د محمد الجبالي
Well-known member
خطآن في اعتقاد الناس في [حكم النَّمْص والنامِصَة]
مازلتُ أذكر زميلة ماليزية معلمة، درسَت في جامعة الأزهر، وعلى علم، وكانت ذات خلق ودين، وذات ورع وتقوى، وكنتُ أرى تحت أنفها شعيرات سوداء دقيقة لكنها مرئية للعين، وكان لها حاجبان عريضان غير منتظمين، وهي متزوجة، وكنت أشفق عليها من تلك الشعيرات تحت أنفها وفي حاجبيها، وودتُ لو كلمتُها وقلتُ لها يا أختاه: لا بأس أميطي عن وجهك هذا الأذى، ولقد هَمَمْتُ أكثر من مرة أن أفعل لكني في كل مرة كنتُ أستحي فأُمْسِك ولا أكلمها.
ودعونا نناقش معا النمص والنامصة، وحكم ذلك عند الفقهاء.
لقد انتشر في عصرنا الحالي سوء فهم، وخطآن شائعان في هذه القضية:
[النَّمْص والنامِصَة]:
الخطأ الأول: خطأ لُغوي، خاص بفهم خطأ لمعنى النمص.
الخطأ الثاني: خطأ في الحكم الفقهي للنمص والنامصة.
أما الخطأ اللغوي:
فهو ظن أكثر الناس أن النَّمْص خاص بالحواجب فقط وترقيقها، وهو ليس كذلك، بل هو عام بنِزَعْ ِالشعر من الوجه كله، وليس من الحاجبين فقط.
جاء في لسان العرب: "والنامِصةُ المرأَة التي تُزَيِّنُ النساء بالنَّمْص..قال الفراء: النامِصةُ التي تَنْتِفُ الشعر من الوجه..وامرأَة نَمْصاء تَنْتَمِصُ أَي تأْمرُ نامِصةً فتَنْمِص شعرَ وجهها نَمْصاً أَي تأْخذه عنه بخيط"[1].
جاء في كتاب العين: "امرأة نَمْصَاء، وهي تَتَنَمَّصُ: أي تأمر نامِصَة فَتَنْمَصُ شعر وجهها نَمْصًا، أي تأخذه عنها بخيط فتنتفه"[2].
وفي معجم لغة الفقهاء: "النامصة: من نَمَصَ والنَّمْص: نَتْفُ الشعر، وهو الشعر الدقيق في الوجه"[3].
أما الخطأ الفقهي:
فهو الغفلة عن رأي جمهور العلماء في إباحة النمص إذا كان بغرض إماطة الأذى عن الوجه بما في ذلك الحاجبان، أو بغرض الزينة للزوج.
وإليكم آراء العلماء والفقهاء في النمص:
أما الشافعية فقالوا:
إن كان الوصل أو النمص بغرض التدليس على الخاطب طالب الزواج فهو حرام، أما "أَنْ تَكُونَ المرأة ذَاتَ زَوْجٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلزِّينَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا، أَوْ أَمَةً تَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا، فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا"[4]
وقال الحنفية في تأويل لعن النامصة:
"النَّمْصُ: نَتْفُ الشَّعْرِ .. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْهُ لِتَتَزَيَّنَ لِلْأَجَانِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِي وَجْهِهَا شَعْرٌ يَنْفِرُ زَوْجُهَا عَنْهَا بِسَبَبِهِ، فَفِي تَحْرِيمِ إزَالَتِهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لِلنِّسَاءِ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْسِينِ..وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ"[5]. وفي الرجال قالوا: "لا يحلق شعر حلقه، ولا بأس بأن يأخذ شعر الحاجبين وشعر وجهه ما لم يتشبه بالمخنثين"[6] فما بالكم بالنساء؟!
وقال المالكية:
"وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ..جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ شَعْرَ الْحَاجِبِ حَتَّى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ"[7].
وجاء في فتاوى الأزهر:
"جاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "صفحة 877 طبعة الكويت" أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حَفُّ وجهها ونتف شعره .وأرى بعد ذلك أن تزجيج الحواجب ونتف شعر الخدين إن كان برضا الزوج وله ولغير الأجانب، فلا بأس به لعدم التغرير والإغراء الذين نهى عنهما الشرع، أما إن كان الأجنبى سيطلع عليه فهو حرام إن كان للفتنة أو التدليس"[8]
وفي الموسوعة الفقهية:
"وذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز التّنمّص لغير المتزوّجة ، وأجاز بعضهم لغير المتزوّجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب ، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين. قال العدويّ : والنّهي محمول على المرأة المنهيّة عن استعمال ما هو زينة لها ، كالمتوفّى عنها والمفقود زوجها.
