حول خطورة ما يسمى بالقراءة المعاصرة للقرآن الكريم

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
حول خطورة ما يسمّى " القراءة المعاصرة " للقرآن.
لقد أخطأ بعض الذين يفرحون بكلمة " التجديد " أو المجدّد أو المفكر الإسلامي.. تلك الكلمات التي يطلقها الناس في عصرنا على من يتبنى فكرة بحقٍ أو بغير حق ، مع أن التدبر للقديم يجود بجواهر كريمة تدل على عمق العلماء في مجموعهم ، و تحثهم على عدم الانشغال عن رسالتهم في هداية الخلق بما كفاهم الله تعالى مؤونته بحثا وتمحيصا وتحقيقا ؛ لا سيما وقد اكتمل الدين بالقرآن الكريم ، وسنة الرسول الأمين ، وفهم السلف الصالحين) .. وإذا كان القرآن يجود بدرره ومناسبته لكل عصر وأوان فإن (التجديد) الذي نقصد لا يعني ( التبديد) لقواعد وضوابط المنهج الصحيح في تأمل وتدبر وفهم وتفسير كتاب الله ، وإنما هو إعمال لقواعد فهم كتاب الله من كتاب الله ذاته ومن السنة وفهم اللغة التي جاء بها الذكر الحكيم...
و أود التنبيه على ما يسمى ب(القراءة المعاصرة) للقرآن الكريم والتي هى في الحقيقة عبارة عن محاولات (مُغرِضة) (فتَّانة) لقراءة القرآن وفق فلسفات وأفكار مارقة تخرج به عن مقصوده والهدف الذي جاء من أجله إلى (ميوعة) و( تضليل) و( تماهي) فكري يذيب قدرة القرآن على أن يكون (أصلا) و(مصدرا أوحدا) وكتاب (نور وحياة) ليجعله مجرد (كتاب فلسفة) لا دور له في حياة المسلمين ..
وهذه (استراتيجية) استشراقية غربية قام على حمل أولويتها وتنفيذها بحرفيتها أبناء من جلدتنا ( تلوثوا ) ب(عبادة الفكر الغربي) فقصدوا إلى تلويث كل المسلمين بما تلوثوا به ؛ وحيث إنهم فشلوا في التشكيك في القرآن وحربه وجها لوجه ؛ لذلك عمدوا إلى إماهة هداياته في بحور الفلسفة الضالة...
إن مركب (القراءة المعاصرة) يعتبر حلقة من سلسلة صراع طويلة، وله جذوره التي بدأت من أكثر من سبعين عاماً .. فهو حلقة من سلِسلة تعود بدايتها إلى كتابات علي عبد الرزاق وطه حسين.
لقد ألف الأول - على عبد الزاق - كتابه " الإسلام وأصول الحكم " نفى الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام، بينما ألف الثاني - طه حسين - " في الشعر الجاهلي " الذي روج فيه لآراء المستشرق الإنجليزي مارجليوث إذ طعن في كتابه أصول ومصداقية الشعر الجاهلي مستخدماً المنهج الديكارتي بحجة مواكبة الحضارة الغربية والسير في ركاب حركة التنوير التي تمسحت بالعقل والعقلانية.
ثم جاء محمد أحمد خلف الله وألف كتاب " الفن القصصي في القرآن " وطعن في واقعية الأحداث الواردة في القصص القرآنية.
ثم آزره أمين لطفي الخولي الذي انتهج سبيلاً أدبياً في الحديث عن الدراسات القرآنية ليُخرج النص القرآني عن كونه كتاباً منزلاً من عند الله إلى كونه نصا أدبياً محضا..
ثم تطورت اللعبة فنُحت لها هذا المصطلح الخلَّاب " قراءة معاصرة " ، ولعب أدوار حلقاتها كلاً من: حسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد وسيد محمود القمني ومحمد شحرور وطيب تيزيني.
فمنهم من اتخذ في كتاباته طابعاً فلسفياً ومنهم من اتخذ طابعاً أدبياً في قالب فلسفي، كل ذلك مع أسلوب ماكر في اصطناع المصطلحات الغامضة كالغنوصية، والأيستمولوجية ، والأمبريقية، والأنسنة، والإسلاموية، والسلفوية، والماضوية، والمستقبلوية، والأنطولوجية، والبلشفية، والمنشفية، والديالكتيكية، والسيوكولاستيكية، والزمكانية، والميكانزماتية، والسيميولوجية، والهرمونوطيقية، والديماغوجية .... الخ وألفاظ كثيرة غيرها انبهر منها كثير من السذج من المثقفين وظنوها (علماً ) فلاكتها ألسنتهم في المجالس ورسمتها أقلامهم في الكتب لكي يقال عنهم: متنورون .. متحضرون.. عصريون.
وقد تبنى جميعهم فيها المنهج المادي الديالكتيكي التاريخي الماركسي..
ولم تكن كتاباتهم هذه وليدة الدراسات الاستشراقية فقط بل كانت متممة وداعمة لها فسميت بعد ذلك بـ " الدراسات الشرق أوسطية "؛ وكانت الغاية منها هدم مفاهيم القرآن ومبادئ الإسلام وإحلال المبادئ الماركسية محلها، ولكنهم سلكوا لذلك سبيلاً ظنوا أنهم يبدعون فيه، فادعوا بأنهم يواكبون الحداثة وروح العصر ويسيرون في طريق التقدم والتطور ومعانقة المستقبل، فرفعوا شعار (العلمية والموضوعية) وجعلوه حكراً عليهم مقابل نعتهم لغيرهم بالجهالة والجمود والسذاجة والعمالة والتخلف والظلامية والتحجر و....... كما فعل ـ على سبيل المثال ـ نصر حامد أبو زيد في قراءاته المعاصرة لمقاصد الشريعة وأصول الفقه والقواعد الشرعية وكانت مجلة العربي الكويتية تنشر مقالاته.
ولعل من المفيد ذكره بيان أن هذا (الموكب المريب) نشط في وقت يسعى فيه أعداء الإسلام لتغيير صورة الإسلام على النمط الغربي أو على النمط الأمريكي تحت شعار ما سمّوه (العولمة) في محاولة لرسم صورة جديدة للإسلام تتوافق مع المخططات السياسية للقرن الواحد والعشرين.
وإليك نموذج صارخ لمثل هذه المحاولات الآثمة في تدمير دين الله عز وجل ...
( ونموذج لحداثي ماركسي من الذين اتخذوا الدراسات الإسلامية ميدانًا لهذا التأويل العبثي .. يقول -عن القرآن الكريم- الذي يؤمن المؤمنون -كل المؤمنين- أنه وحي سماوي، وتنزيل إلهي معجز وخالد .. يقول هذا الحداثي -عن القرآن-: إنه نص بشري، ومُنْتَج ثقافي .. لا قداسة له! وأن بينه وبين الشعر الجاهلي -وخاصة شعر الصعاليك- شبهًا كبيرًا! وبنص عباراته -التي لا تحتاج إلى تعليق- يقول:
"من الواقع تكوَّن النص [القرآن]، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص .. الواقع أولاً، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا.
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية .. وهذه الثقافة هي الفاعل، والنص منفعل ومفعول .. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره مُنْتَج ثقافي.
والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عامًا ... فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيكا هابطًا .. والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة .. والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحوّل النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته.
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص، وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري، كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً، والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكوّن النص القرآني .. فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة عامة، وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة .. وسياق مخاطبة النساء في القرآن، المغاير لسياق مخاطبة الرجال، هو انحياز منه لنصوص الصعاليك"!.
هذا عن القرآن .. أما عن "النبوة والرسالة" و"الوحي" .. فإنها -عند هذا الحداثي الماركسي-: ظواهر إنسانية، وثمرة "لقوة المخيلة" الإنسانية، وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه .. فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة، مع فارق في درجة "المخيلة"، فقط لا غير .. وبنص عباراته:
"إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية "المخيلة" في اليقظة والنوم على السواء .. ومن حيث قدرة "المخيلة" وفاعليتها، فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب، يليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب.
وتفسير النبوة اعتمادًا على مفهوم "الخيال" معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية "المخيلة" الإنسانية، التي تكون في "الأنبياء" أقوى منها عند سواهم من البشر .. إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة، فالنبوة، في ظل هذا التصور، لا تكون ظاهرة مفارقة .. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثبًا عليه وتجاوزًا لقوانينه، بل كانت جزءًا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها"!
وبعد تحويل القرآن إلى نص بشري .. والوحي والنبوة إلى قوة في "المخيلة" الإنسانية .. يذهب هذا الحداثي الماركسي إلى تطبيق "التاريخية والتاريخانية" على معان ومضامين وأحكام القرآن -كل معانيه ومضامينه وأحكامه- من العقائد إلى الأحكام وحتى القيم والأخلاق والقصص - الأمر الذي يعني نسخ كل مضامين القرآن وتجاوزها .. فيقول:
" .. فالقرآن خطاب تاريخي، لا يتضمن معنى مفارقًا جوهريًا ثابتًا ..
وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص .. فالقرآن قد تحوّل من لحظة نزوله من كونه [نصًا إِلهيًّا] وصار فهمًا [نصًّا إِنسانيًّا]؛ لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل.
وهذه التاريخية تنطبق على النصوص التشريعية، وعلى نصوص العقائد والقصص .. وهي تحرك دلالة النصوص وتنقلها في الغالب من الحقيقة إلى المجاز .. "!!.
هكذا، تم العبث الحداثي بالثوابت والمقدسات -القرآن .. والنبوة والرسالة .. والوحي- على هذا النحو اللامعقول! " .
* قال تعالي: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 70 - 72].
* وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 23 - 25]. ا.ه.
ومن لابد أن نفهم القرآن على أضواء الإيمان .. فالإيمان قبل القرآن وهى تلك النظرة الشمولية للقرآن في إطار المبادئ العامة للإسلام .. ومن خلال نظرة عامة فاحصة تجد الارتباطات في بنية القرآن كوحدة واحدة وليس كأجزاء متناثرة متبعثرة لا تقيم بناءا متماسكا وهو ما تنزه كلام الله وكتابه عنه أتم تنزيه. وقد مَنّض الله على ببحث منهجية متكاملة لقراءة كتاب الله تعالى من داخله وتوسع منهج تفسير القرآن بالقرآن إلى قراءة شمولية تعتمد لغة القرآن مرجعا لها حتى نكسر شوكة المناهج المنحرفة في تأويل كتاب الله سبحانه وتعالى. والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه. والحمد لله رب العالمين ........................

من المصادر:
-( كتاب "مفهوم النص" للهالك نصر حامد أبو زيد (ص 56، 38) - طبعة القاهرة سنة 1990 م.).
- "منقد الخطاب الديني" لنصر حامد أبو زيد (ص 83، 94، 82 - 84) - طبعة القاهرة سنة 1992 م.
- وكتاب "مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية" (ص 30 - 31) للدكتور محمد عمارة.
- والكتاب الرائع (أعلام وأقزام في ميزان الإسلام) للدكتور سيد حسين العفاني (2/ 5-7) دار ماجد عسيري - جدة - السعودية - ط. الأولى 2004.
 
الأخ عبدالمعطي كيف وضعت السيد محمد شحرور وهو يؤمن أنّ القرآن كلام الله تعالى مع سيد القمني وهو لا يؤمن بذلك. ألا تقتضي الموضوعية تصنيفا جديدا يفرِّق بين من يؤمن بأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ وبين من لا يؤمن؟
 
شكرا للدكتور محمد عبدالمعطي هذه الأسطر النابعة من غيرة على كتاب الله وقدسته، وقد بيت بأوجز عبارة موقف المشككين في كتاب الله، فجزاك الله خيراً..

ومن باب إثراء الموضوع ننتظر جوابكم على سؤال د. عبدالرحمن الصالح في التسوية في سياق الذم بين شحرور والقمني ..
 
ألا يحتوي هذا الكلام على تعميم ظالم؟
ليس العيب في تجديد القراءة، وإنما في مخرجات هذا التجديد.. وما يفيد يؤخذ، وما يضر يترك..
هناك أدوات جديدة يمكن الإفادة منها كثيرا.. ومن أهمها أدوات "تحليل الخطاب" التي يمكن الإفادة منها بدون تحريف أو تشويه لرسالة القرآن أو تشكيك في ربانية مصدره.. وهذه الأدوات ليست حكرا على أحد.. أليس الأولى عندئذ ان يتصدر بعض الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية المرضيّ عن تدينهم ووعيهم لإنجاز بحوث تروي الغليل المعرفي في هذا الاتجاه؟
 
حياكم الله

في مقالة من مجلة الإحياء قرأت عن منهج الألوسي من خلال تفسيره "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" بقلم الأستاذ عبد المجيد معلومي، فوجدت أن الإمام الآلوسي رحمه الله وظف معارف مختلفة في إخراج تفسيره مثل التحليل اللغوي، والفقه المقارن في التعليق على آيات الأحكام، والمنهج التاريخي كما سماه المرحوم صبحي الصالح مثل البحث في مكية أو مدنية السورة وأسباب النزول إلى غير ذلك، نقد النصوص التفسيرية كما يظهر من موقفه من الإسرائيليات عموما، والرواية، المدونة الشعرية، إضافة إلى ما ذكره ابن عاشور رحمه الله مثل علم الحجاج والمناظرة ومناهج الإستدلال وهو في كل هذه المباحث يجري في مجال واسع من الأنظار والمعارف، حتى إنه كثيرا ما ينشد الشعر وكثيرا ما كان يخوض في المباحث الفلسفية أو الرياضية أو الطبيعية لمناقضة المذاهب غير الإسلامية، معتمدا في ذلك على أحدث ما انتهت إليه المعارف في بيئته.

