حوار مع الباحث "أحمد البهنسي" حول مجهوداته العلمية في دراسة الاستشراق الإسرائيلي ونقده

إنضم
04/02/2013
المشاركات
65
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
حوار مع الباحث "أحمد البهنسي" حول مجهوداته العلمية في دراسة الاستشراق الإسرائيلي ونقده

حوار أجراه معي الموقع الالكتروني لصحيفة " ذوات" الالكترونية العلمية في المملكة المغربية، نشر بتاريخ يوم الأربعاء 5 اغسطس 2015. ، حول مجهوداتنا العلمية والبحثية في مجال الاستشراق الإسرائيلي والدراسات اليهودية.
تجدون الحوار على الرابط التالي:

الباحث أحمد البهنسي لـ"ذوات": بعض الفئات المنسوبة إلى الإسلام تقدم للاستشراق الإسرائيلي مشاهد القتل والذبح على طبق من ذهب!
 
نص الحوار:

قال الباحث المصري أحمد البهنسي، إن صورة الإسلام في الاستشراق اليهودي "نمطية"؛ أي "مُقَوْلبة"، متأثرة بالصورة نفسها في الاستشراق الغربي بصفة عامة، ما دام الاستشراق اليهودي والاستشراق الإسرائيلي قد نشآ في أحضانه. وأوضح أن من أهم ملامح هذه الصورة اعتبار القرآن "اقتباساً" من العهدين القديم والجديد، وأن الإسلام هرطقة يهودية/ نصرانية، وأن الإسلام مرتبط بالعنف والوحشية والهمجية.
وأكد الأستاذ البهنسي، في حوار خصّ به "ذوات"، أن الاستشراق اليهودي والإسرائيلي قد استغل ما تقوم به الحركات والمنظمات الإرهابية من أعمال عنف "ليبرر تقديم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، لا سيما تلك الصورة الوحشية والدموية"،
من وجهة نظري، فإن أدق ما يمكن أن توصف به صورة الإسلام في الاستشراق اليهودي والإسرائيلي، أنها كانت "نمطية" بمعنى أنها "صورة مقولبة"، جاءت متأثرة بتلك الصورة التي رسختها الكتابات الاستشراقية الغربية عن الإسلام ومصادره وعن الشخصية الإسلامية.
وأشار إلى أنه لا يمكن رد صورة الإسلام في نظر المستشرقين إلى ما تقوم به هذه الحركات المتشددة، لأنه أسبق منها في الزمن، والصورة قديمة جداً.
وأما عن مصادر هذه الصورة، فقد أكد الأستاذ البهنسي أن الاستشراق اليهودي والاستشراق الإسرائيلي قد استمداها من الاستشراق الغربي الأوروبي، لأنه يمثل امتداداً له. كما اعتمد الاستشراق الإسرائيلي كثيراً على "الأدبيات الفكرية الصهيونية" التي روجت لمقولة "إن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وعن الغايات المسكوت عنها، قال الأستاذ البهنسي إن "الاستشراق الإسرائيلي هو الجناح العلمي للمشروع السياسي الإسرائيلي في فلسطين وفي المنطقة العربية جميعها، لذلك يمكن القول إن أهم هذه الغايات الخفية هو ترسيخ "الإسلاموفوبيا" في الغرب" لخدمة المصالح السياسية لإسرائيل وترسيخ التحالف الإسرائيلي الغربي ضد القضية الفلسطينية على حد تعبيره.
وشدّد الأستاذ البهنسي على أن صورة الإسلام في الاستشراق الإسرائيلي "لا تعكس كل الحقيقة"، رغم وجود بعض الكتابات التي تتسم "بالإنصاف أو الموضوعية عن الإسلام" مستدلاً على ذلك بالمستشرقة البريطانية "كارين أرمسترونغ" التي تبين "أن الصور النمطية الاستشراقية المقولبة عن الإسلام ونعته بالإرهاب والوحشية...إلخ، هي صور متأثرة بأيديولوجيا غربية معينة، لها غايات وأهداف أسيرة لمصالح سياسية استعمارية أبعدتها عن الموضوعية".
