خصائص المؤمنين والعاصين في جزء عم

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,565
مستوى التفاعل
12
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
خصائص المؤمنين والعاصين (الفجار) من جزء عم
المرحلة الأولى :
من النبأ إلى الانشاق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى أله وأصحابه أجمعين ، أما بعد
إن من يتأمل خصائص المؤمنين والعاصين في هذه السور يلاحظ أن هذه السورة دارت بين الترغيب والترهيب ولكن الترهيب أشد وأكثر لمناسبة الفئة المخاطبة فهي آيات مكية ، وقد خوطب أناس أكثرهم كفار معاندون مستكبرون فكان الردع والترهيب هو الغالب والأنسب لهم، ولتخويفهم وزجرهم عن كفرهم وعنادهم .
أولا : خصائص أهل الإيمان في هذه السور

من يدقق النظر في ترتيب السور ومناسبة السياق لا يملك إلا أن يقول : إنا سمعنا قرأنا عجبا فيلاحظ أن هناك تدرج في الطرح، وتشويق وتحفيز وبداية ونهاية ، وكأن هذه السور قصة واحدة ، فسبحان من هذا كلامه ، أصدق القائلين: ({أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82)، وقال سبحانه : ({قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88
وكان عملي في هذا المبحث كما يلي

  1. تفسير السورة المذكورة من كتب التفاسير المطولة
  2. دراسة المناسبات بين السور المذكورة
  3. دراسة الرابط بين أخر السورة وأولها
  4. دراسة المناسبة بين أخر السورة وما بعدها
  5. دراسة المناسبة بين أخر الوحدات الموضوعية وما بعدها
  6. دراسة المناسبات بين القسم وجوابه
  7. حصر الآيات التي تخص المؤمنين
  8. حصر الآيات التي تخص العصاة الفجار
  9. دراسة المناسبات بين كل فريق وعلاقة كل موضع بالأخر
  10. وكان المرجع في ذلك كتب التفاسير المطولة المعروفة، وعلم المناسبات وترتيب السورة ، وعلوم القرآن ، وبعض البرامج الفضائية كالتفسير المباشر للفاضل الدكتور عبد الرحمن الشهري، والدكتور مساعد الطيار ، وغيرهم ودروس الدكتور / خالد السبت، ود ، فاضل السمرائي، وكتاب بهجة القراء في حفظ القرآن على منهج السلف إشراف / د سليمان عبد الله أبا الخيل وتأليف نخبة من أعضاء هئية التدريس وغيرهم.
وقد لخصت هذا المبحث من كتابي فيض الكريم في تدبر القرآن العظيم .
ولم أرغب أن أطيل في هذا المقام ، وإنما رغبت الاختصار ، وبيان الخلاصة بأسلوب ميسر بعد تأمل وتدقيق واطلاع .

سائلا الله تعالى أن يجعل ذلك في رضاه ، وأن ينفع به أهل القرآن ، فإن احسنت فمن الله وحده ، المتفضل المنعم ، وإن قصرت فمن نفسير المقصرة والشيطان ، وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين وكتبه أخوكم جمال القرش الرياض / غرة ذي الحجة 1437 هـ
خصائص أهل الإيمان من النبأ إلى الانشقاق
سورة النبأ

ذكرت سورة النبأ جزاء المتقين ، وأطالت السورة في ذكر الجزاء ، سؤال لماذا ؟ تابع ..
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31)حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا(32)وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا(33)وَكَأْسًا دِهَاقًا(34)لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا(35)جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا(36)رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا(37)
سورة النازعات
ثم بيت سورة النازعات حال المؤمنين المتقين عند الموت حيث تسل أرواحهم برفق
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا(2)
لما كان الجزاء عن المتقين في سورة النبأ فيه إطالة وبيان ، فهذا يجعل القارئ يتشوق إليها ويتساءل عندما يقرأ هذا النعيم العظيم للمتقين في سورة النبأ ما خصائصهم؟
فتأتي سورة النازعات بعدها على الترتيب لبيان هذه الصفات صفات المتقين :
فهم أهل الخشية الذين يخافون عظمة ربهم وينهون النفس عن هواها وما حرم الله.

