أبو المنذر المصري
New member
- إنضم
- 09/07/2004
- المشاركات
- 8
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد
فهذه نبذة موجزة ، عن إعجاز القرآن ، أصلها مأخوذ من محاضرات الشيخ محمد بن عبد المقصود ، حفظه الله ، في شرح مذكرة الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه ، وقد زدت عليها من كتاب "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان رحمه الله ، وكتاب "لمحات في علوم القرآن" للدكتور محمد لطفي الصباغ ، أسأل الله أن ينفع بها
بداية تطرق الشيخ محمد حفظه الله ، إلى التعريف بالمعجزة ، وشروطها ، فذكر شروط المعجزة ، كما قررها القرطبي رحمه الله :
¨ أولا : ألا يقدر عليها إلا الله عز وجل ، فلو قال مدع : الدليل على صدق نبوتي ، أني أتحرك وأسكن ، لم تقبل دعواه ، لأن هذا أمر يقدر عليه كل أحد ، فأين الإعجاز ؟!! .
¨ ثانيا : أن تكون خارقة للعادة ، فلو قال : الدليل على صدق نبوتي أن الشمس تشرق من المشرق ، لم تقبل دعواه ، لأن هذا الأمر ، وإن كان لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، إلا أنه غير خارق للعادة .
¨ ثالثا : أن تكون المعجزة وفق ما أخبر به المدعي ، فلو أخبر عن كيفية معينة لمعجزته ، وجاءت على غير ما أخبر ، لم تقبل دعواه ، وإن جاء بأمر خارق ، والله أعلم .
¨ رابعا : ألا يقدر أحد على الإتيان بمثل ما جاء به على وجه المعارضة .
والمعجزات إما :
¨ ما ظهر واشتهر في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وانقضى بموته ، كنبوع الماء من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا حادث حدث في عصر النبوة ، وانقضى ، ونقل إلينا نقلا صحيحا ، لا يدفعه إلا مكابر ، وينبه الشيخ حفظه الله ، في هذا الموضع ، إلى أن كثيرا من الأخبار تستند إلى خبر التواتر .
¨ وإما ان تنقل إلينا هذه المعجزة نقلا متواترا ، كما هو شأن القرآن الكريم ، وهذه أيضا لا يردها إلا مكابر .
أوجه الإعجاز في القرآن الكريم :
¨ أولا : النظم المعجز الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع كونه أميا ، لم يتلق العلم عن أحد من البشر .
¨ ثانيا : إخباره عن قصص الأولين ، مع ما سبق من أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعد تلقيه عن أحد من البشر .
¨ ثالثا : الإخبار عما يأتي من أحداث .
وممن تكلم على وجوه إعجاز القرآن ، الشيخ مناع القطان رحمه الله ، في "المباحث" ، والدكتور محمد لطفي الصباغ ، في "اللمحات" ، حيث ذكرا أقوال الفرق المختلفة ، في هذه المسألة كالتالي :
¨ أولا : ذهب النظام "من المعتزلة" ، ومن تابعه ، كالمرتضى ، من الشيعة ، إلى القول بأن إعجاز القرآن كان بالصرفة ، ومعناها : أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها ، وهذا قول لا شك في بطلانه ، وممن تصدى للرد عليه :
· شيخ الإسلام ، رحمه الله ، حيث قال في "الجواب الصحيح" : الصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك ، ولا يقدر محمد نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن ، بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكل من له أدنى تدبر .
· وتصدى له أبو بكر الباقلاني رحمه الله ، في ""إعجاز القرآن" ، فقال : ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع هو المعجز ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه .
· وتصدى له الحافظ ابن كثير رحمه الله ، في تفسيره ، وتصدى له الحافظ السيوطي رحمه الله ، في الإتقان ، فأجاد ، حيث لخص الرد في 4 نقاط :
o أولا : قوله تعالى : (قل لئن اجتمعت الإنس والجن …) ، يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لإجتماعهم ، لأنهم عندئذ يكونون كالموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره .
o ثانيا : أن العلماء أجمعوا على أن الإعجاز مضاف إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز ؟ بل المعجز حينئذ ، هو الله سبحانه وتعالى ، حيث سلبهم القدرة .
o ثالثا : يلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمن التحدي ، ويخلو القرآن عندئذ من الإعجاز ، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة على أن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى باقية ، ولا معجزة له باقية سوى القرآن . اهـ ، (بمعنى أنهم إن صرفوا عن الإتيان بمثله ، مع قدرتهم ، لن يصرف من يأتي بعدهم ، إذا كان عالما بأسرار اللغة ، لأنه غير مخاطب بما خوطبوا به من الصرفة ، وهذا لا يقوله عاقل ، فضلا عن عالم) ، والله أعلم .
o رابعا : لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع معجزا ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه ، وهذا مضمون كلام أبي بكر الباقلاني رحمه الله ، كما سبق ذكر ذلك .
· وشدد الإمام أحمد رحمه الله ، النكير على من قال بأن القرآن مقدور على مثله ، فيما نقله عنه عبد الواحد التميمي رحمه الله في "إعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" ، حيث قال بأن الإمام أحمد كان يكفر من يقول : إن القرآن مقدور على مثله ، ولكن الله تعالى منع من قدرتهم ، بل هو معجز في نفسه ، والعجز قد شمل الخلق .
· بل إن بعض المعتزلة ، رد هذه المقالة ، ومن أبرزهم القاضي عبد الجبار ، وهو إمام المعتزلة في زمانه ، في كتاب المغني ، كما ذكر ذلك محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب "دلائل الإعجاز" .
· ومما يؤيد بطلان هذا الرأي ، ما ذكره الجاحظ ، وهو أيضا من أئمة المعتزلة ، من أن قريشا اختارت الحرب ، على ما فيها من إزهاق للأرواح وفقد للأحبة ، لتنقض قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان الأمر أيسر من ذلك ، لو كانت لديهم القدرة على معارضة القرآن بسورة واحدة فقط ، وهو الذي كان يتحداهم ليل نهار بذلك ، فما استطاعوا ، واختاروا القتال على ما فيه من نصب .
¨ ثانيا : وذهب قوم إلى أن القرآن معجز ببلاغته ، التي وصلت إلى مرتبة لم يعهد لها مثيل .
¨ ثالثا : وذهب بعضهم إلى أن وجه إعجازه هو في تضمنه البديع الغريب المخالف لما في كلام العرب ، من الفواصل والمقاطع .
¨ رابعا : وذهب آخرون ، ومن أبرزهم أبو الهذيل العلاف ، من المعتزلة ، إلى أن إعجاز القرآن مقتصر على صدقه فيما أخبر به من مغيبات ، حيث ذكر البغدادي رحمه الله ، في "الفرق بين الفرق" ، أن من فضائح أبي الهذيل قوله : إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا دلالة على صدقه في دعواه النبوة ، وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، ويعلق الشيخ مناع ، رحمه الله ، على هذا الرأي بقوله : وهذا قول مردود ، لأنه يستلزم أن الآيات التي لا خبر فيها عن المغيبات المستقبلة والماضية لا إعجاز فيها ، وهو باطل ، فقد جعل الله كل سورة معجزة بنفسها .
¨ خامسا : وذهب البعض إلى أن القرآن معجز لما تضمنه من العلوم المختلفة .
وقد رجح الشيخ مناع ، رحمه الله ، القول بأن القرآن معجز ، في كل هذه الأوجه ، فلا يقتصر إعجازه على وجه منها دون الآخر ، وأما الدكتور محمد لطفي الصباغ ، فقد رجح القول بأن إعجاز القرآن ، وإن كان شاملا لكل هذه الأوجه ، إلا أنه يتركز أساسا ، في النواحي اللغوية ، التي تتعلق بلفظه ونسقه وبيانه ونظمه ، لأنه أنزل على قوم صناعتهم البلاغة ، فكانت معجزتهم في عين ما برعوا وتفوقوا فيه .