نستفيد أنه وظف معارف زمانه وما كان يتقنه منها. المعرفة البشرية تتطور، والقرآن كتاب الدين الخاتم، يتجاوز الحدود الزمنية والجغرافية، فما الذي يمنع من توظيفها من جديد في سبيل إنتاج قراءات معاصرة ؟ أظن أن المشكلة في الضوابط، فهل يجوز خرق الأصول والأسس المجمع عليها ؟ لكن من يحدد هذه الأصول والمبادئ، وأي إجماع في ماذا، ومن قال به ؟ فبينما نجد - فيما يتعلق بأحكام المعاملات مثلا - من يقول بالتاريخانية، وبتعميم مفهوم النسخ، ومن يقول بالمقاصدية، ومن يقول باللازمنية مع أن الجميع متفق على مبدأ الثابت والمتحول، فماذا عن التطبيقات ؟ عندما نقرأ في نبذة عن المؤتمر الدولي لتطوير الدراسات القرآنية أن الغاية تطوير الوسائل والأساليب والمناهج مع المحافظة على الثوابت وترسيخ الأصول المتفق عليها لفهم القرآن كما ورثناها من سلفنا الصالح رضي الله عنهم، نجد أنفسنا أمام أسئلة ما الأصالة وما المعاصرة؟ وما هذه الثوابت والأصول المتفق عليها لفهم القرآن الكريم والتي ورثناها عن السلف ؟ إن تفسيرهم هو تفسير بالمأثور بالنسبة لنا، وتفسير بالرأي بالنسبة لهم، إلى جانب التفسير النبوي والتفسير بالسنة الشريفة، طبعا. إضافة إلى الدراسة النقدية للاصول المتفق عليها لفهم القرآن المنسوبة إليهم وذلك من خلال التحقق من الروايات وصحة ثبوتها، نحاول فهم المراد بتلك الأصول لنميز بين المبدأ والقول، بين المنهج والعلم.

من جهة أخرى: نعم، تغيّر العقل (المكتسب) بتراكم المعرفة، وتغيّرت البيئة حيث أصبحنا نواجه تحديات من نوع آخر. إذا كان المجتمع العربي في فجر الإسلام يتعرض لتأثر إجتماعي من خلال تحديات معاشية إقتصادية بحيث يمكن للشبهة أن تقتحم مجال المعاملات من هذه الجهة، فإن المجتمع الحالي معرض لتحديات كثيرة عمرانية وبيئية وسكانية وغيرها. لكن هل تغير الإنسان ؟ هناك إشكالية عند العصرانيين وهم مختلفون مع الحداثيين في تحديد الثابت والمتغير الإنساني - الذي يتعلق بالإنسان من حيث هو، بغض النظر عن محيطه.

على أساس ذلك أظن أن مناط الإختلاف و مكمن الخلاف في منطقة رمادية بين سؤال الهوية وسؤال العولمة، وتحتها التجاذبات والعلاقات بين المعاصرة والأصالة، بين الحالة الزمنية والحالة المثالية، بين التطوير والتحفظ، بين الاتباع والابتداع. إذن لا يمكن أن نكتفي بنقد الآخر ووصفه بكل الأوصاف الممكنة والتي تبعده ما أمكن عن الأنا إذ لا أحد يزعم نبذ الإنخراط في العالم بحجة الخصوصية مثلا فهي فريضة تفرضها طبيعة العلاقة بين الخاص بالعام، والله أعلم.
 
تجديد القراءة هي دعوى واسعة يدخل فيها الحق والباطل، واستخدام الأدوات المختلفة في فهم القرآن يتوقف على انسجام تلك الأداة بالبيئة الصحيحة لذات بيئة القرآن وعلومه، وعند ذلك لا ضير في استخدامها ما لم تعود على ثوابت أصول التفسير بالإبطال، وفي هذ السياق أفهم استخدام بعض المفسرين كالألوسي وغيره تلك الأدواب أو العلوم في خدمة النص القرآني.
وأما الركون إلى سلامة المخرج دون فحص الأدات المستخدمة فإنه قد يسبب الضرر في مآل المخرجات، أو في فهم القراء لنوعية الأدوات المستخدمة وسلامتها، مما يساهم في تشكيل مفهوم خاطئ عن الأدوات الممكن استخدامها في فهم القرآن، فمن " قال في القرآن برأيه - بأي أداة كانت - فأصاب فقد اخطأ"، فإن القرآن له مسالك معتبرة في الأدوات وفي المخرجات..
 
تلك هي المعضلة أستاذنا الدكتور حاتم.
تجديد القراءة هي دعوى واسعة يدخل فيها الحق والباطل، وعدم التجديد هو إبقاء على تراث مشحون بالغث والسمين، والباطل والواضح والحق المبين - كما ذكر شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير. ما الحل؟ أظن الحوار، والتبادل المعرفي في نطاق تلك المنطقة الرمادية، وذلك بين المحافظين والعصرانيين والحداثيين.

الأستاذة ملاك الجهني عندما نظرت في القراءات النسوانية (النسوية الجندرية) من طرف الحداثيين والعصرانيين، لم تغفل عن الجانب التراثي؛ وتلك مسألة أشارت إليها الأستاذة فريدة زمرد بصراحة في التفسير الذكوري عندما ذكرت تلك الصورة السلبية للمرأة في التراث (الفقه والتفسير بالخصوص).

وهكذا في المواضيع والموضوعات الأخرى التطبيقية (الفقهية) و التجريبية (الصوفية).

أما قضايا الإيمان فمن وجهة نظري ينبغي عدم الإقتراب منها إلا من الجانب الكلامي. هذا يعني هناك حاجة ماسة إلى تجديد راديكالي للكلام، الذي تحول عند البعض إلى منظومات عقائدية ومعرفية بينما في الواقع ومن الناحية التاريخية كان الكلام منهجية في التعامل مع المذاهب الأخرى "الدخيلة". هذا التعامل بالمحاججة والمناقشة والرد والنقد والمناظرة، وبأساليب عقلية إجتهادية وظفت معارف متنوعة، أنتج بعض من الأقوال والأفكار التي إقتحمت مجال الإيمان، فكان علم العقيدة في المواجهة، وهذا مجاله: التعليق على آيات وأحاديث الإيمان، ثم نقد منتجات الكلام. وعودة علم الكلام إلى الثقافة الإسلامية المعاصرة سيكون لنفس الهدف، توظيف معارف العلوم الإنسانية والطبيعية في نقد الأفكار الدخيلة، وإذا إنزلق في قضية من القضايا، فهنا يتدخل المتخصصون في علم العقيدة والمذاهب المعاصرة للتعليق، وهكذا يتحرك الكلام كما تتحرك العقيدة. هكذا يتطور الكلام ومقارنة الأديان ومقارنة المذاهب والعقيدة، مع الحفاظ على الأصول.
 
شكرا للدكتور حاتم القرشي الذي فتح بابا جيدا للحوار في الموضوع.. واسمحوا لي بقول ما يلي:

أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية التعبير عن هذا الخلاف، لأن الجدل يوحي بأننا إزاء موقفين اثنين، أحدهما ينتصر للقرآن ويحفظه، والآخر يغامر بالقرآن ويهدد حفظه.. في حين أن الواقع يفرض التمييز بين مواقف كثيرة بين هذين الموقفين، وعن يمينهما وعن شمالهما. الثنائيات في الطرح تؤدي دائما إلى أخطاء في التعاطي، وإلى تفويت الفرص في التطوير..
وإذا كان تجديد القراءة دعوى واسعة يدخل فيها الحق والباطل، فلماذا لا نقر بنفس الدرجة بأن رفض تجديد القراءة هو ايضا دعوى واسعة فيها الحق والباطل؟
لماذا نتهم أدوات التجديد بأنها خطيرة (على وجه التعميم)، ولا نقرّ في نفس الوقت بأن أدوات عدم التجديد تضر هي ايضا بواقع الدراسات القرآنية؟
لماذا نسلّم بسلامة جميع "أصول التفسير" واعتبارها من الثوابت التي لا يمكن تجاوزها، في حين أنها اجتهادات علمية مقتبسة من أدوات اللغة والتفكير والفهم والمنطق والتأريخ، التي يمكن أن تتطور حين تستجد أمور تساعد على إحكام التفكير والفهم والمنطق والتأريخ؟
لماذا لا نقر بظهور نظريات ومناهج جديدة في اللسانيات وتحليل الخطاب وعلم الكلام والتفسير الموضوعي.. التي لم تظهر في في عهد المفسرين الأوائل، والتي يفيد الاطّلاع عليها والاستفادة منها، سواء كانت جيّدة (باعتمادها في بعض قضايا الدرس القرآني) أو سيّئة (بنقدها وبيان أخطاء استعمالها في الدرس القرآني)؟
نعم، الأدوات قد تسبب الضرر، ولكن الا يمكن التمييز بين:
- الأداة التي تسبب الضرر بسبب سوء استعمالها من قبل بعض الباحثين،
- وبين التي تسبب الضرر لخلل فيها يستوجب بعض التطوير والتحسين كي يجعل منها أداة جيدة،
- وبين التي تسبب الضرر لعدم صلاحيتها الكاملة للدرس القرآني؟

أما مقولة: "من قال في القرآن برأيه -بأي أداة كانت- فأصاب، فقد أخطأ".. فقد قرأتها كثيرا، ولا أجدها منطقية 100%. بل أجد أنها ربما تتعارض مع مقصد الوحي الرباني الذي يدعو الإنسان (أيّا كان) للنظر المباشر والتدبر وإعمال الرأي.. القرآن لا يخشى أن يفهمه القارئ فهما متجددا متطورا، لأن الهدف أن تصل للصواب في نهاية المطاف.. وامتحان المرء في الدنيا، ليس في صوابية قراءة القرآن، وإنما الامتحان في الدروس المستخلصة وصوابية الممارسة الحياتية.
وكمثال على ذلك: المسلم الجديد في الغرب، الذي يقتنع بالإسلام ويعلن الشهادتين بعد قراءة وتدبر فردي للقرآن مترجما للقرآن.. واستخلاص جملة من التصورات من مقارنات بالرأي، وجهل كامل بكتب التفسير والسنة والفقه، وغير ذلك.. هل لنا أن نحكم عليه بالخطأ.. لو وصل بأدوات التي يعتمدها أهل التفسير، إلى نفس ما يقول به أهل التفسير، هل نعتبره مخطئا؟
 
أرجو الاطلاع على مقال لي متعلق بهذا الحوار، نشرته في هذا الرابط بالملتقى:
http://vb.tafsir.net/tafsir42576/#post232457

وقد نشرته في قسم "الملتقى العلمي للتفسير"، ولا أدري إن كان يفترض أن أنشره في قسم الانتصار للقرآن أم لا.
 
أشكر أخي الكريم أ. محمد بن جماعة على إثرائه للحوارات العلمية المفيدة وبكل أدب جم..
إن قضية التجديد في العلوم الشرعية من القضايا المهمة والحساسة في ذات الوقت، حيث يكتنف هذ الموضوع ضبابية وغشاوة في تحديد مضمون المصطلح، فلابد من تحديد هويته الفكرية وأدواته الاجتهادية حتى يتم تحديد المقبول للبيئة الصحية في العلوم الشرعية من أدوات دخيلة ربما عادت على الثوابت بالهدم أو التصدع.
ونحن بين موقفين إما قبول كل الأدوات الحديثة بغرض التجديد ومنها النظريات الحديثة، وبين أن نفصل القول فيها فنقل ونرد، وعند ذلك لابد من وضع معيار محدد للقبول أو الرفض.
وهذا يدفعني لذكر قضية مهمة ذكرها أ. محمد
لماذا نسلّم بسلامة جميع "أصول التفسير" واعتبارها من الثوابت التي لا يمكن تجاوزها
أعتقد أنه لم يذكر أحدٌ هذا الادعاء، ولو ادعى به أحدٌ فإنه الواقع سيكذبه وينقض دعواه، فالكلام يحتاج لتحرير أكثر؛ فإن بعض حقول أصول التفسير هي متفق عليها من حيث الجملة والخلاف يقع في التفاصيل أو الأمثلة، وبعضها قابل للاجتهاد والنقاش، ففي أصول التفسير الثابت والمتغير !
وأشهر دليل على صدق ما سبق قبول الاجتهاد وإعمال الرأي السليم في تفسير آي كتاب الله من لدن المفسرين على مر العصور بدء من عصر الصحابة والتابعين وحتى عصرنا الحاضر.
ولذا فإذا أردنا التجديد في البيت التفسيري فلابد من تحديد زوايا التجديد وأدواته حتى لا نأتي على أصول البيت فتنقض دعائمه التي بناها سلف الأمة.

ومسألة ثالثة : ذركت في كلامي (من قال في القرآن برأيه.......) وهو اقتباس مني لحديث، رواه الترمذي وأبو داود والنسائي...الخ
ولذا فنقاش هذه المسألة لا يكون برفضها لعدم موافقتها للعقل أو الواقع؛ بل يمكن نقاشها حديثياً فإذا توصل لضعف الحديث فله ذلك إذا سلك مهيع أصول الحديث المتبع. علماً ان معنى الحديث صحيح من حيث أن صحة النتيجة لا تصحح مسلك الوصول إليها، ودلالته تشير إلى ضرورة تحري صحة الأداة والمسلك الموصولة للنتائج الصحيحة، ولو لم يكن ذلك كذلك لأصبح حكم القاضي الجاهل إذا طابق الحقيقة صواباً !
وننتظر من الكرام إثراء هذا الموضوع المهم والحساس..
 
وضعت يدك على الجرح أستاذنا الدكتور حاتم. نعم، سؤال التجديد سؤال حساس تتداخل فيه الذات في الموضوع، ويتم فيه مواجهة القناعة بالبحث والبحث بالقناعة. نحن نعيش هذه الحقيقة بما يكفي لتصور قوة القرآن الكريم في الإقناع، وقوة المنهج النبوي في التربية، فكيف تم نشر الإسلام في مدة قد لا تتجاوز 23 سنة في بيئة عقليتها محافظة (سلفية) {بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} ؟ الركون إلى الجاهز والمعتاد، دائما أسهل من إعمال الجهد واقتحام العقبات، لكن لابد من التجديد لأن أهل هذا الشأن أمام إختيارين لا ثالث لهما: أخذ زمام المبادرة، أو مراقبة أفاعيل التطور الإجتماعي والثقافي.

وقد نشرته في قسم "الملتقى العلمي للتفسير"، ولا أدري إن كان يفترض أن أنشره في قسم الانتصار للقرآن أم لا.
أظن أنسب مكان هنا ملتقى الإنتصار نظرا لبعض المقولات فيها مثل الإكتفاء بالجديد في العلوم الإنسانية والإكتفاء بالتفسير اللغوي.

من كتاب "الظاهرة الجمالية في الإسلام" للأستاذ صالح بن أحمد الشامي:
{فصبر جميل}

كيف يكون الصبر جميلا ؟

وعدت إلى التفاسير أنشد فيها المعنى، فلم أحصل على ما يروي الغليل، بل إن الكثير من المفسرين لم تستوقفه الكلمة، فالتعبير عنده من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى شرح و إيضاح، ومنهم من توقف قليلا ليقول كلمة أو كلمتين ...

ورجعت إلى كتب اللغة .. ثم إلى كتب فقه اللغة .. ولكن دون جدوى ..

ويممت بعد ذلك شطر (كتب الجمال) أبحث في طياتها .. فلم أجد سوى سراب خادع، يغرك مرآه، فإذا أتيته لم تجده شيئا.