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)
وتختم السورة بأنهم لم ينالوا ذلك إلا بالحرص على الانتفاع وحضور التذكرة
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا(45)
سورة عبس
ثم تأتي سورة عبس بعدها لتوضح نموذجا ممن رغب في التذكرة وحرص على الانتفاع وحضر إليها، وهو عبد الله بن أم مكتوم الذي عاتبه الله بشأنه في قوله عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)
ثم بينت السورة الكريمة جزاء من انتفع بالتذكرة وعمل بها في أخرها بأن وجوههم ستكون مضيئة يوم القيامة مشرقة
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ(38)ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ(39)
سورة التكوير
ثم تأتي سورة التكوير لتبين جزاء صنيعهم فلما كانوا يحرصون على التذكرة ويحضرونها فكان الجزاء من جنس العمل قربت لهم الجنة وأحضرت جزاء صنيعهم.
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ(13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ(14)
ثم تأتي إلى نهاية سورة التكوير لتظهر السورة أن التذكرة لا ينتفع منها إلا من شاءها وحرص عليها.
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(27)لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ(28)
سورة الانفطار
الأبرار في نعيم ، والجزاء هنا بإيجاز ودون إطالة ، سؤال لماذا ؟
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)
سورة المطففين
لم يبين في سورة الانفطار ما هو النعيم، إنما ذكر بإيجاز فهذا يجعل القارئ يتساءل ما هو هذا النعيم، فتأتي سورة المطففين بعدها لتبين ذلك النعيم بإطالة : قال تعالى : كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ(18)وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ(19)كِتَابٌ مَرْقُومٌ(20)يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ(21)إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(22)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(23)تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ(24)يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ(25)خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ(27)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ(28)
ولما كان الكافرون بضحكون من المؤمنين في الدنيا كما ذكر في السورة فكان الجزاء من جنس العمل ضحك المؤمنون من الكفار
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(35)
سورة الانشقاق
ثم جاءت سورة الانشقاق لتبين حال المؤمنين عند أخذ كتابهم ، فهم يأخذون كتابهم بيمنهم تيمنا وتبركا واستبشارا وهم في حالة السرور والفرحة والسعادة
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ(7)فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا(8)وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا(9)
ثم تختم السورة الكريمة سورة الانشقاق بأن هؤلاء المؤمنين في نعيم دائم لا ينقطع.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(25)ويخلص البحث في ذلك بما يلي:
1. دقة ترتيب السورة على النحو الذي هو عليه
2. التدرج في طرح الموضوعات
3. التناسق العجيب بين السور وكأنها وحدة متكاملة
4. التوافق العجيب بين السور وكأنها قصة واحدة
5. الإيجاز في سورة لأجل التشويق بعدها ثم توضيح المبهم
6. الجمع بين الترغيب والترهيب
7. أن الربط بين السور يحتاج الكثير من الجهد لإخراج هذه الكنوز ، وإظهارا لعظمة القرآن الكريم .
وهو مجال عظيم للباحثين يمكن أن ينهلوا منه ويبذلوا فيه الجهد وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
فسبحان من هذا كلامه وسبحان من جعل السور على هذا الترتيب اللهم انفعنا بالقرآن العظيم واجعله لنا شفيعا يوم الدين
من كتاب / فيض الكريم في تدبر القرآن الكريم ، جمال القرش
ومن المراجع التي استفدت منها
· فهم القرآن ومعانيه ، تأليف الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله (المتوفى: 243هـ)
· الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري (معتزلي) تأليف أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
· إعجاز القرآن للباقلاني تأليف أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (المتوفى: 403هـ)
· النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه) تأليف علي بن فَضَّال بن علي بن غالب المُجَاشِعِي القيرواني، أبو الحسن (المتوفى: 479هـ)
· البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان تأليف : محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، (المتوفى: نحو 505هـ)
· (إعجاز القرآن ومعترك الأقران) تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
· مفحمات الأقران في مبهمات القرآن ، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)
· الإكليل في استنباط التنزيل تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
· أسرار ترتيب القرآن تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
· بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيزتأليف مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ)
· فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن تأليف: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي (المتوفى: 926هـ
· الموسوعة القرآنية، خصائص السور تأليف: جعفر شرف الدين
· مناسبات الآيات والسور تأليف: أ. د. أحمد حسن فرحات
· دراسات في علوم القرآن تأليف: محمد بكر إسماعيل (المتوفى: 1426هـ
· أسرار البيان في التعبير القرآني تأليف فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل البدري السامرائي
· لمسات بيانية، تأليف: د فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل البدري السامرائي
· كتب التفاسير المطولة المعروفة
وكتاب بهجة القراء في حفظ القرآن على منهج السلفإشراف / د سليمان عبد الله أبا الخيل وتأليف نخبة من أعضاء هئية التدريس
· ومن البرامج المرئية والسمعية / التفسير المباشر إعداد الدكتور / عبد الرحمن الشهري ، حفظه الله، صوتيات ولقاءت الدكتور / خالد السبت ، والدكتور مساعد الطيار ، والدكتور / فاضل السمرائي حفظهم الله
 
