يوسف محمد مازي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا نص حوار حر - الأسئلة من طرف رواد الموقع - أجرته الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب مع الدكتور محمد قجوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ـ أكدال.
تحت عنوان: مناهج تفسير القرآن الكريم
إن ثراء العبارة القرآنية، واتساع آفاق النص القرآني، لممّا يفتح الباب أمام تعدد مناهج التفسير وتنوع طرائق نقد النصوص، وثراء أدوات استبانة مواطن الإعجاز في الكتاب الخاتم. بل إن عمق وخصب النص القرآني قد مكّنا من إغناء مناهج التفسير وأفسحا المجالات أمام ارتياد آفاق جديدة تفتّق عنها الفكر الإنساني، للإفادة منها في تبيّن المزيد من معاني وأبعاد كتاب الله.
والناظر في المكتبة التفسيرية يدرك أن العلماء بذلوا وسعهم، واجتهدوا ما استطاعوا ليحيطوا علما بما في القرآن الكريم، قصد استخراج واستنباط الأحكام الشرعية والوصول إلى المقاصد العليا الحاكمة التي تسري في الكتاب الخاتم. وقد تعددت مناهجهم في محاولة بيان مراد الله تعالى من كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما أنهم تفاوتوا في الفهوم، من خلال التعامل مع النقول، واستنباط المعاني التي توصلت إليها العقول.. مما أفرز لنا عددا كبيرا من التفاسير يصعب حصرها، فضلا عن دراستها وتقويمها.
ماذا نعني بمناهج التفسير؟ وإلى أي حد استطاعت هذه المناهج الكشف عن مدلولات الكتاب الخاتم؟ وكيف كانت معاينتها للنص القرآني المتجدد؟ كيف يمكن الاستفادة من مناهج العلوم الإنسانية في توسيع دائرة التفسير ليشمل آفاقا أوسع؟
يسر موقع الرابطة المحمدية للعلماء أن يستضيف في حواره الحي لهذا الأسبوع، الدكتور محمد قجوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ـ أكدال
س: ماذا نعني بمناهج التفسير؟
ج: المناهج لغة: من نهج وأنهج أي وضح، والمنهج والمنهاج والنهج الطريق الواضح، ويعني أيضا الخطة العلمية الواضحة.
وفي المصطلح المنهج هو الخطة العلمية الواضحة المعتمدة في الدراسة، وهي عبارة عن قواعد وضوابط تتحكم في هذه الدراسة، وبناءا على هذا فمناهج التفسير هي الخطة العلمية الواضحة المعتمدة في فهم كتاب الله وبيان أحكامه المستمدة من علم التفسير وأصوله، ومناهج التفسير كثيرة ومتنوعة؛ منها التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، والتفسير الفقهي، والتفسير الموضوعي، والتفسير العلمي، والتفسير الصوفي وغيرها.
س: متى ظهر اسم مناهج التفسير؟ وما الفرق بينه وبين مدارس التفسير؟
ج: بالنسبة للزمن الذي ظهر فيه هذا المصطلح يصعب تحديده لما يحتاجه الأمر من تقص تام لاستعمال هذا المصطلح، أما الفرق بينه وبين المدارس؛ فالمدرسة أعم من المنهج، لأن لكل مدرسة منهجا تتميز به في فهم كتاب الله واستنباط أحكامه. فبينهما عموم وخصوص.
