حول آيات التكفير باختصار

إنضم
18/06/2005
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
آية الحكم بغير ما أنزل الله لا يخفاكم أن المقصود بالكفر فيها الكفر الأصغر,كما قال أهل السنة والجماعة(انظر مقالي غزو معاقل التكفير). وأحب أن أنقل لك قول الشيخ سفر الحوالي في كتابه منهج الأشاعرة ص75 قال : " وقد فسر السلف رضي الله عنهم قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " بأنه كفر دون كفر أو كفر لا يخرج من الملة . قال ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها " وهذا قول الصحابة جميعاً " وجاء ذلك عن ابن عباس من الصحابة وعطاء وطاووس من التابعين وأبو عبيد والإمام أحمد من تابع التابعين وكذلك جاء عن الإمام البخاري في صحيحه وغيرهم من الأئمة والعلماء مالا يحصيهم إلا الله تبارك وتعالى " أنتهى كلامه !!.( وقد حذفه في الطبعة الثانية .. !!!) .

إلا أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يوصل صاحبه إلى الكفر الأكبر المخرج من الملة إذا كان جاحداً أو مستحلا, أو مستهزءا أو ما شابه ذلك كما قرر أهل السنة والجماعة.

فإذا فعله مستحلاً له أو ما شابه ذلك خرج بذلك من الملة والعياذ بالله. وصور الاستحلال ظلمات بعضها فوق بعض فأدناها أن يرى جواز الحكم بغير ما أنزل الله.

يدل على ذلك سبب نزول الآية فقد جاء عند مسلم (كتاب الحدود) ما يبين حال من نزلت فيهم الذين قالوا " ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ", إليك الحديث:
عن البراء بن عازب قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم .. الحديث .

فتأمل قولهم((نعم)), فقد جعلوه ديناً كباقي الشرائع المنصوص عليها في كتابهم ، وبهذا النص وغيره تفهم معنى التبديل الذي أراده العلماء ويظهر لك ضابط الحكم بالخروج من الملة لمن حكم بغير ما أنزل الله. فإن حكم إنسان بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال الإمام الحافظ إسماعيل بن اسحاق القاضي المتوفى سنة (282هـ) في آيات الحكم بغير ما أنزل الله –" فمن فعل مثل ما فعلوا ( أي اليهود ) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره ".

إليك -ثانية- نص الحديث من صحيح مسلم كاملا فاصلا قاطعا: جعلت تعليقاتي على متن الحديث بين أقواس هكذا (( )) :

(‏1700‏)‏ قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ كلاهما عن أبي معاوية‏.‏ قال يحيى‏:‏ أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن البراء بن عازب‏.‏ قال‏:‏
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما (( أي مسود الوجه، من الحممة، الفحمة‏)‏‏) مجلودا‏.‏ فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا ‏"‏هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ نعم(( تنبه أخي القارئ إلى هذه الكلمة جيدا))‏.‏ فدعا رجلا من علمائهم‏.‏ فقال ‏"‏أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم‏؟‏‏" قال‏:‏ لا‏.‏ ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك‏.‏ نجده الرجم‏.‏ ولكنه كثر في أشرافنا‏.‏ فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه‏.‏ وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد‏.‏ قلنا‏:‏ تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع‏.‏ فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم(( أي أنهم بدلوا التوراة وحرفوها وغيروا الأحكام الموجودة فيها بتبديلها, فحذفوا حكم الله من التوراة, ووضعوا مكانه ما شرعوا هم بأهوائهم..,فتأمل))‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏" ‏اللهم‏!‏ إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه‏"‏‏.‏ فأمر به فرجم‏.‏ فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر‏.‏ إلى قوله‏:‏ إن أوتيتم هذا فخذوه‏}‏ ‏[‏5 /المائدة /41‏]‏ يقول(( أي العالم اليهودي الذي سبق ذكره في أول الحديث))‏:‏ ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه‏.‏ وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا‏(( كلمة "فاحذروا" واضحة كل الوضوح لكل ذي عينين في أنهم يسخطون على حكم الله ويأنفون منه, بل يفضلون حكم أهوائهم على حكم الله, وهذا هو الكفر بعينه كما يقول أهل السنة والجماعة )).‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون‏‏ ‏[‏المائدة /44‏]‏‏.‏ ‏‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون‏‏ ‏[‏المائدة /45‏]‏‏.‏ ‏ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون‏ ‏[‏المائدة /47‏]‏‏.‏ في الكفار كلها‏.‏
رواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي وغيرهم. وهو حديث صحيح جدا صححه مسلم والوادعي(الصحيح المسند ص95), وهو كما قالا.
وشذ وكيع بن الجراح, فرواه عن الأعمش بدون "فأنزل الله...إلخ" ؛ لأنه قد خالف أبا معاوية, وأبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي.. أحفظ الناس لحديث الأعمش, وهو أحفظ مائة مرة لحديث الأعمش عن وكيع – مع اعترافنا بإمامة وكيع وجلالته- وإليك الدليل:
1- قال أيوب بن إسحاق بن سافري سألت أحمد ويحيى عن أبي معاوية وجرير قالا أبو معاوية أحب إلينا يعنيان في الأعمش.
2- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول قد صار حديث الأعمش في فمي علقما أو هو أمر من العلقم لكثرة ما يردد عليه حديث الأعمش.
3- قال معاوية بن صالح سألت يحيى بن معين من أثبت أصحاب الأعمش قال بعد سفيان وشعبة أبو معاوية الضرير وقال عثمان بن سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين أبو معاوية أحب إليك في الأعمش أو وكيع فقال أبو معاوية أعلم به.
4- قال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: " قال لنا وكيع من تلزمون قلنا نلزم أبا معاوية قال أما إنه كان يعد علينا في حياة الأعمش ألفا وسبع مائة فقلت لأبي معاوية إن وكيعا قال كذا وكذا فقال صدق.."
5- قال عباس الدوري: قال يحيى(أي بن معين): كان عند وكيع عن الأعمش ثماني مائة. قلت ليحيى: كان أبو معاوية أحسنهم حديثا عن الأعمش. قال: كانت الأحاديث الكبار العالية عنده.
6- قال أبو زرعة الدمشقي سمعت أبا نعيم يقول لزم أبو معاوية الأعمش عشرين سنة.
7- قال إبراهيم الحربي قال لي الوكيعي ما أدركنا أحدا كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبي معاوية.

