السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
درست أن مذهب الجمهور في مسألة الرسم العثماني أنه توقيفي لا تجوز مخالفته بحال من الأحوال ، و أن البعض الآخر يرى كونه اجتهاديا ، بل يذهب البعض الثالث إلى لزوم مخالفة الرسم العثماني في بعض الأحوال ، و أراه لعز الدين ابن عبد السلام .
فلا أظن أن هذه المسألة درست باستفاضة و تحقيق من قبل على الملتقى كما درست أختها ( المراد بالأحرف السبعة ) من قبل .
فأنا أطلب من مشايخنا الكرام العناية بهذه المسألة على هذه الصفحة ، حيث إني ـ بعد أن منّ الله تعالى عليّ بدراسة علوم القرءان دراسة عامة ـ أقوم بمراجعة المدروس ، و أنتقي المسائل المشكلة و التي اشتهر فيها الخلاف ، وأقوم بالنظر و التأمل فيها وأناقش من أستطيع من طلبة العلم ، و هذا المسألة جاء دورها الآن عندي ، فأنا أتأمل فيها ـ إن شاء الله تعالى ـ و أضع ما عندي ، و ليتكرم علينا مشايخنا بالإفادة
بارك الله تعالى في جهود مشايخنا الكرام
بإمكانك الرجوع إلى كتاب :رسم المصحف - دراسة لغوية تأريخية
تأليف : غانم قدوري الحمد .
وهو كتاب قيم نفيس ، أصله رسالة علمية أعدت في قسم علم اللغة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة بإشراف الدكتور عبدالصبور شاهين ، وقد نال بها الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز وأوصت اللجنة بطبعها وتبادلها مع الجامعات .
وأنا على يقين بأنك ستستمتع بقراءة هذا الكتاب ، وستجد فيه الكثير من التحقيقات التي تشفي وتكفي .
هذه نبذة مختصرة كنت كتبتها ، وهي لا تروي الغليل ولا تشفي العليل ، ولكنها ( تصبيرة ) إلى حين يتيسر لك مطالعة المطولات إن شاء الله .
اختلف أهل العلم في وجوب اتباع رسم مصحف عثمان رضي الله عنه على ثلاثة آراء:
الرأي الأول : رسم المصحف توقيفي لا يجوز مخالفته ، وهذا قول جماهير العلماء سلفا وخلفا ، وذلك لأن عثمان رضي الله عنه استنسخ مصاحفه من صحف أبي بكر رضي الله عنه التي جمعها زيد مما كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، بالرسم الذي أقر النبي صلى الله عليه وسلم عليه كتاب الوحي، وقال الإمام أحمد بن حنبل : يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك ، وقد سئل مالك عن كتابة المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء فقال : لا أرى ذلك ، ولكن يكتب على الكتبة الأولى ، قال أبو عمرو الداني : ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة (3) ، ومن حجج هذا القول أيضا إجماع الصحابة عليه ، وإجماع الأمة الإسلامية عليه في مختلف العصور ، وأنه لايمكن جمع القراءات في غير هذا الرسم ، ولا يمكن معرفة أحكام الوقف إلا به كالوقف بالتاء على كلمة رحمت وامرأت ونحوها ، ومنها سد ذريعة تحريف القرآن ، لأن الرسم الإملائي قواعد اصطلاحية تتغير من عصر لعصر ، فلو فتح المجال لتغيير الرسم كلما تغير اصطلاح الناس لتعددت طرق كتابة القرآن واشتبهت على الناس ووقعوا في اللحن ، ونوقش هذا الرأي بأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة إنما هو على جواز الرسم العثماني لا على وجوبه ، وأجيب بأن رسم المصحف مما يلحق بالعبادات لأنه وسيلة عبادة تلاوة القرآن ، والوسائل لها حكم المقاصد ، وعلى هذا فيفيد الوجوب ، بالإضافة إلى ما سبق من المصالح التي لا تتم إلا من خلال الرسم العثماني ، والمفاسد التي لا تندفع إلا من خلاله .
الرأي الثاني : رسم المصحف أمر اصطلاحي لا يجب على الأمة الالتزام به ولا تحرم مخالفته ، وهو قول ابن خلدون والباقلاني ، وهو مردود عليه بما سبق . (4)
الرأي الثالث : وهو توسط بين الرأيين السابقين ، وهو جواز رسم المصحف لعامة الناس بما يحدثونه من أنواع الهجاء لتسهل عليهم قراءته ، مع وجوب الاحتفاظ ببعض النسخ مرسومة بالرسم العثماني لتكون مرجعا عند الحاجة إليها ، وهو قول العز بن عبد السلام والزركشي .(5)
والراجح هو الرأي الأول لقوة أدلته ، وأما شبهة صعوبة الرسم العثماني على الناس لوجود حروف مكتوبة غير منطوقة والعكس ، فجوابها أنه لا توجد لغة في العالم كتابتها مطابقة تماما للنطق بها ، وتيسير التلاوة يكون بالتعلم والمران ، فيصبح الصعب سهلا ، وليس بتغيير طريقة الكتابة (6) ، مع ملاحظة أن المنع من مخالفة الرسم العثماني إنما هو في حق من يكتب مصحفا كاملا ، لا في حق من يكتب بعض الآيات .
_____________________
(1)المقنع 10-11 ، الإتقان 2/167
(2)النشر 1 /21
(3)النشر 1 /16
(4)مناهل العرفان 1/380
(5)البرهان 1/379
(6)انظر مباحث في علوم القرآن 149-150
جزاك الله تعالى ربي خير الجزاء شيخنا الكريم أبي خالد السلمي الاسكندراني الطيب ، ولكن أليس هناك قول ـ و أظنه عن العز بن عبد السلام ـ بوجوب المخالفة ـ اي مخالفة الرسم العثماني ؟
كتاب الدكتور غانم الحمد بين يدي ، وهو مجلد ضخم تجاوز 800 صفحة .
والطبعة التي بين يدي من منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري - بغداد - العراق
ولا أعلم هل له طبعات أخرى أو لا ؟
وأما سؤالك عن رأي العز بن عبد السلام فقد أورده غانم الحمد في كتابه المشار إليه ص200 ، ونقل قول الزركشي في البرهان عندما ذكر رأي العز ، وتعقبه له = ثم علق غانم الحمد تعليقاً جيداً على رأي العز مبيناً أنه رأي تفرد به لاهتمامه ناشيء عن اهتمامه بنظرية المصالح التي جاءت بها الشريعة .
ثم اعتذر للعز بقوله : ( لكن يبدو أنه قد غاب عنه ما للرسم العثماني من دور في تصحيح القراءات إضافة إلى كونه أثراً من أيدي الصحابة الكرام الذين هم أول من تلقى القرآن وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وأول من خطه في المصاحف "ولم يكن ذلك من الصحابة كيف اتفق بل على أمر عندهم قد تحقق " وسيتضح لنا صدق هذه المقولة في الصفحات القادمة إن شاء الله . )
هناك تحقيق ممتاز للعلامة ابن خلدون في المسألة خلص إلى أن الخط العثماني ليس توقيفياً بل هو أمر اصطلاحي لا يجب على الأمة الالتزام به ولا تحرم مخالفته . وكلامه جيد لعلي أبحث عنه في منتدى أهل الحديث لأني أذكر أننا ناقشنا تلك المسألة بتوسع جيد.