س: إذا كانت جميع مدارس التفسير لا تخرج عما سار عليه الأولون فيما يتعلق بتفسير معاني القرآن الحكيم من متفق عليه [ تفسير القرآن بالقرآن ، ثم بالسنة ، وبأقوال الصحابة والتابعين (ض)] ومختلف فيه [ باجتهاد المفسيرين المتوفرين على شروط وآداب المفسر ] فهل يمكن دكتور فضلا منكم ، أن يخضع التفسير لظروف كل بلد وتمشيا مع مستجدات قضايا وعلوم كل عصر من العصور ، علما أن مدارس التفسير في مكة والمدينة والكوفة ،،،الخ ، كانت لكل منها مميزاتها وظروفها؟
ج: ما تقدمتهم به بخصوص الأصول المعتمدة في فهم القرآن الكريم من تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، فهذه أصول ثابتة لا تتغير يلزم كل مفسر أن يستفيد منها وأن يراعيها في الفهم، أما ما يتعلق بالاجتهاد واستيعاب المستجدات الطارئة في كل عصر، فهذا لا يتنافى إطلاقا مع هذه الأصول؛ لأن الأصول معينة على الفهم، والاجتهاد متوقف على الاستنباط بعد هذا الفهم، ولا بأس في ذلك من الاستعانة بالعلوم المستجدة إذا كانت لا تتنافى مع هذه الأصول.
س: لقد ظهرت في تاريخ الأمة مدارس متعددة ومتنوعة، تختلف في درجة قربها من الكتاب الكريم، فنجد مدرسة التفسير الفقهي، ومدرسة التفسير البياني، ومدرسة التفسير الإشاري، وغيرها من المدارس، كيف تقيمون عطاء هذه المدارس؟
ج: هذا سؤال هام جدا، والإجابة التفصيلية عنه تحتاج لوقت أطول؛ وجملة القول في ذلك أن تاريخ التفسير عرف مدارس كثيرة، لم يحظ جميعها بالرضا والقبول لدى علماء هذا الفن، فكلما كانت هذه المدارس ملتزمة بأصول التفسير وضوابطه العلمية المعتمدة عند العلماء كلما كان إنتاجها سليما مقبولا، وكلما قصرت في الالتزام بهذه الأصول والضوابط كلما خرجت عن الصواب وتعرضت للنقد.
س: إلى أي حد استطاعت هذه المناهج الكشف عن مدلولات الكتاب الخاتم؟ وكيف كانت معاينتها للنص القرآني المتجدد؟
ج:المناهج المعتمدة في تفسير القرآن كما ذكرنا سالفا متنوعة كل منها قد اعتمد أداة علمية في الفهم والاستنباط، فأصحاب التفسير بالمأثور مثلا اعتمدوا تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، نظرا لقيمة هذه الأصول في الفهم والتفسير، وأصحاب التفسير اللغوي اعتمدوا اللغة في الفهم لأنها لغة القرآن، وأصحاب التفسير الفقهي اعتمدوا القواعد الأصولية والفقهية في استنباط أحكام القرآن، وهكذا نلاحظ هذا التنوع في الأداة العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة بالبيان أيضا، وكلما تتبعنا هذه المناهج كلما ازداد التنوع في الأدوات العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة في التفسير...
س: في نظركم ماهي ماهي المخطوطات المالكية في علم التفسير التي يجب أن توجه إليها عناية الباحثين لتحقيقها وطبعها؟
ج: التراث التفسيري الفقهي المالكي كثير متنوع حسب الجهة التي ينتمي إليها؛ فهناك مصنفات صنفها المالكية في الغرب الإسلامي ومصنفات أخرى صنفها المالكية في العراق وغيرها من المناطق الإسلامية، والعناية بهذا التراث تكشيفا وتعريفا وتحقيقا ودراسة من البحوث العلمية الهامة، وهذا يلزم الباحث بعد التكشيف والفهرسة الاطلاع على هذه المخطوطات وتحديد ما يصلح منها لهذا العمل وما لا يصلح، وفي هذا الباب يمكن أن نقترح بالإضافة إلى مدرسة الأندلس مدرسة العراق، ومخطوطاتها المالكية...
