نثار الفوائد
New member
في بداية القرن الماضي، كان في مدينة بنغازي جملة من العلماء ورجال الدين من أهل البلاد، إضافة إلى بعض الشوام والترك على مذهب الأحناف، كان في مقدمة هؤلاء: الشيخ محمد بن عامر وقاضي المدينة ومفتيها مؤسس جمعية الحفاظ على البنات المسلمات (1915ـ1919)، والشيخ محمد رضوان الشويهدي الشاعر، وأستاذ الشاعر أحمد رفيق، والشيخ السنوسي الساقزلي، والفقيه محمد عبدالحفيظ الفزاني، والشيخ إبراهيم حويو، والشيخ خليل الكوافي.. وغيرهم.
كانت الزوايا، والخلاوي في المساجد تشكل إرثاً روحياً حقيقيا، وتمثل منارات ثقافية وعلمية نحو الخير والاصلاح، وفيها يلتقي حفاظ القرآن الكريم، يتلونه ويدرسون أحكامه، ويعلمونه للصغار, وفي تلك الفترة ظلّ التعليم يقتصر في العموم ـ خاصة في بداياته ـ على التعليم والثقافة الدينية في المساجد، التي تمتلئ بها دروب المدينة وضواحيها في سيدي حسين والبركة، وكان هناك عدد كبير من الفقهاء والأئمة الذين كان جلّهم يجيد حفظ القراءات المتواترة، وبعضهم كان يتفنن في ورش أصعب تلك القراءات وأدقها.
وقد كانت بنغازي ذلك الوقت تعج بالفقهاء الأفاضل.. حفظة الكتاب الكريم، وقد وصل عددهم عام 1920 إلى (58) فقيها، وفي عام 1922 (54).. كان هناك الشيخ الشهير محمد الدادسي، الذي حفظ الكثير من أبناء المدينة عليه أيضاً وصار قدوة ومثلاً وصورة متميزة مثل غيره للفقيه العالم ذلك الزمن, والشيخ عبد النبي الترهوني في كتاب (خلوة) جامع بالة، ويعتبر من أوائل المحفظين للقرآن في مدينة بنغازي، ودرس على يديه العديد من رجال المدينة، ومنهم محمود دهيميش, وفي خلوة جامع الوحيشي كان هناك الشيخ محمد السوداني, وإضافة إلى خلوة الجامع فقد فتح الشيخ محمد السوداني "مربوعة" منزله ليلا لتحفيظ القرآن الكريم للطلبة الذين لم يتمكنوا من الدراسة صباحا في الخلوة نظرا لظروف عملهم. في خلوة جامع الحدادة، كان هناك الشيخ محمد السوسي، وهو المعروف بالفقيه السوسي. وقد اشتهر بالحزم والشدة أثناء تدريسه للطلاب وهو من المغرب الأقصى, ودرس على يدي الفقيه السوسي الكثير من الطلبة الذين حفظوا القرآن على يديه ونذكر منهم: الشيخ الطيب النعاس والشيخ علي قرقوم والشيخ محمد العلاقي والشيخ رمضان بن زبلح والشيخ ابراهيم رشيد والمحامي سليمان الفيتوري, وخلوة الشيخ كفيف البصر أحمد بازامة الذي اشتهر بعلمه الواسع في الفقه والمذاهب الإسلامية والتاريخ الإسلامي, وخلوة الشيخ عمر الهمامي في جامع النخلة بشارع بن عمران، وأشتهر بدروسه في الفقه والنحو والصرف، والشيخ الهمامي من علماء تونس الأفاضل اشتهر بغزارة علمه. وخلوات اخرى مثل خلوة الشيخ عثمان الجهاني، في جامع المكحل بشارع الحمام، خلوة الشيخ معتوق العمارى، في جامع بوغولة بمنطقة البركة، وخلوة الشيخ محمد بوظهير في جامع المكحل في شارع الحمام. وفي سنوات الخمسينيات من القرن الماضي كانت مربوعة منزل الشيخ فرج بوعود في منطقة اخريبيش مفتوحة لطلاب العلم وحفظ القرآن الكريم, وبعد انتقاله للسكن في منطقة الفويهات، افتتح في منزله خلوة لتحفيظ القرآن الكريم ودراسة الفقه وأحكام التجويد.
