حول العملية التربوية

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
إذا علم أن تربية الأولاد دعوة إلى الله تعالى ، فقد بيَّن الله سبحانه أساليب الدعوة إليه بقوله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل : 125 ] .
والحكمة تقتضي تناول المناسب من أساليب التربية في كل واقعة ؛ فليس الضرب - مثلًا - هو الوسيلة الناجعة في كل أمر ، وقد يكون أوقع في بعض الأمور .
وقد ذكر علماء التربية وسائل التربية التي شرعها الإسلام ؛ أذكرها ثم نحاول - بإذن الله تعالى - أن أبينها :
1 – التربية بالحوار .
2 – التربية بالموعظة ( بالقصة ) .
3 – التربية بالترغيب والترهيب .
4 - التربية بالثواب والعقاب .
5 – التربية بالقدوة .
والحكمة تقتضي اختيار المناسب من هذه مع مرحلة العمر بالنسبة للأولاد :
فالمرحلة الأولى من بعد الولادة وإلى سنِّ المحاكاة ، تحتاج إلى الرحمة والعطف والشفقة ورعاية الحال .
ومرحلة المحاكاة ، الغالب فيها التربية بالقدوة ، مع الرحمة والشفقة وشيء من الحوار المناسب .
ومرحلة التمييز تحتاج إضافة لما سبق إلى تطوير الحوار ، مع الأمر والنهي ( الترغيب والترهيب ) ، وقد تحتاج إلى الثواب والعقاب .
ومرحلة المراهقة ، تحتاج إلى جدة الحوار ، وتطويره ، واستيعاب مع يحدث في هذه المرحلة العمرية ، وعلاج ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي أحسن .
وليعلم المربون أن الغاية :  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا  .. نعوذ بالله من النار .
ولابد مع كل هذه الأساليب التربوية من الدعاء ، فالأمر كله لله ، وبيده تعالى ، فلنلجأ إليه أن يربي لنا أبناءنا ، وأن يصلحهم كما أصلح عباده الصالحين .
{ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }
{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }... آمين ، يا سميع الدعاء .
 
إن من الفطرة التي فُطر الناس عليها فطرة الأبوة والأمومة .. التي تعني الشفقة ، والرحمة ، والحب ، والحنان ، والإحاطة ، والرعاية ، والتربية ، والتأديب .
فما بالنا في هذا العصر نراها نادرة بمفهومها الصحيح عند كثير من الناس ؟!!
إن الإسلام هو المنهج العظيم الذي فيه النجاة والسعادة لمن يريدهما ؛ ومن النجاة والسعادة القيام بحق الأبناء والأدب معهم ؛ إنها رسالة متوارثة لا بد أن يوصلها الآباء للأبناء ، ليستقيم الجميع في الدنيا على الهدى ، ويلتقوا في الآخرة على سرر متقابلين ؛ { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } ( الطور : 21 ) .
وللإسلام عناية عظيمة بالأبناء تبدأ من قبل أن يأتي هذا الولد إلى الحياة ، وتمتد في الدنيا حتى يفرق الموت بين الآباء والأبناء .. ليلتقوا في الجنة إن هم عاشوا على الإيمان وماتوا عليه .. إنها وشيجة لا تنفصل ، وصلة لا تستأصل .. وإنما هو فراق بعده لقيا .
 