واستقر في خلدي أن للإسلام نظرة جمالية عامة. ينبغي تفهما، والبحث عنها. وكان القرآن هو المرجع الوحيد .. كنت أقرأ بإمعان وروية وتؤدة أسجل من آياته كل ما له صلة بالجمال، فوجدتني أمام كتاب الله الذي لا تنقضي عجائبة.
 
شكرا د. حاتم على التفاعل..
لنسلّم بكون المقولة المذكورة لها أصل في الحديث النبوي (عند الترمذي والنسائي). ولكن من قال أنها تعني "التفسير بالرأي"؟ هل لدينا معرفة بسياق هذا الحديث: متى قال النبي (ص) ذلك؟ ولأي سبب؟ وفي حق من؟ وما هو القول الذي استدعى هذا الرد النبوي؟ وكيف ميّز العلماء لاحقا أنها "قاعدة" في التفسيروليست لمجرد ردع صنف من الناس؟
أما مقولة "ثوابت أصول التفسير" فأنا علقت على كلامكم الذكور سابقا: "وعند ذلك لا ضير في استخدامها ما لم تعود على ثوابت أصول التفسير بالإبطال".
 
ملاحظتان على الهامش..
الأولى:
لا يستقيم علم من العلوم إلا إذا توافق أهل الفن فيه على توصيف لما يقوم عليه هذا العلم، واشتهرت بالمبادئ العشرة للعلوم:
قال محمد بن عمر الرازي
إن مبادئ كـل فـن عشـرة​
الحـد والموضـوع ثم الثمـرة

فضله ونسَـبُه والـواضـع
والاسم، الاستمداد، حكم الشارع

مسائل والبعض بالبعض اكتفى
ومَن درى الجميع حاز الشـرفا​

وليس قولنا (مبادئ العلم) أنها محكمة لا نسخ فيها ولا تخصيص ولا تقييد ولا شذوذ عن الأصل، لكن في المقابل لا نقول أنها مائعة مستباحة الحمى لكل دعي يريد اقتحامها.
تلك المبادئ إذا كانت واضحة راسخة، فإن استنباط أصول البحث فيها سهل يسير، ولكن مَن الذي يستنبطها؟
إنه ابن المبادئ العشرة، الماهر فيها والممارس لها!

الثانية:
لا يستساغ أن نكتب (ص) و(صلعم) اختصاراً؛ فهذا لا يليق بمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
قال السيوطي في تدريب الراوي2 / 22: " ويُكرَه الرمز إليهما [ أي: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم] في الكتابة بحرف أو حرفين ـ كمن يكتب صلعم ـ بل يكتبهما بكمالهما، ويقال: إن أول من رمزهما بـ (صلعم) قطعت يده ".
 
بعيداً عن تحديد المراد بالحديث: هل يصح أن نطلق العنان لمن أراد فهم القرآن أن يعمل رأيه وأدواته الذاتية دون أن يسلك الطريق الصحيح للعلم ؟ فإذا أتى بنتيجة صحيحة بأداة خاطئة فهل فعله مقبول ؟
ومن زاوية مقابلة لذات المسألة:
إنْ وصف مدعي الطب وصفية طبية لمريض وصادف أنها صحيحة وبقدر الله عالجته، فهل نقبل منه فتح عيادة لتطبيب الناس فربما يصادف العلاج الصحيح ؟! أم يجب عليه أن يلتزم بطريق العلم الصحيح في الطب، وهكذا في غيرها من العلوم ...الخ
وأما التفريق في هذا بين العلوم التجريبية والشرعية فغير صحيح،فإن لكل علم أدواته المعتبرة عند أهله.

إن الذي يفتقد الأدوات السليمة لفهم القرآن لن يتمكن من التمييز بين المقبول والمرفوض من النظريات الحديثة، وربما ادعى التجديد في القرآن - مستصحباً تعظيم القرآن أم لا- فوقع في المحذور لجهله بالأدوات الصحيحة، كحال مدعي الطب سابق الذكر.
 
متفق معك د. حاتم في حاجة كل تخصص من التخصصات لوضع الضوابط العامة والمنهجية لمتخصصيه..
ولكن نحتاج أيضا للاعتراف بأن هذه الضوابط الموضوعة إنما هي "رأي" أيضا يخضع للمنطق السليم أساسا.. وإذا سلّمنا بهذا، فسنجد حينها ألا أحد من الدعاة للتجديد أو التطوير بخلفية مؤمنة صادقة يدعو للتخلي عن الضوابط الأساسية مثل تفسير القرآن بالقرآن والمرجعية اللغوية إلخ.. ليس هذا هو محل الخلاف..
محل الخلاف هو إمكانية الاستفادة من النظريات اللغوية والبلاغية وتحليل الخطاب وأدواتها.. ومدى نجاعة النظريات السابقة في تجديد وتوليد المعرفة القرآنية بما يصلح في مواجهة التحديات المعاصرة.
 
أستاذنا المحترم د. الشريف أشار إلى المبادئ العشرة. كيف نشأت هذه المبادئ؟ أو كيف كانت هذه المبادئ تمارس قبل التقعيد أو التأسيس والتأصيل؟ كيف إنتقلت من ممارسة تطبيقية حيث كان الإعتماد على الإقتداء والرواية إلى التأسيس في المرحلة التدوينية، ومن ثم التطوير في المرحلة اللاحقة ؟ أظن والله أعلم أن الإنتاج العلمي في حقل من الحقول يخضع لشروط معينة إذ لا يمكن فصل الإجتهاد في العلوم الشرعية عن الإجتهاد في العلوم والمعارف الأخرى، كما لا يمكن الإجتهاد عامة دون تحقق مسبباته ومناسباته في الواقع المعاش الذي يخضع بدوره لظروف سياسية إجتماعية وثقافية. كيف نجتهد في مجال التداول الإسلامي بأدوات لم ينتجها هذا المجال، أو على الأقل لم يقم هذا المجال بأسلمتها ؟ هنا يلاحظ الدكتور طه الرحمن أن الإشكالية في طرق إستخدام الأدوات المأصولة والمنقولة على حد سواء، لهذا هو تحدث عن مقلدة المتأخرين ومقلدة المتقدمين.

ألم تكن مهمة المعهد العالمي للفكر الإسلامي هي أسلمة العلوم الإنسانية ؟ يظهر لي أن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" الحداثية العلمانية التي تسهر على علمنة المعارف الشرعية، أكثر نشاطا وتحركا.

أعتقد أن النظريات الادبية في العلوم الانسانية الاجتماعية لا تصلح حتى لتأويل ألف ليلة وليلة فكيف بتأويل النصوص التأسيسية للتدين؟ هي في النهاية نظرية مولودة في سياق مختلف، منطلقاته دنيوية، وثقافته مادية إستهلاكية، أو لا يهم لأن المهم هو أنها بيئة مختلفة، فكيف يجوز نقلها من مجال إلى آخر دون إختبار قيمتها العلمية من خلال عمليات الأسلمة أو التوطين أو التعريب إلى غير ذلك؟

ومن جهة أخرى، أليس الأولى أن نفهم كيف نفكر ؟ كيف نعقل ؟

أولا أعتذر إلى أستاذي الدكتور عبدالرحيم الشريف إذ سأستخدم نصيحته - جعلها الله في ميزان حسناته - وأنا أحب الأمثلة لا النظريات.

فلننظر مثلا إلى نصيحة الدكتور الفاضل حيث قال: (لا يستساغ أن نكتب ص أو صلعم بدل صلى الله عليه وسلم .. قال الإمام السيوطي ...). نصيحة بريئة ولا يريد منها إلا الخير لنفسه ولنا، ولا أستطيع شخصيا الشك في النية الصالحة وراء النصيحة الأخوية والبريئة. لكن الطريقة الشائعة في "التواصل الديني المعاصر" تعكس لنا بعض من مظاهر التفكير، وقد تساعد في الجواب على سؤال: كيف نعقل؟

هناك طريقة أخرى لتوصيل الرسالة من خلال دمج التصوف في الفقه، تقديم القيمة على الحكم لصياغة عبارة نستفيد منها الحكمة والشعيرة التعبدية والغاية وأشياء أخرى. طبعا لأن هناك موعظة وموعظة حسنة، هناك جدال وجدال بالتي هي أحسن .. إلخ. أظن أن هذه النصيحة لا هي موعظة ولا موعظة حسنة .. هي في نظري ((نقل)) مع تقديم وتأخير لأن الرسالة كما يلي:
قال السيوطي في تدريب الراوي2 / 22: " ويُكرَه الرمز إليهما [ أي: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم] في الكتابة بحرف أو حرفين ـ كمن يكتب صلعم ـ بل يكتبهما بكمالهما، و يقال: إن أول من رمزهما بـ (صلعم) قطعت يده ".

(فــ : إذن) لا يستساغ أن نكتب (ص) و(صلعم) اختصاراً؛ فهذا لا يليق بمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

فماذا عن الموعظة الدينية؟

مثال:

أخي الحبيب، غفر الله لي ولك، وجعلني وإياك من الذين يستمعون القول فيتعبون أحسنه .. هل تتفضل معي لنتذكر سويا قوله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ... في بضع أسطر أبين الأخلاقيات التي يؤكد عليها الدين السمح في التخاطب بيننا، فكيف مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ..؟؟ وفي هذا السياق نجد الإمام السيوطي رحمه الله يقول ...

هي نفس النصيحة، لكن بطريقة أخرى وعظية (في التذكير) صوفية (في التواصل) وفقهية (في الحكم أو نقل الحكم/الإفتاء). أما "قطعت يده" تلك فتحتاج إلى تعليق. أهل الفقه وضعوا لحد السرقة شروط وتعريفات تحتاج فيها إلى ما هي وما لونها قبل القدرة على إثبات التهمة، وتنفيذ الحكم، وبعد إعمال مبدأ درء الحدود بالشبهات. والمشكلة في التراث أننا لا ندري بالضبط مناسبات وأسباب نزول النصوص التي ألفها العلماء رحمهم الله. المتطرف لا يهمه الأمر، بل قد يسيء إلى مثل هذه النصوص لتبرير الكراهية والطائفية والعنف اللفظي، وربما قطع يد مسلم كتب "صلعهم" بينما كان يقول في خاصة نفسه الصلاة كاملة بشروطها وبإيمان قوي ونية خالصة لله؟ هذا ممكن، وقد رأينا كيف يبررون بعض من الأفعال الشنيعة بحجة أنهم قرؤوا ((قيل)).

الدكتور الفاضل الشريف ليس بحاجة إلى هذه المقدمات، وسيذهب مباشرة إلى النتيجة، ولعله يريد بالنقل إثبات شناعة الإختصار في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والطريقة صالحة بين الباحثين، من أهل القرآن الذي يهتمون بالدراسات القرآنية، لكن لا تصلح مع الجميع، وهي لا تصلح أمام كل من هب ودب، ولا تصلح قطعا في مجتمع مهدد من طرف تحديات التعصب والطائفية. وهي تحديات تخدم في النهاية تحركات إيديولوجية ومخططات مغرضة!!

وأستاذنا يفهم جيدا ماذا أقول، كيف لا، وسبق أن كتب:
ومن ذكاء د. حسن حنفي أنه في المناقشة لم يعترض على الهجوم الشرس للدكتور الطعان عليه، حتى يبرهن للناس أنه (ديمقراطي).

نعم، يجب أن نثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق. فليثبتوا هم ديموقراطيتهم فما هي إلا برتوكلات، بينما أخلاق الدين ممارسات حقة في القلب والضمير والعقل والنية والدافع بأبعاده الدينية كلها.

خلاصة القول: الإهتمام بالأولويات. إن بين "تجديد التواصل الديني" و "تجديد الخطاب الديني" كما بين السماء والأرض، أما تجديد القراءة ذاتها فمسألة بعيدة كل البعد وتقدر بالسنوات الضوئية. وينبغي الآن السكوت عن إعادة النظر في الأدوات المأصولة.

فلنحاول الآن أن نتصور المسافة (بالسنوات الضوئية طبعا) بين (1) "قال الإمام السيوطي ..." و (2) "هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟"، أي: بين الثقافة النقلية، وإعادة صياغة الأسئلة العلمية.

كيف نفكر ؟
 
هذه خطوة متفق عليها جيد أن ننطلق منها
متفق معك د. حاتم في حاجة كل تخصص من التخصصات لوضع الضوابط العامة والمنهجية لمتخصصيه
والنقطة الثانية التي نتفق عليها ومنها ننطلق أيضاً :
فسنجد حينها ألا أحد...يدعو للتخلي عن الضوابط الأساسية مثل تفسير القرآن بالقرآن والمرجعية اللغوية إلخ
وهذه النقطة ليس محل الخلاف من حيث الجملة كما تفضلت.
ولكن عند التفصيل في ذكر الضوابط الأساسية لتفسير القرآن سيقع الخلاف مع دعاة التجديد، فهل سعترفون أن منهج الصحابة والتابعين وأتباعهم - أصحاب القرون الثلاثة - هو منهج متبع في تفسير القرآن ؟ فضلاً عن الإلتزام بالتفسير النبوي متى ما صح وتوجه لتفسير الآية ..
هذا مثال واحد في الضوابط التي يقع فيها الخلاف فتزداد هوته بين دعاة التجديد المنفتح بلا ضوابط، وبين الدعاة الذين يقبلون بالتجديد المتبع لمنهج السلف في تفسير القرآن.
 
أدرك ما ترمي إليه، د. حاتم فيما تفضلت به.
لا أعتقد أن المراد هو "توحيد" المنهج أو الاتفاق على جميع الضوابط. المناهج المختلفة لا تنطلق دائما من نفس المنطلقات، ولكنها حتما تلتقي في بعضها، ثم تبدأ في الاختلاف واتخاذ مسارات مختلفة.. وهذا قد يكون مفيدا أحيانا لأنه يوفر زوايا نظر متعددة..
وبالمناسبة: تقديري الشخصي أن "إلزامية منهج الصحابة والتابعين وأتباعهم" (إن صح إطلاق لفظ "منهج" على ذلك) هي مسألة اعتقادية، أو لنقل "رأي" قابل للحوار العلمي حوله.. هي مسألة منطلقة من حديث "خير القرون" الذي يمكن الاختلاف حول معناه ودلالاته وتطبيقاته على التفسير.
نحن نعيش حاليا في عصر تكامل العلوم وتداخل التخصصات. فنجد الآن أهل علوم الاجتماع يحتاجون لعلم النفس، وعلم النفس يحتاج لعلوم الدين، وعلوم الدين تحتاج لأهل الاقتصاد، وأهل السياسة يحتاجون للجميع.. كل التخصصات تحتاج لغيرها.. أفليس من المنطقي والمفيد أيضا أن نتطرق للدرس القرآني بأدوات مختلفة لعلها تقدم غضافة علمية وحياتية نواجه بها متطلبات العصر وتحدياته؟
 
التعديل الأخير:
أفليس من المنطقي والمفيد أيضا أن نتطرق للدرس القرآني بأدوات مختلفة لعلها تقدم غضافة علمية وحياتية نواجه بها متطلبات العصر وتحدياته؟
بلى، نستفد منها، بعد اعتبار الضوابط المتبعة لتفسير القرآن، وعدم تجهيل أصحاب القرون الفضلة في فهم القرآن وتلقيه نصا ومعنى - كما يفعل أصحاب الدراسات الحداثية في تفسير القرآن-، وعدم إلغاء الأدوات الصحيحة التي قام عليها جهود جمهور المفسرين في تفسيرهم للقرآن، ويتقدم ذلك كله سلامة المقصد بتعظيم كتاب الله وحفظ قدسيته في نصه وفهمه.
ومن أدرك خطورة تحريف معاني القرآن استشعر خطورة فتح الباب على مصراعيه لكافة النظريات الحديثة والدراسات الجديدة للخوض في كتاب الله دون رقيب من المنهج الصحيح.
 