وممن تكلم عن إعجاز القرآن اللغوي ، فأجاد ، أبو بكر الباقلاني رحمه الله ، في إعجاز القرآن ، فقال ما ملخصه :
أن هذا الإعجاز اللغوي يشمل النقاط التالية :
¨ أولا : أن القرآن جاء بأسلوب خارج عن أساليب النظم عند العرب ، فما هو بالنثر ، وما هو بالشعر ، ولذا عجزوا عن معارضته .
¨ ثانيا : أن عجيب نظم القرآن وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما ينصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها ، من ذكر وقصص ومواعظ ، واحتجاج وحكم وأحكام … الخ ، بمعنى أن بلاغة القرآن لا تتفاوت من باب لآخر ، خلاف غيره من الكلام ، فكلام الشعراء ، على سبيل المثال يتفاوت من غرض لآخر ، فنجد منهم من برع في الهجاء ، على سبيل المثال ، ولكنه لم يبرع بنفس الدرجة ، في بقية أغراض الشعر ، ولذا ضرب المثل بكل شاعر ، بحسب ما برع فيه ، فضرب المثل بإمريء القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ، وبزهير إذا رغب ، ولم يضرب المثل بأحدهم في كل أجناس الكلام .
¨ ثالثا : أن أسلوب القرآن في تكرار القصة أكثر من مرة ، لا يصاحبه أي تفاوت في بلاغة عرضها ، خلاف كلام من يعيد حدثا ما ، فإن بلاغته في سرده تختلف من حال إلى حال .
مسألة : القدر المعجز من القرآن :
¨ أولا : ذهب المعتزلة إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن لا ببعضه ، أو بكل سورة برأسها .
¨ ثانيا : ويذهب البعض إلى أن المعجز منه القليل والكثير ، دون تقييد بسورة ، لقوله تعالى : (فليأتوا بحديث مثله) ، وقد استدل الزركشي ، رحمه الله ، في البحر المحيط ، بهذه الآية ، على أن القرآن هو : الكلام المنزل للإعجاز بآية منه ، المتعبد بتلاوته ، حيث قال رحمه الله : بأن أقصر سورة في القرآن هي سورة الكوثر ، وقد ورد التحدي بأقل من سورة ، كما في قوله تعالى : (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) ، والحديث يطلق على ما هو أقل من سورة ، والجواب عن هذا ، بأن المقصود بالحديث في هذه الآية ، هو القرآن كاملا ، لأن سياق آيات التحدي تقتضي ذلك ، فقد ورد التحدي أولا ، بكامل القرآن ، ثم بعشر سور ، ثم بسورة واحدة ، وقد تكلم الشيخ عبد الكريم الخضير ، حفظه الله ، عن هذه المسألة في شرحه لرسالة أصول التفسير ، فقال بأن التحدي لم يرد بآية لأن من الآيات ما هو كلمة واحدة فقط مثل ( مدهمتان ) فهل يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ؟ ومع ذلك فالآية معجزة في موضعها ، فلا أحد يستطيع – مثلا – أن يحذف كلمة ( مدهمتان ) ويأتي بمرادف لها .
¨ ثالثا : وذهب آخرون إلى أن الإعجاز يتعلق بسورة تامة ، ولو قصيرة ، أو قدرها من الكلام كآية واحدة أو آيات ، وهذا موافق لتعريف الجمهور للقرآن ، حيث قالوا بأنه : الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه (وليس بآية كما ذكر ذلك الزركشي رحمه الله) ، المتعبد بتلاوته .
وهذا الرأي هو الأرجح ، وقد ذهب الشيخ مناع ، رحمه الله ، إلى أن الإعجاز لا ينحصر في قدر معين لأننا نجده في أصوات حروفه ووقع كلماته ، كما نجده في الآية والسورة ، فالقرآن كلام الله وكفى ، وكأن الشيخ رحمه الله ، يميل إلى رأي الزركشي رحمه الله ، والله أعلم .