وقال الأستاذ البهنسي، إن هذه الآراء والأفكار الخاطئة لا تقل خطورة عما يقترفه المسلمون بأيديهم من قتل وحرق وتذبيح معتبراً " اعتقادي أن مشاهد القتل والذبح والعنف التي تقدمها بعض الفئات التي تنسب نفسها للإسلام تقدم للاستشراق على طبق من ذهب، الدليل الكافي على أن تلك الصورة المغلوطة التي روجوها عن الإسلام هي صورة حقيقية ولها انعكاسات ومشاهد تمارس على أرض الواقع".
ورأى البهنسي أن الرد الأمثل على الاستفزازات يحتاج إلى "تحكيم العقل وحسب، واستخدام لغة فكرية وعلمية يمكن أن تخاطب بها الغرب ويفهمك، لأنه طالما تستخدم لغتك أنت التي تفهمها وبني جلدتك، فإنك لن تكسب المعركة مع الاستشراق"، ودعا إلى ممارسة قيم الإسلام السمحة، وما تحث عليه من تسامح وتعايش وحب، بعيداً عن "الخطب الوعظية والعاطفة والحماس الذي لا يجدي نفعاً.
والأستاذ أحمد البهنسي باحث مصري مختص في الدراسات الدينية اليهودية، حاصل على الماجستير في الاستشراق الإسرائيلي، وهو بصدد تحضير أطروحة دكتوراه في الديانة اليهودية. له مؤلفات وأبحاث كثيرة منها كتاب "القرآن الكريم وعلومه في الموسوعات اليهودية.. دراسة نقدية"، وكتاب "المتصوفة اليهود"، وهو ترجمة عن العبرية إلى العربية، بالإضافة إلى دراسات وأبحاث أخرى عديدة.
- تهتم في دراساتك بصورة الإسلام في منظور الاستشراق اليهودي الإسرائيلي، كيف وجدت هذه الصورة؟
من وجهة نظري، فإن أدق ما يمكن أن توصف به صورة الإسلام في الاستشراق اليهودي والإسرائيلي، أنها كانت "نمطية" بمعنى أنها "صورة مقولبة"، جاءت متأثرة بتلك الصورة التي رسختها الكتابات الاستشراقية الغربية عن الإسلام ومصادره وعن الشخصية الإسلامية، وهي الكتابات- أي الكتابات الاستشراقية الغربية- التي نشأ وترعرع في أحضانها وبين كنفاتها الاستشراق اليهودي وكذلك الاستشراق الإسرائيلي، ومن ثم لم يتخلص منها الاستشراق الإسرائيلي.
وقد تجسدت هذه الصورة النمطية في الكتابات الاستشراقية اليهودية والإسرائيلية في قوالب محددة ومتكررة، تمثلت أهم مظاهرها في رد الإسلام لمصادر يهودية ونصرانية ووثنية، واعتبار القرآن الكريم ما هو إلا "اقتباس" من العهدين القديم والجديد، وأن الإسلام ما هو إلا "هرطقة" يهودية/نصرانية، واتخاذ بعض "التشابهات" بين ما جاء في الإسلام وبين ما جاء في الديانتين التوحيديتين السابقتين له (اليهودية، النصرانية) كشاهد على وقوع الإسلام تحت تأثير يهودي نصراني كبير. ومن أبرز أمثلة ذلك ما يتعلق بقصص القرآن الكريم الذي يتعرض في معظمه إلى قصص بعض الأنبياء الذين وصفهم الاستشراق الإسرائيلي بوصف "الأنبياء المشتركون بين اليهودية والإسلام"، وذلك على الرغم من وجود اختلافات جوهرية وأساسية بين قصص القرآن وقصص العهد القديم حول الأنبياء، إضافة إلى اختلاف التصوير والمفهوم القرآني عن الأنبياء عما ورد عليه في العهد القديم.