إن الأسرة المسلمة في هذا العصر مستهدفة لتذويبها في مناهج أخرى غير منهج الإسلام ، وعلى المسلمين أن يعوا مسئولياتهم ، ويفهموا ما يدور حولهم ؛ يقول الدكتور عمر عبيد حسنة – حفظه الله : لكننا ما نزال نعتقد أن التمحور العالمي حول الأسرة واستهدافها ومحاولة إخراجها كوحدة أساس من وحدات المجتمع المدني ، واستبدالها بأنماط اجتماعية ، وعقد المؤتمرات وتنوع طروحاتها وتعدد أساليبها ، وما ترمي إليه من ابتداع أنماط وأشكال جديدة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية تحطم الحواجز الأخلاقية ، وتعارض القيم الدينية ، وتنشر الإباحية باسم الحرية ، وتشجع على التحلل باسم التحرر ، حيث لم يكتف واضعو البرامج لهذه المؤتمرات عند حد التشكيك في اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساس للمجتمع ، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج ، واعتبار ذلك من الشئون الشخصية أو الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد أن يتدخل فيها .
إن المحاولات اليوم مستمرة لكسر حواجز الحياء والقفز فوق الكثير من الضوابط والقيم الدينية الأخرى أيضا لينتهوا أن مفهوم الأسرة بالمعنى الذي يشرعه الدين ليس إلا مفهوما عقيما ..... إلى أن قال : واليوم تستخدم جميع وسائل الإعلام وأدوات الاتصال للترويج والإقرار لأنماط أسرية بديلة دون أدنى اعتبار للنواحي الشرعية والقانونية والأخلاقية ؛ مثل زواج الجنس الواحد ، والمعاشرة بدون زواج ، وإعطاء الجميع حقوقا متساوية ، ووضع سياسات وقوانين تقدم دعما تأخذ في الاعتبار تعددية أشكال الأسر ، إضافة للدعوة إلى تحديد النسل باسم تنظيم النسل ، وتشجيع موانع الحمل ، وتيسير سبل الاجهاض .
والحقيقة التي باتت لا تخفى أن هذه المؤتمرات أو هذه المؤامرات على الإسلام والمسلمين - إن صح التعبير - تعني بالدرجة الأولى استهداف الأسرة المسلمة ، لأنها تعتبر من أواخر الحصون الإسلامية التي لم تسقط بعد [1] . انتهى المراد منه .
إنها رسالة نرجو أن تصل إلى كل مسلم ومسلمة ليقف على حقيقة ما يدور حوله ، ويعي ما يخطط له ، ويفهم قول ربه جل في علاه : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً } ( النساء : 26 ، 27 ) .
أسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلا ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ؛ إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .

[1] انظر تقديم د حسنة لكتاب ( التفكك الأسري - الأسباب والحلول المقترحة ) ص 21 : 23 .
 
جاء رجل إلى بعض السلف ، فقال : رزقت الليلة غلامًا ، وأريد أن تعلمني كيف أربيه ؛ فقال : لقد تأخرت كثيرا ، كان ينبغي أن تسأل قبل أن تتزوج .
من هنا يبدأ الأدب مع الأبناء في الإسلام ، ومن هنا تبدأ مراعاة الحقوق ، فمن حق الولد على أبيه أن يختار أمه التي ستحتضنه بالرعاية والتربية والعناية والتعليم في سني حياته الأولى ، التي يكون فيها أساس بنائه العقلي والذهني والقلبي والنفسي والبدني .
إن الزواج في الإسلام شأنه عظيم ، فليس هو لتفريغ شهوة وحسب ، إنه بناء من أبنية الإسلام ، الذي يشكل في مجموعه المجتمع المسلم ؛ والعناية باختيار أم الولد ضرورة لبناء هذا المجتمع وقوته وقيامه برسالته ؛ إذ الأم مدرسة إذا صلحت صلح خريجوها ، وإذا فسدت فسد خريجوها .
فأول الآداب مع الأبناء يكون قبل الزواج بأن يختار الرجل أم أولاده ، وأن يحسن قصده عند الزواج بطلب الولد الصالح ؛ ولله در القائل لابنه :
وأول إحساني إليك تخيري ... لماجدة الأعراق بادٍ عفافها
إن من حق الولد على أبيه أن يختار له الأم الصالحة في نفسها ، التي تحسن التربية فتخرِّج أولادًا صالحين يُنتفع بهم في الحياة ، وبعد الممات ... ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الأعمال التي لا تنقطع بموت ابن آدم : " .. وَوَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ "[SUP] [1] [/SUP].



[1] رواه مسلم ( 1631 ) .
 