ثانيا : خصائص العصاة والمكذبين من النبأ إلى الانشقاق
(النبأ ، النازعات، عبس، التكوير،الانفطار، المطففين، الانشاق)
إن من يتأمل السور يلاحظ أن ما ذكر بشأن المكذبين والمجرمين والطغاة في هذه السور أكثر عددا ، مقارنة بذكر المؤمنين، وأشد ردعا فهي سور مكية تخاطب أناسا أكثرهم كفار معاندون مستكبرون، غرهم كرم الله وحلمه، فكان الردع والترهيب بما يتناسب مع أفعالهم.
سورة النبأ
لما ذكر الله الله سبحانه في آخر سورة المرسلات قوله :{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }المرسلات50 أي : فبأي كلام بعد كلام الله يؤمنون ، لن يؤمنوا، فلا يمكن إيمانكم أيها المكذبون بغير القرآن الكريم، جاءت سورة النبأ لتهدد هؤلاء المكذبون، بقوله :( كلا سيعلمون)، أي سيعلمون عاقبة تكذيبهم بالقرآن والبعث ، ولكن لماذا لم يذكر العاقبة؟
وذلك لتحفيز القارئ على البحث عن ذلك الجزاء؟ .
قال تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ(1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ(2)الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ(3)كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(4)ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(5)
ثم جاء بعدها في نفس السورة النبأ بيان وإيضاح لهذا التهديد عاقبة تكذبيهم وهو جزاء الطاغين .
قال تعالى : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا(21)لِلطَّاغِينَ مَآبًا(22)لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23)لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا(24)إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا(25)جَزَاءً وِفَاقًا(26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا(27)وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا(28)وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا(29)فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا(30)
ثم انتهت السورة ببيان حالت هذا المكذب الجاحد يوم القيامة وهو يتمنى أن يكون ترابا يوم القيامة فلم يبعث :
قال تعالى : وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا(40)
سورة النازعات
ثم تبتدئ سورة النازعات ببان حال هذا الكافر المكذب بآيات الله والبعث عند موته عند نزع روحه.
قال تعالى وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا(1)
ثم يخاطب الله المكذبين من قريش أن طغيانكم لن يكون بأشد من فرعون حين أهلكة الله وجعله عبرة
قال تعالى هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15)إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(16)اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى(20)فَكَذَّبَ وَعَصَى(21)ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22)فَحَشَرَ فَنَادَى(23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24)فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى(25)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26)
ثم بينت سبب طغيانهم وهو حب الدنيا وإيثارها على الآخرة.
فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)
ثم في نهاية السورة بينت الآيات ندم الطغاة يوم القيامة وحسرتهم بأن الدنيا التي أحبوها وآثروها على الآخرة مرت عليهم وكأنها ساعة.
قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(46)
سورة عبس
ولما بينت الآيات في سورة النازعات أن سبب الطغيان هو حب الدنيا، بين في عبس من علامات ذلك الاستغناء عن ثواب الله
قال تعالى: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)
ثم ردع الكافر بتذكيره بأصل خلقتهم أي : كيف لك أن تستغني عن الله الذي خلقك من نطفة .
قال تعالى: قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)
ثم جاءت نهاية السورة لتبين حال وجوه الكفار أن عليها غبرة، كما كانوا في الدنيا عندما يتلى عليهم آيات الله تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، فكان الجزء من جنس العمل
قال تعالى:وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40)تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41)أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)
سورة التكوير