س: كلما ذكر التفسير في تراثنا الإسلامي إلا وذكرت معه قضية الإسرائيليات. ولعلك استاذي تعلم أن تفسير الطبري، وهو إمام مدرسة التفسير بالمأثور، قد أجري حوله ما يزيد على 20 رسالة جامعية، ما بين ماجستير ودكتوراه بغية تنقيته من الإسرائليات، فما هو حجم هذه الإسرائيليات في تراثنا التفسيري؟ وكيف ومتى دخلت إليه؟ وكيف السبيل إلى تنقية هذا التراث منها؟
ج:الإسرائيليات مصدر قديم من مصادر التفسير، ظهر مع الصحابة رضوان الله عليهم، عندما كانوا يرجعون إلى مسلمة أهل الكتاب للاستئناس برواياتهم في بسط مختصر قصص القرآن، ولم يكونوا يعتمدون هذا المصدر في تأصيل عقيدتهم ولا استنباط أحكامهم الشرعية، ولذلك درج المفسرون بعدهم على اعتماد هذا المصدر في هذا الباب بالضبط، إلا أن الأمر استفحل أكثر مع بعض المفسرين الذين بالغوا في اعتماد هذه الروايات إلى درجة الاصطدام مع بقية الأصول العلمية المعتمدة؛ كالتعارض مثلا مع عصمة الأنبياء ونحو ذلك... فصار من الضروري تنقية التفسير من هذه الروايات التي تتعارض مع دلالات القرآن وشواهد السنة ودلالة اللغة العربية، والسبيل إلى ذلك البحوث العلمية المجددة لعلم التفسير.
س: إن تقويم أي عمل تفسيري ينطلق من معرفة طبيعة العلاقةبين المكونات الثلاث التالية:الأصول والمنهج والمفسر؛ فهي التربة الحاضنة لأي عمل تفسيري، وأي خلل في العلاقة بينها، يؤدي حتما إلى خلل في العمل التفسيري قد تتباين مظاهره بحسب نوع الخلل ومداه.
والناظر في التراث التفسيري، يمكنه بوضوح أن يلحظ مدى الخلل الموجود فيه بسبب عدم التوازن بين المكونات الثلاثة.ما هي في نظركم أستاذي الكريم أسباب هذا الخلل؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟
ج: هذا سؤال هام جدا؛ لأنه يلخص سبب الخلل الذي يظهر أحيانا في مسيرة التفسير، فإذا أردنا أن نجمل الكلام عن هذا الخلل فهو يقع إما من جهة التقصير في اعتماد الأصول العلمية المعتبرة عند علماء التفسير سلفا وخلفا، وإما من جهة المنهج الذي لا يتناسب مع خصوصية الكتاب المقدس، وإما من جهة المفسر الذي لا يكون من أهل هذا العلم، أو يتحكم فيه مذهبه ... والسبيل إلى تجاوز هذا الخلل هو الاحتكام إلى أصول هذا العلم وقواعده، فهو الميزان الذي نميز به بين الصحيح والسقيم من الآراء والتفسيرات.
س: كيف تقيمون أستاذي محمد قجوي الدراسات العلمية التي عرفها مجال البحث الأكاديمي في الدراسات القرآنية وفي التراث التفسيري على الخصوص،سواء تعلق الأمر بالجامعات المغربية، أو تعلق بالجامعات العربية، أو تعلق بالجامعات الغربية؟
ج: عرفت الدراسات القرآنية عموما والتفسيرية خصوصا رواجا كبيرا في البحث الأكاديمي، وقد تنوعت هذه الدراسات من حيث الجوانب التي تناولتها من كتاب الله عز وجل فمنها: الدراسات التي عنيت بالجانب اللغوي في القرآن، ومنها الدراسات التي عنيت بمواضيعه وقضاياه، ومنها الدراسات التي عنيت بالجوانب المنهجية في التفسير، وهذا يشكل رصيدا علميا هاما يدل على العناية الدائمة بالقرآن الكريم. ونرجو بعد هذا التطور في التواصل بواسطة الشبكة العنكبوتية أن نتجاوز التكرار في هذه البحوث ويبني كل باحث على خلاصة من تقدمه.
س: نشكر جزيل الشكر موقع الرابطة المحمدية للعلماء، ونشكر كذلك الضيف الكريم الدكتور محمد قجوي.
سؤالي، هناك مقولة تقول أن التفسير هو اول العلوم ظهورا، ما مدى صحتها؟
ج: يمكن أن تقول ذلك بخصوص العلوم الإسلامية؛ لأن أول من باشر التفسير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا متقدم في تاريخ العلوم الإسلامية
هذا نص حوار حر - الأسئلة من طرف رواد الموقع - أجرته الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب مع الدكتور محمد قجوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ـ أكدال.