(ويتحدث كاتب المقال عبد السلام الزغيبي عن نفسه فيقول)
أذكر أنني درستُ في كتاب جامع العقيب، الذي يقع في شارع العقيب، (شيد هذا المسجد ابراهيم بن يعقوب خلال القرن الثامن عشر الميلادي)، مع الفقي حمد، وفي كتاب جامع السنوسية (قصر حمد الذي يقع في شارع قصر حمد)، مع الفقي عمران، وكان هذا المسجد يعرف باسم الزاوية السنوسية وقد تم تأسيسه عام 1870م) كنا نفترش الحصير ويمسك كل واحد منا لوحه الخشبي، يقرأ منه سور القرآن, كانت طريقة التعلّم ووسيلته هي الكتابة على اللوح بلوح القصب، ومحوه بالطفلة، الموجودة في غرفة خاصة جانبية، داخل الجامع, وكان الفقي يعلمنا طريقة تهجئة حروف اللغة العربية كمفتاح لتعلم النطق الصحيح وقراءة آيات القرآن الكريم، ونحن نردد وراءه..
(أليف لا شيء عليه.. والباء وحده من تحت.. التاء أتنين من فوق، الثاء ثلاثة من فوق، الجيم واحد من تحت، الحاء لا شي عليه، وهكذا..)
وفي اليوم التالي، اللي حافظ يسمع، واللي يغلط أو يقوم بمشاغبة الآخرين، فالأمر عند ذلك لا يخلو من الشدة، فالعصا الغليظة والفلقة في انتظاره، والألم لا يحتمل..
وكان هناك ما يعرف بالختمة، وهي عند ختمة كل جزء من اجزاء القرآن يقام احتفال بسيط بالمناسبة, ولما كانت أحوال سكان مدينة بنغازي كغيرها من المدن الليبية تمر بظروف صعبة من الفقر وشظف العيش فقد كان محفظ القرآن ( الفقي) ذاك الوقت يعلم الأطفال في الجوامع مقابل أجر زهيد يطلقون عليه (حق الإربعاء)، وهو عبارة عن قرش واحد أو قرشين أو بيضة، يأتي بها الطالب إلى الفقي، يوم الإربعاء من كل أسبوع.
وفي يوم الخميس، نخرج مبكرين( نسرح بدري)، وخلال انصرافنا، نردد هذه الأهزوجة:
(سلم سيدي سرحنا.... حط عظامه في الجنة
والجنة مفتوحة.... فيها قلم ولوحة
يا صغار ويا كبار.... صلوا على الهادي المختار
كل عشية وكل نهار.... محمد شارق الأنوار
بقلم/ عبد السلام الزغيبي
المصدر: أخبار ليبيا http://www.libyaakhbar.com/libya-news/23361.html\
كانت الزوايا، والخلاوي في المساجد تشكل إرثاً روحياً حقيقيا، وتمثل منارات ثقافية وعلمية نحو الخير والاصلاح، وفيها يلتقي حفاظ القرآن الكريم، يتلونه ويدرسون أحكامه، ويعلمونه للصغار, وفي تلك الفترة ظلّ التعليم يقتصر في العموم ـ خاصة في بداياته ـ على التعليم والثقافة الدينية في المساجد، التي تمتلئ بها دروب المدينة وضواحيها في سيدي حسين والبركة، وكان هناك عدد كبير من الفقهاء والأئمة الذين كان جلّهم يجيد حفظ القراءات المتواترة، وبعضهم كان يتفنن في ورش أصعب تلك القراءات وأدقها.