ثم جاءت سورة التكوير لتبين وقت تحول الوجوه إلى السواد وذلك عند أخذ الكتاب علمت كل نفس ما أحضرت من خير أو شر. فيظهر ذلك على وجوههم.
قال تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ(2)وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5)وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6)وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ(7)وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(10)وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ(11)وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ(12)وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ(13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ(14)
سورة الانفطار
ثم جاء الخطاب في سورة الانفطار لهذا المكذب ما الذي حمله على الاغترار بربه الكريم الجواد
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6)الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ(8)
ثم بين أن سبب ذلك هو التكذيب بيوم المعاد،
قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ(9)وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10)كِرَامًا كَاتِبِينَ(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)
ثم ذكر في نهاية السورة حالهم أنهم باقون في النار لا يخرجون منها
قال تعالى: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ(14)يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ(15)وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ(16)
سورة المطففين
لما ذكر سابقا أن من أسباب الطغيان والمعاصي هو حب الدنيا وإيثارها على الآخرة جاءت سورة المطففين لتبين أن من أثار حب الدنيا كذلك هو ظلم الناس وغشهم كالتطفيف في الميزان.
قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1)الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2)وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3)أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ(4)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(6)
ثم لما كان عادة المكذبين غش الناس وظلمهم، والتضيق عليهم كان الجزاء من جنس العمل فكتابهم في مكان ضيق أسفل الأرض
قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ(7)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ(8)كِتَابٌ مَرْقُومٌ(9)وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(10)الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(11)
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ(12)إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(13)
ثم بيت الآيات أن الإصرار على ارتكاب الآثام المذكورة سابقا ، ، سبب في جعل الران على قلوبهم، ثم حجبهم عن رؤية الله .
قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15)ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ(16)ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ(17)
ثم بينت السورة أن من خصائص المجرمين الاستهزاء بالمؤمنين0 والمفاخرة بالسخرية منهم عندما يرجعون إلى أهلهم.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ(29)وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30)وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ(31)وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ(32)وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ(33)
سورة الانشقاق
ثم جاءت سورة الانشقاق لتبين أن المجرمين كما أنهم كانوا يلون ظهورهم للمؤمنين استخفافا بهم ، وتنابذا بالألقاب فإنهم سيأخذون كتابهم بشمالهم من وراء ظهورهم وهم يدعون على أنفسهم بالهلاك لما عرفوا مصيرهم.
قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ(10)فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا(11)
وَيَصْلَى سَعِيرًا(12)إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا(13)إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ(14)بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا(15)
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، المبحث من كتاب / فيض الكريم في تدبر القرآن الكريم ، جمال القرش
 
