خزانة الأدب : تأملات خاصة في ظلال أدب العربية

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

منذ التحقتُ بالدراسة في كلية الشريعة تعلقتُ بالأدب من قراءات متفرقة في كتبه القديمة وبعض المعاصرة ، وكنت أذهل أحياناً عن المحاضرات لاستغراقي في قراءة بعض دواوين الشعر في المكتبة المركزيَّة للكلية . وأذكر يوماً أنني ضحكت دون شعور لبعض نقائض جرير والفرزدق في وسط سكونٍ مخيم على المكتبة والقراء، فنهرني المشرف على المكتبة وكاد يطردني ، وكان أستاذاً مصرياً جليلاً صاحب علم وفضل لا أنساه ، وكان مشرفاً متميزاً على المكتبة المركزية لم أجد بعده مثله في حزمه ومعرفته بكتب المكتبة المركزية، ثم خلف من بعده شباب صغار لا يفرقون بين ديوان أبي تمام ، وديوان المراقبة العامة .
ولا أنسى ذلك الوقت الممتع الذي تعرفتُ فيه على قصيدة تأبط شراً في وصف الغول، وسعادتي الغامرة بمعرفة تلك القصيدة، وكان وقت المحاضرة قد حضر، فترددت بين البقاء لحفظ القصيدة أو كتابتها باليد من الكتاب ، وبين حضور المحاضرة ، وأصبح حالي القائل (اللهم أمي وصلاتي ..) ، فغلبني حب الأدب فبقيت حتى حفظت القصيدة ونقلتها ونقلت شرحها بيدي، ولا أزال حتى الآن أعدُّها من أثمن محفوظاتي، وهذا سر من أسرار الأدب الخالد ، وعلوقه بالنَّفس .
وأذكر أحد الطلاب النابهين الذي درستهم في كلية الشريعة في أول عهدي بالتدريس عام 1415هـ ، وكنتُ أدرسهم مقرر (علوم القرآن) ، وكان من عادتي أن أستوفي شرح المطلوب في أول الوقت ، ثم أدع آخر المحاضرة للأسئلة والأدب . وذات يوم أنشدت الطلاب قصيدة بديع الزمان الهمذاني في وصف الأسد التي قالها على لسان بشر بن عوانة العبدي ضمن المقامة البشريَّة . ومرت الأيام بعد ذلك ، حتى لقيني هذا الطالب الصديق العزيز هذا العام بعد مرور ستة عشر عاماً على ذلك الدرس، فقال : لقد مررتُ على الكليَّة ، فلم أتذكر من أيامها الجميلة إلا تلك المحاضرة وتلك القصيدة البديعة !
ولذلك فإنني سوف أجتهد في هذه السلسلة في ملتقى أهل التفسير أن أروح عن نفسي أولاً، وأترك العنان ليدي وفكري أن يختار ويعلق على بعض الأبيات والقصائد المختارة من الشعر العربي بكافة عصوره ، والوقوف مع بعض الكتب والدواوين والمختارات مع تعليقات شخصية حول هذه المختارات والفوائد .
ولعل في مثل هذه التأملات الأدبية تخفيفاً على أنفسنا من جفاف مسائل الكتب والعلم وجديتها ، إلى أفياء الأدب وظلاله الوارفة ، التي تجد فيها النفس الذواقة متعتها وأنسها وراحتها، وقديماً قيل : نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم، ومع أن المقصود بالأدب أدب النفس والأخلاق ، إلا أن الأدب العربي حسب تجربتي من أقوى ما يعين على تهذيب الأخلاق والتخلق بمكارمها .
وأرجو أن تجد هذه المختارات قبولاً لدى القراء الكرام .
الثلاثاء 2/3/1431هـ
 