أقدّر رأيك، يا د. حاتم.. وكلامك يعيدنا لبدايات الحوار:
- ليس مطلوبا فتح الأبواب "على مصراعيها"، وإغلاق الأبواب ليس هو الحل.
- القول بأن المناهج السابقة هي "المنهج الصحيح" وأن النظريات الحديثة تخوض في كتاب الله دون رقيب، موقف يستطبن روح المصادرة الذي تحدثت عنه في مقالي المنشور منذ أيام في الملتقى.
- هذه التخوفات، رغم مشروعيتها، ورغم سلامة نواياها، لن تمنع من اعتماد النظريات الحديثة في دراسة القرآن. يجب أن نكون واقعيين..
- لا خوف على معاني القرآن من التحريف.. والتدافع العلمي هو الكفيل بحفظها وتوليدها وتجديدها.. والزبد سيذهب جفاء بلا ريب، وما ينفع الناس سيمكث في الأرض.
 
- الشكر الموصول للأخ الحبيب الذي أزداد به إعجاباً: الأخ شايب، فهو نعم الأخ الناصح المدقق، لا حرمنا الله من عطر أنفاسه، وأرجو أن يعذر المشغول والذي يكتب عبر الهاتف مباشرته التي فيها شيء من الجفاء أحياناً.

- نعم أخي المكرم المفضال: محمد بن جماعة، الأمور نسبية ولكن من الحكمة أن المرء حين يشاهد نزعة شخص ما نحو اليسار بشدة، أن يجذبه نحو اليمين ليكون أقرب إلى (المحصلة الحيادية).

مثلاً: المتطرف نحو الرجاء برحمة الله تعالى والمتكئ على عفوه ورحمته بصورة غير وسطية.. فالأليق لتقويمه تذكيره بالخوف من الله تعالى، بل والمبالغة في تخويفه من الله تعالى وذلك لعلنا نجذبه إلى (الوسط) قليلاً.
ومثله نقيضه: أي الخائف بصورة متطرفة.. فإنك تؤمله برحمة الله تعالى، بل وتبالغ في بيان أدلة رحمة الله له، وليس من الحكمة أن تخوِّفه بزيادة.

وعلى هذا علل العلماء سبب ((عدول)) دعاء ركوب سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، فبدلاً من أن يكون: " سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ " جاء بصيغة: " بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "؛ لأن الواقع في ركاب السفينة عند الطوفان كان واقع خوف واضطراب الموج وعلوها كالجبال، فما الحكمة في أن تزيد خوف الخائف؟!
بل الحكمة أن تؤمله برجاء رحمة الرحيم.

* الخلاصة: الذي يميل نحو التجديد الوسطي المعتدل، والدعوة إلى الاستفادة من أبحاث اللغويات والأسلوبية والألسنية المعاصرة لاستخراج كنوز جديدة في الدرس البلاغي شيء، والذي ينفلت نحو التأويل منفلت العقال شيء آخر، وكل منهما تناصحه بلغة تختلف عن الآخر، بحسب حاله، وبحسب جنوحه عن التوسط.
 
إهداء خاص للحبيب محمد بن جماعة
ولكل المهتمين بالتجديد في مجال الدرس اللغوي

في المرفقات:
بحث الدكتور سمير استيتية:
القراءات القرآنية / بين العربية والأصوات اللغوية

وأنصح المهتمين باللغويات (وبخاصة الصوتيات)
متابعة أبحاثه ودروسه
 
أستاذنا الدكتور الشريف، بارك الله فيك: من الناحية المعرفية (الفقه: العلم) أُنصح ولا أَنصح؛ أما من الناحية الصوفية فنحن نتناصح. والتمييز بين الحالتين ضروري من المنظور الصوفي وفق قاعدة إنزال الناس منازلهم، وهي كذلك قاعدة فقهية تتعلق بالحقوق والعدل والواجبات. لقد وجدت تلك النصيحة أمامي توفر عناء التفكير في مثال آخر. وكم من مرة سئلت لماذا إنجذاب الشباب نحو هؤلاء بدل غيرهم (أتحدث عن الدعاة والمتكلمين في الغرب) رغم الفارق في المحصول المعرفي و الإلتزام السني، فلا أجد أمامي إلا ما أشرت إليه: التواصل.

شريط مليء بالنهي والأمر والجرح لا يناسب عقلية الملتقي وتركيبته النفسية في تلك البيئة، فلا عجب عندها أن ترى الميل إلى أشرطة وسطية تجمع التزكية بالفكر، والفقه بالواقع، والمعرفة بالقصة. مع ما فيها أحيانا من مجانبة للواضح في قضايا الإيمان، والصريح في التعبد، والأولى في التفكير الإسلامي.

لذا: التجديد في التواصل أولا، هو الطريق إلى التجديد في الخطاب، والثاني لا يتم من خلال القفز على التراث لأنه غني جدا، وفيه الواضح، والمشكل، والمتوقف فيه. الواضح يستخرج ويتم صياغته بشكل جديد تماشيا مع حكمة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم" والعقل هنا عقلية وطريقة ونفس إذ أن التطورات والتدافعات تحدث الجديد في التعقل والتفكير والتلقي والتفاعل. أما المشكل فيناقش بالأدوات المأصولة في بيئة ثقافية إجتماعية جديدة، فيستشكل من جديد أو يناقش ليستخرج منه ما يدفع في خانة الواضحات أو المتوقف فيه. وكذلك مع المتوقف فيه يفعلون.

هذا ما أظن، والله أعلم.
 
أخي الكريم محمد بن جماعة أوافقك تماماً على إضافتك الأخيرة وأشد على يدك بها.. وأعرف حرصك على القرآن ونصرته وهي الدافع لترشيد التجديد.
وسعيد بالحوار معك لأنه مثمر على الدوام ..

ونعتذر لصاحب الموضوع لكون الحوار خرج قليلاً عن أصل مشاركته؛ وعلى حماها كنا ندور..
 
الحديث عن تطوير تدبر القرآن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...
ما زلت أؤكد أن الحديث عن ( التجديد) في قراءة وتدبر كتاب الله تعالى من غير (ضوابطٍ منهجيةٍ دقيقةٍ) هو إما محاولة (جهل وعبث) بكتاب الله تعالى أو محاولة (طعن مغرض) في ربانيته.
ذلك أن الإشكالية الكبرى التي ينبغي أن يضعها كل مسلم قبل محاولة الولوج في هذا المعترك الصعب أن القرآن ( كلام الله) المنزَّل على عبده صلى الله عليه وسلم ليكون دستوراً مجيدا للإسلام والمسلمين. وهنا محاذير عامة:-
1- أن كل حديث في معنى ودلالة هذا النص المقدس هو تقويل لله تعالى؛ فإما أن يكون على مراد الله سبحانه أو لا يكون، وفي الثانية يصير (تأويلاً باطلاً) لكتاب الله يُضِلُّ به مَن تولى كبره أكثر مما يصلح.
2- أن العبث في تأويل وفهم كتاب الله – ( وأؤكد بغير حذر منهجي بليغ)- هو العبث ليس بمجرد نصٍ؛ وإنما بدستور عملٍ وحياة بالنسبة للمسلمين. ومن هذا الطريق ضل مَن ضل في متاهات التأويل الخاطئ ثم العمل بهذا التأويل فخراب الاعتقاد والتصور والعمل، وأقرب مثال لهذا الخوارج. كما أخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ : المتشابهات آيَات فِي الْقُرْآن يتشابهن على النَّاس إِذا قرأوهن ، وَمن أجل ذَلِك يضل من يضل فَكل فرقة يقرؤون آيَة من الْقُرْآن يَزْعمُونَ أَنَّهَا لَهُم فَمِنْهَا يتبع الحرورية من الْمُتَشَابه قَول الله {ومن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} (الْمَائِدَة / 44) ثمَّ يقرؤون مَعهَا {وَالَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} (الْأَنْعَام / 1) ؛ فَإِذا رَأَوْا الامام يحكم بِغَيْر الْحق قَالُوا: قد كفر فَمن عدل بربه وَمن عدل بربه فقد أشرك بربه ، فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مشركون. ( هذا بزعمهم وتأويلهم الباطل).(1)
ولكن على مستوى تلك الإشكالية الأولى تظل الإشكالية الثانية في موضوعنا والتي يطرحها الكثيرون من المتأملين. وهى ههنا أن كتاب الله تعالى- وبما لا مجال للشك عند مؤمنٍ- صالح لكل زمانٍ ومكانٍ وتحت كل الظروف من اجل هداية البشرية الحائرة في كل عصر. والعالم لدور القرآن الهدائي في هذا العصر أشد احتياجا. ومن ثّم َّفالحديث عن قراءاتٍ قديمةٍ لكتاب الله تعالى تتناول في كثير منها عصرها وواقعها الفكري والدعوي ومستجداتها الفقهية؛ هذا الحديث يحتاج لبعض التأمل و(النقد الذاتي) لما (كان في هذا الإطار التاريخي من تفسير كتاب الله تعالى) وأما ما (كان في إطار الثوابت المجمَع عليها- ولو إجماعاً اعتبارياً- في فهم كتاب الله تعالى) فهو مما نتفق معهم فيه. وأمثِّل للنوع الثاني بتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لليقين في قوله تعالى {واعبد ربك حتى ياتيك اليقين} بأنه الموت. فهنا يظل الخروج على هذا التفسير النبوي (الصحيح الاتصال به صلى الله عليه وسلم) تأويلاً فاسداً يضر بالاعتقاد والعمل، كما حدث عند بعض غلاة الصوفية.
وفي نفس الوقت أمثل لما أشرت إليه أنه (إطار تاريخي) للتفسير بما ورد في تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59)
قال الآلوسى عند تفسيرها: روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة، تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل، من غير تمييز بين الحرائر والإماء، وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء، وربما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم قالوا: حسبناهن إماء، فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي والتستر فلا يطمع فيهن..ا.ه.
وفي محاولةٍ لتبرير مارواه المتقدمون في تفسير هذه الآية في خضم (أطر تاريخية واجتماعية معينة تليق بعصورهم) [قال بعض العلماء: وقد يقال إن تأويل الآية على هذا الوجه، وقصرها على الحرائر، قد يفهم منه أن الشارع قد أهمل أمر الإماء، ولم يبال بما ينالهن من الإيذاء ممن ضعف إيمانهم، مع أن في ذلك من الفتنة ما فيه، فهلا كان التصون والتستر عاما في جميع النساء؟
والجواب، أن الإماء بطبيعة عملهن يكثر خروجهن وترددهن في الأسواق، فإذا كلفن أن يتقنعن ويلبسن الجلباب السابغ كلما خرجن، كان في ذلك حرج ومشقة عليهن، وليس كذلك الحرائر فإنهن مأمورات بعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة ومع ذلك فإن القرآن الكريم قد نهى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات جميعا، سواء الحرائر والإماء، وتوعد المؤذين بالعذاب المهين.. والشارع- أيضا- لم يحظر على الإماء التستر والتقنع، ولكنه لم يكلفهن بذلك دفعا للحرج والعسر، فللأمة أن تلبس الجلباب السابغ متى تيسر لها ذلك.. « انظر تفسير آيات الأحكام ج 4 ص 53 للشيخ محمد على السائس- رحمه الله-.» .
هذا، ويرى الإمام أبو حيان أن الأرجح أن المراد بنساء المؤمنين، ما يشمل الحرائر والإماء وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع، وأن الحكمة من وراء هذا الأمر بإسدال الجلابيب عليهن، درء التعرض لهن بسوء من ضعاف الإيمان.
فقد قال- رحمه الله-: والظاهر أن قوله: {وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح.. ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن، ولا يلقين بما يكرهن، لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها « انظر تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج 7 ص 250.» .
ويبدو لنا أن هذا الرأى الذي اتجه إليه أبو حيان- رحمه الله- أولى بالقبول من غيره، لتمشيه مع شريعة الإسلام التي تدعو جميع النساء إلى التستر والعفاف.( 2)
هذا هو ما نعني بشئٍ من الاختصار بتجديد النظر في كتاب الله تعالى بعيداً عن الأطر المقيدة المختلف فيها المستقاة من طبيعة عصر المفسرين المتقدمين وتأثير علومهم وبيئاتهم الثقافيةومستجدات عصورهم وفقههم على نظرهم في التفسير، وهو ما أسميه ب( الأطر التاريخية للتفسير= وليس لكتاب الله تعالى).
فهذه القطيعة النسبية بين كتاب الله( الرباني المقدس) ، وفهم كتاب الله( ذلك الجهد البشري الذي يقبل النقد) يجب أن تكون في عقل وقلب الذي يتعامل مع كتاب الله تعالى.. مع ( التأكيد المستمر) على أن هناك دائما ( ضوابط متفق عليها أو شبه متفق) في فهم كتاب الله تعالى وفق (تطويع منهجي) لما يمكن أن يكون (أداةً صالحةً) في فهم كتاب الله تعالى.
وكل كلمة هنا لها مغزاها الذي طول شرحه بالتمثيل والتفصيل بما يحتاج لمناقشات كثيرة.
ويكفي في هذا الأثر الصحيح عن جندب البجلي قال :"كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن فتيان حزاورة - أي: قاربنا البلوغ- فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا" أخرجه ابن ماجة، و الخلال بلفظ : "فيعلمنا الإيمان ثم يعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا" ..
وفي الواقع لقد فصَّل العلماء الجهابذة الفرق بين التفسير بالرأى المجرد المذموم، وبين التفسير بالرأى مع إعمال قواعد فهم وتفسير القرآن المرتبطة بلغة القرآن، وبعلوم السياق، والدلالة والبلاغة، والنحو وأصول الفقه، ومناحي الخطاب، وعلوم النزول وبقية علوم القرآن وغيرها من الأدوات اللازمة للمفسر في تحليل الخطاب القرآني وتوجيهه على أسسٍ صحيحةٍ ومنهجيةٍ علميةٍ منضبطةٍ تحفظ لكتاب الله هيبته وهو الكلام الرباني والمصدر أولي للشريعة الإسلامية الخاتمة.
وفي هذا يقول العلامة ابن كثير :
أما تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَحَرَامٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عليه السلام -أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لاَ يَعْلَمُ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس وأخرجه الترمذي والنسائي ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فقد أخطأ»(رواه أبو داود والترمذي والنسائي) .. أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمر بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النار، وَلِهَذَا تَحَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَنْ تَفْسِيرِ ما لا علم لهم به، فقد روي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضى الله عنه -أنه قال: «أيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وأيُّ أرضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ».
وروى أنس عن عمر بن الخطاب أنه قرأ على المنبر {وفاكهة وأبَّا} فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الأبَّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لهو التكلف يا عمر.
وروى ابن جرير بسنده عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ وَإِنَّهُمْ لَيُعَظِّمُونِ الْقَوْلَ فِي التَّفْسِيرِ، وعن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: مَا سمعتُ أَبِي يؤول آية من كتاب الله قطُّ، وسأل محمدُ بن سيرين (عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ) عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: ذهب الذين كانوا يعلمون فيمن أُنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
قال ابن كثير: فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلهم عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَحَرُّجِهِمْ عَنِ الْكَلَامِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ فيه، فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا عَلِمُوهُ، وَسَكَتُوا عَمَّا جَهِلُوهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقَوْلُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تكتمونه} ولما جاء في الحديث الشريف «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ القيامة بلجام من نار».(أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة).ا ه(3)
وعلى هذا فالحديث عن تجديد في فهم كتاب الله تعالى بضوابطه واستخدام أدوات الواقع والحياة المعاصرة بما لا يهدم معاني القرآن النورانية بالتأويل الباطل؛ هو حديث مشروع ومهم لتطوير وجود كتاب الله تعالى في حياتنا.
وإنما كان الذم على ذلك ( التميع) البغيض في سياقة تجارب (عبثية) في التعامل مع كتاب الله تعالى تحت رايات بأسماء عريضة لترويج التأويل العبثي لدين الله وكلامه، ولتوظيف "نظرية الهرمنيوطيقا" على نظاق مقبول في توجيه وتحييد كلمات الله تعالى وآياته.
وأشكر كل حريص على تفهم فكرتي، وعلى تطوير فهمنا لكتاب الله تعالى.
والله أعلم، وهو الهادي والمعين.
من المصادر: 1-الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/ 146)
2-التفسير الوسيط لطنطاوي (11/ 246)
3- انظر مختصر تفسير ابن كثير للصابوني (1/ 13)
 
