ما علاقة هذا الحديث بالأحرف المقطعة، وهل يصلح دليلا لمن قال: (أن الأحرف المقطعة لها معنى)؟
أم أنه معضد لقول من قال: (إن لها مغزى وليس لها معنى)؟
أم أنه يصلح دليلا لمن قال: (أن الأحرف المقطعة من باب القسم)، والمعنى: ((والله لا ينصرون))؟
لفتة جميلة أخي عمرو.
هذا الأثر يدخل في باب الانتفاع بالقرآن المتعلق بالتجربة والحس، وهو باب ذو أمثلة عديدة تذكر تحت بحث (خواص القرآن)، وإثبات هذا النفع لا يتعلق بأي من الأقوال الثلاثة، فهو أمر منفصل عن قضية معنى الأحرف المقطعة ..والله أعلم.
جزاكم الله خيرا: أخي محمد.
هذا المعنى قفز إلى ذهني وأنا أقرأ هذا الحديث.
وقد تأملته: فوجدته لا يدل على قول من الأقوال في الأحرف المقطعة، إلا ما يكون من دلالته: أن الأحرف لها مغزى((بدلالة خفية بعض الشىء))، وإلا فما قيل في الأحرف = يقال في هذا الحديث تماما بتمام والله أعلم.
لعل الحاء ترمز إلى : محمد أو أحمد صلى الله عليه وسلم .
والميم ترمز إلى أنه : منصور .
أي : محمد منصورٌ صلى الله عليه وسلم .
ومن الشواهد على هذا المعنى : أننا لو تتبّعنا ما ورد في سور الحواميم ، لوجدنا في أثنائها ذكر نصر الله لهذا الرسول الكريم .
هذه الكلمة كانت شعاراً لهم إن بيّتوا في الليل ليعرف بعضهم بعضاً فإن الليل مظنة عدم التمييز ، فهي بمثابة كلمة السر التي تكون بين الجنود.
والشعار في الحرب له استعمالان عند العرب:
أحدهما: العلامة التي يميز بها بعضهم بعضاً كما سبق بيانه ، ولا سيما في الليل لئلا يقتل بعضهم بعضاً وليحذروا ممن يداخلهم من العدو.
والآخر: مناداة القوم بعضهم لبعض بما يحفزهم للقتال ؛ فتشتهر بعض تلك الكلمات حتى تكون شعاراً لهم في المعركة
قال النابغة يحذر فزارة أن تلقى ما لقيت بنو أسد فيُقتلوا ويسبى منهم ويلفوا في ديارهم شعارات لغيرهم:
فإذا وُقيتِ بحمدِ اللَّهِ شِرّتَها ... فانجي - فَزارَ - إلى الأطوادِ فاللُّوبِ
ولا تُلاقي كما لاقَتْ بَنو أسَدٍ ... فقدَ أصابَتْهُمُ منها بشُؤبُوبِ
لم يَبقَ غيرُ طَريدٍ غير مُنْفَلِتٍ ... ومُوثَقٍ في حِبالِ القِدّ مَسْلوبِ
أو حرة كمهاة الرمل قد كُبلت ... فوق المعاصم منها والعراقيبِ
تدعو قعيناً وقد عضَّ الحديد بها ... عض الثقاف على صمّ الأنابيب
مستشعرين قد الفوا في ديارهمُ ... دعاء سوعٍ ودعميٍّ وأيوبِ
وقال الطرمَّاح:
لا عزَّ نصر امرئ أضحى له فرس ... على تميم يريد النصر من أحد
إذا دعا بشعار الأزد نفَّرهم ... كما يُنفِّر صوتُ الليثِ بالنَقَد
قال ابن قتيبة: (النَّقَدُ : صِغار الغَنم واحدها نَقدة . ومنه يقال : " فلان أَذلُّ من النَّقَد " ).
ومنه دعاء العباس يوم حنين لأصحاب السمرة وأصحاب سورة البقرة.
ومن الأول هذه الكلمة (حم لا ينصرون) وهي ليست آية، كما هو معلوم ، لكن (حم) يرمز رمزاً جلياً للقرآن الكريم.