كما جاءت هذه الصورة النمطية، في قالب ربط الإسلام بقيم العنف والإرهاب، وهي الصورة التي تم الترويج لها وقولبتها من خلال التفسير الاستشراقي الإسرائيلي الخاطئ لعدد من الآيات القرآنية، لا سيما ما يتعلق منها بمفهوم أو مصطلح " الجهاد"، أذكر منها على سبيل المثال ما اعتبرته محاضرة البروفيسور والمستشرق الإسرائيلي "عميكام نحميا" من جامعة "بار ايلان"، الإسرائيلية التي حملت عنوان "الأقليات الإسلامية في أوروبا"، والتي نشرت بالدورية الالكترونية لمركز "نحميا لفتسيون" لدراسات الإسلام التابع للجامعة العبرية بالقدس (islam-center.huji.ac.il)، أن منشأ التعصب بين الجاليات الإسلامية في أوروبا يعود إلى تلك المفاهيم الشائعة في المصادر الأساسية للإسلام ويقصد بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الاستشراق اليهودي والاستشراق الإسرائيلي من دون الحديث عن الاستشراق الغربي والأوروبي، فالاستشراق اليهودي، ومن ثم الإسرائيلي خرج من تحت عباءة الاستشراق الأوروبي، فمن المعروف أن الكثير من المستشرقين اليهود نشأوا بالأساس في مدارس استشراقية أوروبية. ومن أبرز أمثلتهم المستشرق اليهودي المجري "أجناس جولدزيهر".
معتبراً أن هذه المفاهيم وعلى رأسها "الجهاد" أدى إلى بروز صراع "أورو- إسلامي" في البلدان الأوروبية، والذي يظهر على السطح أحياناً، ويختفي تحت الأرض أحياناً أخرى وفق المتغيرات والأحداث السياسية.
من الصور النمطية المهمة أيضاً، التي حاول الاستشراق اليهودي والإسرائيلي الترويج لها، هي تصوير المجتمعات الإسلامية بصورة المجتمعات المتخلفة دائماً، وإلصاق صفات الوحشية والهمجية بالشخصية الإسلامية، بل ونعتها في كثير من الأحيان بوصف الهوس الجنسي، وهي أوصاف اتخذها قادة الصهيونية الأوائل ذريعة لقيام دولة إسرائيل، والترويج لفكرة أن تهجير اليهود إلى فلسطين في الشرق وزرع إسرائيل بهذه المنطقة، سيؤدي إلى إخراج الشعوب الإسلامية الشرقية من الجهل والتخلف إلى الحداثة ونور الحضارة، وهي فكرة قريبة جداً من المبرر الاستعماري الإمبريالي خلال القرنين الـ18 والـ19، الذي اعتبر أن استعمار بلدان الشرق واحتلالها هو لهدف أخلاقي نبيل يتمثل في فرض الحضارة على شعوب هذه البلدان.
- أشرت إلى صورة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالوحشية، ألا تعتقد أننا مسؤولون عن تلك الصورة من خلال النماذج التي تقدمها القاعدة و"داعش" وغيرها إلى العالم؟
بالنسبة إلى الاستشراق، فيؤرخ لظهوره كحركة علمية أو ظاهرة نشأت في الغرب منذ القرن الـ18 الميلادي؛ أي قبل ظهور "داعش" والقاعدة وما شابههما بكثير جداً، بالتالي فإن الاستشراق الغربي والأوروبي، ومن ثم اليهودي والإسرائيلي لم يكن بحاجة لما تقدمه الحركات الإسلامية التي اتخذت العنف منهجاً لها، ليبرر تقديم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، لا سيما تلك الصورة الوحشية والدموية، فالاستشراق على مدار أكثر من قرنين من الزمان، تمكن من ترسيخ صورة "سلبية ودموية" عن الشخصية الإسلامية في الوعي الثقافي الغربي والأوروبي، حيث اختفت تماماً في الكتابات الاستشراقية صورة المسلم المتحضر الذي يعيش في الحضر، ويمتلك ثقافة وقيماً مختلفين، لتبرز بشكل قوي صورة المسلم، إما البدوي أو الفلاح أو العامل والأجير، الذي يعيش إما في الصحراء أو البادية ولا يعرف سوى العنف لغة وحيدة للتعامل.