تبدأ عناية الإسلام بالولد بالدعاء بالولد الصالح ؛ وقد قال زكريا u في دعائه : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } ( آل عمران : 38 ) .
وهناك دعاء خاص عند الجماع ؛ ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ؛ فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ "[SUP] [1][/SUP] .
وروى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الْحَسَن : يُقَالُ : إِذَا أَتَى الرَّجُل أَهْله فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّه ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقَتْنَا ، وَلَا تَجْعَل لِلشَّيْطَانِ نَصِيبًا فِيمَا رَزَقْتنَا , فَكَانَ يُرْجَى إِنْ حَمَلْت أَنْ يَكُون وَلَدًا صَالِحًا[SUP] [2][/SUP] .
فهذا أول الآداب التي ينبغي أن يحرص عليه الآباء لصيانة أبنائهم من أن يضرهم الشيطان ، فالوالدان بهذا الدعاء يؤسسان أول حصون التحصين للولد من شر الشيطان ؛ والذي – بإذن الله تعالى – يكون أول بوادر صلاح الولد .

[1] البخاري ( 141 ، 3271 ) ، ومسلم ( 1434 ) .

[2] عبد الرزاق ( 10467 ) .
 
[FONT=&quot]اصطحاب البنين إلى المساجد[/FONT]
[FONT=&quot]من المهم في هذه السن ( من التمييز إلى المراهقة ) أن يصطحب الوالد ابنه إلى المسجد مع كل صلاة ، وكذلك في يوم الجمعة ، وأن يعلمه آداب المساجد ، وآداب الجمعة ويتابع ذلك عليه وهو داخل المسجد ، ويذكره بهذه الآداب دائمًا ، حتى إذا حفظها انتقل إلى غيرها من الآداب .[/FONT]
[FONT=&quot] وكم غفل آباء عن ذلك ، فوجدنا أبناءهم لا يعرفون طريق المسجد ، وإذا عرفوا لا يعرفون آداب بيت الله تعالى .[/FONT]
[FONT=&quot]فمن المهم جدَّا أن أغرس فيه ، أن المسجد بيت الله ، وأن الذي ي[/FONT][FONT=&quot]دخل المسجد هو ضيف على الله ، وأن الله أكرم الأكرمين ، فهو يكرم من يأتيه في بيته ؛ فيتعلق قلبه بالمسجد ، ويكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله .
ويأتي دور الأم في هذه المسألة ، بتذكير ابنها دائما بذلك ، وسؤاله بعد عودته من الجمعة مثلا : ماذ قال الخطيب ؟ وما الذي استفدته اليوم ؟ وتعليمه أن العلم للعمل ، ومباشرة ذلك معه ، بلا ملل .. ففي ذلك صلاحه بإذن الله تعالى .[/FONT]
 
تعليمهم ما يتعلق بالأعمال والأوقات من أذكار
وهذا من أصول التربية السليمة ؛ ومرادنا بأذكار الأعمال ، ما يتعلق بأذكار أعمال الإنسان في يومه وليلته ، كالنوم والاستيقاظ ودخول الخلاء والوضوء والطعام والشراب والدخول والخروج من البيت ... ونحو ذلك من الأعمال .
وأما أذكار الأوقات فهي ما يتعلق بأذكار الصباح والمساء .
ومن فوائد ذلك :
1 – تعلق الولد بالله تعالى ؛ وهذا أهم الأمور في تربية الولد .
2 – ترتيب عقلية الولد باستحضار ما يكون من الأذكار عند العمل ، مما يكون له الأثر الطيب في ترتيب عقليته في أموره كلها .
3 – تعويده على النظام ، إذ أنه إذا اعتاد استحضار الأذكار عند الأعمال يتعلم أن ينظم حياته ؛ ويرتب أولوياته .
هذا مع ما في الأذكار من فوائد كثيرة ؛ عدها ابن القيم مائة ، وذكر منها أكثر من سبعين فائدة في كتابه ( الوابل الصيب من الكلم الطيب ) .
 