انظر كل هذه النقول في ترجمة أبو معاوية في تهذيب الكمال. وبهذا تعلم أنه مقدم على وكيع في الأعمش؛ لقوته فيه, ولطول الملازمة.

فتأمل –أخي القارئ- جيدا في الحديث, وما علقت أنا عليه. هداني الله وإياك إلى ما فيه الصواب. والحمد لله أولا واخرا.
 
القول الذي نسبته لابن القيم ، وهو " وهذا قول الصحابة جميعاً " جاء في أكثر طبعات مدارج السالكين بلفظ : "وهذا تأويل ابن عباس وعامة [الصحابة]" وقد بحثت في صحة هذه النسبة ، وبعد النظر في المأثور في تفسير هذه الآية لم يظهر لي وجه هذه الكلمة ؛ لأنه لم يرو في هذا المعنى عن الصحابة ما يكفي للحكم بأنه قول عامة الصحابة ، فغلب على ظني أن في الكلمة تصحيفاً ، وأن الصحيح : ( تأويل ابن عباس وعامة أصحابه ) لأنهم هم الذين نقل عنهم هذا القول . وقد سألت الباحث علي القرعاوي أحد محققي مدارج السالكين في قسم العقيدة في كلية أصول الدين في الرياض عن هذه الكلمة ، فأكد لي أن الصحيح المعتمد في أكثر مخطوطات الكتاب هو ما غلب على ظني ؛ فالحمد لله على توفيقه . ثم وجدتها كذلك في طبعة أخرى بتحقيق عامر بن علي ياسين ، فتبين أن الصحيح :"وعامة أصحابه" .
 
بارك الله فيك, وزادك علما وفقها.

أنت لم تبد رأيك في هذا المقال, فأتحفني به أخي الحبيب إن كان في استطاعتك.
 
تعليقا على كلام أخينا في الله القحطاني, أقول:

أنا قلت في "الغزو": (( قال ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها " وهذا قول الصحابة جميعاً " ))
وما هو مذكور أعلاه إنما هو من كلام الشيخ سفر الحوالي.

فتنبه أخي القارئ, فإني قد عزوت وكذلك الحوالي لـكتاب "حكم تارك الصلاة" وليس لـ "مدارج السالكين".
فلا أعرف كيف اختلط الأمر على أخينا القحطاني... جل من لا يسهو.

وجزاكم الله خيرا.
 
لم يختلط الأمر عليّ وفقك الله ، وإنما أردت التنبيه على أن في نسبة هذا القول إلى الصحابة جميعاً نظراً

ثم إن هذا القول بنصه ليس في كتاب الصلاة لابن القيم ، وإنما ذكر ابن القيم التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر - أو بين كفر الجحود والكفر العملي - وبيّن أن الصحابة لا يخرجون العبد من دائرة الإسلام بالكلية لوقوعه في بعض الأعمال التي هي من الكفر العملي . وهذا نص كلامه :

( فصل الكفر نوعان: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد
وها هنا أصل آخر، وهو أن الكفر نوعا: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان. وإلى مالا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان .
و أما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه: فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله سبحانه الحاكم ، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم الكفر، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الحجود والاعتقاد . وكذلك قوله لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فهذا كفر عمل، وكذلك قوله من أتى كاهناً فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد وقوله " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما ترك العمل به ، فقال تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم. ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح " سباب المسلم فيوق وقتاله كفر" ففرق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر ، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.

وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم. فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان. فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل ،
....) إلخ كلامه

فابن القيم يبين طريقة الصحابة في مسائل التكفير عموماً ، ولم يذكر أن الصحابة اتفقوا على أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر .
 
أخي في الله... شكرا لك.

قول الإمام ابن القيم "وهذا التفصيل " أي الكلام المتقدم الذي ذكره هو, وفيه الكلام على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله.

هذا ما بدا لي, فتأمل أخي الحبيبب, فإن كان صوابا, فمن الله.

وأنت-بارك الله فيك وزادك علما- تركت صلب الموضوع ولبه, فلم تعلق عليه معترضا أو مؤيدا, ثم تكلمت على فرع صغير في المقال.

بارك الله في الجميع.
 
عودة
أعلى