أظن أن كل حديث عن المعنى هو تقويل على الله، إذا قال صاحبه أن هذا المعنى خو مراد الله.
أما إذا قال إنه فهمه لمراد الله، فلا حرج.
أعتقد أننا يجب أن نفصل بين الخطاب الرباني والفهم الإنساني. كما يجب أن ندرك أن الخطاب القرآني قابل لتعدد المعنى بتعدد زوايا النظر، كلما توفر المعنى الجديد على إضافة سليمة لا تتناقض داخليا مع معاني قرآنية أخرى.
 
وتكملة لمشاركتي أود الإحالة على مقال هام في مجلة البيان (238/ 3) أنقله هنا بنصه لمن يهمه الأمر:
التأول الموغل في المخالفة
عبد الله بن محمد السعوي
ثمة بعد بدهي يتعذّر تجاوزه يَتمثّل في قداسة النص القرآني وقدرته على مباشرة الوظيفة الإيقاظية، من خلال تنظيم إيقاع الحياة، وقدرته على الجدلية ـ بحسبه فاعلاً ـ مع متباين السياقات الزمانية ـ بوصفها منفعلاً ـ دون أن يفقد شيئاً من ماهيّته، ملبياً آفاق الإنسان وطموحاته عبر تقديمه للمثل الأعلى ـ على نحو خالٍ من التعقيد المنهجي ـ الذي يتمركز حوله النشاط الجمعي العام. ولو تأملنا في الخطاب القرآني على نحوٍ معمَّقٍ لألفيناه ـ كرسالة شمولية عامة تتعالى عن الحدود الزمانية والمكانية ـ يزخر بالعديد من التوجيهات العامة الرامية إلى إفساح المجال للفاعل الفقهي ليباشر الفعل التأويلي ويتحرك داخل النص وفق أصول منضبطة، وفي ظلال المقاصد العامة للشريعة، وفي إطار حاجات المجتمع المسلم. الممارسة التأويلية لا تجري على نحو عشوائي، بل هي محكومة بمنهج، ومقيّدة بنص، ومؤطَّرة بضوابط معرفية، ومطالَبة باستقطاب المنتَج التأويلي العام المتمخض عن الذهنية السلفية المعتبرة للتماهي معه والالتزام بأنظمته ومحدداته؛ التي يفضي تجاوزها إلى ضرب من الخيال التأويلي، والترجمات غير الأمينة التي لا تتناغم والقيدَ الموضوعي؛ كما نلاحظ في كثير من السلوكيات التأويلية التي تتعاطى مع النص بانفتاح تأويلي لا نهائي ـ كإجراء يخترق النظام العقدي ـ؛ فهي تباشر الفعل التأويلي وفق الهندسة المفاهيمية المستوحاة من الجغرافيا الفكرية ـ المنحرفة ـ التي تنتمي إليها؛ فتتعاطى مع مفردات النص، باعتبارها لا تركن إلى دلالة ثابتة بقدر ما هي متعالية على التحديد، عبر انفتاحها على حقل دلالي متنوع، يحيل النص إلى مساحة رحبة للعمل العقلي على نحوٍ ناءٍ عن الشرط المعرفي المعتبر.
هذه الذهنية ـ المنشقة على الأسس الموضوعية ـ ترى أن التعددية الدلالية، وتدفق المعنى الفائض هو الأصل الذي يدفع الفاعل التأويلي إلى تجاوز المعاني المباشرة للتشكيل اللغوي في بنية النص إلى البنية العميقة لاستجلاء ما أضمر من أي كمون إيحائي، ودفع النص للبَوْح بكل معطياته المتوارية! هذا القالب يمارس الفعل التأويلي التقويلي على النص عبر تحميله لدلالات نائية عن طاقته المعنوية، انطلاقاً من إيمانه بأن النص قابل للتأويل المستمر والصيرورة الدائمة؛ فهو لا نهائي في نصيّته، ولا محدودية في معطياته الدلالية! بل هو قابل للنقد والمراجعة كأي نص بشري آخر، كما نرى عند (عفيف الأخضر) الذي يوغل في المخالفة العقدية؛ فهو يذهب إلى أن النص القرآني لا يتعالى عن المساءلة، ولا يستعصي على النقد! ولذا فهو ينزع إلى توسُّل المنهج (الأبستمولوجي الباشلاري) النقدي التفكيكي في التعاطي مع النص، ومعاينة مضامينه، والمسلك ذاته ينهجه (شاكر النابلسي) . هذا الحراك الموصوف بالتأويلي يرى أن التمسك بحرفية النص ومعطياته اللغوية المباشرة يحيله إلى نص مغلق؛ يعكس إمبرياليّته وأحاديته التي يُنزَّه عنها كفضاء دلالي رحب الآفاق! كما نرى في كتاب (قراءة معاصرة في إعجاز القرآن) لِـ (إبراهيم محمود) ؛ حيث يرى: «ضرورة عدم الحجر على النص القرآني في معنى موجه» ! (ص: 102) .
هذا السطو المعنوي الموجه يرمي ـ كما يتوهم ـ إلى تشكيل الجغرافيا الدلالية عبر ملامسة (ميتافيزيقا) النص بعد تفكيكه من الفهم التراثي الذي عَلِق به في ظروف زمانية مكانية معينة، ولكنه يقع فيما هرب منه؛ لأنه أخضع النص مرة أخرى للمعطى الزماني كما نرى عند (محمد أركون) ؛ الذي يتوّسل المنهج (الأركيو لوجي) الحفري، ويشتبك مع النص القرآني عبر القراءة التفكيكية ـ تأثراً بِـ (جاك دريدا) التفكيكي الأول ـ كمنهج نقدي قائم على أساس عدم وجود قراءة واحدة للنص، بل هو يستجيب لإمكانيات القراءات المتعددة. ولا ريب أن هذا المنطق التأويلي منافٍ لطبيعة النص؛ فهو يتقوّل عليه ويقلّل من قداستة. المسلك الأركوني اللاموضوعي يرى أن الإسلام خاضع للتاريخانية، وأن البعد الميثي هو القالب الناظم للخطاب القرآني، وأن المنحى المجازي هو الركيزة الجوهرية التي يتوفّر عليها؛ حيث يقول في كتابه (تاريخية الفكر الإسلامي) : «إن القرآن كما الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري. إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً» (ص: 299) . وفي الكتاب ذاته يندفع متهوراً ويتهجم على الإمام الشافعي ويرى أن تحديد الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في (الرسالة) لمصادر التشريع الإسلامي بأنها: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس ـ أن هذا هو: «الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهي» (ص: 297) . وقريباً من هذا نجد الدكتور (محمد عابد الجابري) الذي أطروحاته دائماً تتمحور حول التراث والتحديث ـ قد سلك منهجاً فكرياً ينحو المنحى الفلسفي في قراءة التراث، وقد وقع في مغالطات حادة (1) . من ذلك قوله في كتاب (بنية العقل العربي) : «اللغة والشريعة والعقيدة والسياسة، في الماضي والحاضر، تلك هي العناصر الرئيسية التي تتكون منها المرجعية التراثية التي قلنا: إنه لا سبيل إلى تجديد العقل العربي إلا بالتحرر منها» . أيضاً يذهب (محمد أركون) إلى القول بأسطرة القصص القرآني، ويرى أن المعطى الزمني المعاصر هو الذي يجب أن يحاكم إليه القرآن؛ حيث يقول في كتاب (الفكر الإسلامي: قراءة علمية) : «ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس» ! (ص: 203) .
إن التماهي العميق مع الأسس (الهيرمونوطيقية) أفضى إلى التمرد على النص المحكم، وانتهاك الشرط التأويلي من خلال مصادرة قداسة النص، ونفي بُعْدِه الإلهي، بل وثمة من ذهب إلى أبعد من ذلك؛ إلى تبنّي المنهج (النيتشوي) (2) ، والقول بموت الأشياء الغيبية (كما هو تعبيرهم المعتمد) ، وأن لفظ الجلالة ليس إلا رمزاً لذاتٍ عُليا مجهولة الصفات ـ جلّ الله في علاه ـ، وأن السلوك الإلحادي هو الحالة الإنسانية الطبيعية للتعاطي مع الوجود! الجنوح إلى توسيع فضاء الممارسة التأويلية اللامنضبطة لا يفرز إلاّ تغيير البنيان النظري للمفردة ـ عبر زحزحتها على الصعيد الدلالي من واقعها الفعلي ـ ويحيل الحقيقة الموضوعية إلى ضرب ميثولوجي أسطوري، والمقدس المتعالي إلى متعين مادي! كما نرى في (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة) لِـ (محمد شحرور) الذي قفز على القواعد الشرعية، وصادم المسلَّمات البديهية، ودلف في مغامرات (هيرمونوطيقية) دفعته إلى اعتبار الوجود المادي هو عين الوحي المقدس؛ حيث يقول: « ... فالوجود هو عين كلام الله وهو مخلوق غير قديم» (ص: 256، 257) ! هذا الانحراف الحاد في تضاريس الجغرافيا التأويلية المعاصرة لا يبتغي في حقيقته التقاطع مع النص اتفاقاً؛ وإنما يرمي إلى التقاطع مع العقل ـ المحدود ـ بحسبه الملهمَ الأول لدعم فكرة أو دحض أخرى.
وصفوة القول: إنه لا يخفى على ذي تنبّهٍ في هذا المساق أن التعاطي مع النص وفق رؤية سلفية هو حجر الزاوية في تصويب الرؤية، وترشيد تداعياتها؛ لأن السلف كما يقول (ابن تيمية) في كتابه (درء التعارض) هم: «أكمل الناس في معرفة الحق وأدلّته والجواب عمّا يعارضه» (7/ 172) .
 