7 – الدعاء للأبناء
الدعاء للأبناء مهم جدًّا في العملية التربوية ، إذ الهداية وعكسها ، والصلاح وعكسه ، بيد الله وحده ؛ وجميع وسائل التربية وأساليبها : أسباب .
وقد علمنا ربنا عز وجل في الأدب مع أبنائنا : أن ندعوا لهم بالصلاح والخير ؛ نجد ذلك في مثل قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } ( الفرقان : 74 ) ، وقوله جل جلاله : { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( الأحقاف : 15 ) .
وفي دعاء إبراهيم عليه السلام : ] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ ( البقرة : 128 ) ، ] رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [ ( إبراهيم : 40 ) .
ويحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتجاوز الحد في الدعاء فندعو على أبنائنا ؛ فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ " رواه مسلم[SUP] [1] [/SUP]. ورواه أبو داود بلفظ : " لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ "[2].
فعلة النهي : " لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ " ، أي : لئلا توافقوا ، فقد تكون الساعة التي يدعو فيها الداعي على نفسه أو على ولده أو على ماله هي ساعة إجابة ، فيتحقق للداعي ما دعاه من الشر ، فيندم بعد أن ينتبه من غفلته أو يفيق من غضبته .
وقد جاء رجل إلى عبد الله ابن المبارك - رحمه الله - يشكو ابنه ، فقال له : لعلك دعوت عليه ؟ قال نعم : قال أنت أفسدته . .. وللحديث صلة .


[1] جزء من حديث طويل رواه مسلم في الزهد والرقائق ( 3014 ) ؛ ورواه ابن حبان ( 5742 ) .

[2] أبو داود ( 1532)
 
اعلم أن دعوة الوالدين مستجابة على العموم ، سواء أكانت للولد أو عليه ؛ لما فيها
من الإخلاص ؛ والعادة جارية بدعاء الوالدين لأبنائهما ، لشدة شفقتهما عليهم وخاصة في صغرهم ، وإذا رأى الوالدان من الولد بره فإن ذلك يدعوهما لكثرة الدعاء له .
وأما الدعاء منهما عليه فلا يصدر في الغالب إلا عند تكامل عجزهما عنه ، وإياسهما من بره مع وجود أذيته ، فتصدق ضرورتهما فيسرع الحق لإجابتهما ؛ وقد وردت الأدلة بذلك فمنها : ما رواه البخاري في ( الأدب المفرد ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ لَا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الوَالِدَينِ عَلَى وَلَدِهِمَا " ، ورواه أحمد والطيالسي وأبو داود وابن ماجة بلفظ : " دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ " ؛ ولأحمد والترمذي : " وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " [1]، وفي حديث أنس مرفوعًا بنحوه وفيه : " دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ " [2]. وروى عبد الرزاق وعنه أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعًا : " ثَلَاثٌ مُسْتَجَابٌ لَهُمْ دَعْوَتُهُمُ الْمُسَافِرُ وَالْوَالِدُ وَالْمَظْلُومُ " ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني وابن خزيمة والخطيب البغدادي[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي قصة جريج التي أخرجها أحمد والشيخان لعبرة ؛ فقد أتته أمه وهو يتعبد في صومعته ، فنادته ثلاثاً في كل مرة يقول : رب أمي وصلاتي ، ويقبل على صلاته ، فدعت عليه فقالت : " اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ " ، قال صلى الله عليه وسلم : " وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ " [4].. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ، قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ ؛ فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟! قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ ! فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي ؛ قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُوا "[SUP] [5] [/SUP].
فقد آثر جريج الصلاة على إجابة أمه ، فدعت عليه ، فاستجاب الله دعاءها ، فهذا وهو في الصلاة ، فكيف إذا كان في حالة عقوق ؟! فحذار أن يدعو الوالد على ولده في أي حال ؛ وإنما يدعو له ولو كان في حالة ضيق منه أو غضب عليه ؛ فغاية الوالد ومطلبه صلاح ابنه ، لا أن ينزل الله به عقوبة أو شقاء .