مع ذلك، يمكن القول إن الصور والمشاهد الوحشية التي تقدمها "داعش" والقاعدة وغيرهما قدمت المبرر الكافي للاستشراق للترويج أكثر وأكثر لتلك الصورة الوحشية والدموية التي طالما وصف بها الشخصية الإسلامية.
في هذا الصدد، يحضرني رد العفل الذي تركته أحداث 11 سبتمبر (أيلول) على الأوساط الاستشراقية عامة، والأوساط الاستشراقية الأمريكية والإسرائيلية خاصة، فقد خلفت هذه الأحداث ثورة داخل حركة الاستشراق، إذ أصبح الاستشراق مطالباً بالتعريف أكثر وأكثر بالإسلام ومصادره والكتابة عنه، نظراً إلى تزايد الطلب الشعبي الغربي والإسرائيلي للتعرف على الدوافع التي تقف وراء العنف عند المسلمين، ومن هنا ظهرت الكثير من الأعمال الاستشراقية حول الإسلام والمسلمين سواء الفكرية أو المترجمة، والتي كان من أبرزها على مستوى الاستشراق الإسرائيلي صدور ترجمة عبرية كاملة لمعاني القرآن الكريم عام 2005 من إعداد البروفيسور الإسرائيلي "اوري روبين" أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة "تل أبيب"، والذي قال في مقدمة ترجمته إنها جاءت تلبية للمطالب والاحتياجات الشعبية الإسرائيلية للتعرف أكثر على الإسلام والقرآن.
- برأيك من أين يستمد الاستشراق الإسرائيلي هذه الصورة؟ ما مصادرها؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الاستشراق اليهودي والاستشراق الإسرائيلي من دون الحديث عن الاستشراق الغربي والأوروبي، فالاستشراق اليهودي، ومن ثم الإسرائيلي خرج من تحت عباءة الاستشراق الأوروبي، فمن المعروف أن الكثير من المستشرقين اليهود نشأوا بالأساس في مدارس استشراقية أوروبية. ومن أبرز أمثلتهم المستشرق اليهودي المجري "اجناس جولدزيهر"، صاحب العديد من الكتابات حول السيرة النبوية الشريفة. وحينما قامت دولة إسرائيل، وتكونت مدرسة إسرائيلية مستقلة بذاتها في الاستشراق، لم تتمكن الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية من الابتعاد عن أنماط ومفاهيم كلّ من الاستشراق اليهودي والاستشراق الأوروبي، وبالتالي فإن مصادر الاستشراق اليهودي والإسرائيلي وموضوعاتهما كانت متشابهة إلى حد كبير، وجميعها استقت مصادرها ومفاهيمها من الاستشراق الأوروبي – الغربي.
فمن وجهة نظري، أن الاستشراق الإسرائيلي يمثل الامتداد والاستمرارية لذلك الاستشراق اليهودي الذي نشأ وتكون في الغرب، وللاستشراق الأوروبي الذي بدأ يظهر منذ العصر الوسيط، ومثل في حد ذاته الجناح العلمي لحملات الاستعمار الأوروبية على الشرق الإسلامي. وبالتالي، فإن الاستشراق الإسرائيلي استقى أهم مصادره، سواء عن الإسلام أو غيره، من الكتابات الاستشراقية الغربية.
كما اعتمد الاستشراق الإسرائيلي كثيراً جداً في مصادره على ما يمكن تمسيتها بـ"الأدبيات الفكرية الصهيونية"، التي روجت لمقولة إن فلسطين هي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، فمن المعروف أن الاستشراق الإسرائيلي اتسم بغلبة "الطابع السياسي" سواء على موضوعاته أو أهدافه، وذلك عائد إلى ارتباطه بدولة إسرائيل ككيان سياسي، هدف الاستشراق إلى خدمة مصالحه السياسة والاستراتيجية في مواجهة العرب والمسلمين، لذلك نجد الاستشراق الإسرائيلي قد اعتمد على مرجعيات صهيونية حاولت التشكيك في التاريخ العربي والإسلامي في المنطقة، بل وربط تاريخ المنطقة بما يُسمى بالتاريخ اليهودي العام، كمحاولة لإثبات شرعية التواجد اليهودي في فلسطين بل التأصيل له علمياً وتاريخياً.