فهذه نبذة موجزة ، عن إعجاز القرآن ، أصلها مأخوذ من محاضرات الشيخ محمد بن عبد المقصود ، حفظه الله ، في شرح مذكرة الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه ، وقد زدت عليها من كتاب "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان رحمه الله ، وكتاب "لمحات في علوم القرآن" للدكتور محمد لطفي الصباغ ، أسأل الله أن ينفع بها
بداية تطرق الشيخ محمد حفظه الله ، إلى التعريف بالمعجزة ، وشروطها ، فذكر شروط المعجزة ، كما قررها القرطبي رحمه الله :
¨ أولا : ألا يقدر عليها إلا الله عز وجل ، فلو قال مدع : الدليل على صدق نبوتي ، أني أتحرك وأسكن ، لم تقبل دعواه ، لأن هذا أمر يقدر عليه كل أحد ، فأين الإعجاز ؟!! .
¨ ثانيا : أن تكون خارقة للعادة ، فلو قال : الدليل على صدق نبوتي أن الشمس تشرق من المشرق ، لم تقبل دعواه ، لأن هذا الأمر ، وإن كان لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، إلا أنه غير خارق للعادة .
¨ ثالثا : أن تكون المعجزة وفق ما أخبر به المدعي ، فلو أخبر عن كيفية معينة لمعجزته ، وجاءت على غير ما أخبر ، لم تقبل دعواه ، وإن جاء بأمر خارق ، والله أعلم .
¨ رابعا : ألا يقدر أحد على الإتيان بمثل ما جاء به على وجه المعارضة .
والمعجزات إما :
¨ ما ظهر واشتهر في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وانقضى بموته ، كنبوع الماء من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا حادث حدث في عصر النبوة ، وانقضى ، ونقل إلينا نقلا صحيحا ، لا يدفعه إلا مكابر ، وينبه الشيخ حفظه الله ، في هذا الموضع ، إلى أن كثيرا من الأخبار تستند إلى خبر التواتر .
¨ وإما ان تنقل إلينا هذه المعجزة نقلا متواترا ، كما هو شأن القرآن الكريم ، وهذه أيضا لا يردها إلا مكابر .
أوجه الإعجاز في القرآن الكريم :
¨ أولا : النظم المعجز الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع كونه أميا ، لم يتلق العلم عن أحد من البشر .
¨ ثانيا : إخباره عن قصص الأولين ، مع ما سبق من أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعد تلقيه عن أحد من البشر .
¨ ثالثا : الإخبار عما يأتي من أحداث .
وممن تكلم على وجوه إعجاز القرآن ، الشيخ مناع القطان رحمه الله ، في "المباحث" ، والدكتور محمد لطفي الصباغ ، في "اللمحات" ، حيث ذكرا أقوال الفرق المختلفة ، في هذه المسألة كالتالي :
¨ أولا : ذهب النظام "من المعتزلة" ، ومن تابعه ، كالمرتضى ، من الشيعة ، إلى القول بأن إعجاز القرآن كان بالصرفة ، ومعناها : أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها ، وهذا قول لا شك في بطلانه ، وممن تصدى للرد عليه :
· شيخ الإسلام ، رحمه الله ، حيث قال في "الجواب الصحيح" : الصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك ، ولا يقدر محمد نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن ، بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكل من له أدنى تدبر .
· وتصدى له أبو بكر الباقلاني رحمه الله ، في ""إعجاز القرآن" ، فقال : ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع هو المعجز ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه .
· وتصدى له الحافظ ابن كثير رحمه الله ، في تفسيره ، وتصدى له الحافظ السيوطي رحمه الله ، في الإتقان ، فأجاد ، حيث لخص الرد في 4 نقاط :
o أولا : قوله تعالى : (قل لئن اجتمعت الإنس والجن …) ، يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لإجتماعهم ، لأنهم عندئذ يكونون كالموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره .
o ثانيا : أن العلماء أجمعوا على أن الإعجاز مضاف إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز ؟ بل المعجز حينئذ ، هو الله سبحانه وتعالى ، حيث سلبهم القدرة .
o ثالثا : يلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمن التحدي ، ويخلو القرآن عندئذ من الإعجاز ، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة على أن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى باقية ، ولا معجزة له باقية سوى القرآن . اهـ ، (بمعنى أنهم إن صرفوا عن الإتيان بمثله ، مع قدرتهم ، لن يصرف من يأتي بعدهم ، إذا كان عالما بأسرار اللغة ، لأنه غير مخاطب بما خوطبوا به من الصرفة ، وهذا لا يقوله عاقل ، فضلا عن عالم) ، والله أعلم .
o رابعا : لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع معجزا ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه ، وهذا مضمون كلام أبي بكر الباقلاني رحمه الله ، كما سبق ذكر ذلك .
· وشدد الإمام أحمد رحمه الله ، النكير على من قال بأن القرآن مقدور على مثله ، فيما نقله عنه عبد الواحد التميمي رحمه الله في "إعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" ، حيث قال بأن الإمام أحمد كان يكفر من يقول : إن القرآن مقدور على مثله ، ولكن الله تعالى منع من قدرتهم ، بل هو معجز في نفسه ، والعجز قد شمل الخلق .
· بل إن بعض المعتزلة ، رد هذه المقالة ، ومن أبرزهم القاضي عبد الجبار ، وهو إمام المعتزلة في زمانه ، في كتاب المغني ، كما ذكر ذلك محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب "دلائل الإعجاز" .
· ومما يؤيد بطلان هذا الرأي ، ما ذكره الجاحظ ، وهو أيضا من أئمة المعتزلة ، من أن قريشا اختارت الحرب ، على ما فيها من إزهاق للأرواح وفقد للأحبة ، لتنقض قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان الأمر أيسر من ذلك ، لو كانت لديهم القدرة على معارضة القرآن بسورة واحدة فقط ، وهو الذي كان يتحداهم ليل نهار بذلك ، فما استطاعوا ، واختاروا القتال على ما فيه من نصب .
¨ ثانيا : وذهب قوم إلى أن القرآن معجز ببلاغته ، التي وصلت إلى مرتبة لم يعهد لها مثيل .
¨ ثالثا : وذهب بعضهم إلى أن وجه إعجازه هو في تضمنه البديع الغريب المخالف لما في كلام العرب ، من الفواصل والمقاطع .
¨ رابعا : وذهب آخرون ، ومن أبرزهم أبو الهذيل العلاف ، من المعتزلة ، إلى أن إعجاز القرآن مقتصر على صدقه فيما أخبر به من مغيبات ، حيث ذكر البغدادي رحمه الله ، في "الفرق بين الفرق" ، أن من فضائح أبي الهذيل قوله : إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا دلالة على صدقه في دعواه النبوة ، وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، ويعلق الشيخ مناع ، رحمه الله ، على هذا الرأي بقوله : وهذا قول مردود ، لأنه يستلزم أن الآيات التي لا خبر فيها عن المغيبات المستقبلة والماضية لا إعجاز فيها ، وهو باطل ، فقد جعل الله كل سورة معجزة بنفسها .
¨ خامسا : وذهب البعض إلى أن القرآن معجز لما تضمنه من العلوم المختلفة .
وقد رجح الشيخ مناع ، رحمه الله ، القول بأن القرآن معجز ، في كل هذه الأوجه ، فلا يقتصر إعجازه على وجه منها دون الآخر ، وأما الدكتور محمد لطفي الصباغ ، فقد رجح القول بأن إعجاز القرآن ، وإن كان شاملا لكل هذه الأوجه ، إلا أنه يتركز أساسا ، في النواحي اللغوية ، التي تتعلق بلفظه ونسقه وبيانه ونظمه ، لأنه أنزل على قوم صناعتهم البلاغة ، فكانت معجزتهم في عين ما برعوا وتفوقوا فيه .