خلاصة ما توصل إليه البحث مما سبق طرحة من خلال قواعد للتيسر

النوع الأول : المناسبات بين أخر السورة وأول السورة التي بعدها
القاعدة الأولى: أن يذكر في نهاية سورة فعل ثم يبين عاقبة فاعلة في السورة التي تليها.
مثال ذلك : ما ذكر في آخر سورة المرسلات أنه لا مجال للإيمان بدون القرآن قوله :[ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ]المرسلات50 أي : فبأي كلام بعد كلام الله يؤمنون ، لن يؤمنوا. ثم جاءت سورة النبأ لتهدد هؤلاء المكذبون، بقوله :( كلا سيعلمون)، أي سيعلمون عاقبة تكذيبهم بالقرآن والبعث.
القاعدة الثانية : أن يذكر في نهاية سورة صفة مرغوب فيها بإيجاز ثم يوضحها في السورة التي تليها :
مثال ذلك : ما ذكر في سورة النازعات أنه لن ينتفع بالذكرى إلا من يخشى العاقبة إذا الصفة المرغوب فيها هو أن يكون صاحب خشية . قال تعالى : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا(45) ثم يبين في بداية السورة التي تليها سورة عبس خصائص من رغب في التذكرة وهو السعي والرغبة والحرص والحضور إليها لا مجرد تمني ، فأعطي نموذجا لذلك وهو عبد الله بن أم مكتوم الذي عاتبه الله بشأنه في قوله عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)

النوع الثاني: المناسبة بين السورة نفسها.
القاعدة الأولى : أن يذكر الجزاء بإيجاز ثم يوضح ذلك الجزاء في نفس السورة
مثال ذلك : تهديد المكذب في بداية سورة النبأ ، بدون ذكر العاقبة ،
قال تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ(1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ(2)الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ(3)كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(4)ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(5) ثم جاء بعدها في نفس سورة النبأ بيان عاقبة تكذبيهم وهو جزاء الطاغين . قال تعالى : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا(21)لِلطَّاغِينَ مَآبًا(22)لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23)لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا(24)إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا(25)جَزَاءً وِفَاقًا(26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا(27)وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا(28)وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا(29)فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا(30)
القاعدة الثانية : أن بين أن الجزاء من جنس العمل في نفس السورة
النموذج الأول: في سورة المطففين : ذكر ما يفعله المجرمون من السخرية بالمؤمنين قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ(29)وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30)وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ(31)وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ(32)وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ(33)
وفي آخر سورة المطففين كان الجزاء من جنس العمل ضحك المؤمنون من الكفار قال تعالى : فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(35)
النموذج الثاني : لما كان المطففون يغشون الناس ويضيقون عليهم معاشهم ويظلمونهم كما ذكر في بداية المطففين : ( ويل للمطففين * ... إلخ ) كان الجزاء في نفس السورة أن يكون كتابهم في سجين مكان ضيق أسفل الأرض قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ(7)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ(8)كِتَابٌ مَرْقُومٌ(9)وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(10)الَّذِي نَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(11)
النموذج الثالث: لما استغني المكذب بوجه عن ثواب الله وأعرض عن التذكرة ، قال تعالى: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6) سورة عبس
جاء في نهاية نفس السورة ما ينتظر هؤلاء من سواد وجوههم كما كانوا في الدنيا عندما يتلى عليهم آيات الله تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، فكان الجزء من جنس العمل قال تعالى:وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40)تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41)أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)
القاعدة الثالثة : الترهيب ثم الترغيب في نفس السورة
النموذج الأول : في سورة النبأ لما كان المخاطبون هم كفار ومعاندون بدأ بالترهيب قال تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا(21)لِلطَّاغِينَ مَآبًا(22 ... إلخ ثم رغب بعد ذلك في المقابل بذكر جزاء المتقين : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31)حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا(32(
النموذج الثاني : في سورة النازعات لما كان المخاطبون هم كفار ومعاندون بدأ بالترهيب قال تعالى : (فَأَمَّا مَن طَغَى{37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى{39}... إلخ ثم رغب بعد ذلك في المقابل بذكر جزاء من خاف مقام ربه : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{41}
النموذج الثالث : في سورة المطففين لما كان المخاطبون هم كفار ومعاندون بدأ بالترهيب قال تعالى : (َكلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ{7} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ{8} كِتَابٌ مَّرْقُومٌ{9} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{10} ا ..إلخ ثم رغب بعد ذلك في المقابل بذكر جزاء الأبرار : (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ{18} وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ{19} كِتَابٌ مَّرْقُومٌ{20} يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ{21} إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{22} عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{23} تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{24} .. إلخ
القاعدة الرابعة : الترغيب ثم الترهيب في نفس السورة
النموذج الأول : في سورة عبس لما كان المخاطب في بداية السورة هم من ينتفع بالتذكرة والكلام عن عبد الله ابن أم مكتوم ناسب أن يبدأ بالترغيب قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ{38} ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ{39} ثم الترهيب بعد ذلك في المقابل للمعرض عن التذكرة المستغنى عنها : (َوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{40} تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{41} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{42} )
النموذج الثاني : في سورة الانفطار لما كان المخاطب هم عموم الناس وبعد ذكر أهوال القيامة علمت نفس أي كل نفس ما قدمت وأخرت بدأ بالترغيب بذكر جزاء الأبرار قال تعالى : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{13} ثم الترهيب بذكر جزاء الفجار : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{14} يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ{15}
النموذج الثالث : في سورة الانشقاق لما كان المخاطب هم عموم الناس وبعد ذكر أهوال القيامة في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ{6} بدأ بالترغيب بذكر أهل اليمين قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ{7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً{8} وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً{9} ثم الترهيب بذكر أهل الشمال : (َأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ{10} فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً{11} وَيَصْلَى سَعِيراً{12} إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً{13} إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ{14}