تحت عنوان: مناهج تفسير القرآن الكريم
إن ثراء العبارة القرآنية، واتساع آفاق النص القرآني، لممّا يفتح الباب أمام تعدد مناهج التفسير وتنوع طرائق نقد النصوص، وثراء أدوات استبانة مواطن الإعجاز في الكتاب الخاتم. بل إن عمق وخصب النص القرآني قد مكّنا من إغناء مناهج التفسير وأفسحا المجالات أمام ارتياد آفاق جديدة تفتّق عنها الفكر الإنساني، للإفادة منها في تبيّن المزيد من معاني وأبعاد كتاب الله.
والناظر في المكتبة التفسيرية يدرك أن العلماء بذلوا وسعهم، واجتهدوا ما استطاعوا ليحيطوا علما بما في القرآن الكريم، قصد استخراج واستنباط الأحكام الشرعية والوصول إلى المقاصد العليا الحاكمة التي تسري في الكتاب الخاتم. وقد تعددت مناهجهم في محاولة بيان مراد الله تعالى من كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما أنهم تفاوتوا في الفهوم، من خلال التعامل مع النقول، واستنباط المعاني التي توصلت إليها العقول.. مما أفرز لنا عددا كبيرا من التفاسير يصعب حصرها، فضلا عن دراستها وتقويمها.
ماذا نعني بمناهج التفسير؟ وإلى أي حد استطاعت هذه المناهج الكشف عن مدلولات الكتاب الخاتم؟ وكيف كانت معاينتها للنص القرآني المتجدد؟ كيف يمكن الاستفادة من مناهج العلوم الإنسانية في توسيع دائرة التفسير ليشمل آفاقا أوسع؟
يسر موقع الرابطة المحمدية للعلماء أن يستضيف في حواره الحي لهذا الأسبوع، الدكتور محمد قجوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ـ أكدال
س: ماذا نعني بمناهج التفسير؟
ج: المناهج لغة: من نهج وأنهج أي وضح، والمنهج والمنهاج والنهج الطريق الواضح، ويعني أيضا الخطة العلمية الواضحة.
وفي المصطلح المنهج هو الخطة العلمية الواضحة المعتمدة في الدراسة، وهي عبارة عن قواعد وضوابط تتحكم في هذه الدراسة، وبناءا على هذا فمناهج التفسير هي الخطة العلمية الواضحة المعتمدة في فهم كتاب الله وبيان أحكامه المستمدة من علم التفسير وأصوله، ومناهج التفسير كثيرة ومتنوعة؛ منها التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، والتفسير الفقهي، والتفسير الموضوعي، والتفسير العلمي، والتفسير الصوفي وغيرها.
س: متى ظهر اسم مناهج التفسير؟ وما الفرق بينه وبين مدارس التفسير؟
ج: بالنسبة للزمن الذي ظهر فيه هذا المصطلح يصعب تحديده لما يحتاجه الأمر من تقص تام لاستعمال هذا المصطلح، أما الفرق بينه وبين المدارس؛ فالمدرسة أعم من المنهج، لأن لكل مدرسة منهجا تتميز به في فهم كتاب الله واستنباط أحكامه. فبينهما عموم وخصوص.
س: إذا كانت جميع مدارس التفسير لا تخرج عما سار عليه الأولون فيما يتعلق بتفسير معاني القرآن الحكيم من متفق عليه [ تفسير القرآن بالقرآن ، ثم بالسنة ، وبأقوال الصحابة والتابعين (ض)] ومختلف فيه [ باجتهاد المفسيرين المتوفرين على شروط وآداب المفسر ] فهل يمكن دكتور فضلا منكم ، أن يخضع التفسير لظروف كل بلد وتمشيا مع مستجدات قضايا وعلوم كل عصر من العصور ، علما أن مدارس التفسير في مكة والمدينة والكوفة ،،،الخ ، كانت لكل منها مميزاتها وظروفها؟
ج: ما تقدمتهم به بخصوص الأصول المعتمدة في فهم القرآن الكريم من تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، فهذه أصول ثابتة لا تتغير يلزم كل مفسر أن يستفيد منها وأن يراعيها في الفهم، أما ما يتعلق بالاجتهاد واستيعاب المستجدات الطارئة في كل عصر، فهذا لا يتنافى إطلاقا مع هذه الأصول؛ لأن الأصول معينة على الفهم، والاجتهاد متوقف على الاستنباط بعد هذا الفهم، ولا بأس في ذلك من الاستعانة بالعلوم المستجدة إذا كانت لا تتنافى مع هذه الأصول.
