قال الشيخ الباحث /محمد بن إبراهيم الريحان فيما يخص الكتاب :
الكتاب لا شك أنه إحدى الدراسات النافعة والمتعلقة بفقه الإمام ابن حزم رحمه الله من جهة محاولة التفقير الموضوعي لمسائل الإمام ابن حزم رحمه الله، ولا أحد ينتقص من علم الشيخ الكتاني رحمه الله.
لكن ما ينبغي التنبيه على: أن من البر بالشيخ أن يقوم حفدته وأولاده بتنقيح الكتاب وضبطه، ليكون في الطبعات القادمة أكثر فائدة، وأليق باسمه ومؤلفه وكاتبه، ففي الطبعات الحالية نقص يتعلق بالتصويب، وكذلك حاجة الكتاب إلى زيادة في المسائل، وتهذيب وتفريع في التفقير.
وأعطيكم بعض الأمثلة على ما فيه من أخطاء متعلقة بمذهب وفقه ابن حزم، وليس ذلك من الأخطاء المطبعية:
المسألة الأولى: أخطاء في حكاية مذهب ابن حزم:
ونأخذ هذا المثال في مسألة واحدة، وهي الكلام على ( آل البيت ): وهو أول عنوان في نسختي القديمة للمعجم، ولا أذكر النسخة الحديثة الآن لأنها ليست تحت يدي، والخطأ في هذا التفقير:
أولاً : تعريف آل البيت المذكور في المعجم أنهم بنو هاشم والمطلب ابني عبد مناف ومواليهم.
وهنا خطأ فاحش ؛ لأن ابن حزم يفرق بين مصطلح ( آل البيت ) ومصطلح ( آل محمد ) فآل البيت عنده هم: نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقط دون غيرهم، ويعتمد في ذلك على نص القرآن { يطهركم أهل البيت } والمراد منه أمهات المؤمنين، ولا يجعل حكم آل محمد كحكم آل البيت في الصدقة والخمس.
ويفسر ( آل محمد ) بأنهم بنو هاشم والمطلب ابني عبد مناف ومواليهم، ويجعل حكمهم تحريم الصدقة باسمها، ويبيح لهم تصرفات أخرى كالهبة والوقف والرقبى والإباحة وغير ذلك، ويوجب لهم نصيب في الخمس.
ثانياً: لم ينبه المؤلف رحمه الله على هذه الفروق، ولا جعل لها تفقيراً، فأوهم أن ابن حزم لا يفرق بين ذلك، وساهم في نقل مذهبه بشكل خاطئ، فينبغي تصحيح هذه المسألة ليصح أنه معجم لفقه ابن حزم رحمه الله.
وانظر أيضاً كل مسألة للإمام فيها أكثر من كلام في مواضع مختلفة، فيقيد ويخصص ويصف ما لا يذكره في رأس المسألة المراد تعجيمها، وهي كثيرة في هذا المعجم، اكتفينا بأولها للدلالة على أمثالها، وهذه المسألة موجودة في مسائل وهي (719) و (1643) وقد أحال المؤلف عليها وهذا الغريب فعلاً، فكيف لم يقف على ما ذكرت وهو موجود فيه.
وكذلك هو موجود في الإحكام أيضاً، لكن هذا لا يلزم المؤلف لأنه اقتصر على المحلى.
المسألة الثانية: سوء التفقير الموضوعي للمحتوى:
ونأخذ مثالاً على ذلك ليتوضح المراد، وهي في الغسل تحت تفقير ( وجوبه بالإجناب ): فقد ذكر المؤلف رحمه الله مسألة الإمام ابن حزم رحمه الله، واكتفى بذلك، ووضع كل هذا تحت مصطلح ( غسل ).
وقد ذكر تحت هذا المصطلح ( يجب الغسل بالإجناب، فلو أجنب كل من ذكرنا وجب عليهم غسل الرأس وجميع الجسد، إذا أفاق المغمى عليه والمجنون، وانتبه النائم أي المحتلم، وصحا السكران، وأسلم الكافر ) .
فإذا أراد الباحث أن يبحث في الغسل سيجد هذه المسألة، وإذا أراد أن يعرف أحكام السكران فلن يقف على مسألة غسله المذكورة تحت مصطلح ( غسل ) فقد ذكر تحت مصطلح ( سكر ) وضوء السكران، ولم يذكر غسله ! وهذا مخل في العمل المعجمي، فكان ينبغي على المؤلف أن يذكر المصطلح الأصلي، وهو ( غسل ) ثم يذكر أحكامه، فيضع ( غسل السكران ) ويحيل على مصطلح أصلي آخر وهو ( سكر ) لأنه محل الكلام على أحوال السكران.
إلا أن هنا خطأ فاحش أيضاً، فإن ابن حزم يرى السكران الذي أولجت المرأة ذكره في فرجها، بأنه يتوضأ ولا يغتسل، وكذلك النائم، والمغمى عليه، والمجنون، إلا إذا أنزل واحد منهم، فعليه الغسل حينها، وله قيد آخر: فإن كان أحد المذكورين غير بالغ، وأدخلت المرأة ذكره في فرجها: فلا غسل عليه ولا وضوء.
وكل هذا من الخطأ الفاحش الذي لا ينبغي تمريره والسكوت عليه، ويجب تصحيحه لتصح نسبته إلى الإمام ابن حزم رحمه الله، وينسب إلى مذهبه.
وكذلك من الخطأ في هذه المسألة الزيادة لكلمة بعد قوله ( وانتبه النائم ) فقال المؤلف ( أي احتلم ) وليست هذه العبارة في مسألة ابن حزم المذكورة، وهي مسألة (170) ومسألة (171).
فهذه أمثلة على الخطأ في نسبة القول إلى ابن حزم، ومن الناحية المنهجية في فن التعجيم، وينبغي مراعاة ما ذكرت وإلا لم يكن للمعجم منفعة حقيقة، ولا يمكن اعتباره مرشداً لفقه الإمام ابن حزم رحمه الله رحمة واسعة.
وقد كنت أدون هذه الملاحظات كلما اطلعت على خطأ منها، فظهر لي أنه يحتاج لتصحيح جديد لكل مسائله، ومراجعة شاملة لكل تفقيراته حتى يمكن الانتفاع به بالشكل الصحيح، ويكفينا تشنيع أهل الهوى على الإمام ونسبة ما لم يقله إليه، فلا نريد أن نساهم في نسبة هذه الأقوال الخاطئة إلى ابن حزم وهو من منها بريء .
.... فهذه تعليقة بسيطة على هذا الكتاب، وأسأل الله أن يسهل على ذرية الشيخ هذا العمل الضخم، وأن يجعل ذلك في ميزان المؤلف رحمه الله رحمة واسعة، والحمد لله رب العالمين.