وقد كانت بنغازي ذلك الوقت تعج بالفقهاء الأفاضل.. حفظة الكتاب الكريم، وقد وصل عددهم عام 1920 إلى (58) فقيها، وفي عام 1922 (54).. كان هناك الشيخ الشهير محمد الدادسي، الذي حفظ الكثير من أبناء المدينة عليه أيضاً وصار قدوة ومثلاً وصورة متميزة مثل غيره للفقيه العالم ذلك الزمن, والشيخ عبد النبي الترهوني في كتاب (خلوة) جامع بالة، ويعتبر من أوائل المحفظين للقرآن في مدينة بنغازي، ودرس على يديه العديد من رجال المدينة، ومنهم محمود دهيميش, وفي خلوة جامع الوحيشي كان هناك الشيخ محمد السوداني, وإضافة إلى خلوة الجامع فقد فتح الشيخ محمد السوداني "مربوعة" منزله ليلا لتحفيظ القرآن الكريم للطلبة الذين لم يتمكنوا من الدراسة صباحا في الخلوة نظرا لظروف عملهم. في خلوة جامع الحدادة، كان هناك الشيخ محمد السوسي، وهو المعروف بالفقيه السوسي. وقد اشتهر بالحزم والشدة أثناء تدريسه للطلاب وهو من المغرب الأقصى, ودرس على يدي الفقيه السوسي الكثير من الطلبة الذين حفظوا القرآن على يديه ونذكر منهم: الشيخ الطيب النعاس والشيخ علي قرقوم والشيخ محمد العلاقي والشيخ رمضان بن زبلح والشيخ ابراهيم رشيد والمحامي سليمان الفيتوري, وخلوة الشيخ كفيف البصر أحمد بازامة الذي اشتهر بعلمه الواسع في الفقه والمذاهب الإسلامية والتاريخ الإسلامي, وخلوة الشيخ عمر الهمامي في جامع النخلة بشارع بن عمران، وأشتهر بدروسه في الفقه والنحو والصرف، والشيخ الهمامي من علماء تونس الأفاضل اشتهر بغزارة علمه. وخلوات اخرى مثل خلوة الشيخ عثمان الجهاني، في جامع المكحل بشارع الحمام، خلوة الشيخ معتوق العمارى، في جامع بوغولة بمنطقة البركة، وخلوة الشيخ محمد بوظهير في جامع المكحل في شارع الحمام. وفي سنوات الخمسينيات من القرن الماضي كانت مربوعة منزل الشيخ فرج بوعود في منطقة اخريبيش مفتوحة لطلاب العلم وحفظ القرآن الكريم, وبعد انتقاله للسكن في منطقة الفويهات، افتتح في منزله خلوة لتحفيظ القرآن الكريم ودراسة الفقه وأحكام التجويد.
(ويتحدث كاتب المقال عبد السلام الزغيبي عن نفسه فيقول)
أذكر أنني درستُ في كتاب جامع العقيب، الذي يقع في شارع العقيب، (شيد هذا المسجد ابراهيم بن يعقوب خلال القرن الثامن عشر الميلادي)، مع الفقي حمد، وفي كتاب جامع السنوسية (قصر حمد الذي يقع في شارع قصر حمد)، مع الفقي عمران، وكان هذا المسجد يعرف باسم الزاوية السنوسية وقد تم تأسيسه عام 1870م) كنا نفترش الحصير ويمسك كل واحد منا لوحه الخشبي، يقرأ منه سور القرآن, كانت طريقة التعلّم ووسيلته هي الكتابة على اللوح بلوح القصب، ومحوه بالطفلة، الموجودة في غرفة خاصة جانبية، داخل الجامع, وكان الفقي يعلمنا طريقة تهجئة حروف اللغة العربية كمفتاح لتعلم النطق الصحيح وقراءة آيات القرآن الكريم، ونحن نردد وراءه..
(أليف لا شيء عليه.. والباء وحده من تحت.. التاء أتنين من فوق، الثاء ثلاثة من فوق، الجيم واحد من تحت، الحاء لا شي عليه، وهكذا..)
وفي اليوم التالي، اللي حافظ يسمع، واللي يغلط أو يقوم بمشاغبة الآخرين، فالأمر عند ذلك لا يخلو من الشدة، فالعصا الغليظة والفلقة في انتظاره، والألم لا يحتمل..
وكان هناك ما يعرف بالختمة، وهي عند ختمة كل جزء من اجزاء القرآن يقام احتفال بسيط بالمناسبة, ولما كانت أحوال سكان مدينة بنغازي كغيرها من المدن الليبية تمر بظروف صعبة من الفقر وشظف العيش فقد كان محفظ القرآن ( الفقي) ذاك الوقت يعلم الأطفال في الجوامع مقابل أجر زهيد يطلقون عليه (حق الإربعاء)، وهو عبارة عن قرش واحد أو قرشين أو بيضة، يأتي بها الطالب إلى الفقي، يوم الإربعاء من كل أسبوع.
وفي يوم الخميس، نخرج مبكرين( نسرح بدري)، وخلال انصرافنا، نردد هذه الأهزوجة:
(سلم سيدي سرحنا.... حط عظامه في الجنة
والجنة مفتوحة.... فيها قلم ولوحة
يا صغار ويا كبار.... صلوا على الهادي المختار
كل عشية وكل نهار.... محمد شارق الأنوار
بقلم/ عبد السلام الزغيبي
المصدر: أخبار ليبيا http://www.libyaakhbar.com/libya-news/23361.html\