(1) كيف يٌكتَبُ الشعرُ ؟ مع شاعر اليمن الكبير محمد محمود الزبيري

(1) كيف يٌكتَبُ الشعرُ ؟ مع شاعر اليمن الكبير محمد محمود الزبيري


دعونا نبدأ مع الشاعر محمد محمود الزبيري رحمه الله (1328-1385هـ) ، شاعر اليمن الأول في العصر الحديث، من يقرأ ديوانه يشعر بروح الشاعرية تتوثب توثباً من خلال الأبيات .
ولد ونشأ الزبيري في في حارة بستان السلطان بمدينة صنعاء باليمن، العاصمة اليمنية العريقة، وبها بدأ تعلمه، ومال إلى الأدب عامة والشعر خاصة ، فدرسه حتى تمكن من نفسه ، فهام به أي هيام . (1)
وأسرة الزبيري من الأسر الصنعانية العريقة التي نبغ فيها قضاة وعلماء وشعراء ، فقد كان جده القاضي لطف الباري الزبيري شاعراً وكان من أسرته أيضاً القاضي لطف الله بن محمد الزبيري من علماء حفظة كتاب الله ومن شعراء اليمن المعروفين ، كما اشتغل والده محمود الزبيري بالقضاء ، فأسرة الزبيري أسرة قضاة ، وكثيراً ما رأينا لقب القاضي مقترناً باسم شاعرنا ولقد حفظ الزبيري القرآن الكريم صغيراً وكان ندي الصوت بالقرآن ، يحب الناس أن يستمعوا إليه وإذا استمعوا إليه أنصتوا وخشعوا وقد أم الناس في صلاتهم وهو لم يزل دون العشرين من عمره .
بدأ دراسته في الكتَّاب ثم بالمدرسة العلية ثم بجامع صنعاء الكبير، وكان هاوياً للمطالعة هواية ملكت عليه لبه ، ونظم الشعر وهو دون العشرين من عمره أيضاً .
وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية انتقل إلى مصر ليتم دراسته ، فالتحق بدار العلوم، وقبل أن يتم دراسته فيها عاد إلى اليمن عام 1941 م وكانت الأوضاع فيها متردية ، استشرى فيها الفقر والمرض ، ولم يقم الحكام بواجبهم نحو مكافحة هذين البلاءين ، وزاد الأمر سوءا انتشار الجهل وانتصار حكام اليمن له ، فأذهل هذا الوضع الزبيري فصرخ متألماً :
[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"] ماذا دهى قحطان ؟ في لحظاتهم = بُؤسٌ وفي كلماتهــــم آلامُ
جهـلٌ وأمراضٌ وظلـمٌ فــادحٌ= ومخافةٌ ومجاعـةٌ و" إِمـامُ"[/poem]
لقد اتسعت الشقة بين الشعب اليمني وحكامه ، وترصد كل منهما الآخر وكان لابد للزبيري أن يسعى لإنقاذ شعبه مما هو فيه ، فسعى إلى إقناع الحكام بالسماح لهذا الشعب المسكين أن ينطلق من قيوده ، وقد بذل كل ما في وسعه لتحقيق الخير لبني وطنه، فمدح الأئمة وأبناءهم ، وصانعهم ولاينهم ، ولكن بلا جدوى، فقد تمكنت في نفوسهم عقيدة راسخة بأن هذا الشعب لا يحكم إلا بالحديد والنار.
ولما يئس من استجابة الحكام لدعوته للإصلاح ، ترك المصانعة وأعلها عليهم حربا ضروسا، سلاحه فيها شعره المتفجر الملتهب، فقد كان يعتقد بأن للقلم في مقاومة الطغيان فعل الحديد والنار، وقد عبَّر عن هذا الاعتقاد نثراً وشعرا فمن ذلك قوله : (كنت أحس إحساسا أسطورياً بأني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان) وفي نفس المعنى يقول شعرا :
[align=center]قوضت بالقلمِ الجبَّارِ مملكةً * كانت بأقطابها مشدودة الطنبِ[/align]
وفي نفس العام الذي عاد فيه من القاهرة استقبلته سجون صنعاء وتعز ولما استطاع محبوه أن يخرجوه من السجن لم يطق البقاء في اليمن - السجن الكبير كما دعاه - فارتحل إلى عدن سنة 1944م لعله يستطيع أن ينطلق منها لتحقيق الحرية لقومه، فعمل على بث روح التضحية والثورة في الشعب اليمنى عن طريق صحيفته التي أصدرها في عدن سنة 1946 م باسم " صوت اليمن " واختاره اليمنيون المقيمون هناك رئيسا للاتحاد اليمني ، وأسلموا له راية الجهاد . . تابع جهاده في عدن رغم مضايقات الإنجليز إلى أن قامت الثورة الأولى بقيادة عبد الله بن أحمد الوزير سنة 1948 م ، قتل فيها الإمام يحي حميد الدين وعدد من أولاده ، فهرع إلى اليمن وعين وزيرا للمعارف ، ولكن هذه الثورة لم تدم أكثر من شهر ، وعادت أسرة حميد الدين للحكم فى شخص الإمام أحمد ابن الإمام المقتول . وفر الزبيري ثانية ، ولكنه وجد الأبواب أمامه موصدة إلا باب الدولة الإسلامية الناشئة في باكستان فالتجأ إليها، ولقي من شعبها المسلم كلَّ تكريم فقابل هذا التكريم بمثله فتغنى بهذا الشعب الأبي، وأنشد أجمل قصائده فيه وأذاع روائع شعره من إذاعة الدولة الناشئة، وقصيدته التي معنا في هذه التأملات كتبها في كوخ من أكواخ باكستان بعيداً عن وطنه .
وفي عام 1952 م هرع إلى مصر عندما علم بقيام الثورة فيها ، واستبشر الزبيري خيراً بهذه الثورة عندما لاحت على بداياتها السمات الإسلامية ، فأمل في مساعدة قادتها لليمن ، وما كان يعلم آنذاك ما خبأته الأقدار لليمن على أيدي رجالات هذه الثورة قام أحمد يحيى الثلايا بثورته الإصلاحية قي سنة1955 م والزبيري بمصر ولكن الثورة فشلت قبل أن يسهم فيها بشيء ، وعاد حكام اليمن اكثر قسوة وأشد تصميما على منهجهم في الحكم ، واستمر الزبيري في مصر يدعو لإنصاف شعب اليمن عن طريق المقالات التي ينشرها في صحيفة " صوت اليمن " التي أعاد إصدارها في سنة1955 م وأخذ يشارك في جميع القضايا العربية والإسلامية بجهده وشعره .
ويئس بعض رفاقه قي الكفاح ، وظل الأمل يحدوه ، وقامت ثورة 1962 م بقيادة عبد الله السلال الذي استدعى الزبيري من القاهرة وسلمه وزارة التربية والتعليم ، ثم عين عضوا في أول مجلس لرئاسة الجمهورية ولكن الياح لم تجر كما شاء لها شاعرنا وقدَّر فانتكست الثورة بحرب أهلية مريرة لم يشهد تاريخ العرب لها مثيلا ، فترك الزبيري الوزارة وأفرغ جهده في إصلاح ما أفسده المفسدون فزار القبائل وعرض نفسه للقتل، ودعا إلى الوفاق والصلح وحقن الدماء ، وحضر جميع المؤتمرات التي عقدت للصلح ، وكان رئيسا لمؤتمر عمران الذي أصدر قرارات الصلح والوفاق ولكن هذه القرارات جوبهت بالمماطلة في التطبيق . . . وتوالت المؤتمرات في ألكويت وفي السودان وفي اليمن . .. وكان الزبيري فيها جميعا داعية الوفاق والإصلاح .
لقد أدرك ـ رحمه الله ـ ، بعد كل ما بذل من جهد أن الدعوة الفردية لا تجدي ، وأنه لا بد من تنظيم يتبنى نظاما مقبولاً لدى الشعب اليمني بأسره يكون بديلا لكل هذه الدعوات التي أغرقته في بحار من الدماء ، ولم يكن الزبيري ليعدل بالإسلام نظاما ، فقد عاش حياته مؤمناً أن لا حياة للمسلمين إلا بالإسلام فسارع إلى إنشاء حزبه باسم " حزب الله " ، فالتف حوله خيرة الرجال في اليمن ، وانطلقت دعوته تجوب آفاق اليمن فتلقى المجيبين والملبين ، وبدأ حملة واسعة قي أرجاء اليمن يخطب الجماهير داعيا إلى ما آمن به ، وانتهى به المطاف إلى جبال " برط " وبينما كان يلقي خطابه انطلقت رصاصات غادرة تخترق قلبه المؤمن، فسقط على تراب اليمن التي وهبها حياته كلها، وفي هذا اليوم أول نيسان 1965 م صمت الصوت الذي هز اليمن ، هز المخلصين فسارعوا إليه يلبون نداءه ، وهز الحاقدين والمنتفعين والمستعمرين فسارعوا إلى إفراغ حقدهم برصاصات استقرت في القلب الكبير .
ومحمد الزبيري شاعر مطبوع، تعشق الأدب منذ يفاعته ، وقال الشعر منذ صباه يمتاز شعره بالجزالة والحيوية وهو في نسجه أقرب ما يكون للقدامى لولا المعاني الحديثة التي يتناولها، وقف شعره تقريبا لقضيته الكبرى، حرية اليمن وسعادة شعبه، فقد هاله ما يعانيه اليمنيون من ظلم الحكام وفتك الأمراض وانتشار الفقر واستيلاء الجهل على الناس، فحاول محاربة كل هذه الأوبئة بالكلمة، بالأدب، بالشعر وكان مؤمناً إيمانا لا يتزعزع بأنه قادر بها أن يخلص شعبه ويسعده ، وقد ظهر اعتداده بشعره في افصلاح في قصيدته التي معنا .
ولم يخل شعره من الالتفات إلى قضايا الإسلام والمسلمين ، فالتفت إلى قضايا فلسطين وباكستان وكشمير... ودافع عنها وبيّن وجه الحق فيها . .. . . ولم يستطع شاعر عربي قبل الزبيري أن يصور بشعره الظلم والظالمين . بمثل القوة التي صورهما بها ، وأن يرسم للطغاة صورا تكشف حقيقتهم وتسخر من جبروتهم بمثل ما رسمها ، وقارئ دواوينه لا ينفك يطالع هذه الصور المعبرة واللقطات الحية ، لأنه شاعر عاش هذا الظلم في أبشع صوره ، ولم يصفه وصف الذي سمع به ، وليس راءٍ كمن سمع كما قالت العرب.
وأرغب في هذه التأملات التوقف مع قصيدته البديعة التي أعدُّها مِن أجملِ ما قيل في الأدب العربي في وصف لحظات الإشراق الفني والإبداع الشعري، والقصائد التي قيلت في وصف تلك اللحظات قليلة جداً في الأدب العربي بحسب ما اطلعتُ عليه .
ومن تلك الأبيات القليلة التي يصف فيها الشعراء لحظات محاولتهم لقول الشعر قصيدة جميلة للشاعر سويد بن كراع العكلي ، حيث قال واصفاً موقفه حيال هذه الإلهامات التي تأتيه ، وكيف تعتاص عليه هذه القوافي كأنها سربٌ مذعور من بقر الوحش النافرة لا تكاد تهدأ ، وكيف يترقب هذه الأبيات في أوقات السَّحَر وكأنه يراقب صيداً يصيده، وكأنه يشير إلى أن أجمل أوقات قول الشعر هو وقت السَّحر، وقد ذكر ذلك عدد من الأدباء كابن رشيق في العمدة وغيره ، وكيف أن هذه الأوابد من القوافي لا تكاد تتأتى له إلا بطول صبر ومخاتلة، وهو يعطي للشاعر درساً ألا يرضى بأدنى المعاني والقوافي كما يصنع كثير من الشعراء اليوم ، فيكثرون من الشعر الركيك الذي لا يساوي ريالين، ويورث قارئَه حموضةً يجدها في نفسه حتى تزول بقراءة شيئ من الشعر الذي يستحق أن يقال له شعرُ . وذلك أنه يخاف هذا الشاعر المبدع أن تروى عنه أبيات ضعيفة (إذا خفتُ أن تُروى عليَّ رددُتها =وراءَ التَّراقي خشيةً أن تطلَعا) وكأنه يكتم سراً من الأسرار أن يبوح به، تقديراً لذائقة المستمع ، وخوفاً من أن تنقل عنه سقطة، ولذلك هو يراجعها ويثقفها حولاً ثم يذيعها ..
[poem=]
أبيتُ بأبوابِ القوافى كأنَّما =أُصادى بها سِرْباً من الوحش نُزّعا
أُكالئُها حتى أعرّس بعدما =يكون سُحيراً أو بُعيدُ فأَهجعا
عواصيَ إلا ما جعلتُ وراءَها =عصا مربد تغشى نحوراً وأذرعا
أهبْتُ بغر الآبدات فراجعت =طريقاً أملّته القصائد مَهْيَعا
بعيدة شأو لا يكاد يردّها =لها طالب حتى يكلَّ ويظلعا
إذا خفتُ أن تُروى عليَّ رددُتها =وراءَ التَّراقي خشيةً أن تطلَعا
وجشّمنى خوفُ ابنِ عفان ردَّها = فثقّفتُها حولاً جريداً ومربعا
وقد كان فى نفسى عليها زيادة =فلم أر إلا أن أطيع وأسمعا[/poem]
ولمعرفة كبار الشعراء والنقاد لمكانة الشعر قالوا:(قول الشعر أشد من قضم الحجارة على من يعلمه). ولذلك فهو يراجعه وينقحه أحسن تنقيح ، وقالوا أيضاً :(عمل الشعر على الحاذق به أشد من نقل الصخر، وإن الشعر كالبحر أهون ما يكون على الجاهل أهول ما يكون على العالم، وأتعب أصحابه قلباً من عرفه حق معرفته).
وقد نقلوا عن العلامة الراوية الأديب المفضل الضبي أنه سأله أحدهم : لِمَ لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ فقال : عِلمي به هو الذي يمنعني من قوله، واستشهدَ بقول أحدهم:
[align=center]وقد يقرض الشعرَ البكيُّ لسانه * وتُعيي القوافي المرءَ وهو لَبيبُ[/align]
ومثله الأصمعي عندما قيل له في ذلك ، فقال : جيده يعافني، وأعاف رديئه ، أو كلمة نحوها . وقال الفرزدق يوماً مصوراً صعوبة قول الشعر أحياناً :(أنا عند العرب أشعر الناس، ولربما كان نزع ضرس أسهل عليَّ من قول بيت شعر). فأين هؤلاء الشعراء الذين يكتبون كل يوم قصيدة أو قصيدتين لا تساوي الواحدة منها ريالاً ؟

وقد أحسن محمد الزبيري تصوير هذه اللحظات التي يمر بها الشاعر المبدع أثناء إنشاءه للقصيدة ، وأجاد في رسم تلك اللمحات الشاردة التي لم يتوقف لتصويرها إلا القليل النادر . فهو يصور هذه اللحظات بريح الجنان التي تهبُّ على النفس، ولك أن تتصور تلك الريح التي تهب من الجنة وما فيها من النعيم والانشراح، وكيف أنها تنال بهبوبها أعماق الروح ، وكيف تأتي القوافي الشعرية مصاحبة لهذه الريح التي تسري في الأعماق ويشعر بها الشاعر كأنها نمل يدبُّ دبيباً ، وكيف استطاع تصوير إقبال الأبيات والقوافي على الشاعر وإدبارها ومراوغتها، كما صنع امرؤ القيس في وصفه لفرسه بقوله :
[align=center]مِكَرٍّ مِفَرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً * كجلمود صخرٍ حطَّهُ السيلُ من علِ[/align]
وكيف أن بعض الأبيات يلمح في ذهن الشاعر ثم يغيب على أمل اللقاء، وبعضها يأتي مذعناً فيقيده الشاعر ويستريح .
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أُحِسُّ بريحٍ كريحِ الجِنانِ = تهبُّ بأعماقِ رُوحى هُبوبا
وأَشعرُ أنَّ القوافى تدبُّ = كالنَّملِ ملءَ دماغى دَبيبا
فهذا يزوغُ وذاك يروغُ = وذلك يُذعنُ لي مُستجيبا
وذاكَ يُفارقنى يائساً = وهذا يُواعدني أَن يَؤُوبا
[/poem]
ثم ذكر الغرض الذي يسعى من أجل تحقيقه بهذه القصائد والأبيات وهي رسالات سامية لصالح أمته ووطنه، وفيها تظهر عاطفته الوطنية القوية نحو أهله في اليمن، الذين خرج وتركهم ، ورضي بالغربة بعيداً في باكستان من أجل السعي لإنقاذهم. فيقول :
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]ومنها أَصوغُ حياةَ الشُّعوبِ = وأُذكي على قاتليها الحُروبا
ومنها أُوزِّعُ للعالمين = طُهراً وأَنشرُ في الأرض طيبا
ومنها أَسُودُ ، ومنها أَجُودُ = ومنها أُقارِعُ عنِّي الخُطوبا
ومنها أُصوِّرُ هذا الوُجودَ = وأكشفُ منهُ البديعَ العجيبا[/poem]
ويظهر في هذه الأبيات اعتداد الشاعر بشعره، وأنه يؤثر في هذه الشعوب التي تسمعه وتتذوقه حقاً فيحييها ، ويبعثها من سباتها الطويل بما فيه من الدعوة للثورة على الظلم والظالمين ، وهو يوزع من شعره على العالمين طهراً وينشر طيباً ، وهذا من أجمل ما يوصف به الشعرُ الهادف ، ثم صور لنا كيف أن هذا الشعر ثروة حقيقة يسود بها ويجود منها على الناس ، وأنه سلاح يدافع به عن نفسه وعن أمته المكلومة، ولا ينسى غاية مهمة من غايات الشاعر المسلم وهي تصوير هذا الوجود العجيب الذي خلقه الله فأحسن خلقه .
ثم ينتقل الزبيري ليصف لنا تلك المعاني التي تسكن تلك القوافي ، وأنها ليست على درجة واحدة . فمنها المعاني الشادرة التي لا تعطي قيادها أي أحد، وأنها تأتي مثل البروق لمحاً سريعاً قل من يقدر على صيدها ، ولكنها إذا وقعت أحيت الموات ، وأروت الجديب من النفوس . وصورها حين تلمس مهجته لمساً رقيقاً فيتوثب القلب في الصدر توثباً فرحاً لعثوره على هذا المعنى الشارد واقتناصه .
وهناك نوع آخر من المعاني لم يسبقه - لروعته - إليه سابق، ولم يخطر على قلب أحد قبله كما يظنُّ، إذا خطرت على ذهنه اضطرب وفزع أن يفوته وسارع إلى تقييده .
وهناك نوع آخر من الأبيات والمعاني الخالدة ، إذا ولدت وخرجت للوجود فإنها تأبى الزوال وتستعصي على النسيان ، وتبقى طيلة الحياة حية متجددة كأنها قيلت أمس، وما أكثر أمثال هذه الابيات لشعراء العربية الكبار التي خَلَّدتهم وخَلَّدُوها . وتأملوا كيف صور الزبيري شعوره - وهو الرجل المطارد من حكام اليمن، الغريب في باكستان بعيداً عن أهله ووطنه - عندما يقتنص مثل هذه الأبيات والمعاني الخالدة ، وكيف أنه يحتقر شأن الموت بعدها ، ولا يبالي به أن يأتي الآن أو متى شاء ، وأنه يصنع بهذه الأبيات شعوباً بأسرها ، ويلقح منها عقول المتذوقين ، ويزهو مفاخراً بهذه الأبيات التي أنجبها تقوم له مقام الأولاد النجباء ، وأنا أقول : بل أبقى ذكراً من الأولاد النجباء ، فأين هم اليوم وأين هي أبياته ؟
ومن المعاني ما يطوع لأول وهلة ، ومنها النوافر المستعصية التي لا يقدر على التعبير عنها إلا نبي من الأنبياء .
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]ومنها الشَّواردُ مثل البروق = تحي الموات ، وتروي الجديبا
إذا لمست مهجتي لمسة = توثب قلبي بصدري وثوبا
ومنها الأوابد لم تسكن العقول = ولم تأوي قط القلوبا
إذا نزلت خاطري فزعت =كوحش يواجه مصراً خصيبا
ومنها المواليد تأتي الوجود = فتأبى الزوال وتأبى المشيبا
أراها فأحقر شأن الردى = بعيداً أتى أم أتاني قريبا
أخلف منها لقاح النهى = وأصنع للأرض منها شعوبا
وأزهو بها راضياً معجباً = لأني ولدتُ الكثير النجيبا
ومنها المطايا إذا اقتدتها =فتحتُ السما وهتكتُ الغيوبا
ومنها النوافر لا يستطيع= إلا نبي عليها ركوبا[/poem]

ثم يصور الشاعر لنا بعد هذه المعركة مع القوافي أنه يقيد الكثير منها، ولكن الأكثر يفلت من يده فلا يقدر عليه، وأنه يضع كلمات الرويِّ ويبني عليها الأبيات ، ويشبه حروف الروي بالنطفة التي يتخلق منها الجنين ، وهذا تشبيه رائع لا أعرف من سبق الزبيري إليه ، ويصور كل بيت يكتبه بأنه لا يخرج إلا بعد معاناة وجراح ونزف دماء، وكأنه يتخيل ولادة المرأة لطفلها ، ومعاناتها في ولادة هذا الطفل . فيقول :
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]وأكثرها مفلتُ من يدي = يغيب ولا يشتهي أن يغيبا
حروف الرويّ بها نطفة =ترعرع بيتا عريقا نسيبا
يضمخه الجرح من مهجتي = ويخرجه من دماءٍ خضيبا[/poem]

ثم يصور الزبيري كيف أن القافية تحدد بحرها اللائق بها أحياناً دون شعور من الشاعر واختيار، وكيف تسكن تلك القوافي التي تشبه الدر الأصيل في ذلك البحر الشعري، وكيف تتحمل تلك القوافي معاني ثقيلة ثقل الجبال لما تحمله من سمو ونقاء ومسئولية، وكيف أن المعاني تطلب القوافي المناسبة لها، وتذوب في طيها، وهذه من النظريات الشعرية التي أكثر الأدباء من الحديث عنها في كتب النقد الأدبي .
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]وقافية تبتغي في البحورِ = دُراً أصيلاً وصيدا جليبا
ووزن تحمَّل ثقلَ الجبال = يُقسّم في طيه أن تذوبا
ومعنىً يسير إلى لفظه = ولفظٌ لمعناه يجري دؤوبا
وكلٌّ له موضع مُعلَم = يؤول إليه رشيداً لبيبا
يسارع كل إلى شكله = ويطلب كلُّ ضريبٍ ضريبا[/poem]

ثم يصور عقله في هذه اللحظات الغريبة التي تتصارع فيها المعاني والقوافي والبحور والمشاعر في نفسه، وكيف يبدو وكأن به مساً من الجن لمن لا يعرفه، فهو يصمت أحياناً ، ويتكلم أحياناً بل ويصيح أحياناً ، وأنه لولا معرفته بمثل هذه الأعراض التي تعرض للشاعر المبدع لظن الناظر إليه أن مريض ، فيقول :
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]كأن بعقلي لها جنةً = يلاقي بها كلُّ صبٍّ حبيبا
نواميسُ يسعى إليها الكلامُ = ويبغي لهُ من خُلودٍ نصيبا
أسلّمُ نفسى لها ذاهلا = حريصاً عليها بشوشاً طروبا
وأصمتُ مستمعاً تارةً = وأصرخُ حينا عبوساً غضوبا
ولولا اهتدائى لسرِّ النُّبوغِ = وأعراضهِ لطلبتُ الطبيبا
وما كان عقلي أجيراً لها = ولا كنتُ منها لكسب طلوبا
ولكنها قدر غالب = قضى أن أكون فكنت الأديبا
كذاك طبعت ، ومن يستطيع = من طبعه موئلا أو هروبا[/poem]

ثم يختم بخاتمة رائعة معبرة ، يبين فيها حبه الشديد للشعر وتعلقه به، وأنه يحيا به بين الناس في زمان القهر والظلم والطرد من الوطن، وأنه يملك بين جنبيه روحاً متوثبة طفوليَّة الآمال ، تمنعه أن يشيب ، ولكنَّه شعر أن الشيب على مفرقه قد فضحه أمام الناس . فاستدرك قائلاً : لا تصدق هذا المشيب الذي بمفرقي فإنه شيب كذوب كالناس الذين أصبح الكذب شعاراً لهم . وما أجمل هذه الجملة الاعتراضية في البيت (فقد صار - كالناس - لوناً كذوباً) ، ثم يختم بأبياته المشهورة في غناه بشعره، وأنه أغنى من كل من يظنه فقيراً طريداً سليباً ، فيقول :
[poem=font="Traditional Arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]أحب القريض وأحيا به = مع الهول طفلاً ضحوكاً لعوبا
وروحُ الطفولةِ في نزعتي = وفني ستمنعني أن أشيبا
وأما البياضُ على مفرقي = فقد صارَ -كالناسِ- لوناً كذوباً
خذوا كل دنياكموا واتركوا = فؤادي حُرَّاً وحيداً غريبا
فإني أضخمكم دولةً = وإن خلتموني طريداً سليبا[/poem]
وقد استطاع الزبيري حقاً أن يصور تلك اللحظات التي يمر بها الشاعر عندما يكتب قصيدة من القصائد ، والشعراء يتفاوتون في هذه المشاعر والخطوات بحسب إبداعهم وقدراتهم الشعرية ، وبحسب المناسبة التي يكتبون فيها القصيدة، والمعاني التي يريدون التعبير عنها، والزبيري شاعر اليمن كان يتنزى ألماً وحرقة على وطنه ومصيرهم، ولذلك كان شعره مرآة تعكس كل هذه المشاعر الوطنية الصادقة .
رحم الله محمد محمود الزبيري ، وأحسن إليه فقد أحسن إلينا بهذه القصيدة الرائعة نترنم بها في خلواتنا كما كتبها في خلوته في ذلك الكوخ البعيد في باكستان .
وديوان الزبيري مليئ بما يصلح للوقوف معه ، ولكن لعل ذلك في وقفة قادمة .
الثلاثاء 2 / 3 / 1431هـ


ـــــ الحواشي ــــــــ :
(1) استفدت في ترجمته من بعض المواقع الإلكترونية بتصرف .
 
والله الذي لا إله غيره أني من ثلاثة أيام عزمت على كتابة رسالة خاصة لكم أطلب من فيها من فضيلتكم الحديث عن مثل هذا الموضوع ، ولا أدري ما الذي صرفني عن ذلك ، لأنكم من أهل هذا الشأن أمتع الله بكم ، وذكرياتكم العبقة العطرة التي أوردتموها في أول المقال نحب أن تكثروا منها ، فلسنا مكتفين بالقلادة والسوار وإن أحاطا ، ولأنكم لا أخلى الله عينكم من قرة ونفسكم من مسرة ، أدخلتم السرور على النفس بهذه الطلعة البهية والكتابة الشهية التي ستكشف لنا فيها عن وجه أبيات رائقة بديعة طالما قد انتقبت .
.......

ولا أدري فسح الله تعالى في أيامكم وبارك في سنيكم وأعوامكم ، هل هذه الزاوية كلأ مباح لكل زائر ، أم هي خاصة بكم ، حيث أني رتبت لنفسي قراءة أكثر من سبعين ديوان من دواوين الشعر ، وقطعت نصف المشوار فيها وجمعت لي منها نشوراً ، فربما يتسنى لي إيراد شيء من ذلك إن وجدت مجالاً ، وإن كنت أتمنى أن تقتصر الزاوية على ما توردون ، ولا نتقدم بين أيديكم فالأمر لكم من قبل ومن بعد .
.....
جمع الله تعالى الأرواح المؤتلفة على بساط السرور وأسرة الهنا ، وأتاح للنفوس من حسن محاضرتكم قطف المشتهى وهو غض الجنى .

أخي العزيز الأديب الأريب فهد الجريوي حفظه الله .
يعلم الله أنني أحبكم في الله وإن لم ألقكم بعدُ ، وأنني أفرح بما تكتبون في هذا الملتقى فرحاً شديداً، وأنتفع به كثيراً ، وأحمد الله أن هداني لتلبية رغبتك على غير علمٍ مني بها، وقد كنتُ كتبت سلسلة مطولة من مثل هذه التأملات في موقع آخر، ثم فترتُ، وأنا أجدُ في مثل هذه الكتابة متنفساً من عناء الحياة التي لا تفتأ تلقي علينا بكلكلها كأنَّها ليل امرئ القيس، وأعدك بأن أستمر في هذه الزاوية إن مد الله في الأجل، أكتب ما ييسره الله من كتابات حول أدب العربية ، من خلال ما مر بي من أشعاره وكتبه ومواقفه.
وأقترح عليكم أخي العزيز أن تفتتحوا موضوعاً خاصاً باسم (مع الشعر والشعراء) أو (جولة في دواوين الشعر العربي) أو ما شئت من عنوان يدل على المقصود ، وسأكون أكثر المتابعين انتفاعاً واستمتاعاً بما تكتبه .
أسأل الله أن يمتعنا بصحبتكم في جنات النعيم ، وأن يغفر لنا ما لا تعلمون .
 
الله الله يا شيخ عبد الرحمن ما اجمل ما صنعت
سلمت يداك ولا كان من يشناك

حياكم الله يا أبا محمد ، وأسعدني مرورك الكريم . وما رأيك في قول الزبيري في ختام قصيدته :
[poem=font="Traditional Arabic,7,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وروحُ الطفولـةِ فـي نزعتـي = وفنـي ستمنعنـي أن أشيـبـا
وأما البيـاضُ علـى مفرقـي فقد صارَ -كالناسِ- لوناً كذوباً
خذوا كل دنياكموا واتركـوا = فؤادي حُـرَّاً وحيـداً غريبـا
فإنـي أضخمـكـم دولــةً = وإن خلتموني طريـداً سليبـا [/poem]
ألا يستحق أن يحفظ ويترنم به ؟
 
بوركت ياشيخ عبدالرحمن ماكدنا نرى هذا الجانب الجميل مما يسطره يراعكم المبارك؟
وهذه البداية المباركة مؤذنة بسيل من الأدب الراقي ولاغرو فاختيار المرء قطعة من عقله كما قيل.
س- هل ديوان الزبيري مطبوع متداول؟وإن فما أجود طبعاته؟
أرجو أن لايكون هذا السؤال خارج عن طبيعة الموضوع.
 
بالنسبة لفتح زاوية فهذا مرتقى صعب لسنا أهلاً له ، ولعلي أكتفي بالتنعم من ارتشاف رضابكم أعانكم الله وسددكم .
دع عنك هذا يا أخي العزيز وتوكل على الله ، فإِنَّا إلى قراءتها بالاشواق وفقك الله وفتح عليك .
 
بوركت ياشيخ عبدالرحمن ماكدنا نرى هذا الجانب الجميل مما يسطره يراعكم المبارك؟
وهذه البداية المباركة مؤذنة بسيل من الأدب الراقي ولاغرو فاختيار المرء قطعة من عقله كما قيل.
س- هل ديوان الزبيري مطبوع متداول؟وإن فما أجود طبعاته؟
أرجو أن لايكون هذا السؤال خارج عن طبيعة الموضوع.

حياك الله أخي العزيز محمد ، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك .
أما ديوان الزبيري فقد طُبع قديماً في دار العودة ببيروت ، ونسختي بتاريخ 1986م الموافق 1405هـ . وهي بتقديم الدكتور عبدالعزيز المقالح . ولكنها لا تضم كل إنتاجه الشعري ، ولذلك اصدرت له مجموعات شعرية أخرى بعد ذلك في كتيب صغير .
ثم صدرت للديوان طبعة أوفى وأكمل عن مكتبة الإرشاد بصنعاء عام 1430هـ ضمت الأعمال الشعرية الكاملة للزبيري . وديوان الزبيري مليئ بالإبداع الشعري، وله قصائد ومقطعات لو تركت لنفسي هواها لأثرتُ الكثيرَ من الشجون ، ولكن حسبي هذه الدلالة.
وشعراء اليمن المبدعون كثيرون، ومن أبرزهم الشاعر المشهور الحسن بن علي بن جابر الهبل المولود بصنعاء عام 1048هـ والمتوفى بها سنة 1079هـ (31 سنة فقط)، ولو عاش ذلك الشاعر لربما أربى على من تقدمه لولا مبالغته في جاروديته .
ومنهم عبدالله البردوني المتوفى قبل سنوات قليلة، وله قصائد في غاية الجمال، لعلي أتوقف يوماً مع عيونها إن شاء الله .

 
قد ذكرتم نفع الله بكم أنكم قد كتبتم سلسلة مطولة حول هذا الموضوع في موقع آخر.

فهل من سبيل إلى رابط السلسلة.

ونفع الله بكم.

وأضم صوتي إلى صوتك شيخنا الكريم في مطالبة الأخ الكريم فهد الجريوي في نثر إبداعه.
فلاتبخل علينا أيها الأريب.
 
ثم خلف من بعده شباب صغار لا يفرقون بين ديوان أبي تمام ، وديوان المراقبة العامة .

أضحك اللهُ سِنَّـكَ أبا عبد الله , فقد أصدرت هذهِ الجُملةُ مني ضحكةً كضحكتك من النقائضِ , ولكني في مكتبتي خالٍ فلم ينهرني أحدٌ.
 
وردني على بريدي تعليق على هذه التأملات من أحد الأبناء الأدباء الشعراء المتميزين وهو الابن محمد بن عبدالله القرني ابن الصديق العزيز الدكتور عبدالله بن محمد القرني مؤلف كتاب (المعرفة في الإسلام ومصادرها) . فأحببت إطلاعكم على ما كتبه هنا .


الشيخ الفاضل د. عبد الرحمن الشهري حفظك الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأت بحثك يا شيخ مستمتعًا مستفيدًا ؛ لما فيه من مجاراة نبض الشاعر بنبض الكاتب والقارئ .. وإشراكنا في رسم الصورة الجمالية للنص دون خدش براءتها الأولى .. بالقبض على مفاصل الفكرة الرئيسية .. وتحريكها نحو تشكيل الدلالة النقدية المقصودة بلا عوجٍ ولا أمت .. وإذا نحن ضممنا مسؤولية الكاتب تجاه القارئ ومسؤولية القارئ تجاه الكاتب نتجت لنا من هذا الضمِّ مسؤولية الناقد .. فإذا كان الناقد هو المحامي الذي يدافع عن الكاتب أمام القارئ وعن القارئ أمام الكاتب فقد كنت يا شيخ محاميًا ناجحًا رابحًا صداقة الطرفين .. اعتمدت على السرد التوضيحيِّ دون التأويلي وهو هنا الأفضل ؛ لكون القصيدة - بما لها من رشاقةٍ وأناقةٍ وحميميةٍ - لا تحتمل النوع الثاني والذي يناسب القصائد الرمزية أو التاريخية أو التي تحمل عمومًا في باطنها شيئًا غير الشعر له خطوره ! .. وكان اهتمامك بالمعنى دون اللفظ يكرِّس عند القارئ مفهوم أن الشعر رسالةٌ قبل أن يكون فنًا .. فإذا أنّث الزبيري الروح وكان الأفصح تذكيرها ( وروح الطفولة ستمنعني ) أو أخطأ في نسبة المصدر في ( توثب وثوبًا ) أو أخذ بالتسهيل في ( فتحت السما وهتكت الغيوبا ) ولو كنت مكانه لقلت فتحت السماء وخضت الغيوبا ونجوت من تسهيل السماء .. أقول إنه إذا أتى بهذه الصغائر فإنها تغفر له ؛ لأن حسنات المضمون قد تعفِّي على سيئات الشكل أحيانًا ولا عكس .. ولعلّ أجمل ما في بحثك يا شيخ أنك استغنيت بالزبيري - وهو ممن ربح الأدب ولم يخسر الدين - عن سواه ممن ربحوا الأدب وخسروا الدين كشاعرٍ يستحق المكوث عنده طويلاً .. وفي هذا تنويهٌ للشباب المتأدب أن يتعمقوا أشعار أولئك الأفذاذ ممن نصروا قضايا الإسلام بشعرهم الرائع .. بعيدًا عمن اساءوا للإسلام بشعرهم أو نصروه بشعرٍ غثٍ رثّ ..
على أنه ما كان لمثلي أن يطارح مثلك شجون الحديث لولا سماحتك جزاك الله خيرًا .
 
اختفت الأبيات ..
وقلَّ القطر ..
فعسى بهَبَّة تسقي الموات ..
وتلم الشتات !

شاقنا الشعر والأدب يا أبا عبد الله ..
 
جزاكم الله خيراً ، وسوف أكملها فلدي عدد منها جاهزة ، ولكن أحببت أن يعود تنسيق الشعر سيرته الأولى .
 
أحسنتَ يا أبا عبد الله.
حديقةٌ أريجة ، ملأ عطرُها الأرجاء ، بما اشتملتْ عليه مِنْ لطائف كَلِمِكَ ، وبدائع حِكَمِكَ ، وجميل اختياراتك ، وحُسْنِ عباراتك...
وظلال ورافةٌ لا أراها إلا كُنَّةً في الحَرِّ ، وَوَقارا في النَّدِيِّ...

أبا عبد الله ، سِرْ على بركة الله ، ، وزدنا يرحمك الله ، فإني أراكَ جامعا لآلات الأدب والظرف.
 
وصلتني على بريدي مقالة ممتازة لصديقي الأخ العزيز ماجد البلوشي وفقه الله ، تصبُّ فيما نحن بسبيله من الدعوة المستمرة إلى العودة إلى أدب العربية الصافية، ونبعها العذب الرقراق في مظانه في شعر العرب المبدعين من الأولين والآخرين . فأحببت أن أطرفكم بها في ختام هذه الجولة الأدبية، رغبة في أن نقلب صفحة هذه التأملات لصورة أخرى . وإليكم المقالة استمتعوا بها ، ولأخي أبي عبدالرحمن مني كل ثناء وتقدير على إتحافنا بهذه القطعة . وأخي ماجد البلوشي عضو معنا في ملتقى أهل التفسير .

أنديتنا الأدبية وقلة الأدب!
بقلم/ ماجد بن عبدالرحمن البلوشي
بين يديَّ مقالةُ سوء لكاتب زعم أنه عضو في نادٍ أدبي بإحدى المناطق الكبرى، لم أعقلْ منها إلا حروفاً عربيّة صفّها في صحيفة وقدّمها للنشر، فإذا هي غاية في الانحطاط في أسلوبها ومضمونها وضعف تراكيبها وكثرة اللحن فيها، ولست أدري هل قرأ هذا الكاتب قواعد النحو؟ أو ألمَّ بشيء من علوم البيان؟
وليته إذ كتب ما كتب أخفى سوءته فلم يبح بعضويته في ذلك النادي الأدبي، وعضويّة الأندية الأدبيّة في هذا الزمان العجيب مهنة لا يضرُّ الجهل فيها ولا ينفعُ العلم معها، إذ صارت ملاذاً لكل لاهث وراء الظهور والشهرة إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
ولا يهولنك ضخامة هذا الاسم "الأندية الأدبية" ولا وقع رنينه أو سحر بريقه! فهم شرذمة قليلون، وقاعات مهجورة، وبئر معطلة! والمعيدي - في السماع به دون رؤيته - خيرٌ من الأندية الأدبية فلا سماع ولا رؤية، فلا سيرتها بالحسنة ولا من عرفها حق المعرفة أثنى عليها، وأعضاؤها كضفدع الطين الإسبانيِّ المهدد بالانقراض ينقصون ولا يزيدون، وقد حق عليهم المثل الشعبي العامي: قال صفّوا صفين قالوا حنا اثنين!
أولم يأتِ هؤلاء أنباء ما في الصحف الأدبية الأولى؟
ألم يأن لأعضاء هذه الأندية الأدبية أن يقبلوا على التأدب والتثقف والاطلاع قبل الإنتاج والكتابة؟
أولا يرون أنهم يكتبون ما يسيء الكرام الكاتبين وتسوّد به الصحائف يوم الدّين؟
لقد أنعم الله علي – وما أنا بأديبٍ أو لغوي - إذ هيّأ لي أن أنظر في جميع ما كتبه الأديب المُلهم أحمد بن حسن الزيات، وما خطّه يراع الشيخ المتفنّن علي الطنطاوي، وما أفاء الله به على عبده العلامة الأديب مصطفى صادق الرافعي ففتح له آفاقاً ممتدة لصنعة النثر ذات العمق في المعنى والتحليل الفكري بعد أن تضاءلت هيبة النثر الفنّي بإبقائه رهيناً لقوة اللفظ وجزالته كما كان الحال عليه في منثور شيخ الأدب وفاتح مغاليقه مصطفى المنفلوطي، ثم أتممت النعمة بأن غمرت نفسي في معين الأدباء الكبار كمحمود بن محمد شاكر، ومحمود بن محمد الطناحي، والشهيد السعيد سيّد قطب، ومن قبلهم إبراهيم المازني، وزكي مبارك سقى الله أجداثهم جميعاً بغوادي الرحمة.
فأتيت على جميع كتبهم ومقالاتهم بالنظر والقراءة والتأمل فأحدث ذلك في الروح أُنساً عظيماً، وغشيني من الطرب النفسي ما غشيني، ولم أقنع بذلك فولّيتُ همّتي شطر آخرين من أمثال عباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم فقرأت طرفاً صالحاً من مقالاتهم وكتبهم ورواياتهم، وتضلّعت من أساليبهم محاكياً لها أحايين كثيرة ومنفرداً عنها حيناً.
ولم أكن حبيس عصري وقعيد دهري، فجررت أذيالي وعدت القهقرى إلى زمان كان فيه الأدب غض الإهاب، ناعم العود، رقيق الحاشية، مهيب الجاه، وأقبلت إقبال الظامئ ينهل من منهل عذب مورود فقرأت للجاحظ ما وجدت من كتبه، ونظرت في أدب أديب أهل السنة وفخرهم الإمام ابن قتيبة، وبلغتُ غاية المتعة واللذة بالقراءة لمن لم يكتب بالعربية في عصور التأليف أحد مثله ألا وهو أبو حيان التوحيدي، فما سكنني من كلّ أولئك أحد مثل أحمد بن حسن الزيات، ولا تهمّمّت نثراً أدبيّاً لأحد كنثر أبي حيان التوحيدي.
لقد حوت كتابات هذه الثلة الميمونة من طليعة الأدب وساقته سمات الفصاحة البالغة والجزالة الواضحة، فإن قرأت لهم وعكفت على أدبهم فإنك مستحضر لا محالة ذلك الوصف البالغ في الدقة للأدب والطرب به والأنس له والذي عبّر عنه الإمام الشافعي وقد قيل له: كيف شهوتك للأدب؟ فقال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه فتود أعضائي أنَّ لها أسماعاً تتنعّم به مثل ما تنعّمت الأذنان.
وما قرأتُه لم أكن فيه بدعاً من جيلي وأترابي من المتيّمين بالأدب والعاكفين عليه، بل قرؤوا كما قرأت، ونظروا كما نظرت، واستمتعوا بما استمتعت به، فمنهم من فتح الله عليه في الكتابة حتى صار علماً يهتدي الناس بأدبه ويقتدون طريقته، ومنهم من وقفت به عزيمته وانصرفت نفسه إلى أنحاء شتى من المعارف والعلوم.
وأيّاً ما كان حالهم، فإن كل أولئك بقوا أوفياء للأدب يخضعون لأساليب أئمته ويستكينون لهم وبهم يهتدون، فلا تجد أحداً منهم يأتي بالثناء على اللغة الهزيلة والتراكيب السقيمة التي عمّت الكتابة هذه الأيام وغشيت المحافل وصارت علماً على فساد لغة التأليف الأدبي إلا قليلاً، ومن آيات وفائهم الصادق أنهم - كما عهدتهم – ما انفكوا يقرؤون لأولئك الأدباء بتشوف بالغ ونشوة عظيمة وسكينة غامرة.
فهل بقي الأدب على عزته ومنعته وصيانته؟
هانحن ذا نلقف ما تأفك المطابع صبحاً ومساءً بأنه أدب من تلك الأسفار الوضيعة التي نتجرّعها ولا نكاد نسيغها، فينشرون لكل من هب ودب ودرج باسم القصة والرواية والنثر والنقد وشيء من الشعر ما تعافه سليقة العربي القح، وما ينبو في أسلوبه وطريقته نبوّاً يبلغ الغاية في البعد عن سنن أئمة هذا الشأن وواضعي قواعده.
ثم إنَّ كل هذا الهراء يروّج له في تلك الأندية الأدبية، وتُستفتح بذكره أعمدة الكتاب من الصحفيين، وتلهج بالثناء عليه والدعاء لقراءته ألسنة الإعلاميين، ولم يبق كاسد أو وضيع أو منحرف إلا وباءَ بإثم مسوّدات سمّاها – ظلماً وزوراً - "رواية" هتك بها ستره ودل الناس على عورته وكشف خبيئة حاله وجاهر فيها بمعصيته، فأفسد بها من سمو الذائقة ونبل الأخلاق ما شاء أن يفسد، فظن الناس أن غاية الأدب هي هذه، وهم يرون من السادات والكُبراء وبعضاً من الدكاترة ورؤساء المنتديات الأدبية من يضلّونهم السبيل ويحشدون طاقاتهم للتعريف بالمتردية والنطيحة من واضعي هذه المسوّدات المزوّرة.
فانظروا كيف تحوّل الأدب الوقور المهيب إلى "قلة أدب"!
"قلّة أدب" في ركاكة أسلوبه وسُقم تراكيبه وبعده عن طرائق أهله الأصيلة وقرائح مبدعيه.
و"قلة أدب" في فشوِّ الفضيحة فيه، وامتلائه قبحاً ونتناً، وخروجه عن حدِّ الفضيلة وروح العفّة.
فأين في جيل اليوم من يأتي على "حيوان" الجاحظ "وبيانه وتبيّنه" قراءة وأُنساً؟ وأين من يلتهم قرائين البلاغة من أسفار أبي حيان التوحيدي؟ وأين أولئك الذين يعبّون من مورد "الكامل" للمبرّد؟ أو "رسالة الغفران" للمعرّي؟ أو معجم ياقوت للأدباء؟ أو "أساس البلاغة" للزمخشري؟ أو "العقد الفريد" لابن عبدربه؟ وأين منهم من يكون حلس "الأغاني" للأصفهاني؟ وأين أولئك المتسامرون على "مقامات" بديع الزمان وصنوه الحريري؟
قال أبو حيّان التوحيدي في الليلة السابعة عشرة من مجالس كتابه النادر "الإمتاع والمؤانسة" ناعياً على أهل زمانه من أهل الأدب والعلم والفضل حالهم: "فلما عدتُ إلى المجلس قال: ما تحفظ في تِفعال وتَفعال، فقد اشتبها؟ وفزعتُ إلى ابن عبيد الكاتب فلم يكن عنده مقنع، وألقيت على مسكويه فلم يكن له فيها مطلع، وهذا دليل على دثور الأدب وبوار العلم والإعراض عن الكدح في طلبه".
وقال السيوطي في كتابه "المزهر في علوم اللغة": "ولما شرعت في إملاء الحديث سنة 872 وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أبو الفضل ابن حجر، أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلساً واحداً فلم أجد له حملة ولا من يرغب فيه، فتركته".
فهذا حال أولئك في زمان كان الأدب فيه قريحة تسكن كِرام الرجال، وفخراً ينشده سادة الناس، وزينة يتحلّى بها كبراء الخلق، فكيف بحال أهل هذا الوقت ممن أصبح قصارى اطلاعهم وقراءتهم أن ينظروا في الصحف والمجلات والمنتديات الإلكترونيّة بما تحويه من اللغة المشوّهة والأساليب المستقبحة؟
ولا يستخفّنك الذين لا يوقنون من أولئك القائلين: الأدب مجرّد متعة لفظية، وزخرف من القول، وليس وراءه فكر أو تحريك للعقل، وأن الدوران في فلكه أدى إلى تقهقر العرب وتخلّفهم!
فما يرغب عن هذا الأدب إلا من سفِه نفسه وبغى واعتدى وظلم واجتوى تراثاً عظيماً وأزرى به! وحسبُك في الرد عليهم ما نُقل عن أبي القاسم السيرافيِّ أنه حضر مجلس أبي الفضل ابن العميد فقصر رجل بالجاحظ وحطَّ عليه وحلم ابن العميد عنه، فلما خرج قال له السيرافيِّ: سكتّ أيها الأستاذ عن هذا الجاهل في قوله الذي قال مع عادتك بالرد على أمثاله! فقال ابن العميد: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو وافقته وبينت له لنظرَ في كتبه وصار إنساناً، يا أبا القاسم كتب الجاحظ تعلم العقل أولاً والأدب ثانياً.
والقصّة منثورة في كتب التراجم والطبقات.
أما والله إنه لحق واجب على كل غيور محب لأدب أمّته أن يُحيى طريقة أولئك الأدباء العظام، ويقتفي أثر أساليبهم، فلا يشذ عنهم أو ينتحي جانباً، بل يعيدها جذعة كما كانت، فهذه مفاخرنا، وما بقي كتاب الله خالداً خلود الدهر إلا بما فيه من إعجاز الفصاحة وإحكام البيان، ولئن طرب شداة الغرب بأعلامها من العازفين والنحّاتين والرسّامين والقاصّين وهاموا بذكرهم وسكروا بحبهم، فإنا نرفع رؤوسنا ونُعلي هاماتنا – فخراً وشموخاً - بكل كاتب أقام صلب اللغة ونصب راية الأدب مقتفياً أثر سلفه العظام من أدباء العربيّة في مر العصور.
قال الطناحي: "لقد كنا في طفولتنا وصدر شبابنا نحفظ الشعر الجاهلي ومتون العلم في الصباح، ونلعب الكرة الشراب عند العصر، فجرتْ اللغة في عروقنا واختلطت بلحمنا وعظمنا.. وهكذا الشأن عند سائر الأمم فتلاميذ المدارس الإنجليزية يقرؤون "شكسبير" ويعرفونه جيّداً، وتلاميذ المدارس الألمانيّة يقرؤون "جوته" ويعرفونه جيّداً، مع الاحترام الزائد والتوقير الشديد".
وكم من حسنة عظيمة لأولئك العلماء الذين كتبوا في العلوم المتعددة بأساليب متقنة ولغة سامية، فجمع الله لهم فخر التأصيل في العلم وشرف الكتابة بالأسلوب البديع، فانظر – بخضوع بالغ وانكسار تام - كيف كان يكتب الإمام الشافعي، وإمام المفسرين وشيخ المؤرخين الطبري، وفخر العربيّة وأحد عجائب الزمان نحواً وصرفاً وتحليلاً ابن جنّي في "الخصائص"، وحجة الإسلام الغزالي في "إحياء علوم الدين"، وعلَم الأعلام ابن القيّم في عامّة ما كتبه، وكيف أبدع ابن خلدون في مقدمته، ثم اختم ذلك كلّه بالوقوف على أسلوب آسر وبلاغة مبهرة تأخذ بمجامع القلوب وتزلزل الجوانح في الفصاحة والبيان للقاضي الجرجاني في كتابه النقدي "الوساطة بين المتنبي وخصومه".
ثم انظر في أهل هذا العصر لترى أنهم سلكوا سَنن أولئك حذوَ القذّة بالقذّة وامتطوا صهوة البيان في تصانيف شتّى، ونحن أشد بهم أنساً وأقرب إليهم عهداً، فاقرأ كيف كان يكتب الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي، وفخر الزمان ونادرة العصر الطاهر ابن عاشور، والإمام المجاهد شيخ الإسلام مصطفى صبري، وكيف كانت بلاغة طه حسين – على عمى بصره وبصيرته - في تآليفه المتعددة وعلى رأسها "الأيام"، واجعل للشيخ الأديب محمود بن محمد شاكر ولحواريّه والقائم بحقّه وسميّه محمود بن محمد الطناحي من قراءتك ونظرك نصيباً مفروضاً، وعرّج بالنظر في أدب المتفرّد بأسلوبه والمتفنّن في طريقته مارون عبّود، ولا تنس أن تنيخ ركابك في ساحة الآية العجيبة في علمه وأسلوبه، العجمي في نسبه، العربي في لسانه وفصاحته وبيانه عبدالعزيز الميمني، ومسك الختام أن تقرأ لريحانة القلب وقرّة العين الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد ذي الأسلوب الفريد والنظام العجيب، لتعلم كيف كان يكتب هؤلاء العلمَ ومباحثه بأساليب الفصحاء وطرائق الأدباء.
 
أحييك أخي الدكتور عبدالرحمن على هذه الصفحة وإن كنت لا أزال أرى أنها " أديبة " إلى حد بعيد ، وهو ما لا يحمد في " الأدب " !
لي طلب عند يا صديقي العزيز :
في " اشتياق " لقراءة أبيات " اليماني " و " المالي " و فتاة الغنج والدلال " الغانية - بتخفيف الياء - الغانيّة ؛ بتشديدها " فهي من روائع الأدب المعاصر.
 
الأخ العزيز فهد الجريوي : أشكرك على حرصك وعنايتك، مع كمال أدبك وحسن استشهادك، وقد أعجبتني مختاراتك من كتب العلم والأدب، والتي تنادي على ما وراءها من العقل والفطنة، زادك الله من فضله، وأسبغ عليك نعمه .

الصديق الحبيب أبا إبراهيم الجكني : لقد صحبتك في رحلتنا للمغرب فكنت نعم الرفيق والصاحب، وقد أفدتُ من أدبك وحسن أخلاقك، كما أفدتُ من علمك ودقة بحثك، فزادك الله من فضله، وأحسن إليك في الدنيا والآخرة . وأما قصة الفتاة الغينية، فسأعيد روايتها لك وللزملاء القراء تلبية لرغبتك، وسأجعلها هنا حتى لا يتقطع بنا الحديث .
كان الشاعر عبدالله بن يحيى العلوي من شعراء اليمن الفضلاء، وكان مندوباً للإمام أحمد بن حميد الدين ملك اليمن في زمانه ينيبه في حضور بعض المؤتمرات الدولية، وكان يعود فيصوغ تقاريره شعراً، وكان الإمام يتذوق الشعر ويقوله . وكان هذا الشاعر شهد عام 1382هـ الموافق 1962م مؤتمراً تَمهيدياً لدول عدم الانحياز في القاهرة، فلما رجع كتب هذه الأرجوزة يلخص فيها أهم ما في المؤتمر، وفيها طرافة وإبداع ليس بغريب على أدباء اليمن وشعراءها، حيث يقول :
[poem=font="Traditional Arabic,6,,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""] هاك التحيةْ وكذا سلامي =أرفعهُ لحضرةِ الأمامِ
وبعدُ فالعالمُ في صراعِ = مُحتدمِ الخلاف والنزاعِ
فذا شيوعيٌ يقول مالي =لدولتي، وذاك رأسُمالي
وبانَ في الوجودِ جمعٌ ثالثْ=يدعو إلى الحياد غير عابثْ
وقد دعا إلى اجتماعٍ ناصرِ= من أجله كيتُ وعبدُالناصرِ
فلبتِ الدعوةَ كُلُّ دولهْ =ترى الحيادَ مبدءاً ونحلهْ
وعُقدَ المؤتَمرُ التمهيدي = لدولِ الحياد بالتحديدِ
في مصرَ خيرِ بلدٍ أفريقي =وبين شعب في العلا عريقِ
وانتخبوا لجلسة الرئاسةِ = محمود فوزي وهو ذو كياسةِ
ورأسهُ كإِسْمهِ رِياطُ =كأَنَّه الخلجانُ والحياطُ
واختلطَ البيضانُ بالسودانِ=في ساحةٍ جميلةِ الأركانِ
وكان يوماً قاسي الحرارةْ=تكادُ منه أنْ ترى الشرارةْ
وفي الوفودِ وزراءٌ عشرةْ=قلوبُهم بيضاءُ عكس البَشَرةْ
ورحبَ الوفودُ بالجزائرِ =وهم وقوفٌ بعدَ يومٍ ثائرِ
وصفَّقوا لوفده طويلا=وحاولوا العناق والتقبيلا
كما ارتأوا حقَّ الكبير والصغيرْ= في وحدةِ الأرض وتقريرِ المصير
وأَنْ تَحُدَّ الدولُ القويَّةْ=مِنْ صُنعها القنابل النَّووية
وقرَّروا تصفيةَ القواعدِ=بكل ما أوتوا من السواعدِ
وفي الأخير أصدروا بيانا=وقد حوى الكثير مِمَّا كانا
وقرروا بعدَ جدالٍ مُختصرْ =في بلجرادَ أَن يكونَ المؤتَمرْ
وفي الوفودِ شاعرٌ يَمانيْ= يستلهمُ الوحيَ من المثاني
بشعرهِ يُسجِّلُ الحوادثْ=ولا يَخافُ قَلم المباحثْ
وفي الوفودِ غادةٌ غِينيَّةْ =تَخالُها مِنْ أُسرةٍ غنيَّةْ
ترشقُها العُيونُ بالتَّوالي =وبالأَخصِّ مِن سفيرِ مالي
خفيفةٌ في الروح كالمصريَّةْ=صفراءُ كالليمونةِ الطريَّةْ
واختتمَ المؤتمرُ التمهيديْ =أعمالَهُ بالوعدِ لا الوعيدِ
والشكرُ للمضيفة العظيمةِ = مصرَ على الضيافةِ الكريمةِ[/poem]

فهذه هي الأرجوزة يا أبا إبراهيم، وهي غنية عن التعليق بحلاوتها وخفتها، رعاك الله وجمعنا بكم على الخير دوماً.
 
خزانة أدبية ممتعة .
بارك الله فيك يا دكتور .
 
شكراً جزيلاً أخي الحبيب الأديب الدكتور عبد الرحمن الشهري .
ويظهر لي أن " التغزل " و " النسيب " بالسمراوات ومن بشرتهن " شوكلاتات " خاصة ، وليس " كاراميلات " عادة متأصلة في بعض الأدباء العرب الأقحاح ، حيث قد سبق أن قام الشيخ العلّامة المشهور بسيبويه عصره ، أعني : المختار بن بونا الجكني رحمه الله بنظم أبيات في سمراء ، وهذه أبياته :
1- وسوداء رمت الوصل منها فأعرضت *** فقلتُ أمثلي عنه مثلُك يعرض
2- فقالت بلوني عنك ما أنا راغب *** ولكن كلوني عن كلونك معرض
3- وقالت سماك النار إني أخافها *** على جسدي للنار لست أعرّض
4- فقلت لها مالفظ نار بمحرق *** ولكن عذراً لي أردت يعرض
5- وقلت لنفسي عن هواها صيانة *** ففي الذنب كل الذل للمرء يعرض
6- فإن أعرضتِ عني فيا رب رودة *** من البيض مني للهوى تتعرض
هذا ما وجدته من هذه القطعة .
وإني لأجزم أن في تراثنا الأدبي الراقي قديماً وحديثاً كثيراً من التغني بأخواتنا السمراوات اللاتي أقسم يميناً لست فيها بحانث أن الله تعالى أوجد فيهن " شيئاً " لم يعطه " للبيضاوات " ولا " للشقراوات ":
يمين لست فها بحانث **** لأني بعقبى الحانثين عروف
وتقبل مني كل تحية وتقدير.
 
أشواق يمانية

أشواق يمانية

بسم الله الرحمن الرحيم​
أخي الحبيب الدكتور/ عبد الرحمن بن معاضة الشهري السلام عليكم ورحمة الله، لقد شغفت بما بثثتموه من أنفاسكم الأدبية فلم أملك نفسي عن أن أدلي بدلوي في الدلاء، فأبعث إليكم ببضاعة مزجاة من أبيات قصيدة قلتها بعد أن اطلعت على المشاركات، أقول فيها:
[poem=font=",6,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
نسمات شوق فالمحاجر تدمع=طاب القصيد لكم وطاب المقطع
ما زال بي من حرها ما لو جرى=بالصخر جاءك صوته يتوجع
يا طائر الأشجان أهد لإخوتي=في سفح طيبة نفحة تتضوع
سلم على خير الأنام بسفحها=والساكنين ومن إليها أزمعوا
وأطف حمى البلد الحرام فمهجتى=بالشوق كادت نحوه تتقطع
يا طائر الأشجان واحفف ملتقى=نادى الكرام إلى الهدى فتجمعوا
واحمل إلى الشهري باقة لوعة=فالنور من غرر الأكارم يطلع
يهدي إلينا الطيب في أنفاسه=ويحوطنا بثواقب لا تهجع
[/poem]هذا المقطع الأول .
 
شكراً جزيلاً أخي الحبيب الأديب الدكتور عبد الرحمن الشهري .
ويظهر لي أن " التغزل " و " النسيب " بالسمراوات ومن بشرتهن " شوكلاتات " خاصة ، وليس " كاراميلات " عادة متأصلة في بعض الأدباء العرب الأقحاح ، حيث قد سبق أن قام الشيخ العلاَّمة المشهور بسيبويه عصره، أعني : المختار بن بونا الجكني رحمه الله بنظم أبيات في سمراء ، وهذه أبياته :
1- وسوداء رمت الوصل منها فأعرضت *** فقلتُ أمثلي عنه مثلُك يعرض
2- فقالت بلوني عنك ما أنا راغب *** ولكن كلوني عن كلونك معرض
3- وقالت سماك النار إني أخافها *** على جسدي للنار لست أعرّض
4- فقلت لها مالفظ نار بمحرق *** ولكن عذراً لي أردت يعرض
5- وقلت لنفسي عن هواها صيانة *** ففي الذنب كل الذل للمرء يعرض
6- فإن أعرضتِ عني فيا رب رودة *** من البيض مني للهوى تتعرض
هذا ما وجدته من هذه القطعة .
وإني لأجزم أن في تراثنا الأدبي الراقي قديماً وحديثاً كثيراً من التغني بأخواتنا السمراوات اللاتي أقسم يميناً لست فيها بحانث أن الله تعالى أوجد فيهن " شيئاً " لم يعطه " للبيضاوات " ولا " للشقراوات ":
يمين لست فها بحانث **** لأني بعقبى الحانثين عروف
وتقبل مني كل تحية وتقدير.
حياك الله يا أبا إبراهيم ، وأشكرك على هذه اللفتات الأدبية الحلوة، ويبدو أنَّنا لو انجرفنا معكَ في هذا الطريق ودَّيتنا في داهية !
 
بسم الله الرحمن الرحيم​

أخي الحبيب الدكتور/ عبد الرحمن بن معاضة الشهري السلام عليكم ورحمة الله، لقد شغفت بما بثثتموه من أنفاسكم الأدبية فلم أملك نفسي عن أن أدلي بدلوي في الدلاء، فأبعث إليكم ببضاعة مزجاة من أبيات قصيدة قلتها بعد أن اطلعت على المشاركات..
.....​
هذا المقطع الأول .