- هل ثمة غايات مسكوت عنها وراء إبراز الإسلام بهذه الصورة؟
إذا تجاوزنا الأهداف العلنية من وراء إبراز الإسلام في صور نمطية ومقولبة معينة في الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية، فإنه يمكننا الحديث عن الأهداف أو الغايات المسكوت عنها في إطار فهمنا أن الاستشراق الإسرائيلي هو الجناح العلمي للمشروع السياسي الإسرائيلي في فلسطين وفي المنطقة العربية جميعها، لذلك يمكن القول إن أهم هذه الغايات الخفية هو ترسيخ "الإسلاموفوبيا" في الغرب، ذلك أن خطورة الاستشراق الإسرائيلي تنطوي على أنه لا يكتب بالعبرية فقط (اللغة الرسمية الأولى في إسرائيل) ضيقة الاستخدام والانتشار، بل يكتب بعدة لغات أجنبية أخرى ومن أهمها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية...إلخ، ما يعني أن هذه الكتابات لها تأثير كبير في الغرب، وهي تروج لصورة الإسلام بشكل يخدم المصالح السياسية لإسرائيل، وترسيخ التحالف الإسرائيلي –الغربي ضد القضية الفلسطينية.
- يقول مفكرون كثيرون إن الصورة الحاصلة للآخرين – بما فيهم المستشرقون – هي صورة نحن صنعناها وقدمناها للعالم جاهزة عنا، فلماذا نلوم الآخرين إذا واجهونا بحقيقتنا عارية؟ ما رأيك في هذا؟
لا أتفق مع ذلك، فالصورة التي تقدم عن الإسلام مقولبة ونمطية ولا تعكس كل الحقيقة، رغم أن هناك الكثير من الكتابات الاستشراقية التي يمكن أن نصنفها أو نصفها بالإنصاف أو الموضوعية عن الإسلام، ومن أمثالها كتابات المستشرقة الإنجليزية "كارين أرمسترنج"، وهذه الكتابات المنصفة أو الموضوعية في حد ذاتها تفضح تلك الصورة السلبية والسيئة التي يقدمها أقرانها من المستشرقين عن الإسلام وأهله، فكتابات "أرمسترنج" تبين حقيقة أن الصور النمطية الاستشراقية المقولبة عن الإسلام ونعته بالإرهاب والوحشية...إلخ، الاستشراق الإسرائيلي هو الجناح العلمي للمشروع السياسي الإسرائيلي في فلسطين وفي المنطقة العربية جميعها، لذلك يمكن القول إن أهم هذه الغايات الخفية هو ترسيخ "الإسلاموفوبيا" في الغرب.
هي صور متأثرة بأيديولوجيا غربية معينة، لها غايات وأهداف أسيرة لمصالح سياسية استعمارية أبعدتها عن الموضوعية، بل وأوقعت الاستشراق الغربي، وكذلك الإسرائيلي في حد ذاته، في أزمة حقيقية، إذ جعلت الاستشراق مقوضاً وغير قادر على القيام بدور علمي وموضوعي حقيقي يبين الصورة الحقيقية للإسلام.