ولما خرج محمد بن طلحة بن عبيد الله مع أبيه في موقعة الجمل وهو لا يريد القتال ولم يقاتل في المعركة ، بل كان كلما مرَّ به أحد ليقاتله قال له : أذكّرك (حم) فيرجع عنه، وهو إنما خرج برّا بأبيه، وكان الصحابة يحبونه ويلقبونه بالسَّجَّاد لكثرة صلاته وعبادته ولم يُعرف عنه أنه آذى مسلماً، ولما رآه علي بن أبي طالب عند التقاء الصفَّين حذَّر أصحابه من قتله، لكن قضاء الله سابق، فقصده رجلٌ ليقتله فلما قرب منه قال له السَّجَّادُ: أذكرك (حم) ! فطعنه برمحه، وقال في ذلك:
وأبيضَ قوَّامٍ بآيات ربّه ... قليلِ الأذى فيما ترى العين مسلمِ
هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخرَّ صريعاً لليدين وللفمِ
يذكرني (حم) والرمح شاجرٌ ... فهلاَّ تلا (حم) قبل التقدمِ
وما ذاك إلا أنه غير تابعٍ ... عليّا ومن لا يتبع الحقَّ يندمِ
لكن ما القول فيما ذكره ابن كثير في مطلع سورة غافر من أن هذا الكلام يدل على النصر الأعداء ثم استشهد بالحديث " إن بيتم الليلة فقولوا حم لاينصرون"؟
ثم أن فضائل آل حم وما يتعلق بها من أقوال تحتاج دراسة حديثية موسعة تستوعب ما ورد وتدرس أسانيده وتبين ما فيه من فقه وفهم للسلف.
هذا تخريج من ابن كثير رحمه الله لأثر أبي الدرداء وفي إسناده رجل مجهول، وليس فيه أثر أبي الدرداء هذا الشعار (حم لا ينصرون) وإنما قال أبنيه -أي المسجد - من أجل (آل حم) وهذا من باب التذكير بالقرآن ببعض ما فيه تشويقا، وهذا أمر لا تختص به آل حم، فمنهم من يذكر المثاني، ومنهم من يذكر سورة البقرة، وغير ذلك.
لكن ذكر (آل حم) في أثر أبي الدرداء على فرض صحته يدل على أن لها مكانة في نفسه كما قال ابن مسعود: إذا وقعت في آل حم فقد وقعت في روضات أتأنّق فيهن.
وهذا الشعار النبوي (حم لا ينصرون) لا شك أنه شعار مبارك ، وفيه ما يقوي النفس على القتال ويذهب رهبة العدو ويبعث على الأمل، ولذلك اتخذه بعض المسلمين شعاراً لهم في بعض غزواتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
جمعنا ما ورد في ذلك من دواوين السنة وشروحها وكتب التفسير وعلوم القرآن مما وقفنا عليه بعمل مؤسسي في مشروع جمهرة فضائل القرآن الكريم، وفرغنا من ترتيب النقول على الوفيات، والعمل لا يزال في مرحلة المراجعة، وسيتاح الاطلاع عليه قريباً بإذن الله.
نحن في شوق إلى ما أخرجتموه....وابن كثير وجه أثر أبي الدرداء المنقطع بالحديث الصحيح وفهم من الحديث الصحيح أن في هذه الكلمات ما يدل على النصر، وكلامه ظاهر في هذا ، وموافقته أو مخالفته مسألة أخرى ، لكن يبقى أن هذا قول في فقه حديث "حم لاينصرون" والله أعلم.
بارك الله فيك ، وأفاض عليك من فضله وبركاته
أتريد بكلامك الأخير أن كلمة (حم) وحدها فيها دلالة على النصر ؟
وقولك قبله: (وفهم من الحديث الصحيح أن في هذه الكلمات ما يدل على النصر) ، أن جملة (لا ينصرون) مترتبة على (حم) لما في هذه اللفظة من دلالة على النصر؟
فإن كلمة أبي الدرداء خالية من جملة (لا ينصرون) فلم يبق في الدلالة على النصر إلا كلمة (حم).
هذا ما فهمته من كلام ابن كثير ، أن حم تدل على النصر...والذي أعرفه أن هناك خلافا في ضبط " لاتنصرون" ، وهو خلاف لا أستحضره الآن، لكنه يؤثر في فهم الحديث.
شكر الله لمشايخنا الكرام الأفاضل: عبد العزيز الداخل، ومحمد نصيف = هذا المرور الكريم، وشكر الله لأخينا حمد إحياء هذا الموضوع بعد أن درس لنستمتع بهذه الفوائد والدرر
لا تصح دلالة (حم) على ما ذكرت إلا بأحد طريقين:
1: أن تدل عليه اللغة.
2: أن يدل عليه التوقيف.
والأول لا سبيل إلى إثباته، والثاني ليس فيه ما يدل على ذلك إلا بدلالة اعتبارية وهي اعتبار (حم) رمزاً للقرآن الكريم، والقرآن الكريم هدى من الله للناس، والله تعالى قد كتب النصر لمن اتبع هداه؛ فبهذا يصح إفادة هذا المعنى.
ومن قال بأن كلمة (حم) نفسها تدل على النصر فهو مطالب بالدليل على دعواه.
المسائل التي يمكن طرحها حول حديث (حم لاينصرون ) متعددة جداً، لكن لعل طرحها يؤجل إلى أن يرى ( جمهرة فضائل القرآن )النور، وأنا وغيري في شوق إليه؛ فمتى تتوقعون خروجه؟