بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين أما بعد.. من الامور التي تحيرني عدم إهتمام الباحثين في علوم القرآن الكريم وفي علوم اللغة العربية في موضوع نحو القرآن...فإننا نرى وللإسف الشديد ان الباحثين ينتصرون للقرآن اذا إتهمه مستشرق بتهمة ما...ولكنهم لا يفعلون شيئا عندما يقرأون ان الزمخشري او الفراء او سيبويه إدعى ان القرآن يخالف قاعدة نحوية وضعوها هم او وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي!!!
فهل يجوز لعلماء اللغة والمفسرين ان ينتقصوا القرآن بشيء ولا يجوز للمستشرقين ان ينتقصوه؟
يا كرام هذه المسألة بحاجة ان نهتم بها لإن الانتقاص من القرآن إنتقاص لديننا وقيمنا وان علينا ان نؤسس لعلم النحو القرآني الذي يستقصي القواعد النحوية من القرآن وليس من الشعر والنثر العربي القديم.
ونظرا لإهتمامي في هذا الموضوع فقد أطلعت على كتاب(نحو القرآن)للدكتور أحمد عبدالستار الجواري رحمه الله تعالى.. وهو من أوائل الباحثين المعاصرين الذي دعى الى تأسيس علم النحو القرآني في ستينات وسبعينات القرن الميلادي الماضي...قال الدكتور أحمد الجواري في مقدمة كتابه (١٠٣صفحة)ما نصه(هذا بحث عنيت به مدة من الزمن غير قصيرة وقد شغل فكري وأنا أنظر في تأمل وإمعان إلى العبارة القرآنية حين أتلوها أو حين أستمع إليها..ولقد بدأت هذه العناية بفضل ممارسة ما كتبه العلامة ابن هشام في شرحه على الالفية أو في كتابه الجليل القدر(مغني اللبيب)...ثم يقول-وقد برزت من خلال ذلك ظواهر وحقائق تنبىء بتقصير النحاة عن إستقصائها والوقوف عندها حين وضعوا قواعد النحو)ثم ذكر الدكتور انه شارك في عام ١٩٦٧في مؤتمر مشترك بين مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع العلمي العراقي وان الاستاذ المحقق الشيخ عبد الرحمن تاج قد أتحف المؤتمرين ببحث رد فيه شبهات وقع فيها بعض المفسرين والمعربين للقرآن الكريم)... والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما بعد...وفي صفحة 7 من كتاب نحو القرآن قال-ولقد بلغ بعضهم
في هذا المجال مبلغ الايغال والغلو فحكموا على مواضع من آي القرآن بخروجها على نحو
العربية وركنوا الى التأويل والتخريج،حتى تنسجم تلك المواضع بأساليبها الرائعة وتراكيبها
الدقيقة مع ما افترضوا من قواعد وما رسموا للنحو من حدود.
ولو انهم سلموا للقرآن من حيث تاريخ نزوله على الاقل بما سلموا للمروي من كلام العرب في العصور التي يستشهد بالمروي عنها لما سقطوا في مثل تلك المزالق،ولما وقعوا
في مثل تلك الاخطاء وأحسب أن دراسة النحو القرآني ستؤدي الى إستنباط قواعد نحوية
سليمة. ولقد كان بعض قدامى النحاة على جانب من هذه العناية بنحو القرآن،واهتمام بإستنباط القواعد من تراكيبه وأساليبه ولعل ابن هشام هو الذي كان أشدهم بها عناية
وأكثرهم بها حفاوة وكانت آثار ذلك بينة في استقامة فكره واستقلال رأيه،ولقد سلمت
كتبه على العموم مما يشوب كتب النحو من قواعد وأصول مفتعلة مصطنعة تكاد
تبعث على السخرية في بعض الاحيان.
وبعد، فقد كان خليقا بمن وضعوا النحو وأسسوا قواعده أن تكون(المادة القرآنية)أهم
ما يقيمون عليه تلك القواعد ويستندون اليه في وضع النحو لإن أسلوب القرآن وتركيبه
مبرأ من الضرورات والشواذ التي حفل بها الشعر وامتلأ بها غريب اللغة الذي أستندوا
اليه بلا اعتدال ولا قصد.
