الحسن محمد ماديك
New member
حوار مع الفقهاء
للحسن محمد ماديك
أصول الفقه من الكتاب
إن إبليس كان من الجن وكان له ذرية كما في قوله وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني الكهف 50 .
ولم يكن إبليس من الملائكة المخاطبين بقوله :
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الكهف 50 الإسراء 61 البقرة 34
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الأعراف 11
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ص 71 ـ 72
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين الحجر 28 ـ 29
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون من غيراستثناء كما في قوله :
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ص 73 ـ 74
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين الحجر 30 ـ 31
فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين البقرة 34
فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين الأعراف 11
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه الكهف 50
ويعني أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة كما لم يتضمن تفصيل الكتاب مثل قولنا إلا إبليس كان من الملائكة ففسق عن الطاعة ، وانقطع إبليس من المستثنى منه فنصب إذ لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن وكان من الكافرين ولم يكن من الساجدين أما الملائكة فلا ذرية لهم ولم يكفروا لحظة واحدة بل كانوا من الساجدين والراكعين ، وأبى إبليس واستكبر أن يكون مع الساجدين وهم أعم من الملائكة كما في قوله :
قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين الحجر 32
قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين ص 75
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك الأعراف 12
وهو المشكل الذي لم يفقهه التراث إذ حسبوا أن إبليس كان يعبد الله مع الملائكة قبل أمرهم بالسجود لآدم فشمله الأمر وحسبوا أنه كان بينهم في السماوات العلى فخالفوا صريح القرآن الذي وصف إبليس بأنه كان من الكافرين ولم يكن من الساجدين وهيهات أن يكون مع الملائكة المقربين في الملإ الأعلى كافر لم يسجد لله من قبل .
ومن زعم أن وصف إبليس بأنه كان من الكافرين إنما يعني بعد أمره بالسجود لآدم لا قبله فليتأمل قوله وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين النمل 43 ولا يخفى وصف ملكة سبإ به قبل مجيئها إلى سليمان وأنها رغم ما أوتيت من العقل والفطنة وبعد النظر والتأمل فقد عبدت الشمس من دون الله لأنها كانت من قوم كافرين فأثّر فيها ما حولها من الناس وما تلقّته من التصورات والسلوك الذي لم تستطع تجاوزه ولا ثورة عليه بل فرض عليها التقليد وتعطيل السمع والبصر والتأمل والتفكر .
ولقد أنكر الله على إبليس ألا يكون مع الساجدين لآدم وأن لا يسجد إذ أمره مما يعني دخول من دون الملائكة من المخلوات في أمر الملائكة بالسجود فسجد الساجدون وهم أعم من الملائكة وشذ غير الساجد وهو إبليس وحده الذي فسق عن أمر ربه .
وهكذا تضمن تفصيل الكتاب أصلا من أصول الخطاب والتكليف وهو ما يسمى لدى التراث الإسلامي بأصول الفقه ، وكان أمر الملائكة بالسجود لآدم يشمل معهم من دونهم من المخلوقات يومئذ فسجد الملائكة كلهم أجمعون وسجد بسجود الملائكة الساجدون غير الملائكة وشذ إبليس وحده ، ويعني أن خطاب الأعلى يشمل من دونه فوا عجبا للفقهاء لم يفقهوا هـذا وفقهه جميع المخلوقات من الدواب والطير يومئذ وهم أمم أمثال بني آدم كما في قوله وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء الأنعام 38 وكانوا يومئذ من الساجدين إذ فقهوا أن خطاب وتكليف الأعلى يشمل من دونه .
وللمزيد من البيان والتفصيل فإن تفصيل الكتاب قد تضمن ترتيب المخلوقات كالتالي :
1. الملائكة والنبيون .
2. الذين آمنوا وهم صحابة النبي والرسول خاصة كما سيأتي بيانه في كليات من التفسير في بيان مدلول الإيمان .
3. المؤمنون وهم الأجيال اللاحقة بعد الصحابة من المؤمنين في أمة النبي كما يأتي بيانه .
