خطأ اصطلاح (المثلين الصغير) وبابه

إنضم
25 يناير 2013
المشاركات
94
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
يغلب على الظنّ – ولـمَّا أنتهِ من التحقُّق بعدُ – أنَّ الجمزوريّ هو أوّل من أطلقَ مصطلح: (المثلان الصغير وبابه)، بقوله في التحفة:
.............ثمَّ إن سكنْ = أوَّلُ كلٍّ فالصغير سمِّينْ
أو حرِّك الحرفان في كلٍّ فقل = كلٌّ كبيرٌ وافهمنه بالـمُثُل.

وتبعه على ذلك جمهرة المصنّفين في التجويد المتأخرين إلى يومنا هذا، ودَرَج شرّاح التجويد على استخدام تلك المصطلحات (المثلان الصغير – المثلان الكبير – المتجانسان الصغير – المتجانسان الكبير - المتقاربان الصغير – المتقاربان الكبير).
ثم أضاف المتأخرون مصطلحات (المثلان المطلق – المتجانسان المطلق – المتقاربان المطلق، والمتباعدان الصغير – المتباعدان الكبير – المتباعدان المطلق).
ورأيي أنَّ هذه المصطلحات غير صحيحة، لا معنًى ولا لُغةً، فأمَّا مجافاتها للصواب اللغوي فظاهرة إذ كان القياس – على فرض صحتها العلمية – أن تقال بتثنية الوصف: المثلان الصغيران، المثلان الكبيران ...إلخ، ولو قيل فلن تكون صحيحة؛ لأنّ ذلك سيسوِّي بين الساكن والمتحرك.
وقد يُقال: إنَّ المقصود - ها هنا - وصف ذات التماثل لا وصف المثلين، فهو على إرادة: التماثل الصغير – التماثل الكبير – التجانس الصغير – التقارب الصغير ..إلخ. وهذا أيضًا غير صحيح، فضلًا عن أنَّ جمهرة المشار إليهم لم يُصرِّحوا بإرادة ذلك. وإنما قلنا إنّه غير صحيح؛ لأنَّ الكبير لو عادَ وصفًا على التماثل لعنَى أنّه أشدُّ تماثلًا مما يُوصف بالصغير من نوعه، وهذا غير مُراد بالمرّة، ولو أريدَ لوُجِدَ عليه معترَضٌ.
ويبقى أنَّه غير صحيحٍ علميًّا؛ لأنَّ استخدام علمائنا المتقدمين لوصف الكبير والصغير في هذا الباب، إنما كانوا يعنون به الإدغام، لا ذات التماثل والتجانس، فيقولون: الإدغام الكبير، والإدغام الصغير، ويُفصّلون: إدغام المثلين الصغير – إدغام المثلين الكبير ...إلخ. على أنَّ الصغير والكبير في هذا الموضع هما وصفان للإدغام، فالصغير ما سكن فيه أوّل الحرفين (الـمُدغَم)، والكبير ما تحرّك فيه الحرفان: الأول (المدغَم)، والثاني (المدغم فيه)، وفيه عمل أكبر؛ بتسكين الأول المتحرك ثم إدغامه في الثاني، ولذا سُمّي كبيرًا، وهي رواية السوسي عن أبي عمرٍو البصري، ووافقه حمزة في أحرف معدودة؛ على تفاصيل يعرفها المتخصصون في القراءات.
وعلى هذا اجتمعت كلمة من تكلموا في الإدغام سواء مَن أفرده بالتصنيف أو مَن ذَكَره في ثنايا بعض المؤلفات من القرّاء أو اللغويين؛ على اختلاف يسير في توجيه التسمية بالصغير والكبير، وعلى اختلاف في المراد بالمتجانسين والمتقاربين. وسأبسطه لاحقًا – إن شاء الله – في مقامٍ آخر.
وبالجملة؛ فهذا الموضع من الأخطاء العلمية التي حوتها منظومة "تحفة الأطفال" إضافة إلى جملة أخرى من الأخطاء المضمونية والشكلية التي أشرتُ إليها قديمًا في بحث: "تنقيح المنظومات العلمية بين حاجة الدارسين والتوقف في الاستدراك على العلماء؛ دراسة تطبيقية على تحفة الأطفال". وسوف أعود لاحقًا – إن شاء الله – على المسألة بمزيد من التوضيح والتحرير والتنقيح.
وما يعنيني الآن أن أبيّن للإخوة المتحرجين من الاستدراك على العلماء أنَّ هناك فرقًا بين مدارسة النَّظم نظريًّا أو تاريخيًّا؛ وبين اتخاذه وسيلةً لتدريس فنٍّ أو باب من العلم.
فالأول (أعني الدرس التاريخي ونحوه) لابد فيه من إثبات أقوال الناظم كما هي، ولا يجوز تعديلها وإن بان فيها الخطأ؛ لأنَّه يصير تقويلًا للناظم ما لم يقله، وادّعاءً عليه، وهذا ليس من الأمانة العلمية، ويشتدُّ الأمر فداحةً إن كان في المسألة قولانِ، فغيَّر المستدرِك قولَ الناظم ليوافق ما يقول هو به، أو ليسوغ له الاستدلال به. فهذا بالتدليس وناحِه أشبه.
والثاني وهو استدراك الخطأ لغرضٍ تعليميٍّ، فهذا جائزٌ؛ بل قد يكون واجبًا إن كان الخطأ بيّنًا، وهو مما يترتب عليه خللٌ في الفهم أو التطبيق. وهذا الحُكم مشروطٌ بشرطين:
الشرط الأول: أن يبيّن المستدرِك أنَّ هذا استدراكه هو لا قول الناظم؛ حتى لا يُنسبَ قولٌ لغير قائله.
الشرط الثاني: أن يكون الخطأ واضحًا معلومًا عند ذوي الاختصاص، وليس مما تختلف فيه الأقوال، أو مما يمكن تخريجه على مذهبٍ وجيه.
ومعلومٌ أن هذه المنظومات العلمية وسائل لا غايات، فليس من الصواب ولا المنطق في شيءٍ أن تُشوَّهَ الغاية للمحافظة على الوسيلة، وهذه المنظومات في العُرف التربوي التعليمي تسمّى (محتوى)، وليس منطقيًّا عند علماء التربية والتعليم أن يُتّخذ المحتوى إمامًا لـلأهداف، ومن أجل ذلك تواضعوا على ما يُعرف عندهم: بتحليل المحتوى وتقويم المحتوى.
والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى