الجكني
مشارك نشيط
بسم اله الرحمن الرحيم
هذه " مذاكرة " مع نفسي أولاً , ثم مع بعض طلابي ممن يتلقف كل شاردة وورادة في المواقع الالكترونية ، ثم يعرضها عليّ من باب حسن ظنه بشخصي الضعيف من جهة ، ومن باب المذاكرة في العلم من جهة أخرى ، وهي بخصوص ما وجده في بعض المواقع أن : " وفاة طاهر ابن غلبون رحمه الله كانت بعد سنة 428هـ ! واستشهد بصور للوحات من مخطوط " الحجة للفارسي " مكتوبة بخط طاهر ابن غلبون رحمه الله !
وطلبت منه إطلاعي على صور اللوحات – وهي منشورة في مركز الامام أبي الفضل الرازي رحمه الله – فصورها لي جزاه الله خيراً ، وانتهت مذاكرتي معه بما أحببت عرضه هنا على طلبة علم القراءات خصوصاً وطلاب العلم عموماً ، فأقول وبالله التوفيق :
بعد الاطلاع على المصورات ، وما كتبه السادة الأساتذة محققوا كتاب " الحجة للفارسي " يتجه النظر في المسألة من ناحيتين ، داخلية وخارجية ، أما الحالة الأولى الداخلية فهي كالتالي:
1- ذٌكر اسم طاهر بن غلبون في 3 لوحات : في نهاية الأجزاء الثاني والثالث والرابع : والملاحظ هنا : أنه في الثاني والثالث موجود التالي :
أ- في الجزء الثاني كتب : " هذا آخر الجزء الثاني والحمد لله كثيراً ، كتبه طاهر بن غلبون " ويلاحظ هنا أن اسم طاهر بن غلبون لم تكتب أصالة ، بل واضح أنها كتبت فوق كلام ممسوح بقيت آثار الحبر واضحة ، وأيضاً بعد الاسم يوجد فراغ ظاهر أنه تكملة للكلام الممسوح ، ثم كتب في السطر تحته : " بمصر وفرغ منه في ذي القعدة من سنة 427
ب- أما الجزء الثالث ففيه نفس الملحوظة إلا أن تاريخ النسخ هو ذي الحجة ثاني يوم النحر من سنة 427 .
ج- أما الموضع الثالث فهو خاتمة الكتاب ، وجاء في نهاية الجزء الرابع بعد بيان تاريخ النسخ ووجود كلام ممسوح ، جاء في وسط اللوحة : " هذا الكتاب أربعة أجزاء وهو كامل وهو بخط طاهر بن غلبون النحوي المصري" اهـ ويلاحظ هنا أمر مهم جداً ودقيق ، وهو أنه كُتب على الحاشية اليمنى عند هذا الكلام :" هذا خط ابن البرني( لعلها كذا والله أعلم ) النحوي له كتاب شرح أبيات الإيضاح " اهـ ، ولم أجد محققي كتاب الحجة أشاروا إلى هذه الكلمة مع أهميتها ، فنخلص إلى التالي:
أولاً : ما هو الكلام المطموس الذي كتب مكانه اسم طاهر بن غلبون ؟!!
ثانياً : لماذا في خاتمة النسخة وبعد عبارات خاتمتها لم تكتب " كتبه طاهر ....الخ" بل كتب اسمه في وسط اللوحة بمفرده مع عدم تأريخه أيضاً !!
ثالثاً : لماذا إغفال أن هذا الخط ليس خط ابن غلبون وإنما هو خط النحوي صاحب شرح أبيات الإيضاح ؟!
أما الحالة الثانية الخارجية فأقول :
ذكر محققوا كتاب الحجة أن وفاة طاهر ابن غلبون هي بعد سنة 4277هـ ولا دليل لهم غير وجود اسمه أنه ناسخ الحجة في هذا التاريخ !! بل قالوا : " ولم نقف على ترجمة لابن غلبون في غير ما ذكرناه، واضطراب المترجمين وتعدّد الأقوال في سنيّ وفاة من يترجمون لهم أمر واقع عندهم. وما يمكننا القطع به هو أن وفاته كانت بعد تاريخ نسخة للكتاب، ولا نمتلك تحديدا لها ، والذي يبدو لي أن الأمر قد اضطرب على من ترجم لابن غلبون ولوالده. الذي كانت وفاته كما ذكر ابن الجزري سنة 389 هـ " انتهى
وهذا اجتهاد منهم في غير محله ألبتة ، وبيان ذلك :
أ- عدم وقوفهم على ترجمة لطاهر بن غلبون غير عند المسبحي وابن الجزري قصور منهم ، أدى بهم إلى الاجتهاد مع وجود النص والاجماع .
ب- قولهم " اضطراب المترجمين ..الخ " كلام في غير محله ، ومخالف للواقع ؛ فليس هناك اختلاف عند المترجمين لابن غلبون في سنة وفاته أصلاً ، بل كل من ترجم له قبل المسبحي والذهبي وابن الجزري ذكروا أن وفاته سنة 399هـ ، وهنا أسأل : أي مصدر اعتمد عليه المحققون جزاهم الله خيراً غير وجود اسمه على النسخة ؟ لم يذكروا أي شيء ولا أي مصدر لهم سواه .
ج- تحديد سنة وفاة طاهر بن غلبون رحمه الله صرح بها تلميذه ، بل أشهر تلاميذه وهو الامام المحقق أبو عمرو الداني رحمه الله ، وهو أدرى من غيره بشيخه ، وكلامه هو المأخوذ به حيث يقول عن شيخه طاهر ابن غلبون : " لم ير في وقته مثله في فهمه وعلمه مع فضله وصدق لهجته كتبنا عنه كثيرًا وتوفي بمصر لعشر مضين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة " اهـ ومعلوم أن الداني في هذا التاريخ كان في المشرق ، ويظهر أنه كان في مصر تحديداً ؛ لأنه بعدها رجع إلى الأندلس ودخلها في ذي القعدة من السنة نفسها ، مما يعني أن تحديده لوفاة طاهر بن غلبون باليوم والشهر والسنة لم يقله اجتهاداً ولا اعتباطاً ، وحاشاه من ذلك رحمه الله ، والعجب ممن يشكك أو يشك في هذا !
د- لم تذكر كتب التراجم سنة مولد طاهر رحمه الله ، والذي رجحه محقق كتاب التذكرة الدكتور أيمن سويد حفظه الله أنها في حدود سنة 347هـ تقريباً ، وهو أقصى حد بناء على تتلمذه على ابن بدهن رحمه الله ، وأنه – طاهر – قد يكون تتلمذ عليه وعمره 12 سنة ، فإذا صح هذا ، فيكون عمره حين نسخ كتاب الحجة ( 80) ثمانون سنة تقريباً ، وهذا سنّ غالباً من يصله لا يكون خطه بنفس جمال ودقة وصحة الخط الذي كتبت به هذه النسخة ، فخطها واضح أنه خط رجل مكتمل القوة ، لا رجل عجوز بلغ الثمانين من عمره ، والله أعلم .
وأخيراً أقول :
يظهر لي – والله أعلم – أن المقصود بطاهر ابن غلبون ، ليس هو طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المقرئ صاحب كتاب التذكرة ، بل هو طاهر آخر نحوي ، وإذا كان هناك كثير ممن اسمه " ابن غلبون " فلا يبعد أن يكون أحدهم اسمه " طاهر " وكان في القرن الرابع ، والله أعلم .
هذا ما عندي على سؤالك أخي الكريم ، بسطته لك على عجل من أمري ، وضيق من وقتي ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فحسبي أني اجتهدت بدليل علمي ، وليس من شرط الباحث الصواب في كل اجتهاده ، والله الموفق للصواب .
السالم الجكني
عصر يوم الجمعة : 24ربيع الأول 14388هـ
هذه " مذاكرة " مع نفسي أولاً , ثم مع بعض طلابي ممن يتلقف كل شاردة وورادة في المواقع الالكترونية ، ثم يعرضها عليّ من باب حسن ظنه بشخصي الضعيف من جهة ، ومن باب المذاكرة في العلم من جهة أخرى ، وهي بخصوص ما وجده في بعض المواقع أن : " وفاة طاهر ابن غلبون رحمه الله كانت بعد سنة 428هـ ! واستشهد بصور للوحات من مخطوط " الحجة للفارسي " مكتوبة بخط طاهر ابن غلبون رحمه الله !
وطلبت منه إطلاعي على صور اللوحات – وهي منشورة في مركز الامام أبي الفضل الرازي رحمه الله – فصورها لي جزاه الله خيراً ، وانتهت مذاكرتي معه بما أحببت عرضه هنا على طلبة علم القراءات خصوصاً وطلاب العلم عموماً ، فأقول وبالله التوفيق :
بعد الاطلاع على المصورات ، وما كتبه السادة الأساتذة محققوا كتاب " الحجة للفارسي " يتجه النظر في المسألة من ناحيتين ، داخلية وخارجية ، أما الحالة الأولى الداخلية فهي كالتالي:
1- ذٌكر اسم طاهر بن غلبون في 3 لوحات : في نهاية الأجزاء الثاني والثالث والرابع : والملاحظ هنا : أنه في الثاني والثالث موجود التالي :
أ- في الجزء الثاني كتب : " هذا آخر الجزء الثاني والحمد لله كثيراً ، كتبه طاهر بن غلبون " ويلاحظ هنا أن اسم طاهر بن غلبون لم تكتب أصالة ، بل واضح أنها كتبت فوق كلام ممسوح بقيت آثار الحبر واضحة ، وأيضاً بعد الاسم يوجد فراغ ظاهر أنه تكملة للكلام الممسوح ، ثم كتب في السطر تحته : " بمصر وفرغ منه في ذي القعدة من سنة 427
ب- أما الجزء الثالث ففيه نفس الملحوظة إلا أن تاريخ النسخ هو ذي الحجة ثاني يوم النحر من سنة 427 .
ج- أما الموضع الثالث فهو خاتمة الكتاب ، وجاء في نهاية الجزء الرابع بعد بيان تاريخ النسخ ووجود كلام ممسوح ، جاء في وسط اللوحة : " هذا الكتاب أربعة أجزاء وهو كامل وهو بخط طاهر بن غلبون النحوي المصري" اهـ ويلاحظ هنا أمر مهم جداً ودقيق ، وهو أنه كُتب على الحاشية اليمنى عند هذا الكلام :" هذا خط ابن البرني( لعلها كذا والله أعلم ) النحوي له كتاب شرح أبيات الإيضاح " اهـ ، ولم أجد محققي كتاب الحجة أشاروا إلى هذه الكلمة مع أهميتها ، فنخلص إلى التالي:
أولاً : ما هو الكلام المطموس الذي كتب مكانه اسم طاهر بن غلبون ؟!!
ثانياً : لماذا في خاتمة النسخة وبعد عبارات خاتمتها لم تكتب " كتبه طاهر ....الخ" بل كتب اسمه في وسط اللوحة بمفرده مع عدم تأريخه أيضاً !!
ثالثاً : لماذا إغفال أن هذا الخط ليس خط ابن غلبون وإنما هو خط النحوي صاحب شرح أبيات الإيضاح ؟!