حياك الله وبياك، وحيا الله شاعريتك العَذْبَة، وقد دلتني هذه الأبيات التي قلتها على مقدرة شعرية عالية، والشيءُ من معدنه لا يُستغرب، فشعراء اليمن لا يُجارَون ولا يُبارَون في ميدان الشعر، وإِنَّما أَقمنَا هذا السُّوق اقتباساً من أدبهم، واستضاءةً بنور بلاغتهم، وإِنَّا لِلمقطع الثاني لمنتظرون .
 
المقطع الثاني

المقطع الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم​
أخي وشيخي الفاضل الدكتور/ عبد الرحمن الشهري، لقد والله كنت صرفت النظر عن رفع المقطع الثاني لما فيه من الخصوصية إلا أن طلبك دفعني إلى تهذيبه وحذف بعض جوانبه، ثم قمت برفعه إليكم، وخذ بالبال أنني في حيدر أباد لا في اليمن، والأبيات كاملة في الخطاب معك أساسا كما أسلفت:
[poem=font=",6,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
أذكرتني والله عهد صبابتي=يا شيخ والزمن الذي لا يرجع
ومرابع الخلان في صنعاء كم=حاولت في النسيان ما لا ينفع
ثم اكتشفت غداة أن أذكرتني=أني أحاول رتق ما لا يرقع
ألهبت بالشجن الفؤاد وأججت=نار الصبابة لوعة لا تدفع
وبعثت من تحت الرماد نسائما=للشوق تلعب في الفؤاد وترتع
لله يا شهري كم من غادة=خطرت وكم من غادة تتطلع
ما زال يمنعني شوارد غيها=خوف الإله فبابها لا يمنع
وكرائمُ الأخلاق كنت رضعتها=والدينَ منذ المهد فيما أرضع
وسناء آيات الكتاب ومهرة=في غير صادق ودها لا أطمع
أذكرتني يا شيخ ما أنسيته=زمنا وكنت لذاك لا أتوقع
وأعدت غائبة الخواطر بعد أن=كاد الفؤاد لصوتها لا يسمع
وبعثت شاردة القوافي سيدي=فالقلب يخفق والمحاجر تدمع
فجزاك خيرا من براك بفضله=علما على أفق البرية يلمع
[/poem]
جزاك الله خير الجزاء وجمعنا وإياك في المتحابين فيه من السعداء، وأرجو منك الدعاء لنا بالتوفيق والتيسير، والحفظ من الفتن
 
بسم الله الرحمن الرحيم​

أخي وشيخي الفاضل الدكتور/ عبد الرحمن الشهري، لقد والله كنت صرفت النظر عن رفع المقطع الثاني لما فيه من الخصوصية إلا أن طلبك دفعني إلى تهذيبه وحذف بعض جوانبه، ثم قمت برفعه إليكم، وخذ بالبال أنني في حيدر أباد لا في اليمن، والأبيات كاملة في الخطاب معك أساسا كما أسلفت:
..................... .................​
جزاك الله خير الجزاء وجمعنا وإياك في المتحابين فيه من السعداء، وأرجو منك الدعاء لنا بالتوفيق والتيسير، والحفظ من الفتن

أصلح الله شأنك، وعَصمَكَ من الفتن، ووفقك لما يُحبُّ ويرضى ، وأعادك سالماً غانماً .
لقد أبدعتَ وحُقَّ لك أن تُبدِع، وأمتعتَ ولماذا لا تُمتِع ؟ والغُربَةُ مادةُ الشاعر، والحنينُ زادُ الإبداع، وأنت منهما في رَوضٍ أريضْ، والغريب دوماً ذُو دعاءٍ عريضْ .
 
ما أروع ما تخفون يا أهل الملتقى من مثل هذه الكنوز الأدبية !!
فهلا نبشتم عن كنوزكم ونثرتموها بين أيدينا ؟؟ فإنا والله لنضيع في عرض الصفحة الأولى من الملتقى , فكيف بما ورائها من صفحات مطوية ؟؟!!
فزيدونا زادكم الله من نعيمه , وبارك فيكم أجمعين .
 
وينزع بي إلى الآداب وجد
إذا قلت اشتفى بالوصل زادا
شيخنا الحبيب ، أمطر الله غيث سحائب بركاته عليك ، ننتظرك الإكمال بشوق .


ما أروع ما تخفون يا أهل الملتقى من مثل هذه الكنوز الأدبية !!
فهلا نبشتم عن كنوزكم ونثرتموها بين أيدينا ؟؟ فإنا والله لنضيع في عرض الصفحة الأولى من الملتقى , فكيف بما ورائها من صفحات مطوية ؟؟!!
فزيدونا زادكم الله من نعيمه , وبارك فيكم أجمعين .

إخواني الفضلاء وأخواتي الفضليات حفظكم الله جميعاً .

قرأتُ هذا الموضوع من أوله مرة أخرى وأنا في القاهرة قبل أسبوعين تقريباً فذهبت بي المشاعر كل مذهب، وكتبت رداً طويلاً وأضفت بعض الوقفات مع الأبيات السابقة رغبة في استثارة أهل الأدب من أمثالكم ، فلما أردت أن أضيفها انهارت المشاركة بسبب لا أعلمه ، فحاولت استرجاعها ولكن دون جدوى ، فحزنت لذلك كثيراً حيث بذلت في كتابتها أكثر من ساعة ونصف، ولكن يبدو أن نيتي لم تكن خالصة ! فأغلقت الجهاز وخرجت أنا وزميلي د. فؤاد العبدالكريم وأحد الأصدقاء إلى ميدان التحرير وكنا نسكن قريباً منه فتمشينا قليلاً وتعشينا معاً .
وأردتُ بعد ذلك أن أعيد ما كتبته ولكن هيهات ، فما أثقل إعادة الكتابة لما ضاع من البحث فكيف بالأدب والنقد والخواطر الأدبية ، التي يعتني بها الكاتب في المرة الأولى ويتخير لها العبارات ، ثم لا يبقى في المرة الثانية إلا المعاني العامة .
وأرجو أن نكمل قريباً ما بدأناه في هذه الخزانة فإني أحسبها مفيدة لي ولمن يحب الأدب إن شاء الله، ولكن لعلي أتخلص من بعض الصوارف التي صرفتني عن الكتابة العلمية والأدبية الهادئة .
 
جزاكم الله خيرا
ما أروع هذه المشاركات
 
يا شاعراً ملأ الطروس نهارا
وأسال فيه من الدجى أنهارا
لم تهد لي نظماً بديعاً إنما
أهديته فلكاً أراه مدارا

كأننا مكثنا قرابة السنة ونحن نطالب :) ، فيا شيخ عبدالرحمن كلمة ولو جبر خاطر .

أحسن الله إليك أخي الحبيب فقد استحييت منك ، وأبشر .
الآن أكتب الحلقة الثالثة من خزانة الأدب وأنشرها فور انتهائي هذه الليلة إكراماً لك ولأدبك ، ولعلك تصدقت عليَّ بهذا الطلب فقد كادت القريحة تنضب، لطول العهد ، وتتابع الأعباء ، والأدب لا ينمو إلا في ظلال الصفاء وراحة البال التي افتقدتها .
ولعلي أقف في الحلقة الثالثة مع بعض الذكريات الأدبية التي علقت بذاكرتي وأنا أترنم بالأهازيج الشعبية في ذرا جبال النماص الشاهقة على جبال السروات ، وربما دعا ذلك صديقي ابن الشجري إلى العودة فبعض الناس لا يأتي به إلا الشعر والأدب ، والأجر - إن كان - ففي موازينك أخي فهد .
 
يا شاعراً ملأ الطروس نهارا
وأسال فيه من الدجى أنهارا
لم تهد لي نظماً بديعاً إنما
أهديته فلكاً أراه مدارا

كأننا مكثنا قرابة السنة ونحن نطالب :) ، فيا شيخ عبدالرحمن كلمة ولو جبر خاطر .
هذا ما كنت تُوعَدُ يا أبا عبدالله
 
يا ربِّ باركْ مساعي كل من كتبتْ * * * يمينُه من جميل الشِّعر والصُّوَرِ
 
بارك الله في علمكم شيخنا الفاضل وزادكم بسطة فيه
ما تحدثتم عن شاعر في برامجكم إلا وأنا أهرع سريعا للقراءة عنه وعن شعره ,, فنجدكم شيخنا الفاضل تجيدون الغوص في الأعماق,, وتخرجوا لنا أجمل الدرر والكنوز المدفونة .
لا يسعني سوى القول من يملك الدر لا يهدى له الصدف ....
[poem=]إِنَّ الْجَوَاهِرَ دُرَّهَا وَنُضَارَهَا = هُنَّ الْفِدَاءُ لِجَوْهَرِ الآدَابِ
فَإِذَا اكْتَنَزْتَ أَوِ ادَّخَرْتَ ذَخِيرَةً = تَسْمُو بِزِينَتِهَا عَلَى الأَصْحَابِ
فَعَلَيْكَ بِالأَدَبِ الْمُزَيِّنِ أَهْلَهُ = كَيْمَا تَفُوزَ بِبَهْجَةٍ وَثَوَابِ
فَلَرُبَّ ذِي مَالٍ تَرَاهُ مُبَعَّداً = كَالْكَلْبِ يَنْبَحُ مِن وَرَاءِ حِجَابِ
وَتَرَى الأَدِيبَ وَإِنْ دَهَتْهُ خَصَاصَةٌ = لاَ يُسْتَخَفُّ بِهِ لَدَى الأَتْرَابِ[/poem]
 
استمعت اليوم ضمن أشرطتي القديمة لمقطع من حلقة من حلقات البرنامج الشهير (قول على قول) الذي كان يقدمه الأديب المبدع حسن سعيد الكرمي رحمه الله على إذاعة BBC العربية قبل أكثر من عشرين سنة ، فتذكرت هذا الموضوع وما فيه من الأدب والتأمل في أوديته وشعابه .
 
عودة
أعلى