ولأخوتي السائلين عن محمد شحرور أقول: إن الشذوذ في الفكر ومخالفة علوم الأمة والسنة درجات ولكن لا يخفى أن المنبع واحد والمشرب واحد والهدف واحد والمب كذاك بالنسبة لأولئك واحد. ورغم أن الأمر يستحق الإسهاب أوفر جهدنا في تدبر كتاب الله وأحيلك على بعض فكر الرجل، وله الكثير من السقطات التي تنبئ عن منهجه واكتفي بإلاحالةو فأقول:-
إن الدكتور المهندس محمد شحرور رفض اعتبار علماء المسلمين من فقهاء ومفسرين وحدهم ورثة الأنبياء فقال:
(إنَّ ورثةَ الأنبياء ليسوا علماء الشريعة والفقه وحدهم، إن هذا غير صحيح، إن الفلاسفة وعلماء الطبيعة وفلسفة التاريخ وأصل الأنواع والكونيات والإلكترونيات هم ورثة الأنبياء) (انظر الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، د. محمد شحرور، ص104، نقلا عن التحريف المعاصر في الدين، ص100للشيخ حبنكة الميداني .) .
والعجيب في هذا القول إنه يجعل الكفرة بالأنبياء هم ورثة الأنبياء، لأنه يريد أن يجعل الفكر الماركسي هو الوارث للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وقد قام محمد شحرور بدراسة للقرآن الكريم محاولا تأويله تحت ذريعة القراءة المعاصرة، ومن أخطر ما قاله:
(ولهذا فالقرآن لابد أن يكون قابلا للتأويل، وتأويله يجب أن يكون متحركًا وفق الأرضية العلمية لأمة ما، في عصر ما، على الرغم من ثبات صيغته) .
ولو أن هذا الكاتب اطلع على أخبار كبار علماء كونيين أسلموا لما اكتشفوا مطابقة بعض ما جاء في القرآن الكريم بنصه الصريح دون تأويل لأحدث الحقائق العلمية عن الكون والإنسان؛ لما تجرأ أن يتصدى فيطلق هذه المقولة الساقطة (انظر التحريف المعاصر في الدين، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص33 - 34.) .
كما يدعو الدكتور شحرور دعوة صريحة إلى رفض أقوال السلف من علماء وفقهاء ومفسرين، واتباع قواعد المنهج العلمي في دراسة القرآن، فقال:
(إننا في القرآن والسبع المثاني غير مقيدين بأي شيء قاله السلف، إننا مقيدون فقط بقواعد البحث العلمي والتفكير الموضوعي، وبالأرضية العلمية في عصرنا؛ لأن القرآن حقيقة موضوعية خارج الوعي فهمناها أم لم نفهمها) (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، د. محمد شحرور، ص91) .
كما أن محمد شحرور يريد تفريغ السنة من قيمتها وعناها في حياة المسلمين حين يقول: " قال بعضهم: إن ما كان يقوم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، هو وحي كله، لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والاستناد إلى هذه الآية الكريمة لا مسوغ له هنا، فالضمير "هو" لا يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يعود بووضح - وحصرا - إلى الكتاب المنزل. [ انظر الكتاب والقرآن-ص 545].
وردت هذه "السواقط" وأمثالها الكثير في كتاب ضخم له دعاه: (الكتاب والقرآن. قراءة معاصرة) يقارب ألف صفحة من القطع الكبير، ثم صار هذا الكتاب مرجعاً عندنا في مصر - الآن - لكل اصحاب الفكر الشاذ ومن أبرزهم منكرو السنة، الذين نواجه شبهاتهم في هذه الدراسة.
( راجع الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض للدكتور عبد العظيم المطعني - مكتبة وهبة 1999م)
 
بارك الله فيكم؛ ننتظر المزيد من التعليقات، النقدية والإستفزازية منها خاصة، لأن الموضوع في غاية الأهمية ويسهّل لنا الطريق إلى فهم العائق المعرفي المنهجي في الثنائيات الثلاثة: بين التجديد والتقليد، بين التجديد المرغوب والتجديد المكروه، ثم بين التقليد المأصول والتقليد المتزمّت. والهدف هو الكشف عن تلك "العوائق الابستيمية" هل هي كذلك أم قطائع - حواجز - ؟

إفتراضيا فحسب نتصور من يدفع التفسير الحادث ليدافع عن التفسير القديم، وكأن لا وسط مثلا، لكن هل يدافع عن التفسير القديم، أم عن فهمه لهذا التفسير، أم عن وعيه ولاشعوره الذي شكّله له التراكم الثقافي والمعرفة التقليدية ونوع التعليم الذي تلقّاه؟ هل قام مثلا بدراسة تحليلية ومقارنة للتفاسير وأعمل في دراسته الموسوعية تلك القواعد والمناهج المأصولة ؟ ثم نفس السؤال فيما يتعلق بهذا الإطار (قواعد، مناهج، أصول و أدوات مأصولة) في حد ذاته: هل طبّقه أم رواه أي ينقله حيث يسلم مسبقا بفرضية أن تلك القواعد طُبقّت بحجة أنه قيل فلان فسّر بالإطار ؟ وهناك حجج أخرى تبريرية، وهل هي علمية؟ إن الإنسان قد يميل إلى إختيار لسبب من الأسباب ثم يبحث هنا وهناك عن مبررات ليظهر الأصالة والإقتداء بالأئمة، وربما أيضا إدعاء إرث النبوة الذي به فهم المراد من كلام الله، وغيره يتكلم بغير علم أو يقول بالرأي أو يخالف هذه أو تلك المدرسة، أو "كيف غاب هذا عن المتقدّمين؟". سؤال جميل، لكن من هم هؤلاء، كيف وصل إليهم، هل وقف عليه أم يكتفي بإفتراضه؟

أنظر هذه الرواية:
(وفاكهة وأبا ثم قال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر).

هذه معروفة ومشهورة لكل من قرأ في باب التفسير بالرأي. بغض النظر عن صحة الرواية من حيث السند، وبغض النظر عن قطعية دلالتها، وهي في ظاهرها من الغريب فكيف لا يعرف عمر رضي الله عنه كلمة نزلت بلسانه وبلسان مبين، ولنفترض لا يعرفها فكيف لا يعرفها الحضور أم خطب الجمعة أمام رجل واحد ؟ وكيف عرف الراوي حديث النفس ؟ ثم الفاروق رضي الله عنه طرح تساؤلا ولم يجب، فكيف تكلّف وفيماذا ؟ لا تقدم لي الرواية المعلومة الكافية للوصول إلى رسالتها ومناسبتها. وطبعا أسئلة أخرى، كلها متجاوزة ولا تهم من يبحث عن وظيفة معينة يرغب فيها ويريد الوصول إليها من خلال الرواية. الآخر سيبحث عن رواية التدبر أو تثوير القرآن ويجمعها بآيات وأحاديث ليشكل "قالب" يساند به إعمال العقل والرأي المستقل، أي يبرر به ما أراد، وربما بحث الثالث عن "قالبه" أيضا ليبرر ضرورة الإمام بحجة إنغلاق النص وتشابهه أمام العوام وهكذا تفتح أبواب الباطنيات أو ما شابه، وهكذا سيفعل الرابع، والخامس، إلى آخره.

المشكلة الحقيقة أن تلك الوظيفة ستتحول مع الوقت والتكرار والشيوع إلى "زر" في عقل المفسر. هناك سواء طبق المناهج والأدوات والأصول أو لم يطبقها، فإن أي نتيجة يصل إليها ستكون تفسيرا بالرأي، حتى تفسير القرآن بالقرآن !

وهل يمكن إقناع الشيعي المتعصب، أي الرافضي، أن القرآن لا ذكر فيه لعلي كرم الله وجهه ولا لمتعلقات الإمامة، لا تصريحا و لا تلميحا، لا من بعيد ولا من قريب ؟ لا يمكن! لأن تعصبّه الذي تشكل نتيجة إجتماع عوامل تربوية تعليمية إجتماعية ثقافية حركية ونفسية خلقت عنده تلك "الأزرار" التي تحولت إلى "حاجز" بعد "حاجز" فإذا هي "حواجز" تحولت إلى "عائق" و "المعاق" لا يفكر، لا يبحث، لا يحلل و لا يقارن فكيف له أن "يجدد" ؟

ونفس الشيء يقال في الجدالات القديمة بين أهل السنة وأهل الحديث في مسائل عقائدية تتعلق بما يسمى "الصفات"، وهي جدالات عقيمة تم إحياءها من جديد للأسف، إذ هناك ملتقيات متخصصة في هذه الثقافة الرجعية. هل يمكن إقناع متعصبي المؤولة بأن المثبتة و المفوضة لا يسنبون لله نقصا ولا عيبا إذ أنهم لا يكيفون شيئا ؟ لا. أو العكس: هل يمكن إقناع متعصبي المثبتة أن المؤولة والمفوضة لا يحرفون بل يفعلون نفس الشيء وهو الإجتهاد في فهم النص؟ لا.

إنها أزرار، وحواجز، وعوائق ! دوغمائيات. في الرؤوس، في العقول، في النفوس. بهذه الدوغمائيات لا تسطيع أن تباشر نصوص التفسير، فضلا عن النص الأصلي، لأنك لن ترى إلا من وراء حجاب يحجب عنك الألوان المتعددة، فلا ترى إلا القليل منها، أو ربما رأيت لونا أو لونين في حين أنها بالعشرات!

وتلك بالضبط مشكلة الحداثيين وبعض من العصرانيين. يدعي طلب القطيعة مع التراث والفهم السابق، في نفس الوقت يعود إليه عندما يجد فيه ما يمكن رؤيته بدوغمائياته وبحاجته النفسية، مثل قضية نزعة الأنسنة في الفكر العربي (أركون). وهو أيضا سيجد "إن هذا لهو التكلف يا عمر" الخاصة به، ولن يكترث كثيرا لمعناها وسياقها، لن يحلل، ولن يقارن، ولن يفعل شيئا، بل سيمتسك بجانب منها ويواصل النظر بحثا عن "الوظائف الممكنة". هذه الوظائف مع مرور الوقت إن تكررت، و انتشرت وشاعت، تحول إلى "أطر عملية" في كل المقاربات التي ستتوالى بعدها. ومن هنا ضرورة التدخل، ولن يتدخل المقلّد المتزمّت لأنه أيضا دوغماتي. ما يفعله الحداثي المغرض هنا بالنسبة للمنقول من المجال الإسلامي، سيفعله هناك بالنسبة للمنقول من المجال الأجنبي، حيث لا يهمه سياق وحدود وتطبيقات المناهج الجديدة في العلوم الإنسانية والادبية الحديثة، ولا صلاحيتها، ولن يهتم بالتطورات التي حدثت في تلك النظريات منذ آخر مرة قرأ عنها، ولا شيء من هذا القبيل. المهم هو هل تصلح كوظيفة تخدم حاجة معينة، وفي الغالب هي حاجة إيديولوجية، كما هو مصرّح به في كل مرة، أم لا ؟ إن كانت تصلح فبها ونعمت، وسيؤلف ويختم مقدمة تأليفه بـ "وبالله التوفيق"!

وحقيقة المختلف فيه توجد في منطقة رمادية لذا أرى أن النقد والنقد الذاتي الركن الأساسي في كل قراءة تجديدية، ولا يهم هل تلتزم أو لا تلتزم هذه القراءة بقواعد هذا المجال التداولي أو ذاك لأنها في النهاية صالحة للإختبار والفحص. وما العيب ؟
 
حول خطورة ما يسمى بالقراءة المعاصرة للقرآن الكريم

من الطبيعي أن لا يعرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه معنى (الأب)، كما لم يعرف معنى : " التخوف " في قوله تعالى: " أو يأخذهم على تخوف ".
بل إن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن يعرف معنى: فاطر، يحور، افتح..
قبل أن يذهب يتعلم في البادية.

والسبب؟
السبب ذكره الشافعي في كتابه: الرسالة.
بأن اللغة العربية أوسع اللغات وأكثرها ألفاظاً، ولا يحيط بلغة العرب إلا نبي.
 
بارك الله فيك أستاذنا عبدالرحيم الشريف؛
طبعا، أنا لا أفهم معنى قبل أن يذهب ليتعلم في "البادية" وكأن أهل "القرية" كلهم لا يعلمون شيئا عن المفردات، لكن هذا موضوع مستقل يتعلق بعلم التفسير أو بعلوم القرآن عامة حيث البحث في المفردات واللسان والأحرف والمشكل والغريب والمعرب وما شابه.

أما في منقاشة التجديد والإصلاح والإسقاط والتقليد والتأويل والتحريف نتكلم عن "عقليات" تم إنتاجها في مصانع "التوظيف" وليس في حلقات "الفهم" أي في مجال توظيف راوية "هذا هو التكلف يا عمر" أو في "قال الشافعي"، أو "منهج تحليل النص التاريخي يدرس في جامعات عالمية" و "قال لينغ وينغ إن نظرية تكعيب الأبيات بالنسبة لتحليل نص الشعر كنظرية تسينانع لتحليل السكريات في الدم".

السبب الذي ذكره الشافعي رحمه الله توظيف وليس بفهم. أي وُظفت مقولته لتبرير رواية "هذا هو التكلف" و نقل "حتى ذهب إلى البادية" و "لم يكن يعرف معنى فاطر". الفهم - وهو شرط للتجديد من طبيعة الحال - شيء آخر مختلف تماما.

مثلا يأتي فلان يقول قال الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" وهو يريد الإنتصار لحرية الرأي الآخر، ويأتي آخر بنفس المقولة ينتصر لحرية الرأي المشروع، وثالث سيتكلم عن حرية في إطار المختلف فيه، ورابع يرى أن ما قيل أنه مختلف فيه ليس كذلك بل حكي الإجماع فيه .. وهكذا. كلها توظيفات. هناك من يوظف لحاجة، وهناك من يوظف بلا شعور أصلا لأنه سجين منظومة معرفية مغلقة أو خاضع لنسق فكري دائري. العملية الإصلاحية تعيد النظر في المنظومة والنسق، أما التجديد فيحاول الفهم أولا، وربما إستشهد بعد عمليات فقهية متتالية بهذه المقولة أو تلك.

نعم هناك دائما إطار عملي يحتوي على المناهج والأصول والقواعد والأدوات، وهو إطار إستعمله المفسر في إنتاج التفسير الذي هو محاولة لفهم المراد من كلام الله.

والإشكاليات المطروحة أمام المجدد إلى جانب الطريقة التقليدية مثل التفسير ومناهج المفسرين والتعليق على التفسير والتعليق على التعليق على التفسير و إختصار التفسير والتعليق على إختصار التفسير... وهلم جرّا، أسئلة عملية يجب فيها على المجدد أن يتجاوز الفروع (التعليقات المتالية والإختصارات) مباشرة إلى الأصل وهو تفسير المفسر: هل تأثر بالإطار أم أثّر فيه، هل طبقه مباشرة أم من خلال منظومات وأنساق، وماذا إلى جانب الذات و بيئة المفسر وسيرته وعمله.

تلك إشكالية أساسية وكلما إبتعدنا عنها إلى المزيد دخلنا في إشكاليات أكثر تعقيدا لأن الواقع والتراث تفاسير وليس تفسيره هو فقط، إذن كيف ساهمت هذه التفاسير في بناء الوعي، وكيف تفاعلت هذه التفاسير وما دار حولها في معارف وتطبيقات أخرى مع التراكم المعرفي، وهل القيمة المجموعة ثابته أم متغيرة حسب شروط محددة ؟

وهكذا إلى أن نصل إلى الإشكالية الكبرى: كيف نفكر ؟ كيف نعقل ؟

التجديد إذن مقدمة إلى الإصلاح. والتفكير بنفس النمط - مع ما فيه من خلط وإختلاط بين الصريح والصحيح والضعيف والغث والسمين والمختلف فيه والمتوقف فيه وغير ذلك - لن يأتي بجديد حتى لو وظّف الباحث المناهج الجديدة.

هذا ما عندي الآن في سبيل تثوير الموضوع وإستفزاز النقاش، والله أعلم.
 