[1] أحمد : 2 / 258 ، 348 434 ، والطيالسي ( 2517 ) ، والبخاري في الأدب المفرد ( 32 ) ، والترمذي ( 1905 ، 3448 ) وحسنه ، وابن ماجة ( 3862 ) ، وابن حبان ( 2699 ) .

[2] الضياء في المختارة : 6 / 74 ( 2057 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 3029 ) .

[ 3 ] عبد الرزاق ( 1522 ) ، وأحمد : 4 / 154 واللفظ له ، والطبراني في الكبير : 17 / 340 ( 939 ) ، وابن خزيمة ( 2478 ) ، والخطيب في تاريخه : 12 / 380 .

[4] رواية لمسلم ( 7 ) ( 2550 ) .

[5] رواه احمد في مسنده 2 / 307 ، 308 ، 385 ، والبخاري في الصحيح ( 1206 ، 2428 ، 3436 ، 3466 ) ، وفي الأدب المفرد ( 33 ) ، ومسلم ( 2550 ) عن أبي هريرة .
 
الآداب مع مرحلة المراهقة والبلوغ
مرحلة المراهقة هي امتداد لما سبق من مراحل نمو الإنسان وتربيته ؛ وإذا سلك الأبوان - فيما سبق هذه المرحلة - مسالك التربية السليمة ؛ كانت النتيجة في هذه المرحلة اتزان خلقي وسلوكي يتفق مع ما يريده الشرع المطهر من إيصال الأولاد إلى مرحلة الوعي والفهم الصحيح للتغيرات التي تحدث للإنسان في هذه المرحلة ، فيتعامل معها الآباء والأبناء تعاملا عاقلا فاهما لحقيقتها وواقعها .
والمراهقة من ( راهق ) أي : إذا اقترب من الشيء ؛ يقال : رهقت الشيء رهقًا ، أي : قربت منه ؛ وراهق الغلامُ فهو مراهِق إِذا قارب الاحتلام ، وجارية مراهِقة ؛ ويقال جارية راهِقة وغلام راهِق ؛ وذلك ابن العشر إِلى إِحدى عشرة[SUP] [1] [/SUP].
وهذه المرحلة هي مرحلة انتقالية بين الطفولة والبلوغ ، ومن هنا تعد من أحرج المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة ، إذ يحدث للإنسان فيها تغيرات في مظاهر النمو المختلفة : جسميًّا وعقليًّا ونفسيًّا ؛ ومن هنا كان لابد أن يكون لها أسلوب آخر في التربية والترشيد ؛ ومن هنا كان قول النبي صلى الله عليه وسلم : " وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " ؛ قال ابن القيم - رحمه الله : فإذا صار ابن عشر ازداد قوة وعقلا واحتمالا للعبادات ، فيضرب على ترك الصلاة كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ضرب تأديب وتمرين ؛ وعند بلوغ العشر يتجدد له حال أخرى يقوى فيها تمييزه ومعرفته[SUP] [2] [/SUP]... وللحديث صلة .


[1] انظر لسان العرب باب القاف فصل الراء .

[2] انظر تحفة المودود ص 250 ( المكتبة العصرية ) .
 