4. الناس .
ولخطاب بني آدم دلالة أخرى سيأتي تفصيلها في من تفصيل الكتاب عند بيان من نبوة جميع النبيين .
أما الملائكة والنبيون فهم أفضل المخلوقات كما هي دلالة قوله ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا عمران 80 وهو صريح في كفر من اتخذ الملائكة والنبيين وهم أفضل المخوقات أربابا من دون الله فمن دونهم من المخلوقات أحرى أن لا يتخذ ربا من دون الله ، إذ لم يأذن الله باتخاذ أفضل مخلوقاته شركاء معه أو من دونه فمن دونهم من الناس ومن الكواكب والأصنام حري أن لا يتخذ وليا ولا شريكا من دون الله الواحد القهار .
وإن الخطاب المنزل من عند الله أي التكاليف التي كلّف بها العباد لقسمان أمر امتثال كالإيمان وإقام الصلاة والصوم والحج والبر وفعل الخير ، وأمر اجتناب ونهي كترك الشرك والكذب وقتل النفس التي حرم الله والزنا وشرب الخمر .
وإن تعدية الإيمان بالباء لتعني تعلقه بغيب يوم وقع الإيمان من المؤمن كما سيأتي بيانه في كليات من التفسير في بيان الإيمان ، ولقد وصف الله حملة العرش والملائكة المقربين بالإيمان كما في قوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 يعني أنهم يؤمنون به ولم يروه بعد وهم أفضل المخلوقات وسعهم الإيمان بالله وهو من الغيب في الدنيا ووسع كذلك سائر الملائكة وجميع النبيين والرسل الإيمان به ولم يروه في الدنيا كما هي دلالة قوله لا تدركه الأبصار الأنعام 103 وقوله قال لن تراني الأعراف 143 ودلّ إيمانهم بالله على صحة الحديث النبوي " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وأن لن يقبل ممن دونهم من الناس وسائر المخلوقات إلا الإيمان بالله في الدنيا .
ولم يقبل رب العالمين من الملائكة أن يشركوا به كما في قوله ومن يقل منهم إني إلـه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين الأنبياء 29 ولم يقبل رب العالمين من النبيين أن يشركوا به كما في قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلـهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق المائدة 116 وقوله لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون النساء 172 ويعني أن من دونهم إن لم يسعه ما وسع الملائكة والنبيين سيكون من الظالمين وسيجزى جهنم وسيعذب عذابا أليما .
ولم يقبل من النبيين الشرك كما في قوله ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الزمر 65 وقوله ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون الأنعام 87 ـ 88 ويعني أن النبيين المعدودون في سورة الأنعام وسائر الذين اجتباهم ربهم وهداهم بهداه إلى صراط مستقيم فصاروا أفضل العالمين لم يقبل منهم الشرك ولو أشركوا لحبط عملهم أي لم يقبل منهم دعاء ولا صلاة ولا صيام ولا طاعة ولكانوا من الخاسرين المعذبين المخلدين في النار ، وهكذا من دونهم لن يقبل منهم الشرك كائنا من كانوا .
إن النبيين قد كلفوا بتكاليف هي سنتهم التي لا يسع غيرهم من أممهم الخروج عنها إلا من ليس من أمة النبي وسواء كانت التكاليف أمر امتثال أو أمر نهي .
إن أكبر الفرائض وأوجب الواجبات هو ما كلف بامتثاله الملائكة والنبيون ثم ما كلف به النبي أي سنته ثم ما كلف به الذين آمنوا ثم ما كلف به المؤمنون ثم ما كلف به الناس .
وكذلك أكبر المحرمات والمنهيات هو ما نهي عنه الملائكة والنبيون ثم ما نهي عنه النبي ثم ما نهي عنه الذين آمنوا ثم ما نهي عنه المؤمنون ثم ما نهي عنه الناس .
وهكذا كان الإيمان هو أكبر الفرائض والواجبات إذ قد كلف به الملائكة والنبيون وكلف به من دونهم كذلك ، وكان الشرك هو أكبر المحرمات إذ قد نهي عنه الملائكة والنبيون ونهي عنه من دونهم .
