عبدالرحمن السديس
New member
إن الخطاب الدعوي الناهي عن اقتناء الأطباق الفضائية متمثلا في الفتاوى والمحاضرات والنشرات هو في غالبه – وكما تُشعر كلماته وتُوحي عباراته – موجّه إلى الفئات ضعيفة التدين؛ والتي تسعى إلى الفضائيات غير عابئة بأضرارها وأخطارها!!.. فقد تجد من يعلل التحريم مثلا بعرض مشاهد الجنس المكشوف، أو التنصير الصريح، أو يربط مباشرة بين الجلوس بين يدي الفضائيات وبين الوقوع في الفاحشة، أو اعتناق العقائد الباطلة!.
إن هذا الخطاب وإن كان صالحا لكثير من الناس إلا أنه يعود بأثر عكسي على بسطاء المتدينين الذين يعتقدون أنهم إن تجاوزوا هذه المحرمات الصارخة فهم في مأمن؛ وليس هذا من الصحة في شيء.. لهذا تجد من المحافظين من لا يرى غضاضة في متابعة القنوات التي يبثها القمر العربي باعتبارها (أنظف) ما يحمله الأثير من الفضائيات الآسنة.
إن نظرة متأنية تمكننا من تصنيف المواد التي تعرض في هذه القنوات (النظيفة) إلى أقسام ثلاثة:
- مواد ضارة محرمة..
- ومواد مطلقة النفع، خالصة الإباحة؛ لا تشوبها شائبة من ضرر، ولا يتطرق إليها تحريم بوجه من الوجوه..
- ومواد يختلط بها السم بالدسم، ويشتبه فيها الشحم والورم!!..
ولا أظن شيئا مما يطل عبر الشاشة الفضية بخارج عن هذا التصنيف!!.. فتمثيليات الحب والغرام، وسائر المعازف تندرج تحت القسم الأول..
وبعض البرامج (الدينية)، وقليل من البرامج التعليمية تمثل القسم الثاني..
أما القسم الثالث فيشمل البرامج الرياضية، والإخبارية.. وأكثر ما يوصف بأنه هادف، أو تعليمي، أو أحيانا.. ديني .. لماذا؟!.. لأن غالب برامج هذا القسم وإن كانت في حد ذاتها باقية على أصل الإباحة إلا أنها لا تعزُف عن المعازف، ولا تُتصور بغير صور النساء – ولا أعني بالضرورة الصور العارية – إلى غير ذلك مما نص الكتاب والسنة، وأجمع علماء الأمة على تحريمه.
وهذه المواد المختلطة لا بد للسلامة منها من تجنب المحاذير فيها؛ كإيقاف الصوت عند الفواصل الموسيقية، وغض البصر عند ظهور المذيعة في البرامج الإخبارية مثلا.. ولا شك أن المحافظة على مثل هذا في غاية العسر.. وعجز المشاهد عن ذلك يوجب تركها بالكلية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. فلا يبقى عندئذ إلا بعض البرامج التعليمية والدينية التي قد خلت مما سبق من المحاذير، وخلت كذلك من التضليل للأمة في أفكارها ومعتقداتها، والتلبيس عليها في قدواتها ومصادر تلقيها!!..
وكم تمثل نسبة هذا النزر اليسير من البرامج الخالصة في ركام الأفلام، وغُثاء الغناء؛ حتى يبذل الجهد والمال في الحصول عليه، ويخاطر بالنفس والعيال في الوصول إليه!.
إن المقتني لهذا البلاء، والجالب لهذا الوباء - وإن حرص بسبب ما لديه من ديانة على تحاشي فادح ضرره، وتفادي سيء أثره - من أجل سماع الأخبار ومشاهدة الدنيا فإنما مثله كمن أتى بحيّات رقطاوات؛ ناقع سمّها؛ وأسكنها بيته؛ لتخلّصه من الفئران؛ فما أسرع ما تنهشه وعياله عند أدنى غفلة!!..
إن العاقل لا يجلب الخمر إلى بيته مهما كان عالما بضررها، واثقا من عزوفه عنها؛ فكيف إذا وضعها على مائدته، وعلى رأسها دعاة إليها؛ يزينونها، ويحسنونها؟!.. لأنه معرض في كل لحظة يغفل فيها لأن يصيبه منها شرر.. بل لأن تحرقه؛ فلا تبقي ولا تذر!.