وممن تكلم عن إعجاز القرآن اللغوي ، فأجاد ، أبو بكر الباقلاني رحمه الله ، في إعجاز القرآن ، فقال ما ملخصه :
أن هذا الإعجاز اللغوي يشمل النقاط التالية :
¨ أولا : أن القرآن جاء بأسلوب خارج عن أساليب النظم عند العرب ، فما هو بالنثر ، وما هو بالشعر ، ولذا عجزوا عن معارضته .
¨ ثانيا : أن عجيب نظم القرآن وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما ينصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها ، من ذكر وقصص ومواعظ ، واحتجاج وحكم وأحكام … الخ ، بمعنى أن بلاغة القرآن لا تتفاوت من باب لآخر ، خلاف غيره من الكلام ، فكلام الشعراء ، على سبيل المثال يتفاوت من غرض لآخر ، فنجد منهم من برع في الهجاء ، على سبيل المثال ، ولكنه لم يبرع بنفس الدرجة ، في بقية أغراض الشعر ، ولذا ضرب المثل بكل شاعر ، بحسب ما برع فيه ، فضرب المثل بإمريء القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ، وبزهير إذا رغب ، ولم يضرب المثل بأحدهم في كل أجناس الكلام .
¨ ثالثا : أن أسلوب القرآن في تكرار القصة أكثر من مرة ، لا يصاحبه أي تفاوت في بلاغة عرضها ، خلاف كلام من يعيد حدثا ما ، فإن بلاغته في سرده تختلف من حال إلى حال .
مسألة : القدر المعجز من القرآن :
¨ أولا : ذهب المعتزلة إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن لا ببعضه ، أو بكل سورة برأسها .
¨ ثانيا : ويذهب البعض إلى أن المعجز منه القليل والكثير ، دون تقييد بسورة ، لقوله تعالى : (فليأتوا بحديث مثله) ، وقد استدل الزركشي ، رحمه الله ، في البحر المحيط ، بهذه الآية ، على أن القرآن هو : الكلام المنزل للإعجاز بآية منه ، المتعبد بتلاوته ، حيث قال رحمه الله : بأن أقصر سورة في القرآن هي سورة الكوثر ، وقد ورد التحدي بأقل من سورة ، كما في قوله تعالى : (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) ، والحديث يطلق على ما هو أقل من سورة ، والجواب عن هذا ، بأن المقصود بالحديث في هذه الآية ، هو القرآن كاملا ، لأن سياق آيات التحدي تقتضي ذلك ، فقد ورد التحدي أولا ، بكامل القرآن ، ثم بعشر سور ، ثم بسورة واحدة ، وقد تكلم الشيخ عبد الكريم الخضير ، حفظه الله ، عن هذه المسألة في شرحه لرسالة أصول التفسير ، فقال بأن التحدي لم يرد بآية لأن من الآيات ما هو كلمة واحدة فقط مثل ( مدهمتان ) فهل يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ؟ ومع ذلك فالآية معجزة في موضعها ، فلا أحد يستطيع – مثلا – أن يحذف كلمة ( مدهمتان ) ويأتي بمرادف لها .
¨ ثالثا : وذهب آخرون إلى أن الإعجاز يتعلق بسورة تامة ، ولو قصيرة ، أو قدرها من الكلام كآية واحدة أو آيات ، وهذا موافق لتعريف الجمهور للقرآن ، حيث قالوا بأنه : الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه (وليس بآية كما ذكر ذلك الزركشي رحمه الله) ، المتعبد بتلاوته .
وهذا الرأي هو الأرجح ، وقد ذهب الشيخ مناع ، رحمه الله ، إلى أن الإعجاز لا ينحصر في قدر معين لأننا نجده في أصوات حروفه ووقع كلماته ، كما نجده في الآية والسورة ، فالقرآن كلام الله وكفى ، وكأن الشيخ رحمه الله ، يميل إلى رأي الزركشي رحمه الله ، والله أعلم .