س: لقد ظهرت في تاريخ الأمة مدارس متعددة ومتنوعة، تختلف في درجة قربها من الكتاب الكريم، فنجد مدرسة التفسير الفقهي، ومدرسة التفسير البياني، ومدرسة التفسير الإشاري، وغيرها من المدارس، كيف تقيمون عطاء هذه المدارس؟
ج: هذا سؤال هام جدا، والإجابة التفصيلية عنه تحتاج لوقت أطول؛ وجملة القول في ذلك أن تاريخ التفسير عرف مدارس كثيرة، لم يحظ جميعها بالرضا والقبول لدى علماء هذا الفن، فكلما كانت هذه المدارس ملتزمة بأصول التفسير وضوابطه العلمية المعتمدة عند العلماء كلما كان إنتاجها سليما مقبولا، وكلما قصرت في الالتزام بهذه الأصول والضوابط كلما خرجت عن الصواب وتعرضت للنقد.
س: إلى أي حد استطاعت هذه المناهج الكشف عن مدلولات الكتاب الخاتم؟ وكيف كانت معاينتها للنص القرآني المتجدد؟
ج:المناهج المعتمدة في تفسير القرآن كما ذكرنا سالفا متنوعة كل منها قد اعتمد أداة علمية في الفهم والاستنباط، فأصحاب التفسير بالمأثور مثلا اعتمدوا تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، نظرا لقيمة هذه الأصول في الفهم والتفسير، وأصحاب التفسير اللغوي اعتمدوا اللغة في الفهم لأنها لغة القرآن، وأصحاب التفسير الفقهي اعتمدوا القواعد الأصولية والفقهية في استنباط أحكام القرآن، وهكذا نلاحظ هذا التنوع في الأداة العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة بالبيان أيضا، وكلما تتبعنا هذه المناهج كلما ازداد التنوع في الأدوات العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة في التفسير...
س: في نظركم ماهي ماهي المخطوطات المالكية في علم التفسير التي يجب أن توجه إليها عناية الباحثين لتحقيقها وطبعها؟
ج: التراث التفسيري الفقهي المالكي كثير متنوع حسب الجهة التي ينتمي إليها؛ فهناك مصنفات صنفها المالكية في الغرب الإسلامي ومصنفات أخرى صنفها المالكية في العراق وغيرها من المناطق الإسلامية، والعناية بهذا التراث تكشيفا وتعريفا وتحقيقا ودراسة من البحوث العلمية الهامة، وهذا يلزم الباحث بعد التكشيف والفهرسة الاطلاع على هذه المخطوطات وتحديد ما يصلح منها لهذا العمل وما لا يصلح، وفي هذا الباب يمكن أن نقترح بالإضافة إلى مدرسة الأندلس مدرسة العراق، ومخطوطاتها المالكية...