قلت- اذا نحن أمام مشروع فكري علمي تتبناه المؤسسات العلمية الحريصة على القرآن
وعلى لغته....وان هذا المشروع يهدف الى تأسيس نحو القرآن القائم على آياته الكريمة
ولهذا فإني أتمنى من كلية القرآن في الجامعة الاسلامية المدينة المنورة ان تعلق على
هذا الموضوع...وكذلك مركز تفسير..والجمعية السعودية لعلوم القرآن الكريم..وكافة
المؤسسات السعودية ذات العلاقة...وأتمنى على أعضاء الملتقى وهم أساتذة في جامعة
الازهر ان يعلموا ادارة الجامعة بهذا الموضوع المهم والحيوي...والله تعالى أعلم.
الحمد لله .
السؤال : أيه حفظ أيه؟
القرآن حفظ العربية أم العربية حفظت القرآن؟
مما لا شك فيه ان القرآن تكفل بحفظ العربية بعلومها قاطبة وبخاصة علم النحو وذلك أن القرآن بلسان عربي مبين .
وإبانة لسان القرآن في الوضوح والفصل وأنه خالص لا شائبة به.
والمرء لايدري كيف يجروء الواحد على القول بلحن القرآن كيف انساه الشيطان ذكر ربه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...في كتاب نحو القرآن الفصل الثاني (الفعل والفاعل)
قال الدكتور أحمد الجواري رحمه الله تعالى- الفاعل عمدة وهو اذن واجب الذكر لايجوز
حذفه فان ظهر كان بها والا فهو ضمير مستتر عائد على ظاهر مذكور قبله قال ابن مالك
وبعد فعل فاعل فان ظهر فهو والا فضمير مستتر
ولكن العبارة القرآنية يشيع فيها أن يأتي الفعل لوحده من دون أن يسبقه أسم ظاهر يصلح
ضميره فاعلا لذلك الفعل قال تعالى(كلا اذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن انه الفراق)
وقال سبحانه(أيحسب الانسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق
فسوى فجعل منه الذكر والانثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)
وقال تعالى في المجادلة(ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم
ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا)
ألا ترى أن الفاعل في الآيات السابقة قد أستغني عن ذكره لإنه معلوم مفهوم من سياق
الكلام؟
ولو أرادوا أن يضمروا في (وظن أنه الفراق) ما يعود على الانسان المذكور في (ينبأ
الانسان يومئذ بما قدم وأخر) لما تأتى لهم ذلك لإن الضمير يعود على أقرب ظاهر،
والظاهر القريب لا يصلح لإن يعود عليه الضمير.
والامر في (كلا اذا بلغت التراقي ) أوضح وأجلى فان ما يصلح للفاعلية لفظا أو معنى
لا وجود لذكره في السورة من أولها الى آخرها.
أما آية المجادلة وأشباهها فلعلهم يجعلون الاسم المجرور ب(من) في موضع الفاعل
وهو خلاف ما تأسست عليه قواعدهم ولو أجازوا أن يكون الجار والمجرور فاعلا في
مواضع بعينها لهان الامر ولكنهم يتأولون ويتعسفون فيزعمون أن حرف الجر زائد في
مثل (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم)الرعد-43 وكذلك(أو لم يكف بربك انه على كل
شيء شهيد)فصلت-53 قال الزمخشري-( بربك في موضع الرفع على أنه فاعل (كفى)
و(انه على كل شيء شهيد) بدل منه تقديره أو لم يكفهم ان ربك على كل شيئ شهيد)
الكشاف-3/396 .....ثم قال رحمه الله تعالى- وللفعل في القرآن قوة الاسم فهو يقع في
العبارة القرآنية في موقع الفاعل نحو قوله تعالى(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات
ليسجننه حتى حين)يوسف-35 وليس هذا بالامر الغريب فالفعل و الاسم في العربية
فرعان من اصل واحد وكلاهما يدل على معناه في نفسه كما قال النحاة....
قال الزمخشري في اعراب الآية السابقة- فاعل (بدا) مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو
(ليسجننه) والمعنى بدا لهم بداء أي ظهر لهم رأي(ليسجننه)
وهذا التأويل ظاهر التكلف وهو فوق ذلك مخالف لقاعدتهم المشهورة ان المفسر عين
تفسيره ولو قيل في غير القرآن ثم بدا لهم أن يسجنوه مع التسليم باختلاف المعنى لما
احتاجوا الى مثل هذا التعسف في التأويل.