وكان الأمر بإقامة الصلاة بعد مرتبة الإيمان إذ قد كلف به النبيون وكلف به من دونهم وهم الذين آمنوا والمؤمنون .
وكان النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام والظن والتجسس والغيبة وأكل أموال الناس بالباطل والتولي يوم الزحف عن النبي من الكبائر كما في قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما النساء 31 ولا يخفى أنه رد على قوله يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 .
وكان غض البصر وحفظ الفرج أقل درجة في التحريم مما تقدم إذ قد خوطب به المؤمنون .
وكان أكل ما في الأرض من المباح أقل درجات الامتثال لخطاب الناس به .
وحسب التراث الإسلامي أن سنة النبي هي مأمورات لم تبلغ درجة الوجوب وإنما الاستحباب والندب ، وفاتهم أن سنة النبي هي ما كلف به النبي في الكتاب المنزل عليه كقوله وما كان لنبي أن يغلّ عمران 161 ويعني أن من سنة النبي ترك الغلول فمن غلّ فقد رغب عن سنة نبيه ، وهكذا غضب النبي أن طلق رجل من أصحابه امرأته وهي حائض ولم يقره بل غيّر إذ قد خالف سنة النبي كما في قوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة بداية سورة الطلاق وأعلن النبي براءته من سلوك النفر الذين رغبوا عن سنته إذ أجمعوا على قيام اليل وترك النوم وعلى الصوم وترك الفطر وعلى التبتل وترك النكاح ، ولا يخفى أن النبي قد كلف بجميع ما رغب عنه أولئك النفر إذ قد كلف بالقيام والنوم كما في قوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه المزمل 20 وقوله إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا المزمل 6 وهو ما أحدثه النائم من القيام بعد نوم ، ولا يخفى أن النكاح هو سنة النبي لقوله يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الأحزاب 50
وسيأتي تفصيل جميع ذلك في تفصيل الكتاب في قسم الفقه وأصوله إن شاء الله .
يتواصل
الحسن محمد ماديك
للحسن محمد ماديك
أصول الفقه من الكتاب
إن إبليس كان من الجن وكان له ذرية كما في قوله وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني الكهف 50 .
ولم يكن إبليس من الملائكة المخاطبين بقوله :
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الكهف 50 الإسراء 61 البقرة 34
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الأعراف 11
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ص 71 ـ 72
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين الحجر 28 ـ 29
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون من غيراستثناء كما في قوله :
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ص 73 ـ 74
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين الحجر 30 ـ 31
فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين البقرة 34
فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين الأعراف 11
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه الكهف 50
ويعني أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة كما لم يتضمن تفصيل الكتاب مثل قولنا إلا إبليس كان من الملائكة ففسق عن الطاعة ، وانقطع إبليس من المستثنى منه فنصب إذ لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن وكان من الكافرين ولم يكن من الساجدين أما الملائكة فلا ذرية لهم ولم يكفروا لحظة واحدة بل كانوا من الساجدين والراكعين ، وأبى إبليس واستكبر أن يكون مع الساجدين وهم أعم من الملائكة كما في قوله :
قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين الحجر 32
قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين ص 75
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك الأعراف 12
وهو المشكل الذي لم يفقهه التراث إذ حسبوا أن إبليس كان يعبد الله مع الملائكة قبل أمرهم بالسجود لآدم فشمله الأمر وحسبوا أنه كان بينهم في السماوات العلى فخالفوا صريح القرآن الذي وصف إبليس بأنه كان من الكافرين ولم يكن من الساجدين وهيهات أن يكون مع الملائكة المقربين في الملإ الأعلى كافر لم يسجد لله من قبل .