النوع الثالث: المناسبة بين أول السورة وأخرها
القاعدة الأولى : أن يذكر تهديدا ووعيدا في بداية السورة ثم يذكر العاقبة في نهاية السورة
النموذج الأول: تهديد المكذب في بداية سورة النبأ ، بدون ذكر العاقبة ،
في قوله : كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(4)ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ(5) ثم يذكر في نهاية السورة حالته يوم القيامة عندما يرى عاقبة عمله وتكذيبه ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )
النموذج الثاني: تهديد المكذب في بداية سورة النازعات يما ينتظره عند موته في قوله : ( والنازعات غرقا) ، ثم يذكر في نهاية السورة عندما يرى عاقبة عمله من الندم والحسرة ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)
النموذج الثالث: تهديد الكافر الذي لا يرغب في التذكرة في سورة عبس بأنه مستغنى عن ثواب الله في قوله : ( أما من استغنى فأنت له تصدى) ، ثم يذكر في نهاية السورة عقابهم بقوله تعالى ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ) .
النموذج الرابع: تهديد المطففين في بداية سورة المطففين في قوله : ( ويل للمطففين) ، ثم يذكر في نهاية السورة تقريرا لعقابهم بقوله تعالى ( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) .
القاعدة الثانية: أن يذكر الأهوال في بداية السورة ثم يبين في نهاية السورة رسالة العمل
النموذج الأول: في سورة التكوير ذكر أهول القيامة ، من قوله تعالى : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1).........إلى قوله تعالى (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ(13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ(14( .
والرسالة : أن هذه الجنة التي أزلفت لن تصلوا إليها إلا بمعونة الله وتوفيقه، فاعتصموا بالله وحده هو مولاكم نعم المولى ونعم النصير قال تعالى : ( لمن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
النموذج الثاني: في سورة الانفطار في قوله : (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ{1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ{2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ{3} وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ{4} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ{5} )
والرسالة في نهاية السورة هو الاستعداد لهذا اليوم الذي لا ينفع أحد ، فاعتصموا بالله وحده هو مولاكم نعم المولى ونعم النصير أحدا بقوله تعالى ( يوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ{19}