الأخ الجميل/ (شايب) ..رائق جدا ما تطرحه في هذه المشاركة وأنا أؤيده بحرفه.. وأزيد أن ورع عمر بن الخطاب ههنا وفي تلك الرواية -(على ما تفضلتَ وطرحت من استبهامها)- يضعنا أمام إشكالية البحث عن مراد الله تعالى (؟!) . فإذا كان الفاروق يعلم - ولا شك- معنى ( الأب) لغوياً فإنه يستشكل معناه- على حقيقته- في سياقه .وهذا كله محمول على أنه إنما أراد استكشاف ماهية الاب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل لقوله تعالى: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) . وبالمناسبة فإن سند هذا الأثر : قال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن صرب، قال حدثنا بن زيد، عن ثابت ، عن أنس، قال: كنا عند عمر بن الخطاب، وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) (عبس:31) فقال : ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك ألا تدريه؟! . وهذه الرواية الصحيحة بتمامها توضح أن عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - إنما استنكر هنا التوظيف المنهجي لقضية المعرفة. فالمعرفة عند السلف لم تكن عبثا سفسطائيا لمجرد لاستكثار من العلم وإنما كانت سبيلا إلى الإيمان والعمل. ولعل هذا ما يفسر لنا كيف أن ابن عمر رضى الله عنهما تعلم سورة البقرة في ثماني سنوات. وهو ما ردده السلف غير مرة في أنهم كانوا لا يجاوزن عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم والعمل جميعا. هكذا كانت غاية التدبر عند سلف الأمة ولم تكن بحثاً جدلياً في متشابه القرآن. ولذلك جاء الحديث الشريف قوله: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه).
يعني: الخفي ردوه إلى عالمه.
قال شعيب الأرنؤوط: وعلق عليه الشيخ محمود شاكر حفظه الله ورعاه، فقال: الظاهر: هو ما تعرفه العرب من كلامها، وما لا يعرض أحد بجهالته من حلال وحرام، والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يرد الطبري ما تفعله الطائفة الصوفية وأشباههم في التلاعب بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، والعبث بدلالات ألفاظ القرآن وادعائهم أن لألفاظه ظاهراً هو الذي يعلمه علماء المسلمين، وباطناً يعلمه أهل الحقيقة فيما يزعمون، وانظر كلام البغوي في شرح السنة (1/ 263).
يعني: الظاهر ما يعلمه كل أحد، والباطن ما يعلمه العلماء، قال ابن عباس : التفسير على أربعة أنحاء: تفسير لا يعذر أحد بجهله، وتفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. وهكذا أيضا بسط ابن عباس بعلمه الفذ قضية التفسير في تقسيم صادق عجيب يحتاج منا لبعض التأمل لنجد أنفسنا في النهاية في نقطة الملتقى حول كثير من إشكالياتنا الفكرية حول تدبر كتاب الله تعالى. والله تعالى أعلى وأعلم.
 
أخي محمد عبدالمعطي حفظك الله ومع ذلك ينبغي عدم المساواة بين من يؤمن أن القرآن كلام الله وأن الإسلام الدين الحق كشحرور وبين من لا يؤمن أصلاً. لأن تجاهل هذا الفرق يكشف عن ميل نفسي إلى التجاهل سببه التطرف باتجاه معين.
وثم أمر آخر هو ما يسمى بإنكار السنّة فمنكرو السنة هم الذين أطلق عليهم "القرآنيين" كأحمد صبحي منصور وبعض الهنادكة منذ نهاية القرن التاسع عشر أما المسلمون الذين يجعلون موفقة القرآن العظيم شرطا لقبول الرواية كالدكتور عدنان إبراهيم فلا يجوز أن يُتهم بإنكار السنّة.
وبعض أصحابنا المتشددين يتجرأون فيصفون كل من يخالف نسختهم من الفهم السلفي (ممن ينكر السنّة)!
وهذا ليس من العلم في شيء قطعاً. وبعضهم من يرد على عالم معين كالألباني مثلا منكر للسنة. وبسبب هذا التطرف صار الممجدون للسنّة يتجرون على مخالفة الإجماع دون نكير يستحقونه!
والمقال الذي أوردته عن "البيان" يسيء فهم محمد عابد الجابري قطعا فهذا الرجل باستثناء دراساته القاصرة في التفسير وعلوم القرآن وهي من آخر ما أنتج فإن تحليلاته في تطور الفكر والتحليل في الثقافة العربية الإسلامية لا يُستغنى عنها ومن يستغن عنها دون بديل فهو الخاسر علميا وفكريا لأن أزمتنا ليست أزمة إيمان وعلم فقط بل أزمة فكر ومنهج تحليلي.
التجديد والتطوير ليس بالأمر الهين أبدا وما قطعته البشرية علميا وتواصليا ليس بالأمر الممكن تجاوزه أو غضّ الطرف عنه أيضا. لذلك فعلينا التأني واحترام مجهود الناس في ما فعلوا حتى ولو سلكوا منهجا يخالف مواردنا وطريقتنا التقليدية في التفكير.
إن الهجوم على كل محاولة تجديدية واتهامها اتهامات قاسية تؤدي إلى أن يخاف كثير من المحاولين من الظهور وإلى أن ينكصوا إلى مواقع خلفية وبالتالي تخلو الساحة للملحدين والمتجرئين على محاربة الإيمان والدين حربا عمياء بغارة شعواء.

القصد مطلوب في هذا الأمر أكثر من سواه.
 
الدكتور عبدالرحمن :
أتمنى مراجعة موقفك من عدنان إبراهيم !! فما زال قلبي يتميز غيظاً منه مذ أن طعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو عندي أفاك أشر، ولا أقبل من فمه السم الزعاف لينساب إلى فهمي.

وطعنه بالسنة النبوية صارخ ، واضح وضوح الشمس في رابعة النهار - وإن أردت أن أورد لك أمثلة لفعلت- فأستغرب من التهوين في أمره !؟

فمنهم من يقول أنه عالم كبير والآخر يقول سبقني بالفلسفة !!!

وما زال عجبي مستمراً من الناس الذين أسلموا عقولهم له في المنتديات والمجالس ، وأقول في نفسي لو ظهر الدجال كيف يكون أمر الناس وهم يمشون الآن آحاداً وزرافات وراء " دجال النمسا" ؟
 
جزاك الله خيرا سيدي الفاضل محمد عبدالمعطي. من مثل تلك التعقيبات والمشاركات نحن نستفيد، إن شاء الله. ثم أظن أن مناقشة جدلية التجديد والتقليد مناقشة إستشكالية تساعدنا في التقدم نحو الأمام في محاولة فهم الخطوط الفاصلة بين التجديد المحمود والتجديد المذموم.

ملاحظة صغيرة: لابد من التمييز بين الباطنية والصوفية. الإشارة في الباطنية لا علاقة لها بالإشارة في التصوف. الإشارة في الباطنية رمز يرمز به إلى المعنى الباطني الذي يتجاوز المعنى الظاهري، والمعنى الباطني يعرفه الإمام. أما الإشارات في التصوف فلا تقدم المعنى، فهي غير مُفسرة، وإنما تعبير المتصوف عن حالته الوجدانية. المتصوف قد يصل إلى الآية الكريمة {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} فيتفاعل معها وجدانيا وينطق بما يظهر منه الحلول والاتحاد أو شيء من هذا القبيل، وكلامه هذا إشارة، وليس بتفسير، فلا يجوز حمل ألفاظه وعباراته على المعاني الإصطلاحية كالحلول في الكيمياء أو في الفلسفة، أو الإتحاد في الرياضيات التي تعالج الكم المتصل، أو التوحيد في أصول الدين ..

أخي عبدالله الأحمد؛
الأستاذ عبدالرحمن الصالح في توقيعه "العلماء مصدّقون فيما ينقلون، لأنه موكول لأمانتهم، مبحوث معهم فيما يقولون، لأنه نتيجة عقولهم"، ومن يتبنى عقلية الإمام زرّوق هذه، لا يراجع مواقفه من الرجال، بل يبحث معهم طبقا لقاعدة موضوعية كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وهذه القاعدة موضوعية لأن أول من تلقى القرآن هو النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن وظيفته صلى الله عليه وسلم محددة بالقرآن {لتبين للناس ما نزل إليهم}. مراجعة الموقف من الرجل غير مراجعة الموقف من قول الرجل، وفي كلتا الحالتين لا تراجع المواقف بناء على القيل والقال والتصنيفات، وهذا خطأ إرتكبه أئمة كبار وفي حق الإمام البخاري رحمه الله، وغيره من الأئمة. المهم هو أن الأستاذ عدنان إبراهيم لا يروي أحاديث أو آثار أو قراءات قرآنية لنبحث معه بالجرح والتعديل. هو يعيد النظر، يعيد القراءة، يؤول ما هو منقول ومسطور، يستشكل بعض من الموروثات، وهذه منهجية مطلوبة في التجديد، أما من ناحية النتائج فقد زل في كثير من الأمور .. لاشك!

وأخيرا، أنا قرأت في تعليق الأستاذ عبدالرحمن الإشارة إلى أغلوطة منطقية في التصنيف، وليس تقييم الأستاذ عدنان إبراهيم (كما هو الحال في هذا الموضوع http://vb.tafsir.net/tafsir29473/#.VQ8-XOGK5dg). أما محاولة تحديد قيمة الأبحاث التي قدمها الراحل الجابري، فتقييم ونقد. تقييم التحليل، إلى جانب نقد آخر مؤلفاته حول القرآن الكريم. هنا يذكرنا الأستاذ المحترم بأن بحوثات الجابري تلك "لا يُستغنى عنها ومن يستغن عنها دون بديل فهو الخاسر علميا وفكريا". أظن أن البديل موجود، وهو المنهج التكاملي في قراءة التراث وتقويمه بدل منهج الجابري التجزيئي، ومن يريد التوسع فسيجمع بينهما.

ملاحظة أخرى: رأيت الإشارة إلى "القرآنيين"، لكن في التجديد، أو على الأقل في إستشكال جدلية التقليد والتجديد، لابد من نقد "الحديثيين" أيضا! لأن هناك من يقوم بشعور أو بلا شعور أو لكونه من "التراثيين" - خاضع لمنظومات معرفية وأنساق فكرية متجذّرة في طريقة التفكير والتعقل - بتقديم تفاسير أثرية وتراثية على تفسير القرآن بالقرآن. تفسير القرآن بالقرآن، والتفسير الموضوعي، إجتهاد وهذا أنواع، لكن كيف يجوز تقديم هذا الإجتهاد على تفسير السلف؟ وكيف يجوز تقديم هذا الإجتهاد على التفسير بالسنة ؟

التفسير الوحيد الذي لا يمكن وصفه بالإجتهاد هو التفسير النبوي، لا التفسير بالسنة، وإنما التفسير النبوي. هذا التفسير أيضا أنواع، لأنه روايات، والرويات إما متواترة وإما صحيحة وإما دون ذلك، فإن كانت دون ذلك، فماذا نقدم؟ هل نقدم التفسير بالسنة على التفسير النبوي إن كانت رواية التفسير بالسنة أصح من رواية التفسير النبوي؟

لنفترض تفسير نبوي متواتر يفيد القطع أو صحيح يفيد العلم أو حسن يفيد الإحتمال (هذا مثال إفتراضي فقط لأن بين التواتر والصحة درجات). هل هذا تفسير إجتهادي أم بياني من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لنأخذ الآية الكريمة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} والتفسير النبوي لها: (ألا إن القوة الرمي). للإجابة على هذا السؤال لابد من التمييز بين السنة النبوية والسيرة النبوية، ثم بين السنة التشريعية والسنة اللاتشريعية، لنسأل: هل فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الآية بصفته النبوية أم بصفته الفاعلية في الإجتماع؟ التفسير إذن إما إجتهادي وإما بياني، فإن كان تفسيرا بيانيا فلا يجوز "تحيين" الآية الكريمة واستبدال الرمي كما كان معهودا في زمن النبوة بأية آلة دفاعية قتالية أخرى، وهنا سوف نظطر لأرخنة الآية، وتبقى قيمتها "تعبدية" أي للتلاوة والتعبد، لا للإستناد إليها في هذا الزمن، أو وهذا إختيار ثالث رفض الطرق العصرية، واختيار رابع هو الإبقاء على قيمة الآية وهي القيمة التعبدية ثم الإستناد إلى (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، أو إعمال التفسير المقاصدي والسؤال حينها لماذا لا نعمم التفكير المقاصدي على الآيات الأخرى؟ أو تعميم مبدأ "النسخ" بمعنى أن النسخ لم يقف حيث توقف نزول القرآن بل هو مستمر إلى يومنا هذا ..

يمكن إستشكال تلك الجدلية بأكثر من طريقة، ومن زوايا مختلفة .
 
عدنان إبراهيم أفاك أشر وليس مجدداً بحال ! ولو كان في عهد عمر لصُلب والله أعلم .
طعن في عرض الصحابة... عرض معاوية رضي الله عنه طعنا واضحاً وقال أن امرأته " زانية " هكذا !
وتقول أنت ( أنها منهجية مطلوبة للتجديد) ؟!
حسبي الله ونعم الوكيل !
فليذهب هذا التجديد الحقير إلى أكبر مزبلة ،
بل هو صاحب هوى ليس إلاّ، وإن لم تعطوا الأشياء وصفها الصحيح فأنتم تغشون الناس من حيث لا تشعرون.
وكما قلت في موطن آخر أن " الحيادية والموضوعية" ذهبت بأصحابنا أي مذهب ، فبدأوا بالتخلي عن منهجية القرآن والسنة لكسب هذه " الحيادية " المزعومة!
وأما أن (كل يؤخذ من قوله ويرد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهو كلام حق لكن أريد به باطل كثير منتطياً مطاياه!




==========
تقول ( وإنما تعبير المتصوف عن حالته الوجدانية.)
لم نؤتى في عالمنا الإسلامي إلا من قبل هذا العبث والتهوين في أمرهم ، المتصوفة يسوقون الناس للشرك آحاداً وزرافات بدعوى
( الأخلاق والعبادات القلبية والوجدانيات ) وهي سفسطة كلامية لا تؤول إلا إلى العبث بكلام الله
، ألا تراهم في حالة تماهي منقطعة النظير مع الرافضة ؟
لهذا لا نستغرب في أن مؤسسة راند الأمريكية أوصت بدعم الطرق الصوفية ومجالسها كما فعل نابليون من قبل ، و كذلك جنرالات فرنسا في احتلال الجزائر!! ، هؤلاء يجب أن يبعدوا من خاصرة الإسلام!

==========
ملاحظة : أرجو منك أخي أن تبسط لغتك المكتوبة لتُفهم.
 