ومن زعم أن وصف إبليس بأنه كان من الكافرين إنما يعني بعد أمره بالسجود لآدم لا قبله فليتأمل قوله وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين النمل 43 ولا يخفى وصف ملكة سبإ به قبل مجيئها إلى سليمان وأنها رغم ما أوتيت من العقل والفطنة وبعد النظر والتأمل فقد عبدت الشمس من دون الله لأنها كانت من قوم كافرين فأثّر فيها ما حولها من الناس وما تلقّته من التصورات والسلوك الذي لم تستطع تجاوزه ولا ثورة عليه بل فرض عليها التقليد وتعطيل السمع والبصر والتأمل والتفكر .
ولقد أنكر الله على إبليس ألا يكون مع الساجدين لآدم وأن لا يسجد إذ أمره مما يعني دخول من دون الملائكة من المخلوات في أمر الملائكة بالسجود فسجد الساجدون وهم أعم من الملائكة وشذ غير الساجد وهو إبليس وحده الذي فسق عن أمر ربه .
وهكذا تضمن تفصيل الكتاب أصلا من أصول الخطاب والتكليف وهو ما يسمى لدى التراث الإسلامي بأصول الفقه ، وكان أمر الملائكة بالسجود لآدم يشمل معهم من دونهم من المخلوقات يومئذ فسجد الملائكة كلهم أجمعون وسجد بسجود الملائكة الساجدون غير الملائكة وشذ إبليس وحده ، ويعني أن خطاب الأعلى يشمل من دونه فوا عجبا للفقهاء لم يفقهوا هـذا وفقهه جميع المخلوقات من الدواب والطير يومئذ وهم أمم أمثال بني آدم كما في قوله وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء الأنعام 38 وكانوا يومئذ من الساجدين إذ فقهوا أن خطاب وتكليف الأعلى يشمل من دونه .
وللمزيد من البيان والتفصيل فإن تفصيل الكتاب قد تضمن ترتيب المخلوقات كالتالي :
1. الملائكة والنبيون .
2. الذين آمنوا وهم صحابة النبي والرسول خاصة كما سيأتي بيانه في كليات من التفسير في بيان مدلول الإيمان .
3. المؤمنون وهم الأجيال اللاحقة بعد الصحابة من المؤمنين في أمة النبي كما يأتي بيانه .
4. الناس .
ولخطاب بني آدم دلالة أخرى سيأتي تفصيلها في من تفصيل الكتاب عند بيان من نبوة جميع النبيين .
أما الملائكة والنبيون فهم أفضل المخلوقات كما هي دلالة قوله ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا عمران 80 وهو صريح في كفر من اتخذ الملائكة والنبيين وهم أفضل المخوقات أربابا من دون الله فمن دونهم من المخلوقات أحرى أن لا يتخذ ربا من دون الله ، إذ لم يأذن الله باتخاذ أفضل مخلوقاته شركاء معه أو من دونه فمن دونهم من الناس ومن الكواكب والأصنام حري أن لا يتخذ وليا ولا شريكا من دون الله الواحد القهار .
وإن الخطاب المنزل من عند الله أي التكاليف التي كلّف بها العباد لقسمان أمر امتثال كالإيمان وإقام الصلاة والصوم والحج والبر وفعل الخير ، وأمر اجتناب ونهي كترك الشرك والكذب وقتل النفس التي حرم الله والزنا وشرب الخمر .
وإن تعدية الإيمان بالباء لتعني تعلقه بغيب يوم وقع الإيمان من المؤمن كما سيأتي بيانه في كليات من التفسير في بيان الإيمان ، ولقد وصف الله حملة العرش والملائكة المقربين بالإيمان كما في قوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 يعني أنهم يؤمنون به ولم يروه بعد وهم أفضل المخلوقات وسعهم الإيمان بالله وهو من الغيب في الدنيا ووسع كذلك سائر الملائكة وجميع النبيين والرسل الإيمان به ولم يروه في الدنيا كما هي دلالة قوله لا تدركه الأبصار الأنعام 103 وقوله قال لن تراني الأعراف 143 ودلّ إيمانهم بالله على صحة الحديث النبوي " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وأن لن يقبل ممن دونهم من الناس وسائر المخلوقات إلا الإيمان بالله في الدنيا .