- برأيك أيهما أخطر على صورة الإسلام في العالم: هذه الآراء والأفكار التي تعتبرها خاطئة أم ما يقترفه المسلمون بأيديهم في بقاع شتى من العالم من قتل وحرق وتذبيح؟
كلاهما خطر على صورة الإسلام، فكما قلت سابقاً إن من أهم أهداف الصورة الاستشراقية النمطية عن الإسلام هو ترسيخ مشاعر "الإسلاموفبيا" في الغرب بشكل يهدف إلى غايات سياسية معينة، وهذه الكتابات الاستشراقية كانت لديها الكثير والكثير من المبررات والتفسيرات الجاهزة حول تقديم هذه الصورة، ثم جاءت انحرافات فئات من المسلمين لتقدم لهم مبرراً آخر لهذه الصورة النمطية المقولبة، بشكل يخدم أهداف وغايات الاستشراق، وفي اعتقادي أن مشاهد القتل والذبح والعنف التي تقدمها بعض الفئات التي تنسب نفسها للإسلام تقدم للاستشراق على طبق من ذهب، الدليل الكافي على أن تلك الصورة المغلوطة التي روجوها عن الإسلام هي صورة حقيقية ولها انعكاسات ومشاهد تمارس على أرض الواقع.
- يرى باحثون ومفكرون مسلمون أن الاستشراق يعتمد أحياناً أسلوب الاستفزاز، وأن ردة فعل المسلمين تكون دائماً عاطفية حماسية تزيد الطين بلة. كيف ترى الحل للرد على هذه الاستفزازات؟ وهل يعتبر العنف حلاً؟
على مستوى السلوك العملي، فإن العنف، بطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون حلاً كرد فعل على أي استفزاز إلا إذا كان هذا الاستفزاز في حد ذاته عبارة عن "عنف" وبالتالي فإن الرد عليه بـ"عنف" مماثل يدخل في خانة الدفاع عن النفس.
أما فيما يتعلق بالرد على الاستفزازات التي تحملها الكتابات الاستشراقية، فإن الرد عليها من جانب الأوساط العلمية والأكاديمية والبحثية الإسلامية بالفعل يعكس أزمة عميقة جداً تعتري العقلية العلمية والأكاديمية الإسلامية، إذ إن أغلب الردود لا تكون عاطفية وحماسية وحسب، بل تكون ردوداً بعيدة كل البعد عن أبسط قواعد العلم والمعرفة والتحاور مع الآخر، وتتحول هذه الردود في بعض الأحيان إلى ما يشبه "الخطب الوعظية" التي تلقى في المساجد، بما يبعدها كل البعد عن أسس الموضوعية والحيادية واستخدام لغة العقل، وهي تلك اللغة التي يمكن أن تحاور الغرب الاستشراقي بها، وتهزمه بعقر داره، وبالتالي تحقق انتصاراً لأفكارك كناقد عربي ومسلم للأفكار الاستشراقية المشوهة والمغلوطة.
والحقيقة: أنا دائما في كتاباتي التي تنقد الاستشراق أدعو إلى تحكيم العقل وحسب، واستخدام لغة فكرية وعلمية يمكن أن تخاطب بها الغرب ويفهمك، لأنه طالما تستخدم لغتك أنت التي تفهمها وبني جلدتك، فإنك لن تكسب المعركة مع الاستشراق، لذلك أبتعد في كتاباتي عن طرح أية أفكار مؤدلجة، أو طرح أفكار لا تعتمد على العقل والاستنباط المنطقي، فيما يتعلق بإطلاق الأحكام العلمية والفكرية، يحضرني في هذا الصدد على سبيل المثال أن معظم - إن لم نقل كل الكتابات الإسلامية حول الاستشراق - تستخدم لفظة "شبهات"، في اعتقادي أن مشاهد القتل والذبح والعنف التي تقدمها بعض الفئات التي تنسب نفسها للإسلام تقدم للاستشراق على طبق من ذهب، الدليل الكافي على أن تلك الصورة المغلوطة التي روجوها عن الإسلام هي صورة حقيقية ولها انعكاسات ومشاهد تمارس على أرض الواقع.
وأنا أراها لفظة متحيزة تحكم مسبقاً بالسلب على أفكار الاستشراق، إذ أنها تحمل معاني التشكيك والسلبية والخطأ، أكثر من أية معاني أخرى، في حين أني أستخدم لفظة "فرضية" وهي لفظة علمية محايدة، تعتبر الفكرة الاستشراقية مجرد فرضية علمية قد تحتمل الخطأ أو الصواب. وفي ظني أن ذلك هو الأسلوب العلمي الصحيح والأمثل لدراسة الاستشراق ونقده.
