حول حروف التهجي المبدوء بها بعض السور

إنضم
16/02/2011
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدى من الضلالة، وعلم من الجهالة، و لم يزل مسبغاً جميل ستره على أنواع جهالاتي، أما بعد فأصدقكم القول أنه لولا تدثري عن أنظار فضلاء هذا الملتقى بدثار المجهولين ما تجرأت أن أعرض عقلي المنبئ عن قلة علمي، وضعف جهدي أمام اثنين منهم في حال اجتماع، فكيف وقد جمع هذا الملتقى المبارك من ثنائي عليهم ذكر لي لا لهم! وما عرضت فهمي عليهم إلا رغبة في تبصرتي بمواضع جهلي.
ثم إن لكتابتي هذه قصة ليست من العجب في شيء، فإني حين اشتغالي ببعض مسائل بحثي مررت على كلام الإمام الطبري -رحمه الله- على أول سورة البقرة فرأيت أن ألخصه لأتصور المسألة، و كنت أنوي أن ألخصه سريعاً ثم أعود لمسائل بحثي، ولكن ذلك جرني إلى قراءة بعض ما كُتب عن تلك الفواتح في ملتقاكم المبارك وفي بعض كتب التفسير، فلم ألبث حتى اقتطع فكري رسنه وهام وراء هذه المسألة فطفقت أقيده بالكتابة،فكتبت ما فهمت و خشيت أن تبهرجه لي نفسي يوماً من الأيام، فلا أجد من أعرضه عليه إلا مساكين أمثالي، فجازفت بعرض بضاعتي المزجاة عند كبار تجارها فتصدقوا إن الله يجزي المتصدقين، و تصبروا لعقبات يشق على النحاة والأصوليين تكبدها، وكذلكم كنتم من قبل فمن الله عليكم.
تحرير محل النزاع: أما ما دلت عليه تلك الحروف منفردة مما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة"الف" أو "ميم" الخ من الصوت المكيف بكيفية خاصة في مخرجه، فلا أحد ينازع فيه، وهذا القدر من المعنى شبيه بما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة "الطور" منفردة، و لا يفارقها عند ضمها إلى غيرها في مثل قوله تعالى"و الطور...".
ثم إن الكلمات إذ ضم بعضها إلى بعض في سياق الكلام دلت على معنى زائد مراد بالأصالة، وقد تدل وتشير إلى معان أخرى بحسب مبلغ ذلك السياق في البلاغة، ومبلغ السامع في حيازة أدوات الفهم ؛فكلمة الطور لما ضمت إلى واو القسم في قوله تعالى:"والطور"، صار لها في هذا الموطن معنى تفهمه العرب من هذا السياق، هو القسم المؤكد لما بعده، وفي ضمن ذلك من المعاني الإشارة إلى أهمية المقسم به.
ثم إن لهذا التركيب معان أخرى لا تغني عن المعنى الأصيل بل تأتي تالية له في الرتبة، وهذه المعاني تتفاوت فيها قدرات المستنبطين فمن ذكر شيئاً منها بقرينة يقرها الشرع واللسان قبلت، وإلا ردت، ومن ذلك ما يتعلق بالمعنى الذي لأجله اختيرت هذه الكلمة للقسم بها في هذا الموطن، وغير ذلك.
ومحل التنازع: هل هذه الأحرف في مواطنها من القرآن من الأساليب المعهودة عند العرب، أم أنها خارجة عنها؟ وإذا كانت خارجة عن معهود العرب في الخطاب فما المعنى الحاصل عن التركيب في هذا الأسلوب ؟
والإجابة عن هذه التساؤلات تقسم الأقوال الواردة في هذه الحروف إلى ثلاثة أقوال:
  • أنها في أسلوب معهود من أساليب العرب، ولا يندرج تحت هذا القول إلا من قال بأنه قسم بهذه الحروف، لا بما ترمز إليه، وفي ضمن هذا بيان شرف هذه الحروف، و الحث على تعلم القراءة والكتابة.
  • أنها في أسلوب خارج عن معهود العرب في الخطاب، والقائلون به على قسمين:
‌أ. من قصر معناها على المعنى الحاصل لها حال الانفراد، ولم يورد لها معنىً آخر، وأما إن أورد لها معنى آخر ففيه إشكال: إذ كيف يثبت لها معنى صحيحا ثم يجعل الأصل فيها عدم إفادة معنى ، إلا إن قصد أنه لا معنى لها تستطيع عقول البشر الوصول إليه؛فحينئذ يرجع هذا القول إلى القول الآتي بعده.
‌ب. من قال: إن الله قد استأثر بعلم معناها في هذا السياق المبتدع، فلا نعلم منه إلا ما يتبادر إلى أذهاننا حال التهجي، ولكننا مع عجزنا عن إدراك معناها المنضبط بضابط لا يشذ عنه آية منها، ندرك لغالبها أو بعضها معان دلت عليها قرائن صحيحة-كما سيأتي أن شاء الله-
وقد لخصت الأقوال التي أوردها ابن جرير-رحمه الله- و جعلت بين[ ] المعنى الذي رأيت أن القول راجع إليه مما سبق:

  • اسم من أسماء القرآن. لقولهم وجهان:
‌أ. اسم للقرآن كما الفرقان اسم له،فتأويله على معنى القسم، كأنه قال و القرآن.[حيث لا نعلم هذا الاسم فمآله أنه مما استأثر الله بعلمه2/ب].
‌ب. اسم من أسماء السورة تعرف به.[لا يعد هذا معنىً،إذ ليس من معهود القرآن أن ينص على اسم السورة في آية مستقلة، بل كل سورة سميت بكلمة منها فلتلك الكلمة معنى خاص في سياقها، فمآل قول من لم ير لهذه الأحرف إلا هذا المعنى القول بأن معناها مما استأثر الله بعلمه2/ب].
  • فواتح يفتح الله بها القرآن.[ القائل بهذا القول قائل بأن معناها مما استأثر الله بعلمه، إذ لكل فاتحة معنى قد يعلمه التالي أو لا يعلمه2/ب].
  • اسم للسور[سبق2/ب].
  • هي اسم الله الأعظم.(عن ابن عباسرضي الله عنهما بإسناد منقطع)1/206 [إذ لم ينص على هذا الاسم فمآل هذا القول أنه مما استأثر الله بعلمه2/ب].
  • قسم :إن أراد أن القسم بالحرف ذاته لا بما اشتق منه فذلك معنى معقول عند من أجاز القسم مع حذف حرف القسم، وهذا هو القول الأول.
7. قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه.( عن ابن عباس رضي الله عنهما... فيه عبد الله بن صالح مختلف فيه، وهو مرسل عنه"علي بن طلحة".[إن أراد القسم بالحرف ذاته فسبق، وأما إن أراد القسم باسم من أسمائه لم يرد النص عليه فهذا مصير من القائل إلى أن معناها مما استأثر الله بعلمه2/ب ].
8. حروف مقطعة من أسماء وأفعال، كل حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر. [كانت العرب تستعمل هذه الطريقة وفي السياق أو الحال ما يدل على المعنى، و حيث لا يوجد في سياق الآيات ما يدل على المعنى، فلا بد في اختياره من توقيف، ولا أعلم صح في ذلك شيء صريح، فمآل هذا القول أن معناها مما استأثر الله بعلمه2/ب ].
· (ابن عباس رضي الله عنهما"أنا الله أعلم، فيه شريك صدوق يخطيء كثيراً، وعطاء بن السائب تغير بآخره، ".
· ابن مسعودرضي الله عنه، وابن عباسرضي الله عنهما,وناس من أصحاب رسول الله r:"أما الم فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه"صححه الشيخ احمد شاكر-رحمه الله-[إذا لم يكن توقيف يدل على هذه الأسماء فهو مما استأثر الله بعلمه2/ب].
· ابن عباسرضي الله عنهما: (الم حم ن اسم مقطع فيه رجل لم أجد له ترجمة[إن صح فلابد في معرفة هذا الاسم من توقيف، وحيث لم يرد به نص من الشارع فمآله أنه مما استأثر الله بعلمه2/ب].
  • حروف هجاء موضوع.[القول2/أ].
  • حروف يشتمل كل حرف منها على معان شتى مختلف.[حاصله عدم وجود قرينة ترجح أحد تلك المعاني المحتملة، و إذا كان المعروف في اللغة أن الكلمة في الموطن الواحد تدل على معنى واحد يدل عليه السياق، فإن مآل العجز عن ترجيح أحد تلك المعاني ولو بغلبة الظن: هو القول باستئثار الله بعلم معانيها، مع إثبات تلك المعاني لا على أنها المعنى المراد أصالة2/ب].
  • حروف من حساب الجمل[و على فرض صحته فإن تلك المقادير الناتجة من ضم هذه الحروف لبعضها لا سبيل إلى تعيين ما هي أجل له إلا بتوقيف ولا توقيف، فهي مما استأثر الله بعلمه فمن خاض في ذلك فقد خاض في ضرب من ضروب الكهانة2/ب].
  • سر القرآن[الظاهر أن صاحب هذا القول يجعل معانيها مما استأثر الله بعلمه2/ب]
  • حروف من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها عن ذكر بواقيها(28)[ إن كان هذا مع نفى أن يكون لها معنى؛ فهذا هو القول (2/أ)، وإن أراد أن في كل حرف منها معنى رجح ذكره على مالم يذكر مما يشاركه في الصفة أو المخرج فهذا2/ب ].
  • ابتدئت بذلك أوائل السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين.[ ورود هذه الأحرف في سورة مدنية دال على أن القائل به إما أنه غفل، أو أنه قصد ذكر معنى من المعاني التي يستنبطها المفسر زائدة عن المعنى المراد بالأصالة، ، فكأنه يشير إلى أن المعنى الذي لا يخرج عنه شيء منها قد استأثر الله بعلمه2/ب.]
  • يستفتح الله تعالى بها كلامه، كـ"بل"[ بل معلومة المعنى، ولا تستعمل إلا حين يريد المتكلم الإضراب، ولما لم يبين القائل بهذا القول وجه اختصاص افتتاح بعض السور بهذه الحروف دون بعض كان مآل قوله أنها مما استأثر الله بعلمه2/ب].
ثم إن القائل بأي من هذه الأقوال الثلاثة يسعه التأمل في الحكمة التي من أجلها:
1. كان ذكر تلك الحروف على طريقة التهجي.
2. و كان اختصاص بعضها بالذكر دون بعض.
3. وكان ذكرها في بعض السور دون بعض.
4. وكان مجيئها على حرف إلى خمسة أحرف لا أكثر.
ثم إني اعتذر عن عدم التوثيق لأني أول ما كتبت إنما كنت أريد تصور المسألة، فلما احتجت إلى عرضها على أهل العلم رأيت أن أترك الاشتغال بالتوثيق إلى حين معرفة مبلغ فهمي.
هذا و أستغفر الله لما علمت ولما لم أعلم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
 
عودة
أعلى