أمّا المرأة المتزوّجة فيرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز لها التّنمّص، إذا كان بإذن الزّوج، أو دلّت قرينة على ذلك، لأنّه من الزّينة ، والزّينة مطلوبة للتّحصين، والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها. ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنّها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف ، فقالت : إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن ممّا هما فافعلي"[9].
هذا رأي الجمهور، وخالفهم بعض الحنابلة فقالوا بتحريم النمص، قالوا: "فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه والمنتمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر"[10]
ومما يؤسف له أن المتأخرين في عصرنا هذا تركوا رأي جمهور الفقهاء، وأخذوا بالقول بالتحريم قطعا، بتحريم الأخذ من الحاجبين حتى وإن كانا منتفشين يقبحان وجه المرأة، وإن نفر منها الرجال.
فقد رأى المتأخرون الأخذ بظاهر معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله النامصة والمتنمصة.." وزعموا في ذلك أنه أخذ بالأحوط، وما أراها إلا تضييقا وتعسيرا، وما هم بأفقه من السيدة عائشة رضي الله عنها التي قالت للمرأة التي سألتها: "أميطي عنك الأذى ما استطعت".
ولعل الحق في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، أن تنظيف الوجه من الشعر، بما في ذلك الأخذ من الحاجبين بتهذيبها وتزينهما وتجميلهما من غير مبالغة في ذلك، وبغرض الزينة للزوج لا بأس به، مع الحرص على اجتناب اطلاع الأجانب على تلك الزينة ما استطعن.
وقد أباحه بعض العلماء للفتيات غير المتزوجات إن كان في شعر الحاجبين ما يتسبب في تقبيح الوجه وتنفير الرجال منهن.
هذا والله أعلم
د. محمد الجبالي
[1] لسان العرب، ابن منظر، ج7، ص101
[2] كتاب العين، ج2، ص41
[3] معجم لغة الفقهاء، للقلعجي، ص473
[4] الحاوي الكبير للماوردي، ج2، ص594
[5] رد المختار، فصل في النظر والمس، ج
[6] حاشية الطحاوي على المراقي، ج3، ص182
[7] حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب، ج8، ص140
[8] فتاوى الأزهر، ج9، ص449
[9] الموسوعة الفقهية، ج2، ص4907
[10] الشرح الكبير، لابن قدامة، ج1، ص107
مازلتُ أذكر زميلة ماليزية معلمة، درسَت في جامعة الأزهر، وعلى علم، وكانت ذات خلق ودين، وذات ورع وتقوى، وكنتُ أرى تحت أنفها شعيرات سوداء دقيقة لكنها مرئية للعين، وكان لها حاجبان عريضان غير منتظمين، وهي متزوجة، وكنت أشفق عليها من تلك الشعيرات تحت أنفها وفي حاجبيها، وودتُ لو كلمتُها وقلتُ لها يا أختاه: لا بأس أميطي عن وجهك هذا الأذى، ولقد هَمَمْتُ أكثر من مرة أن أفعل لكني في كل مرة كنتُ أستحي فأُمْسِك ولا أكلمها.
ودعونا نناقش معا النمص والنامصة، وحكم ذلك عند الفقهاء.
لقد انتشر في عصرنا الحالي سوء فهم، وخطآن شائعان في هذه القضية:
[النَّمْص والنامِصَة]:
الخطأ الأول: خطأ لُغوي، خاص بفهم خطأ لمعنى النمص.
الخطأ الثاني: خطأ في الحكم الفقهي للنمص والنامصة.
أما الخطأ اللغوي:
فهو ظن أكثر الناس أن النَّمْص خاص بالحواجب فقط وترقيقها، وهو ليس كذلك، بل هو عام بنِزَعْ ِالشعر من الوجه كله، وليس من الحاجبين فقط.
جاء في لسان العرب: "والنامِصةُ المرأَة التي تُزَيِّنُ النساء بالنَّمْص..قال الفراء: النامِصةُ التي تَنْتِفُ الشعر من الوجه..وامرأَة نَمْصاء تَنْتَمِصُ أَي تأْمرُ نامِصةً فتَنْمِص شعرَ وجهها نَمْصاً أَي تأْخذه عنه بخيط"[1].
جاء في كتاب العين: "امرأة نَمْصَاء، وهي تَتَنَمَّصُ: أي تأمر نامِصَة فَتَنْمَصُ شعر وجهها نَمْصًا، أي تأخذه عنها بخيط فتنتفه"[2].
وفي معجم لغة الفقهاء: "النامصة: من نَمَصَ والنَّمْص: نَتْفُ الشعر، وهو الشعر الدقيق في الوجه"[3].