يضاف إلى ما سبق، إنه من الضروري فهم النظريات الغربية المتعلقة بدراسة الشرق ودراستها، لأن بها بعض النظريات العلمية الرصينة والجيدة، والتي يمكن استخدامها من أجل ما يمكن تسميته بـ"فضح" الاستشراق؛ إذ استخدم هذه النظريات العلمية الرصينة للتطبيق على ديانات الشرق الأقصى (الهندوسية، الزرادشتية، المانوية... إلخ) في حين أنه تجاهل عند دراسة الإسلام واكتفى بالصور النمطية والأفكار المقولبة، ما يعكس أزمة تحيز تعتري الكتابات الاستشراقية حول الإسلام.
أرى كذلك، إنه من الضروري فصل تخصص الاستشراق في الجامعات والمحافل العلمية والأكاديمية العربية والإسلامية، إذ إنه تخصص "تائه" بين كثير من التخصصات، ولا توجد جامعات تخصص قسماً منفصلاً لدراسته إلا ما ندر منها، وهذا يجعل من المتقدمين لدراسة الاستشراق ونقده من العرب والمسلمين، غير متخصصين بعمق في الاستشراق ولا يميزون بين المدارس الاستشراقية وبعضها البعض، وحينما ينتقدون الاستشراق ينتقدونه من وجهة نظر تخصصاتهم الأصيلة، فمثلاً دارس الفقه وعلوم القرآن ينقد الاستشراق من هذه الوجهة، ودارس التاريخ هكذا...إلخ، مما يجعل عملية النقد والرد غير موضوعية ومتحيزة بل وحماسية.
- كيف يكون الانتصار الأجدى للإسلام في نظرك: بممارسة مبادئه السمحة أم بالتغني بها مع ممارسة العنف الفكري والمادي في آن؟
بطبيعة الحال، إن الأجدى هو ممارسة قيم الإسلام الحقيقية والسمحة، بما تحمله من معاني التسامح والتعايش والحب وتعظيم قدسية النفس البشرية، لكن مع الأسف أعتقد أننا نعيش في الوقت الحالي "أزمة فهم" حقيقية للإسلام من جانب المسلمين أنفسهم، فكل فئة أو طائفة تنسب لنفسها الفهم الصحيح للإسلام لذلك تعتبر ممارستها على أرض الواقع هي الإسلام الحق، وهنا تحضرني مقولة البروفيسور الراحل "عبد الوهاب المسيري" صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، حينما قال "أنا مع طاعة الإله لكني لست مع تطويع الإله"، فمع الأسف كل جماعة أصبحت تتطوع الإسلام بمصادره ومفاهيمه وموروثاته لخدمة ما تفهمه عن الإسلام، ولتبرير ما تقوم به من ممارسات منحرفة وشاذه على أرض الواقع.
- ما مشاريعك البحثية القادمة؟
الحقيقة إن مشاريعي البحثية القادمة متعددة ومختلفة، فهي تتنوع بين إصدار الكتب وإعداد الدراسات والأبحاث، علاوة على إعداد الندوات العلمية والمشاركة فيها، فبالنسبة إلى الكتب أعكف على مشروع كتاب حول ما جاء في "مناهج التعليم الإسرائيلي عن القرآن الكريم" سواء في مرحلة التعليم الجامعي الإسرائيلي أو ما قبل الجامعي، كذلك إصدار طبعة ثانية من كتاب "المتصوفة اليهود" الذي كنت أصدرته عام 2008 عن مركز الدراسات الشرقية التابع لجامعة القاهرة، وهو كتاب مترجم عن العبرية إلى العربية، والطبعة الثانية بإذن الله ستكون منقحة ومزيدة، وسيضاف إليها عدد من الترجمات الأخرى. إضافة إلى المشاركة في مشروع ترجمة كبير تابع لوزارة الثقافة المصرية لإصدار عدد من الكتب على شكل ترجمات لعدد من المؤلفات اليهودية التي تعود للعصر الوسيط، والتي كتبت بلغة تسمى "العربية - اليهودية": وهي لغة عربية لكن كُتبت بحروف عبرية، وترجع أهميتها إلى أنه كتب بها الكثير من التراث الإسلامي الأندلسي الذي تمت ترجمته إلى اللاتينية واللغات الأوروبية بعد طرد اليهود والمسلمين من الأندلس.