إنه من العسير القريب من المحال على المشاهد مهما كان حريصا أن يقلّب القنوات الفضائية بحثا عن الحلال الزلال دون أن تلتقط أذنه، أو تقع عينه – من غير تعمد – على قاذورة مما تعج به هذه القنوات، أو أذى مما تطفح به!!..
إنه سيشعر في بادئ الأمر بوخزة تؤلم قلبه، وحرارة تحرق حشاه مع كل لحظة يأباها دينه، وكل لفظة ترفضها مبادئه، ثم ما يلبث الألم أن يخفت، والحرارة أن تزول شيئا فشيئا وإن ظل يحاول الغض من بصره وسمعه فإن كثرة المساس يقلل الإحساس، وقطرات المطر على مرور الأيام تنحت الصخر، وتقد الجبل!.
إن من أدنى آثار الفضائيات - التي يشترك فيها مشاهدوها جميعهم؛ برهم وفاجرهم؛ وهي من أعظم الأضرار على الدين في الوقت نفسه - ضرر التعوّد!!.. فالتعوّد على رؤية ما لم يكن يرى، وسماع ما لم يكن يسمع - حتى لو لم يجلس لمتابعته - يضعف في قلبه - بمرور الزمن - الغَيرةَ على الدين، والحماسة لتغيير المنكر.. وربما كرّس في نفسه اليأس من الإصلاح، والزهد فيه!!.. وهذا من الخطورة على المتدينين بمكان!!.. وما أظن من ينكر حصول التعوّد إلا دافنا رأسه في الرمال؛ فكل المشاهدين واقعون في حبائله؛ غير أن منهم مستقلا، ومستكثرا، كما أن المنكرات تتفاوت بدءا من الفاصل الموسيقي في النشرات الإخبارية؛ وصولا - ولا أقول انتهاءا - إلى ما يعف عنه القلم، ويحتبس عنه المداد!!.. إن هذا الأثر هو تدمير للجهاز المناعي للمسلم ضد المنكرات..
إن من آثار الفضائيات على المتدينين أيضا أثرا لا يتنازع فيه اثنان؛ ومع ذلك يستهان به.. إنه الأثر الذي يبدأ به الشيطان (مشواره الفني)!!.. ألا وهو (التعرف على أنواع من الشر في شتى صوره وأشكاله، وعلى نماذج تفصيلية للانحراف الديني والخُلُقي؛ قد تُعرض في غلاف النقد، وتشاهد في جوّ من الاستياء، أو يُعرض عنها في اشمئزاز مصحوب بالاستعاذة والحوقلة).. ثم ماذا؟!.. تبقى ثقافة الجريمة، وفلسفة الانحراف رواسب في الأذهان – دون مقارفة – تُلوّث الفطرة، وتخدش البراءة، وتسلب الغفلة المحمودة، المذكورة في مثل قول البارئ جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23)!!..
إن الاطلاع على حال العصاة والمجرمين، وما بلغوا في الفساد والانحراف يهوّن على المطّلع شأن الذنوب والمعاصي، ويحقرها في عينه!!..
وفي مقابل ذلك فإن الغفلة عن سبل المعاصي وأشكالها، وعدم تصوّرها هما أول حاجز عنها، وأقوى مانع من غشيانها!!.. إن هند بنت عتبة لم تتصوّر وقوع الزنا من الحرائر؛ فكان سؤالها الاستنكاري ساعة البيعة: (أو تزني الحرة؟!!)..
الأثر الثالث من آثار الفضائيات على المتدينين: اختلاف زاوية النظر، بل انحرافها؛ وفقدان الحياد؛ أعني بذلك أن الواحد من الناس يكون مُقرّا بخطر الفضائيات، مُعترفا بضررها؛ بل قد يكون حربا عليها؛ فإذا اقتناها هو نفسه يوما من الأيام لسبب أو لآخر - ولو مُكرها - فإن نظرته تتأثر؛ فتراه يتحدث عن المصالح والإيجابيات؛ ويتحاشى الحديث عن الأضرار والسلبيات.. وإن ذكرها فبذكر عابر، أو طرقها فبطرق فاتر.. وقد يضيق صدره؛ولا ينطلق لسانه عندما يسمع الفتاوى المصرّحة بالتحريم، والمحذرة من الخطر الوخيم!!.. ومن كان في هذه الحالة فلن تعجبه هذه المقالة!.