أما الخطأ الفقهي:
فهو الغفلة عن رأي جمهور العلماء في إباحة النمص إذا كان بغرض إماطة الأذى عن الوجه بما في ذلك الحاجبان، أو بغرض الزينة للزوج.
وإليكم آراء العلماء والفقهاء في النمص:
أما الشافعية فقالوا:
إن كان الوصل أو النمص بغرض التدليس على الخاطب طالب الزواج فهو حرام، أما "أَنْ تَكُونَ المرأة ذَاتَ زَوْجٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلزِّينَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا، أَوْ أَمَةً تَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا، فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا"[4]
وقال الحنفية في تأويل لعن النامصة:
"النَّمْصُ: نَتْفُ الشَّعْرِ .. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْهُ لِتَتَزَيَّنَ لِلْأَجَانِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِي وَجْهِهَا شَعْرٌ يَنْفِرُ زَوْجُهَا عَنْهَا بِسَبَبِهِ، فَفِي تَحْرِيمِ إزَالَتِهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لِلنِّسَاءِ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْسِينِ..وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ"[5]. وفي الرجال قالوا: "لا يحلق شعر حلقه، ولا بأس بأن يأخذ شعر الحاجبين وشعر وجهه ما لم يتشبه بالمخنثين"[6] فما بالكم بالنساء؟!
وقال المالكية:
"وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ..جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ شَعْرَ الْحَاجِبِ حَتَّى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ"[7].
وجاء في فتاوى الأزهر:
"جاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "صفحة 877 طبعة الكويت" أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حَفُّ وجهها ونتف شعره .وأرى بعد ذلك أن تزجيج الحواجب ونتف شعر الخدين إن كان برضا الزوج وله ولغير الأجانب، فلا بأس به لعدم التغرير والإغراء الذين نهى عنهما الشرع، أما إن كان الأجنبى سيطلع عليه فهو حرام إن كان للفتنة أو التدليس"[8]
وفي الموسوعة الفقهية:
"وذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز التّنمّص لغير المتزوّجة ، وأجاز بعضهم لغير المتزوّجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب ، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين. قال العدويّ : والنّهي محمول على المرأة المنهيّة عن استعمال ما هو زينة لها ، كالمتوفّى عنها والمفقود زوجها.
أمّا المرأة المتزوّجة فيرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز لها التّنمّص، إذا كان بإذن الزّوج، أو دلّت قرينة على ذلك، لأنّه من الزّينة ، والزّينة مطلوبة للتّحصين، والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها. ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنّها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف ، فقالت : إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن ممّا هما فافعلي"[9].
هذا رأي الجمهور، وخالفهم بعض الحنابلة فقالوا بتحريم النمص، قالوا: "فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه والمنتمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر"[10]
ومما يؤسف له أن المتأخرين في عصرنا هذا تركوا رأي جمهور الفقهاء، وأخذوا بالقول بالتحريم قطعا، بتحريم الأخذ من الحاجبين حتى وإن كانا منتفشين يقبحان وجه المرأة، وإن نفر منها الرجال.
فقد رأى المتأخرون الأخذ بظاهر معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله النامصة والمتنمصة.." وزعموا في ذلك أنه أخذ بالأحوط، وما أراها إلا تضييقا وتعسيرا، وما هم بأفقه من السيدة عائشة رضي الله عنها التي قالت للمرأة التي سألتها: "أميطي عنك الأذى ما استطعت".
ولعل الحق في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، أن تنظيف الوجه من الشعر، بما في ذلك الأخذ من الحاجبين بتهذيبها وتزينهما وتجميلهما من غير مبالغة في ذلك، وبغرض الزينة للزوج لا بأس به، مع الحرص على اجتناب اطلاع الأجانب على تلك الزينة ما استطعن.
وقد أباحه بعض العلماء للفتيات غير المتزوجات إن كان في شعر الحاجبين ما يتسبب في تقبيح الوجه وتنفير الرجال منهن.
هذا والله أعلم
د. محمد الجبالي
[1] لسان العرب، ابن منظر، ج7، ص101
[2] كتاب العين، ج2، ص41
[3] معجم لغة الفقهاء، للقلعجي، ص473
[4] الحاوي الكبير للماوردي، ج2، ص594
[5] رد المختار، فصل في النظر والمس، ج
[6] حاشية الطحاوي على المراقي، ج3، ص182
[7] حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب، ج8، ص140
[8] فتاوى الأزهر، ج9، ص449
[9] الموسوعة الفقهية، ج2، ص4907
[10] الشرح الكبير، لابن قدامة، ج1، ص107