أعكف كذلك على نشر أطروحتي لدرجة الماجستير التي حملت عنوان "التعليقات والهوامش لترجمة روبين العبرية لمعاني القرآن الكريم: دراسة نقدية"، ضمن مطبوعات إحدى دور النشر المصرية المهتمة بالدراسات الدينية، ومن المقرر أن يصدر الكتاب إما أواخر عام 2015 أو أواخر عام 2016. وهي عبارة عن دراسة فندت الفرضيات الخاطئة التي جاءت في أحدث ترجمة عبرية صدرت في إسرائيل حول معاني القرآن الكريم.
أما عن الأبحاث العلمية، فمن المقرر أن ينشر لي قريباً بحث في كتاب تذكاري حول الدكتور محمد خليفة حسن، أستاذ الديانة اليهودية وتاريخ الأديان بجامعة القاهرة، وهو واحد من أهم وأكبر أساتذة تخصص الديانة اليهودية والاستشراق اليهودي في العالم العربي، وسيكون بحثي حول مجهودات الدكتور خليفة حول دراسة الاستشراق ونقده، في كتاباتي التي تنقد الاستشراق أدعو لتحكيم العقل وحسب، واستخدام لغة فكرية وعلمية يمكن أن تخاطب بها الغرب ويفهمك، لأنه طالما تستخدم لغتك أنت التي تفهمها وبني جلدتك، فإنك لن تكسب المعركة مع الاستشراق، لذلك أبتعد في كتاباتي عن طرح أية أفكار مؤدلجة، أو طرح أفكار لا تعتمد على العقل والاستنباط المنطقي، فيما يتعلق بإطلاق الأحكام العلمية والفكرية.
إضافة إلى عدد من الأبحاث الأخرى المقرر أن تنشر في مجلات علمية مُحكمة في كل من السعودية والعراق وقطر، منها على سبيل المثال بحث حول الجاحظ في الفكر الاستشراقي الإسرائيلي. وكذلك بحث عن دور العبرية في التواصل بين الثقافات الشرقية والغربية.
أما عن الترجمات من العبرية إلى العربية، فمن المقرر أن أقوم بإعداد ترجمة عدد من الكتب حول فلسفة الديانة اليهودية في العصر الحديث، إضافة إلى إعداد ترجمة عن العبرية لأهم أنشطة وأهداف قسم الدراسات العربية والإسلام بكلية العلوم الإنسانية بجامعة "تل أبيب"، والذي يعد من أهم الأقسام العلمية الأكاديمية الإسرائيلية التي تقوم بدراسة الإسلام.
من المتوقع كذلك، أن أحصل مطلع العام القادم 2016 على درجة الدكتوراه في الديانة اليهودية من كلية الآداب جامعة القاهرة، في موضوع هو عبارة عن دراسة مقارنة بين عدد من الفرق الدينية اليهودية قديماً وحديثاً.
فيما يتعلق بالندوات العلمية، فمن المقرر أن أقيم عدداً من الندوات العلمية حول كتابي الجديد الذي حمل عنوان "القرآن الكريم وعلومه في الموسوعات اليهودية" في كل من مصر والجزائر والمملكة المغربية، كما من المتوقع أن أشارك في ندوة علمية دولية بمدينة وجدة المغربية - جامعة محمد الأول أواخر شهر أكتوبر القادم، حول "قراءة الوحي من منظور استشراقي".
 
الفاضلة نثار الفوائد
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيل الشكر لكم على مجهودكم في نقل نص الحوار ونشره على الملتقى، إلحاقا باعلاني عن نشر الحوار.
 
عودة
أعلى