إن هذه الآثار الثلاثة قد تبدو هينة؛ غير ذات بال.. إلا أن أهميتها، وخطورتها ناشئة من أمرين:
أحدهما حتمية تأثر المتدينين من مشاهدي الفضائيات بها؛ بينما هم يظنون أنهم بانتقائيتهم، وحرصهم سالمون، غانمون؛ وهم في الحقيقة غارمون.. ويحسبون أنهم على ساحل السلامة؛ وهم في لُجّة مخوفة.
الأمر الثاني أن هذه الآثار ذرائع إلى ما هو أشد، ووسائل إلى ما هو أخطر.. وإنما هي خطوة في درب موحش، ومرحلة في سبيل غير محمودة العاقبة!.
وليست هذه هي كل الآثار على المتدينين؛ فهناك مثلا أثر مشاهدة القُصّر في البيت للقنوات عند غياب الرقابة؛ وما يتبع ذلك من تدمير الأخلاق، ونسف التربية!!..
وهناك كذلك أثر القدوة السلبية التي تتمثل في اقتداء الآخرين بهؤلاء المُبتلين، وتأسّيهم بهم؛ فكيف تمنع من اقتناء الأطباق وقد اقتناها فلان وفلان من الصالحين؟!..
وهناك أيضا أثر تضييع الأوقات، واستغراق الأعمار في ما هي أغلى منه، إلى آخر ما هنالك.
أما سائر الآثار التي تساق، والأضرار التي تذكر في العادة فيقع فيها غالبا أولئك الذين ليس لهم دين وازع، ولا ضمير ممانع؛ فيتلقفون في شراهة كل ما تتقيؤه الفضائيات!؛ لسان حالهم وهم عليها عكوف!: وجهت وجهي إليك.. وأسلمت نفسي إليك.. وفوضت أمري إليك!!.. فليست هذه السطور موجهة إليهم، ولا مؤثرة عليهم. أسأل الله العافية من كل بلاء، والسلامة من كل داء، والعصمة من الغواية، وسلوك سبيل الهداية.. وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. أنس ابن عوف عباس*
---------------------------
جزاه الله خيرا ونفع بما قال .
إن هذا الخطاب وإن كان صالحا لكثير من الناس إلا أنه يعود بأثر عكسي على بسطاء المتدينين الذين يعتقدون أنهم إن تجاوزوا هذه المحرمات الصارخة فهم في مأمن؛ وليس هذا من الصحة في شيء.. لهذا تجد من المحافظين من لا يرى غضاضة في متابعة القنوات التي يبثها القمر العربي باعتبارها (أنظف) ما يحمله الأثير من الفضائيات الآسنة.
إن نظرة متأنية تمكننا من تصنيف المواد التي تعرض في هذه القنوات (النظيفة) إلى أقسام ثلاثة:
- مواد ضارة محرمة..
- ومواد مطلقة النفع، خالصة الإباحة؛ لا تشوبها شائبة من ضرر، ولا يتطرق إليها تحريم بوجه من الوجوه..
- ومواد يختلط بها السم بالدسم، ويشتبه فيها الشحم والورم!!..
ولا أظن شيئا مما يطل عبر الشاشة الفضية بخارج عن هذا التصنيف!!.. فتمثيليات الحب والغرام، وسائر المعازف تندرج تحت القسم الأول..
وبعض البرامج (الدينية)، وقليل من البرامج التعليمية تمثل القسم الثاني..
أما القسم الثالث فيشمل البرامج الرياضية، والإخبارية.. وأكثر ما يوصف بأنه هادف، أو تعليمي، أو أحيانا.. ديني .. لماذا؟!.. لأن غالب برامج هذا القسم وإن كانت في حد ذاتها باقية على أصل الإباحة إلا أنها لا تعزُف عن المعازف، ولا تُتصور بغير صور النساء – ولا أعني بالضرورة الصور العارية – إلى غير ذلك مما نص الكتاب والسنة، وأجمع علماء الأمة على تحريمه.
وهذه المواد المختلطة لا بد للسلامة منها من تجنب المحاذير فيها؛ كإيقاف الصوت عند الفواصل الموسيقية، وغض البصر عند ظهور المذيعة في البرامج الإخبارية مثلا.. ولا شك أن المحافظة على مثل هذا في غاية العسر.. وعجز المشاهد عن ذلك يوجب تركها بالكلية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. فلا يبقى عندئذ إلا بعض البرامج التعليمية والدينية التي قد خلت مما سبق من المحاذير، وخلت كذلك من التضليل للأمة في أفكارها ومعتقداتها، والتلبيس عليها في قدواتها ومصادر تلقيها!!..
وكم تمثل نسبة هذا النزر اليسير من البرامج الخالصة في ركام الأفلام، وغُثاء الغناء؛ حتى يبذل الجهد والمال في الحصول عليه، ويخاطر بالنفس والعيال في الوصول إليه!.
إن المقتني لهذا البلاء، والجالب لهذا الوباء - وإن حرص بسبب ما لديه من ديانة على تحاشي فادح ضرره، وتفادي سيء أثره - من أجل سماع الأخبار ومشاهدة الدنيا فإنما مثله كمن أتى بحيّات رقطاوات؛ ناقع سمّها؛ وأسكنها بيته؛ لتخلّصه من الفئران؛ فما أسرع ما تنهشه وعياله عند أدنى غفلة!!..
إن العاقل لا يجلب الخمر إلى بيته مهما كان عالما بضررها، واثقا من عزوفه عنها؛ فكيف إذا وضعها على مائدته، وعلى رأسها دعاة إليها؛ يزينونها، ويحسنونها؟!.. لأنه معرض في كل لحظة يغفل فيها لأن يصيبه منها شرر.. بل لأن تحرقه؛ فلا تبقي ولا تذر!.
إنه من العسير القريب من المحال على المشاهد مهما كان حريصا أن يقلّب القنوات الفضائية بحثا عن الحلال الزلال دون أن تلتقط أذنه، أو تقع عينه – من غير تعمد – على قاذورة مما تعج به هذه القنوات، أو أذى مما تطفح به!!..
إنه سيشعر في بادئ الأمر بوخزة تؤلم قلبه، وحرارة تحرق حشاه مع كل لحظة يأباها دينه، وكل لفظة ترفضها مبادئه، ثم ما يلبث الألم أن يخفت، والحرارة أن تزول شيئا فشيئا وإن ظل يحاول الغض من بصره وسمعه فإن كثرة المساس يقلل الإحساس، وقطرات المطر على مرور الأيام تنحت الصخر، وتقد الجبل!.
إن من أدنى آثار الفضائيات - التي يشترك فيها مشاهدوها جميعهم؛ برهم وفاجرهم؛ وهي من أعظم الأضرار على الدين في الوقت نفسه - ضرر التعوّد!!.. فالتعوّد على رؤية ما لم يكن يرى، وسماع ما لم يكن يسمع - حتى لو لم يجلس لمتابعته - يضعف في قلبه - بمرور الزمن - الغَيرةَ على الدين، والحماسة لتغيير المنكر.. وربما كرّس في نفسه اليأس من الإصلاح، والزهد فيه!!.. وهذا من الخطورة على المتدينين بمكان!!.. وما أظن من ينكر حصول التعوّد إلا دافنا رأسه في الرمال؛ فكل المشاهدين واقعون في حبائله؛ غير أن منهم مستقلا، ومستكثرا، كما أن المنكرات تتفاوت بدءا من الفاصل الموسيقي في النشرات الإخبارية؛ وصولا - ولا أقول انتهاءا - إلى ما يعف عنه القلم، ويحتبس عنه المداد!!.. إن هذا الأثر هو تدمير للجهاز المناعي للمسلم ضد المنكرات..