أخي عبدالله،
في هذا الموضوع نتناول موضوع التجديد، والرسالة الأولى رسالة نقدية تنتقد "التجديد المذموم" وكل يدعي وصلى بليلى كما يقال، لذا لابد أن نجعل الغاية في الوسط ونضربها من الطرفين أي نستشكل الصراع الحقيقي، والفكري، والوهمي الإفتراضي بين التقليد والتجديد لنصل وبطريقة علمية واضحة وسهلة إلى التعرف على التجديد المحمود، والمذموم والمتوقف فيه. والحديث عن إشارات الصوفية في خضم نقد التجديد المذموم حديث موضوع، متخيل، وفيه خلط بين إشارات الصوفية من جانب، وغنوصيات الإشراق ورموز الباطنية من جانب آخر. هذا الخلط لا يساعد في فهم التجديد المذموم، وهذا الخلط الذي جعل بعض الحداثيين يطعنون في الصوفية، ناقشه الأستاذ طه عبدالرحمان في كتابه تجديد المنهج في تقويم التراث. ثم هناك كتاب آخر له بعنوان العمل الديني وتجديد العقل ستجد فيه ما يوسع ذوقك في التعاطي مع مبهمات علم الفرق والردود وربما ساعدك أيضا في إيجاد زاوية أخرى تنظر من خلالها إلى مسألة التصوف في مقابل الفقه و الدليل.

وقولك: "... وتقول أنت ( أنها منهجية مطلوبة للتجديد) ؟!"
لا، بل أنا قلت: "المهم هو أن الأستاذ عدنان إبراهيم لا يروي أحاديث أو آثار أو قراءات قرآنية لنبحث معه بالجرح والتعديل. هو يعيد النظر، يعيد القراءة، يؤول ما هو منقول ومسطور، يستشكل بعض من الموروثات، وهذه منهجية مطلوبة في التجديد، أما من ناحية النتائج فقد زل في كثير من الأمور .. لاشك!"

وفي كلامي بحرفه تمييز بين المضامين أو الأقوال والمنهجية. فإن كنت ترى أن التجديد ممكن بدون تلك الأمور، فوضّح إذن: كيف يكون التجديد منهجيا؟ هذا هو الموضوع، أو كيف لا يكون؟ هذا هو الموضوع كذلك. أما التواصل فيحتاج إلى تجديد أيضا، والطريقة التي يتواصل بها الأستاذ عدنان إبراهيم طريقة رجعية فيها تطرف وتعصب، مثل الشدة والطعن، وأشياء أخرى تتعارض مع القيم الصوفية في التعامل مع الآخر.
 
عدنان إبراهيم عالم وشخص موسوعي، ولا ينفي ذلك وقوعه في أخطاء علمية يلام عليها..
أما ما يقوله البعض عنه، فهو كلام مذهبي مقيت، ولا أهمية له من الناحية العلمية.. ونقد الأفكار هو ما يهتم به العالم، وليس تقييم الأشخاص..
 
بالمناسبة فإن سند هذا الأثر : قال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن صرب، قال حدثنا بن زيد، عن ثابت ، عن أنس، قال: كنا عند عمر بن الخطاب، وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) (عبس:31) فقال : ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك ألا تدريه؟! . وهذه الرواية الصحيحة بتمامها توضح أن عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - إنما استنكر هنا التوظيف المنهجي لقضية المعرفة. فالمعرفة عند السلف لم تكن عبثا سفسطائيا لمجرد لاستكثار من العلم وإنما كانت سبيلا إلى الإيمان والعمل.

تأمل أخي المكرم هذه الرواية:
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَدْعُونِي مَعَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ لِيْ: لا تَتَكَلَّم حَتَّى يَتَكَلَّمُوا. قَالَ: فَدَعَاهُمْ وَسَأَلَهُمْ... فَقُلْتُ: إنَّ اللهَ يَقُولُ [في سورة عبس]: " ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26) ". إِلَى قَوْلِهِ: " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31) ". والأبُّ: نَبْتُ الأرْضِ مِمَّا يَأكُلُهُ الدَّوابُ، وَلا يَأكُلُهُ النَّاسُ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَعَجزْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ هَذَا الغُلامُ الذِّي لَمْ يَجْتَمِعَ شُؤُونُ رَأْسِهِ بَعْدُ ؟ إنِّيْ وَاللهِ مَا أَرَى القَوْلَ إِلَّا كَمَا قُلْتَ ".[SUP]([1])[/SUP]

هذا
الحديث يفيد أموراً، منها:
1. كلٌّ من ابن عباس وعمر ـ رضي الله عنهم ـ يعلم معنى الأبّ..
2. ليس (كل) الناس في العلم بمعاني مفردات اللغة سواء، ولن يحيط فرد من غير الأنبياء بـ(كل) مفردات اللغة، حتى لو كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
3. جلوس الغلام عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مع كبار الصحابة بسبب علمه، وفي هذا بيان لشرف العلم في الإسلام، ومنزلة العالم.

ومثله ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر: " يا أيها الناس، ما تقولون في قول الله عز وجل: " أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ " ؟ [النحل: 47] ". فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: " هي لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف: التنقُّص "... فقال عمر رضي الله عنه: " أتعرف العرب ذلك في أشعارهم ؟ ". قال: " نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي رضي الله عنه يصف ناقة.. :
تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تامِكاً قَرِداً
كمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ ".[SUP]([2])[/SUP]


ومن ذلك: معنى: " يحور " في قوله تعالى: " إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ " [الإنشقاق: 14]. أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب، ثم يُثاب أو يعاقب.. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " ما كنت أدري ما يحور، حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها: حُوري ـ أي ارجعي ـ إليَّ ". فالحَوْرُ في كلام العرب: الرجوع.[SUP]([3])[/SUP]

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أيضاً: ما كنت أدري ما قوله
" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف: 89] حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: " تعال أُفاتِحُك " أي: أقاضيك ".[SUP]([4])[/SUP]


وسبحان من أحاط بكل شيء علماً
!



[1]) الحديث صحيح، رواه الحاكم في المستدرك في كتاب الصوم 1/604 (1597) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. ورواه ابن خزيمة في صحيحه باب العمل في العشر الأواخر من رمضان (8341) 4/313 وقد تتبع ابن حجر روايات الحديث في فتح الباري 13/271 عند شرحه لِباب: ما يكره من كثرة السؤال..

[2]) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 10/110.
والمقصود بـ(السَّفَنُ): الحديدة التي تُبْرَدُ بها القِسِيُّ، أَي تَنَقَّصَ كما تأْكلُ هذه الحَديدةُ خشَبَ القِسيّ، وكذلك التخْويفُ. يقال: هو يَتَحَوّفُ المال ويَتَخَوّفُه: أَي يَتَنَقَّصُه، ويأْخذ من أَطْرافِه. انظر: لسان العرب، ابن منظور 9/101 (خوف).

[3]) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 19/273.

[4]) جامع البيان، الطبري 12/564.
 
أخطاء عدنان إبراهيم ليس كأخطاء غيره من العلماء، حتى تسبغ عليه ألقاب العلماء وتمسي أخطاؤه سئيات مغمورة في بحر حسنات !! بل هي طوام وأي طوام !!
فإنه قد تجنى وتهجم على صحابة كرام، وأفترى في كثير من المسائل العلمية بغير منهج علمي قويم. وإني أحترم لكل عضو رأيه في نظرته له.
وإنما أدت التعقيب لكي نقطع عنه الحديث هنا، فتقييم موقف عدنان إبراهيم الفكري ليس هذا مكانه.
فألتمس منكم أيها السادة الكرام أن نقطع عنه الحديث في هذا الموضوع. ولنبق هذا الموضوع لما أنشأه له كاتبه.
وإذا دعت الحاجة لتقييم موقف عدنان إبراهيم مع القرآن وعلومه فليكن في موضوع جديد..
 
كما قال أستاذنا المحترم د. حاتم القرشي؛
نهتم بأصل الموضوع: التجديد، والجدلية بينه وبين التقليد. أما الحوارات والمناقشات حول الأشخاص فلن يفيد لا الموضوع ولا الملتقى بشكل عام. بارك الله فيكم.
 
الحمد لله تعالى اولاً وآخراً على نعمة الإسلام وقبول دين الرسول بصدر رحب لم تهتز به الآراء والفلسفات والتنطعات. والترضي بعد موصول على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان واتبع نهجهم وفسر عن الدين وأبان. وبعد. فأنا في غاية الشكر لكل من شارك على هذه المشاركة وإن كان الأمر خرج من الحديث عن ( المنهج) وإشكالياته ونقاط الاتفاق حوله دون نقاط الاختلاف التي دائما ما تجر إلى التشاحن الفكري والتعصب الذميم؛ انتقل الأمر إلى الحديث عن الأشخاص. وإني- والحمد لله- مؤمن بأن الله لا يرضي لنا الفرقة والاختلاف وغنما انزل كتابه بينا مبينا محكما في معانيه- المقصودة للعمل والإصلاح والفلاح- مفصلاً - في الاعتقاد الصحيح والشرع اليسير المتين- متشابها - في البلاغة والحسن والجمال. كل ذلك على ما صرحت آيات القرآن مراراً مما زادت شهرته على الذكر والتذكير به.
ثم إن الحديث عن التجديد والتطوير في فهمنا للقرآن - وكما أشرت آنفا بما هو يغني على إيجازه- هو حديث عما شاب تفسير القرآن عبر العصور من نظراتٍ هى وليدة بيئتها، في هذا الجزء -فقط- من أنظار المفسرين يمكن التجديد في فهم وتطوير تظراتنا في كتاب الله تعالى. أما ما كان واضحا بذاته لا يحتاج لبيان في كتاب الله فلا تجديد ولا تطوير لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل . كذلك الحديث عن ثوابت الدين وأصوله التي اتفق علماء الأمة من لدن رسول الله وصحابته عليها إلى الآن؛ فإن الحديث عن تطوير في تلك الثوابت هو كلام (مغرض) لا يحتمل قولين في مدى تخريبه للدين وعدائه للإيمان - وبلا تجمل في اللفظ من باب التعالم والتثاقف الفارغ. وفي الحقيقة إنني لا أنكر- آخذا بعلم علماء الأمة- وجود تأويل مستساغ وجائز لكتاب الله تعالى ووجود تحليل وتطوير في توقيع النصوص على الواقع المعاش.
ولكنني فقط أشير إلى وضع ضوابط جيدة لذلك ، وخصوصا حين كثر المتعالمون والمتفقيهون الذي يستسهلون كثيرا اتهام من يريد حفظ كلام الله من التأويلات الباطلة بأنه (رجعي تقليدي سلفي.....إلخ. ذلك) من الألقاب التي يضعونها لتبرير التهجم على كتاب الله بغير علم.
وقد بينتُ أن القرآن دستور الإسلام الأول وأن التلاعب به في الفهم والتأويل هو أشد معاول هدم هذا الدين. فمن حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " نزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر، ثلاث مرات، فما عرفتم منه فاعملوا، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ". أخرجه أحمد (2 / 300) وابن جرير في " التفسير " (1 / 2) وأبو يعلى (4 / 1432) من طريق أبي حازم عن أبي سلمة - لا أعلمه إلا - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وسنده صحيح على شرط الشيخين.
إن الإستراتيجية الأولى والأكثر مكراً والأهم في منهجية (تمييع الدين ) التي ينتهجهها المضللون هي (تحييد النصوص المقدسة في الإسلام )، وهي بعينها الحديث عن مفهومهم للثابت والمتحول في التعامل مع نصوص الدين الإسلامي.
أو بعبارةٍ أخرى الحديث عن حدود (المحكم) و(المتشابه) في مستويات الفهم المتباينة للنصوص المقدسة.
وبصورةٍ أوضح فإن الاتكاء على 1- توسيع دائرة المتشابه في الدين الإسلامي.
2- رد المتشابه إلى التشابه والاستشكال لا إلى المحكم من دين الله تعالى؛ مثل هذا الاتكاء يجعل أكثر الإسلام ( مشكل، ومتعدد بالنسبة الفهوم، وحمال لأوجه حتى درجة التناقض)، ثم يجعلون من ذلك الاستشكال وسيلة لإعمال ( التأويل)، وتوسيع دوائره حتى تتسع للمتناقضات أحياناً، ومن ثَمَّ يفقد النص فاعليته ووجوده الواقعي في ركام من التأويلات التي يحتملها النص – بزعمهم- وحين لا يكون تأويل أكثر إلزاماً من تأويلٍ آخر فإن درجة الحجية بين التأويلات تتساوى، وهنا ربما يكون مقصود النص الرباني شيئاً وضده في ذات الوقت- تعالى الله عما يقولون- فيكون العمل بالشئ وضده في كلتا الحالين دين لا يسع أحد أن ينكره.
وبمثل تلك الطريقة يتوه دين الله تعالى في تأويل المتأولين تحت دعاوى أن الدين للجميع وأن الفهم في دين الله – بأى طريقةٍ ولو كانت من باب الضلال- حقٌ للجميع، فالجميع محقون في فهومهم- أياً تكون- لنصوص الدين. والحق ليس عند أحدٍ بعينه.
هذا هو بعينه الطريقة الخبيثة التي يدشنها من يتحدثون عن (إنسانية الدين) أو (أنسنة الدين)- أيا كان الاصطلاح المتعالم هنا- بمعنى أن الدين بنصوصه من الكتاب والسنة ثابت (= ستاتيكي كما يصطلحون static )، ولكن فهومنا هي المتحركة (= الديناميكيةdynamic )، فإن الذي يصنع التطبيق الفعلي لنصوص الدين على أرض الواقع هو فهمنا لتلك النصوص. وإلى هنا الكلام حق؛ ولكن يُراد به باطل. لماذا؟
لأن الحديث هنا ليس عن فهمٍ صحيح منضبط للنصوص هو الحق أو أقرب مع الاجتهاد المخلص؛ في مقابل فهومٍ يكتنفها الخطأ أو الخبث لنصوص الدين.
فإن من المسلمات البدهية أن الحق- في حين كونه حقا- لا يتعدد في ماهيته، وإلا بطل الحديث عن الدين أصلاً الذي هو في أصل معناه اعتقاد للحق وعمل به. ذلك هو التنوير، والتحرر الفكري، ورفض التراث العفن – كما يردد أولئك الفاسدون- على حقيقته المقذذة التي يأباها ذوق وفطرة وعقل كل مسلم جميل بسيط في تلقيه عن الله ورسوله. وفي النهاية أرجو المعذرة إن كان في حديثي حدة. استغفر الله الله العظيم.
 
اعتذر من الإخوة الكرام على حذف المشاركات التي خرجت عن صلب الموضوع، واعتلت فيها حدة النقد.. والملتقى مفتوح لكل طرح علمي في مضمونه وأسلوبه..
بارك الله فيكم جميعاً
 
عفا الله عنك يا د. حاتم، بفترض أن تحذف أيضا كلامك عن عدنان إبراهيم، أو تبقي تعليقي عليك :)
بالمناسبة: لست من أتباع الرجل ولا من مريديه. وإنما فقط قارئ له مثلما أقرأ لغيره.
 
تركت لك الرد (رقم 40) مثلك مثلنا، لكل واحد تعليق وبعدها الحذف لا غير يا صديقي :)
 
عودة
أعلى