النوع الرابع : المناسبة بين السورة وبين عدة سور بعدها

القاعدة الأولى: أن يذكر جزاء المؤمنين ثم يذكر في السور التي تليها خصائصهم.
ذكرت سورة النبأ جزاء المتقين ، وأطالت السورة في ذكر الجزاء ، ولم يذكر صفاتهم قوله تعالى: .. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا(33) فهذا يجعل القارئ يتشوق إليها ويتساءل عندما يقرأ هذا النعيم العظيم للمتقين في سورة النبأ ما خصائصهم؟
فتأتي بعدها سورة النازعات على الترتيب لتبين هذه الصفات: صفات المتقين : فهم أهل الخشية الذين يخافون عظمة ربهم وينهون النفس عن هواها وما حرم الله قال تعالى : [ .وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)
ثم بين في نفس السورة النازعات أنهم الذين ينفعون بالتذكرة ( إنما أنت منذر من يخشاها)
ثم بين في السورة التي تليها سورة عبس أن من علامات الخشية هو السعي والحضور لطلب التذكرة . قصة الأعمى .
ثم بين في السورة التي تليها سورة التكوير أن التذكرة ينفع منها من شاءها بقلبه ورغب فيها قال تعالى : إنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(27)لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ(28)
ثم بين في السورة التي تليها سورة الانفطار أن من صفاتهم طاعة ربهم والاستجابة لأمره والانقياد لطاعته والتسليم له وهؤلاء هم الأبرار قال تعالى : إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)
القاعدة الثانية: أن يوجز الحديث عن العاقبة ثم تبين في السورة التي تليها
ذكر في سورة الانفطار : جزاء الأبرار أنهم في نعيم بإيجاز ودون إطالة ، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)
نلاحظ : أنه لم يبين في سورة الانفطار ما النعيم الذين ينتظر الأبرار ، إنما ذكر بإيجاز فهذا يجعل القارئ يتساءل ما هذا النعيم؟
فتأتي السورة التي بعدها سورة المطففين لتبين ذلك النعيم الذي ينتظر الأبرار بإطالة : قال تعالى : كَلَّاإِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ(18)وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ(19)كِتَابٌ مَرْقُومٌ(20)يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ(21)إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(22)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(23)تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ(24)يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ(25)خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ(27)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ(28)
القاعدة الثالثة: أن يذكر جزاء العاصين ثم يذكر بعدها خصائصهم.
ذكر في سورة النبأ جزاء الطاغين وأطيل . في قوله تعالى : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا(21)لِلطَّاغِينَ مَآبًا(22)لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23)لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا(24)إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا(25)جَزَاءً وِفَاقًا(26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا(27)وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا(28)وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا(29)فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا(30) فهذا يجعل القارئ يتساءل عندما يقرأ هذا العذاب في سورة النبأ ما خصائصهم؟ فتأتي بعدها سورة النازعات لتبين سبب طغيانهم وهو حب الدنيا وإيثارها على الآخرة. قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)
القاعدة الرابعة : ذكر الوصف وبيان ما يترتب عليها في عدة سور بعدها
مثال ذلك : ذكر في سورة النبأ جزاء الطاغين قي قوله تعالى ( إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مئابا) وبين في سورة النازعات سبب طغيانهم وهو وصفهم بحب الدنيا وإيثارها على الآخرة. قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)
من هنا البداية وإذا ربطنا بينها وبين السور التي تليها سنلاحظ أنها توضح أن حب الدنيا سبب كل خطيئة
بين ذلك في سورة عبس فهو سبب في الاستغناء عن ثواب الله
قال تعالى: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)
وبين في سورة الانفطار فهو سبب في التكذيب بيوم المعاد
قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ(9)وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10)كِرَامًا كَاتِبِينَ(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)
وبين في سورة المطففين فهو سبب في ظلم الناس وغشهم
قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1)ا
وبين في سورة المطففين فهو سبب في السخرية من المؤمنين0 والمفاخرة بالمعاصي قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ(29)وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30)وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ(31)وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ(32)وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ(33)
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،
المبحث من كتاب / فيض الكريم في تدبر القرآن الكريم ، جمال القرش
 