ولم يقبل رب العالمين من الملائكة أن يشركوا به كما في قوله ومن يقل منهم إني إلـه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين الأنبياء 29 ولم يقبل رب العالمين من النبيين أن يشركوا به كما في قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلـهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق المائدة 116 وقوله لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون النساء 172 ويعني أن من دونهم إن لم يسعه ما وسع الملائكة والنبيين سيكون من الظالمين وسيجزى جهنم وسيعذب عذابا أليما .
ولم يقبل من النبيين الشرك كما في قوله ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الزمر 65 وقوله ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون الأنعام 87 ـ 88 ويعني أن النبيين المعدودون في سورة الأنعام وسائر الذين اجتباهم ربهم وهداهم بهداه إلى صراط مستقيم فصاروا أفضل العالمين لم يقبل منهم الشرك ولو أشركوا لحبط عملهم أي لم يقبل منهم دعاء ولا صلاة ولا صيام ولا طاعة ولكانوا من الخاسرين المعذبين المخلدين في النار ، وهكذا من دونهم لن يقبل منهم الشرك كائنا من كانوا .
إن النبيين قد كلفوا بتكاليف هي سنتهم التي لا يسع غيرهم من أممهم الخروج عنها إلا من ليس من أمة النبي وسواء كانت التكاليف أمر امتثال أو أمر نهي .
إن أكبر الفرائض وأوجب الواجبات هو ما كلف بامتثاله الملائكة والنبيون ثم ما كلف به النبي أي سنته ثم ما كلف به الذين آمنوا ثم ما كلف به المؤمنون ثم ما كلف به الناس .
وكذلك أكبر المحرمات والمنهيات هو ما نهي عنه الملائكة والنبيون ثم ما نهي عنه النبي ثم ما نهي عنه الذين آمنوا ثم ما نهي عنه المؤمنون ثم ما نهي عنه الناس .
وهكذا كان الإيمان هو أكبر الفرائض والواجبات إذ قد كلف به الملائكة والنبيون وكلف به من دونهم كذلك ، وكان الشرك هو أكبر المحرمات إذ قد نهي عنه الملائكة والنبيون ونهي عنه من دونهم .
وكان الأمر بإقامة الصلاة بعد مرتبة الإيمان إذ قد كلف به النبيون وكلف به من دونهم وهم الذين آمنوا والمؤمنون .
وكان النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام والظن والتجسس والغيبة وأكل أموال الناس بالباطل والتولي يوم الزحف عن النبي من الكبائر كما في قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما النساء 31 ولا يخفى أنه رد على قوله يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 .
وكان غض البصر وحفظ الفرج أقل درجة في التحريم مما تقدم إذ قد خوطب به المؤمنون .
وكان أكل ما في الأرض من المباح أقل درجات الامتثال لخطاب الناس به .
وحسب التراث الإسلامي أن سنة النبي هي مأمورات لم تبلغ درجة الوجوب وإنما الاستحباب والندب ، وفاتهم أن سنة النبي هي ما كلف به النبي في الكتاب المنزل عليه كقوله وما كان لنبي أن يغلّ عمران 161 ويعني أن من سنة النبي ترك الغلول فمن غلّ فقد رغب عن سنة نبيه ، وهكذا غضب النبي أن طلق رجل من أصحابه امرأته وهي حائض ولم يقره بل غيّر إذ قد خالف سنة النبي كما في قوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة بداية سورة الطلاق وأعلن النبي براءته من سلوك النفر الذين رغبوا عن سنته إذ أجمعوا على قيام اليل وترك النوم وعلى الصوم وترك الفطر وعلى التبتل وترك النكاح ، ولا يخفى أن النبي قد كلف بجميع ما رغب عنه أولئك النفر إذ قد كلف بالقيام والنوم كما في قوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه المزمل 20 وقوله إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا المزمل 6 وهو ما أحدثه النائم من القيام بعد نوم ، ولا يخفى أن النكاح هو سنة النبي لقوله يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الأحزاب 50
وسيأتي تفصيل جميع ذلك في تفصيل الكتاب في قسم الفقه وأصوله إن شاء الله .
يتواصل
الحسن محمد ماديك