إن من آثار الفضائيات على المتدينين أيضا أثرا لا يتنازع فيه اثنان؛ ومع ذلك يستهان به.. إنه الأثر الذي يبدأ به الشيطان (مشواره الفني)!!.. ألا وهو (التعرف على أنواع من الشر في شتى صوره وأشكاله، وعلى نماذج تفصيلية للانحراف الديني والخُلُقي؛ قد تُعرض في غلاف النقد، وتشاهد في جوّ من الاستياء، أو يُعرض عنها في اشمئزاز مصحوب بالاستعاذة والحوقلة).. ثم ماذا؟!.. تبقى ثقافة الجريمة، وفلسفة الانحراف رواسب في الأذهان – دون مقارفة – تُلوّث الفطرة، وتخدش البراءة، وتسلب الغفلة المحمودة، المذكورة في مثل قول البارئ جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23)!!..
إن الاطلاع على حال العصاة والمجرمين، وما بلغوا في الفساد والانحراف يهوّن على المطّلع شأن الذنوب والمعاصي، ويحقرها في عينه!!..
وفي مقابل ذلك فإن الغفلة عن سبل المعاصي وأشكالها، وعدم تصوّرها هما أول حاجز عنها، وأقوى مانع من غشيانها!!.. إن هند بنت عتبة لم تتصوّر وقوع الزنا من الحرائر؛ فكان سؤالها الاستنكاري ساعة البيعة: (أو تزني الحرة؟!!)..
الأثر الثالث من آثار الفضائيات على المتدينين: اختلاف زاوية النظر، بل انحرافها؛ وفقدان الحياد؛ أعني بذلك أن الواحد من الناس يكون مُقرّا بخطر الفضائيات، مُعترفا بضررها؛ بل قد يكون حربا عليها؛ فإذا اقتناها هو نفسه يوما من الأيام لسبب أو لآخر - ولو مُكرها - فإن نظرته تتأثر؛ فتراه يتحدث عن المصالح والإيجابيات؛ ويتحاشى الحديث عن الأضرار والسلبيات.. وإن ذكرها فبذكر عابر، أو طرقها فبطرق فاتر.. وقد يضيق صدره؛ولا ينطلق لسانه عندما يسمع الفتاوى المصرّحة بالتحريم، والمحذرة من الخطر الوخيم!!.. ومن كان في هذه الحالة فلن تعجبه هذه المقالة!.
إن هذه الآثار الثلاثة قد تبدو هينة؛ غير ذات بال.. إلا أن أهميتها، وخطورتها ناشئة من أمرين:
أحدهما حتمية تأثر المتدينين من مشاهدي الفضائيات بها؛ بينما هم يظنون أنهم بانتقائيتهم، وحرصهم سالمون، غانمون؛ وهم في الحقيقة غارمون.. ويحسبون أنهم على ساحل السلامة؛ وهم في لُجّة مخوفة.
الأمر الثاني أن هذه الآثار ذرائع إلى ما هو أشد، ووسائل إلى ما هو أخطر.. وإنما هي خطوة في درب موحش، ومرحلة في سبيل غير محمودة العاقبة!.
وليست هذه هي كل الآثار على المتدينين؛ فهناك مثلا أثر مشاهدة القُصّر في البيت للقنوات عند غياب الرقابة؛ وما يتبع ذلك من تدمير الأخلاق، ونسف التربية!!..
وهناك كذلك أثر القدوة السلبية التي تتمثل في اقتداء الآخرين بهؤلاء المُبتلين، وتأسّيهم بهم؛ فكيف تمنع من اقتناء الأطباق وقد اقتناها فلان وفلان من الصالحين؟!..
وهناك أيضا أثر تضييع الأوقات، واستغراق الأعمار في ما هي أغلى منه، إلى آخر ما هنالك.
أما سائر الآثار التي تساق، والأضرار التي تذكر في العادة فيقع فيها غالبا أولئك الذين ليس لهم دين وازع، ولا ضمير ممانع؛ فيتلقفون في شراهة كل ما تتقيؤه الفضائيات!؛ لسان حالهم وهم عليها عكوف!: وجهت وجهي إليك.. وأسلمت نفسي إليك.. وفوضت أمري إليك!!.. فليست هذه السطور موجهة إليهم، ولا مؤثرة عليهم. أسأل الله العافية من كل بلاء، والسلامة من كل داء، والعصمة من الغواية، وسلوك سبيل الهداية.. وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. أنس ابن عوف عباس*
---------------------------
جزاه الله خيرا ونفع بما قال .