حول مسألة الخلاف

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الخلاف من مسلمات الحياة لتفاوت الناس في عقولهم وفهومهم ، قال الله تعالى : ] وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [ [ هود : 18 ، 119 ] ؛ ولكنه نوعان :
الأول : اختلاف تضاد ، وهذا لا يلتقي أصحابه إلا من كان يطلب الحق ، لأن كل منهما على الضد من الآخر .
الثاني : اختلاف تنوع ، وهو اختلافٌ لا يضر ، قال الحسن البصري – رحمه الله : أهلُ رحمة الله لا يختلفون اختلافًا يَضُرُّهم [1] .
يقول ابن القيم – رحمه اللهرحمه الله : وقوعُ الاختلاف بين الناس أمرٌ ضروري لا بد منه، لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقُوى إدراكهم ،ولكن المذموم بَغْيُ بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلافُ على وجهٍ لا يؤدي إلى التباينِ والتحزبِ، وكُلٌّ من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمرٌ لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصلُ واحداً، والغايةُ المطلوبةُ واحدةً، والطريقُ المسلوكةُ واحدةً، لم يَكَدْ يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كاختلاف الصحابة، فإن الأصل الذي بَنَوْا عليه واحدٌ، وهو كتاب الله وسنة رسوله r، والقصد واحدٌ وهو طاعة الله ورسوله r، والطريق واحدٌ وهو النظرُ في أدلة القرآن والسنة، وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة"[2] .
ويجمع المخلصون على أن الفرقة والخلاف هي الآفة الكبرى التي تهدد الأمة وتشل حركتها وتطمع فيها أعداؤها ، وأنه لا سبيل إلى علاج هذا الوضع المؤلم والمؤثر في حياة الأمة إلا بسعي العلماء العاملين إلى رأب الصدع ومحاولة إزالة هذه الآفة من الطريق .
فلو استطاعت الأمة أن تتغلب على هذه الآفة ، فيجتمع شملها ويوحد صفها ، فستكون - والذي نفسي بيده - مرهوبة من أعدائها ، منصورة من ربها ؛ قال الله تعالى : ] وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [ ( آل عمران : 120 ) .
ويبقى البحث عن العلاج هو هم المخلصين ودأب الصالحين من هذه الأمة ، فالخلاف هو الآفة المهلكة ؛ ولذلك جاءت النصوص المتواترة بالنهي عن الخلاف والتحذير منه ، فمن ذلك : قوله تعالى : ] وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [ ( الأنفال : 46 ) ، وقوله : ] وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ ( آل عمران : 105 ) ، ] مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [ ( الروم : 32 ) . والآيات في ذلك كثيرة ؛ وكذلك الأحاديث ، ومنها : ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : " إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا : فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ " [SUP][3] [/SUP].
والمتفق عليه بين العقلاء أن سبيل التقارب بين المتخالفين هو الحوار ، فالحوار بشروطه وآدابه من شأنه أن يزيل الخلاف ، أو يقرب بين المتخالفين إن كان الاختلاف مما يسع الجميع ، أعني خلاف التنوع .

[1] رواه الطبري في تفسيره(15/536)بتصرف يسير.تحقيق:محمود شاكر.
[2] الصواعق المرسلة - ت: د.علي الدخيل الله (2/519) .
[3] مسلم ( 1715 ) ، ورواه مالك : 2 / 990 ( 20 ) ، وأحمد : 2 / 367 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 442 ) ، وابن حبان ( 3388 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان : ( 7399 ) .
 
عودة
أعلى