تأمل أسرار ترتيب السور
من سورة ( التكاثر ، إلى الناس)
· بعد أن ذكر في سورة القارعة جزاء من خفت حسناته.. في قوله تعالى ( وأما من خفت موازينه فأمه هاوية) ·
ناسب أن يعقب في سورة التكاثر بذكر أسباب السقوط في الهاوية وهو حب الدنيا والانشغال بها عن قال تعالى : (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر.
·
ثم ناسب أن يعقب في سورة العصر ببيان أسباب النجاة وهو الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر... ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
·
ثم ناسب أن يعقب في سورة الهمزة أن من أسباب الهلاك العيب في الناس والاستعلاء بالمال.. في قوله تعالى ( ويل لكل همزة لمزة)
· ثم ناسب أن يعقب في سورة الفيل بذكر نموذج ممن أهلكهم الله وهو أبرهه وجنوده الذين كانوا أكثر أموالا وعتوا ، قال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ·
ثم عقب في سورة قريش بذكر سبب إهلاك أصحاب الفيل لأجل أمن قريش، ليشكروا نعمه بتوحيده وطاعتهلإيلافِ قُرَيْشٍ ..
· ثم عقب في سورة الماعون بذكر نموذج جحدوا نعم الله وهو المكذبب بالدين، الذي يدفع اليتيم، ولا يحث على طعام المسكين، أرأيت الذي يكذب بالدين ، " ·
ثم عقب في سورة الكوثر بذكر نموذج لأفضل من شكر وخير من خضع لربه محمد × فأكرمة الله بالكوثر ، ودافع عنه بقوله ( إنا أعطيناك الكوثر .. ) ·
ثم عقب في سورة الكافرون بأنه لن يتحقق الإخلاص إلا بالبراءة من الشرك وأهله بقوله: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون..) ·
ثم عقب في سورة النصرالبشارة بقرب اضمحلال الوثنية والشرك واقتراب نصر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا (إذا جاء نصر الله والفتح * ·
ثم عقب في سورةالمسدجزاء المتعدين أمر لله ورسوله، فلن يدفع عنهم مالهم ولا أولادهم من الله شيئا وضرب مثلا بأبي لهب وامرأته، بقوله سبحانه : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) ·
ثم عقب في سورةالأخلاص أنه سبحانه المنزه الغني عن خلقه لأن الواحد المتفرد بالعبادة (قل هو الله أحد .. ) ·
ثم عقب في سورة الفلق إنه سبحانه الذي يلتجأ إليه ويعتصم به من كل شر (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) فالذي أخرج الصباح بعد ليل قادر أن يحفظ عباده ويعافيهم من جميع الشرور ·
ثم عقب في سورة الناس إنه سبحانه القادر على حماية الناس من شر وسوسة الشيطان ، فهو مدبر أمرهم، ومالكهم المتصرف المطلق، ومعبودهم الحق دون سواه (قل أعوذ برب الناس* ملك الناس * إله الناس)
البحث من كتاب فيض الكريم في تدبر القرآن لـ جمال القرش
 
25 فائدة تدبرية في سورة الفاتحة
https://vb.tafsir.net/tafsir52135/#.WQ4VS9QrK0M
فوائد تدبرية من المعوذات
فوائد تدبرية من المعوذات :
فوائد تدبرية من سورة النبأ
تدبر سورة النبأ
فوائد تدبرية من سورة النازعات
تدبر سورة النازعات:
فوائد تدبرية من سورة عبس
https://vb.tafsir.net/tafsir52685/#.WRPUzNQrK0M
فوائد تدبرية من سورة التكوير:
https://vb.tafsir.net/tafsir52689/#.WQ2_ENQrK0M
(20) فائدة تدبرية من سورة الانفطار
https://vb.tafsir.net/tafsir52695/#.WRPU7tQrK0M
رابط نفائس الوقف تلجرام
Join group chat on Telegram
 
عودة
أعلى