س: كلما ذكر التفسير في تراثنا الإسلامي إلا وذكرت معه قضية الإسرائيليات. ولعلك استاذي تعلم أن تفسير الطبري، وهو إمام مدرسة التفسير بالمأثور، قد أجري حوله ما يزيد على 20 رسالة جامعية، ما بين ماجستير ودكتوراه بغية تنقيته من الإسرائليات، فما هو حجم هذه الإسرائيليات في تراثنا التفسيري؟ وكيف ومتى دخلت إليه؟ وكيف السبيل إلى تنقية هذا التراث منها؟
ج:الإسرائيليات مصدر قديم من مصادر التفسير، ظهر مع الصحابة رضوان الله عليهم، عندما كانوا يرجعون إلى مسلمة أهل الكتاب للاستئناس برواياتهم في بسط مختصر قصص القرآن، ولم يكونوا يعتمدون هذا المصدر في تأصيل عقيدتهم ولا استنباط أحكامهم الشرعية، ولذلك درج المفسرون بعدهم على اعتماد هذا المصدر في هذا الباب بالضبط، إلا أن الأمر استفحل أكثر مع بعض المفسرين الذين بالغوا في اعتماد هذه الروايات إلى درجة الاصطدام مع بقية الأصول العلمية المعتمدة؛ كالتعارض مثلا مع عصمة الأنبياء ونحو ذلك... فصار من الضروري تنقية التفسير من هذه الروايات التي تتعارض مع دلالات القرآن وشواهد السنة ودلالة اللغة العربية، والسبيل إلى ذلك البحوث العلمية المجددة لعلم التفسير.
س: إن تقويم أي عمل تفسيري ينطلق من معرفة طبيعة العلاقةبين المكونات الثلاث التالية:الأصول والمنهج والمفسر؛ فهي التربة الحاضنة لأي عمل تفسيري، وأي خلل في العلاقة بينها، يؤدي حتما إلى خلل في العمل التفسيري قد تتباين مظاهره بحسب نوع الخلل ومداه.
والناظر في التراث التفسيري، يمكنه بوضوح أن يلحظ مدى الخلل الموجود فيه بسبب عدم التوازن بين المكونات الثلاثة.ما هي في نظركم أستاذي الكريم أسباب هذا الخلل؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟
ج: هذا سؤال هام جدا؛ لأنه يلخص سبب الخلل الذي يظهر أحيانا في مسيرة التفسير، فإذا أردنا أن نجمل الكلام عن هذا الخلل فهو يقع إما من جهة التقصير في اعتماد الأصول العلمية المعتبرة عند علماء التفسير سلفا وخلفا، وإما من جهة المنهج الذي لا يتناسب مع خصوصية الكتاب المقدس، وإما من جهة المفسر الذي لا يكون من أهل هذا العلم، أو يتحكم فيه مذهبه ... والسبيل إلى تجاوز هذا الخلل هو الاحتكام إلى أصول هذا العلم وقواعده، فهو الميزان الذي نميز به بين الصحيح والسقيم من الآراء والتفسيرات.
س: كيف تقيمون أستاذي محمد قجوي الدراسات العلمية التي عرفها مجال البحث الأكاديمي في الدراسات القرآنية وفي التراث التفسيري على الخصوص،سواء تعلق الأمر بالجامعات المغربية، أو تعلق بالجامعات العربية، أو تعلق بالجامعات الغربية؟
ج: عرفت الدراسات القرآنية عموما والتفسيرية خصوصا رواجا كبيرا في البحث الأكاديمي، وقد تنوعت هذه الدراسات من حيث الجوانب التي تناولتها من كتاب الله عز وجل فمنها: الدراسات التي عنيت بالجانب اللغوي في القرآن، ومنها الدراسات التي عنيت بمواضيعه وقضاياه، ومنها الدراسات التي عنيت بالجوانب المنهجية في التفسير، وهذا يشكل رصيدا علميا هاما يدل على العناية الدائمة بالقرآن الكريم. ونرجو بعد هذا التطور في التواصل بواسطة الشبكة العنكبوتية أن نتجاوز التكرار في هذه البحوث ويبني كل باحث على خلاصة من تقدمه.
س: نشكر جزيل الشكر موقع الرابطة المحمدية للعلماء، ونشكر كذلك الضيف الكريم الدكتور محمد قجوي.
سؤالي، هناك مقولة تقول أن التفسير هو اول العلوم ظهورا، ما مدى صحتها؟
ج: يمكن أن تقول ذلك بخصوص العلوم الإسلامية؛ لأن أول من باشر التفسير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا متقدم في تاريخ العلوم الإسلامية