب المعية معه سبحانه وتعالى، فتخرج نفسك من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، ولكن الإعانه من الله لا بد أن يسبقها أخذ بكافة الأسباب الممكنه، وخاصة الإقبال بالطاعة الخالصة المخلصه له سبحانه وتعالى، فيقف على بابه ربه، مبتهلاً متذللاً طامعاً في مدده، ليسيرفي ثبات وصبر وشكر تحت ظلال الإيمان، وبمعية الرحمن.

من أثار العبودية الخالصة أنها تحقق للعبد الإعانه والمعية الدائمة مع الله، مما يتحقق من خلالها السعاده له في الدنيا والأخرة، فأي عبادة من العبادات يتوجه بها المؤمن مخلصا فيها لربه، لا بد أن توقع الأثر الإيجابي على حياته وكيانه، فتأتيه بكل ما يبشره بالخير.

ومن أعظم الإعانه من الله لعبده المؤمن، بإعانته على مزيد الهداية في معرفة ربه، والثبات على طريق الحق والصراط المستقيم، والبعد عن الضلال والإضلال.

فالمؤمن يطمع بمزيد هداية لمعرفته ربه، والكشف له عن مزيد أسرار عظمته، والفتح الدائم لطريقه المستقيم، الموصل للنجاة ونهايته بفوز عظيم.

أمام مغريات الدنيا وما يمكن أن يقع بها العبد من زلات، ووقوع في ابتلاءات الفتن، مما يجعله بحاجه دائمة إلى أوقات يريح بها نفسه، ويزكي بها قلبه ووجدانه، ويطهر ذاته مما علق بها، من أثار تلك الزلات والمغريات، بحركاته وسكناته في متاع الدنيا.

يحتاج المؤمن المخلص لربه، لمعية أخرى من أهل الإيمان، تعينه على ثبات قدمه على تلك الطريق، التي أحاطط بها الكثير من المحن والفتن، فالمؤمن وحده يبقى ضعيفاً، يحتاج لإخوته وجماعة من حزبه، عرفت الحق واهتدت إلى صراطه.

فيأتي الطلب من ربه، مستشعراً خشيته وتيسيره بالهدى، إلى صراط من أنعم عليهم، هم أهل الحق وخاصته، بدأ من الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، من محى الله به الكفر وأنار الأرض بنور ربه وهداه، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى نور معرفة ربهم، فكل من اهتدى إلى ذلك الطريق، وثبت عليه، فصبر وصابر في الدفاع عن دين ربه ونصرته، كان من الذين أنعم الله عليهم، وأخصهم عند الله، من حملوا رسالات ربهم، من النبيين والمرسلين، ثم الصديقين وصحابة رسول الله، والشهداء والصالحين، وكل من سار على دربهم، ولحق بالصعود في طريقهم، فأعظم النعم على الإنسان، أن يهديه الله سبحانه لمعرفة دينه وصراطه المستقيم، فيعيش حياته الدنيا، في ظل العبادة الحقه لربه، بعيداً عن إنحرافات البشر، ويكون مع حزب الله المفلحون .
فهذا الطريق أيها الإنسان، ليس محفوفا بالورود والراحة، بل فيه الكثير من التحديات والتضحيات، حتى تنال ما عند الله، فلا بد من الصبر والمصابره والمرابطة على ثغر هذا الطريق، لتحظى بفضل الله ورحمته.

ثم تنتقل سياق الأيات إلى محور ثالث، محور الحماية الرعاية والحفظ من الزيغ والزلل، والإنحراف عن ذلك الصراط، ليطلب العبد من ربه، وهو في حالة خوف ووجل، أن ينال حفظه وحمايته من جماعة الفساد في الأرض، دعاة الكفر والإلحاد والإضلال، من يسعون وراء كتم الحق، وتغير أياته وأحكامه، ليؤتى بما عندهم من أفكار مشوهه، تملأ قلوب العباد بالضلال والبعد عن عبادة الله الواحد الأحد.