أما الحالة الثانية الخارجية فأقول :
ذكر محققوا كتاب الحجة أن وفاة طاهر ابن غلبون هي بعد سنة 4277هـ ولا دليل لهم غير وجود اسمه أنه ناسخ الحجة في هذا التاريخ !! بل قالوا : " ولم نقف على ترجمة لابن غلبون في غير ما ذكرناه، واضطراب المترجمين وتعدّد الأقوال في سنيّ وفاة من يترجمون لهم أمر واقع عندهم. وما يمكننا القطع به هو أن وفاته كانت بعد تاريخ نسخة للكتاب، ولا نمتلك تحديدا لها ، والذي يبدو لي أن الأمر قد اضطرب على من ترجم لابن غلبون ولوالده. الذي كانت وفاته كما ذكر ابن الجزري سنة 389 هـ " انتهى
وهذا اجتهاد منهم في غير محله ألبتة ، وبيان ذلك :
أ- عدم وقوفهم على ترجمة لطاهر بن غلبون غير عند المسبحي وابن الجزري قصور منهم ، أدى بهم إلى الاجتهاد مع وجود النص والاجماع .
ب- قولهم " اضطراب المترجمين ..الخ " كلام في غير محله ، ومخالف للواقع ؛ فليس هناك اختلاف عند المترجمين لابن غلبون في سنة وفاته أصلاً ، بل كل من ترجم له قبل المسبحي والذهبي وابن الجزري ذكروا أن وفاته سنة 399هـ ، وهنا أسأل : أي مصدر اعتمد عليه المحققون جزاهم الله خيراً غير وجود اسمه على النسخة ؟ لم يذكروا أي شيء ولا أي مصدر لهم سواه .
ج- تحديد سنة وفاة طاهر بن غلبون رحمه الله صرح بها تلميذه ، بل أشهر تلاميذه وهو الامام المحقق أبو عمرو الداني رحمه الله ، وهو أدرى من غيره بشيخه ، وكلامه هو المأخوذ به حيث يقول عن شيخه طاهر ابن غلبون : " لم ير في وقته مثله في فهمه وعلمه مع فضله وصدق لهجته كتبنا عنه كثيرًا وتوفي بمصر لعشر مضين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة " اهـ ومعلوم أن الداني في هذا التاريخ كان في المشرق ، ويظهر أنه كان في مصر تحديداً ؛ لأنه بعدها رجع إلى الأندلس ودخلها في ذي القعدة من السنة نفسها ، مما يعني أن تحديده لوفاة طاهر بن غلبون باليوم والشهر والسنة لم يقله اجتهاداً ولا اعتباطاً ، وحاشاه من ذلك رحمه الله ، والعجب ممن يشكك أو يشك في هذا !
د- لم تذكر كتب التراجم سنة مولد طاهر رحمه الله ، والذي رجحه محقق كتاب التذكرة الدكتور أيمن سويد حفظه الله أنها في حدود سنة 347هـ تقريباً ، وهو أقصى حد بناء على تتلمذه على ابن بدهن رحمه الله ، وأنه – طاهر – قد يكون تتلمذ عليه وعمره 12 سنة ، فإذا صح هذا ، فيكون عمره حين نسخ كتاب الحجة ( 80) ثمانون سنة تقريباً ، وهذا سنّ غالباً من يصله لا يكون خطه بنفس جمال ودقة وصحة الخط الذي كتبت به هذه النسخة ، فخطها واضح أنه خط رجل مكتمل القوة ، لا رجل عجوز بلغ الثمانين من عمره ، والله أعلم .
وأخيراً أقول :
يظهر لي – والله أعلم – أن المقصود بطاهر ابن غلبون ، ليس هو طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المقرئ صاحب كتاب التذكرة ، بل هو طاهر آخر نحوي ، وإذا كان هناك كثير ممن اسمه " ابن غلبون " فلا يبعد أن يكون أحدهم اسمه " طاهر " وكان في القرن الرابع ، والله أعلم .
هذا ما عندي على سؤالك أخي الكريم ، بسطته لك على عجل من أمري ، وضيق من وقتي ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فحسبي أني اجتهدت بدليل علمي ، وليس من شرط الباحث الصواب في كل اجتهاده ، والله الموفق للصواب .
السالم الجكني
عصر يوم الجمعة : 24ربيع الأول 14388هـ