وقوله صلى الله عليه وسلم : " وَفَرِّقُوا بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع " أَيْ : مواضع النوم ، فيُفَرَّق بين الذكور فيما بينهم إذا بلغوا هذه السن ، وكذا بين الإناث ، وكذا بين الذكور والإناث ، وهذا تأديب آخر يلزم الوالدين لأولادهما ، وفيه رحمة بهما وطاعة لربهما ؛ قَالَ الْمُنَاوِيُّ - رحمه الله - فِي ( فَيض الْقَدِير شَرْح الْجَامِع الصَّغِير ) : أَيْ فَرِّقُوا بَيْن أَوْلادكُمْ فِي مَضَاجِعهمْ الَّتِي يَنَامُونَ فِيهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا ، حَذَرًا مِنْ غَوَائِل الشَّهْوَة وإِنْ كُنَّ أَخَوَاته ؛ قَالَ الطِّيبِيُّ - رحمه الله : جَمَعَ بَيْن الأَمْر بِالصَّلاةِ وَالْفَرْق بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع فِي الطُّفُولِيَّة تَأْدِيبًا لَهُمْ ، وَمُحَافَظَة لأَمْرِ اللَّه كُلّه ، وَتَعْلِيمًا لَهُمْ أَنْ لا يَقِفُوا مَوَاقِف التُّهَم فَيَجْتَنِبُوا الْمَحَارِم ا.هـ[SUP] [SUP][1][/SUP][/SUP] .
وفي دراسة ميدانية أجراها باحث أمريكي يدعى ( الفريد كنسي ) بعنوان ( السلوك الجنسي لدى الأمريكيين ) والتي شملت اثنى عشر ألف مواطن أمريكي من مختلف شرائح المجتمع ، خلصت إلى أن 22 % ممن سألهم عن أول تجربة لممارسة الجنس قالوا : إن أول تجربة جنسية لهم كانت في سن العاشرة ، وأنها كانت في فراش النوم ، وأنها كانت مع الأخ أو الأخت أو الأم !!
وانتهت الدراسة التي أجريت في مطلع الأربعينيات ، إلى القول بأن الإرهاصات الجنسية تبدأ عند الولد والبنت في سن العاشرة .
لقد سبق الإسلام هؤلاء الذين لا ينظرون إلى الخطر إلا بعد وقوعه ، فيبحثوا عن أسبابه ؛ ليجدوا أن أصل ذلك موجود في دين الإسلام ؛ وأن رسول الإنسانية محمدا e عندما قال : " وَفَرِّقُوا بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع " كان ذلك بوحي من علام الغيوب سبحانه ، لتعيش الأمة في مأمن من الوقوع في مثل ما وقع فيه هؤلاء .
ولما انتشرت ثقافة الغرب في بلاد المسلمين ظهر فيهم ذلك لبعدهم عن منهج ربهم وتعاليم نبيهم صلى الله عليه وسلم ؛ وفي دراسة أجراها الدكتور أحمد المجدوب ( المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة ) ؛ قال فيها : لقد اتضح لي من خلال دراسة ميدانية شاملة قمت بها على عينة من 200 حالة حول ( زنا المحارم ) - الذي أصبح منتشرًا للأسف - أن معظم حالات زنا المحارم كانت بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الأخت أو الأم أو ... ، وهو ما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " وَفَرِّقُوا بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع " .
هذا بالإضافة إلى ما قد قدمنا من آداب في المراحل السابقة على المراهقة ؛ ويبقى أن الأب في هذه المرحلة يقترب من بنيه ، وكذا الأم ؛ فيصادق الأب ابنه والأم ابنتها ، بمعنى أن يفسحوا لهم في إبداء الرأي ، ومناقشة الأمور في حوار تربوي تعليمي ؛ قد يكون بطرح سؤال على الأولاد للنظر في فهمهم لقضية ما وإيصال الصحيح فيها ، أو يكون تحذيرًا من خلق سيئ أو فعل رديء ، أو بيانًا لحكم يحتاجونه في هذه السن ... إلى غير ذلك مما يحتاجه الأولاد في سن المراهقة .
ومن المهم في هذه المرحلة أن يقوم الوالدان بتدريب الأولاد على تحمل المسئولية كل فيما يخصه ؛ وذلك بإسناد بعض الأعمال التي يطيقونها إليهم ، ثم النظر في زيادة هذه الأعمال تدريجيًا ، حتى يكتمل فهم الأبناء لتحمل المسئولية .


[1] انظر فيض القدير : 5 / 521 .
 