ثم ذكر ان الفراء-207هجرية كان أفضل من الزمخشري اذ قال-(والعرب تقول في
الحروف التي يصلح معها جواب الايمان بأن المفتوحة وباللام فيقولون(أرسلت اليه
أن يقوم)و(أرسلت اليه ليقومن) وكذلك قوله تعالى(ثم بدا لهم من بعد رأوا الآيات ليسجننه)
وهو في القرآن كثير ألا ترى انك لو قلت(بدا لهم أن يسجنوه) كان صوابا)معاني القرآن-328.
قلت- كان الاجدر بمن كتب القواعد النحوية ان يذكر ان القرآن الكريم له قواعد نحوية
خاصة به لإنه كتاب رب العالمين خالق العبيد فيختلف عن كتب العبيد...والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...وحول قوله تعالى(أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج
من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا أخرج يده لم يكد يراها)النور-40 وهذا شديد الشبه بالخبر المحذوف-على حد قولهم-حين يتعلق به الجار والمجروراو الظرف فيقدرونه بكائن او موجود وهو في حقيقته تعلق بالكون العام وهو فعل الكائنات جميعا
او بعبارة أخرى ادق هو وصفها الذي لم تعد حاجة لذكره لانه ينتظمها كلها سواء وصفت
بغيره كأفعال الكون الخاص-وهي سائر الأفعال-أم لم توصف وتفسير ذلك ان كل موجود
في هذا الكون كائن فهو قد كان او يكون ما لم يسند اليه وصف آخر كالقيام والقعود والمشي
والوقوف وسوى ذلك من الأفعال.
وقد أستغنت العربية عن ذكر هذا الفعل-الكون العام- بالخبر وهو اسم فيه معنى الوصف
بخلاف اللغات الحديثة وأكثر ما نعرف من اللغات الذي يسميه دارسوا تلك اللغات فعل
الكينونة ومن أمثلة ذلك ما جاء في سورة الحجرات
(ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج اليهم
لكان خيرا لهم)...قلت- كم ذكر النحاة من مسائل الحذف ثم تبين ان تلك التعاليل فيها تكلف
وان الله سبحانه من حكمته ان لا يذكر اللفظ الذي قدروه انه محذوف...والله تعالى اعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد... الفصل الثالث من كتاب (نحو القرآن) تناول موضوع
المفعول قال الدكتور أحمد الجواري رحمه الله تعالى-(وكثيرا ما يرد في العبارة القرآنية
الفعل المتعدي الى مفعول ولا مفعول بعده قال تعالى(ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ان الله على كل شيء قدير)البقرة-20 قال الزمخشري( مفعول شاء محذوف
لإن الجواب يدل عليه والمعنى-ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها)إنتهى
ان هذا الأسلوب في الاستغناء عن المفعول او في الاستغناء عن الفاعل والاكتفاء بالفعل
يدل على ان الفعل وحده قد يكون وافر الدلالة واسع المعنى بحيث يقوم وحده مقام التركيب
بطرفيه وهذا أمر لم يقدروا أن يصرحوا به (يقصد أهل النحو) وأنى لهم أن يقبلوا به وهم
يبدأون بحثهم للنحو بتعريف الكلام-(انه اللفظ المركب المفيد فائدة يحسن السكوت عليها)
أما سكوتهم عن حذف المفعول فذلك لإنه عندهم فضلة.
ما معنى كلام الدكتور وما هو وجه إعتراضه على النحويين؟
ان الدكتور يرى ان النحويين لا ينبغي لهم ان يستدركوا على القرآن بحذف هنا وتقدير
هناك....لإنهم يرون ان الجملة العربية يجب ان تتكون من فعل وفاعل ومفعول او مبتدأ
وخبر فإذا لم يجدوها أخذوا بالتقدير لها وهذا الامر في كلام البشر من شعر ونثر لا بأس
به ولكن عند النظر بالقرآن يجب ان نقف عند الآية كما جاءت لا نقدر محذوف ولا نضيف
معنى لا تدل عليه الآية....والله تعالى أعلم.