هؤلاء هم المغضوب عليهم و الضالين، جماعة استحقت غضب الله عليها، كونها عرفت الحق وحرفته وكتمته، وغيرت فيه وبدلته، وكتبت غيره بأيديها من خواطر الوهم والشهوات، ثم أشاعته بين العباد، فكسبت به الكثر من القلوب والأتباع، وحرمتهم من معرفة ربهم والإستلال إلى عبوديته الحق، فدخل كثير من الناس في حزبهم، وباتو يدافعون عن الباطل، مسلطين سيوفهم إلى قمع الحق، ومحاربة أهله، وصدهم عن الدعوة إلى دين الله الإسلام، ليعش الكثير في ضلال إلى يوم الدين.

فهؤلاء صناديد صناعة الكفر والإلحاد، وكتم الحق وتغيبه عن عقول الناس، لم يكتفوا فقط بالتحريف والتبديل والكتمان، بل سعو في الأرض متنقلين، باذلين الغالي والنفيس، لأجل أن تخرج دعوة التوحيد لله، لتنتشر وتعم أهل الأرض، فكل همهم أن يبقى الناس أجمعين في ضلال ميبن، تحت أتباع أوهامهم، لتسيطر على عقولهم، وتحقق من خلالهم مأربها وشهواتها ومصالحها.
أول من فعل ذلك مما ذكر في كتاب الله، هم أهل الكتاب وخاصة اليهود وأتباعهم من النصارى، لقد بشرت التوارة والانجيل الحقيقية البعيدة عن التحريف، بالكثير من الحقائق، ومنها مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الزمان، فوجدت صفاته صلى الله عليه وسلم، واضحه مبينه عندهم، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لكنهم كانوا أول من كفر بها وحاربه دعوته صلى الله عليه وسلم، ومنعوا أتباعهم ومن تحت سلطانهم من معرفة الحق، والإهتداء إليهم، بتحريفهم الأيات، وتزويرهم للكتب والترحيف لما فيها، فدخلوا في ضلال مبين، واستحقوا غضب الله عليهم ألى يوم الدين.

وكل من سار على تلك الطريق، فحرف وغير وبدل في دين الله، وجاء بشرائع تحكم البشر من عند نفسه، ليحقق فيها مأرب الطمع والمصالح والظلم والضلال، كان من المغضوب عليهم إلى يوم الدين، إذا لم يعود لله تائباً قبل مماته .

أما الضالين هم من سمحوا لأنفسهم أن يستمعوا لهؤلاء المضللين، وصدقوا ما يقولون، واتبعوهم دون محاولة معرفة الحق، أو صدهم عن باطلهم، رغم معرفتهم لحقائق الأمور الكثيرة، لكنهم أثروا أن يتبعوا صناديد الكفر والضلال، فضلوا سبيلهم وحرموا من النجاة، والإهتداء إلى العبودية الحق الخالصة لله، البعيدة عن الشرك، وأن يعبد مع الله شريك، أو أن يوصف الله بما لا يليق به، كما ادعو أن لله ولدا، أو أن عيسى ابن الله، وغير ذلك من ضلالات تزرع في عقول الكثير من الناس، فيضولنهم عن معرفة الطريق الموصل لنجاتهم وفلاحهم في حياتهم الدنيا والأخرة.

فما أكثر المضلين المضضلين في هذا الزمان، الذين يتلاعبون في عقول الأمة، فتحاول إضلالها عن سبيل ربها، وانحراف عقيدتها وسلوكها، ولكن الله حافظ دينه وكتابه ورسالته، فمهما حاولو اضلال الناس، لا بد أن الله ناصر دعوته ودينه، ومهيء من الناس المخلصين إلى معرفة دينه والثبات عليه، والذود عنه بكل قوة.

فالمؤمن بتلاوته سورة الفاتحة، التي حوت الدين كله، وشملت كل شيء تحتاجه نفس المؤمن، ليعيد بناء ذاته، وتزكية نفسه، ورقي روحه، وحمايتها من كل خواطر الضلال والإضلال، لتثبت على الصراط والفلاح، فكانت حكمة الله أن تتلى هذه السورة بأوقات الصلاة المتعدده في يومه، ليعيش معانيها وأثارها كل يوم، فترتاح نفسه ويصلح حاله، ويبقى مطمئناً بجوار رعاية ربه له .

والله المستعان
والحمد لله رب العالمين

أمال ابو خديجة
 
عودة
أعلى