مع البالغين
لم يحدد الشرع المطهر سنًّا معينة يكون فيها الذكر أو الأنثى بالغين ؛ ولكن هناك علامات واضحة بها يصل الولد البلوغ ؛ وأوضحها بالنسبة للأنثى هي : الحيض ؛ وأما العلامات الأخرى ، فيشترك فيها الذكر والأنثى ، وهي : الاحتلام ، وإنبات الشعر حول العانة وتحت الإبط .
وهناك علامات أخرى كتغير الصوت ، وظهور بعض علامات الجسم بالنسبة للمرأة ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الطِّفْلِ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَعْقِلَ "[SUP] [1] [/SUP].
فإذا لم تظهر علامة من هذه العلامات - وقليلا ما يحدث - فاختلف العلماء في تحديد سن البلوغ ؛ والمشهور أنها خمسة عشر سنة .
وعلى ذلك فإذا حاضت البنت صارت بالغًا يجري عليها القلم ؛ وإذا احتلم الابن أو ظهر عليه علامات البلوغ كذلك ؛ وعند ذلك لابد أن تكون وقفة تنبيه وترشيد ، فيستوقفهما الأبوان ليخبراهما بذلك : أنتَ ( أنتِ ) الآن بالغ مكلف ( مكلفة ) بأن تفعل الأوامر وتجتنب النواهي ؛ يجري عليك القلم بالخير والشر من الأقوال والأفعال ، فانتبه ( فانتبهي ) ، فاليوم غير الأمس ، كنت بالأمس في عداد من لا يجري عليه القلم ، فأما اليوم فكل شيء مما تفعل ( تفعلين ) أو تقول ( تقولين ) ، يسجل في صحيفتك ، ثم يحاسبك الله تعالى عليه ؛ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ( الزلزلة : 7 ، 8 ) .
وعندها - أيضا - يجب أن يتعلما ما يستوجبه الحال من أحكام الجنابة والحيض وغير ذلك مما يجب عليه ببلوغه ؛ وكم سمعنا عن ذكور ظلوا على جنابة لأنهم لا يعرفون أحكامها ، وكم سمعنا عن فتيات ظللن غير طاهرات ردحًا من الزمن لأنهن يجهلن أحكام الحيض والجنابة .


[1] رواه أحمد : 6 / 101 ، وأبو داود ( 4398 ) ، والنسائي في الكبرى ( 5625 ) ، وابن حبان ( 142 ) ، والحاكم : 2 / 59 ، عن عائشة ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي . ورواه أحمد : 1 / 116 ، 118 ، 140 ، وأبو داود ( 4401 : 4403 ) ، والترمذي ( 1423 ) ، والنسائي في الكبرى ( 7343 : 7347 ) ، وغيرهم ، من طرق عن علي .
 
الاستئذان داخل البيت
الاستئذان داخل البيت من الأمور التي يجب أن يتعلمها من بلغ من الأبناء ، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( النور : 58 ، 59 ) ؛ فالأطفال يستأذنون في صغرهم في أوقات العورات الثلاث ، فإذا بلغوا الحلم تغير حكمهم في الاستئذان إلى حكم استئذان الكبار الذي في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } ( النور : 27 ) ؛ قال عطاء : واجب على الناس أجمعين أن يستأذنوا إذا احتلموا على من كان من الناس .ا.هـ . وإن كانت هذه الآية في استئذان الكبار من خارج البيت ؛ فاستذان من بلغ من الأولاد هو في داخل البيت .
هذا ، ويبقى استمرار النصح والترشيد متأكدًا في هذه السن ، مستمرًا بعدها ، وإلى أن يحول الموت بين الآباء والأبناء .
وقد قص علينا القرآن الكريم في هذا الباب القصص الحق ؛ فمن ذلك عظة لقمان لابنه ؛ ومن ذلك وصية إبراهيم ويعقوب - عليهما السلام - لبنيهما ؛ ومن ذلك دعوة نوح لابنه وكان في معزل .
مما يدل على أن علاقة الوالد بابنه علاقة نصح دائم وترشيد مستمر لا ينقطع أبدًا مدى الحياة .
إنها آداب الإسلام الراقية ، وعلاقاته الوطيدة ، وأخلاقياته العالية ، التي من عمل بها سعد في الدنيا وأسعد أولاده ، وأما في الآخرة فقد قال ربنا عز وجل : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } ( الطور : 21) .
 
عودة
أعلى